رواية حياة مهدورة الفصل التاسع عشر19 بقلم رشا عبد العزيز


رواية حياة مهدورة الفصل التاسع عشر19 بقلم رشا عبد العزيز


الجمت الصدمة حواسه، كان جسده قد تخشّب، لم يرها منذ أن حدث الخلاف بينهما، حتى إنها لم تعد تحضر إلى المركز منذ ذلك الوقت.
صرخت مشاعر الأبوّة داخل صدره، ومزّق حبّه الفطري القسوة الواهية التي غلّفت قلبه اتجاهها.

ليتّخبط قلبه داخل ثنايا صدره قلقًا عليها؛ فشحوب وجهها، وجسدها الذي ذبل، وعيناها الجميلتان اللتان شوّهتهما تلك الهالات السوداء، جعلته يرتعب… هل قسوته عليها آذتها إلى هذه الدرجة؟ هكذا وبّخه قلبه، ولامته عيناه اللتان جالتا على قسمات وجهها الذي اشتاق إليه.
ورغم كل هذا الضجيج الذي اشتعل داخله، والصراع الذي نشب بين قلبه وعقله، لم يستطع لسانه الكلام، حتى نطقت هي بصوت يقطر ندمًا، وعيناها تصرخان شوقًا له:

وحشتني يا بابا.

قالتها وهي ترتمي داخل أحضانه منهارة، كأنها طفلة صغيرة وجدت والدها بعد أن تاهت منه في الزحام. دموعها المنهمرة أذابت جليد يده التي تجمّدت ولم تُحِطها.
فرفع يده يحتضنها بقوة، كم أشتاق إليها ولحضنها، كان يستنشق رائحتها ويتنهّد بارتياح، لقد عادت طفلته الضائعة إلى أحضانه.

ليترجم شوقه لها بدموع انهمرت تماثل دموعها. لتتحدث من بين شهقاتها، وهي لا تزال داخل أحضانه:

_آسفه يا بابا، سامحني أرجوك، أنا معرفش قلت كده ليه. جايز غِرتِ عليك زي باسم ما بيقول، وجايز أنانيتي…
بس أرجوك سامحني، أنا مقدرش أعيش من غيرك. أنا حاسه إني بموت وأنا بعيده عنك.

أخرجها من أحضانه ليحيط وجهها بيديه، يمسح دموعها بإبهامهينظر داخل عينيها وينهرها عن إكمال حديثها:

بعد الشر عليك يا حبيبة أبوك.

لتشهق وتقول بصوت يخنقه البكاء:

_يعني سامحتني؟

ظل يحيى ينظر إليها وهو يقول في نفسه: "مجنونة تلك الصغيرة".
كان يتمنى أن يلمحها كي يطمئن عليها، فشوقه لها فاق تحمّله، ورغم جرحه منها، إلا أن رؤيتها تعتذر كانت كفيلة بجعل قلبه يلين لها.

ظنّت سكوته رفضًا، فقالت:

على فكره أنا جايه وجايبه معايا واسطه.

لم يفهم حديثها، ليجدها تمسك حقيبتها وتفتحها وتخرج منها ورقة مطويّة وتعطيه إياها.
أخذ الورقة منها، فتحها، فأصابته الدهشة عندما قرأها، واتسعت ابتسامته بعدم استيعاب، يوزّع نظره بينها وبين الورقة ويقول بلهفة:

_إنتي حامل يا بسمة؟

هزّت رأسها بالموافقة وقالت:

_أيوه، وإنت أول واحد أقوله، حتى فريد ميعرفش.

ثم وضعت يدها على بطنها وقالت باستعطاف:

_سامح ماما يا جدو، أرجوك.

قالتها بتوسل، كأن صغيرها هو من يتحدث في محاولة لاستمالته.
وما أن قالت هذه الكلمات حتى عاد يحتضنها من جديد وهو يقول مبتهجًا:

_ألف ألف مبروك يا بسمة، ألف مبروك يا بنتي.

لكنها لم تكن تود سماع التهنئة، كانت تود سماع صفحه عنها، لتعود تسأله مرة أخرى:

_سامحتني يا بابا؟
أخرجها من أحضانه، وأمسك كتفيها بكلتا يديه، ينظر في عينيها كأنّه يعيد تربيتها من جديد.

قال بحزمٍ حانٍ:

أنا أبوكِ، وأكيد هسامحك... لكن مش أنا اللي اتهنت، اللي اتهان شخص تاني.

حرّكت رأسها وهي تفرك يديها ببعضهما، مرتبكة، كأنها تعترف بخطئها وتدرك ما يقصده والدها... لقد كان يطلب منها الاعتذار لإيمان.

كانت إيمان تراقب المشهد من بعيد، تخشى الاقتراب وإفساد تلك اللحظة. أطرقت برأسها، تهاب المواجهة. سيطر عليها التوتر، تخاف من أي تصرّف، وكل ما تفكر فيه هو حياتها معه، خشية أن يعكر صفوها أي شيء. ارتعش قلبها من مجرد فكرة أن يحدث ما يكدر سعادتها. ازداد خفقان قلبها  وهي تراه يقترب منها، يسحب بسمة التي بدت عليها علامات التوتر خلفه، حتى وقف أمامها.

رفعت نظرها نحوه، آه من نظراته التي باتت تحفظها، نظرات تحتضنها وتطمئنها. حاولت أن تبادله الطمأنينة لتخفف قلقه البادي على ملامحه، وبادرت قائلة:

_أهلاً... أهلاً يا بسمة، إزيك؟

واجهتها عينَي بسمة وهي تقول بندمٍ ممزوجٍ بالتوسّل:

_أنا آسفة يا إيمان... سامحيني.

وبخطوات مترددة تقدّمت نحوها، فبادرتها إيمان بعناقٍ حانٍ، تطبطب على ظهرها وتقول:

_مسامحاكي يا حبيبتي.

فما كان من بسمة إلا أن بادلتها العناق، تبكي وهي لا تعلم كيف جرحت تلك المرأة التي طالما شكت لها قسوة الحياة، لتزيدها جرحًا آخر. هل أعمت أنانيتها إنسانيتها؟

خرجت إيمان من أحضانها، لتسمع صوت يحيى يقول بفرحة غامرة:

_بسمة حامل يا حبيبتي!        (بقلم رشا عبد العزيز) 

كان صوته مفعمًا بالسعادة، جعلها تفرح لأجله وتقول مبتهجة هي الأخرى:

_ألف مبروك يا حبيبتي!

قالتها وهي تمسح دموع بسمة وتقبّل وجنتها. كل ما فعلته إيمان جعل يحيى يفخر بها أكثر؛ فقلبها طيب كأنها ملاك من عالم آخر. كان يعلم أنه محظوظ بوجودها في حياته.

جلست بسمة بجانب والدها تحتضنه، وهو يضمها بذراعه ويقبّل رأسها بين الحين والآخر، كأنه لا يصدق أنها عادت إلى أحضانه.

إيمان كانت تراقبهم مسرورة لأجلهم. لقد عاشت تلك المشاعر حين عاد إخوتها إلى أحضانها. وضعت العصير أمامهم وقالت:

_اشربي يا بسمة، العصير كويس عشانك... عقبال ما أجهّزلكم العشاء.

حمل يحيى كأس العصير وأعطاه لابنته الصغيرة:

_اشربي يا حبيبتي، إيمان بتعمل عصير برتقال طبيعي تحفة.

أمسكت بسمة الكأس، ارتشفت منه قليلًا، وقالت بامتنان:

_تسلم إيدك.

نظر يحيى إلى كأس العصير الثاني الذي أعدّته إيمان له، وقال ممازحًا:

_بس أنا مش حامل يا إيمان... هشرب عصير ليه؟

ضحكت وقالت مداعبة:          (بقلم رشا عبد العزيز) 

_عشان صحتك يا جدو.

_كده يا إيمان؟

ثم التفت إلى بسمة ضاحكًا:

_شفتي؟ كبّرتيني وخَلّيتي إيمان تسيب القهوة وتشربني
 عصير!

ضحكت بسمه على كلام والدها 

ثم نظر إليها مرة أخرى وقال وهو يرفع الكأس:

_بس هشربه... أعمل إيه؟

ضحكت إيمان على علامات الاستياء التي ارتسمت على وجهه وهو يتناول العصير.
*************************
كانت في المطبخ تُعدّ العشاء عندما استغل يحيى انشغال بسمة مع فريد الذي حضر هو الاخر ، وتبعها. ما فعلته اليوم لأجله جعله يتوق لاحتضانها وشكرها.

كانت واقفة أمام الموقد تقلب الطعام حين فاجأتها رائحته قبل حضوره، فانتبهت لوجوده وقالت بابتسامة وهي لا تزال تقلب الطعام:

_محتاج حاجة يا حبيبي؟

أمسك يدها، يجذبها نحوه وسط دهشتها، أخذ منها الملعقة ووضعها جانبًا، ثم سحبها إلى أحضانه، يحتضنها بقوة كأنه يتنفس قربها. بادَلته العناق رغم تعجبها، لكنها لن ترفض دعوة إلى أحضانه التي تعشقها.

قال بصوت مفعم بالامتنان:

_متشكر يا إيمان... إنتِ نعمة، هفضل أشكر ربنا عليها كل يوم.

ابتسمت وقالت وهي تلمس وجنته:

_متشكرنيش يا يحيى... أنا قلتلك إني سامحتها.

_إنتِ قلبك طيب يا إيمان.

_لأ... أنا مسامحتهاش عشان قلبي طيب، سامحتها عشانك... عشان أشوف الفرحة اللي في عيونك دلوقت.

اتسعت ابتسامته من كلماتها، شعر أنه يسقط في عشقها كل يوم أكثر، يقسم أنه أصبح متيّمًا بها. أمسك يدها التي كانت على وجنته وقبّلها قائلاً:

_بحبك يا إيمان... بحبك يا أغلى هدية من ربنا.

حاول أن يحتضنها من جديد، لكنها رفعت يدها تضعها على صدره وتبعده بخجل:

_يحيى، أبعد... لحد يشوفنا، عيب.

ضحك وقال:

_يا بنتي، إنتِ مراتي، إيه يعني؟

_لا يا حبيبي... أنا بكسف.

قرص وجنتها بخفة وقال مبتسمًا:

_حبيبتي الكسوفة.

ثم نظر حوله في المطبخ وقال:

_تحبي أساعدك يا حبيبتي؟

_لا يا حبيبي، متشكرة... وبعدين روح اقعد مع ضيوفك يا جدو.

قالتها مبتسمة وهي تدفعه للخروج، فأمسك ذراعها وقرصها بقوة حتى تأوهت  متألمة، تدلك مكان القرصة،بمتعاض  فقال مدعيًا الانزعاج:

_إنتِ مش واخدة بالك إنك كررتي كلمة (جدو) كتير؟ تقصدي إيه يا إيمان؟ إنّي عجزت؟

ضحكت وهي تقول:

_فشر اللي يقول كده... إنت شباب، إنت جدو صغير.

قالتها ضاحكة:

_بتضحكي يا إيمان؟ طب إيه رأيك هخلي الولد يناديني "بابا"؟

قالها متصنّعًا الاستياء وهو يهمّ بالمغادرة.

اعتصر قلبها ظنًا منها أنه قد غضب من كلامها، لكنه وقبل أن يغادر المطبخ استدار وقال:

_إيمان.

رفعت نظرها نحوه بلهفة، فقال لها:

_بحبك.

ثم رحل مغادرًا، وهي تنظر إلى أثره وتتمتم:

_وأنا بموت فيك.

---*******************'**********

استيقظ فزعًا من نومه بعدما رأى كابوسًا مزعجًا، يلهث بأنفاس متسارعة، واضعًا يده على صدره يتمتم:

_أعوذ بالله من الشيطان الرجيم... أستغفر الله، إيه الكابوس دا! اللهم اجعله خيرًا.

مد يده إلى قارورة الماء الموضوعة بجانب السرير، ارتشف قليلا منها وزفر بعمق يهدّئ من دقات قلبه. ثم التقط هاتفه لينظر إلى الساعة، فوجد أذان الفجر قد اقترب، فنهض متجهًا للوضوء.

خرج من الغرفة، فإذا بالشقة غارقة في الظلام، عدا بصيص نور خافت قادم من المطبخ. اقترب بخطوات متوجسة، فسمع أنينًا مكتومًا. أسرع ليتفاجأ بمريم منحنية، تستند بيدٍ على الكرسي والأخرى تضغط على بطنها، تكتم أنينها بعضّ شفتيها.
هوى قلبه بين قدميه من هول المشهد، فأسرع إليها ممسكًا كتفيها بقلق:

_مريم، مالك؟.               (بقلم رشا عبد العزيز) 

أجابته بصوت منهك متقطع:

_تعبانة يا آسر... شكلي هولد.

ارتجف قلبه خوفًا وسألها:

_ما صحيتنيش ليه؟ كنت أخدك المستشفى!

ضغطت على يده بشدة بعدما داهمتها آلام المخاض، وقالت بأنفاس متقطعة:

_خفت أقلقك وانت نايم.

أشفق عليها فأسندها برفق، قائلًا:

_تعالي... لازم نروح المستشفى.

ساعدها في ارتداء ملابسها، وحمل حقيبة الصغيرة التي أعدّتها مسبقًا، ثم أسرع يقود السيارة بجنون، وقلبه يتمزق مع كل أنين يتحوّل إلى صرخة من صرخاتها.

كانت تمسك مقبض الباب، تعض على شفتيها وتغلق عينيها محاولة كتم الألم، بينما يتصبب العرق من جبينها. مدّ يده يمسح قطراته، فإذا بها تمسك يده بقوة، كأنها تستمد قوتها منه، تضغط  كلما اشتد عليها  الألم حتى عضّت يده رغماً عنها. ورغم ألمه، إلا أن قلبه كان يتفتت لرؤيتها تتلوى من الوجع، حتى شعر بسخونه دموعه التي انسابت  دون أن يشعر، يمسحها بسرعة شاكرا الله ان الوقت كان متأخر والطريق شبه خالي.

وصل إلى المستشفى وهو يسندها، ورغم ألمها كانت سعيدة بقربه الذي خفف عنها. أدخلتها الطبيبة إلى غرفة الولادة، فظل ممسكًا بها حتى آخر لحظة، إلى أن وقفت أمام الباب.

حاولت الممرضة سحبها، لكنها تشبثت به تبكي:

_سامحني يا آسر.        (بقلم رشا عبد العزيز) 

_مريم... مش وقته الكلام دا! حالتك متأخرة، لازم تدخلي دلوقت.

قالها وهو يمسح دموعها المتساقطة من شده الألم  لتحرك راسها نافيه ،وهي تزفر أنفاسها المتسارعه

_مش هدخل... قبل ما تقولي إنك سامحتني. أنا خايفة يجرالي حاجة. وحياتي عندك يا آسر، سامحني.

مزقت توسلاتها قلبه، فأذابت كبرياءه، ومسح على رأسها ووجهها قائلًا بحنان:

_مش هيجرالك حاجة إن شاء الله. هستناكي إنتي وبنتنا.

ثم طبع قبلة على جبينها، هامسًا:

_أنا مسامحك... يلا خليكي قوية، أنا عاوز أشوف بنتنا.

ابتسمت من بين الألم، تمسح دموعها وقد منحتها كلماته القوة، وقالت بصوت متقطع:

_بحبك يا آسر.

_يلا يا حبيبتي. استودعك الله الذي لا تضيع
 ودائعه.

قالها آسر وهو يمسح على راسها ويربت على كتفها حتى رحلت  مع الممرضه ليسمح هو لدموعه التي حبسها أمامها ان تتحرر من محبسها

سند رأسه على الجدار يبكي بصوت مخنوق:

_بحبك يا مريم... يا رب تقوم بالسلامة.يارب خفف عنها

***************************************

وضعت مريم صغيرتها بسلام ، فوقف آسر يحمل صغيرته  وهو يؤذن في أذنها.مسرورا وكأنها كنز  قد حصل عليه  كانت إيمان تتابع المشهد والدموع تملأ عينيها؛ لقد كبر صغيرها  وأصبح  رجلًا، بل أبًا سمعته يردد الاذان فقشعر بدنها  حمدت الله  في سرها انها وصلت نهايه الدرب معه . ليلوح  طيف والدتها أمام عينيها، كأنها تشاركهم هذه اللحظة، فغمغمت باكية:

_أنا حافظت على الأمانة يا أمي... وصُنت الوعد.

شعرت بأصابع يحيى تمسح دموعها،التي انسابت رغما عنها كأنه يمسح عن قلبها ألمه أغمضت عينيها لتفيض دموعها أكثر 

_مالك يا إيمان؟

همس بها بصوته الحنون. وهو ينحني نحوها ويده لازالت تمسح دموعها وأخرى تمسح على ظهرها

_أبدًا، يا حبيبي... دي دموع الفرح.

اقترب آسر وهو يحمل ابنته، يناولها لإيمان مبتسمًا:

_شوفيها يا إيمان... حلوة قد إيه.

أخذتها بحرص، تحتضنها بخبرة وحنان، تلمس وجنتها الرقيقة، وتمسك يدها الصغيرة تقبلها:

_جميلة أوي يا آسر... يا روحي، دي شبهك.

زادت غبطته بكلماتها، ليقول بفخر:

_عندك حق... فعلاً شبهي.

ضحكت إيمان وقالت:

_تتربى بعزك يا آسر، ألف مبروك يا حبيبي.

ثم حولت نظرها نحو مريم وقالت:

_ألف مبروك يا مريم.

_الله يبارك فيك يا إيمان، عقبالك.

قالتها مريم بعفوية، لكنها رنت في قلبها قبل عقلها… هل من الممكن أن تصبح أمًّا في هذا العمر؟
لقد عاشت دور الأم، لكنها لم تعش تلك المشاعر التي لطالما سمعت عنها وعن جمالها، مشاعر الأمومة الحقيقية.

أخرجها من شرودها صوت يحيى وهو يقول:

_هاتيها يا حبيبتي خليني أشيلها، ولا إنتِ هتحتكريها عندك؟

ضحكت إيمان وأعطته الصغيرة وهي تقول:

_لا يا حبيبي، اتفضل شيلها.

حملها يحيى بحنان، ينظر إليها ويقول وهو يداعب وجنتها:

_بسم الله ما شاء الله، تبارك الرحمن… ربنا يحفظها. هتسميها إيه يا آسر؟

_إيمان.

قالها آسر بسرعة ودون تردد، وكأنه قد قرر ذلك مسبقًا. رفرف قلبها عندما سمعته ينطق اسمها، لكنها اعترضت قائلة:

_لا يا حبيبي، بلاش اسمي. اخترلها اسم من أسماء الأيام دي. أكيد إنت ومريم كنتم محضرين اسم… بلاش اسمي وحياتي يا آسر.

_بس أنا كمان عاوزة أسميها إيمان.

قالتها مريم وهي تنظر إليها مبتسمة. اتسعت ابتسامة آسر وهو ينظر لزوجته التي عادت كما أحبها، فهذه هي مريم الطيبة التي تحب الجميع.

نظرت إيمان نحو يحيى، مشاعرها متخبطة ما بين فرحها باختيار شقيقها، وبين إشفاقها على تلك الصغيرة التي ستحمل اسمًا لا يماثل أسماء بنات جيلها. لكن يحيى، الذي كان يرى إصرار آسر، قرر أن ينهي النقاش بقوله:

_تتربى بعزك يا أبو إيمان.

ضحك آسر وقال:

_الله يسلمك يا أبيه.

ثم جاءت الممرضة تطلب الصغيرة كي يراها طبيب الأطفال. ذهب يحيى وإيمان مع الصغيرة، بينما اقترب آسر من مريم وجلس بجانبها على السرير، وقبّل جبهتها قائلاً:

_الحمد لله على السلامة يا أم إيمان.

_الله يسلمك.

انتبهت هي إلى آثار أسنانها على يده، فأمسكت يده تمسح عليها وتقبّلها قائلة:

_وجعتك مش كده؟ آسفة يا حبيبي.

مسح على وجنتها بحنان وقال:

_ولا يهمك.

رفعت عينيها تواجه عينيه لتسأله بتوجس:

_سامحتني يا آسر بجد؟

_سامحتك، لأني شايف مريم اللي حبتها قدامي… مريم الطيبة أم القلب الحنين.

نظرت له برجاء وقالت:

_ممكن تحضني؟ وحشني حضنك.

احتضنها آسر فرِحًا بعودتها، وأغمضت هي عينيها تنعم بدفء أحضانه التي اشتاقت لها.

**********************---

كانت تحدث شقيقها إسلام عبر الهاتف وتخبره بفرحة آسر بمولودته الصغيرة، وفرحتهم جميعًا بها:

_لو تشوف يا حبيبي حلوة قد إيه وأصغننة، وآسر فرحان بيها أوي. عقبالك يا حبيبي أشوف ولادك. إنت مش ناوي ترجع بقى يا إسلام؟ إنت واحشني أوي يا حبيبي.

_حبيبتي يا إيمان، إنتِ كمان وحشاني. خلاص هانت… ما فضلش كتير.

_إن شاء الله يا قلبي.

_أبيه يحيى أخباره إيه؟

خفق قلبها لذكر اسم ساكن قلبها، واحمرّت بخجل لتجيبه بارتباك:

_الحمد لله بخير يا حبيبي.

_سلمي عليه يا حبيبتي.

_يوصل يا روحي، خلي بالك من نفسك يا حبيبي.

_إنتِ كمان يا قمر، خلي بالك من نفسك.

_مع السلامة يا حبيبي، استودعتك الله الذي لا تضيع ودائعه.

استدارت لتتفاجأ بيحيى يقف مستندًا إلى حافة الباب، يربّع يديه على صدره، ويقول:

_هو مين حبيبك اللي كنتي بتكلميه يا هانم؟

قالها مدعيًا الانزعاج، يريد أن يسمع تبريرها وكلمات الحب التي أصبحت تغدق بها عليه بسخاء. فهو يعلم هوية المتصل، لكنه أراد مشاكستها.

ضحكت على امتعاض وجهه واقتربت منه بعين تلمع بالحب لتقول ببهجة:

-ده إسلام يا روحي.

ليقول متهمًا:

-إسلام قلتيلي… أمال كلمة حبيبي اللي عمالة تتكرر دي إيه؟

قهقهت بصوت عالٍ، وأمسكت ذراعه التي لا تزال معقودة على صدره وقالت بتعجب:

-إنت بتغير من إسلام يا يحيى؟

-وأغير عليك من الهوا كمان.
وبعدين كلمة حبيبي دي بتاعتي أنا لو سمحتي.

رفعت يدها تحرك سبابتها نافية:

-تؤ تؤ، غلط يا حبيبي… تقارن نفسك بحد؟

أشاح وجهه عنها بسخط، فأمسكت ذقنه وأدارت وجهه لتواجه عيناه عينيها، ورفعت يدها تحاوط وجهه بحنان قائلة:

-العالم كله بمكان… وإنت بمكان تاني. إنت مالك القلب والروح.

ثم أنزلت يدها، تفك عقدة يديه، ورفعت كفه تعد على أصابعه:

-إنت نفسي اللي أنا عايشة بيه.

-إنت قلبي اللي ما بينبضش إلا باسمك.

-إنت روحي اللي بقت متعلقة بروحك.

-إنت عمري اللي ضاع… ولقيت عوضي جنبك.

-وإنت سعادتي اللي رجعت بقربك.

قالتها وهي ترفع اصبع تلو الاخر

استرخت ملامحه وشعّ وجهه بالحب، فأمسك يدها وقبّلها مبتسمًا وقال:

-وإنتِ كل وأحلى حاجة في حياتي. بحبك يا إيمان 

*************************
مشاعر أصبحت تعبر عنها بتلقائية، ينطق قلبها بها  قبل لسانها. أربع شهور مرت على زواجهم، عادلَت أربعين سنة من عمرها.
لو أن أحدًا أخبرها أنها ستعيش هذه السعادة، لما ذرفت دمعة حزن على حياة ظنتها مهدورة.

أيام كالأحلام التي تتمنى ألا تستيقظ منها… حتى جاء ذلك اليوم الذي غيّر حياتها بشكل آخر.

لقراءة باقي الفصول من هنا
 





تعليقات



<>