رواية جعلني ملتزمةالفصل الثاني2بقلم اسراء جمال


رواية جعلني ملتزمةالفصل الثاني2بقلم اسراء جمال

 مفاجأة قاسية
تسللت خيوط الفجر الأولى، وتصاعد أذان الفجر يصدح في الأرجاء، معلنًا بداية يوم جديد. تململ عبد الرحمن من نومه العميق، استقبل النداء الروحاني بقلب خاشع، وقام ليتوضأ، ثم توجه إلى المسجد ليؤدي صلاة الفجر في جماعة، كما اعتاد على فعلها كل يوم. كان يدرك قيمة هذه اللحظات، وكيف أنها تمنح الروح سكينة لا تضاهيها أي سكينة.
خرج عبد الرحمن من غرفته، ثم توجه بهدوء إلى غرفة شقيقته الصغرى حياة، لكي يوقظها حتى تؤدي صلاتها في وقتها هي الأخرى. دَقّ على باب غرفتها عدة دقات، لكنه لم يجد منها ردًا كعادتها كل يوم. ابتسم ابتسامة خفيفة، فقد اعتاد على هذا المشهد. فتح الباب ببطء، واقترب من فراشها، ثم نادى عليها بصوت هادئ وهو يهزها برفق من إحدى كتفيها لتفيق: "حياة، يا حياة، اصحي يا بنتي، الفجر هيأذن، يلا عشان تصليه حاضر."
ردت هي بنعاس، وما زالت عيناها مغلقتين بإحكام: "لا سيبني شوية صغننين بس وهبقى أقوم."
نظر هو لها بطرف عينيه، وعلى شفتيه ابتسامة حانية على فعلتها التي تكررها كل يوم. تحدث بمشاكسة: "كل يوم نفس الموال يا بنتي! اصحي، هتأخر على صلاة الجماعة، الإمام خلاص هيقيم الصلاة."
لكن حياة كانت في عالم آخر، ولا حياة لمن تنادي. لقد نفد صبره منها، فقام بحملها بين يديه مثلما يفعل كل يوم. فقد اعتاد على هذا الوضع، فكل صباح يأتي ليوقظها لتؤدي صلاتها، وهي تظل نائمة، لينتهي به الحال وهو يحملها بين يديه ويضعها أمام حوض الغسيل لكي تتوضأ. وضعها أمام حوض الغسيل، ثم بدأ بضرب وجهها بالمياه حتى فاقت من أثر المياه الباردة التي نزلت على وجهها.
نظرت هي له بضيق، ثم أردفت بتذمر: "في حد يصحى حد بالشكل ده؟ مش قلت لك مييييية مرة بلاش كده يا أبيه!"
أطلق هو ضحكة عالية وهو ينظر لهيئتها المبتلة بالمياه، وقال: "كل يوم هيحصل فيكي كده لو مصحيتيش من أول مرة صحيتك فيها. يلا يا حلوة اتوضي وصلي، وأنا كمان هنزل أصلي وهبقى أجيب الفطار معايا وأنا جاي."
ابتسمت هي له بمشاكسة، وأردفت: "جيب لنا طعميييية سخنة، أوعى تجيبها باردة ومزيتة زي كل يووووم!"
نظر هو لها ثم ابتسم، وأردف: "من عيوني يا حياتي، يلا سلام عليكم."
"يلا يا حياة تعالي افطري يا بنتي، هتأخر، عندي أول محاضرة النهاردة."
أجابته هي من الداخل على عجلة: "حاضر حاضر يا أبيه، جاية أهو!"
بعد وقت قليل، خرجت وقد أصبحت جاهزة تمامًا. جلست بجانبه على السفرة لتفطر، وبعدها نظرت إليه نظرة رقيقة، ونطقت بصوت ناعم: "بقولك يا عبدو..."
ضيّق هو عينيه ونظر لها بريبة، وأردف: "ها قولي يا آخرة صبري، طالما فيها عبدو يبقى عايزة حاجة."
ابتسمت هي وقالت: "بصراحة أه، هما حاجتين مش حاجة واحدة."
نطق عبد الرحمن وقال لها: "قولي يا ستي، كلي آذان صاغية."
أردفت تقول بلا مقدمات: "عايزة أخرج يا عبدو، أنا زهقت من قعدة البيت دي، مش بعمل حاجة غير إني أروح الكلية وأرجع أقعد في البيت أذاكر. نفسي أخرج أتفسح وأشم هوا."
رفع هو حاجبيه وأردف بتساؤل: "امممم، وعايزة تخرجي فين بقى يا ست حياة هانم؟"
ردت حياة بسعادة: "عايزة أروح الملاهي وحديقة الأزهر."
وافق عبد الرحمن: "ماشي يا ستي، إن شاء الله هوديكي بس مش النهاردة، يوم الجمعة بإذن الله."
صفقت حياة بسعادة على يديها بحماس: "هييييي، يعيش عبدو يعيش يعيش يعيش!"
ضحك عبد الرحمن: "خلاص يا لمضة، ها إيه الحاجة الثانية بقى؟"
نظرت حياة له بحذر، ثم تحدثت بهدوء: "امممم، نهلة بنت عم إسماعيل جارنا..."
تساءل هو باستفهام: "مالها؟"
أجابته حياة على الفور دون مقدمات: "بنت كويسة يا عبدو ومحترمة، ومتربيين سوا، وعارف أخلاقها، وأنا نفسي أفرح بيك."
رد هو عليها بغضب طفيف: "أنا قلت لك ما تفتحيش معايا الموضوع ده دلوقتِ يا حياة. أنا مش هتجوز غير لما أطمن عليكي الأول، وأسلمك بنفسي للإنسان اللي يستاهلك. ساعتها بس هفكر في موضوع الجواز ده."
حياة: "يا عبدو، أنت هتفضل شايل همي لحد إمتى؟ ويا سيدي اطمن، أنا مش عايزة أتجوز، أنا عايزة أفضل عايشة معاك طول العمر."
ابتسم عبد الرحمن وأردف: "خلاص يبقى أنا كمان مش هتجوز برده طالما أنتِ مش عايزة تتجوزي، وخلينا كده بقى."
ارتفعت ضحكاتها عاليًا ثم أردفت: "طيب خلاص يا عم، ما تزوقش الله."
• "طيب يلا يا ستي كملي أكلك، وأنا هقوم ألبس، خليني أوصلك جامعتك وألحق أروح شغلي."
_________
فاقت من نومها، أو بالأحرى من غفلتها، تنظر حولها في ذهول لتجد نفسها في مكان ليس مكانها، لا تعلم من الذي أتى بها إلى هنا. تلتفت حولها وهي تقول بعدم تذكر: "إيه ده، أنا فين؟ وإيه جابني هنا؟ وإيه اللي حصلي؟ أنا مش فاهمة حاجة."
وفجأة، جحظت عيناها وتسمرت في مكانها وهي تنظر لنفسها، فتجدها عارية تمامًا، وبجوارها ذلك الشاب الذي ذهبت معه البارحة إلى تلك الحفلة.
صرخت فيه بعنف، ودفعته بيدها وهي تناديه باسمه: "أيااااااااد!"
قام هو مفزوعًا إثر صرخاتها عليه، ثم تحدث بحدة يزجرها: "إيه إيه؟ في حد يصحى حد بالشكل ده؟ مالك بتصرخي كده ليه يا بومة أنتِ؟"
تحدثت إليه باكية وهي تنظر له: "إياد! إيه اللي حصل؟ أنا جيت هنا إزاي؟ وإيه اللي عمل فيا كده؟ أنا مش فاكرة حاجة."
فأجابها هو ببرود وهو يعطيها ظهره لكي يكمل نومه: "عادي، تلاقينا جينا هنا بالليل كملنا سهرتنا."
قاطعته شذى بعصبية، وهي تدفعه بعنف: "يا حيوان! وأنت إزاي أصلًا تجبني هنا وتعمل فيا كده؟"
فرد هو أيضًا بعصبية مماثلة لها وهويقول: "والله يا أختي أنا ما ضربتكِش على إيدك علشان تيجي معايا هنا، أنتِ جاية معايا بمزاجك، ما غصبتكيش على كده."
نظرت هي له باشمئزاز، ثم أردفت: "أنت واحد ندل وحيوان، أتفو عليك يا شيخ! ضيعتني، وضيعت مستقبلي، منك لله!"
نظر إياد لها باستفزاز وهو يطالعها بحقارة: "طيب ليه كده يا حلوة؟ ما تخلينا حلوين مع بعض أحسن زي ما كنا إمبارح؟"
نظرت شذى بصدمة وهي تنظر له: "أنت... أنت قصدك إيه بكلامك ده يا حيوان؟"
ليجيبها هو ببرود: "قصدي إن اللي حصل حصل، والندب بتاعك ده مالهوش لازمة ولا فايدة دلوقتِ. يعني يا حلوة تخليكي لذيذة كده وتسكتي، وكأن ما فيش حاجة حصلت، ونفضل سوا زي ما احنا..."
شهقت شذى بفزع وهي تضع يدها على فمها، ثم صرخت به بغضب: "يعني إيه ما حصلش حاجة؟ أنت لازم تصلح غلطتك معايا، ولا هوديك في داهية وهبلغ عنك يا حيوووان أنت!"
نظر إياد لها بحقارة، ثم تحدث ببرود: "تؤ تؤ تؤ، لا، صوتك يعلى هخرسهولك، أنتِ فاهمة؟ وبعدين غلطة إيه اللي أصلحها لكِ؟ أنتِ اتجننتي يا بت أنتِ؟ أنا مش بتاع جواز يا قطة. عاجبك نفضل سوا على كده، عاجبك. مش عاجبك يبقى في داهية.
وبعدين بلّغي أنتِ اللي هتتفضحى مش أنا، خصوصًا لما أقول إنك كنتِ جاية معايا بمزاجك وإن اللي حصل حصل بإرادتك."
نظرت له باستحقار، ثم أردفت تقول له: "أنت واحد ندل وحقير وزبالة. أنا غلطانة إني عرفتك أصلًا، ووثقت في واحد حيوان زيك منك لله!" ثم ارتدت ملابسها، ولملمت أشياءها، وذهبت إلى حيث أتت.
 
______
"يلا يا ستي انزلي، ولما تخلصي محاضرات كلميني عشان أجيلك."
حياة بابتسامة: "ماشي يا حبيبي."
عبد الرحمن: "خلي بالك من نفسك يا حبيبتي."
نطقت هي تقول بابتسامة: "حاضر يا عبدو، مع السلامة." ثم دخلت إلى جامعتها، ودلفت حيث محاضرتها. ظلت تدور بعينيها تبحث عن صديقتيها، ولكنها لم تجد أيًا منهما. ذهبت إلى مكانها الخاص لكي تجلس به، ثم التفتت إلى إحدى زميلاتها وتساءلت بعفوية: "هو الدكتور لسه ما وصلش؟"
ردت سلمى الجالسة بجوارها: "لا، لسه ما جاش لحد دلوقتِ."
تنهدت حياة براحة ونطقت: "أوووف، الحمد لله كنت خايفة تكون المحاضرة بدأت وانطرد."
ردت عليها سلمى بضحك: "طول عمرك محظوظة يا حياة، الدكتور دائمًا يتأخر لما أنتِ توصلي متأخرة على المحاضرة."
حياة بغرور مصطنع: "طبعًا يا بنتي أمال إيه!" ثم أردفت مرة أخرى بتساؤل: "بقولك إيه، أمال فين شذى ومنى؟"
رفعت سلمى كتفيها للأعلى دليلًا على عدم معرفتها: "ما أعرفش والله، ما جوش ليه لحد دلوقتِ."
أجابتها حياة باستغراب: "غريبة، دول أول مرة يتأخروا كده."
سلمى بلامبالاة: "فكك، زمانهم جايين."
وأثناء حديثهما، دلف الدكتور وبدأت المحاضرة
______
كانت صديقتها تحتضنها وهي تبكي بعنف، والأخرى تربت على ظهرها برفق وتتساءل: "اهدي بس يا شذى، وبطلي عياط، وقولي لي مالك بس. أنا سايباكي إمبارح كويسة، حصل إيه لكل العياط ده؟"
أجابتها شذى ببكاء أكثر وهي تتشبث بها: "حصل إني ضعت يا منى، وأنا اللي ضيعت نفسي بيدي!" ثم انهارت في البكاء أكثر وهي ما زالت متشبثة في حضن صديقتها.
ربتت منى على شعرها برفق: "طيب اهدي بس يا حبيبتي، وقولي لي إيه اللي حصل بالضبط؟ فهميني إيه المشكلة عشان أقدر أساعدك."
أجابتها هي ببكاء: "إياد!"
انكمشت معالم وجه صديقتها وقالت: "ماله سي زفت ده، عمل لكِ إيه؟"
قصت عليها شذى ما حدث بينهما أمس وما عرضه عليها إياد بعدما حدث كل ذلك.
منى بفم مفتوح من الصدمة: "يا نهار أسود! إزاي ده يحصل؟ أنا يا ما حذرتكِ منه يا شذى وما سمعتيش كلامي! شوفتي آخرتها عمل فيكِ إيه الحيوان ده؟"
شذى بنحيب أكبر: "أعمل إيه بس أعمل إيه؟ خدعني وفهمني إنه بيحبني، ما توقعتش أبدًا إنه يعمل فيا كده يا منى."
منى بهدوء وهي تأخذها بين أحضانها وتربت على ظهرها بحنو: "طيب اسكتي واهدي، خلينا نفكر في حل للمشكلة دي، وإن شاء الله نوصل معاه لحل للمصيبة دي."

                    الفصل الثالث من هنا
تعليقات



<>