رواية وصمة قلب الفصل الاول1بقلم هاجر السيد
الفصل الأول "العودة... حين يُولد الجحيم من جديد"
كانت الشمس لا تزال تمسح خيوطها الذهبية على جدران السجن العالية حين فُتح الباب الحديدي بصوت أجوف، كأنما يُعلن نهاية شيء ما، أو ربما بدايته.
خرج سيف مراد من خلف القضبان بخطوات ثقيلة، ثابتة كأنه لم يعد مجرد رجل، بل ظل يحمل داخله مرارة السنين وخيانة الأحباب ووجع الخذلان. حقيبة صغيرة معلقة على كتفه، رأسه مرفوع، لكن عينيه لا تنطقان سوى بالوجع والجمود.
صوت السجان يخترق الصمت:
"سيف مراد… انتهى مشوارك هنا."
لكن سيف لم يرد. لم ينظر حتى، مر بجواره كأن الصوت لا يعنيه، كأن شيئاً داخله مات، ودفن معه كل ما كان.
خرج إلى الشارع. ضوء الشمس لامس وجهه لأول مرة منذ زمن، لكن وجهه لم يتغير… كان جامداً ، وعيناه تُشبه ليلًا بلا نجوم.
تمتم بصوت خافت:
"رجعت… وأنا مش فاضي لغير حقي… وحق قلبي اللي انكسر هنا."
كانت البداية… بداية جحيم جديد.
---
(في الجانب الآخر من المدينة)
،في فيلا فخمة يكسوها الهدوء المُريب، جلس مالك عز الدين في مكتبه. كان يرتدي بدلة قاتمة، عينيه لا تعرفان الرحمة، وابتسامته تنتمي لعالم لا يعرف البشر.
دخل أحد رجاله مسرعًا ، يتصبب عرقاً.
الرجل:
"بيه… عندي خبر مهم جداً."
مالك لم يرفع عينيه من الورق، تحدث ببرود:
"حكم إعدام جديد؟"
الرجل:
"لا يا بيه… سيف مراد… خرج من السجن."
ساد صمت ثقيل.
رفع مالك عينيه ببطء، ثم ابتسم،ابتسامه كأن شيئاً طال انتظاره قد حان.
مالك:
"أخيراً… الوحش اتفك قيده."
تمتم وهو يشعل سيجارته ببطء:
مالك:
"اللعبة رجعت… أحلى مما كنت أتمنى."
---
(في بيت صغير )
كانت حلا عائدة لمنزل والديها، ترتجف روحها رغم صمت جسدها.
أمها نظرت إليها بقلق وهي تضع يدها على قلبها
الأم جهاد (بقلق):
"مالك قالك حاجة؟ شكله مش عاجبه خروجك لوحدك."
تمتمت حلا، وصوتها بالكاد يُسمع:
"أنا مش محبوسة عنده… بس كل حركة محسوبة."
صوت الأب جابر يأتي من الداخل، (غاضباً ):
"مالك راجل كريم، متنسيش إنه شالك وقت ما الكل سابك!"
لم ترد حلا.
فقط وضعت يدها على قلبها، كأنها تبحث عن قلبها الضائع، وهمست لنفسها:
"أنا عايشة… بس قلبي مدفون من زمان."
الأم صمتت… كأنها تعرف الحقيقة، لكنها تخشى الإفصاح.
---
(فيلا مالك عز الدين- بعد عودت حلا من منزل والديها)
في غرفتها، جلست حلا أمام مرآة باهتة، تمشط شعرها بلا روح.
لمحت صورة قديمة تجمعها بسيف، فأدارت وجهها بسرعة، لكنها لم تستطع منع أصابعها من لمسها.
حلا (بصوت مخنوق):
"ليه الحلم لسه مش بيفارقني؟ ليه اسمه بيرن في ودني كل يوم؟"
لكن صوت مالك من خلف الباب قطع حديثها
مالك (من خلف الباب بصوت مرتفع):
"جهزي نفسك… عندنا ضيوف النهاردة."
أخفت الصورة بسرعة، لكن الرعشة في يدها ما زالت.
---
(في الطابق السفلي من الفيلا)
تجلس أم مالك(رغده) بهدوء قاتل، بين يديها صورة قديمة لابنها وسيف حين كانا أطفالاً
نظرت للصورة ،
رغده(بغل دفين):
"رجع الوحش… كنت فاكرة هنتهنى بعد ما دخل السجن."
((دخل خال مالك حسين))
حسين (بإبتسامة بارده):
"لو سيف فتح بقه… كلنا هنتبهدل."
رغده (بنبرة حاسمة):
"يبقى نهايته ترجعه السجن… أو ما يرجعش تاني خالص."
[مالك كان سامع حديثهم وهو نازل من علي سلالم الفيلا ]
مالك:
"اعتبروه مات… بس على طريقتي."
---
(في حي قديم)
وجوه الناس تطل من النوافذ حين مر سيف.
كان يسير وسط الحي، والناس تتلفت نحوه.
همساتهم لم تكن تخفي خوفهم،
الجارة الأولى (تهمس):
"هو رجع؟ يانهار…"
الثانية:
"سيف مراد؟ ده قلبه بقى حجر. محدش يقربله."
لكنه لم يهتم. سار كأنه وحده في عالم لا يعرف الرحمة.
وقف أمام بيت قديم، دخل ببطء، تحسس الجدران بيده
سيف (بهدوء قاتل):
"كل حاجة هنا بقت رماد… بس أنا جاي أنفض الرماد بنفسي."
---
(بعد ساعات )
في السوق الشعبي، خرجت حلا تبحث عن بعض الأغراض، تحاول أن تختبئ من نظرات الناس.
وفجأة، اصطدمت بشخص.
رفعت عينيها، توقفت، شهقت، العالم كله تجمد.
حلا(بصدمه ، وارتباك):
"سـ… سيف؟!"
نظر لها، بعينين جامدتين،
سيف(بابتسامة باردة):
"لسه الوش ده عايش؟"
مر بجانبها، وكأنها لا تعني له شيئاً
وقفت مكانها، أنفاسها مقطوعة.
---
(بيت أهل حلا)
حلا راحت علي بيتهم بسرعه، وجهها شاحب ومذهوله
أمها اغلقت الباب بسرعة
الأم جهاد (بتوتر شديد):
"شوفتي سيف؟ الشارع كله بيتكلم عنك!"
حلا جلست على الأرض، تبكي بصمت،
حلا:
"شوفته ،وشه ما اتغيرش… بس قلبه مات."
الأب جابر(بانفعال):
"خليه في حاله وانتي كمان خليكي في حالك… الجرح لما يتفتح… بيبقى نزيف."
حلا (بهمس):
"أنا اللي فتحت الجرح بإيدي."
---
((في الليل))
في غرفة قديمة بالكاد يدخلها ضوء، جلس سيف
وأشعل سيجارة، وضع أمامه صورة قديمة له مع حلا، يوم خطوبتهم.
قطعها إلى نصفين.
احتفظ بنصف وجهه، وأشعل النار في النصف الآخر، حيث كانت حلا تبتسم.
سيف(همس وهو يراقب اللهب):
"لسه فاضل حساب… ولسه القلب بيتحرق… واللي جاي مش رحمة."
