رواية تشابك ارواح الفصل الثاني والعشرون22بقلم امينة محمد

رواية تشابك ارواح 

الفصل الثاني والعشرون22

بقلم امينة محمد

 وددتُ لو تكون الحياة بيننا طويلة،

أول خطوة بها اعتراف بحبٍ لكِ،
وثاني خطوة أن تُمسكِ بيدي لنُكمل دربًا طويلًا، يحمل بين ثناياه مشاعر جياشة من الحب والعشق الذي سأغرقك به، وددتُ فقط لو تُمسكِ بيدي وأنا سأقود تلك الرحلة بكل تفاصيلها.
علمت أن الحب نصيب، ولكنني لم أكن أعلم أنه سينتهي سريعًا، ماذا عن الأوقات التي قضيتها ليلًا وحدي أصارع عقلي مابين القُرب المؤذي منكِ والابتعاد المؤلم عنكِ.
"تسنيم" عزيزتي، الحاصلة على نصيبٍ من اسمها الذي تمتلكه، أُخذ اسمك من القرآن وقيل في تفسيره بأنه عين ماء من الجنة، وددت لو نكمل ونُرزق سويًا بالجنة، ولكن ماذا عن نصيبنا في الحياة الذي خذلني وحطم قلبي!
جنتي في الحياة كانت محطة سأقف بها في نهاية المطاف وهي أن أعود لكِ بعد يومٍ شاق، أراكِ تنتظرينني بأبتسامتك المُشرقة ثم أقترب لكِ وأنال من حنان عناقك نصيب لأكمل السير في الحياة.
آبى الحلم الضائع أن يتحقق، وآبى النصيب أن يكون في صفنا، وآبيتِ تحاولين من أجلي، وما نتج عن ذلك تفكير مفرط جعلني أدلف لدوامة مُتسائلًا ألم أكن استحق؟ ألم أكن استوجب منكِ ولو بعض من الحب؟
شُطر قلبي وجعلتِ منه غير صالح لأكمال الحياة!
_"تامر الولا ده مش ناوي يجيبها لخير وأنا وأقسم بأيمانات الله لو وقع تحت إيدي لأفرم أمه، ابن الكلب بيساومها تروح تقابله وإلا هيفضحها في الحـارة!"
قالها بحدة شديدة خرجت منه بقصدٍ لمضايقة حبيبة قلبه التي لا يتحمل أن يمسها الهواء المار، جالس بملامح واجمة غاضبة، تشتعل شررًا يتوعد لرؤية ذلك الحقير.
أجابه «تامر» بتنهيدة قوية وهو يغمض عينيه ويفتحها مجددًا:
"كنت عارف إنه هيعمل كدا عشان كدا كلمت مروان، متقلقش أنا برضو مش هسيب أمه معاك، بس الفكرة نفسها فإنه خايف نعمل أي حركة يبعت الصور فعلًا لكل الحارة زي ما قال، أنا مش فاهم هو وصل للصور إزاي؟"
أخرج «عبدالله» الهاتف من جيبه يُريه «لتامر» الذي تفاجئ بوجوده معه وهتف باستنكار:
"هو التلفون معاك من أمتى؟"
حرك «عبدالله» كتفيه بلا مبالاة وابتسم بوجه الآخر وهو يقول بثقة:
"خدتوا من أختك لما جيتلك أكلمك، ماعلينا أنا هاخد التلفون لواحد أعرفه يعرفني هو وصل للصور إزاي، مش بعيد يكون مهكره!"
تنهد الآخر في محاولة لتجميع الكلمات التي سيُلقيها في وجه الجالس جواره بتوترٍ، كيف يُمكنه أن يخبره بشيءٍ كهذا ولكن هم تربوا سويًا جميعهم لقُرب أمه الميتة من أم «عبدالله»، وحديثه لن يعيب أخته أو «عبدالله» ولكن التوتر تملكه وزفر قبل أن يسترسل في حديثه ونظره بعيدًا عنه حتى لا يتعثر في كلامه من التوتر:
"عبدالله، متسيبش تسنيم لدماغها، تسنيم مشيلة نفسها ذنب إن أمي ماتت بسببها بسبب أبويا وزفتة تارا، متزعلش منها لو شدت معاك وبينت إنها مش عيزاك قدام أبويا، تسنيم خايفة يحصله حاجة ولو وقتها حصله حاجة هتتعب أوي، أديك شوفت وقت لما تِعب وراح المستشفى كان عامل إزاي، تسنيم لو اتسابت لدماغها هتموت يا عبدالله..."
صمت قليلًا يسحب نفسًا عميقًا يملئ به رئتيه قبل أن يُكمل حديثه بهدوءٍ:
"حقك عليا من اللي حصل أنا عارف إنه ميصلحش الكسر اللي جواك وإزاي أبويا جرحك كتير أوي وكسر بنفسك، بس تسنيم ملهاش ذنب في كل اللي بيحصل والله، تسنيم طيبة أوي وقلبها طيب وأنت عارف من وقت ما أمي ماتت وهي الحالات اللي بتجيلها مخلياها على طول تعبانة ومش قادرة تاخد قرار، وشخصيتها مبقتش موجودة بسبب أبويا وضغطه عليها، ده غير تعبها النفسي إنها بعيدة عنك، والله مهما لفيت ما هتلاقي حد بيحبك زيها وده أنا متأكد منه زي ما أنا متأكد إننا مش هنلاقي حد يحبها زيك!"
نظر له يتابع ملامحه بعدما أنهى حديثه، فوجد «عبدالله» بملامحٍ يائسة حزينة، تملكها الأسف عمّا أصابهم في الآونة الأخيرة في حياتهم، وكيف تعرضوا جميعًا لأنهيارات كبيرة أهلكتهم.
بعد محاولة من تجميع شتات النفس والعقل المُبعثر، وشرود بنقطة وهمية في محاولة لتهدئة العواصف الجارفة الهائجة التي بداخله والتي لم يكن سببها سوى «مُحسن»، الرجل المريض الذي ما زال عقله عقيمًا، نبس بصوتٍ يحمل الأسى وبقلبٍ من الداخل مرتجفًا بسبب ما تعاني به حبيبة الأيام والدرب:
"تامر، أنا تعبان أوي من اللي أبوك عمله معايا، ولسه مكسور ومطحون بسببه، أنا بقيت عمال أعافر عشان أظهر نفسي قدامه عشان أوريه عبدالله أبو كلية آداب يقدر يعمل كل حاجة، طب ما أنا كنت غاوي دراسة ميكانيكا سيارات وعاوز أوصل وأبوك عارف أنا تعبت إزاي في ثانوية عامة وكان شايف ده، بس وقت ما عبدالله جاب آداب فبعد بنته عنه عشان مش قد المقام، بس لو عبدالله كان جاب الكلية ومنجحش في شغله مكنش هيفرق معاه، مع إني دلوقتي زي ما أنت شايف محقق حلمي بعد شغل كتير وتطوير لنفسي واتفتح للورشة فرعين مش فرع واحد وأنا لسه عندي 27 سنة، ومتقلقش أنا مش هكون سبب في كسر اللي بحبها وبتمنالها كل الخير وإنها تكون كويسة"
تحرك من مكانه وهو يربت على كتف صديقه بابتسامة طفيفة زينت ثغره:
"متقلقش، كل حاجة هتكون كويسة وعد مني وأنا كده كده مش هسيب أي حاجة تأذي تسنيم ولا حد يمسها بشر سواء الولا الحيوان اللي كان هيخطبها ولا غيره!"
أومأ له «تامر» بتنهيدة ساخنة قوية وتحركا الاثنين بعد الوداع نحو عملهما وحياتهما، يفكر العاشق في كيفية إرضاء والد معشوقته، بينما الثاني يفكر في كيفية إنقاذ أخته من صدمات الحياة!
___________
شر لا بُد منه في حياة مليئة بثعابينٍ بشرية، حيث اللا مفر من السموم التي تخرج منهم، ولا ترياق يشفي تلك السموم، فإن طالتك وولجت لك ستُنهي حياتك أو تجعلك مثلهم.
خرج من الزنزانة التي هو بها وهو يُلقي نظرة ساخرة على الضباط الموجودين، ثم وجه بصره ناحية «وليد» الذي كان يتابعه بنظراتٍ واجمة غاضبة مِمَا أصابهما في الآونة الأخيرة بسبب حثالة مُنتشرة في الإرجاء وهم أولاد عبدالمجيد وحارة «الزيتون»، وقبل أن يتحدث «وليد» بغضبٍ ظهر أمامهم الضابط الذي ألقى القبض على «نادر» وتابعهما بنظراته الكارهة لهما:
"لسه التحقيق شغال ومستنين المدام رزان تصحى، حق الكل هيرجع لصاحبه"
ابتسم له «نادر» بسخرية كبيرة وهو يطالعه بعينين تفيضان بالشرر مُتحدثًا بصوت يحمل الفحيح كأفعى تمامًا:
"أنت شكلك لسه جديد هنا يا حضرة الظابط، ومتعرفش مين نادر المصري ومين وليد الأنصاري، عمومًا أسأل عننا قبل ما تاخد خطوة في أي حاجة، لأننا عندنا إستعداد ننهي وجودك تمامًا، وبعدين رزان مراتي لما تصحى هتعرف هي هتقول إيه بالظبط، متشغلش بالك"
كان الآخر يقف واضعًا يديه في جيبه وهو يطالعه بكل برودً ولامبالاة لحديثه ولا لتهديداته أيضًا، وعندما أنهى «نادر» كلامه تكلم الضابط بكل برودٍ:
"حلو أوي تهديد ظابط في قسم الشرطة وهو بيأدي عمله، عارف دي عقوبتها إيه؟ أول حاجة أقدر أعملها دلوقتي إن أنا أرميك تاني في الحبس، ومحصليش الشرف إن أنا أعرف مين وليد الأنصاري ولا مين أنت! مين أنتو يعني في الأخر؟ اتنين رجال أعمال بيدوسوا عالغلابة! عموما أنا موجود هنا وهفضل موجود بعمل شغلي، ومش حابب إن أنا أسأل عنكم ولا أعرف مين أنتو لأن أنا بعمل شغلي واللي شايفه صح، وآه فعلًا أنا جديد هنا؛ أنا الرائد «إياد مختار»، متشرفتش بيكم ولا حاجة بصراحة!"
ثم التفت يعطيهما ظهره وقبل مغادرته لمكتبه رمى بكلماته التي خرجت كتهديدٍ صريح لهما بجمودٍ وصوتٍ حاد:
"وقدامكم عشر دقايق تكونوا برا القسم كله عشان معملش بكلمتي وأرميكم في الحبس بتهمة تهديد ظابط في مكان عمله، هو أنا كدا كدا هرميكم بس على الكبيرة إن شاء الله!"
ثم أكمل سيره تجاه مكتبه، بينما سحب «وليد» «نادر» خلفه، وخرجا للسيارة وهو يقول بغيظٍ مخفي أسفل غضبه وحدته:
"العيال دي لازم وجودها ينتهي قريب جدًا، أنا مبقاش عندي أي صبر ليهم ومبقاش عندي أي صبر لأي لعبة لسه هتتعمل، أنا عندي شغل وعندي حاجات كتير أكبر منهم ومن هبلهم ده، تحاول بأي طريقى تنهي لي وجودهم أو تلبسهم أي مصيبة، والظابط ده سيبهولي أنا هتصرف معاه وهيتنقل من القسم هنا قريب جدًا، أدي اخرتها شوية عيال يعلموا على وليد الأنصاري!"
ثم ركب سيارته وأشار بيده للسائق ليتحرك بالسيارة وبالفعل فعل ذلك، بينما وقف «نادر» يتابع القسم من الخارج بعد رحيل «وليد» مبتسمًا بشرٍ مُغلفة بالسخرية عما حدث له اليومين الماضيين، والآن حان وقت الشر الذي سيضغي على الجميع، سيحتسي الجميع من كأس الشرور الذي سيصنعه لهم!
بينما بالداخل رفع «اياد» هاتفه على أذنه ينتظر أجابة مِمَن يتصل به، بعينين خضراوين كالزمرد تجولان في الإرجاء بتفكيرٍ شديد، حتى وصلته بعد وقت وهو يقول هدوء:
"أنس النجار معايا؟"
وعندما وصلته إجابة الآخر أردف مُسترسلًا:
"معاك الرائد إياد مُختار، ضروري أقابلك في قضية نادر المصري ووليد الأنصاري، نادر خرج النهاردة من الحبس بكفالة عالية من وليد، وجودهم برا خطر على الكل بعد اللي حصل لمراته بنت شوكت ماهر، وإنه مُتهم بمحاولة قتلها!"
صمت يستمع مجددًا لحديث الآخر ثم نبس بابتسامة خفيفة:
"اتفقنا، على خير نتقابل بليل إن شاء الله، مع السلامة!"
__________
مع كل نبضة تخرج من قلبك يتجدد الأمل،
وتصبح الحياة مبهجة، لامعة،
ومع كل لمعة حزن تظهر بعينيكِ،
تنطفئ الحياة، وتصبح مُعتمة،
ماذا فعلتِ بقلب رجل مثلي لم يقع يومًا صريعًا للحب، فوقعت دون محاولة في إنقاذ نفسي، بل استسلمت بصدرٍ رحب، فالوقوع بِحُبك مثل اللذة التي يشعر بها طفل صغير ود لو يتذوق طعامًا شهيًا وكان ممنوعًا منه ثم تذوقه، منعت نفسي مرارًا وتكرارًا من الوقوع بالحب، ومنعت نفسي مرارًا وتكرارًا من الغوص في بحرٍ من الممكن أن ينقلب ضدي ويغرقني، ولكن الأمر معكِ أختلف، ووقعت؛ وقع «حمزة».
وصلهم نبأ استيقاظ «رزان» من الغيبوبة التي كانت بها، وتم نقلها لغرفة عادية بعدما كانت بين الحياة والموت في العناية المُشددة، يبدو أنها صارعت الموت وكُتِب لها عمرًا جديدًا، ولجوا لها جميعًا ولم يتلقاها سوى العناق الأموي الحنون، أول شيء رغبت به «رزان» بعد محاولات منها للنجاة من اليأس، وها هي ستنجو بعناقٍ لطالما تمنت أن تحصل عليه قبل أن يقتلها «نادر» بأفعاله، وقد كان وتحقق الحلم!
بكاء مرير من الاثنتين، يخرج من مكسورة الخاطر والجسد والروح بقهرٍ شديد، ويخرج من أمها بتأنيبٍ قوي، ولم يتحرك أحد ليهدئ الوضع بينهما، تركوهما ليُخرجا كل السلبية التي داخلهما في هذا العناق!
مسدت أمها على شعرها بحنانٍ كبير وسط كل المعاناة التي تشعر بها لرؤيتها لأبنتها بذلك الشكل، ثم همست بأسفٍ ونبرة باكية:
"حقك عليا يابنتي ياحبيبتي، حقك عليا من كل اللي شوفتيه والله، كان قلبي حاسس إنك مش بخير بس أنتِ وقتها سمعتِ كلامه وبطلتِ تكلمينا، وكنت حاسة إن بنتي مش كويسة والله كنت حاسة، يارتني عملت حاجة عشانك يارتني!"
شددت «رزان» على العناق لتستلهم القوة التي تريدها من أمها، لتتذوق طعم الأمان الذي فقدته لسنينٍ طوال جعلوها كامرأة عجوز وليست فتاة في مقتبل العمر، لم تتحدث ولم تفتح عينيها، فقط أنين متوجع يخرج من بين شفتيها مُعبرًا عن كل الأوجاع التي تشعر بها الآن.
مرت عشر دقائق كاملة وتدخل «شوكت» لهما يضم ابنته لأحضانه، بمشاعرٍ فياضة خرجت من قلبه لقلبها المُدمي، بينما الثانية لا يخرج منها سوى التأوه الذي تشعر به داخليًا وخارجيًا بقلبها المُهشم وروحها المُحطمة، وبعد محاولاتٍ منها للتحدث، أردفت أخيرًا بصوتٍ ضعيف مرتجف:
"متسبونيش تاني، متسبونيش تاني، أنا عايزة أموت في حضنكم، متسبونيش تاني في الضلمة اللي كنت عايشة فيها، أنا.. أنا خايفة أوي، أنا خايفة أوي يا ماما، أنا خايفة يا بابا، متسبونيش بالله عليكم، خليكم .. خليكم معايا، متبعدوش عني"
كان حديثها مهزوز مُتكسر، وكأنها فتاة تتعلم للتو كيف تتحدث في أوائل عمرها، يحمل القهر والخوف الشديد المُتمكن منها.
كان الطبيب موجودًا في ذلك الوقت عندها وعندما لمح كل ما تعاني به نظر لوالدها ليتحدث رفقته على إنفرادٍ، وبالفعل خرج معه «شوكت» وتولت أمها مهمة الاحتضان مجددًا!
_"لازم لازم تعرضوها لدكتور نفساني، حالتها صعبة وده إنهيار عصبي لسه هيزيد لما أثر الغيبوبة يقل من عندها، هي لسه تحت تأثيرها، العصبية والخوف ده لازم يتعالج، بنت حضرتك لازم تشوفلها دكتور نفساني فورًا يتابع معانا حالتها"
قالها الطبيب بأسفٍ له، فأومأ له «شوكت» بتنهيدة قوية قائلًا ونظراته الحزينة مُثبتة على الطبيب ثم حركها في نهاية حديثه على الغرفة التي بها ابنته:
"هيحصل إن شاء الله يادكتور، هشوف حد كويس واكلمه يجي ليها!"
استأذن منه الطبيب وظل الثاني يقف خارجًا يفكر فيما تعرضت له ابنته ويفكر بحالتها المؤسفة تلك، يتوعد داخليًا «لنادر» ولكل شخصٍ قام بأذيتها، وجد زوجته جواره بعد قليلٍ من الوقت تسأله عما أخبره به الطبيب.
بينما بالداخل كان واقفًا جوار الباب واقترب نحوها يجلس على الكرسي المجاور لفراشها، بينما هي نظرها مُثبتًا بشرودٍ في السقف، حاول تجميع الحديث الذي سيقوله لها ونجح بذلك مُتشجعًا بقوله:
"حقك عليا مقدرتش احميكِ زي ما وعدتك، بس أنا أتغدر بيا زيي زيك يومها ونادر خطفك من البيت، كل ده عدى ونادر اتقبض عليه، ومستنينك تصحي عشان تحكي كل حاجة حصلت لأنه مُتهم بمحاولة قتلك، متقلقيش كل الضلمة دي عدت وهيجي مكانها نور!"
حركت رأسها ناحية اليمين قليلًا تنظر له، وابتلعت غصة توقفت في حلقها عندما ذكر اسم الحقير الذي تبغضه، ولكن أردفت بما لم يتوقع بتاتًا قائلة:
"بس أنا.. أنا مش هقدر أحكي حاجة، أنا خايفة منه، ممكن يأذي بـ..بابا يا حمزة، مش هقدر، أنا خايفـة أحكــي!"
عبس بوجهها بصمتٍ يتابع ما تقول، ثم نبس بإمتعاضٍ وجسدٍ تشنج بغضبٍ بسبب قولها:
"وبعدين؟ وهو يطلع براءة لأنك مش قادرة تتكلمي صح؟ وقتها أيده هتتطول أكتر ومحدش هيقدر يوقفه، محدش هيقدر يقف قدام تور هايج زي نادر لو مقولتيش كل حاجة للنيابة لما تيجي تحقق معاكِ، اتشجعي المرة دي وأنا وعهد الله ما هسيبك، وما هخليه يأذيكِ، وصدقيني هيبقى آخر حاجة وحشة تتعرضي ليها في حياتك يارزان، بس اتشجعي عشان خاطر نفسك وخاطر أبوكِ وأمك، وعشانـي المـرة دي!"
بكت بحرقة وألم قوي اجتاحها واجتاح قلبها وتمكن منها، أغمضت عينيها بقوة والدموع تسيل على خديها تحرقهما بسخونتهما، ثم نبست بكلمتين عبرتا عن كل شيء تشعر به من الداخل والخارج:
"أنا خايــفة!"
غصة بقلبه وحلقه راودته لرؤيتها بذلك الشكل، غصة قوية لم يتحمل فكرة إنها مُتأذية بذلك الشكل، وجسدها المُحطم بالرضوض التي بعظامها تؤلمانه كونه لا يقدر على فعل شيء لها، لم يجد نفسه سوى وهو يقول بنبرة مواسية تحمل العطف والحنية تجاهها، خلت من الشفقة التي قد تشعر بها منه نحوها:
"حقك عليا، مافيش خوف تاني بعد النهاردة يا رزان، أوعدك بـ ده وأنا والله قد وعدي وهحميكِ من كل حاجة هتتعرضيلها في حياتك، هكون جنبك ومعاكِ صدقيني، وكل اللي عايزاه هنعمله، بس أهدي متعيطيش كدا عشان متوجعيش قلبي عليكِ، حقك عليا والله!"
أومأت له برأسها فقط دون أن تردف بكلمة أخرى تحاول أن تجد سبيلًا لإنجاد نفسها من الدوامة التي ستحاوطها، بينما هو رفع بصره على دخول والديها بتنهيدة قوية وعينيه تنبع بالحزن عليها، جلست والدتها جوارها مرة أخرى وظلت تربت على كتفها بحنانٍ حتى غفت المُهشمة دون أن تشعر بنفسها!
_________
مرحبًا ضوء القمر، كيف حالك اليوم؟
أنا اليوم بائسة فلم أنير حياته مثلما تفعل لحياة البشر أجمع ليلًا، وكأن الشمس تقف أمامي فتحدث ظاهرة الخسوف لي واختبئ خلفها لا أعلم متى سأعود مجددًا، ولكنني أتمنى أن يكون قريبًا!
عاد في المساء من عمله بعدما صلى المغرب في المسجد بالجميع وجلس رفقة الأطفال قليلًا، شعر بهدوءٍ تام في المنزل فتمكن منه الاستغراب، ودار بعينيه في الأرجاء باحثًا عنها حتى وجدها تجلس في مكانه المفضل على سجادة الصلاة تنظر لشيء ما بتركيزٍ شديد، واقترب بخطواته يخرج صوت يعلن عن وصوله لترفع رأسها له فلمح بين يديها صورته هو و«عهد»، نظر للصورة ثم لها بحاجبٍ مرفوع جعلها تتوتر، ثم أردف بصوتٍ حاد:
"بتعملي إيه؟"
ظلت الصورة بين يديها ورأسها مرفوعًا له بعينين لامعتين بحزنٍ طاغي عليهما، ثم بررت بقولها بتلبكٍ بسيط:
"كنت قاعدة هنا فلمحتها تحت الأجندة بتاعتك، فكنت بشوفها، كنتوا حلوين أوي سوا!"
جذب الصورة من بين يديها ووضعها مجددًا داخل الأجندة دون أن ينظر لها، ونبس من بين أسنانه بغيظٍ:
"ربنا يرحمها ويغفر لها، متلمسيش حاجتي تاني يا سيلين عشان بتضايق، فمتخلنيش اتضايق منك!"
أومأت له بإحراجٍ وابتلعت غصتها التي علقت في حلقها باستياء، حاولت تجميع شتات نفسها ومازالت عينيها الزرقاء تراقبه في حركته وهمست بصوتٍ ضعيف مسموع بالنسبة له:
"هو أنت كنت بتحبها أوي؟"
سؤال غبي خرج من فمها، سيجرحها بكل تأكيدٍ بأجابته وقد كان عندما نبس بعفوية بالغة خرجت منه:
"آه كنت بحبها أوي، ربنا يرحمها!"
تم جرحها بنجاح دون أن يعيّ قوله أو حتى محاولة لتجميل حديثه، ولكنه لم يفهم صيغة سؤالها بطريقتها، فهمه بطريقته هو كسؤالٍ عادي، نبست بغصة مؤلمة:
"عارف، ياريت حد في حياتي بيحارب عشاني زي ما بتحارب عشانها أو يحبني ربع حُبك ليها، بس أنا ماليش نصيب في حب حد ليا، ولا ليا نصيب أن حد يحارب علشاني"
وصلته الغصة التي كانت في نبرتها ونظر لها سريعًا ليجد الابتِئاس يحتل ملامحها الرقيقة، وعينيها المُعلقة عليه لمعت وكأن بداخلها شلال سينفجر الآن ليأخذ مجراه على خديها، حاول تجميل حديثه هذه المرة بقوله بهدوءٍ يطمئنها:
"طيب أهدي ومتزعليش، مش ضروري يكون الحب أو المُحاربة قدام عينك عشان تحسي بيهم مع إنه عارف إنه حقك، بس الظروف نفسها بتختلف يا سيلين، متزعليش نفسك كدا وربنا يرزقك براحة البال والطمأنينة اللي تخليكِ كويسة"
لم يكن يعلم أي الكلمات ستشفي جرحها وعجز هذه المرة عن إخراج ما قد يواسيها، فابتسمت له بابتسامة مصطنعة ثم أردفت بخفة:
"مش زعلانة، Do you know why? عشان أنا هنا معاك وأنت بتحاول تحميني بدل ما ترميني لناس معندهاش رحمة!"
ابتسم لها يؤكد على حديثها ورفع يده يربت على كتفها بخفة ثم بدّل حديثه لمزاحٍ عله يخفف عنها في قوله بابتسامة ماكرة:
"هو الإنجليزي ده مش هنخلص منه، كلميني عربي، قولتلك هتلاقي ألف معنى بالعربي!"
زفرتٍ بحنقٍ وتحركت من مكانها برداء الصلاة الذي كانت ترتديه بعد صلاة المغرب، وقالت له بغيظٍ:
"طب أعمل إيه ما أنا لسه متعودة نص كلامي بالأنجلش، هتعود هتعود أتكلم زيك!"
أومأ لها ورأها تتجه للمطبخ، تركها تُخرج كل طاقتها الكامنة بها بأي شيء تود فعله وجلس هو رفقة القطط بالشرفة مبتسمًا لهما:
"مبسوطين هنا بالقعدة مع سيلين ولا إيه؟ أنا عارف أنكم شطار ومش أشقية!"
أنهى كلامه ووصله صرختها من المطبخ فتحرك بهلع لها وهو يسألها بذعرٍ وصوتٍ لاهث وعينيه عليها يحاول تخمين ما أصابها:
"في إيه؟"
_"صرصار يامروان صرصار، ألحقني موته بالله عليك!"
قالتها بصراخٍ وفزعٍ احتلها، بينما هو المسكين ما زال أسفل الصدمة التي عرضتها له، أعتقد أن الماء الساخن وقع عليها أو شيء ما أصابها، وبالنهاية كان صرصارًا!
لمحته يركض أسفل الموقد فصرخت وقفزت من مكانها تختبئ خلف «مروان» الذي نبس شزرًا بإمتعاض:
"يا الله يا ولي الصابرين، أوعي خليني أطلعه أنتِ وقعتِ قلبي وفي الآخر يطلع صرصار!"
ثم تحرك يُمسك بالمكنسة اليدوية ويحاول إخراج المُختبئ ثم دهسه بقدمه والتفت ينظر لها بسخطٍ وهو يشير بيده عليه:
"مات، لو دوستِ عليه من ساعتها مكنتيش هتصوتي والحقني يامروان الحقني، مروان هيجيله جلطة قريب، أوعي كدا!"
زمت شفتيها بتذمرٍ وتحركت بسرعة من أمامه للصالة قبل أن يقترب لها، بينما هو زفر ومال يحمل الصرصار بورقة ويلقيه بالقمامة، خرج للمرحاض يغسل يديه ووجهه وعاد لها مجددًا يطالعها، بينما هي مازالت واقفة تنظر نحوه بنظراتها المُتذمرة وقولها له:
"على فكرة بخاف منهم أوي، عندي فوبيا حشرات، وبعدين ظهر فجأة خضني، أنت راجل قوي أكيد مش هتخاف لكن أنا بنوتة ضعيفة هخاف!"
_"بنوتة ضعيفة؟"
قالها بانكارٍ لتومئ له برأسها مؤكدة على حديثها بتغطرسٍ تذكره بكونها «سيلين وليد الأنصاري» المُدللة!
هز رأسه بقلة حيلة وهو يجيبها بعدما جلس على الأريكة التي تجاورها يسند رأسه بتنهيدة:
"ماشي يابنوتة، بس أنا اتخضيت جامد!"
اقتربت له تلتصق لجواره مبتسمة بتوسعٍ ولمعة غريبة ظهرت بعينيها تسأله:
"خوفت عليا؟"
نظر لها بحاجبٍ مرفوع ليلمح الابتسامة الواسعة التي تنتظر إجابته، فأرضى فضولها بقوله بقلة حيلة:
"آه خوفت، أنتِ أمانة في رقبتي ولازم أحافظ عليكِ، ولا الحاج إبراهيم يقولي ينفع كدا يحصل حاجة لسيلين وأنت موجود!"
اختفت ابتسامتها ولكمته على كتفه بمزاحٍ وهي تقول بسخطٍ:
"والله يامروان، يعني أنت خايف عليا عشان عمو إبراهيم هيقولك حصل حاجة لسيلين!"
ابتسم لذلك التذمر الطفولي الذي صدر منها، ثم أكمل بمكرٍ يميل بجسده عليها قليلًا:
"وعشانك برضو يابتاعت الياسمين!"
تراجعت للخلف والابتسامة تكاد تصل للأذنين من وسعها لفرحتها بحديثه، ثم تحركت من مكانه تضحك في الخفاء بسعادة تغمرها وتغمر قلبها، بينما هو ابتسم لأجلها ولكونها تتذوق ولو بعضًا من الهدوء بحياتها المليئة بالضوضاء!
___________
ظلمت نفسي رفقتك، وما أردت يومًا قول ذلك ولكن قلة الحيلة تمكنت مني، وتحولت من الرقيقة للمهشمة، ومن السعيدة للبائسة، أردت قول أنني ضحيت بالكثير لأجلك وفي المقابل لم تضحي لأجلي بشيء واحد!
عائدًا من عمله بتعبٍ باديًا على وجهه وجسده، مر على أمه ليراها فوجدها نائمة فأكمل سيره للأعلى ولكنه لمحها تخرج من شقتها للأسفل، وقف ينتظرها حتى وصلت عنده وابتسمت تُلقي عليه السلام:
"آسر، حمدلله على سلامتك، عامل إيه؟"
لم يجب، هو الآن بدوامة يراها أمامه بشكلها البشع الذي يراه بالحلم، لماذا الآن ذلك مُتجسدًا عليها وعلى وجهها؟
_"آسر، سامعني؟"
عندما طال صمته سألته باستغراب، ورفعت يدها لتضعها على كتفه، فأمسكها قبل ان تلمسه وجذبها خلفه نحو شقتها بسرعة شديدة، كادت أن تقع منه على الدرج في محاولة منها للتحرك مع خطواته، وسألته بخوف شديد:
"آســر مالك أهدى، حاسب هتوقعني يا آسر"
فتح باب شقتها وألقاها للداخل، فكادت أن تقع أرضًا ولكنها تماسكت قبل الوقوع ناظرة له بصدمة قوية، بينما هو تحرك بخطواتٍ بطيئة نحوها، مرة يراها على طبيعتها ومرة يراها بشكل بشع!
أصابها الخوف الشديد من منظره ذلك وحاولت أن تتحدث ولكنه جذبها من شعرها لتصرخ متألمة، فُزع جسدها كأنما أمسكه ماس كهربي، حاولت التملص عدة مرات منه ولكن كان كالأعمى لا يرى ولا يسمع صوتها، فقط الهواجس تحتل عقله وتفكيره الأرض.
ارتجف جسدها بعنفٍ وحاولت إبعاده وهي تصرخ بوجهه عله يستمع لها:
"أبـعد يا آســر، أبعــد عني بقــولك، أنت اتجننت!"
ترك شعرها وأبعد يده ليجد الخصلات تملأها فنظر نحوها بصدمة ثم ليده، بينما هي الدموع إتخذت مجراها على خديها بقهرٍ شديد منه، ظل ينبس بإعتذار يؤنب ضميره:
"أنا آسف والله، معرفش إيه حصل، أنا آسف يامرام، حقك عليا والله، أنا آسف!"
ظلت تبكي وابتعدت من أمامه سريعًا نحو غرفتها بجسدٍ مرتجف، تندم وتلعن حظها العاثر الذي أوقعها بهذا، بينما هو سحب نفسه من الشقة وغادرها بألمٍ شديد يجتاح قلبه!
_____________
_"أفتح ياحيوان، أفتح يافتحي والله لأوريك!"
هكذا صرخت «حكمت» الواقفة بجوار ابنتها الباكية مِمَا أصابها ومن تخلي «فتحي» عنها، فُتح الباب بوجههما وهو يصرخ بتهديدٍ:
"بقولكم إيه أنتو جايين ليه أنتو الاتنين، غوري ياحكمت وخدي بنتك من هنا عشان والله لأفضحها لو ما اتحركتوا!"
ابتسمت الأخرى بسخرية وهي تمسكه من تلابيبه وتقول بحدة كأمٍ مفترسة تود أن تفتك بمَن أذى ابنتها:
"وحياة ربنا يا فتحي إن ما اتجوزتها جواز رسمي لأنا اللي افضحك، دي مصيبتكم أنتو الاتنين سوا يا روح أمك وزي ما هي هتشيلها أنت كمان هتشيل شيلتك لأن ده ابنك، أنت فاهم ولا أكرر!"
دفعها بعيدًا عنه وابتسم بتهكمٍ وهو يقول ناظرًا «لمديحة» الباكية:
"وأنا مالي ياما، بنتك كانت راضية بمزاجها، أنا مضربتهاش على أيدها، وبعدين أنا الدنيا بتلعب معايا خلاص ومعدتش هقعد في الحـارة ولا عايز أكمــل مع بنتك، خديها وغوري يلا!"
ثم أغلق الباب بوجههما بينما هي سحبت ابنتها للمنزل خائبتين الأمل!
______________
أصدقاء مثل الإخوة، وضعتهم الحياة والظروف بطريقنا لنغدو مُكملين دون أن ننكسر ونتحطم، أصدقاء بمثابة إخوة لم يتشاركوا الأرحام معنا ولكنهم تشاركوا القلوب والأرواح!
رنين الجرس الذي صدح في أرجاء المنزل بقوة جعل منهما يفزعان، الوقت متأخر، ولكنه سريعًا ما خمن من صاحب هذا الجرس وذهب ليفتح سريعًا الباب بقوة:
"هو أنت يالا مبتكبرش ومش لاقي حد يلمك؟"
_"تؤ، الدور والباقي على اللي اتجوز ونسينا!"
سحب «حمزة» يده من على الجرس مبتسمًا بسماجةٍ وهو يطالع الآخر بحنقٍ، ثم جذبه من تلابيبه:
"ولا، إحنا عاوزين نقعد معاك شوية في المسجد، اخلص يلا وأنزل!"
أبعد «مروان» يده بعيدًا عنه وهو يهندم ملابسه مجددًا قائلًا بسخطٍ:
"ولا؟ طب مش نازل معاكم!"
_"والله يامروان أنت ما قد رخامتي، هفضل قاعدلك هنا للفجر وأنت نازل تصلي الفجر زي العيل الصغير، أخلص بقى يلا أنا بعت لآسر وهخبط دلوقتي على عبدالله بس هخبط بأحترام عشان الحاج إبراهيم ميبلعنيش!"
قالها «حمزة» بتنهيدة بعدما كان بنبرته إصرارًا على قدوم «مروان» معهم، أومأ له الثاني بسخرية:
"ده اللي ميجيش إلا بالعين الحمرا فعلًا، واطي، طيب نادي عبدالله ودقيقة وجاي!"
تحدث الآخر بنزقٍ ويحمل من داخله الغيرة على صديقه كونه تزوج، وبنظراتٍ تحمل الغيظٍ:
"كل اللي بيتجوزوا دمهم بيتقل زيك، عقبالنا"
ثم تحرك للشقة التي أمام شقة «مروان» يطرق الباب بأدبٍ بينما دلف «مروان» للداخل يُطمئنها ويُخبرها بأنه سيختفي قليلًا:
"ده حمزة اللي بيخبط، أنا نازل معاهم المسجد شوية، نامي لو عايزة لأن احتمال نقعد فيه للفجر إن شاء الله!"
تنهدت بخفة وأومأت له تودعه عند الباب بينما هو تحرك رفقتهم للمسجد الذي فتحه وأغلقه مجددًا خلفهم وجلس بينما هم جلسوا حوله ينظرون له وهو يبادلهم حتى قرر استفتاح المواضيع:
"مين هيبدأ، انتو قاعدينلي كدا ليه وشايلين طاجن ستكوا!"
تحدث هذه المرة «عبدالله» بتنهيدة قوية غلفها الحزن القوي الذي خرج من داخله:
"بصراحة أنا مش لاقي حاجة أقولها، يا مروان، بس أنا تعبان نفسيًا جدًا ومخنوق خنقة كبيرة!"
تنهد «مروان» وهو يربت على كتفه بحنية بالغة:
"حقك والله، بسم الله على قلبك حتى يهدأ وتستقر أوجاعه ياحبيبي!"
بعدما أنهى جملته تحدث «آسر» الذي خرجت نبرته متوجعة مُتألمة:
"وأنا شايل فوق قلبي كتير أوي، أنا تعبان بشكل مش طبيعي ومش قادر أحكي تفاصيل!"
نبس له «مروان» بنفس النبرة التي حملت في دواخلها الحنان:
"بسم الله على قلبك حتى يهدأ وتستقر أوجاعه يا آسر، ربك كريم وعادل ومش هيسيبك كدا!"
طالعهم «حمزة» ونبس بغيظٍ وهو يلكم «مروان» بقدمه
"وأنا كمان، قولي زيهم، ادعيلي!"
ضحكوا عليه بخفة وربت «مروان» على كتفه يواسيه بقوله الحنون:
"بسم الله على قلبك حتى يهدأ وتستقر أوجاعه يا حموزة!"
_"متقولش ياحموزة دي تاني، بس يارب يسمع منك يامروان، ربنا يخليك للشعب يابني والله من غيرك نضيع!"
قالها بتذمرٍ ليهز «مروان» رأسه بقلة حيلة ووقف في مكانه وهو يشير لهم قائلًا:
"طب قوموا اتوضوا نصلي قيام الليل سوا، وبعدين نقعد شوية لحد الفجر ونتكلم براحتنا!"
بالفعل تحركوا نحو المرحاض وخرجوا سويًا ووقف هو أمامهم وبدأوا يصلون قيام الليل سويًا كل منهم يتذلل لله ويسأله الرضا والسعادة والسلام، أطالوا أربعتهم السجود كل منهم يدعي لأخيه ويدعوا لنفسه.
سألتك ما الحياة قاصدًا بأن تجيبني بأنها مواساة صديق لي
هنا تُغلق الصحف،
وتُدمر البيوت،
وتدمى القلوب،
وسط غابات بشرية قاسية من بعض البشر الذين يشبهون الحيوانات المفترسة في الغابة.
كان جالسًا وسط ابنائه كل منهم منشغلًا بعقله بشيء ما، وصلته صور لابنته من رقمٍ غريب ففتحها ليجدها بشعرها وبملابس بيتية، احتلت الصدمة عقله وعيناه ولم يرى شيء أمامه سوى وهو يجذبها من خصلاتها بقوة مع صرختها التي دوت في الأرجاء
تعليقات



<>