رواية تشابك ارواح الفصل التاسع والعشرون 29بقلم امينة محمد

رواية تشابك ارواح
 الفصل التاسع والعشرون 29
بقلم امينة محمد

«عَرف المسكين الحقيقة»

دعنا نتحدث سويًا عن "الشـر"، تلك الكلمة التي دومًا تصف كل ما بغيض من داخل الإنسان، كالحقد والسخط، كالغضب والنقم.

"شرير"؛ توصف الشخص الذي لا يُميز أي شيء في الحياة، مجرم متواجد بين البشر، ذلك الشخص الذي لا شيطان يوسوس له، لأنه هو الشيطان بنفسه!

أبتعد سريعًا من جوار السيارة قبل أن تصطدمه تلك القادمة عليه في سرعة عالية مُصدرة صوت احتكاك عالي مع الطريق، ولم يكن النصيب سوى لسيارته الغالية التي تدمرت تمامًا، ثم هربت السيارة الأخرى تحت ناظريه بصدمة.

تحرك نحو سيارته بحسرة ينظر لها وهدر مُنتحبًا:

"العيبية'العربية'، العيبية'العربية' الغالية ياولاد الكلب، صيفت'صرفت' عليها كل فلوسي! يا أخي أيجع 'أرجع' دوسني وسيبها"

انتبه لقدوم عائلته من داخل المنزل بفزعٍ على ابنهم بعدما أخبرهم الحارس بما حدث، اقترب «سيد» من «أنس» واضعًا يده على كتفه يتفحصه بقلق:

"حصلك حاجة؟ أنت كويس؟"

أومأ «أنس» برأسه بينما ينظر صوب سيارته بحسرة شديدة، يلعنهم جميعًا الآن عما أصاب عروسته الأولى -سيارته-، ثم نبس بسخطٍ:

"زي ما حضيتك'حضرتك' شايف يا بابا بيه، العيبية'العربية' ياحت'راحت' في داهية!"

اقتربت والدته تتلمس صدره وظهره بتأنيبٍ له وهي تقول:

"في ستين داهية ياحبيبي، يجيلك غيرها المهم أنت كويس، تعالى أدخل تلاقيك دلوقتي ياحبة عيني أعصابك مش فيك، تعالى يلا!"

_"والعيبية'العربية' يا ماما؟"

كاد يبكي كطفلٍ صغير على سيارته -BMW- الغالية، التي دفع بها الكثير وهذه الآن نهايتها، جذبته أمه بينما نظره ظل مُعلقًا عليها وهو يرى والده يرى ما الذي بالسيارة ليخرجه ثم أتصل بالميكانيكي ليأتي ويأخذها، والآخر يودعها بنظرات عينيه المُستاءة!

ولج للمنزل وجلس على الأريكة ثم تناول كأس الماء من أخته يتجرعه بتنهيدة بينما يمسح وجهه عدة مرات، بينما والدته ربتت على ظهره بحنانٍ:

"خلاص ياحبيبي فداك ألف عربية، المهم إنك كويس ومافيش حاجة صابتك، ألف مليون سلامة عليك الحمدلله قدر ولطف!"

ابتسم لوالدته بخفوتٍ مُتنهدًا، بينما يُفكر في كل تلك المحاولات التي يتعرضون بها للإغتيال، يعلم أن السبب هو «وليد» لا غيره، ولكن كيف سيتغاضون عن شره في الفترة القادمة، هو الآن مثل العاصفة التي لن ترحم من أمامها وستبتلع الجميع، كالنار التي نشبت في مكانٍ به بنزين، لن يرحم أحد.

تابع والده الذي جلس على الكرسي أمامه وهو يتحدث بعدما تنهد بقوة:

"الميكانيكي جه خدها، هيشوف هيعمل فيها إيه ولو منفعش تتباع ويجيلك غيرها، ربنا يعوضك المهم إنك كويس!"

أومأ لوالده بتنهيدة بينما يخلل أصابعه في خصلاته متحدثًا بصوتٍ مختنق:

"ماشي يابابا، على خيي'خير'، منهم لله كلهم!"

_"أنت عارف مين؟"

سأله والده بهدوءٍ ونظرة ذات مغزى ليومئ له «أنس» وهو يُجيبه بتنهيدة:

"مين غييه'غيره'، وليد، عمال يحاول يخلص علينا واحد واحد، بس قولت هيعمل حساب إني ابن النجاي'النجار' بس هو معملش حساب لحد!"

وقف والده مكانه وأشار له بيده ليأتي خلفه، حتى لا يتحدثا أمام زوجته وابنته، وتوجها سويًا نحو غرفة مكتبه وجلس على كرسيه وأمامه ابنه الذي طالعه باستفسارٍ عما سيتحدث به:

"أنت ناوي تكمل في القضية؟"

أومأ «أنس» باستغرابٍ وهو يجيبه بكل ثقة وجمودٍ، وبملامح جادة:

"أيوه يا بابا ان شاء الله، حضيتك'حضرتك' عايف'عارف' إني مش هتنازل عن ده، وإني مش هضيع الفيصة'الفرصة' دي عشان حق البنت اللي ماتت قدام عيني وكل يوم ضميري بيأنبني إني متكلمتش طول الفتية 'الفترة' دي!"

_"تمام، عمومًا أنا جيبت ده!"

قالها وهو يُخرج من درج مكتبه ملف ما وناوله لأبنه، ثم فسر عما بداخله بقوله بجمودٍ:

"الملف ده فيه اللي وعدتك بيه، أنا جبت الورق ده اللي يثبت أنه كل الورق اللي وليد بيساومكم بيه متزور، سواء ورقة البيع والشراء، أو ورقة قرار الإزالة!"

توسعت ابتسامة «أنس» سريعًا وتلألأت عيناه بقوله:

"والله أنت بابا بيه بجد، بيه بيه يعني!"

ضحك «سيد» على ابنه بقلة حيلة بينما يهز رأسه بقوله:

"ماشي ياسيدي، عارف إني بيه، ده أنا سيد النجار يالا!"

_"ما أنا أنس النجاي ومقولتش حاجة"

قالها الآخر بثقة مكتسبة من والده، فيما يُعبر عن «ذلك الشبل من ذاك الأسد»، كانا صديقان قبل أن تكون علاقتهما كأب وابنه، يمزحان سويًا بكل شيء، بينهما الحدود المبنية على الاحترام المتبادل.

تحرك «أنس» نحو غرفته وفتح هاتفه يُرسل «لشذى» رسالة لأنه أغلق بوجهها الهاتف عندما وجد السيارة أمامه مُسرعة، ثم أتصل بها وانتظر حتى أجابت:

"كنت هودع الدنيا من شوية، العيبية'العربية' بتاعتي اتدشملت!"

ثم جلس مُستندًا على ظهر الفراش كما العاشق الولهان يُجيبها بكل حبٍ:

"حبيبتي والله، الله يسلمك، قوليلي كدا بَحبك وأنا هنسى الحادثة!"

غادر عالمنا نحو عالم آخر حيث هو وهي فقط، عالم حيث هو العاشق وهي معشوقته، حبيبته، التي سيذوب بعد قليل كما الثلج من حرارة تلك المشاعر التي بينهما.

إضافة بعض المزاح في العلاقات يُعطيها طعمًا مختلف، إثارة من نوع آخر تجعلنا نحب الحياة التي تثاقلت على أرواحنا!

خرج من المرحاض بعدما فتح بابه بشكلٍ قوي ونظر لها بعينيه التي كادت أن تطق من الشرر بسبب فزعها له بذلك الشكل، هدر بوجهها بملامحه العابسة ووجهه الأحمر:

"هو حد يقول لحد خبر زي ده وفي الحمام ياسيلين؟"

ركضت من أمامه عندما لمحت ذلك الشرار الذي كاد يحرقها وهي تحاول أن تبرر له فعلتها بتلبك وهي تتابعه بعينيها وهو يلحقها:

"هفهمك أهدى، والله أصل أنا اتخضيت زيك، لقيت مرة واحدة بطنها كبرت وحركاتها زي الحوامل، ففهمت إنها حامل!"

وجدته يحاول امساكها فصعدت على الأريكة ويفصلهما طاولة بينما هو واقفًا يُشير لها بيده:

"انزليلي، انزلي عشان والله ما هحلك أنا كان هيجيلي صرع في الحمام، استني يا شيخة أطلع من الحمام وبعدين خضيني، أنتِ تخصص خضة؟"

ابتلعت غصتها بينما من داخلها يتراقص فرحًا لتلك المشاكسة التي بينهما الآن، ثم همست بتوترٍ منه تحاول شرح الموقف بشكل أكبر:

"الحماس خدني، خلاص والله يامروان!"

_"لا، انزليلي، بلا مروان بلا زفت!"

هدر مجددًا وحاول التقدم ليمسكها ولكنها بلياقة فرت من أمامه نحو الغرفة وأغلقت الباب تقف خلفه وهي تترجاه بقولها:

"والله خلاص والله، هصوت لو ممشتش!"

لحقها وهو يحاول فتح الباب ويتحدث بحدة:

"افتحي يا سيلين، افتحي وهنتفاهم سوا بالعقل، أفهمك إن ده غلط عشان متكرريهوش تاني، افتحي يلا!"

ضحكت، لم تتحكم بضحكاتها أكثر من الآن ولم تكن ضحكاتها سوى نغمة ولجت لقلبه الهلع من هول الموقف الذي تعرض له قبل قليل منها، فهم الآن في فترة كل ما يحدث بها ما هو إلا شر أو موقف عصيب، ظل يطرق الباب يحاول فتحه بينما هي غارقة بين ضحكاتها مما ساعده في فتح الباب ونظر لها بابتسامة خبيثة ماكرة:

"هتهربي مني فين، دا أنتِ في بيتي حتى!"

وتقدم لها بينما هي نظرت له بملامح تحولت لتوتر منه، وضمت شفتيها تكتم ضحكاتها بقولها:

"يا مروان!"

قالت اسمه كما يحب، كما يود أن يسمعه منها دومًا، ولكنه هز رأسه بنفي بينما نفس الابتسامة الماكرة تزين ثغره:

"لأ، المرة دي لأ، أنتِ قد اللي عملتيه، إنك تخضيني ده غلط، وكمان حرام تفزعي أخ مسلم!"

عند ذكر كلمة أخ تبدلت ملامحها لأخرى عابسة واقتربت لأمامه تُمسكه من ياقة كنزته بقولها بتشدقٍ:

"أخ مين يا أخويا، أنت My Husband، مليش أخوات!"

قوس حاجبه مُتابعًا ذلك التغير، كما امرأة في سوق تحولت لأخرى تصرخ بمن يحاول أن يُعيق طريقها، ينقصها رفعة شفتها العُليا لتصبح مثلها تمامًا:

"أخويا وMy husband سوا مش لايقين عالشخص اللي قدامي، اتكلمي بأسلوب أنتِ بتنوعي في الردح، وبعدين ده مش موضوعنا!"

برّقت بعينيها الزرقاء لتجعله يتعمق في معرفة الألوان التي بها، كانت متداخلة بدرجاتٍ مختلفة من الأزرق لتعطيها شكلًا آخر مميز، لم يره قبلًا، كانت تحاول اخافته ولكن مظهرها لم يفلح، فشددت مسكتها على كنزته لتؤكد له بأنه ملك لها، يخصها وحدها:

"لا موضوعنا دلوقتي عشان أنت بتقولي أخ، ده أخ ياقلبي منك!"

ضحك عاليًا على تلك المناوشات التي تُخرجها بشكلٍ تلقائي وعفوي، جذبها بشكل أكبر من خصرها بينما الضحكة لم تفارق فمه بعد، ثم حاول التحدث من بينها:

"طب والخضة برضو نعاقبك إزاي؟"

هدأت ملامحها بشكلٍ أكثر وتحولت لأخرى تحمل الدلع والغنج، كانت تعلم جيدًا كيف تتدلل عليه، ثم همست بصوتها الناعم:

"يوه بقى يا مروان، خلي قلبك طيب بقى!"

همهم مُفكرًا في إن كان سيُسامحها أو لا ثم هز رأسه بتنهيدة عليها وتحرك قبل أن يغرق أكثر كما السباح للتو يحاول السباحة في بحرٍ عميق:

"عشان قلبي الطيب بس، تعالي نشوف مشمشة الحامل دي، هبقى جدو ولا إيه!"

خرج أمامها ولكنه سمعها تهمس بصوتها الخفيض بتنهيدة:

"عقبال ولادنا!"

أخرج تنهيدة قوية من داخله بينما يدعو بسره إن كان الخير في ذلك فليرزقهما الله، وتحرك يجلس في الشرفة يرى بطن مشمشة التي ظهر عليها الكبر قليلًا بالفعل، بينما أتت هي تجلس جواره ملتصقة به ترى معه القطة، وابتسامة دافئة زينت ثغرها، دافئة كما جلستهما تلك الآن، ثم همست بمزاحٍ:

"مبروك يا مشمشة، مستنين العيال بقى"

ضحك بخفة عليها ثم استند بظهره على الحائط ووضعت رأسها على كتفه وهي تسأله بتنهيدة:

"هو أنا ممكن أسألك سؤال؟"

همهم لها مجيبًا عليها لتسأله وهي شاردة في نقطة وهمية أمامها تحاول أن تعرف منه كل ما يجول بخاطرها يؤرق نومها ويُتعبها:

"هو أنت اتقبلتني؟"

سحب نفسًا عميقًا قبل أن يُجيبها على ذلك السؤال الذي راوده هو الآخر، وعزم أن يُجيبها بكل أريحية وصراحة ستخرج من داخله:

"لو مش متقبلك كنت مشيتك، بس الفكرة نفسها في اللي داير يا سيلين، يعني أنا مش هقولك إني هكون معاكِ زي ما أنتِ متخيلة بين يوم وليلة، ولا هخدعك بمشاعر مش جوايا، هبقى كداب ومراوغ وأنا مبحبش الكدب، أنتِ متفهمة اللي أنا فيه وبيدور جوايا صح؟"

أومأت برأسها واعتدلت في جلستها لتصبح جالسة أمامه تنظر في عينيه وهي تُجيبه بلمعة غريبة تمركزت في حدقتيها، مُعبرة عن مشاعر قوية خرجت من داخلها:

"عارفة، عارفة إنك مش هتنسى عهد بسهولة ومش هقولك أنساها بسهولة، أنا أصلًا متقبلة ده، أنا مش جاية حياتك أمحيلك الماضي بتاعك ولا أقولك زي العيال الصغيرة لازم تطلعها من دماغك عشان أنا خلاص بقيت مراتك، أنا واعية وفاهمة المشاعر دي كويس أوي وعارفة إنك مينفعش تطلعها كدا بسهولة!"

_"هي الماضي، وأنتِ الحاضر والمستقبل، وأنا راضي جدًا بإرادة ربنا ليا، ومتقبل إن إختيار ربنا إنه يحطك قدامي هو الصح ليا، ولحياتي، مش هقولك كلام ملغبط كتير بس فيه دفى غريب بيحاوط بيتي في وجودك، أنا كنت مفتقد الأمان والاستقرار ولقيته!"

قالها بنبرة واهنة، وعينان تبتسمان كما المخذول الذي وجد الأمل وأخيرًا، رفعت نفسها تُقبله على خده ثم ابتسمت له برقة بقولها:

"متتخيلش أنت الدفى ده بيكون عامل إزاي منك أنت، أنت الدفى كله أصلًا يا مروان، يعني بحس كأن كل حاجة كويسة وأنت موجود كدا وبسمع صوتك، مشاعر غريبة بس حلوة أوي، بتعمل في بطني فراشات!"

ضحك مجددًا على عفويتها تلك وسألها باستغراب:

"فراشات؟ يعني إيه؟"

ذمت شفتاها بعبوسٍ بوجهه وهي تُجبه بعدما أزاحت عيناها عنه:

"هو بتتقال كدا، مش عارفة بس إحساس حلو شبه الفراشات لما بتلعب كدا في حاجة!"

همهم غامزًا إياها بطرف عينه لتطالعه باستغراب وهي تُشير له بعينيها مُتسائلة عن سبب تلك الغمزة، فعاود غمزها مجددًا لتسأله:

"إيــه؟"

_"أوه في سنانك، مبتفهميش بالتلميحات!"

قالها بحنقٍ ساخطًا منها، لتهز رأسها بنفي ومازالت لم تفهم تلميحاته التي أخرجها للتو، يُظهر لها شخصية مختلفة منه، ويبدو وكأنها الوقحة!

_"أيوه يعني عاوز إيه، أنت عينك وجعاك ولا إيه عمال تغمز كدا ليه؟"

قالتها بمراوغة ليضحك لها وهو يرى مراوغتها تلك بدأت تخرج منها، ثم جذبها من كتفها يحتضنها مجددًا واستقرت هي بين أحضانها تستكين بكل راحة!

أخرج نسخ من أشرطة فيديو كاميرات المراقبة التي ظهرت بها «روان» تُفرغ الطريق «لنادر» ليدخل «لرزان» بالسر، ثم ابتسم بتوسعٍ لإقتراب وصوله للحقيقة ولكل شيء حاول سنين طوال أن يصل لها.

سحب نفسًا عميقًا بينما يهمس بكل هدوء بينه وبين نفسه:

"قربت يا وليد، قربت أنت وكل اللي معاك وأنا مش هرحمك لا أنت ولا اللي معاك زي ما وعدتك!"

سبح بذاكرته نحو الماضي، قبل سنينٍ طوال عندما كان مراهقًا وقُتل والده أمام عينيه من «وليد» الذي كان بينهما عملًا وانتهى بشكلٍ خاسر جعل من «وليد» يُنهي حياته، كأنه له الحق في إنهاء حياة كل من يرغب دون رحمة ورأفة بهم، وقتها قُهر وقُهرت أمه وأخته المسكينة، ومن وقتها وهو عازمًا بداخله أن ينتقم، يأخذ بثأره، وكان ذلك عن طريق محاولته بأن يصبح شرطيًا ليكون كل شيء بالقانون!

تحرك من مكانه نحو «شوكت» الذي كان يجلس على الكرسي المجاور لغرفة ابنته، وقف أمامه يُعرفه عن نفسه بكل ثقة:

"مساء الخير، مع حضرتك إياد مُختار، الرائد إياد مُختار!"

وقف «شوكت» أمامه يصافحه بهدوءٍ وهو يرحب به:

"أهلًا وسهلًا ياحضرة الرائد!"

_"أنا هنا في تحريات تخص بنت حضرتك رزان، الدكتور النفسية بعتتلنا كل اللي قدرت تعرفه عن حالة نادر، نادر مريض واحتمال كبير يبقى دخوله المصحة أكبر من دخوله السجن نفسه، بس أكيد هيبقى مسجون هناك لحد ما يتعالج وينتقل للسجن، بس فيه خبر قد يكون مش كويس بالنسبالك، بس لازم تعرفه!"

تحدث بكل جدية ووضوحٍ مما جعل «شوكت» يتأثر بقوله باستغراب وسأله بفضولٍ شديد بينما القلق ساوره من الداخل عما هو قادم من «إياد»:

"بنتك روان، متفقة مع نادر على كل حاجة بتحصل لرزان أختها، من يومين جه نادر هنا ودخل لرزان لما وقتها تعبت تعب شديد، وكان بمساعدة روان وجبنا ده بكاميرات المراقبة!"

توسعت حدقتاه، فهو علم أن القادم سيكون شيئًا صادمًا، وسأل بصدمة مُستنكرًا كل شيء:

"أنت بتقول إيه يا حضرة الظابط، الكلام ده مستحيل، دول أخوات!"

تنهد «إياد» راميًا بكلماته مجددًا بجدية وهو يهز رأسه بقلة حيلة:

"مع الأسف الشديد دي حقيقة، طبعًا هيبقى ليها عقاب لو طلعت مشتركة في حاجات تانية معاه، وده هنعرفه، حبيت أعرفك عشان الشغل بالنسبة ليا شغل، عن اذنك!"

ثم تحرك من أمامه لخارج المستشفى بينما جلس «شوكت» مكانه مازال تحت تأثير الصدمة، أيعقل أن تفعل «روان» كل ذلك بأختها، أيعقل أن تحمل بداخلها كل ذلك الحقد لأجل أمها التي ماتت من سنين وكان ذلك نصيبها وليس بفعل فاعل، إن أتى للحق فكانت الصدمة الكبيرة على قلب أم «رزان» التي وصلها خبر زواج زوجها عليها، وتقبلته وصمتت وعاشت حياتها رفقة زوجها في منزلهما بعيدًا عن زوجته الثانية التي كانت تعيش في منزل آخر!

تداخل الانكسار رفقة الصدمة، وحاوطوا قلبه المسكين الذي جعله غير قادر على استيعاب أي شيء في الحياة، القلب المسكين الذي يتلقى صدمات الحياة واحدة تلو الأخرى!

في المساء أتى من منزل «عبدالله» بعدما اطمئن عليه وعن حالته وجلس معه قليلًا، ثم وصل لشقته وفتح الباب ودلف بتعبٍ واضح عليه، يمرر عيناه في أرجاء الشقة ليرى أين هي، ولكنه سمع صوتها الهامس يخرج من غرفتهما تتحدث رفقة أحد على الهاتف:

"ماما، هو العمل ده المفروض يتجدد أمتى؟ جدديه لو مخلصش حتى، اعملي ألف واحد غيره عشان هو مبقاش معبرني زي ما يكون مش معمول حاجة، واعمليلها هي كمان واحد يهدها ويخلصنا منها"

صوتها وصل لأذنه كما صوت شيطان يوسوس له على هيئة بني آدم، أي شر يخرج منها بذلك الشكل المُخيف، وقف عقله للحظاتٍ، دقائق! 

توقف مكانه غير قادرًا عن الحركة، غير قادرًا على استوعاب ماسمعه، إن كان سمعه من شخصٍ آخر لصدق، ولكن منها؟ مِمَن عاش معها سنون طوال زوجًا لها وهي زوجته!

البيت مُحاط الآن بشياطين فقط، شيطان عماه، وآخر يتلبسها، تقدم نحو الغرفة يُمسكها من شعرها بقوة ويسحبها خلفه، كان يُمسكها بشكل قوي جعل من شعرها يتقطع بين يده، الغل الذي به خرج الآن!

_"والله ما هرحــمك، مش هرحـمك يا رنا!"

قالها بكل حقد، صوته كان مملوءًا بالغضب الجامح، كالبركان المنفجر بقوة سيحرق كل من حوله، بينما هي صرخت بصوتٍ عالٍ ولم تستطع أبعاده، أنزلها في الأرض ومال عليها يضربها بقوة شديدة، لم يرى أي شيء أمامه حتى هي، بل ظل يصفعها في أماكن متفرقة من وجهها مُصدرًا أنينًا مُختنقًا من كتمان صوته بذلك الشكل القوي، بينما هي صراخها انتشر بالبناية بأكملها، تحاول أن تجعله يتوقف عما يفعل ولكنه آبى بسبب عدم تواجده هنا في بعقله، بل تغيب تمامًا ولم يرى أمامه.

وصلت أمه «ومرام» أيضًا للشقة وركضت أمه جواره تحاول إبعاده عن «رنا» التي تدمى وجهها من صفعاته:

"يالهوي، إبعد يا آســـر أنــت بتعمل إيه؟"

ظلت تحاول إبعاده بكل قوتها بينما «مرام» صرخت بقوة لما رأته الآن، الثانية مثل الجثة أسفله وهو لا يتوقف، ومع صراخها المستمر ومحاولات أمه أبتعد يتنفس الصعداء، بصق عليها عدة مرات ولعنها، سبّها بأبشع السباب الذي عرفه في حياته، ثم عاد يقترب لها وجعلها تجلس في مكانها من شعرها، ولكنها كانت مُتعبة غير واعية، ونبس بصوتٍ مرتجف للمجهود الذي بذله الآن:

"ده لسه، إحنا لسه في الأول، فوقي معايا أنتِ لسه مشوفتيش شيطايني عاملة إزاي ومشوفتيش الشر اللي جوايا اللي هيطلع كله عليكِ، فوقي كدا معايا وصحصحي كويس، ها؟ فوقي معايا، وربنا ما هسيبك، واللي خلقني ما هرحمك يا رنا!"

حاولت أمه مجددًا أبعاده، بينما هي تتنفس بصعوبة وتحاول فتح عيناها بتعبٍ، تحدثت أمه تؤنبه بقوة وتنهره:

"في إيــه يا آسر، استــهدى بالله، مالك!"

_"مراتي وبربيها، هربيها وهطلقها وتترمي من مكان ما جت، أنا هوريها كل اللي شوفته الفترة اللي فاتت على جسمها، هوريها بجد العذاب، مرضها ده مش عذاب، وياريتها تتقي ربنا في نفسها وتعمل ليومها اللي قرب، بس أنا هخليها تعمل لليوم ده حساب، أنا هوريها!"

قالها بغلٍ شديد، بقهرٍ، بغضب عمى عيناه.

بينما اقتربت «مرام» تحاول مساندة «رنا» ولكنه جذبها بعنفٍ مما جعلها تشهق وهي تطالعه بخوف، حسبت أن الدور عليها ولكنه نظر لها يأمرها بمنظره المخيف:

"متقربيش منها، مشوفكيش هنا فاهمة، مشوفكيش بتكلميها كلمة، فاهمــة؟"

صرخ في نهاية حديثه لتومئ له بسرعة بخوفٍ وتركته لتقف خلف أمه بقلقٍ شديد وذعر منه، بينما أمه ظلت واقفة بصدمة بعدما استنبطت كل شيء، وعلمت أن من وراء ذلك تلك التي يُدمي وجهها كله!

وقف «آسر» واتجه مجددًا نحو «رنا» يُمسكها من شعرها وجذبها منه نحو غرفتهما وأغلق عليها الباب بعدما ألقاها بداخلها، ونظر «لمرام» وأمه بعدما نفض الغضب ليتحول لكره، ثم سقط في مكانه مغشيًا عليه بتعب.

اقتربا نحوه بصراخهما المذعور، ولولت أمه وهي تستنجد بأي شخص لأجل ابنها، ابنها الميت روحًا!

_"يالهوي يا ابني، يالهوي، قوم يا آسر، يا آسـر!"

وكان تصرف «مرام» سريع عندما سحبت هاتفه واتصلت «بمروان» تُخبره وأتى على عجلة رفقة «حمزة» يلحقان صديقهما الذي انهكته الحياة، وكل شيء!

الشر سيتلاقى مع الشر، كقنبلة عدادها في نهايته وستنفجر.

خرج «وليد» من السجن بعدما وضعت القضية في ذمة التحقيق، حتى يتم تقديم الأدلة وكل ما يملك الطرف الآخر، خرج بسلطته الكبيرة في البلد.

كان جالسًا في مكتبه ينتظر وصول شريكه الآخر، ينتظر «نادر» الذي أتى بشكله الغير طبيعي، كأنه كان يتعاطى شيء قبل أن يأتي، وتحدث بفظاظة:

"خير؟ جايبني ليه؟"

_"هو إيه اللي خير، أنت مش حاسس إننا بنروح فداهية!"

قالها «وليد» بسخطٍ، غاضبًا من كل شيء، ضحك «نادر» عاليًا بقوله:

"لا، لوحدك ياباشا، أنا مليش دعوة"

ثم أقترب وجلس بكل راحة وهو يقول بسخرية بينما يُمرر إصبعه على سطح مكتب «وليد»:

"معلش بقى، الدنيا غدارة وأنا لو طلبوني في أي حاجة هقول، عشان أنا قرفت من كل حاجة خلاص، جبت أخري!"

قام «وليد» من مكانه وتحرك نحو «نادر» بغضبٍ جامح، كما الشرار الخارج من نار كبيرة متوهجة:

"أنت شكلك اتجننت، دي أقتلك فيها دي!"

_"تقتلني؟ أنت عارف بتكلم مين ولا إيه، أنا نادر المصري، وريني بقى شطارتك!"

قالها ساخرًا من منبع الشر الذي أمامه، ثم وقف في مكانه وقال بسخرية:

"تشاو يا وليد!"

ثم أولاه ظهره وغادر ليُخرج «وليد» المسدس في لحظة غدر وصاح باسم الآخر:

"نــادر!"

التفت له «نادر» ودوى صوت إطلاق الرصاص من المسدس نحوهه، تحديدًا نحو رأسه

              الفصل الثلاثون من هنا

لقرءاة باقي الفصول من هنا

تعليقات



<>