رواية تشابك ارواح الفصل الحادي والعشرون21بقلم امينة محمد

رواية تشابك ارواح

 الفصل الحادي والعشرون21

بقلم امينة محمد

 أي قنبلة تلك فجرها الآن في وجوههم، أي المصائب ألقاها الآن في لحظة لتفتح فجوة كبيرة في قلبها هي؟

يقول أن والدها قتل أمها!
كيف أمكنه قول ذلك؟
عقلها توقف عن التفكير، وتوقفت هي تمامًا في تلك اللحظة لا تستطع استيعاب ما يقول، وكأن الزمن توقف وتوقفت هي، سمعت أصوات غير مفهومة حولها من الجميع، «وأنس» يبرر لهم كل شيء ويخبرهم بما عرف، ولكنها لم تفهم حديثه وكأنه يتحدث بلغة لا تفقه عنها شيء!
تذكرت كل لحظة كانت جيدة مع والدها؛ فلم تجد أي شيء جيد لتغفر له ما فعله، وصل به الحال بأن يحرمها من أمها ومِمَن كانت أحن شخص عليها، جعلها تفقد الحنية والأمان والإستقرار!
هي الآن بحرب قوية، هي الطرف الأضعف وخصيمها والدها وهو يُنهي حياة كل من تُحب؛ أمها، حيوانها الأليف، حبيبة حبيبها!
هي الآن تعيش نوعين من الصدمة؛ أولهما صدمة الفقد، بفقد أحبتها، وثانيهما بأن القاتل «وليد الأنصاري»؛ والدها!
فاقت عليه ينبس جوارها بجسده القريب منها بسبب صمتها الذي طال:
"سيــلين، أنتِ كويسة؟"
طالعته ثم طالعت الآخر، صاحب القنبلة المتفجرة في وجهها، وقفت في مكانه واقتربت أمامه ترفع سبابتها في وجهه صارخة:
"أنت كذاب، أنت كذاب يا أنــس، قولي إنك بتكذب، بابي استحالة يقتلها، استحالة يعمل كدا، ده ..ده كان بيحبها، أنت كذاب يا أنس!"
تعاني الآن من اضطراب مابعد الصدمة جعلها لا تصدق، لا تستوعب، فقط تنكر الحقيقة المُرة التي تعرضت لها، ثم التفتت في وقفتها «لمروان» تُشير له بيدها على «أنس» والدموع انهمرت على خديها بشكلٍ قاسٍ:
"مروان هو بيكذب صح، استحــالة يا مــروان، استحالة، مروان بالله عليك قوله يسكت وميقولــش كدا تاني!"
في كل مرة تستنجد به وبأسمه، وكأنه المُنقذ الذي يُنجيها من غرقٍ في محيطٍ بارد مليء بالجليد، كأنها تجد فيه الأمان والنجاة كمَن يخلصها من بستان مليء بالشوك.
أقترب ناحيتها يلبي نداءها المُتوجع، جذبها من كتفها ناحيته وهو يهمس لها بنبرة خافتة هادئة تبث بعض الطمأنينة بقلبها:
"تعالي نطلع الشقة، واتنفسي عشان متتعبيش"
تهز رأسها باستمرارٍ غير قادرة على التصديق، بينما «أنس» كاد أن يتحدث بوجه حزين عليها، يعلم أن الصدمة كبيرة عليها ولكنه لمح إشارة من «الحاج إبراهيم» يمنعه من التحدث، وتحدث هو بدلًا عنه ينظر تجاههما:
"خدها يا مروان وروحوا خليها ترتاح يابني، البقاء لله يابنتي، ربنا يصبرك!"
وكأن أمها ماتت للتو وهي تتلقى الخبر المُفجع بارتجاف شديد، تفتت قلبها وقُيدت روحها.
جذبها«مروان» معه وهي مازالت تردد ببكاءٍ مرير وعينيها مُعلقة عليه في مشيتها:
"قولي أنه بيكذب بالله عليك، قتل مامي وهو عارف إني محتاجة لها أوي، قتلها وأنا لسه بيبي صغيرة!"
نظر لها ثم للطريق أمامه ويده تربت على ذراعها بحنية بالغة خرجت من أعماقه لأعماقها وهمس بحزنٍ طاغي على صوته، وكأنه هو الآخر يستجمع موت والده ووالدته اللذين فقدهما خلال يومين:
"حقك عليا، أهدي نروح البيت عشان إحنا في الشارع، أهدي هنروح ونتكلم!"
بالفعل صمتت، ولكن صوت شهقاتها ظل بأذنيه يتردد دون توقف، لم تستطع السيطرة على نفسها ولا بكائها المقهور.
دلفا سويًا للشقة وجعلها تجلس على الأريكة لترتاح بسبب رعشة جسدها القوية، ثم ولج هو للمطبخ وأتى بماءٍ بارد في محاولة لكبت النار التي داخلها، رفع الكأس يساعدها في الشرب ثم وضعه جانبًا وأمسك يديها التي ترتجف بقوة شديدة بين يديه:
"أنا عارف إنه صعب، والبلاء كبير أوي عليكِ وعلى قلبك، وعارف إن صدمة إنه اللي قتلها كبيرة عليكِ، جزاته عند ربنا كبير أوي ده قاتل وسارق وعامل بلاوي كتير الله أعلم إيه تاني إحنا منعرفوش، هسيبك تعيطي عشان ترتاحي وعشان الطاقة السلبية دي متفضلش جواكِ كتير، بس بعدها متعيطيش تاني، مامتك الله يرحمها دلوقتي بين ايد ربنا واوعدك إني كل ما هعمل حاجة لأمي وأبويا هعملها معاهم، بنية الصدقة على روحها إن شاء الله، وادعي تشوفيها فالجنة إن شاء الله، هناك هنلتقي بكل الأحباب اللي فقدناهم في الدنيا"
_"ممكن تحضني!"
قالتها بشهقاتٍ متتالية، للمرة الثانية تطلب عناق دافئ يحتويها، في المرة الأولى لم يقدر على فعلها لأنها لم تكن مُحللة له، ولكن الآن؟
لمَ لا؟
حاوطها بذراعيها يضمها له، كانت كالصغيرة بين هيئته الضخمة عنها، يضمها بعناقٍ قوي ليخفف عنها الاحمال الثقيلة المُحملة فوق اعتاقها، شددت هي الأخرى على ذلك العناق كأنه الأخير، ولكنه كان الأول ولن يكون الأخير!
بكت وبكت، حتى أصبح صوتها يضعف شيئًا فشيء، بدأت أنفاسها تنتظم وجسدها المتشنج يهدئ.
يخاف أن تصيبها الحالة التي أتتها عندما حاول والدها قتلها بالسيارة وهي أمام عينيه، فهو لن يقدر على تهدئتها إن أتت ولن يستطع فعل شيء سوى أنه سيكون عاجز!
كانت يده اليسرى تربت على ظهرها باستمرارٍ، بينما اليمنى تمسد على شعرها بحنانٍ بالغ، لم تجد عناق دافئ كهذا من قبل لدرجة أنها لم تكن تود أن تبتعد عنه ابدًا، ودت لو تتوقف الساعة هُنا عليهما ويظلا هكذا لنهاية العمر علها تشبع حنية لم ترها في حياتها كلها.
بينما هو يغمض عينيه بأسفٍ على حالتها تلك، وداخله يتشابك مع دواخلها لينتقل إليه شعورٍ غريب ممزوجٍ بأمان كان يود يومًا لو يشعر به مع مَن يُحب!
غرابة شديدة حاوطته لأنه يشعر به الآن معها!
أحاطته غمامة سوداء من الغرابة، وهو يشعر بتأثيرها القوي الآن، وبداخله أعجبته بشدة وراقت له تلك اللحظة!
حرك رأسه ينظر لها مُتسائلًا بنبرة مليئة بالهدوء:
"أحسن دلوقتي؟"
أومأت برأسها وابتعدت قليلًا عنه تنظر له بعينين متلألأتين أثر البكاء، ووجه أحمر كالدم من شدة إرتفاع الضغط الذي شعرت به على قلبها، تنهد على حالتها ووقف يمد لها يده:
"تعالي غسلي وشك، ونطلع نقعد في البلكونة، الجو كويس والهوا هيريحك!"
بالفعل تحركت معه بعد ايماءة بسيطة من رأسها وتوجهت للمرحاض تغسل وجهها ثم خرجت له وجلست أرضًا جواره تستند برأسها على كتفه ولفت ذراعيها حول ذراعه تُمسك به بقوة، تُمسك بالأمان بين يديها، وتُقسم بداخلها بأنها لن تتركه يرحل بعيدًا عنها!
نبس بصوتٍ عذب هادئ، ولج لقلبها وأحاطها بكل معاني الراحة والأمان، لم ولن يأتي بعده ما يهدء روع الإنسان أبدًا، وجملت الآيات صوته أكثر من جماله:
"بسم الله الرحمن الرحيم أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ* وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ* الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ* وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ* فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا* إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا* فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ* وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَارْغَب"
______________
بالمجلس بعد رحيل «مروان» و«سيلين»، نظر «الحاج إبراهيم» نحو «أنس» يسأله عن التفاصيل وطالبًا التفسير لكل شيء قاله «أنس»:
"كمل يا أنس وبعدين، أنت جيبت المعلومات دي إزاي؟"
اعتدل «أنس» في جلسته يخبرهم عن كل شيء والأسف باديًا عليه لأجل تلك المسكينة التي عاشرها لسنينٍ طوال هي وأباها القاتل:
"من الخدامة اللي كانت شغالة عندهم زمان، وليد مهددها والخدامة دي قاعدة في مكان مقطوع بعيد عن هنا، طبعًا وأنا بجمع كل حاجة عيفنا 'عرفنا' طيقها 'طريقها' وبعتلها حد يستفهم منها ووعدها إننا هنأمنلها كل حاجة وتكون في أمان، قالت إنه وقتها حصل بينهم خناقة 'كبيية' كبيرة ووليد زقها وقعت على تيابيزة 'ترابيزة' زجاج، ماتت في ساعتها ووليد خلص كل الإجياءات 'الإجراءات' ودفنها على أساس ماتت بتعب عادي وطلع شهادة الوفاة والقصة اتقفلت على كدا، وبما إن الخدامة شاهدة على الحادثة دي قولتلها تشهد في المحكمة في مقابل أي حاجة هي عيزاها، وطلبت مني أسفيها 'أسفرها' هي وبنتها الوحيدة بيا 'برا' مَصي 'مَصر' بعد ماتشهد، وأنا وافقت!"
هذه المرة تحدث «عبدالستار» ونظراته بين «أنس» و«الحاج إبراهيم» بإستفهامٍ:
"طب إحنا دلوقتي معانا معلومات كتير توديه في داهية! مستنين إيه؟"
ضم «أنس» يديه لبعضهما تجاه صدره وهو يقول بهدوءٍ:
"مستني أجيب كل حاجة تخليه ياخد إعدام، قتل ونصب وجيايم 'جرايم'!"
لم يكن بمزاجٍ جيد ليتحدث ولكنه لم يمنع نفسه من سخرية طفيفة خرجت من بين شفتيه، لم يكن صاحبها سوى «حمزة» الذي أتى من المستشفى ليعرف ما سبب تلك الجلسة!
_"جيايم، والجيايم دي عرفتها كلها عن وليد بس، ولا نادر في الحسبة!"
عبس الآخر بوجهه وهو يهتف بنبرة حادة بنظراتٍ موجهة «لحمزة» تحديدًا:
"هو أنت مبتعيفش'مبتعرفش' تمسك لسانك؟ بكلمك بجد ده لسانك أطول مني أنا شخصيًا وأنا 190سم"
ابتسم «حمزة» بتنهيدة خارجة من أعماقه وهو يضع يده على رأسه كإعتذارٍ له:
"حقك على راسي ياعم، متزعلش، أنت عارف بحب اهزر معاك، بكلمك بجد جاوبني نادر ملوش في الحسبة!"
كانت نظرات «أنس» ساخطة له وفي نفس الوقت مازحة، ثم أجابه بايماءة بسيطة:
"له كل التقيل، وبعدين أنا سمعت إنه مشيف'مشرف' في الحبس بتهمة محاولة قتـل مياته 'مــراته'، فإن شاء الله نتمنى يلبس التهمة وياخدله إعدام هو كمان، وغير إنه هيتشد مع وليد عشان هما الاتنين مساعدين بعض!"
_"حلو أوي، إعدام هو كمان ان شاء الله خلينا نخلص منه هو واللي جابته ابن الـ "
كان يتحدث بإنفعالٍ واضح وسرعان ما صمت عندما وجد الأنظار نحوه، فأدار وجهه بتنهيدة عالية وتحرك من مكانه قائلًا:
"عندي مشوار مهم، هستأذنكم!"
ثم سحب من يد «عبدالله» مفاتيح الدراجة النارية وتحدث له بابتسامة:
"هاخدها، ومش هتأخر متقلقش عليا، هطمن بس وأرجع!"
أومأ له «عبدالله» بتنهيدة وتحرك من أمامهم «حمزة» حاملًا الحزن فوق عاتقيه كمَن يرعى مدينة بمشاكلها وحده، طاغيًا عليه بشكلٍ مُلفت جعل من «إبراهيم» يطالعه في مشيته وقال كلمة واحدة سمعها «حمزة» واماء له:
"لينا كلام سوا لما ترجع ياحمزة"
تحرك «آسر» هو الآخر من مكانه بتعبٍ ووجه مصفر من القلق في غياب أمه كل ذلك الوقت، فلم يلمحها حتى الآن بعودتها للمنزل، ترى أين هي كل ذلك الوقت وماذا تفعل؟
عسى أن يكون كل ما يتخيله كذب، عسى أن يكون تفكيره كله كذب!
استأذن منهم جميعًا وغادر نحو المنزل تحديدًا في شقة أمه ينتظر عودتها!
بينما بالمجلس طالع «مُحسن» «عبدالله» الشارد بسخطٍ وقرر أن يُزيد همومه فجأةً بقوله:
"خطوبة تسنيم أن شاء الله هتبقى آخر الأسبوع، تشرفونا!"
ضحك!
ضحك عالٍ خرج من فِيه «عبدالله» بسخرية دون أن ينظر لأحدٍ مما جعل «إبراهيم» يسأله باستغراب كبير وهو يطالعه:
"بتضحك على إيه ياعبدالله؟"
_"معلش يابابا، افتكرت نكتة بس، حقكم عليا، أصلها رهيبة بتضحك أوي، ألف مبروك ياعم محسن ياعسل، عقبال لما تشيل عيالها وعيال تامر وتارا كمان، وتشيل عيالي أنا كمان أنت برضو بركة"
قالها والابتسامة تشق طريقها على فمه بسخرية، وهنالك لمعة حزن طغت على عينيه لم يلحظها أحد، وغطتها نظرات تحدي بادلها «لمُحسن» الذي علّت ملامحه الامتعاض والضيق!
تحرك «عبدالله» من مكانه وهو يُخبر والده بوجه التحديد بابتسامة بسيطة زينت ثغره:
"بابا أنا رايح الورشة عشان عندي كام حاجة لسه هخلصها عن اذنكم كلكم، آه صحيح ماتنساش تعزم عم محسن وعم عبد الستار على الإحتفالية الصغيرة اللي هنعملها آخر الأسبوع بمناسبة الفرع التاني للورشة اللي هيتفتح في إسكندريه إن شاء الله"
ثم تحرك بعدما ألقى كلماته للخارج، بينما أردف «إبراهيم» وهو يتابع اختفاء ابنه ثم وجه بصره لهما:
"عقبال عندكم، عبدالله ربنا كرمه وهيفتح فرع جديد للورشة في اسكندرية شراكة مع ميكانيكي كبير ان شاء الله!"
ابتسامة خرجت من «عبدالستار» قائلًا بنبرة ودودة تحمل الحب «لعبدالله» الذي يعتبره كابنه هو الآخر:
"ماشاء الله ربنا يكرمه، عبدالله بيثبت للكل إنه شخص طموح وشاطر، بيسعى ويجتهد وربنا بيديله على قد تعبه وعلى قد كرم ربنا عشان هو يستاهل كل خير، خسران اللي مش فحياته عبدالله، وعقبال ما تشوفه عريس إن شاء الله ياحاج!"
_"إن شاء الله"
هكذا نبس «الحاج إبراهيم» وعينيه مثبتة على «محسن» الذي صمت؛ لا يعلم ما بداخله تجاه ابنه، ولكنه يتمنى أن يكون خيرًا لأنه لا يود أن يخسر شيء أو شخص يحقد على وحيده!
_________
أحيانًا، بل دائمًا وأبدًا؛ يحتاج الإنسان إلى شخص يحنو عليه أكثر مما يفعل هو على نفسه، يقبل خوفه وشَتاته ويُطمئنه، يخبره أنه لا يريد غيره بديلًا وأنه سيبقى مأواه وأمانه. يحتاج الإنسان أن يرى نفسه الأغلى حتى بعيوبه وعِلته!
كان يجلس ينتظر قدوم امه وفي رأسه يدور آلاف الأشياء التي تؤرق تفكيره الآن، وستؤرق نومه لأيامٍ طوال لم يعد يشعر بأنه هو نفسه بل يشعر بأنه شخصٌ آخر لا يعرفه، أشتاق لنسخته القديمة، أشتاق لنفسه، ولكن ما باليد حيلة للعودة لتلك النسخة، هو الآن في بئر عميق مظلم يحاول أن يُعافر وحده ليَخرج منه!
لا يعلم من أين له بتلك القوة التي تجعله حتى الآن واقفًا على قدميه، وهو بداخله حرب لا يعلم عنها أحد شيء بداخله أجيج لن يزول إلا عندما يعرف من صاحب اللعنة التي اكتسحت حياته، جسده الذي يرتجف ليلًا وحده، عينيه المتعبة قلبه المُتألم، روحه الهائجة؛ كل ذلك يود لها علاج، ولكن أين يجده؟
فر من كل شيء لطريق واحد لن يخذله أبدًا ولن يخذل أي إنسان على الأرض، طريق واحد؛ وهو إلى الله!
وجد أمه تدخل للشقة، فرفع بصره ينظر لها ووقف أمامها يسألها سؤال واحد بملامح واجمة يطلب التفسير فقط:
"أنتِ كنتِ فين يا ماما؟"
_"بسم الله الرحمن الرحيم، خضتني ياولا يا آسر، في إيه يابني مالك، وشك أصفر كدا ليه؟"
قالتها بقلقٍ وهي تتابع ملامحه ووجهه المُتعب، ورفعت يدها تضعها على وجهه فأمسكها بين يديه يضغط عليها وهو يسأل مجددًا:
"كنتِ فين، أنا شوفتك وأنتِ نازلة وقابلتي حد، ومشيتِ على بيت الست حكمت، بتعملي إيه عندها في نص الليل ونازلة وكأنك بتستخبي من حد، هو في حاجة أنتِ مخبياها عني؟"
كانت تتابع ذلك التيه الذي احتل ملامحه، تشعر وكأنه بعالم آخر ولكن جسده هنا معها، وكأنه ينتظر منها أن تخبره بشيء ليُكذب شعوره، هي أمه التي ربته وتعلم كل تقلباته ومشاعره وشكله وهو خائف وقلق، وبالفعل أجابته بنبرة هادئة:
"هقولك، بس في المقابل هتقولي مالك وفيه إيه؟"
أومأ برأسه موافقًا على تلك الفكرة، وتحركت من أمامه للأريكة تجلس وهي تزيل حجابها عن رأسها قائلة بتنهيدة:
"بس الكلام ده ميطلعش برا عشان فيها مصيبة، البت مديحة حامل.. طلعت متجوزة الولا فتحي عرفي وأمها عرفت وهما دلوقتي في مصيبة ومش عارفين يعملوا إيه، فأتصلت بيا وهي بتعيط روحتلها، واقترحت عليها تروحله البيت وتعرفه عشان بنتها وشرفها، بس بالله عليك يا آسر ما تقول لحد، أنا مكنتش ناوية أقولك بس أنت فيه حاجة فيك، وأنا مستنياك تقولها!"
يشعر بالتقزز من نفسه لأنه شك بأمه بأنها هي من فعلت له ذلك السحر المُصاب به، كيف فعل ذلك الآن!
ضميره يؤنبه بشده فسحب نفسًا عميقًا وتوجه لها جالسًا جوارها، ثم استلقى ووضع رأسه على قدميها يضمها من خصرها بذراعيه، واضعًا وجهه بأحضانها، ثم تحدث بنبرة شبه باكية أقرب للهمس:
"ابنك تعبان أوي يا أمي، ابنك مهموم، ابنك حاسس إنه هيموت قريب من كتر التفكير والخوف والتعب اللي في جسمه، جسمي كله بيوجعني أوي يا أمي، وقلبي واجعني أوي، حاسس أن هموم الدنيا كلها فوقي، حاسس بصخرة كبيرة أوي فوق قلبي، أنا تعبان أوي وكل حاجة بايظة!"
شهقت بعنفٍ وهي تستمع له، فهي لأول مرة تراه بتلك الحالة، لأول مرة تشعر وكأنه مُحطم بالفعل؛ محطم خارجيًا وداخليًا، هي تشعر بأنه ليس بخير منذ أيام عديدة، ولكنها صامتة حتى يأتي هو ويصارحها بكل شيء، ولكن طفح الكيل ها هو الآن يُعاني وحده!
مسدت على شعره بحنانٍ وهي تقول بنبرة شبه نبرته، باكية مُتألمة لحال ابنها:
"بسم الله على قلبك يابني، بسم الله الرحمن الرحيم، متقولش كدا يانور عيني، مالك بس يا آسر، في إيه يابني مخليك تايه وحاسس بكل ده، شايل الوجع ده كله ليه لوحدك ياحبيبي!"
بكى بشدة، ضاق به الحال، عبد ضعيف تملكه الحزن، عبد مُحطم تملكه الأسى، بكى كطفلٍ صغير في أحضان أمه، لا يستطيع وصف مابه لأحدٍ، حتى وإن كانت أمه، ولكنه لا يعلم بأنه خرج من داخلها، تشعر به بدون حديث أو شرح منه.
بكت هي الأخرى وهي تشدد على احتضانها له، عل ذلك العناق الأموي يخفف عنه، عناقٌ مليء بالحنان يهديه الراحة النفسية، عناقٌ دافئٌ كأنه شمس تشرق في القلب تدفئه.
بعدما هدأت مشاعرهما الهائجة المتالمة كأمواج البحر التي ترتطم بقوة في صخرة كبيرة في وسط البحر، كانت تربت على ظهره بحنانٍ حتى هدأ تمامًا يُخبرها بنبرة مرتجفة:
"أنا فيه حد عاملي عمل، روحت لشيخ مع الحاج إبراهيم ومروان، قالي حد من اللي حواليك، الدنيا سودا أوي من حواليا"
_" يالهوي يابني يالهوي، مين ابن الحرام اللي عاملك العمل، انطق يا آسر!"
سألته بنبرة سريعة تود أن تعرف وبؤبؤتيها متوسعتين بصدمة، بينما هو استقام جالسًا يمسح وجهه جيدًا، وحرك كتفيه بجهلٍ وأجابها:
"معرفش، متقوليش لحد، أنا هعرف بطريقتي وهعرف الشيخ هيفكه، ادعيلي بس يا أمي أنا مستور بدعواتك، ربنا يعدي الأيام دي على خير!"
شعورها الآن لم يكن سوى التقيد؛ كالمقيدة لا تعرف ماذا تفعل، هي أم والأم عندما ترى صغارها بخطرٍ تُشعل العالم بآسره، وهي الآن ترى ابنها مُحطم مُصاب بالسحر والمرض، يبدو وكأنه على مشارف الموت كما يشعر!
شعر بالتخبط الذي أصابها فمسد على شعرها بيده وبابتسامة خفيفة طمئنها:
"متقلقيش، قولتلك ادعيلي بس، ابنك لسه فيه شوية صحة ساندينه، أنا طالع شقتي أرتاح، تصبحي على خير ياحبيبتي!"
اقترب يقبل رأسها وتحرك تاركًا إياها في حربٍ لن يشعر بها أبدًا، تاركًا إياها تُحارب ذاتها وتدعي من قلبها على من فعل به ذلك، تدعي بأن يَكشف الله له من يئذيه!
بينما هو وصل لشقته التي بها «رنا» وولج لها للغرفة فوجدها تجلس على الفراش وتنظر له بعينيها بحزنٍ واضح، تنهد بأسف وتغلل لداخله شعورًا بالندم تجاهها، اقترب لها وربت على ظهرها بحنانٍ هامسًا بأعتذار:
"حقك عليا، أنا آسف، مقصدش ازعلك كدا أنتِ أغلى حاجة في حياتي يارنا، ومن غيرك آسر مش موجود!"
رضت عنه بسرعة شديدة كما العادة، يُحزنها ويأتي ليعتذر ثم ترضى عنه سريعًا، فلقبها بصاحبة القلب الطيب لذلك!
عانقته وهي تقول بنبرة هادئة بتنهيدة:
"خلاص حصل خير، ربنا ميجبش مشاكل!"
_"يارب بجد!"
قالها واستند برأسه على كتفها، لا يعلم أي شعور يحاوطه الآن، ولكنه يشعر وكأنه كمغناطيسٍ جُذب لها فجأة وتوقف عقله عن التفكير، أغمض عينيه ليرى في نقطة بعيدة «مرام» أمامه بشكلها المُخيف، و«رنا» تقف خلفها مُكممة ومُقيدة!
شدد على عناقه لها خوفًا من أن يصيبها شيء، لثاني مرة يرى ذلك التخيل، أيعقل؟
________
صباح جديد، أتى مُنيرًا قلوب الجميع هُنا، إلا قلوبهم المُظلمة من الداخل، فما يمرون به ليس بهينٍ، وما يشعرون به قاسٍ للغاية!
يُخرج أنفاسه المليئة بالدخان وهو واقفًا أمام المستشفى شاردًا في نقطة وهمية بعيدة، الأسف يحاوطه عليها وعلى حالتها الآن، أخبرهم طبيبها صباحًا بأنها من المُحتمل أن تستيقظ اليوم ولكن برضوضٍ بأماكن متفرقة من جسدها، وكسرٍ في ذراعها وقدمها، وبعض الجروح العميقة بوجهها.
بالأساس هي محطمة من ضرب «نادر» لها، فأتى كل ذلك الآن لتزداد أوجاعها أكثر، بالتأكيد ستستيقظ غير قادرة على مواجهة شيء أو حتى أحد!
_"منك لله يانادر يا كلب!"
نبس بها بينه وبين نفسه وهو يرمي السجارة من يده ويضغط عليها بقوة، ثم التفت ليدخل للمستشفى فوجد «روان» خلفه تبتسم له بشكلٍ ازعجه، تلك الحمقاء لماذا تظهر له أينما ذهب!
_"خير؟"
قالها بحنقٍ وحاجب مرفوع، لتبتسم أكثر وتقترب له تقف أمامه مباشرةً مما جعله يرتد خطوة للخلف:
"جاية أصفي كل اللي بينا والشدة اللي حصلت، يعني أنت واحد كويس وأنا شديت معاك غصب عني من خوفي على أختي بس، عمومًا حصل خير أنا روان!"
رمقها بسخرية واضحة على ملامحه، وقال بتشدقٍ مُستهزأ منها:
"أنا بس اللي أقول حصل ولا محصلش، فـ لا محصلش، فابعدي عني وقولي يارحمن يارحيم عشان أنا والله تربية حارة كلها سفاحين ماعدا واحد بس!"
قصد بكلامه المحترم الوحيد «مروان»، فهو تذكره الآن لأشتياقه له، ذلك الوغد منذ أن تزوج وهو بعيد عنهم!
وقفت أمامه مجددًا قبل أن يغادر وهي تسأله باستنكار:
"هو أنت مش طايقني ليه؟ أنا معملتش حاجة!"
_"لله فـ لله والله، القبول ده من عند ربنا وسبحان الله ربنا مش رازقك بربع جنية قبول، شوفي مهببة إيه فحياتك بقى عشان تبقي كدا، وخلي بالك لو بتلعبي بديلك فأي حاجة أنا عيني مفتحة كويس أوي، ولما بشك في حد بيطلع شكي في محله!"
بدأ كلامه باستهزاءٍ ونهاه بتهديدٍ حاد، مما جعلها تتوتر وهي تسأله بحدة اختلقتها:
"تقصد إيه بـ بلعب بديلي دي، أنا معملتش حاجة وحاسب على كلامك عشان مقولش لبابا حاجة عنك، أنا هسكت بمزاجي!"
ضحك عاليًا وساخرًا من حديثها وهو يخبرها بتحدٍ وحاجب مرفوع:
"لا بالله عليكِ متقوليش لبابا حاجة أصلي خوفت أوي، أنتِ عبيطة باين هجيلك وقت تاني تكوني استهديتِ بالله، ولا مش جاي مش عاوز أشوف وشك، وافتكري عملتِ إيه كويس خلاني كارهك بالشكل ده!"
أمسكته من ذراعه فجذب يده سريعًا بنفورٍ منها وهو يرفع سبابته في وجهها قائلًا بحدة بالغة:
"أنتِ هبلة إزاي تسمحي لنفسك تلمسيني بالشكل ده وإزاي تسمحي لنفسك إنك تعترضي طريقي ولا تمسكيني كده، متخلينيش اتغابى عليكِ علشان أنا اساسًا مبشوفش أي حد قدامي ولو عايزه تعرفي عملتِ إيه؛ فإحنا لما بعتنالك أنتِ مقولتيش لأبوكِ حاجة، لولا أن إحنا بعتناله مكنش زمانه عارف حاجة ولا كان زمانه عرف اللي بيحصل لبنته من نادر، فشوفي أنتِ بتلعبي في إيه وابعدي عن النار أحسن، ياريت تبعدي عن الشر علشان أنا لو عرفت حاجة، وربنا ما هرحمك زي ما هعمل مع نادر بالظبط"
ثم تركها وغادر لداخل المستشفى يطمئن عن حالة تلك المسكينة التي تقبع على سرير غرفة العناية المشددة، وهي بعالمٍ آخر تمامًا، علِم أنها على وشك الإفاقة وسيتم فحصها ونقلها لغرفة ثانية ليتمكنوا من رؤيتها!
____________
دعوة المظلوم لا ترد، دعوته مُجابة وسيأتي الله بحقه في الوقت المُناسب، والآن تلك الدعوة أتت على الظالم «مُحسن» من قلب «عبدالله» مكسور النفس، ومكسور القلب بسببه!
وصلت لها صورًا لم تكن سوى بهاتفها، صور لها بالمنزل بشعرها وبملابس بيتية من رقم غريب لا تعرفه، شهقت بعنفٍ وارتجفت أوصالها من الخوف، بأصابعٍ مرتجفة أرسلت له:
"أنت مين؟ وجبت الصور دي منين؟"
_"ملكيش دعوة ياقطة، صورك هبعتها لخطيبك ولتلفونات الحارة كلها لو معملتيش اللي أنا عاوزوا!"
_"عاوز إيه؟"
أرسلتها له وانتظرت إجابة وتجمعت الدموع بعينيها، وعندما كانت تنتظرها سمعت صوت الجرس الذي صدح في المنزل فتحركت بسرعة نحو الباب تفتحه ولم تجد سوى الملاذ خاصتها أمامها، فهمست بضعفٍ:
"عبـدالله؟"
رفع حاجبه باستغراب لحالتها تلك، أومأ برأسه وهو يسألها بشكٍ:
"آه، محتاج أتكلم مع تامر هو فين؟"
_"تامـر، مش ..مش عارفة!"
قالتها بتوترٍ بالغ، ظهر عليها سريعًا مما جعل قلبه ينقبض بخوفٍ عليها لتلك الحالة التي أمسكتها، كانت كالتي أمسكها سلك كهرباء ولا تعرف طريقًا للفرار منه، انتبهت لصوت الرسالة التي اتتها ففتحتها سريعًا وهي ترى محتواها:
"تجيلي البيت وهتعرفي أنا مين، بس مش هقولك العنوان غير لما تيجي عند جامعتك ووقتها هعرفك، وتتصرفيلي في 15 ألف تجبيهم معاكِ، أبوكِ عنده أراضي وعلى قلبه كتير!"
رفعت بصرها سريعًا «لعبدالله» تستنجد به بعينيها، بينما هو مرر نظره عليها ثم على الهاتف ومد يده يأخذه منها وهي لم تعترض، رأى الرسائل جميعًا وتغاضى بالنظر عن صورها تلك، اشتعلت مُقلتيه بنارٍ مُلتهبة بالغضب، وهمس بينه وبين نفسه:
"يا ابن الكلب!"
نبست بترددٍ وصوت مرتجف:
"أنت عارف مين؟"
أومأ لها وأغلق الهاتف ووضعه في جيبه، ثم نظر لها ولعينيها تحديدًا التي أشتاق بقوة لرؤيتهما:
"عارف، وكنت جاي أتكلم مع تامر بخصوص الحوار ده، بس قبل أي حاجة عشان الحل فأيدي دلوقتي إني اخلصك من الواد ده، هقولك حاجة تنفذيها!"
أومأت برأسها سريعًا مُتناسية أمر من هو، فهي عندما علمت بأن أخاها يعرف اطمأنت، وهو يعرف زادت طمأنينتها، ابتسم بمكرٍ وقال:
"اعتذريلي سبع مرات، على كل مرة اتقدمتلك فيها وأبوكِ رفضني!"
_"إيه؟"
قالتها بنبرة مشدوهة، ذلك الماكر الخبيث!
حرك كتفيه بلا مبالاة وهو يكرر قوله ومازالت تلك الابتسامة على ثغره:
"سبع مرات ياتسنيم، سبع مرات ياللي مورياني الويل!"
ضمت شفتيها تستجمع شجاعتها ثم همست بخجلٍ:
"آسفة، آسفة، آسفة، آسفة، آسفة، آسفة، آسفة"
زادت ابتسامته وود لو يختطفها بعيدًا تمامًا عن هُنا، حيث هو وهي فقط!
حرك رأسه لها وعاد يُنبهها بما أتى لأجله:
"يلا نادي تامر، أحسن ما أبوكِ يجي يفضحنا هنا ويلم علينا الناس!"
تحركت من أمامه ونبس بينه وبين نفسه بحنقٍ:
"راجل عرة، وربنا لأوريك يا مُحسن!"
وخزٍ بقلبه غريب تجاهها وتجاه نفسه المُتألمة، يضع نفسه دومًا بكل شيء يُقربها منه حتى ولو كان على سبيل راحته!
متى سيأخذ جرعة من الراحة!
______________
لا يستطيع الإنسان تخطي الصدمة التي تعرض لها فجأة وكانت كبيرة على قلبه في لحظاتٍ، بل تترك بصمة في قلبه تُذيقه مرارًا من أوجاع الحياة!
كانت تجلس أمامه تلعب بالطعام الذي أمامها دون أن تأكل، بينما هو منتبهًا لها ولكنه ينتظر منها مبادرة ولم يجد، لذلك نبس بهدوءٍ:
"متلعبيش في الأكل كدا، حرام، وكلي عشان متدوخيش!"
تركت الطعام بمكانه ووضعت كفها على خدها تسنده، وهي تُجيبه بتنهيدة قوية:
"مليش نفس، ابقى كب الأكل ده وخلاص لو مش هتاكله أنت!"
وضع لقمة بفمه يمضغها بمهلٍ وهو يقول بنبرة هادئة ونظراته مُعلقة عليها تحديدًا:
"أكبه؟ ليه! مش ممكن تجوعي كمان شوية وتاكليه وده يبقى اترمى في الزبالة كدا، فيه ناس غيرنا كتير مش لاقية تاكل ياسيلين نقوم إحنا نرمي النعمة! وبعدين مش اتفقنا إنك هيطلع عليكِ الصبح هتنسي كل اللي حصل امبارح؟"
أومأت له بعينين دامعتين وبشكلٍ مُستاء أردفت:
"عندك حق أنا مكنتش أعرف ده، وإني أنسى، مش قادرة والله يامروان، بحاول بس مش قادرة أشيل الكلام بتاع أنس من دماغي، بجد بجد دي حاجة كبيرة أوي أوي كمان!"
ترك الطعام وانتبه لها وهو يقول بتنهيدة قوية، وبنفس الوقت كانت نبرته جامدة لتُنهي ذلك الحزن داخلها:
"وأنا مش همنعك من الحزن كلنا لازم نكون كدا، بس همنعك من إنك متاخديش بالك من نفسك، ده هتتحاسبي عليه قدام ربنا، الإنسان في حزنه لو اتساب يبقى مافيش حد هيعيش، الفكرة بتبقى إنك قادرة تطلعي نفسك وقادرة تشدي عزيمتك عشان تقدري تنسي أو تتناسي، ولو هتحزني يبقى هتمرضي، ويبقى اسمك مرضتي نفسك بنفسك!"
_"بس أنا اسمي سيلين!"
قالتها ببلاهة جعلت منه يعض على شفتيه وكاد أن يتحرك من مكانه تجاهها فقامت سريعًا تجري من أمامه وهي لا تفهم حتى الآن لماذا غضب هكذا؟!
ظل مكانه وأشار بعينيه لمكانها مجددًا وهو يقول بحدة خفية:
"تعالي اقعدي مكانك أحسنلك، تعالي يا أخرة صبري!"
نفخت خديها بتذمرٍ واقتربت تجلس، ولكنها كانت كالجالسة على ركبة واحدة حتى تركض مجددًا منه إن أمسكها، بينما هو سحب نفسًا يُصبر نفسه على تلك البلوة التي لا تفقه شيء بالحياة:
"يا الله يا ولي الصابرين، أقصد إنك هتبقي مرضتِ نفسك بنفسك، ما أنا عارف إنك اسمك سيليــن! ماعلينا .. بوظتي الحكمة والله ما أنا مكمل!"
تركها هو هذه المرة لتتحرك خلفه كاللاصق ضاحكة واقتربت تعانقه بقوة مُتشبثة برقبته:
"خلاص خلاص، I'm sorry"
تجمد مكانه من تلك التي أعتادت على الاحضان وهو لم يعتد بعد!
ولكنه لم يردها خائبة بل بادلها وتنهد بخفة:
"ربنا يهديكِ يابنت الحلال!"
_"يعني خلاص مبقتش بنت الحرامي!"
قالتها بتلاعبٍ، تمازحه ليتذكر عندما كان يُناديها بذلك، فابتسم بخفة وهو يجيبها بينما يده تُربت على شعرها:
"الله يسامحني بقى، وعلى فكرة لو خدتي بالك مبقتش بقولها!"
ابتسمت وشددت أكثر على العناق، لا تود المغادرة بعيدًا عنه:
"خدت بالي أيوه، خدت بالي"
كالثملة بين أحضانه تناست كل شيء ونست نفسها حتى، وكأن الوقت توقف عندها هي فقط لتعيش لحظاتٍ تتمنى لو تظل لنهاية العالم!
_"أنتِ نمتي ولا إيه، عندي شغل والمحل عاوز يتفتح؟"
قالها مُمازحًا لتضربه بكفها على صدره برقة، وابتعدت عنه قليلًا بدلالٍ، فابتسم هو بخفوتٍ قائلًا:
"متنسيش تصلي، يلا السلام عليكم!"
_"وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته!"
ودعته عند الباب ودلفت للداخل كعاشقٍ ولهان رفرف بجناحيه في السماء السابعة!
تعليقات



<>