رواية حياة مهدورة الفصل الخامس عشر15 بقلم رشا عبد العزيز
حياة مهدوره 🌺15
شهر مر على خطبتها شهدت فيهم على اهتمامه بها فرسائله لم تفارقها ولا صوته في السؤال عنها دائمًا
لكن رغم ذالك لازالت لاتعلم لماذا قلبها يضع حدود بينهم تبًا لتك الهواجس التي باتت تمنعها من السعادة
لماذا تخاف الفرح لا تعلم لماذا قلبها لايترك فرصة له هذا ماكان توبخ قلبها عليه يوميًا وتتوسله ان يعطيه فرصة وكلما عزمت على ذلك وجدته يخاف ويعود ادراجه
كانت تجلس بجانب كنزي إبنة شقيقتها وهي تلهو بالعابها على الأرض وتطعمها الرز بلبن تلك التحلية
التي طالما كانت ماهرة في صنعها
-يلا يا بسبوسة افتحي بوقك ياجميلة ، يلا هم يا جمل
فتحت الصغيرة فمها بطاعة تلتقط ما تطعمه خالتها مبتسمة
-عجبك يابسبوسة ؟ أكيد عجبك هو في احلى من الرز بلبن بتاع خالتو
لتغمغم الطفله بكلمات متقطعة غير مفهومة لم تفهم منها سوى كلمة ميمي وهي الاسم الذي تناديها به
لتجذبها إيمان إليها تعض وجنتها بخفة ثم تقبلها
-يا روح ميمي انتِ
لترحل إيمان بخيالها نحو الماضي وتتذكر كيف كانت والدتها تحب ان تأكل ما تصنع لها وها هو الماضي يعود
من جديد وهاهي تطعم صغيرتها ، تمتمت بالحمد انها استطاعت ان تصل الى هذه المرحلة رغم ان الجميع كان
يراهن على خسارتها فتذكرت كلمات النسوة في عزاء والدتها التي ورغم انها كانت كلها شفقة لكنها كانت مؤلمة أيضًا
-وياختي دي هتراعي أخواتها ازاي دي طفلة
-اه ياعيني طفلة وهتربي أطفال
ثم ضحكت مستهزئة وهي تتذكر أعمامها الذين لم يذكروهم منذ زمن طويل وكانهم قد نسوا أنهم يملكون أبناء أخ أيتام
عادت همهمات تلك الصغيرة تطالبها بالمزيد من الطعام لتخرجها عن شرودها ، دست الملعقة بالطبق وحملت كمية من الطعام تطعمها لتبتسم وهي تتذكر فرحة حنان بدعوة زوجها على العشاء كأنها عروس جديدة
دعت الله أن يديم على شقيقتها السعادة و راحة البال فلم تتواجه حنان مع والدة زوجها ولم تخرج خارج نطاق شقتها كما وعدها زوجها
-ربنا يهدي سرك ياحنان ويديم عليكِ راحة البال ويا رب ماتكون حاجة مؤقتة وبعد وقت ترجع ريما لعادتها القديمة
لتسمع طرقات على الباب لتجلس الصغيرة وتعطيها أحد ألعابها وتهب متجهة نحو الباب وقفت خلفه وسألت :
-مين ؟
-أنا يحيى يا إيمان أفتحي
ارتجف قلبها ورددت أسمه بدهشة :
يحيى!
فتحت الباب لتجده أمامها يحمل باقة من الزهور وهو يبتسم قائلًا
-أزيك يا إيمان ؟
ارتجف قلبها لرويته لاتعلم لماذا تضطرب عندما تواجهه
-أهلا يا يحيى أتفضل
ثم ابتعدت عن الباب وأشارت له بالدخول ليدخل وتغلق الباب ثم اقتربت منه ليمد لها يده بباقة الزهور
-بصراحة كنت محتار أجيبلك أي معرفش المخطوبين الأيام دي بيجيبوا أي هدايا لكن خمنت أن أغلب الستات بتحب الورد
ثم انحنى نحوها وقال بصوت منخفض :
-أوعي تكوني مش منهم ومابتحبيش الورد
ضحكت إيمان على حركته والتقطت منه باقت الزهور تقربها من أنفها وتستنشقها
-لا أكيد بحب الورد هو فيه حد مابيحبش الورد. شكرُا
ثم اتجهت نحو الداخل وأشارت له بالجلوس ليجلس فتقول هي
-تشرب أي ؟
-ملوش داعي انا بس كنت جاي عاوز أتكلم معاك
ازداد خفقان قلبها هذه المرة الأولى التي يكونون وحدهم لذلك حاولت الهروب كي تستجمع قواها
وتخفف من ارتباكها
-يبقى قهوة مضبوطة
ثم تركته وهربت نحو المطبخ وسط دهشته من تصرفها وقفت في المطبخ تلهث أنفاسها المتسارعة وتضع يدها على قلبها تهدئ من دقاته المضطربة فاصبحت تنفخ أنفاسها بقوة
-اهدي يا إيمان مالك متلخبطة كده ؟
اتجهت نحو الحوض وفتحت صنبور الماء واخذت حفنات صغيره من الماء بيدها تمسح وجهها الذي ارتفعت حرارته من شدة توترها
وقفت تعد القهوة وهي شاردة فيما يريده منها حتى كادت القهوة تغلي وتفور لولا تداركها في اللحظة الاخيرة
خرجت له تحمل القهوة لتجده يضع ابنة شقيقتها على قدمه ويلاعبها
-أي دا انت اتعرفت على بسبوسة ؟
وضعت القهوة أمامه ليرفع نظره نحوها ويقول وهو مازال يداعب تلك الصغيرة :
-ايوه بسبوسة دي عسل هي اسمها أي ؟
-كنزي
-عاشت الأسامي يا أنسة كنزي
قالها وهو يقبل وجنتها
-تعالي ياحبيبتي سيبي عمو يشرب قهوته
قالتها إيمان وهي تمد يدها للصغيرة كي تأتي اليها لكن الصغيرة رفضت لتتعجب هي على تصرفها
-سيبها يا إيمان أنا متعود على الأطفال
قالها يحيى ليزيل عنها الحرج ليخرج من جيبه لوح شوكلاته
-شوفي يا كنزي المفروض الشكولاته دي من نصيب خالتو لكن مدام انت موجودة يبقى الوضع اختلف
ليزيل غلاف الشكولاتة ويقسمها إلى نصفين أعطى نصفها لكنزي التي فرحت بها ونزلت من قدميه متجه نحو
خالتها تريها إياها
-الله حلوة الشكولاتة يا روحي
لتهز الطفله رأسها وتغمغم ب ايوه ثم تركتها واتجهت نحو ألعابها لتتفاجئ بيحيى يقف ويجلس بالقرب منها
يمد لها يده بالشوكلاتة ويقول:
-حصتك يا إيمان بس ياريت نتقاسمها أنا وانت اصلي بحب النوع دا
لم تفهم مقصده إلا حين مد يده يقرب قطعة الشكولاتة من فمها
-يلا يا إيمان خدي نصيبك
ثم نظر لها يحثها على قضم الشوكلاتة لتفتح فمها على استحياء وتقضم جزأ منها ليكسو وجهها حمرة الخجل عندما وجدته يدس الباقي من قضمتها في فمه ويمضغها باستمتاع
كانت مندمجة تراقبه عندما شعرت بيد كنزي تجر ملابسها تعطيها الشوكولاتة التي قضمت منها القليل وتشير لها نحو طبق الرز بلبن الموضوع على الطاولة احضرت لها الطبق وبدأت بإطعامها وسط دهشة يحيى من تصرف الصغيرة :
-أي دا يا بسبوسة طلعتي بتحبي الرز بلبن زيى
رفعت إيمان نظرها عن الصغيرة وطالعته مبتسمة :
-ثواني هجبلك طبق
رحلت وعادت تعطيه إياه ثم جلست تطعم الصغيرة وعيناها تختلس النظر نحوه تترقب ردة فعله
رفع المعلقة يتناول منه القليل وبدأ يمضغ الطعام ليبتسم ويقول لها وهو يرفع حاجبيه باستحسان :
-الله يا إيمان ، أنتِ الي عملاه تحفة يجنن
استمر يتناوله ويلعق المعلقة بتلذذ ليقول مشاكسًا لها :
-لا أنا كدا أطمنت على مستقبلي هتجوز طباخة بريمو
ثم لوح لها بيده محذرًا
-أوعي يا إيمان تكتري من الحاجات دي بعد الجواز أنا كده مش هقدر أقاوم وهبقى بكرش.
ضحكت هي على وصفه وقالت :
-بالهنا والشفا
-تسلمي ياحبيبتي
القاها عابرة لكنها رنت داخلها وأطربت مسامعها التي تعطشت لكلمات الحب والغزل رغم هواجس الخوف
التي تتعبها
-إيمان أنا آسف أني جيت من غير معاد بس كنت عاوز أخذ رأيك في موضوع
تنبهت حواسها وترقبت ما يريد قوله تنصت له بإمعان :
-إيمان الشقة كملت خلاص وانا عاوز نحدد يوم لكتب الكتاب
شحب وجهها وكأن الدماء هربت منه وتسارعت نبضات قلبها كأنها ناقوس الخطر يرن داخلها يجب ان تدخل حياته لكن كيف تخبره أن شهر لا يكفيها لتشعر بالأمان هي كانت تخشى رؤيته سابقًا ، كيف ستعيش معه ربما كانت تبالغ لكن الخوف من الحياة الجديدة هي كل ماتشعر به الآن
-بس…أنا
نظر لها كأنه يتوسلها :
-إيمان أنا عارف أن أحنا منعرفش بعض من فترة طويلة لكن أنا يا إيمان سني مايسمحش أني أستنى أكثر أنا عاوز أبدأ حياتي معاك النهاردة قبل بكرة
ابتلعت ريقها الذي جف من شدة توترها وقالت بصوت مهزوز:
-بس أنا مش مستعده انت عارف أن لازم تجهيز…
-إيمان أنا مش عاوز غيرك بشنطة هدومك زي مابيقولوا
-بس يا يحيى
-إيمان وعشان خاطري متعارضيش ومتخافيش بكرة الأيام تثبتلك أنك اختارتي صح
-طب إديني مهلة بس انت بتفاجئني
- عارف والله عارف انك محتاجه تتعرفي عليا لكن اتعرفي عليا وانت مراتي وفي بيتي ارجوك يا إيمان
نظرات الترجي التي رأتها في عينيه ألجمت لسانها وظلت تنظر له بتيه لاتعلم ماذا تجيب
-ممكن نخليها بعد أسبوع ؟
اتسعت عينها بدهشة وقالت معترضة
-أسبوع قليل اوي
-إيمان ارجوك أسبوع من اتنين مافرقتش وبعدين أنا أصلًا خايف عليكِ من قعدتك لوحدك بعد حنان ما مشيت
ضحكت إيمان باستهزاء وقالت
-لا ماتخافش أنا والوحدة عشرة طويلة
ورغم انها قالتها بدعابة لكنها نغزت قلبه وآلمته
-إيمان قلت أي أكلم آسرواتفق معاه ؟
تنهدت بيأس وهي ترى الإصرار في عينيه وكلامه الذي يحاصرها به ، تعلم عناده صفة أيقنتها عنه في هذه الفترة القليلة ، اغلق أبوابه من حولها ليدفعها نحو كلمة واحدة
-موافقة
************************************
أسبوع واحد هي كل ما تملك من وقت بعد ان حدد مع آسر آخر الأسبوع موعد لكتب كتابهم كانت تجهز أغراضها كالمجنونة بمساعدة حنان وليان
كانت جالسة تخرج ملابسها من الخزانة وتضعها على السرير بعشوائية كي تختار ما ستأخذه وما ستتركه
استدارت تنظر إلى كومة الملابس الموضوعة على السرير وكيف تشابكت وتخبطت ببعضها
وكأنها تنظر لنفسها ولمشاعرها المتخبطة لا تعلم أهي سعيدة ام خائفة ام مضطربة ، مشاعر متصادمة وروح مبعثرة هي كل ماتشعر به ، رفعت يدها تدلك جبهتها علها تخفف ألم رأسها الذي يعصف بها منذ الصباح ولاتعلم له سبب
لتسمع طرقات على الباب اتجهت نحو الباب لتفتحه لتتفاجأ بمريم تقف أمامها
-مريم !
قالتها بدهشة تنظر نحو مريم التي تقف مطأطأة الرأس أمامها
-أزيك يا إيمان ؟
-أهلا يا مريم أتفضلي
ثم ابتعدت عن الباب وأشارت لها بالدخول
دخلت مريم وجلست على الأريكة لتجلس إيمان مقابلة لها وعدت نفسها بعد ما حدث مع آسر الا تحتك بها ولا تكلمها هي تعلم ان الهاتف الذي كان يحمله يومها هاتفها وربما يكون هذا ما ألمها أكثر أنه صدق زوجته
وكلامها لكن نظرة الكسرة التي رأتها في عينيها اجبرتها على إدخالها
-خير يا مريم ؟
قالتها بحدة
-إيمان أنا آسفة أرجوكِ سامحيني
لتضحك إيمان باستهزاء وتصرخ بصوت غاضب مستهجنة طلبها
-أسامحك على أي ؟ ولا أي يامريم أسامحك على غيرتك مني ولا على تحريض اخويا عليا ولا على اتهامك لشرفي قوليلي يامريم أسامحك على أي؟
اخفضت مريم عينيها بندم وقالت :
-عارفة إني ما استحقش السماح وأني آذيتك كتير لكن صدقيني ندمانة أنا والله عملت كده من كتر حبي لآسر
كنت شايفة حبه ليكِ وتعلقه بيكِ وكنت بغير من الحب دا كنت عاوزاه ليا لوحدي أنا عارفة إني أنانية بس
بحبه ، آسر عوضني عن حاجات كتير كنت مفتقداها عوضني عن الحنان الي مشفتوش في بيت أهلي
بابا عمره ما كان حنين معايا عمره ماحبني او طبطب عليا انا واخواتي زيه حتى ماما عندها أصحابها أهم
مننا وبتقضي معظم وقتها معاهم ، لما حبيت آسر عوضني عن كل حاجة كان ابويا واخويا وصاحبي
بس كان كل ما نفتح موضوع يذكر اسمك واد أي انت حاجة كبيرة عنده حسيت انك بتشاركيني فى حاجة ملكي انا
ظلت إيمان تحدق بتعجب بها أيعقل أن يصل حب التملك لإنسان إلى هذه الدرجة
-إيمان أنا عارفة أنك طيبة آسر دايما كان بيقول كده وهتقدري حبى ليه
لتقول إيمان بسخط مستنكرة :
-وهو عشان أنا طيبة يداس عليا
ثم ضربت صدرها بيدها وأكملت :
-لازم أتجرح واسكت اتأذي وأستحمل عشان أي عشان أنا طيبة ؟
ثم صرخت صرخة تحمل كبت كل تلك السنين
-انتو فاكرين طيبة القلب أي. ان احنا ما بنحسش ما بنتوجعش. … احنا بنتوجع ونكتم لحد ما الجرح يكون نار تحرقنا قهر وحسرة
أجهشت مريم بالبكاء وقالت :
-عارفة والله عارفة أنا مش من حقى تسامحيني
لتنظر لها بتوسل وتقول بعين تملأها الدموع التي سالت على وجنتها
-بس خليه يسامحني أنا بموت من غيره أرجوك
رسمت إيمان الجمود وقالت بجفاء:
-دي حاجه بينك وبينه أنا مليش حق أني أتدخل
لتنهض مريم وتقترب من إيمان وتمسك يدها عنوة وتقول :
-أبوس إيدك أنا قربت أولد مش عاوزة بنتي تتولد وأبوها مش معايا
لسعت الدموع عين إيمان وهي تستمع لكلمات الرجاء منها لتقول بتلعثم :
-خلاص هكلمه
لتشدد مريم على يدها وتهز رأسها تترجاها :
-يعني أكيد هتكلميه ؟
-ايوه هكلمه بس مش عشانك عشان بنته الي جاية
-متشكرة. يا إيمان متشكرة اوي
قالتها مريم وهي تبتسم وتهم بالرحيل لتقف إيمان وتتبعها نحو الباب ومان ان وصلت استدارت مريم وباغتتها بأن أحتضنتها وهي تردد
-متشكرة. متشكرة
رحلت مريم وأغلقت إيمان الباب خلفها لتستند بظهرها على الباب تزفر أنفاسها بحزن لكنها فزعت مبتعدة عن الباب عندما شعرت بطرقات عالية فظنت أنها مريم قد عادت فتحت الباب بسرعة لتجده يقف أمامها بحلته الرسمية ونظارته الشمسية هيئته هذا لطالما جعلته مميزًا وجذابًا ، خلع نظارته ما أن رأها وقال :
-ازيك يا إيمان ؟
-اهلا يا يحيى أتفضل
-لا أنا مستعجل أنا بس جيت أديكي دا
ثم أعطاها علبه دواء يشير لها نحوه بيده بسبابته :
-دا بيقولوا كويس عشان الصداع وعدد الجرعات متعلم عندك
ظلت تحدق به بدهشة لتتذكر أنها أخبرته عندما اتصل بها واستعجب تغير صوتها انها تعاني من الصداع
انتفض قلبها الخائف فرحًا بأهتمامه مدت يدها لتاخذ العلبة منه فوجدته يقول بقلق :
-إيمان مال عيونك أنت معيطة؟
مسحت إيمان بتلقائية على عيونها وقالت :
-لا أبدًا بس الظاهر دا من الصداع
ليبتسم ويقول :
خلي بالك من نفسك ياقمر مع السلامة
ثم خطى خطوتين مبتعدًا عنها لتناديه
_يحيى
التفت لها ولاتزال الابتسامة مرسومة على وجهه :
-نعم محتاجه حاجة يا إيمان؟
-متشكرة
اتسعت ابتسامته وقال:
-أنت تؤمري
ثم تركها ورحل دخلت المنزل ويدها ممسكة بعلبة الدواء بقوة فرحة بها كفرحة الطفلة بهدية والدها
لتقرب العلبة من أنفها تستنشق عطره الذي علق بها فيخفق قلبها وازدادت ابتسامتها عندما تسلل عطره لأنفاسها
**********"*****************
وقفت في غرفتها عينها تدور حول اركان هذه الغرفة وكأنها تودعها فاليوم هو موعد كتب كتابها ورحيلها مع زوجها لمنزله تعد ساعاتها القليلة المتبقية في هذا المكان الذي أحتضن طفولتها وصباها وشبابها أربعون عامًا على السرير نفسه ، ترى هل ستستطيع النوم على غيره
نظرت نحو السرير لترى ذلك الفستان الأبيض الذي أهدتها إياه مدام روز جلست بجانبه على السرير وبدأت تتلمسه تمرر يدها على قماش الدانتيل وتلك الخيوط الرقيقة التي زينته كان كلاسيكيًا أنيقًا وبسيط يناسب عمرها
ظلت تمرر يدها عليه بأنبهار كان جميل فاق خيالها وبلا إراده تجمعت الدموع في عينها لم تظن يومًا أنها سترتدي الفستان الأبيض كباقي الفتيات وأنها حرمت منه كانت تطرز العباءات البيضاء بحسرة وهي متأكدة انها لن ترتديها وهاهو اليوم المستحيل يمثل أمامها مدت يدها تلتقط منديل عقد القران الذي طرزته بنفسها ووضعت أسمه وأسمها عليه مررت يدها على أسمه وخياله يمثل أمام عينيها ترى كيف ستكون حياتها معه تنهدت بحيرة لتسمع رنين هاتفها ألتقطت الهاتف لتجد أسم شقيقها
-الو إسلام ازيك وحشتني يا روحي
-حبيبتي كنت عاوز أكون أول واحد يقلك ألف مبروك كان نفسي أكون معاك و أنول شرف أن أكون وكيلك لكن أعمل أي سامحيني ياحبيبتي
-حبيبي وأنا كمان كان نفسي تكون موجود يا إسلام
-آسر هيسد مكاني أن شاء الله
أختنق الكلام بين ثنايا أنفاسها المتألمة وقالت بحزن :
-محدش يسد مكانك يا إسلام كل وأحد فيكم وليه مكانة بقلبي
-والله غصب عني ياروحي. (بقلم رشا عبد العزيز)
-عارفة ياحبيبي أنا بقول كده عشان أنت واحشني يا إسلام
-أنتِ كمان وحشاني يا أحلى عروسة ابقي ابعتيلي صورتك انت وأبيه يحيى عاوز أشوفك
ضحكت من بين دموعها التي انسابت عنوة وهي تمسحها بأناملها
-حاضر هخلي البت ليان تاخدلي صورة وأبعتهالك
-خلي بالك من نفسك ياعروسة
-وأنت كمان ياروحي خلي بالك من نفسك
- مع السلامه يامنمن
-مع السلامه ياروح منمن. أستودعك الله الذي لاتضيع ودائعه
أغلقت الهاتف ووضعته جانبًا تمسح دموعها التي سالت على وجنتيها حتى وجدته يرن من جديد
رفعته لتجد تلك الصغيرة التي لم تفارقها طيلة الأيام الماضية
-صباح الخير ياعروسة
-صباح النور يا لي لي
- ساعه وأكون عندك ياجميل don’t be worry
-لا مش قلقانه ماتخافيش أنا معايا خبيرة تجميل مش كده
-أكيد هل عندك شك
لتضحك إيمان وتقول :
-لايا كاظم ، معنديش شك
وقفت حنان تتأمل شقيقتها وليان تنهي زينتها البسيطة كانت فاتنة بحجابها وفستانها الرقيق
من يراها اليوم لايصدق انها بلغت الأربعين
-ها يا إيمي أي رأيك
-حلوة يا حبيبتي تسلم أيدك
-اقتربت حنان من صديقتها تقاوم دموعها حتى لا تفسد شقيقتها زينتها إذا اندمجت معها في البكاء ربتت على كتف ليان وقالت :
-تسلم أيدك يا لي لي تحفة.
ثم نظرت نحو شقيقتها وقالت:
-ألف مبروك ياحبيبتي. (بقلم رشا عبد العزيز)
-الله يبارك فيك يا حنون
تحججت حنان بطفلتها قبل ان تفضحها دموعها لترحل من أمامهم
-كنزي بتندهني هاروح أشوفها
أقتربت السيدة أمينه والدة ليان التي كانت تراقب الموقف وعينها تلمع بالدموع التي مسحتها خلسة
قبل ان تقف امام إيمان وتشير لأبنتها قائلة:
-ليان ممكن تسيبني مع إيمان شوية
وبوجه ساخط وخطى متذمرة أطاعت ليان والدتها
خرجت وتركتهم اقتربت السيدة أمينة منها وقالت :
-مالك يا إيمان مش فرحانة ليه ؟
لقد كشفت السيدة أمينه توترها الذي تخفيه خلف ستار الابتسامة المزيفة التي تجاهد في رسمها أمام الجميع
زفرت أنفاسها بشدة وجلست على السرير بوهن
-خايفة اوي
هزت والدة ليان رأسها باستنكار وجلست بجانبها تضع يدها على كتفها وتقول
-ليه يا إيمان ياحبيبتي خايفة ليه ؟
التفتت نحوها بعين شبه دامعة وقالت بصوت مثقل بالحيرة
مش عارفة خايفة من الحياة الجديدة مش عارفة هتكون ازاي خايفة معاملة يحيى تختلف بعد الجواز
أنا لسه ماعرفوش كويس. صح هو الفترة الي فاتت تصرفاته واهتمامه طمني شوية بس أنا من شهرين كنت بخاف اقف قدامه هعيش ازاي معاه تحت سقف واحد
نظرت السيده أمينه نحوها بلوم وقالت معاتبة:
-ليه يا إيمان تسيبي الأفكار والهواجس تكسر فرحتك شيلي من دماغك الأفكار دي وأفرحي يا حبيبتي
وبعدين ما في ناس زمان كانت بتتجوز وتعيش حياته من غير مايشوفوا بعض أصلا قبل الجواز
ضربت والدة ليان على كتفها بخفة وقالت:
-يلا افرحي وبلاش دلع بنات
ثم نهضت وقالت لها بحزم
-أنا هاخرج وزمان عريسك جاي أوعي تضيعي فرحتك وفرحته في اليوم دا يلا وفكي تكشيرة وشك
ثم تمتمت مستهزئة وقالت بمزاح محاولة التخفيف عنها
_قال خايفة قال دانا يوم فرحي كنت برقص ياخايبة
قالت هذا وتركتها وخرجت أبتسمت إيمان على كلامها وقفت إيمان أمام المرآة تطالع أنعكاس صورتها
حركت يدها على حجابها تتاكد من ترتيبه وتضيف له بعض الدبابيس ثم عادت إلى الوراء قليلًا تطالع نفسها رفعت رأسها وتصنمت قليلًا وطيف والدتها الراحلة يخيل لها أمامها تجمعت الدموع في عينها وقالت:
-ياريتك كنتِ معايا النهاردة يا أمي كنت بتحلمي تشوفيني عروسة أنا النهاردة عروسة يا أمي بس أنتِ مش معايا. …كان نفسي أنت الي تلبسيني الطرحة بإيدك زي ما وعدتيني كان نفسي أقلك أنا خايفة وتحضنيني
جايز كان أمان حضنك نساني خوفي....
ثم أستدركت شي وصمتت لحظات لتقول:
-يمكن تكون دي دعوتك الي تحققت ويحيى يكون العوض
-عروستي الجميلة
قالها آسر وهو يدخل وينتشلها من حبل ذكرياتها ابتسمت لرؤيته ليدنو منها ويقبل جبينها ويقول:
-ألف مبروك يا روح أخوكي
-الله يبارك فيك ياحبيبي
ابتعد عنها ورفع يدها يديرها حول نفسها ليصفر ويقول مبتسمًا
-قمر تجنني يامنمن إيه الجمال والحلاوه دي
-تسلم يا ياحبيبي عيونك هما الي حلوين وبيشوفوني حلوة
ليضغط آسر على أسنانه ويقرص وجنتها مازحا ويقول:
-ياعم عيون أي معندكمش مرايات في بيتكم وتشوفوا الجمال الي أنا شايفه
ضربت إيمان على كتفه بخفة وقالت :
-بس يا بكاش أنت بتكسفني
ابتسم آسر لفعلتها
-ماشي هبطل ياكسوفة هانم
نظرت له إيمان بجدية وقالت:
-كويس أنك جيت بدري كنت عاوزة أتكلم معاك في موضوع
قطب حاجبيه يسألها باستفهام
-مريم
وما أن ذكرت أسمها حتى أختفت الابتسامة من شفتيه وتجهم وجهه ليقول باقتضاب
.
-مالها ؟
تمسكت إيمان بذراعه وقالت برجاء :
-سامحها ياحبيبي. (بقلم رشا عبد العزيز)
تسارعت أنفاسه وسألها مستهجنًا :
-هي أشتكتلك؟
-مش مهم ، المهم أني عاوزاك تسامحها
اتسعت حدقتيه بغضب وقال حانقًا :
-مقدرش أسامحها انتِ متعرفيش هي عملت أي
تنهدت بحزن وقالت بأسف :
-عارفة يا آسر أنها هي الي صورتني واتهمتني أنا عرفت دا من موبايلها الي كان عليه الصورة
ليتغير لون وجهه وجز على اسنانه غاضبا ويقول بصوت حاد حاول ان لا يرفعه ويلفت الانتباه
-ولما انت عارفة بتطلبي مني أسامحها ليه ؟
مسحت إيمان على وجنته بحنو وقالت:
-مش عشانها يا حبيبي عشان خاطر بنتك الي قربت توصل للدنيا عاوزها تتولد وأبوها مش موجود
لانت ملامحه قليلًا رغم سرعة أنفاسه لتسترسل هي
-آسر حبيبي أنت بتحبها
-بس هي طعن*تني واذتني كانت عارفة أنا بحبك آد أي بس غيرتها العمية خلتها تعمل اقذر حاجة ممكن أتوقعها انها تشوه صورتك قدامي
قالها مقاطعًا لها لينغزها قلبها وهي تتذكر لكنها
أسترسلت
-معلش يا حبيبي أنا مش عاوزة أكون سبب في مشاكل مابينكم
-إيمان أنت ملكيش دعوة متحملين نفسك ذنب الحكاية دي
أمسكت كفي يديه في محاوله استمالته :
-وحياتي يا آسر عشان خاطر أختك حبيبتك دا أنا بطلب منك دا في يوم فرحي ارجوك يا آسر
قبل جبهتها وقال:
-اهو قلبك الطيب دا هو الي عامللنا مشاكل معلش يا إيمان سبيني أفكر وأديني وقت يمكن نفسيتي تهدى
-ياحبيبي مراتك على وش ولادة
-إيمان حبيبتي ماتشغليش بالك بيا سيبي الحكاية دي واوعدك لما أهدى هسمع كلامك
وكادت أن تكمل توسلها لولا سماعها حنان تنادي بأن العريس والمأذون قد وصلوا ليتركها آسر ويرحل ليستقبل الضيوف خفق قلبها بشدة حتى كاد أن يخرج من بين أضلعها فقد حان الوقت وستُكتب على أسمه
وتدخل حياته دخلت حنان وليان يطلبان منها الخروج لدعوة المأذون لها
كان يقف ينتظرها بلهفة حتى وجدها تخرج بثوبها الأبيض رسم لها صورة بخياله وهي ترتدي هذا الثوب
لكن جمالها فاق خياله ليرتجف قلبه وتتسع أبتسامته كلما أقتربت منه بخطواتها الخجلة واخيراً حلمه يتحقق وستكتب على اسمه
أما عنها فقد تملكها الخجل والحرج وهي تستشعر العيون المتسلطة عليها حتى اقتربت رفعت عينها
ليخفق قلبها بشدة وهي تراه يقف أمامها بحلته السوداء وقميصه الأبيض التي زادته وسامه
وقفت أمامه ليسألها:
-أزيك يا إيمان. (بقلم رشا عبد العزيز)
وبالكاد خرجت منها الكلمات التي ضاعت من شدة حرجها لتقول بتلعثم :
-الحمد الله
جلس وجلست بجانبه ليضع يده بيد آسر الذي كان وكيلها ليبدأ المأذون بإجراءات عقد القرآن
كان المأذون يتكلم وآسر عينه تحدق بها لايصدق أنه اليوم يزوج شقيقته الكبرى ارتجفت شفتاه وأنسابت دموعه رغمًا عنه وهو يردد بعد المأذون ما يلقنه اعتصرها قلبها لرؤيته وهو يبكي وحنان التي وقفت خلف شقيقها واضعه يدها على كتفه تؤازره وجدت في هذا الموقف حجة حتى تنهار هي الأخرى وتحرر دموعها التي حبستها أمام
شقيقتها وما أن أنتهى المأذون من عقد القرآن حتى انطلقت الزغاريد من والدة ليان و وقفت إيمان تتجه نحوه شقيقها ليحتضنها بقوة ويقول وهو يبكي بين أحضانها
-ألف مبروك ياحبيبة اخوكِ
خرجت من أحضان شقيقها لتنهال عليها التبريكات من كل من كان يحضر حنان وليان اللتان احتضنتاها وباسم وفريد ووالده وأمجد ويامن والسيدة عالية والسيدة أمينة ومدام روز التي حضرت أيضاً
حتى وجدت نفسها أخيرًا تقف أمامه ليباغتها باحتضانها يهمس لها :
-ألف مبروك يا إيمان
ثم أكمل يعاتبها بمزاح :
-مع أن المفروض أكون اول واحد يقولك ألف مبروك
خرجت من أحضانه بحرج ولم ترد بأي كلمة وكأنها فقدت النطق
ليجلس وجلست هي أيضاً حتى ينتهي هذا الحفل البسيط كانت تدور عينها حول الجميع باسم الذي اندمج مع آسر وأمجد وليان التي تلتقط الصور بحماس كم كانت ممتنة لها ولعائلتها الذين أعتبروها فردًا منهم
فلم تكف والدتها عن الزغاريد وشاركها يامن بالتصفيق والغناء حتى ياسمين ووليد الذين حضور متأخرين وأنضمو إليهم أيضًا كم كانت سعيدة بأحبابها الذين أحاطوها اليوم
لكن شى نغز قلبها وزاد من خوفها عدم وجود بسمة الذي علل زوجها غيابها بسبب المرض يؤكد لها عدم رضاها عن زواج والدها وكأنها بعدم حضورها تؤكد لها أنها غير مرحب بها من قبلها
أنتهى الحفل البسيط ورحل الجميع وها قد حان وقت الوداع
نهض يحيى يغلق زرار سترته ويقول وهو يشير لها يحثها على النهوض
-يلا يا إيمان
ولتنهض وتقف بارتباك اقترب منها اخوتها يودعونها يحتضنونها ويقبلونها كأنهم يودعون والدتهم
احتضنتها حنان باكية
-هتوحشيني يا منمن
-وانت كمان ياحنون
ثم احتضنها آسر بقوة. (بقلم رشا عبد العزيز)
-هتوحشيني ياحبيبة أخوكي
-وانت كمان ياروح أختك
ثم ضربت على رأسه بخفة وقالت مبتسمة من بين دموعها
-أسمع الكلام وبلاش نشوفية دماغ
هز لها رأسه فقط
اقترب يحيى منها واخذ يمسح دموعها بيده ليقول له آسر :
-خلي بالك منها يا أبيه
-اه ارجوك خلي بالك منها دي إيمان طيبة اوي
رددتها حنان برجاء
أحاط يحيى كتفها بيده يضمها إليه وقال :
-إيمان في قلبي وعنيا متخافوش
ابتعد يحيى ومد لها يده
-يلا يا إيمان
نظرت إلى يده الممدودة ثم التفتت نحو أشقائها الذين كانوا يمسحون دموعهم وما أشبه البارحة باليوم
يقفون في نفس مكانهم وعلى نفس الهيئة لكنها اليوم ستتركهم ولن تبقى معهم
امسكت يد يحيى بخجل وسارت خلفه وقبل أن تخرج من الباب نظرت نحوهم وقالت :
-مع السلامة يا ولادي
وخرجت تتبع يحيى وكانت كلمتها كفيلة بتحرير دموعهم من جديد ليبكوا كالاطفال الذين فارقتهم والدتهم
***********************************
وصلت على باب شقته تجزم انها تسمع ضربات قلبها المنتفض وتقبض على يدها المرتعشة كي لا تفضحها
دخل يحيى وأشار لها بالدخول لتدخل بخطى مترددة إلى الشقة التي ستكون عالمها الجديد
دارت عينيها في الشقة لتجدها شقة من الطراز الراقي بأثاث جميل وألوان فاتحة كانت منشغلة بالتدقيق بتفاصل الشقة
عندما سمعته يقول:
:
-نورتي بيتك يا إيمان
ثم اقترب منها وطوق جسدها بيده لترتجىف ابتسم هو عندما شعر برجفتها ليقبل جبينها
-ألف مبروك يا إيمان
بالكاد استطاعت ان تبلع ريقها وجاهدت لتخرج منها الكلمات فقالت
-الله يبارك فيك
وقبل ان ينطق بكلمة أخرى قالت ماجعل وجهه يتجهم ويبتعد عنها :
-يحيى أنا محتاجة وقت ....
