رواية تشابك ارواح الفصل السادس والثلاثون36بقلم امينة محمد


رواية تشابك ارواح

 الفصل السادس والثلاثون36

بقلم امينة محمد

الشر الذي ألقيته على الجميع سيعود لك في يومٍ ما، فلنا رب كريم عادل، لا يهمل المظلوم ولا يمهل الظالم، سيأتيك بحقك الذي تركته والذي حاولت لأجله عدة مرات.
_"وشـــي"
هكذا نبس «وليد» بصراخٍ شديد عندما نزف وجهه بالدماء، وتحرك الضباط ناحية الزنزانة بهلعٍ يسألون عن الأمر:
"في إيه أنت وهو؟"
وجدوا «وليد» يحاول التحرك ممسكًا بوجهه بصراخٍ وعويل كما سيدة ضعيفة أتى أحدهم على حقها فجعلها تصرخ دون توقف وبقلبٍ مرتجف خائف، هو كذلك لم يكن سوى رجلٍ يهاب الجميع ويخاف من ظله إن تواجد، يحتمي برجاله فقط.
_"يا نهار أبيض، إيه اللي هبب وشك كدا، أطلع تعالى"
قالها الضابط بفزعٍ وجذبه خلفه لخارج الزنزانة نحو طبيب متخصص هنا وجلس أمامه يتلوى كما الحية من شدة وجعه.
نبس الطبيب بتنهيدة وهو يضع اللمسات الأخيرة من اللاصق الطبي:
"عدت على خير، خلي بالك اللي جوا دول ناس بهاوات السجن زي البهاوات اللي برا السجن، هو كدا العالم، كل مكان لازم يكون فيه البيه وعامة الشعب اللي تخدم عليه"
تحدث «وليد» من بين أسنانه بضيقٍ شديد وبالكاد يستطيع التحدث من الوجع الذي أصاب وجهه:
"أنا هوريه لما أطلع من هنا، هوريكم كلكم، أنتو متعرفوش أنا مين، أنا وليــد الأنصاري"
لوى الطبيب فمه بتهكمٍ، مثله مثل الآخرين متعجرفًا، فأصبح من داخله الشماتة ناحية «وليد» عمّا أصابه.
ثم تحرك مجددًا نحو الزنزانة رفقة الضابط وألقى نظرة شزرًا ناحية «كُبرة» الذي ابتسم بمكرٍ له.
كان جالسًا في شرفة منزله يحتسي الشاي رفقة تلك السيجارة التي بيده، شاردًا بعقله في ألف شيء بحياته كلها، منذ أن مات والده وهو هكذا حاملًا فوق طاقته وفوق أكتافه الكثير والكثير، كانت شاشة هاتفه المضيئة منعكسة على عينيه البُنية، يشاهد صوره مع أصدقائه والتي كانت جميعها مملوئة بالذكريات التي بينهم.
لمح أمه تلج له وتجلس جواره، فابتسم لها بخفة وأطفئ تلك السيجارة التي بيده قائلًا بترحيب:
"إيه ياست الستات كلهم"
ضحكت أمه بخفة ولكمته في كتفه بمزاحٍ قائلة:
"بطل ياض يا بكاش أنت الكلام بتاعك ده"
ثم تنهدت بخفة وهي تربت على كتفه بحنانٍ أموي جعل الراحة تدلف لقلبه:
"مالك يا حمزة، أنت بقالك كتير ساكت ومش مظبوط ومش ابني اللي أعرفه، أنت مشيل نفسك هم كبير ليه يابني، إحنا عايشين أهو الحمدلله، وأنت ربنا هيكرمك ببنت الحلال تتجوزها وتعيشوا في هنا وسعادة ياحبيبي"
وكأنه كان ينتظر تلك الكلمات ليتحرك الضجيج الذي بداخله وأسكنه هو بعد مراتٍ عديدة في محاولات الصمت التي وجدها طريقًا صحيحًا لذلك الدرب الصعب الذي يخطو به.
تحدث وهو ينظر أمامه بشرودٍ وملامحه احتلها الحزن الكبير:
"مش عارف، مبقتش عارف حاجة يا أمي، أنا ضايع في الدنيا مش عارف أنا ماشي صح ولا أنا ماشي غلط ومحتاج حاجة تقولي كمل أنت صح، الشغل ربنا موفقني فيه وزي ماكنت بحلم وفضلت اسعى عشان أوصل للي أنا فيه، بس برضو حاسس فيه حاجة غلط، مبقتش عارف ده إيه"
ثم سحب نفسًا عميقًا وأكمل بكل حرقة إحتلت كيانه:
"ماشي في الدنيا تايه، نفسي في حد يدلني على الطريق ويقولي كمل أنت صح، أو أقف أنت غلط"
أقتربت بكرسيها جواره وضمته لها أكثر، لعناق الأم التي لن يكون هناك مثله مهما بحثنا وأردنا إيجاد ما هو أحن وآمن، ثم تحدثت بنبرة خافتة تحمل الحنية:
"طب صلي عالنبي كدا وأهدى، أنت ماشي زي الفل يابني الحمدلله، وشغلك ماشي الحمدلله، حياتك صح والله، أنت بس اللي شاغل دماغك بحاجات ممكن متكنش ليك، رزان مش شبهك يا حمزة، أنت آه ساعدتها وكنت جنبها وهي بنت حلال، بس هي وأهلها مش شبهنا ولا هما زينا، فكر كويس قبل ما تعلق قلبك، أول مرة تعلقه وهتبقى المرة القوية اللي هتوجعك أوي"
ابتسم بسخرية وهو يشدد إمساكه لخصلات شعره بشدة وبضيقٍ شديد، الاختناق يسيطر على صدره ويقيده:
"كنت حاسس إنها مش ليا، بس أنا فعلًا حبيتها ومبقتش عارف أطلعها من دماغي، مبقتش عارف أبين أكتر من كدا إني مش فارق معايا وزيها زي أي حد، بس هي مش أي حد"
ثم أضاف بضحكة خفيفة في محاولةٍ منه لإخفاء كل الجوارح:
"هي اللي خلت دماغ حمزة المتكيفة على طول مبتفكرش في حد، تحتار عشانها وتفكر فيها هي بس"
تنهدت أمه بحزنٍ شديد عليه، وعلى ما أصاب قلبه المسكين من وجع الحب الذي لا يأتي بالخير أبدًا لو لم يمكن مُيسرًا:
"ربنا يكرمك بكرم كبير، ويوسع رزقك، ولو ليك خير فيها ربنا يجمعها بيك"
أومأ لها برأسه فقط، وظل مستندًا في أحضانها فتلك اللحظات لا تتكرر كثيرًا بسبب انشغاله أغلب الوقت، ليشحن طاقته التي فرغت لتكفيه يُكمل حياته لمدة طويلة!
استيقظ اليوم من الصباح الباكر على كابوسٍ لم يغادره، وكيف ستغادره وهو مازال في تلك المصائب التي لا تذهب، كان جالسًا في مكانه ممسكًا بيده المصحف يقرأ القرآن ليخفف عن أحزانه التي تثاقلت على قلبه بشكلٍ كبير.
انتهى من القراءة وردد بصوتٍ خفيض مستشعرًا بوجودها جواره:
"سبحانك اللهمَّ وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك"
ثم وضع المصحف على الطاولة جواره وضمها له بابتسامة:
"صباح الخير، نمتي كتير على فكرة"
ابتسمت بخفة وهي تستند عليه تستكين بين أحضانه:
"صباح النور، لما صحيتني الفجر عشان نصليه فضلت شوية لحد ما نمت، ها هنفطر إيه!"
سألته بمشاكسة في نهاية حديثها ليجيبها بنفسٍ المكر:
"اللي أعرفه إن الزوجة الصالحة بتقوم تعمل لجوزها فطار حلو كدا"
رمت تلك الكلمات مثله التي بالعادة تلقيها في وجهه ولكنه أعتاد على ذلك منها:
"الزوج الصالح بيساعد مراته في المطبخ على فكرة"
ابتسم بخفة ويده كان يسللها بشعرها الطويل الذي بخصلاتٍ حمراء مختفية في الشعر الكستنائي:
"طب قومي نعمل يلا، نبقى زوج صالح وزوجة صالحة"
_"هحط لمشمش ومشمشة أكل واجيلك"
قالتها بينما تحركت من بين أحضانه نحو المطبخ تخرج الطعام لهما ونادهما حيث المكان الذي يأكلان به، ووضعت لهما الطعام مبتسمة بتوسعٍ، فتلك الطاقة التي تنشرها القطط عندما تتواجد بمكانٍ ما تغمرها وتغمر قلبها، طاقة دافئة تجعل همومك تغادر من حيث أتت، ثم عادت له ووقفت جواره تشاكسه وهو يعد الطعام.
_"على فكرة أنتِ مساعدتيش"
قالها وهو يطالعها بطرف عينه، لتجيبه ببساطة:
"بس شجعتك"
هكذا عبرت بكلماتها، فهي بالفعل شجعته في وقفته هنا بوقفتها معه، هز رأسه بقلة حيلة ووضع الطعام على الطاولة ثم جلست وهو أيضًا وتشاركا طعام الإفطار سويًا.
فتح هاتفه بعدما أنهى طعامه، ليجد من «أنس» أرسلها له منذ البارحة، ولكنه للتو انتبه لها:
"خطوبتي بكرا، هستناك إن شاء الله"
رفع بصره يوجهه لها ثم نبس يخبرها بذلك:
"خطوبة أنس النهاردة، وباعتلي عازمنا نروح، أكيد بعت لكل الشباب، تروحي؟"
أومأت برأسها سريعًا مبتسمة:
"آه نروح، عاوزة أغير جو!"
ابتسم بخفة لإجابتها السريعة تلك، يعلم تمام العلم أنها بحاجة لتغيير الأماكن كما كانت تفعل قبلًا وأنها ليست الحياة التي كانت تعيشها سابقًا، ولكنها هُنا تحاول التأقلم أمام عينيه، ومن داخلها تود التحرك والذهاب، ولكن الخطر يداهمهما من جميع الجهات:
"ماشي ياست، نروح إن شاء الله، هشوف الشلة كدا ونشوف العربيات نظامها إيه ونروح كلنا، هنزل عشان أشوف العمال وصلوا لإيه في المحل"
ابتسمت بخفة وأومأت له واقتربت بدلالٍ تقبله على خده:
"ماشي مع السلامة!"
تحرك مع ابتسامة واسعة على ثغره، إنه الدلال الذي لم يعهده قبلًا ها هو يسيطر عليه وعلى كونه رجلًا، تختلف الحياة تمامًا قبل الزواج عن بعضها، فهنالك أشخاصًا عدة تزوجوا وهما لا يعرفان بعضهما، وكان الحب بينهما كبيرًا بعد الزواج، كل ما في الأمر أن القلب عندما يستكين في موطنه الأصلي، يرتاح دون الحاجة للنظر للخارج، يطمئن بأن هناك شريكًا سيخفف الألم ويزيل الجراح.
الحياة إن لم تكن مشاركة، لا تكن حياة.
الأذى لا يصيب إلا بإذنٍ من الله، يوجد الكثير والكثير من الأشخاص الذين تعميهم الشرور، ولا يبصرون سوى الإساءة.
_"هنعمل إيه؟ أنا مش هيهدالي بال وإحنا كدا، لازم آسر يرجعلي"
قالتها «رنا» بكل حقدٍ وجحودٍ، بينما والدتها جالسة تستند بحسرة على حال ابنتها، تفكر في كيفية إرجاعه لها بالأعمال مجددًا:
"الواد ده لو فاهم وخد العمل لشيخ فكه، مش هنعرف نعمله حاجة تاني دلوقتي، عايزين نستنى شوية"
عبست ابنتها بغضبٍ شديد، ملامحها كانت عابسة بشكلٍ مخيف، وكأن غضب الله على وجهها:
"شوية قد إيه يعني، بقولك هيجرالي حاجة وهو كدا بعيد عني، أنا عندي إستعداد اقتلها"
_"طب أهدي أهدي هنتصرف"
قالتها والدتها وتحركت من مكانها نحو تلك الغرفة التي تجلس بها تفعل الأفاعيل، سحبت صورة من داخلها تخص «آسر» ورفقتها عُلبة كان بها شعر، شعره هو، وأمسكتهم بيدها ثم تحركت نحو شموعٍ متواجدة على طاولة وبدأت تحيك تلك الأسحار له مجددًا.
_"فتحي خد إعدام، اتهموه بقتل الناس اللي كان شغال معاهم، يعني كدا ميت ميت"
قالتها «مديحة» بنبرة حزينة، لم تقوى على تلك الحياة وحدها التي حاولت جاهدة بأن تعشها رفقته، ولكنها انتهت بذلك الفشل الذريع الذي ألم قلبها.
وضعت يدها على بطنها التي بدأت تظهر، ثم أردفت مجددًا بأسى:
"هنمشي من الحارة دي قبل ما بطني تكبر أكتر ولا هنعمل إيه"
كانت والدتها جالسة تحمل الهم بشكلٍ كبير، واضعة على رأسها الوشاح تلفه عليها، الألم يفتك برأسها من المصائب التي أتت فوق راسها من ابنتها، أومأت برأسها فقط بقلة حيلة، فلا التأنيب سينفعها ولا محاولات الغضب التي لن تفيد سوى بوقوعهما صريعان للموت.
_"هنمشي، هنمشي من هنا ونشوف هنروح في أي حتة باللي في بطنك ده، ونكتبه على اسم أبوكِ بقى وخلاص"
تفوهت بذلك وتحركت نحو غرفتها تستلقي على الفراش بحزنٍ كبير، لمَ الحظ هكذا؟ أو أنه لم يأتيهم بالأساس!
بينما الثانية جلست مكانها تتابع المارة في الشارع من جوار الشرفة، لم يحالفها هي الأخرى حظ جيد، لم تجد في حياتها رجل يحبها، بل حاولوا جميعهم كسرها، حاولوا استغلالها كما فعل الحقير الذي تحمل بأحشائها طفل منه، تلك الحياة التي لطالما حاولت جاهدة أن تبنيها بعدما شعرت وكأنها وجدت بر الأمان، ولكنها غرقت في بحرٍ بأمواجه العالية.
الجروح المفتوحة حديثًا لا تُغلق بسهولة، والآلام تترك بصمة في القلوب لا تُشفى، وشفاء الروح بالروح؛ كما اطمئنان القلوب بالقلوب.
غادرت غرفتها بعدما استجمعت قوتها لمواجهة أمه، تحركت وجلست جوار والدها وهي تطالعها بملامح ليس لها شكل، لا هي غاضبة ولا هي حاقدة، فقط ملامح هادئة تعبر عن محاولتها لتكون هادئة:
"أهلًا ياطنط، البقاء لله في نادر"
_"البقاء والدوام لله، أنا جاية أديكِ حقك وورثك"
قالتها والدته بهدوءٍ بالغ، فخسارتها لابنتها ثم ابنها كان فاجعة كبيرة بالنسبة لها، نبست «رزان» بكل هدوءٍ هي الأخرى:
"بس أنا مش عاوزة حاجة يا طنط، طلعوها للأيتام ولا شوفي حضرتك عاوزة تعملي بيهم إيه واعمليها!"
أجابتها والدته وهي تضع الأوراق على الطاولة التي تتوسط الغرفة التي يجلسون بها:
"معلش ده حقك وورثك من جوزك الله يرحمه، أنا عارفة إنك شايلة كتير بس زي ما تقولي ربنا بيخلص الحقوق بالشكل ده، نادر عمل حاجات كتير وحشة، وأخرته مات مقتول، بس ده حقك المفروض تاخديه"
ثم تحركت من مكانها دون أن تضيف أي كلمة أخرى تخص ذلك الموضوع، سوى قولها بتنهيدة مع ابتسامة بسيطة:
"ربنا يكرمك باللي يستاهلك، عن اذنكم"
تحرك رفقتها «شوكت» قائلًا باستغراب:
"مستعجلة يا أم نادر، استني اشربي حاجة"
هزت رأسها بنفي بابتسامة خفيفة قائلة:
"متشكرة جدًا"
ثم تحركت للخارج رفقته يودعها، بينما «رزان» جالسة تفكر في كل شيء مر عليها، كفيلمٍ يُعرض أمامها الآن في كل شيء عاشته رفقة «نادر»، ارتجف جسدها فقط من التذكر لتسحب نفسًا عميقًا ثم أمسكت في يدها الأوراق وفتحتها، لتتوسع عينيها بصدمة وتحركت نحو والدها تصرخ:
"الحق يابابا، ده مش ورق ورث!"
أمسك والدها الورق بين يديه يتفحصه ويقرأه جيدًا ثم نبس بصدمة ساخرة:
"وأنا أقول إيه مخليها تتكلم بأدب كدا، ورق يخص شركة نادر معمول بأسمك، صفقة غسيل أموال!"
_"إيــه!"
هكذا قالت بصدمة كبيرة وصدر بعدها صوت صفير سيارات الشرطة في حديقة منزلهم، التوجس والخوف احتل كيانها، رجفت داخليًا وخارجيًا.
عندما تحصل على ما تحب تغمرك سعادة كبيرة ليس لها مثيل، يغمرك الحب من جميع الجهات فيغلف قلبك بدفءٍ لا بعده دفء.
وصل الأربعة لحفلة الخطوبة ورفقة كل واحدٍ منهم زوجته ماعدا البائس العازب «حمزة» كان وحده رفقةً سيجارته التي يدخنها طوال الطريق.
كانت «سيلين» تمسك بيده تُشبه الفراشات في مظهرها، فستانها كان طويلًا بأكمامٍ واسعة بلونه الزيتي وحجابها كان موضوعًا على رأسها بشكلٍ مهندم، كان هو الآخر مرتديًا بنطالًا بلونه الأسود وكنزته صاحبة اللون البيچ، بينما «حمزة» يسير خلفهما يرتدي قميصًا باللون الأزرق متداخل به أبيض، وبنطالًا باللون الأسود.
وفي الخلف يتبعهم كلًا من «عبدالله» و«تسنيم» بملابسهما المتشابهة لفكرة «تسنيم» بذلك، بنفس الألوان، وبالخلف «مرام» التي أتت بعد إلحاحٍ من «آسر» وبالفعل أتت لتكون جواره كما أخبرها بأنه سيكون وحيدًا وافتعل وضعية المسكنة لها.
توجه «مروان» رفقة زوجته ناحية «أنس» المبتسم بتوسعٍ، بفرحٍ كبير كأن الفرح لم يزره يومًا، مد «مروان» يده يصافحه بابتسامة:
"مبارك يا أنس، ربنا يكتبلك كل الخير في اللي جاي يارب ويتمم الزواج على خير"
بنفس الابتسامة الواسعة أجاب «أنس» يشكره:
"تسلم يارب، الله يكيمك'يكرمك'"
كادت أن تمد هي الأخرى يدها ولكنها وجهتها سريعًا نحو «شذى» بدلًا من الآخر لأن هنالك عينين متربصتان من الممكن أن تأكل «أنس» وهي معه:
"مبارك يا شذى، ربنا يكتبلك الخير"
وابتسمت تلقائيًا في وجه «أنس» الذي أصابه التوتر هو الآخر من نظرات «مروان» التي كانت موجهة له شزرًا.
ثم تحركا سويًا نحو الطاولة المخصصة لهم واتى خلفهما بقية الشباب بعدما باركوا «لأنس» وجلسوا سويًا.
حاول «مروان» تلطيف تلك الأجواء بقوله:
"عقبالك ياعم حمزة"
أنهى جملته بضحكة خفيفة ليومئ «حمزة» برأسه قائلًا:
"الجواز ده هم ياعم، كل واحد فيكم جايب مراته، أنا كدا روش أكتر"
_"والله أول واحد عاوز يتجوز هو"
قالها «عبدالله» بسخرية ليطالعه الآخر بسخطٍ واكتفى بقوله:
"خليك في حالك، بكرا تعرفوا إن الجواز هم"
نبس «مروان» بخفوتٍ مبتسمًا:
"لا هم ولا حاجة، أختار أنت بس صح"
توسعت ابتسامة التي جواره بعدما قال أن الاختيار الصحيح هو الزواج الصحيح، إذًا هي إختيار صحيح بالنسبة له، بينما هو لمح تلك الابتسامة ثم وجه بصره ناحية «مروان» بحنقٍ:
"استغفر الله العظيم، الصبر الصبر"
على الجانب الآخر كان هو يجلس جوارها والابتسامة تعتلي ثغره قائلًا بفرحة:
"الحمدلله ربنا كيمنا'كرمنا'، يارب ما يحصل مصيبة بقى في اللي جاي"
ضحكت بخفة وهي تجيبه ونظرها مثبتًا عليه:
"متقلقش متقلقش، مش هيحصل مصايب، الحمدلله عقبال الفرح كدا ياحبيبي"
_"يا إيه؟"
قالها بمكرٍ لتعيد تلك الكلمة له، فنبست بخجلٍ:
"ياحبيبي"
_"والله أنت اللي حبيبي"
قالها غامزًا لها بطرف عينه، لتتوسع ابتسامتها بخجلٍ كبير، ثم أبعدت بصرها بعيدًا عنه وغرقوا جميعهم بتلك الأجواء.
على الجانب الآخر كانت تلك التي تشبه فراشة متنقلة بين الجميع، ترى المعازيم من أصدقائها هي و«شذى»، وأثناء تحركها وجدت شخصًا ما يعترض طريقها، ضخمًا عن جسدها بعض الشيء، رفعت بصرها فوجدته هو لا غيره، ابتسمت مرحبة به:
"إياد، أهلًا وسهلًا بيك"
ابتسم بخفة بينما الثقة تحتل وقفته تلك، ثم سألها بقوله:
"تسلمي، عاملة إيه النهاردة!"
_"أنا كويسة الحمدلله، تسلم جدًا"
قالتها بابتسامة رقيقة زينت ثغرها ليومئ برأسه بتنهيدة قوية:
"عقبالك كدا ان شاء الله"
ابتسمت بخفة وأجابته وهي تطالع ملامحه التي كانت مميزة بالنسبة لها:
"وعقبالك كدا ان شاء الله"
ضحك بسخرية قائلًا:
"لا عقبالي لسه شوية عليه، أو مش محدد عقبالي مع عقبالك ولا إيه!"
قوست حاجبيها باستغرابٍ تسأله:
"مش فاهمة، عقبالي مع عقبالك إزاي"
لتتوسع ابتسامته أكثر قائلًا بمكرٍ:
"هفهمك بعدين، روحي شوفي المعازيم يلا ربنا معاكِ"
ثم تخطاها متحركًا للشباب يتحدث معهم.
مرت ليلة الخطبة بمشاعرٍ مختلفة على الجميع، وبمشاعرٍ مضطربة على البعض، ولكنها في النهاية مرت.
______
ولجا سويًا للمنزل ليجد رسالة وصلته من رقمٍ غريب لم يعرفه، محتواها «مراتك الحلوة ليها سوابق كتير حلوة زيها كدا، كلنا كنا بنتسلى معاها، غريبة اتحجبت وبقت كدا إزاي»
أظلمت عينيه بظلامٍ حالك، من الحقير الذي يحاول تخريب مزاجه بتلك الطريقة، وجدها تقترب نحوه عندما وجدته سكن جوار الباب وسألته بتنهيدة"
"مالك في إيه؟"
وجه الهاتف لها لتقرأ تلك الرسالة بعينين متوسعتين، ثم أخرجت هاتفها سريعًا تدون به الرقم ليظهر أنه أحد أصدقائها:
"ده واحد، يعني واحد من ضمن الناس اللي كنت أعرفها، أنا آسفة والله متضايقش، أعمله بلوك ولا كأنك شوفتها، هما هيفضلوا كدا وأكيد كان فيه حد منهم في خطوبة أنس عشان كدا، ممكن متزعلش عشان خاطري ومتتعصبش، أنا آسفة والله"
لم تجد ما تقوله بعد، إنتهت الكلمات لديها وانتهى الوصف لكل شيء تود أن تصفه، فقط ضمت ذراعيها لصدرها وهي تنظر داخل عينيه التي سلبتها من اللقاء الأول، بينما هو يتابع حديثها بوجهٍ محمر، ثم تسائلت بغنجٍ من الممكن أن يجعله يهدئ
"هو أنا ممكن احضنك، الحضن بيريح الأعصاب"
كان يُتابعها بسؤالها البرئ الذي خرج مُفاجئًا له، ولكنه تنهد بعمق واقترب وضمها لصدره، ضمها للمكان الذي تستحق ان تستكين به، الأمان:
"حُضنك دافي اوي يا مـروان، انا في حياتي محدش حضني بالحب ده"
تمسكت به أكثر بينما هو ظل يمسد بيده على شعرها بحنان ووضع رأسه على كتفها مغمضًا العين يستمتع بتلك اللحظة، سمعها مُجددًا تقول بتمسك ونبرة تحمل الخوف
"ممكن متسبنيش، عشان خاطري يامــروان انا مبقـاش ليا حد غيرك، انت كل حاجة ليا ولو سبتني انا هموت والله العظيم، انا اتعلمت منك حاجات كتير أوي، انا مليش ذنب يا مروان في كل اللي بيحصل، والله مليش ذنب"
انهت كلامها بصوتٍ باكي بسبب حاجتها في البكاء الآن من الضغط، وهي تُكمل حديثها:
"أنت الأمان وقُربك الراحة ونظراتك الحنان، أرجوك متخلنيش افقد كل ده بعد ما لقيته وأخيرًا، متحطنيش مع أي حد من الماضي بتاعي في نفس الـ zone لأن انا مش زيهم خالص، انت عرفت مين سيلين وكان ده على إيدك، انا بخاف من الوحدة، متسبنيش لوحدتي"
شددت بيدها على عناقه وتمسكها به ولكنها شعرت بتراخي يده، اذًا سيتخلى عنها ويكسرها؛ ولكن هذه المرة ستكون الأخيرة لها، ابتعدت وهي تُخفض جفنيها حتى لا تواجه تلك العينين، كادت تبتعد من أمامه ولكنه أمسك يدها سريعًا ومسح دموعها بحنانٍ قائلًا:
"طب أنتِ بتعيطي ليه؟ هو أنتِ أي حاجة عندك بالعياط!"
هزت رأسها نفيًا وهي تقول بهمسٍ:
"لا، انا مبعيطش كتير، انا بس خوفــ."
فتحدث ساخرًا منها وهو يضمها مجددًا لصدره هامسًا بحبٍ:
"أمان ياسيلين أمان، مش هسيبك أبدًا ومش هتخلى عنك"
رفعت بصرها تُتابعه وهو يتحدث ثُم قالت بنبرة مُرتجفة:
"يعني أنت حبيتني يعني"
وضع أصبعه على خدها يحاوطها بحنانٍ، هامسًا وعيناه متصلتان في شباك قوي مع عيناها:
"أنا حبيتك، انا قلبي عاوز يحبك وانا مقدرش اقوله لا، انا بحبك ياسيلين"
توسعت حدقتيها بصدمة وامسكت بملابسه بقوة وهي تصرخ في وجهه بحماسٍ مفرط
"أحلف؟ oh no oh no"
قلب عيناه بإنزعاج واضح وهو يقول
"إزاي احلف واللغات بتاعتك دي، يعني انتِ لقطتِ مننا وبرضو مش عارفة تترجمي برضو"
اقتربت منه وحاوطت رقبته بذراعيها قائلة بدلال
"أيوه، انا لقطت منك كل حاجة، حتى تسنيم بتقولي بقيتِ شبه مروان اوي اوي فكلامك وتصرفاتك"
همهم عابثًا معها بتلاعب وغمز لها بطرف عينه:
" طب إيه، ده ملفتش نظر القطة يعني لحاجة؟"
هزت رأسها بنفي صريح فعبس بضيق وابعدها:
"بجد مشوفتش في رزالتك، ابعدي"
ثُم غادر من أمامها للغرفة فذهبت خلفه سريعًا وهي تقهقه بصوتٍ عالٍ يملئوه الدلال، واغلقت الباب خلفها تاركة حبهمها هو من يملئ الأجواء.
كان «حمزة» مازال في سيارته بعدما اوصل في سيارته «مروان» وزوجته، ممسكًا بهاتفه الذي ظل مترددًا في الإتصال بها أم لا، ظل ينتظرها تجيب حتى وصله صوتها المهزوز، تساءل باستغراب وقلق:
"في إيه يا رزان، صوتك ماله، أنتِ كويسة؟"
_"أنا في القسم يا حمزة، أم نادر لبستني قضية غسيل أموال من ورا ابنه
تعليقات



<>