رواية تشابك ارواح الفصل الثالث والثلاثون33بقلم امينة محمد

 رواية تشابك ارواح 

الفصل الثالث والثلاثون33

بقلم امينة محمد

«عقد قران»

للحب معانٍ عدة، يشملها الهوى؛ كهوى قلبي بكِ وتواصل روحي مع روحك، ككل لحظةٍ سعيدة نشأت بيننا؛ فأسميناها ذكريات حبيبة، كما حال يدين لمسا بعضهما فسارت رجفة حاوطت القلب بأكمله

«بعد مرور أربعة أيام»

ذاق الحبيب فيهم كل معاني الحب، وكان الصديق موجودًا لمراعاة قلب صديقه، وبات الأمر أكثر هدوءًا من ذي قبل.

طرقات عديدة على الباب صحبتها رنين جرس بشكلٍ مزعج، زفر «مروان» بحنقٍ، فهو يعلم أن الطارق «حمزة»، فتح له ليقابله الآخر بابتسامة متشدقة ورفع حقيبة سوداء كان يحملها بابتسامة:

"إيه ياقلبي عامل إيه النهاردة، جايبلك موز وتفاح عشان تتغذى كدا، أدخل ولا مراتك كاشفة راسها!"

قهقه «مروان» بتنهيدة وأشار له بالدخول، ليقول «حمزة» بابتسامة:

"لسه راجع من الشغل وقابلني واحد بيبيع فاكهة، قولت ياواد ياحمزة هات للواد مروان عشان يتغذى، عامل إيه النهاردة؟ الحروق فجسمك هديت ولا إيه؟"

يحكي له تفاصيل التفاصيل بينما كان يسير نحو الشرفة ويجلس بها وتبعه «مروان» يجلس جواره بابتسامة محببة:

"أحسن النهاردة وكمان الحروق نوعًا ما هديت، وهي هتاخد وقتها، وتسلم على الفاكهة دي يا أخويا والله"

_"الواد عبدالله محدش شافه من امبارح، هو العرسان بيجرالها إيه ياجدعان!"

قالها حانقًا، فهو الوحيد الأعزب بينهم الآن، ليردف «مروان» بضحكة خافتة:

"كتب كتابه النهاردة بقى، محدش قده ياعم، وعقبالك كدا!"

تنهد وأبعد بصره للقطتين النائمتين بين الزرع:

"بتاع خمس شهور كدا وهحصلكوا"

طالعه «مروان» بعينين مغلقتين قليلًا يستشف محاولات «حمزة» في رمي ذلك الكلام:

"هو إحنا مش قولنا السيرة دي محتاجة تفكير ياحمزة، ومحتاج تشوف أنت فعلا عاوز تتجوزها ولا عاوز بس تساعدها!"

لمعت عين الآخر وهو يتحدث عنها بقوله:

"اكتشفت إني عاوز اتجوزها يا مروان، رزان أنا حبيتها ومحستش بـ ده غير خلال الفترة الأخيرة لما نادر اتقتل، عشان كدا أنا هتجوزها بس أنا مش هفتح معاها أي حاجة على الأقل لحد ما فترة عِدتها تخلص، تكون نفسيًا راقت!"

أومأ له «مروان» بتنهيدة وهو يربت على كتف صديقه:

"الله يسهلك الحال، شريط التسجيل بتاع المحل الحاج إبراهيم بعته للرائد إياد، الجلسة معادها بكرا في قضية وليد!"

_"معرفتوش الواد فتحي هيحصله إيه؟"

سأله «حمزة» بوجومٍ لذكر هؤلاء البغضاء الذي يكرههم:

"فتحي شكله لابس إعدام يعني لابس، ياصاحبي آخرة الشر وحشة ومحدش كان متوقع ده من فتحي، بس اللي حصل بقى والحاج إبراهيم قال هنعمل بأصلنا معاه ونحاول نساعد بس أنس قاله كل الأدلة بتقول إن فتحي هو اللي قتله حتى لو مش هو، الله يرحمنا برحمته الواسعة ويعفو عنا ويثبتنا"

دعى في نهاية حديثه بتنهيدة قوية، ثم طالع «مشمشة» بشرودٍ فهي على وشك الولادة، ابتسم داخليًا متذكرًا حديث «سيلين» عنها عندما أخبرته أنها حامل، تحرك «حمزة» قائلًا:

"هقوم عشان اجهز وأنت تجهز، أشوفك في كتب الكتاب"

وقف معه «مروان» وتحرك رفقته إلى الباب قائلًا:

"سيلين أصلًا مع تسنيم وشوية وهترجع، وهنجهز وهننزل إن شاء الله"

تنهد «حمزة» بابتسامة خفيفة:

"ماشي ياعم، سلام"

ثم غادر وولج «مروان» للشقة متذكرًا ليلة أمس عندما أخذها وذهبا لمحل ملابس واشترت فستانًا رقيقًا لمناسبة اليوم، وفاجئته وهي تخبره أنها تود حجاب لونه يليق على الفستان، فرح داخليًا بقرارها واشترى لها أكثر من لونٍ!

نهاية المطاف بعد حبٍ ملحمي كانت أن نكون سويًا، رفقةً بعضنا البعض وتتلمس الأيادي بعضها البعض فتنشأ نغمة باسم الحب، نغمة أثرها حلال على القلوب.

كانت تجلس بتوترٍ شديد، رهبة اليوم تسيطر عليها بشكلٍ كبير، هي اليوم ستكون له، له وحده، ستكون على اسمه وزوجته.

_"يابنتي بقى، أهدي مكانك خليني أعرف أرسم الايلاينر!"

قالتها «سيلين» بضجرٍ من تلك التي لا تتوقف عن الحركة، زفرت «تسنيم» هي الأخرى بخوفٍ:

"متوترة متوترة، يارب اليوم ده يخلص بقى!"

ابتسمت «سيلين» بنعومة بعدما أنهت رسم الخط الأسود الذي زين رسمة عينيها البُنية، وابتسمت بحبٍ كبير على رؤية تسنيم بشكلها الخافت، كانت مساحيق التجميل خاصتها ناعمة مثلها، خفيفة وبسيطة.

"ماشاءالله يا تسنيم، شكلك عسول أوي، ربنا يباركلك في حياتك ياحبيبتي!"

ثم اقتربت تضمها بحبٍ بينما ابتسمت «تسنيم» بسعادة وضمتها هي الأخرى لها، ونبست بنبرة الدفء التي تحدثت بها «سيلين»:

"ربنا يبارك لي فيكِ يارب، ربنا رزقني بصحبتك والله ياسيلين"

ابتسمت «سيلين» بدفءٍ لوقع تلك الكلمات على أذنيها، فها هي الآن تحظي بصداقة حقيقية، رجلًا حقيقيًا، حياة حقيقية.

تحركت بعدما ودعتها نحو شقتها تُقابل حبيبها الأبدي مبتسمة في وجهه:

"أنا جيت، خلصنا هدخل أنا ألبس عشان هطول شوية في تظبيط الحجاب وكدا"

أومأ لها مبتسمًا بحنانٍ:

"ماشي، خدي وقتك"

اقتربت وقبلته على خده لتتوسع ابتسامته ويبادلها نفس القبلة على خدها بنعومة، هكذا تمامًا كان كل شيء متبادل بينهما لتصبح الحياة بأكملها هادئة عكس أرواحهما التي حملت الضجيج بها، وقلوبهما التي تملكها الأجيج.

ولجت للغرفة وارتدت ذلك الفستان صاحب اللون السماوي الذي ماثل لون عيناها ليصنع مزيجًا خافقًا للقلب، ثم وضعت بعض المساحيق البسيطة التي لم تُظهر مفاتنها كثيرًا، كأحمر شفاه بلونٍ يماثل لون شفتاها، تنفست الصعداء وهي تقف أمام المرآة:

"الخطوة الأصعب على الإطلاق، الطرحة!"

أخرجت نفسها على مهلٍ وأرتدت الحجاب لمدة لا تقل على نصف ساعة تحاول أن تُعدل هيئته على شعرها، فزعها دخوله لها ليسأل عن كل هذا التأخير ولكنه صمت يتابع تلك التي خطفت أنفاسه من الوهلة الأولى هامسًا:

"بسم الله ماشاء الله تبارك الله!"

ابتسمت بخجلٍ وكانت تضع آخر دبوسٍ فيه ليثبت حجابها ثم وقفت أمامها وبعدها دارت في مكانها بضحكة رنانة:

"حلوة أوي!"

_"أوي أوي"

أمسك يدها وجعلها تدور في مكانها ثم قربها له يطبع قبلة على جبهتها بابتسامة راضية:

"الفستان عليكِ جميل ماشاء الله، دا أنا أخبيكِ هنا ومننزلش الفرح ده"

ضحكت مجددًا وأقتربت له أكثر، ثم وضعت يدها على خده بدفءٍ تسأله بمكرٍ خفي لمحه هو بين طيات كلامها:

"هو أنت بتغير ولا إيه؟"

غمزها بطرف عينه بمكرٍ هو الآخر، يعلم جيدًا أنها مراوغة بتلك الأمور وهو أكثر منها إن أتينا للحق!

نبس بنبرة هادئة والابتسامة مرتسمة على ثغره:

"وهو أنا يبقى معايا سيلين بحلاوتها دي ومش هغير عليها، عيب عليا والله"

ضحكاتها لم تهدأ حتى الآن من وقع كلماته على قلبها، كلمات الحبيب دومًا تكون لها إيقاع مميز، لا يشبه كلمات أحد، حتى ولو كانت بسيطة ليس بها الغزل الصريح.

_"طب يلا ألبس هدومك عشان ننزل!"

قالتها وهي تتحرك أمام عينيه كما خفة الفراشة تمامًا، تتحرك كوردة مميزة بشكلها الجذاب بين حديقة كاملة من الورد العادي.

بينما هو توجه يُخرج ملابسه المُعلقة بخزانته بعد كييها، تجهز وكان مظهره لا يقل تناسقًا عنها، بل كان جذابًا كرجلٍ يخطف الأنظار من الجميع.

يرتدي قميصًا من اللون السماوي الذي أخبرته بأن يلبسه ليكون مثل لون فستانها، وبنطال قماشي من اللون الأسود، هندم ملابسه وشعره، وأقتربت هي تولج بجسدها لتقف أمامه وتُمسك عطره واضعة له بابتسامة:

"بحب ريحة البرفيوم بتاعك أوي، ريحتها جميلة!"

هندمت له ياقة قميصه وابتسمت بتوسعٍ بينما هو بادلها تلك الابتسامة يتابع عيناها، أي أنواع الجمال تمتلك بعينيها؟

_"سبحان الله، ربنا حاطط في عينك جمال مش طبيعي، سبحان الله الذي خلق فأبدع"

ابتسمت بخجلٍ وتوردت وجنتاها بينما استقرت عيناها على صدره ورفعتها بين البرهة والأخرى لعينيه تبادله النظرة، مما جعله يقهقه وهو يضمها له بخفة لأحضانه:

"هو أنا قولت حاجة للكسوف ده طيب، يلا ياست سيلين عشان نمشي!"

_"يلا"

أمسكت يده بقوة واضعة أصابعها بين أصابعه وسارت جواره حيث المكان المُجهز بشكلٍ مميز الذي سيعقد به القران.

قلبه يخفق كطيرٍ للتو حصل على حريته، كزهرة حصلت على الماء بعد عطشٍ شديد وجفاف، كعصفورٍ صغير جلبت له أمه الطعام لتُعيد له الحياة.

لم يكن يحلم بأن ذلك اليوم بهذا القُرب، هو يعلم أنه كان سيأتي فقط، كان الأمل يحاوط قلبه اليائس من كل ظروف الحياة، ومن كل شيء يمنعها عنه.

أرتدى ملابسه ووقف يطالع نفسه في المرآة، ابتسم برضا عن هيئته المهندمة، شعره الذي ذهب للحلاق ليعيد ترتيبه، وجهه اللامع لأجل حبيبة سيحظى بها اليوم، قميصه الأبيض على سرواله الأسود القماشي، جذابًا، متألقًا.

ولجت أمه له ورأته بهيئته لترتسم ابتسامة واسعة على ثغرها وهي تقترب نحوه تضع يدها على خده بنعومة:

"ياحبيب عيني أنت، أحلى عريس في الدنيا ياعبدالله والله، ربنا يرزقك الخير في حياتك وفي مراتك، ويرزقك بذرية صالحة ياحبيبي"

عانقها بابتسامة واسعة بقوة وهو يربت على ظهرها قائلًا:

"الله يخليكِ يا أمي يارب ويديمك ليا، يارب ياحبيبتي"

ربتت هي الأخرى على ظهره وابتعدت بعينيها الدامعة وهي تبرر له بينما تمسح دموعها بكفها:

"دموع الفرحة، فرحتي بيك كبيرة متتوصفش، دعيت ربنا أشوفك في اليوم ده كتير والله، أشوفك عريس كدا وأحلى عريس كمان"

ابتسم بتوسعٍ وقبل جبهتها ثم يدها وهو يقول بخفوتٍ بعدما توغل شعور الأمان ذلك لقلبه:

"ربنا يديمك ليا يارب"

تحركا سويًا للخارج حيث والده الذي تجهز أيضًا وأقترب يربت على كتفه بضحكة فرحة:

"مبارك ياض، ربنا يتمملك على خير"

ضحك «عبدالله» بسعادة غامرة قلبه، واقترب نحو والده يعانقه بقوة، حيث المشاعر تمازجت بين الأب وابنه، مشاعر قوية لم يأتي مثلها ولن يأتي، يراه الآن عريسًا بعدما كان طفلًا في نظره يخاف عليه من الهواء المار، يراه الآن يصنع بيتًا رفقة من يحب ومن كانت لنصيبه.

وبعد تلك المباركات التي ملأت الأرجاء، بعد مشاعر كثيرة فياضة أحاطت المكان غادروا ثلاثتهم بالسيارة التي زينها «عبدالله» لأجل ذلك اليوم خصيصًا ووصلوا للمكان يقف بين أصدقائه.

_"ولا لو بقيت زيهم هقتلكوا أنتو التلاتة!"

قالها «حمزة» متشدقًا وملامحه يحتلها الحنق يطالعهم بالترتيب بدايةً من «آسر» و«مروان» وحتى «عبدالله» الذي أجابه ببساطة:

"الفرح بس يجي وهكتب على باب الشقة ممنوع الزيارة لمدة شهر لأن العريسان تعبا حتى تزوجا"

ضحكوا جميعًا على جملته تلك التي اعتقدوا أنها مزحة ولكنه أكد عليهم بملامحه الجدية قائلًا:

"فاكريني بهزر؟ أنا بتكلم بجد"

_"انت طايرة منك وتعملها"

قالها «آسر» ضاحكًا، ليهز رأسه يؤكد عليه حديثه، بأنه سيكون مختلًا في هكذا أمر لأنه لا يرغب في رؤية شخص بعدما يتزوجها.

وفي ثانية كانت أنظاره مخطوفة نحوها تدخل للمكان رفقة أختها و«سيلين» بفستانها صاحب اللون السُكري البسيط، به نقاشات في أماكن متفرقة على شكل ورودٍ، وحجابها الذي يماثل ذلك اللون، واضعة تاجًا على رأسها بشكل الورود التي على الفستان لونه فضي، والابتسامة تشق طريقها على فمها سعيدة.

همس بينه وبين نفسه بين الوله والهيام:

"يارب على الجمال، هو كل ده هيشوفها غيري، هروح اغطيها واخدها وأمشي"

ابتلع تلك الغصة التي وقفت بحلقه وهو يجدها تطالعه بابتسامة خجلة متوردة وانتبه «لمروان» ينبهه بأن يتحرك ليجلس على الكرسي جوار المأذون، انتبه أخيرًا لنفسه وأخرج صوتًا من حلقه ليتدارك موقفه، وتوجه جالسًا جوار المأذون وجوارهما والدها.

_"إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدالله ورسوله.

قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.)

(يَا أَيُّهَاا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامََ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)

وقوله سبحانه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ۝ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)"

ثم نظر المأذون نحو «عبدالله» يقول له ما يجب قوله:

"زوجنى ابنتك تسنيم بنت محسن على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وعلى الصداق المسمى بيننا"

ابتسم «عبدالله» بتوسعٍ ويده بيد والدها موضوعًا فوقهما المنديل المزخرف باسمها هي وهو، ثم بدأ يقول بنبرة عذبة:

"زوجني ابنتك تسنيم بنت محسن، على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وعلى الصداق المسمى بيننا"

ثم قال المأذون «لمحسن» ما يجب قوله:

"زوجتك ابنتى تسنيم على كتاب الله وعلى سنة رسول الله وعلى الصداق المسمى بيننا"

_"قبلت الزواج على كتاب الله وعلى سنة رسوله وعلى الصداق المسمى بيننا"

ثم جذب الدفتر ليبصم به «عبدالله» ويوقع، وناوله أيضًا «لتسنيم» الجالسة جوار والدها ووقعت، ثم صافح والدها و«تامر» واقترب منه صديقيه «حمزة» و«آسر» أمامه يمنعاه من التحرك نحوها، طالعهما بحاجبه المتقوس يقول بتهديدٍ:

"وسعوا احسنلكم، أنا مش شايف قدامي أقسم بالله"

ضحك «حمزة» بمكرٍ وخباثة وهو يحتضنه:

"في إيه ياض، نحضنك الأول"

بادله يربت على ظهره ثم أبعده وعانق «آسر» مثله وأبعدهما:

"أحلى حضن ومسا عليكوا يابا، وسعوا"

ثم دفعهما من أمامه وأقترب نحوها بينما هي ابتسامتها واسعة وخديها متوردين بخجلٍ كبير:

"والله ما مصدق، حاسس إني في حلم وبقول هصحى منه، بس هو حقيقة، ودي أحلى حقيقة أنا عيشتها"

ثم ضمها له ينعم بطعم العناق الأول، العناق الحلال لهما، بادلته تخبئ رأسها بين أحضانه من الخجل، شدد عليها كأنه يُخبئها بين أحضانه لا يود أن يخرجها أبدًا، لا يود أن يُبعدها عنه بتاتًا.

ملأت الزغاريد المكان وبدأ التصفيق الحار من الجميع لهما، تنهد «مروان» بخفة بينما الابتسامة مرسومة بحنو على فمه وهو يرى صديقه وأخاه يحصل على ما يتمنى الآن، وما حارب لأجله سنينٍ طوال.

شعر «بسيلين» تستند برأسها على كتفه فمرر بصره عليها مبتسمًا، بينما هي كانت ترى تلك اللحظة بعينين لامعة فرحة لأجل «تسنيم».

ظلت الاحتفالات مستمرة، والتقطوا الكثير من الصور، حتى بدأ الجميع يغادر بينما «عبدالله» أخذها رفقته بتلك السيارة المُزينة وغادر بها الحارة بأكملها، لن يمنعه أحد ولن يقف بطريقه أحد، هي الآن زوجته، وهو زوجها.

_"مقولتليش برضو، فين السبع حاجات اللي قولتلك تعمليهم!"

قالها بمكرٍ ونظر لها ثم للطريق أمامه لتضحك هي بخفة قائلة:

"هو أنت منستش!"

_"تؤ، وهي دي حاجة تتنسي يا عسلية أنت"

نبس بنبرة لعوبة، لتتورد خداها سريعًا من كلماته تلك، ثم قالت بنبرة هامسة خرجت بصعوبة من خجلها:

"حاولت أفكر في سبع حاجات اعملهالك، بصراحة وصلت أعمل أول حاجة أكلة بتحبها، وأعملك كب كيك، وسيب الباقي مفاجأة!"

ضحك بخفة وهو يغمزها بطرف عينه مشاكسًا إياها:

"يعني أنتِ عاملة حساب للباقي ولا مفكرتيش أصلًا، طب أقولك إقتراح أنا؟"

عبست بسخطٍ من كشفه لها بذلك الشكل ثم سألته باستنكار:

"قول طيب!"

_"بما إني مش طماع، فموافق على الأكلة والكب كيك، بس الباقي هيكونوا 5، هاخدهم خمس قُبلات"

قالها بمشاكسة، وطالعها يحاول أن يرى ردة فعلها، فأعجبه ذلك الخجل الكبير الذي احتلها، عقد لسانها ولم تستطع التحدث ولا حتى قول حرفٍ واحد!

فعاد يضحك عليها وأمسك يدها بين يده وهو يقول:

"هاخدهم مليش فيه، بس خلينا دلوقتي في اللحظة، عشان أنا طاير من الفرحة ومجهزلك مفاجأة!"

اكتفت بالإيماء برأسها وهي مازالت أسفل الخجل الذي كان هو سببه، لتتحرك مشاعرها التي لطالما حبستها بداخلها بسبب منع والدها عنه، وكأنه كان منعًا لصلاحهما، ليحافظ على حبهما كما هو، بل ويزداد.

وصل حيث وجهته فكان مطعم بشكله اللافت والمميز، وكان هنالك طاولة مُزينة بالكامل بالورد الأحمر والشموع، هكذا كما طلبها تمامًا، أمسك يدها يساعدها في المشي نحو الطاولة وأتى النادل يرحب بهما بابتسامة وأشار لهما على الطرق، بينما هو جذب لها الكرسي لتجلس عليه مبتسمة بحبٍ بينما هو تحرك وجلس أمامها:

"إيه رأيك؟"

كانت ابتسامتها واسعة، وقلبها يرفرف بسعادة غامرة، أجابته بنبرة غلفتها السعادة والفرحة والحب أيضًا:

"تحفة يا عبدالله، المكان تحفة وترتيباته وكل حاجة"

ابتسم وأتى النادل واضعًا علبة كبيرة على الطاولة وغادر ليأتي بعده واحدًا بكيكة متوسطة الحجم عليها اسمهما وأيضًا تاريخ اليوم:

"تحفة، ماشاء الله، ده كله كتير بجد"

_"مافيش حاجة كتير عشانك، كل حاجة عشانك تجيلك لحد عندك وزيادة كمان، البوكس دي فيها كام حاجة بس افتحيها لما تروحي!"

قالها بابتسامة واسعة وعيناه تنطق بالحب، بينما هي ابتسمت بتوسعٍ هي الأخرى وأومأت برأسها له، كانت ليلتهما مميزة بعدما طلب العشاء، كانت ليلة غامرة بالحب عليهما، وعلى قلوبهما.

أعادها للمنزل وغادر هو لشقته وجلست على فراشها ترى ما بالعلبة التي جلبها لها، أخرجت كل شيء بالترتيب لتجد به بروازٍ عليه تواريخ مميزة لهما، كيوم ميلادها ويوم ميلاده، وتاريخ اعترافه بحبه لهما وتاريخ عقد القرآن في النهاية.

مدت يدها وأخرجت الثانية بعينين لامعتين بسعادة بالغة، فكانت سلسلة تحمل اسمها بشكلٍ منسق ومميز، ثم الثالثة كان مرسال فتحته سريعًا تقرأ ما دوّن بخط يده:

"أردت أن أخبرك بسرٍ كبير عزيزتي تسنيم، ليس أنني أحبك وليس أنني دعوت الله يوميًا أن أحظي بكِ، السر هو أنني مفتونٌ بملامحك، وبعينيكِ البندقية الساحرة، أردت أن أدوّن لكِ معبرًا عن حبي فوجدت أن الحروف لن تكفي، والكلمات لن تصبح كما هو شعوري، ولكنني اليوم حظيت بدعوة ألححت بها، ودعوت كثيرًا أن أنالك، نلتُ قلبك ونلتِ روحي، وأصبحتِ كما معزوفة مميزة ولكنها حلال، أصبحتِ الحلم الذي لطالما حلمت به، تسنيم حُلمي، دعواتي، حبي الأول والأخير، حبيبك، زوجك عبدالله"

كانت عيناها دامعة من فرط المشاعر التي حاوطتها الآن، ضمت الرسالة لصدرها وأغمضت عيناها تنبس:

"الحمدلله، الحمدلله يارب"

كان يجلس رفقة أمه يحاورها في عدة أشياء يفكر بها، أولها أن «رنا» لم تغادر بيته للآن وهو طردها أمس، كان الشرر يحاوطه ويحاوط قلبه ناحيتها:

"هقوم أشوف، وأشوف اخرتها إيه، الكل سأل عنك أنتِ ومرام النهاردة، هي كويسة دلوقتي؟"

ابتسمت أمه بتوسعٍ فهي تخفي سرًا خلف ابتسامتها، أومأت له برأسها بايجاب:

"كويسة يابني متقلقش، قوم شوفها كمان بنفسك"

أومأ لها وأقترب يقبلها على رأسها ثم تحرك نحو شقته أولًا حيث «رنا» ليرى لماذا لم تغادر حتى الآن وهو طردها وحدث بينه وبين والدتها شد وجذب.

"بقولك تعالي خدي بنتك، مش طايقها وهطلقها أنتو مبتفهموش، خديها وغورا في ستين ألف داهية أنا مش طايقكم كلكم أصلًا"

صمت يستمع لصوتها ثم زفر بضيقٍ وهو يمسك شعره بقوة يحاول أن يتمالك نفسه بعدما تلفت أعصابه ولم يعد يتحكم بها في الآونة الأخيرة:

"قولتلك مش طايقها، هتطلق هتطلق افهمي الجملة"

تنهد بقوة على تذكر تلك المحادثة وولج للشقة فوجدها تجلس على الأريكة وكأنها كانت تنتظره، اقتربت له سريعًا عندما لمحته وأمسكت بيده تترجاه ببكاءٍ:

"آسر، اتأخرت ليه كنت مستنياك"

_"وأنتِ مالك، ممشتيش ليه؟"

قالها بنفورٍ وهو يجذب جسده بقوة منها، لم يعد يرغب بأن تلمسه بسبب شعور الاشمئزاز الذي يحاوطه.

بكت بقهرٍ وهبطت على ركبتيها أمامه تقول بكل ذلٍ ونحيب:

"بالله عليك، بالله عليك سامحني، والله غصب عني أنا حبيتك أوي، مقدرش أعيش من غيرك والله، أنا عندي إستعداد المرض ينهش في جسمي وأموت على إيدك ولا أموت بعيدة عنك، متسبنيش يا آسر الله يخليك، متسبنيش"

ابتعد من أمامها وتحرك نحو غرفته يأخذ من ملابسه ليصعد «لمرام»، دون أن يضيف كلمة عما قاله قبل قليل، بل دون أن يخبرها بأي شيء يشفي غليلها.

لحقته وهي ترى الملابس بيده وسألته بحرقة:

"رايح فين؟"

_"مخصكيش!"

_"متمشيش، متروحلهاش والله اقتهالك، متروحلهاش لو خايف عليها يا آسر، أنت ليا يا آسر، أنت ليا وجوزي، مش لحد تاني، المفروض أصلًا تطلقها وتسيبها ونفضل أنا وأنت، سيب الهدوم دي"

جذبت منه الملابس ليغمض عينيه يحاول التحكم بنفسه، فهو لا يريد أن يضربها مجددًا يكفي ما فعل، وليس من خصاله أن يضرب امرأة.

سحب ملابس أخرى وكاد أن يغادر ولكنها أمسكت قميصه بقوة تمنعه من الحركة، فجذب نفسه سريعًا وهو يطالعها شزرًا، ثم تحرك ووقف أمامها بكل جمودٍ، بعدما تعافى من كل تلك الضغوطات التي وُضعت على عاتقيه، والآن شُفي غليله، وهدأت أحواله، هو الآن على إستعداد كامل بأن يتقدم في حياته رفقة من يستحقها والتي سيعافر لأجلها هي فقط.

_"رنا، أنتِ طالــق، طالــق بالتـلاتة!"

طالعته بصدمة كبير، لم تتحمل تلك الكلمات ولم تتحمل وقعها على أذنيها فصرخت بحسرة بوجهه:

"لا لا لا أسكت اسكــت، أسكــت متقولش كدا، مش عاوزة اتطلق مش عاوزة"

ابتسم بأسفٍ بوجهها وكان ذلك آخر ما حاول قوله لها، كانت هذه آخر تنهيدة خرجت حزينة من قلبه لأجلها:

"عشت معاكِ سنين واثق فيكِ وأمنتك على بيتي وحياتي وأسراري، وثقت فيكِ أكتر من نفسي وجريت عشانك من هنا لهنا، مش ندمان عارفة ليه؟ عشان أنا راجل وابن حلال وعملت بأصلي مع اللي كانت مراتي، وهعمل كدا مع مرام عشان هي مراتي وليها حقوق عليا وواجبات، بس أنتِ بقى اللي متستاهليش العيشة دي، تستاهلي تترمي عند أمك خليها تنفعك، يلا الحمدلله إنك ظهرتي على حقيقتك يا رنا"

ثم تحرك يغادر الشقة وهي خلفه تلحقه بسرعة حتى خرجا على السلم بينما هو صعد درجتين على السلم الموجه لشقة «مرام»، ولكنه لمحها تصعد من عند أمه ووقفت تطالعه وتطالع «رنا» بتوجسٍ ولم تنبس سوى باسمه:

"آسر!"

شعر بلحظة غدر ستحدث، وقد كان بالفعل، حدث الغدر قبل أن يتحرك هو كانت «رنا» الأسرع وهي تدفع «مرام» بقوة لتسقط بصرخة دوت في أرجاء المكان على الدرج الذي تلقى جسدها.

كان يقود سيارته نحو منزله ومعه «ندى» التي تتحدث رفقته بابتسامة:

"شذى مبسوطة أوي بكل حاجة، حتى بطلعة النهاردة كانت مبسوطة اوي، ربنا يخليكم لبعض ياحبيبي!"

ابتسم بخفة وهو ينظر نحوها ثم للطريق:

"حبيب قلبي ياندود، عقبالك"

قطع حديثهما رنين هاتفه الذي امسكه وأجاب بصوتٍ أجش:

"حضية'حضرة' اليائد'الرائد'، أهلًا وسهلًا!"

استمع له وعيناه على السيارتين التي حاصرت سيارته وهو يجيب:

"آه بكيا 'بكرا'الجلسة، ان شاء الله هكون في المحكمة الساعة 8، بقولك إيه خليك معايا!"

ثم قاد بشكلٍ أسرع جعل من «ندى» تجفل بخوفٍ وسألته بصوت عالٍ:

"أنس أنت مسرع كدا ليه، في إيه؟"

_"أهــدي"

حاول أن يتخطاهما ولكنهما كانا أسرع واصطدمت واحدة بسيارته لتنجرف عن الطريق وتصطدم بشجرة بقوة، جعلت منه يتقدم للأمام ليصطدم رأسه بالمقود بقوة!

مع صرخات «ندى» التي دوت في الإرجاء برهبة وذعر، ولكنها كانت الأقل ضررًا فلقد أخفضت رأسها وجسدها للأسفل ولكنها عندما لمحت أخيها بغير وعيه سار الخوف بها وبجسدها كله، أمسكت هاتفه وطلبت النجدة ببكاءٍ:

"ألحقنا بالله عليك، ألحقــنا"

           الفصل الرابع والثلاثون من هنا 

لقرءاة باقي الفصول من هنا

تعليقات



<>