رواية تشابك ارواح الفصل الاربعون40بقلم امينة محمد


رواية تشابك ارواح 

الفصل الاربعون40

بقلم امينة محمد

تعازي للنهايات سواءً كانت حزينة أو سعيدة، وأرثي بكل جوارحي عن نهاية كُتبت بحروفٍ لتشكل كلماتٍ مليئة بالمشاعر، نهاية راقت لهم ولم ترق لقلبي الذي لم يحب يومًا النهايات.
كتبت عن حياة مضت،
وسأكتب عن حياة قادمة،
بين الحب والوجع،
حياة كُتبت لهم ليعيشوها بكل تفاصيلها دون تخطي أي شيء بها، سواءً كانت قريبة لقلوبهم، أن ستؤذيها.
في قصةٍ كُتب في بدايتها عن التنمر، وعاش تفاصيلها وحده بجوارحه التي نغصت عليه معيشته وجعلت نومه ليلًا مضطرب.
ها هو اليوم يعقد عليها بعد البُعد الذي كتب عليهما لسنينٍ، ومن يدري بأن اللقاء سيكتب لهما مجددًا وليس كأي لقاء، بل انتهى بزواجٍ بعقدٍ بين قلبه وقلبها.
_"أنا مش قادي 'قادر' أصدق إننا بنكتب الكتاب، كنت حاسس إنه ده مستحيل"
قالها «أنس» صاحبة الحلة المميزة، حيث كان يرتدي قميصًا باللون الأبيض وبنطال باللون الأسود، كانت هيئته مهندمة بشكلٍ كبير، بينما هي واقفة أمامه بفستانها الأبيض البسيط، لم يكن عليه أي نقوشٍ بل كان بسيطًا تمامًا يزين جسدها بطوله، وواضعة حول كتفيها وشاح من الفرو لأن الفستان كان بأكمام خفيفة والبرد اليوم قارس.
_"بقينا لبعض يا أنس خلاص، كتب الكتاب هيبقى بداية الحب اللي هيكون بيني وبينك، اللي كنت مهما لفيت مش هلاقي زيه، أنا محظوظة بيك أوي وبوجودك معايا ومحظوظة إني مراتك دلوقتي"
لمعت عيناها بحبٍ كبير عندما أنهت كلماته، وبدأت مراسم الزيجة التي انتهت بزغاريدٍ عالية في الأرجاء وأقترب هو منها يضمها له في عناقٍ قوي، ينعم به بعد سنينٍ طوال من البعد والأسى.
سحبها بعيدًا عن الجميع، في الحقيقة يود خطفها الآن ولكن يقال أن الصبر مفتاح الفرج، وها هو صابرًا حتى يخطفها بعيدًا:
"رايح فين، الجو برا هنا برد أوي!"
_"وأنا يوحت 'روحت' فين يعني، كيس بطاطا ولا إيه، أنا أدفيكِ"
قالها بنبرته اللعوبة مصاحبة لابتسامة واسعة زينت ثغره لتطالعه بخجلٍ كبير، لم تقدر على مواكبة ما يقول بوقاحة، لذلك حذرته بقولها بصرامة:
"أنــس!"
_"أنس جوزي، ناديني بعد كدا بأنس جوزي"
قالها مبتسمًا بتوسعٍ وأقترب نحوها بضع خطواتٍ لتضحك هي قائلة:
"برضو مقولتليش، طلعتنا هنا ليه؟"
سألته رافعة إحدى حاجبيها باستغراب ليشير لها برأسه إلى شيء ما خلفها، التفتت سريعًا لتجد المكان المظلم أصبح مُضيئًا بأضواءٍ كثيرة، وتشكلت تلك الأضواء باسمها بشكلٍ جميل «شذى»، وأُنيرت بعدها تلك الفروع التي كانت مُتشكلة «I love you».
لمعت عيناها بالدموع لما رأته الآن، والتفتت له مجددًا وهي تقول بابتسامة واسعة:
"تحفة بجد، i love you too"
ضمها له قائلّا بعبثٍ ومكر:
"وينفع بيضو"برضو" الحب يكون من غيي'غير' أحضان، دي نكهة الحب دي"
بادلته العناق ضاحكة على مزاحه المستمر معها، ونالت ما أرادت مطولًا رفقته بعدما صاحبها تأنيب ضمير لأجله في البداية ثم وجع لبعده عنها بعدما قرر أن يبتعد بعدما جرحته، ولكنه الآن بين أحضانها تنعم بقربه وحبه المفرط الذي دومًا يعبر لها به، حب لن ينتهي أبدًا.
بيت دافئ،
به زرع،
شريك متفاهم، قوام، حنون،
تركض به القطط،
تنتشر به رائحة الدفء التي تُريح القلوب؛
هذا كل ما أتمنى.
تحرك بخطى ثابتة في الأرجاء يفتح النوافذ ويحرك الستائر عنها لتنتشر أشعة الشمس في المنزل بأكمله، بينما لسانه يتلو القرآن الكريم بصوته العذب وتحرك نحو غرفتهما يفتح النافذة عليها وهي نائمة:
"بسم الله الرحمن الرحيم
ٱلرَّحۡمَٰنُ (1) عَلَّمَ ٱلۡقُرۡءَانَ (2) خَلَقَ ٱلۡإِنسَٰنَ (3) عَلَّمَهُ ٱلۡبَيَانَ (4) ٱلشَّمۡسُ وَٱلۡقَمَرُ بِحُسۡبَانٖ (5) وَٱلنَّجۡمُ وَٱلشَّجَرُ يَسۡجُدَانِ (6) وَٱلسَّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ ٱلۡمِيزَانَ (7) أَلَّا تَطۡغَوۡاْ فِي ٱلۡمِيزَانِ (😎 وَأَقِيمُواْ ٱلۡوَزۡنَ بِٱلۡقِسۡطِ وَلَا تُخۡسِرُواْ ٱلۡمِيزَانَ (9) وَٱلۡأَرۡضَ وَضَعَهَا لِلۡأَنَامِ (10) فِيهَا فَٰكِهَةٞ وَٱلنَّخۡلُ ذَاتُ ٱلۡأَكۡمَامِ (11) وَٱلۡحَبُّ ذُو ٱلۡعَصۡفِ وَٱلرَّيۡحَانُ (12)"
أعتدلت في نومها بسبب انتشار الضوء في الغرفة ولمحته يتابعها بابتسامته الواسعة ومازال يقرأ السورة المقربة لقلبه، تلملمت في مكانها وهمست بصوتٍ ناعس:
"صباح الخير يا مروان"
أكتفى بالايماء برأسه وهو يكمل قراءة السورة ويقترب نحوها يجذبها من أعلى الفراش لأمامه تحديدًا، يقبل جبهتها بحنانٍ مبالغ، بينما هي أحاطته بذارعيها من خصره واحتضنته تستمع لصوته الذي يتخذ طريقًا سالكًا نحو قلبها.
عناق صباحي يحظى به يوميًا منها، ليبدأ يومه مشحونًا الطاقة وقلبه مملوءًا بالأمل.
حيث بعد مرور شهرٍ كامل على وفاة والدها نالا القليل من الحزن والأسى سويًا ولكنه لم يتركها ليومٍ لعقلها ليهلكها، بل كان دومًا جوارها يساندها ويواسيها ويربت على قلبها.
ابتعدت عن أحضانه وتوجهت للمرحاض لتغسل وجهها وتعود له بينما هو رتب الفراش بعدها وعند عودتها كان ينهي قراءة السورة ويدعو الله، ثم ابتسم بوجهها قائلًا:
"صباح الخير زوجتي العزيزة!"
ضحكت على مناغشاته الصباحية لها، وأردفت بصوتٍ هادئ مُحبب لقلبه:
"صباح النور زوجي العزيز، لو فاكر إنك كدا صالحتني عن اللي حصل امبارح فبراڤو عليك أنا اتصالحت"
كاد أن يتحدث ولكن جرس المنزل منعه فتحرك من أمامها نحو الباب يفتحه لتقابله «فاطمة» بوجهها العابس، تلوح له بيدها:
"أنت مزعل سيلين ليه؟ أنطق!"
توسعت حدقتيه بصدمة والتفت يطالعها ليجدها تنظر في كل مكانٍ إلا هو، «فاطمة» التي كانت كأمٍ لها خلال الفترة الماضية، لم تتركها وحدها أبدًا بل ظلت جوارها تواسيها وتساندها في كُربتها.
_"والله؟ أنتِ روحتِ فضحتيني يعني!"
قالها ساخطًا وهو يطالعها، فنظرت له بطرف عينيها وهي تبتلع غصتها، بينما «فاطمة» جذبته من يده نحوها:
"ولا متزعلهاش تاني أنت فاهم؟ فيها إيه ما اتأخرت شوية مع تسنيم برا، هما يعني هيتخطفوا!"
سحب نفسًا وهو يجيب بنبرته الهادئة المُغطاة بالحنق:
"يا مرات عمي والله ما كان قصدي ازعقلها، وبعدين هو مرات ابنك ودي علينا ولا إيه، دول راجعين الساعة 11"
_"آه دول بناتي!"
_"وإحنا مش ولادك؟"
سألها مقوسًا حاجبه لتجيبه بكل بساطة
_"ولا أعرفكم، لو زعلتها تاني هزعلك، أما أشوف البغل التاني كمان اللي اتعصب على تسنيم، أنا هربيكم يا عيال عيلة عبدالمجيد عشان متزعلوش البنات تاني"
عبس صامتًا إحترامًا لها، بينما هي تقدمت لتلك التي مثلت الأدب والاحترام وربتت على ذراعها قائلة بحنانٍ:
"ولا تزعلي نفسك ياحبيبة قلبي، خدتلك حقك"
ابتسمت لها «سيلين» بتوسعٍ وأرسلت لها قبلة عبر الهواء بينما الثانية غادرت الشقة بعدما طالعته شزرًا.
وما إن أغلقت الباب حتى ركضت الثانية للغرفة وهو خلفها أمام الباب الذي أُغلق في وجهه، ردد بتهديدٍ:
"هتفتحي ولا أكسره؟"
_"مش هتكسره، ومش هفتح، هفهمك والله يا مروان"
بررت في محاولة للتحدث بغنجٍ ليهدأ قليلًا، ولكنه نبس بتهديدٍ:
"متقوليش يا زفت، افتحي احسنلك"
كانت ضحكاتها مكتومة على الموقف الذي لم تتمنى أن تُوضع به، وبررت بنبرة درامية:
"أنت زعلتني امبارح وأنا روحت قعدت معاها أنا وتسنيم، قولتلها إنك زعقت وقولت اتأخــرتوا كــدا ليه، قالت هتربيكم"
أنهت جملتها بضحكة صغيرة فُلتت من فمها، ليغمض عيناه يستنشق هواءً لرئتيه عله يهدأ، ثم نبس:
"طب افتحي وهنتفاهم بالهدوء أنا وأنتِ"
فتحت الباب قليلًا لتنظر له بعينيها الزرقاء التي لمعت في محاولةٍ لتثبيته مكانه، وابتسم هو يخدعها بمكرٍ حتى فتحته له فأمسكها سريعًا يجذبها نحوه وهو يقوس حاجبه:
"بتشتكيني لمرات عمي يا سيلين؟ وأنا جاي أصالحك أهو وفي الآخر اتهزق!"
وضعت كفها على خده بدلالٍ قائلة:
"صدقني كانت لحظات فضفضة من جوا قلبي المسكين"
_"مسكين!"
استنكر الكلمة لتومئ له مؤكدة برأسها، تركها مبتعدًا:
"أما نشوف هنفطر إيه، كنت ناوي ادلعك وأعملك فطار كدا حلو، بس خلاص مش عامل ادخلي اعملي يلا"
أمسكت يده وجذبته معها ناحية المطبخ، وتابعهما سبعة قطط، خمسة صغار وكانوا المواليد، وأثنان كبار وهما «مشمش» و«مشمشة».
_"عايش مع 8 قطط!"
قالها وهو يتابعهم بعينيه مبتسمًا، لتُصحح له العدد بقولها:
"دول سبعة!"
_"أنتِ رقم واحد، وبعدين هما سبعة، تبقوا كدا تمانية"
غمزها بطرف عينه بمشاكسة، لتبتسم هي بخجلٍ عما يقول، فمازال دومًا يخجلها حديثه.
تنهدت تغير الموضوع ذلك بقولها:
"مروان، بالنسبة للورث و.."
قاطعها بصرامة وهو يطالع الطعام الذي يعده:
"سبق واتكلمنا في الحوار، أنا حالي بفضل الله تمام وماشي زي الفُل، مش محتاج فلوس من حد يا سيلين، قولتلك شوفي عايزة تعملي بيها إيه وأعملي أنتِ حرة، بس مافيش جنية منها هيدخل بيتي ولا حياتي"
عادت تتنهد بقوة وهي تومئ له برأسها:
"خلاص ماشي، أنا هطلعهم لدار أيتام زي ما قولتلك"
_"زي ما تحبي يا سيلين، براحتك، وعشان خاطري اقفلي على الحوار ده ومتتكلميش فيه تاني!"
قالها بابتسامة لتهدئة الأجواء بينما هي أقتربت له تستند برأسها على ذراعه.
هكذا كانت الغريبة في حياته،
والآن هي استوطنت قلبه وكيانه،
منزله ووقته،
وكل شيء يملكه!
غريب الحب الذي يجمع بين اثنين عقلهما في السماء، وليس في رؤوسهما.
_"نسيب بعض دلوقتي حالًا"
قالتها متذمرة بينما تقف في منتصف الشقة التي كاد كل شيء بها ينتهي، فغدًا زفافهما.
_"أنتِ والله شكلك مش عاوزة تعديها على خير، نسيب بعض إيه وفرحنا اللي بكرا ده!"
_"روحه لوحدك"
عاندت مجددًا بقولها وهي تضم ذراعيها لصدرها، ليتحرك هو ناحية المكان المخصص بالقهوة كما أرادت، ووقف يُعد لنفسه واحدًا وهو يدنن بصوت أجش:
"غريبة الناس، غريبة الدنيا ديه، أعز الناس بيتغير عليا، مافيش إحساس مافيش ولا ذكرى ليا، خلصنا خلاص أنا ماشي وجيبها فيا!"
كان يتقن دور الضحية بشكلٍ كبير لدرجة أنها قالت ساخرة باستنكارٍ:
"عبدالله فوق، أنت اللي مزعلني أنت بتغني إيه!"
رمقها وهو يقوس حاجبه وأقترب يُكمل على نفس الوتيرة وهو يحتسي من القهوة التي انتهت بسرعة:
"لو كنت عملت خاطر، ليوم حلو عشناها، في كدا معقول يا ساتر مافيش كدا في الحياة، لو كنت عملت خاطر..."
لم يُنهي كلماته التي كان يُلحنها بإتقانٍ بسبب امساكها لوسادة وألقتها عليه ولكنه تخطاها سريعًا في محاولةٍ للسيطرة على القهوة التي بيده حتى لا تقع، ورفع بصره يطالعها بصدمة:
"هو إحنا هنبدأها كدا، ده أنا هوريكِ يا بنت محسن"
ترك القهوة والتفت فلم يجدها أمامه، وباب الشقة مفتوحًا على وسعه وهي خارج الشقة بأكملها، تحرك خلفها على الدرج وقال بصوته المرتفع:
"فرحنا بكرا والباب هيتقفل علينا، هتشوفي يا تسنيم يابنت عم محسن هتشوفي"
هربت منه نحو بيتها وهي تلهث بعنفٍ بسبب ركضها على الدرج، بينما هو تحرك ناحية الشقة مجددًا وجلس يحتسي القهوة بكل استمتاعٍ:
"أما عريس بصحيح"
إنه اليوم المعهود، يوم زفافه الذي كان يعد له يوميًا حتى يأتي، اليوم الذي سيراها فيه مُرتدية الأبيض لأجله وليُعقد قلبهما حتى نهاية المطاف.
كان الزفاف في حديقة مفتوحة ببعض الطاولات المتفرقة، وجميع رفاقه هُنا رفقة أحبتهم، كان زفافًا بسيطًا اكتفوا فيه بالصور وبعض الموسيقى الهادئة، وانهى «عبدالله» الزفاف خاطفًا حبيبة قلبه نحو عش الزوجية حيث لا أحد غيرهما.
_"عبدالله خلع، أنتو شوفتوا كاتب إيه على باب الشقة؟"
قالها «آسر» بحنقٍ، ليضحك «مروان» قائلًا وهو يومئ برأسه:
"شوفتها، كاتب ممنوع الزيارات لمدة شهر، الباب متكهرب واللي هيخبط هيتعمل منه شاورما"
_"والله ده عقله راح منه، ربنا يشفيه"
نبس«حمزة» ساخطًا، وطالع «رزان» التي تجلس جواره مرتدية فستانًا باللون الأخضر ليتناسق مع عينيها، وهمس بينه وبين نفسه:
"عنده حق، أنا لو مكانه هعمل كدا"
تلقى ضربة صغيرة من يد «مروان» في كتفه وهو يوبخه بقوله بصوتٍ خفيض:
"أتلم عشان والله أعلقك هنا فُرجة للناس، عِبرة"
وضع يده مكان الضربة يمسدها، واومئ برأسه بعبسٍ، وتحركوا جميعهم بينما «مرام» كانت مُمسكة بيد «آسر» وتفوهت:
"تسنيم تخرج من السجن مع عبدالله الله يعينها، ولازم نقعد إحنا الأربعة سوا"
كان حديثها موجهًا لكل من «رزان» و«سيلين»، فتحدث «آسر» بسخرية:
"ده كدا نقول على نفسنا البقاء لله لو أنتو الأربعة اتجمعتوا، تجميعة الستات دي أنا مش موافق عليها"
_"أنت خايف ولا إيه ياحبيبي؟"
قالتها «مرام» وهي تنظر له بطرف عينها، ليطالعها شزرًا بقوله:
"هخاف منكم هه! أنا مبخافش يا حبيبتي"
_"هو بس قصده يقول إنكم ماشاء الله تفكيركم مينفعش يتجمع سوا، استرها يارب علينا إحنا غلابة"
قالها «حمزة» وأنهى حديثه بمسكنة، لتقهقه «سيلين» بقولها:
"متقلقوش، إحنا هنكون صحاب بس، اشمعنا أنتوا يعني!"
_"صادقة طبعًا صادقة!"
قالها «مروان» ساخرًا وانتهت الجلسة عند هذا الحد وكل منهم أخذ حبيبته.
في النهاية يكون الحب نتيجته ثمار لتزيد من قوته.
فبعد عذابٍ طويل ومراحل قاسية مرت على قلوبهما سويًا ها هما ينعمان بالحب، ها هما يعيشان سويًا تحت سقفٍ واحد.
تلك السيدة التي كانت سببًا في تدهور حياته المهنية ومرضه النفسي والجسدي؛ وُضعت بالسجن، ولكنها مرضت وقام بنقلها لدار مُسنين لتكون تحت الرعاية، وخصص لها جزءًا من ماله لأجلها كل شهر لتكون صدقة عنه وعن زوجته الحبيبة، أما عن ابنتها فكأنها لم تكن بحياته يومًا، حتى أنه لا يزوره أي ذكرى منها، لا بسيطة ولا كبيرة!
جلست جوار أمه وهي تبتسم تلك الابتسامة اللعوبة، ونطقت قائلة:
"آسر، فيه حاجة كدا عاوزة أقولهالك!"
طالعها بملامحها التي كانت تنبض بالسعادة والابتسام، وسأل وهو يحرك رأسه باستنكارٍ:
"حاجة إيه؟ قولي!"
ابتسمت أمه أيضًا بينما هي سحبت نفسًا عميقًا وأردفت:
"أنا حامل"
_"متهزريش!"
قال سريعًا مع ضحكة خفيفة لتحرك هي رأسها بنفي قائلة:
"والله حامل، هروح بكرا أنا وخالتو وأكشف وأشوف الدنيا نظامها إيه"
تحرك من مكانها لجوارها وعينيه تنبض بالأمل:
"أنتِ متأكدة طيب، مرام الحوار ده مفيهوش آه وبعدين لا، أنا ما هصدق أفرح"
قهقهت والدته بقولها:
"عملت الإختبار يابني وطلع إيجابي، بكرا هنتأكد أكتر وان شاء الله يكون خير"
لمعت عينيه بسعادة، لم يتخيل أن اليوم ذلك سيكون قريبًا هكذا مجددًا، لم يتخيل أنه سيصبح أبًا كما حلم لسنين طوال، كرم الله يغرقه الآن من وسعٍ، ضمها له بسعادة وهو يغمض عينيه ويشكر ربه من داخله من أعماقه.
الحياة ابتسمت في وجهه، ونال ما دعى لأجله طويلًا.
مرحبًا أحلامي التي استقرت الآن رفقتها، ها هي اليوم تُكتب على اسمي، وأصبحت رجلها وهي سيدتي.
دعى الجميع لحفل عقد قرانه، جميع من يعرفهم أتوا لأجله، كان يقف كلًا من «آسر» جوار زوجته المنتفخة وهي بشهرها الخامس الآن، بينما «مروان» وجواره «سيلين» مُمسكة بيده، ورفقتهما «عبدالله» وحبيبة أيامه التي عاند الجميع ليحصل عليها، وأيضًا «أنس» الذي تزوج قبل شهرٍ بحبيبته «شذى»، ورفقتهما كان «إياد» الذي عقد قرانه على «ندى» أيضًا.
_"بارك الله لكما، وبارك عليكما، وجمع بينكما في خير!"
أقترب بحلته الخاطفة للقلوب، وأمسك يدها بين يده بابتسامة واسعة:
"ربنا يجعل حياتنا كلها سعادة، وأكون العوض اللي يعوض قلبك وتكوني حبيبة حمزة على طول!"
عيناها لامعة بالدموع فخطفها بين أحضانه يضمها له وأخيرًا، فبعد طول إنتظار الآن أصبحت زوجته، وبعد تردد وخوفٍ منها من تجربتها السابقة وتراجعها الآن هو زوجها.
_"بحبك أوي يا حمزة، أنت أحن وأحسن حد عرفته في حياتي كلها، أنت الأمان اللي جه بعد كل الخوف اللي عيشته، أنت اللي رجعتني للحياة بعد ما كنت بودعها في لحظات صعبة!"
قالتها وهي تشدد العناق متمسكة به، ليردف هو بنبرة بها الحب:
"أنتِ الحياة ليا يا أم العيون الخُضر!"
وصفها بكلمة واحدة جمعت كل شيء بداخله، هي الحياة!
كانت ليلة سعيدة بالنسبة له ولها، وللجميع!
_"إيه هو أنت هتنسى إن كان عندك صحاب؟"
رمى «مروان» تلك الكلمات ليختبر الآخر، والذي فاجئه بقوله:
"لا بقولكم إيه، أنتو مش جايين تفتكروا دلوقتي إن ليكم صاحب اسمه حمزة، كنتوا فين أيام ماكنت سنجل بائس، يلا أنا ورايا سهرة حلوة مع مراتي"
_"أنت مش سالك يالا"
قالها «آسر» ساخرًا ليشكره «حمزة» بنبرته الاستفزازية:
"تسلم ياصاحبي، عارف من غير ما تقول"
ثم أمسك يد «رزان» ولوح لهم بيده مع قبلة أرسلها في الهواء:
"تشاو يا حبايب قلب حمزة، أشوفكم بعدين"
خطفها الوقح، وذهب بها حيث المطعم الذي حجز به طاولة ليتناولا وجبة العشاء سويًا في جلسة حب لا نهاية لها..
_"بورك في الموهوب وشكرت الواهب ورُزقت برها وبلغت أشدها، ربنا يُنبتها نباتًا حسنًا ويحفظها من كل مكروه وسوء وتكون لك قرة عين في الدنيا وفي الآخرة"
هكذا نبس «مروان» بابتسامة واسعة وهو يحمل بين يديه ابنة صديقه «آسر».
_"عقبالك ياصاحبي، تسلم"
قصد بحديثه «سيلين» صاحبة البطن المنتفخة جواره وهي تطالع الصغيرة بين أحضان زوجها:
"ماشاء الله، عسولة خالص يا «ليــان»، ربنا يحميها يارب"
شكرتها هذه المرة «مرام» الجالسة في فراش المستشفى بابتسامتها المتعبة:
"حبيبة قلبي، ربنا يقومك بالسلامة أنتِ كمان!"
حمل «آسر» الصغيرة وودعهما «مروان» و«سيلين» وتوجها للخارج تحديدًا نحو سيارته التي اشتراها ورزقه الله بها.
_"مقولتليش هنسمي إيه؟"
سألته وهو يقود السيارة تجاه المنزل، وقبل أن يجيبها قالت:
"نسميها عهد؟"
نظر لها ثم للطريق وهز رأسه بنفي:
"لا هسميها حاجة كانت عامل مشترك بيني وبينك، وحبي ليكِ بيزيد بسببها... ياسمين مروان عبدالمجيد"
تلذذ بقول اسمها بين شفتيه، فابتسمت بتوسعٍ على اقتراحه، يغمرها دومًا بالحب بعفويته التي تحيط حياته وحياتها.
_"إن شاء الله، ياسمين مروان عبدالمجيد"
نُقطة وضعت في نهاية الصفحة بعدما دونت اسم صغيرتها، واستمعت لصوته يناديها بعدما أذن المغرب ليجلسوا جميعهم حول مائدة الإفطار في رمضان المبارك، جميعهم هنا في سعادة عامرة، أغلقت الدفتر الذي دونت به كل صغيرة وكبيرة مرت في حياتهم.
حيث أن الأرواح التي لم يتوقع أحد أن تلتقي بتاتًا تشابكت، وتشابكت بحبٍ قوي، خيوطها كانت قوية لدرجة لا يُمكن قطعها.
علاقات الحياة استمرت،
وستظل مستمرة،
وسيُبنى على أثرها حب، عشق، حنان، دفء.
وهكذا كانت النهاية التي دونت بقلبٍ مفطورٍ من الحزن على الوداع، وداعًا ليس بالحسبان ولكنه كان حتمًا آتٍ.
وبقلبٍ يرتجف أقولها
«تمــت بحمد الله وتوفيقه»
«تشابك أرواح، حيث الأرواح المتشابكة والقلوب التي أُنقذت من على جرف الهاوية!"
تعليقات



<>