رواية حياة مهدورة الفصل الثالث عشر13 بقلم رشا عبد العزيز


رواية حياة مهدورة الفصل الثالث عشر13 بقلم رشا عبد العزيز


خمسة أيام مرت حتى الآن منذ أن طلبت منه أعطائها مهلة للتفكير ربما تكون قليلة لكن لماذا يشعر أنها دهر من الزمن ، هل الوقت يعانده أم مخزون صبره قد نفذ ، كان يقطع مكتبه ذهابًا وإيابًا ، يفكر بها يمسك هاتفه بين الحين والآخر ربما تصله رسالة منها التوتر بلغ منه مبلغه ، كان يكره الإنتظار دائمًا لكن انتظارها كان الأصعب جلس على مكتبه قدمه تهتز. وأصابع يده تطرق بانتظام على مكتبه عاد يرفع هاتفه يتفحصه للمرة الثلاثين اليوم ربما أرسلت رسالة ثم أنتبه لنفسه :

-مالك يا يحيى فين عقلك وصبرك ؟ دا انت كان بيتضرب بيك المثل في العقل والرزانة بقيت عامل زي المراهقين
ليبتسم فجأة عندما لاح طيفها أمامه يتذكر كيف كانت مرتبكة عندما طلب منها الزواج وكيف أحمر وجهها كأنها فتاة صغيرة

-عملتي فيا أي يا إيمان معقولة أكون بحبك أوي كده ؟
زفر أنفاسه بملل وهو يرفع هاتفه للمرة الواحد والثلاثين يبحث ربما أرسلت رسالة لكنه قرر أن ينهي كل هذا ليرفع هاتفه ويضغط زر الاتصال

كانت  هي تجلس على سريرها تحمل أحد الفساتين وتطرزه علها تقتل الوقت او تنشغل قليلًا عن تزاحم تلك الأفكار داخلها وتنهك نفسها به علها تستطيع النوم براحة فمنذ أيام هجرها النوم وأصبحت لاتنام إلا ساعات قليلة
حتى انتفضت حين رن هاتفها  أزاحت الفستان جانبًا ومدت يدها تمسك هاتفها محاولة معرفة هوية المتصل 
حتى ارتدت للخلف مندهشة وهي ترى أسمه ، ارتجف قلبها ماذا ستفعل هي الآن وصلت إلى نهاية الطريق
إما تختاره وتكمل حياتها معه وإما تفلت يده وتكمل الطريق كما أعتادته وحدها ، أنقطع رنين الهاتف لتتنهد بارتياح

حتى عاود الاتصال مرة أخرى كأنه يحاصرها ويدفعها نحو اتخاذ القرار، ارتجفت يدها الممسكة بالهاتف 
لتبتلع ريقها الذي جف وتجيب

-ألو

-إيمان إزيك عامله أي؟

-الحمد الله

-آسف لوكنت صحيتك من النوم

-لا أبدًا أنا بصحى بدري
 
صمت قليلًا وقال دفعة واحدة :

-إيمان عاوز أقابلك هستناكي بعد نص ساعة في نفس الكافيه

زادت دهشتها هل يقطع عليها كل طرق الرفض وهو يلقي عليها أوامره

-بس أنا

ليقاطعها هو قائلًا كي ينهي أي نقاش

-أنا راكب العربية دلوقت وقربت أوصل
 
تنهدت بيأس أمتزج بالحيرة وقالت:

-حاضر

-مع السلامة

أغلقت الهاتف ليهاجمها طوفان من الأفكار والخوف نصف ساعه فقط تفصلها عن قرارها المصيري
 
أرتدت ملابسها بعقل مغيب حتى وقفت أمام المرآة تنظر إلى أنعكاس صورتها تسأل نفسها للمرة الاخيرة

-هتختاري  أي يا إيمان خلاص مافضلش وقت أكيد هو عاوز جواب طب أقول أي  ؟

أصدرت تأوه عندما انغرس الدبوس بيدها حتى نظرت إلى أصبعها ثم نظرت إلى المرآة مرة تانية وكأنها استيقظت من أفكارها لتجد نفسها تحاول إرتداء حجاب منزلي  لتصرخ توبخ نفسها :

يا هبلة انت بتلبسي أي ؟

كان يجلس ينتظرها في نفس المكان ينظر لساعته التي تشير إلى ان الوقت قد تجاوز النصف ساعة. ليعقد ذراعيه على صدره وكفه يضرب ذراعه بتوتر لينفخ أنفاسه بضجر حتى لمحها قادمة من بعيد اعتدل بجلوسه متهلفًا لرؤيتها كم هي جميلة ابسط الأشياء تزيد من جمالها رغم انها لاتضع مساحيق تجميل لكنها تبدو رائعة

لايعلم أهي جميله حقًا أم عينيه لم تعد ترى أجمل منها
وصلت أمامه بفستانها الوردي الذي شابه لون وجنتيها الخجلة لتقول:

-السلام عليكم 
وقف مرحبًا بها وعينيه تتفرسها

-وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته أهلا يا إيمان أتفضلي
جلست أمامه على أستحياء مخفضة العين تفرك يديها ببعضها

-أزيك يا إيمان؟

-الحمد الله

نظر لها وكأن الكلام قد هرب من لسانه لايعرف ماذا يقول لكنه أستجمع قواه وقال:

-آسف لو كنت ضغطت عليكِ علشان تيجي لكن أنا مابحبش الانتظار يا إيمان

قالها بصوت أمتزج بنبرة ترجي

لترفع نظرها نحوه فاصطدمت عينيها بعينيه التي كانت تترجاها هي أيضاً أمسكت فستانها وضغطت على يدها محاولة التماسك  تسمع صوت ضربات قلبها الذي بدأ يتخبط داخل صدرها ، عاودت النظر اليه
 
ثم زاغت عينيها بحيرة وشريط كلمات التحفيز التي سمعتها من ليان ووالدتها يطرق فكرها حتى دفعها نحو كلمة واحدة لتلملم شتات أمرها وتتمتم :

-موافقة

اتسعت ابتسامته شعر كأن كلمتها أعادت الحياة لقلبه الذي تيبست الدماء داخله وهو ينتظرها ان تتكلم
لكنه ادعى أنه لم يسمعها ليسألها:

-أنت قلتي أي يا إيمان؟

تبًا هل يريد منها ان تكرر ماقالت وهي بالكاد استطاعت أن تنطقها ، جلت حنجرتها وقالت :

-موافقة

شعر بسعادة تفوق الخيال كأنه أصبح طائر يحلق في السماء

-بجد يا إيمان أنا فرحان فرحان أوي

نبرة السعادة التي غلفت صوته جعلتها تحدق به هل حقا هو معجب بها إلى هذا الحد ربما رؤيتها لفرحته البادية في عينيه أعطتها القليل من الأمان
 
-طب أنا عاوز أتقدملك رسمي ممكن تحددي ميعاد ؟

تاهت من جديد ولم تعلم بماذا تجيب شعر هو بذلك ليقول:

-الجمعة كويس ؟

-أيوه يوم الجمعه كويس هبلغ أمجد جوز اختي

ثم صمتت تبتلع غصة مرة لتكمل:

-وآسر أخويا  عشان يكونوا موجودين يوم الجمعة

لمعت عيناه فرحًا لايصدق أن حلمه تحقق ليسألها :

-طب ممكن أعرف طلباتك أي يا إيمان  كنت عاوز اعرف لو عندك طلبات معينة

نظرت اليه وقالت بسرعة وبلا وعي كأنها تعبر عن ما يجول بداخلها :

-الأمان

نغزات ضربت قلبه بكلمتها لقد فقدت الأمان ، إيمان تحتاج من يعيد لها الشعور بالأمان
 
-أوعدك يا إيمان أني أمنحك الأمان الكامل  واكون ليك سند أن شاء الله وطول مافيا نفس هتكون سعادتك أهم حاجة عندي

رمشت بأهدابها كأنّها أستيقظت من غفوه غيبت عقلها في دوامة من الأفكار التي كانت كالأعصار الذي ضرب ثباتها وتماسكها رغم قوتها المزعومة التي استطاعت بها ان تواجه الحياة كل تلك السنين اليوم تشعر أنها هشة
داخلها محطم لكن سؤال كانت تود معرفة جوابه نمى داخلها في تلك اللحظة :

-ممكن أسأل سؤال ؟

وبالابتسامة التي لم تفارقه قال :

-أكيد يا إيمان اتفضلي أسألي كل الي انت عوزاه

-هما باسم وبسمة موافقين أقصد...

قاطعها هوليقول لها بنبرة تحدي زالت معها ابتسامته المرسومة على وجهه

-دي حياتي يا إيمان هما مش من حقهم يوافقوا أو يرفضوا

وهنا أدركت ماكانت تخشاه كلماته هذه تدل على ان أولاده غير راضين عن هذه الزيجة

-بس هما ولادك
 
-وكونهم ولادي هيديهم الحق أنهم يتدخلوا بحياتي الخاصة ؟

استمرار حدته في الحديث زاد من قلقها لتقول:

-بس أنا مش عاوزة أكون سبب في مشاكل بينكم
قطب حاجبيه وقال مستنكرًا

-وأنت هتكوني سبب ليه  ؟

وبصوت مضطرب قالت:

-أصل باين أنهم مش موافقين

نظر لها ثم قال بحزم :

-شوفي يا إيمان عشان أنهي  الإحساس الي انتِ حساه والي باين من صوتك وعينيكي أنا.يا إيمان عملت لولادي كل حاجة أمهم ماتت من عشر سنين كنت أنا فيهم الأم والأب  أدتهم من حياتي بما فيه الكفاية ووصلتهم لمرحلة يقدروا يعتمدوا على نفسهم يبقى من حقي أنا كمان أشوف حياتي وأي أعتراض منهم هيكون عقوق
وبعدين ياستي ماتخافيش هما موافقين جايز يكونوا اتفاجأوا بس في النهاية هيقتنعوا

عادت رياح الخوف تعصف بقلبها من جديد هل ستدخل في صراعات ومشاكل مع أولاده  هي متعبة وبالكاد تمثل الصمود  لكن نبرة الجدية في صوته كانت كالقشة التي يتمسك بها الغريق بالنسبة لها

عاد إلى المركز والسعادة تملأ قلبه وكأنه ملك الدنيا بموافقتها فقرر ان يخبر ولده بموعد خطبته فأتجه نحو  الغرفة المخصصة للمدرسين في المركز فتح الباب مباشرة وهو ينطق أسمه
 
-باسم  كنت...

لكنه توقف عن الكلام عندما  وجد ابنته وزوجها يجلسون معه ليقف فريد مرحبًا به

-اهلا ياعمي أزي حضرتك

-أهلا يا فريد

ثم حول نظره باتجاه ابنته ليجدها تقول دون ان تنظر اليه  
-اهلا يا بابا

نبرة الجفاء في صوتها زادته أصرارًا على قراره ليرد عليها بذات الجفاء

-أهلا

ثم التفت إلى ولده  وقال:

-باسم أنا هخطب إيمان رسمي يوم الجمعة الي عاجبه يحضر معايا أهلًا وسهلًا الي مش عاجبه مع السلامة
لينهض باسم من مكانه وموزعًا نظراته بين شقيقته التي رسمت الامتعاض على وجهها ووالده ثم اقترب من والده وقال مبتسمًا

-ألف مبروك يا بابا

وبذات الابتسامة اردف فريد :

-ألف مبروك ياعمي
 
-متشكر

كلمه قالها ثم انتظر برهة من الزمن علها تبارك له لكنها لم تقل أي كلمة ليستدير ويرحل صافقًا الباب ورائه
نظر باسم لها بلوم وكذلك فعل فريد لتلوي شفتها مستنكرة وتقول بغضب :

-مالكم بتبصولي كده ليه انتوا عاوزيني اباركله وهو رايح يتجوز ست غير ماما

-وماله لما يتجوز ويشوف حياته يا بوسي

قالها فريد لتقول بصوت مرتفع مستهجنة حديثه :

-انت بتقول أي يافريد اوعى تقولي ان انت هتحضر خطوبته كمان

-وما حضرش ليه انا ماقدرش أزعله

اتسعت عينيها واستشاطت غضبًا لتصرخ :

-انت عاوز تقهرني يا فريد ؟

-بسمة

صرخ بها باسم وهو يحدق بها بحنق

-أنا محترمك وساكت مش بتكلم لكن أنا اخوكِ وبقلك اهو ابويا ماقصرش معانا وفنى عمره وهو وفي لماما أنا الي كنت شاهد عليه وهو رافض أن حد غيره يراعيها وقت مرضها وكان معها لحد ما ماتت في حضنه ولما ماتت رفض يتجوز رغم ان كل صحابه كانوا بينصحوه بكده لكن هو فضل لينا الأم والأب وفضل راحتنا على راحته لحد ماكبرنا واتخرجنا وحضرتك اتجوزتي  جاية دلوقت لما يقلك عاوز أشوف حياتي تمنعيه ليه ؟

صمت قليلًا يلهث أنفاسه المتسارعة غضبًا ثم استرسل وهو ينظر لها وهي صامتة تحدق به

-شوفي أنا هكون مع ابويا في أي حاجة مش هكون أناني واحرمه من السعادة عشان ماضي او عشان غيرة .

قاطعته بسرعة مستنكرة :

-أنا مش غيرانة يا باسم

-لا غيرانة ، خايفة إيمان تاخد مكانك عند بابا عايزة تفضلي الأولى في حياته

-لا يا باسم انا مش كده

-بسمة بلاش نضحك على بعض. انا اخوكي وفاهمك

امسك فريد ذراع باسم بعد ان لاحظ احتدام النقاش بينهم وتوتره

-باسم اهدى.               (بقلم رشا عبد العزيز) 

ثم نظر نحو زوجته وقال:

-بسمه كلام باسم صح وانا متفق معاه عمي من حقه يعيش حياته

-يعني أنا الي غلط ؟ أنا مش غلط ومش موافقة وهفضل رافضة الجوازة دي حتى لو انفرضت غصب عني

قالتها بسمة وهي تتجاوزهم وترحل تاركة الغرفة 
نظر فريد نحو باسم وقال:

-معلش يا باسم انت عارف مكانة عمي عند بسمة مع الوقت هتتقبل الموضوع
 
تنهد باسم بيأس وقال:

-ربنا يهديها
*************************************
كانت تجلس على سريرها في منزل أهلها منذ ان أن طلب منها مغادرة شقته كانت تظن أنه حبه لها سيجعله يعفو عنها بعد أيام قليلة لكنه لم يتصل بها منذ ذلك الوقت هل خسرت حبه الذي كانت تعتقد انه طوق نجاتها من أي خطأ لطالما كانت تخطأ ويعفو إذًا لماذا هذه المرة يجافيها أمسكت خاتم زواجها تديره بأصبعها وكأنها تؤكد لنفسها انه لازل يحبها لتتذكر كيف استبدل خاتم زفافهم بواحد أغلى منه في عيد زواجهم وكيف كان يفاجئها بما يسعدها

-أي دا آسر المكان هنا حلو أوي وشكله غالي

-مفيش حاجه تغلى عليكِ ياحبيبتي أنت مش كان نفسك أننا نحتفل بعيد جوازنا  في المطعم الي عملت فيه
منال صاحبتك عيد جوازها أهو أنا جبتك في مطعم ارقى وأغلى كمان

-يا ياحبيبي أنا فرحانة اوي أنا بحبك أوي يا آسر

ليرفع كف يدها يقبله ويقول :

-وانا بموت فيك ياقلب آسر كل سنة وأنتِ طيبة وعقبال مية سنة مع بعض
 
ثم أخرج علبة مخملية وفتحها يخرج منها خاتم زواج جميل ثم يخرج خاتم زواجهم القديم من اصبعها ويستبدله بالجديد

ورفع يدها مرة أخرى يقبلها ويقول:

-كل سنة وأنتِ حبيبتي

لترفع يدها أمام عينيها تنظر للخاتم بانبهار وتقول:

-الله ياحبيبي دا يجنن يا آسر متشكرة ياحبيبي بس دا شكله غالي

-مفيش حاجه تغلى عليكِ ياروحي

لتنتقل ذاكرتها إلى مشهد آخر عندما أستيقظت صباحًا ولم تجده بجانبها لتبحث عنه فتجده يقف في المطبخ يعد الفطور وقفت عند باب المطبخ تطالعه بحب. وهو يقف أمام الموقد يقلي البيض لتقترب منه وتقف خلفه:

-صباح الخير

ليلتفت إليها مبتسمًا ويقول:

-صباح الفل والياسمين قمتي من سريرك ليه هي الدكتورة مش قالت ترتاحي عشان الحمل

أحتضنته وقالت :

-صحيت ملقتكش جنبي قلقت وجيت أدور عليك
قبل رأسها وأخرجها من أحضانه يعود إلى المقلاة الموضوعة على الموقد ويقول :

-أصلي استغليت أن النهاردة اجازة وقلت أعملك فطار ملوكي  تاكلي صوابعك وراه.

حركت يدها على ظهره بامتنان وهي تراقب تقليبه للبيض وقالت

-حبيبي تسلم إيدك الريحة أتجنن

وضع ما أعد على المائدة وساعدته هي في رص الأطباق ثم جلسا معًا يتناولان الطعام وعندما وضعت أول لقمة في فمها سألها بترقب :

-ها أي رأيك عجبك؟.             (بقلم رشا عبد العزيز) 

لتجيبه وهي تمضغ الطعام:

-تحفه يجنن تسلم أيدك
 
 ليلتقط الخبز هو الآخر ويتناول لقمه يمضغها ويقول مفتخرًا :

-طبعا أنا شيف معتبر فى قلي البيض إيمان علمتني الطريقة دي
 
أمتعض وجهها ولم تعقب على كلامه ليكمل هو :

-امال لو تدوقي الشاي حاجة فل ولا أجدعها قهوجي 
ليضحك ويقول:

-إيمان كانت دايماً تقولي كده وإسلام يتضايق منها

ثم زاغت عيناه نحو المجهول يستذكر ذكرياتهم معًا عندما كانوا صغارًا

-إيمان كانت دايمًا تقول لازم تتعلموا تعملو كل حاجة عشان ما تحتاجوش لحد 

زاد أمتعاض وجهها لتقول بحدة :

وبعدين يا آسر أحنا هنقضي الوقت كله نتكلم عن إيمان
تعجب من لهجتها وقال :

-مالك يا مريم فيه أي ؟

-أنت مش ملاحظ أنك بتتكلم عن إيمان من ساعة ما بدأنا ناكل هو مفيش غير إيمان

قطب حاجبيه وتسارعت أنفاسه قائلا:

-مالك يامريم ماتوزنى كلامك وماله لما أتكلم عن إيمان
 
-وانت مش ملاحظ انك مبتتكلمش فى موضوع إلا ويجي أسم إيمان فيه

ضرب على الطاولة بغضب وقال:

-وانا دايمًا بقولك  بلاش نبرة الغيرة الي بسمعها فى كلامك عن إيمان ، إيمان أمي قبل ما تكون أختي ، ومكانتها عندي فوق ما تتصوري بلاش يامريم تحطي نفسك فى مقارنة معاها هي أختي وانتِ مراتي وكل واحدة فيكم ليها مكانتها

عادت من ذكرياتها ودموعها تتساقط على وجنتيها ، ياليتها سمعت نصيحته لقد خسرت هي  ورجحت كفتها

لتقول محاورة نفسها :

-طلعت بتحب إيمان أكتر مني يا آسر

ليهاجمها عقلها بالحقيقة وهي تتذكر فعلتها لتمسح دموعها وتقول بندم :

-بس انت عندك حق أنا غيرتي عمتني وخلتني اعمل حاجة أنا نفسي مش عارفة عملتها ازاي

ثم انهارت بالبكاء وقالت تلومه:

-بس انت السبب حبك ليها هو السبب خلاني أغير عليك منها هو أنا غلطت عشان بحبك وعاوزاك ليا لوحدي

*******************************

وقف أمام باب شقتهم بقلق يده ترفض طرق الباب وقلبه ينتفض يخشى لقائها رغم أن أمجد اخبره انها طلبت منه إخباره بالحضور  لكن حتى فعلتها هذه أعتصرت قلبه لقد اتخذت أمجد وسيط بينه وبينها ، طرق الباب ليفتح له أمجد الباب ويستقبله دخل بخطى مثقلة إلى بيتهم ذلك المكان الذي شهد على تفانيها وخذلانهم وكأن جدرانه تعاتبه ، تخبره انها لازالت تحمل عبق ذكرياتهم الجميلة كماحفظت جراحهم الاليمة ، وجد حنان تجلس في غرفة الضيوف وحالها لا يختلف عن حاله وكأنهم يتقاسمان كل شيئ حتى أخطائهما كما تقاسما رحم والدتهما

-ازيك يا حنان ؟

وكأن حنان كانت تنتظره لتقف وترتمي بين أحضانه تتشبث به ودموعها تسيل بلا إرادة

-آسر وحشتني ياحبيبي

بادلها هو العناق وكأنه يحتاج هذا الحضن أكثر منها فقد اشتاق لهم الآن فقط أحس باليتم

-وانت كمان وحشتيني يا حبيبة اخوكي

أخرجها من أحضانه  يمسح دموعه الهاربة ويسألها عن شقيقته باضطراب :

-إيمان فين؟

مسحت دموعها بظهر كفّها وقالت بحسرة

-إيمان في أوضتها ، وهي بتطلع منها يا آسر؟

تنهد آسر بيأس وقال وهو يجلس وتجلس هي بجانبه :

-مش عارف هحط عيني فى عينها ازاي بس مكنتش عاوز أسيبها في اليوم دا

اقترب منه أمجد يربت على كتفه ويقول:

-عين العقل يا آسر مهما حصل لازم تكون موجود النهاردة

ليسمعوا صوت جرس الباب ليقول أمجد وهو لايزال يربت على كتفه

-قوم يا آسر أستقبل ضيوفك

هز آسر رأسه ونهض متجهًا نحو الباب ، فتح الباب ليجده يقف أمامه ، علم آسر انه هو فذلك الشيب 
كان دليله

-مساء الخير

-مساء النور اهلًا يافندم

قالها آسر وهو يمد يده يصافحه ليعرفه هو على نفسه

-يحى محمود

رحب به آسر كما رحب بباسم  وفريد ووالده  الذي كان صديق يحيى ثم جلسوا جميعًا في غرفة الضيوف بعد ترحيب أمجد أيضاً

شعر  آسر بالارتياح فيحيى يبدو عليه الثقة والرزانة ليبتسم فهو يشبه شقيقته من هذه الناحية حتى قال يحيى :

-أنا مستعد لأي طلب تطلبوه

سند آسر يده على ذراع المقعد وأشار له بالأخرى

-أنا عندي طلب واحد بس ، عاوز إيمان ترتاح

ثم استرسل قائلًا :

-إيمان تعبت في حياتها كتير عاوزها ترتاح واطمن عليها 
ابتسم يحيى وقال بثقة :

-ما تخافش إيمان في عنيا

-بس أحنا لازم نعرف رأيها وطلباتها هي كمان عشان لو مفيش اعتراض نتوكل على الله ونقرأ الفاتحة

قالها والد فريد لينظر له يحيى بامتنان فهو ورغم سنه ، لكن الموقف محرج بالنسبة له فهو يمسح حبات العرق التي تتجمع على جبهته حرجًا بين الحين والآخر
 
-حقكم طبعا وحقها هي كمان

قالها أمجد الذي نظر نحو آسر كأنه يستأذنه و يخبره أن يستعد للمواجهة ليتجه نحو حنان يخبرها أن تنادي على إيمان

وصلت إيمان بعد قليل ووقفت على إستحياء وقالت :

-مساء الخير

رفع بصره يناظرها ترتدي فستان جمع بين الاناقه والبساطه وتوج بالحشمة ، انها تخطف قلبه يومًا بعد الآخر

لتتفاجأ هي عندما نهض باسم وأشار اليها ان تجلس مكانه قرب والده ورغم أن هناك مسافة بينهما لكن وجودها
بالقرب منه زاد من توترها وجعلها تقبض أكثر على ذلك المنديل القابع بين يديها ، دارت عينها بحرج نحو

 الجالسين وأول من التقطته عينها كان آسر الذي هرب بعينيه من عينيها وأمجد الذي ابتسم لها ابتسامة مشجعة وكأنه يأخذ مكان صديقه الغائب

اخفضت عينيها بحرج نحو يدها المتشابكة على حجرها لا تسمع أي كلمة مما يقوله والد فريد كل ماتسمعه هو صوت ضربات قلبها المرتجفة عادت ترفع عينها عندما سمعت أمجد ينادي باسمها

-قلتي أي يا إيمان ؟

وهل إيمان تعرف عن ماذا تسأل هكذا حاورت نفسها بتهكم لتقول بتلعثم :

-الي تشوفوه يا أمجد

ليقطب حاجبيه ويقول :

-إيمان أنا بسألك عندك طلبات؟

هزت رأسها وقالت نافية :       (بقلم رشا عبد العزيز) 

-لا

-إيمان متتكسفيش دا حقك أنا مستعد لأي طلب

قالها يحيى الجالس بجانبها لتنظر اليه لا اراديًا لتجده ينظر لها بابتسامة مرتبكًا ويده تحمل ذلك المنديل الذي أهترئ يمسح حبات العرق التي أبت التوقف تتجمع على جبهته لحرجه الذي زاد بقربها منه رغم برودة الجو

وبلا وعي وجدت نفسها تمد يدها له تعطيه المنديل الذي تمسكه بيدها لتتسع ابتسامته لفعلها والتقط منها المنديل منها بسرعة فرحًا وكأنه حصل على كنز ثمين وأخذ الكأس الموضوع أمامه يرتشف بعض العصير البارد عله يخفف من مشاعره التي ألهبتها مافعلته

-يعني نقرأ الفاتحة

قالها والد فريد

نظر أمجد نحو إيمان التي كانت مطأطأة رأسها بخجل ثم حول نظره نحو آسر الذي كان يعيش في عالم آخر كأنّه يغرق في بئر عميق ليقرر أن يتولى المهمة هو

-أن شاء الله نتوكل على الله ونقرأ الفاتحة

رفعوا أيديهم لترفع هي نظرها وهذا المرة ، واجهت عينيها عين باسم الذي ابتسم لها وعين فريد الذي بادلها ذات الابتسامة

لتدرك هي شئ أن بسمة غير موجودة وهنا نغزها قلبها بحزن علمت أنها غير راضية عن زواج والدها منها تنهدت بألم هل ستبدا مشاكلها مع بداية خطواتها الأولى في هذا الطريق

انتبه عندما  انحنى بتجاهها وقال بصوت منخفض

-مبروك يا إيمان

رمشت عينها تحاول الاستيعاب مايحدث تقبض على يدها خشيت ان يفضحها ارتجافها وقالت:

-متشكرة

انهالت التبريكات عليهم من الجميع وأذنها تنتظر ان تسمع صوت واحد صوت ذلك المنكس رأسه بحزن وندم ، عينيها تختلس النظر اليه كانت تتمنى لو تستطيع ان تسحق كرامتها وتركض نحوه ترتمي بين أحضانه التي اشتاقت لها لتسمع صوته المتحشرج يقول:

-مبروك ياحبيبتي

توسلت مدامعها أن لا تفيض فكلمه حبيبتي التي كانت تعشقها منه اليوم أصبحت تؤلمها رغم شوقها لسماعها 
ليقف والد فريد وينظر نحو يحيى يحثه للمغادرة فلاداعي للبقاء بعد اتفاقهم على التفاصيل هم الجميع بالرحيل 
وقفت هي تودعهم لتجد باسم يقف أمامها
 
-ألف مبروك يا مرات ابويا

ضحكت عندما شعرت بصوته الذي امتزج بالدعابة

-متشكرة

ثم أحنى رأسه يهمس لها مبتسمًا

-خلي بالك لوعذبتيني او عاملتيني معاملة مرات الأب هقوله انتِ كنتِ بتسميه أي واللقب العظيم بتاعه

رفعت حاجبيها بدهشة ووضعت يدها تكتم ضحكاتها التي شاركها هو معها

لينتبه هو لضحكاتهم فاقترب من باسم وقال وهو ينظر لها:

-أي يا باسم ماتضحكوني معاكم

ليقول باسم مشاكسًا :

-بابا لوسمحت دا سر بيني وبين مرات ابويا

ضيق عينيه وقال:

-بقى كدا سر؟

-ايوه يا بابا

-ماشي يا باسم

ليحتضنه باسم ويقبل وجنتيه قائلًا:

-مبروك يا بابا

ربت يحيى على ظهره وقال:

-الله يبارك فيك ياحبيبي

لينظر نحو إيمان ضاحكًا ويقول وهو يهم بالمغادرة :

-أوعي تنسي الاتفاق

لتعاود الضحك وتقول:

-أطمن مش هانسى

رحل باسم ليقف هو أمامها ويقول:

-مبروك يا إيمان ربنا يقدرني وأسعدك

رفعت نظرها بارتباك بعد كلماته المطمئنة  وقالت بخجل

-الله يبارك فيك

واكد ان يكمل حديثه معها و ود لو ان الزمن يتوقف عند هذه اللحظة لكن نداء والد فريد عليه جعله ينسحب من أمامها ويقول

-مع السلامة

وما أن رحل يحيى حتى استغلت انشغالهم بتودعيه وهربت نحو غرفتها مغلقة الباب خلفها

تحت نظرات حنان التي ودت ان تبارك لها لكنها سبقتها بالدخول الى غرفتها.  اغلق آسر الباب

واتجه نحو حنان ، كانوا يتمنون لو ان الوضع بينهم كان مختلف لكنت فرحتهم اليوم لاتوصف

-دخلت الاوضة مش كده

هزت  حنان رأسها بنعم ليسحب آسر يدها ويقف امام باب الغرفة ويقول:

-إيمان حبيبتي وأختي وأمي سامحيني يا نور عيني  مش عاوز امشي وانت زعلانة مني لكن حقك تعملي أي حاجة اطلعي يا إيمان وأضربيني لو دا هيرضيكي اطلعي وقولي يا خسارة تربيتي فيك أنا استاهل كل الي يتقالي

اطلعي وقولي يا خسارة شبابي اللى ضاع عليك ، حقك و مستعد لأي كلمة بس اطلعي أبوس أيدك

كانت تسمعه من خلف الباب وقلبها يعتصرها وحرب ضروس تنشب بين قلبها الذي يتوسلها ان تفتح الباب 
وكرامتها وعقلها الذي يرفض ذلك…والله

تعليقات



<>