رواية جعلني ملتزمةالفصل الثالث3بقلم اسراء جمال
الفصل الثالث: قرار صعب وخيوط القدر
تصاعدت حدة صوت شذى، وكلماتها خرجت كصرخة يائسة: "أنتِ بتقولي إيه يا منى؟ مستحيل ده يحصل! مستحيل!" كان اقتراح منى أشبه بكابوس، شيء لا يمكن لشذى أن تستوعبه أو تتقبله.
قالت منى بنفاذ صبر، محاولة إيصال الحقيقة المرة: "ما فيش حل غير ده أصلًا، الزفت اللي اسمه إياد ده مستحيل يتجوزك، ده واد صايع ومش بتاع جواز."
ردت شذى بعناد، وعيناها تلمعان بدموع الغضب: "غصب عنه هيرضى، وإلا هبلغ عنه وهوديه في داهية."
قاطعتها منى بقوة، محاولة إفاقتها من غفلتها: "تبلغي عنه إيه؟ أنتِ اتهبلتِ في عقلك؟ هتفضحي نفسك وتخلي سمعتك هباب، والناس مش هتجيب اللوم عليه خصوصًا لو الحقير ده قال لهم إنك رحتي معاه بمزاجك، مش هينوبك غير الفضيحة وبس."
انهارت شذى باكية، وكلماتها تختنق في حلقها: "طيب أعمل إيه بس؟ أعمل إيه يا ربي في المصيبة دي؟"
قالت منى بحزن على حال صديقتها: "أنا وحياة ياما نصحناكي تبعدي عن الكائن البشع ده، وأنتِ عاندتِ وقلتي أهو بسلّي وقتي. أهو هو اللي اتسلى بيكي وخلع ابن الصرمة."
صرخت شذى، محاولة إيقاف سيل اللوم: "كفاية! كفاية يا منى! أنا مش ناقصة تقطيع، كفاية اللي أنا فيه ده. لو خالي عرف هيروح فيها."
أكدت منى: "ما قدامكيش غير الحل اللي قلتهولك يا شذى."
تساءلت شذى بمرارة: "طيب مين هيرضى يعملي العملية دي غير دكتور قذر أو دكتورة ما عندهاش ضمير؟"
فكرت منى قليلًا، ثم قالت: "أنا هتصرف وهدورلك على دكتورة كويسة وهقنعها تعملك العملية، وهقولها إن في واحد ابن حرام اتهجم عليكي واغتصبك وأنتِ ما قدرتيش تبلغي عشان ما تتفضحيش."
قالت شذى ببكاء متقطع: "اللي تعرفيه اعمليه يا منى، بس أرجوكي بلاش تجيبي سيرة لأي مخلوق، بالذات حياة. أوعي تقوليلها، دي ممكن تقاطعني، وأنتِ عارفة أنا بحبها قد إيه، ما أقدرش أبدًا إنها تبعد عني يا منى."
احتضنتها منى بحنان، وقالت مطمئنة: "ما تخافيش يا حبيبتي، والله عمري ما هقول لأي حد أي حاجة."
_________
"يلا يا حياة، تعالي عشان تتغدي."
أجابت حياة من الداخل على عجل: "حاضر حاضر يا أبيه، هغير وأجي أهو."
قال عبد الرحمن بمزاح: "بسرعة يا بت وإلا الأكل هيبرد!"
أجابت حياة بضحك وهي تدخل: "أديني جيت يا سيدي، ها عامل لنا عك إيه النهاردة؟"
قال عبد الرحمن بحزن مصطنع: "بقى كده يا حياتي؟ بقى أنا أكلي عك؟ طيب أنا مخصمك بقى."
بادرت حياة مسرعة: "لا لا، ده أحلى عك في الدنيا يا عبدو، تسلم لي إيديك."
قال عبد الرحمن بشقاوة: "لا أنا برده لسه زعلان بس ها."
حياة بتفكير: "امممم، طيب أصالحك إزاي؟"
أشار عبد الرحمن إلى خده.
قالت حياة بمرح: "بس كده؟ أموووه، أهو يا عم ولا تزعل نفسك أبدًا، وأنا عندي كام عبدو يعني؟"
عبد الرحمن بابتسامة: "ماشي يا بكاشة، يلا بقى عشان العك ما يبردش."
حياة بضحك: "أديك اعترفت على نفسك بذات نفسك!"
عبد الرحمن: "كلي يا بت بدل ما ألغي فسحة يوم الجمعة."
حياة بسرعة وقد علت الدهشة وجهها: "لا لا، أبوس إيدك، إلا الخروجة دي، ده أنا نفسي فيها من زمان!"
عبد الرحمن: "ماشي يا ستي، هنخرج ما تقلقيش، يلا كلي بقى."
_________
في مكان ما، كان مراد يجلس مع إياد، وعلامات الإعجاب بادية على وجهه.
قال مراد: "أنت طلعت جامد أوي يا إياد، عملتها إزاي دي يا ابني؟ دي بنت رخمة ومغرورة ومحدش بيقدر ييجي جنبها!"
رد إياد بغرور، وعلامات الثقة تكسو ملامحه: "وأنا أي حد ولا إيه يا ابني؟ ده أنا إياد النصراوي، يعني ما فيش واحدة تعدي من تحت إيدي كده بساهل، واللي أحطها في دماغي يبقى لازم أعلم عليها."
ضحك مراد: "لا ده أنت على كده تاخد الأوسكار بقى! بس ما قلتليش، هي عملت إيه لما صحيت وعرفت اللي حصل؟"
أجاب إياد ببرود، وكأن الأمر لا يعنيه: "عادي، فضلت تصوت وتندب وتقولي لازم تصلح غلطتك وكلام فاضي."
قال مراد: "إيه ده؟ وأنت هتعمل إيه فيها؟ أكيد مش هتسكت."
رد إياد بلامبالاة: "تخبط دماغها في الحيط. عايزة تفضل معايا كده أهلًا وسهلًا، مش عايزة فداهية. في غيرها كتير يتمنوا."
قال مراد بمكر، وعيناه تلمعان بطمع: "طيب ما تسيبها لي أجربها أنا كمان."
أجاب إياد ببرود: "أهي عندك يا أخويا، اشبع بيها." ثم أكمل بخبث: "بس لو عرفت..."
رد مراد وعيناه تلمعان بمكر: "هعرف أكيد، ما أنا لازم أدوق الحلويات أنا كمان ولا هو يعني حرام عليا؟"
________
"أيوة يا منى، فينك يا بنتي أنتِ والزفتة الثانية شذى؟ ليا يومين بتصل بيكم ما بتردوش وما بتجوش الجامعة، في إيه مالكم؟"
أجابت منى بارتباك: "ها لا أبدًا يا حياة، ما فيش، بس شذى كانت تعبانة شوية وما كانتش قادرة تنزل فأنا كنت معاها وكده وما قدرتش أسيبها وأنزل الجامعة وهي لوحدها."
قالت حياة بخضة وخوف على صديقتها: "شذى مالها يا منى؟ تعبانة فيها إيه؟ وما اتصلتيش وقلت لي ليه أنتِ أو هي؟"
منى: "ما تقلقيش يا حياة، دول شوية برد وهي خفت الحمد لله وبقت تمام، وهننزل الجامعة يوم الأحد بإذن الله."
تنهدت حياة براحة ثم أردفت: "طيب الحمد لله إنها بقت كويسة، أبقى خليها ترد على موبايلها عشان أطمن عليها يا منى بالله عليكي."
منى: "حاضر يا حبيبتي."
حياة: "يلا أنا هقفل عشان رايحة المسجد دلوقتِ، ولما أرجع هبقى أتصل عليها أطمن."
منى: "ماشي يلا سلام."
حياة: "سلام."
_______
عادت شذى إلى الجامعة، ولكن الفرحة التي كانت تظهّرها كانت تخفي وراءها بحرًا من التوتر والقلق. كانت كلماتها المتبادلة مع منى تحمل في طياتها سرًا ثقيلًا، سرًا يهدد حياتها بالكامل، بينما في الجانب الآخر، كانت حياة تعيش أيامها ببساطة، غافلة عن العواصف التي تضرب حياة صديقتها المقربة.
قالت شذى بسعادة مفرطة وهي تعانق منى، وكأنها تحاول إقناع نفسها بما تقول: "أنا مش مصدقة نفسي يا منى! أنا هطير من الفرحة!"
احتضنتها منى بسعادة وقالت: "الحمد لله يا شذى إننا اطمنا وطلعتي كويسة وما عملكيش حاجة الكلب ده. المهم تخلي بالك بعد كده من نفسك وتقطعي علاقتك بالقذر ده نهائي. المرة دي جات سليمة وفقد وعيه قبل ما يدمرك، المرة الجاية ما فيش مفر."
قالت شذى بلامبالاة مصطنعة: "ماشي يا منى حاضر، أوعدك إني هقطع علاقتي بيه نهائي. يلا باي بقى أنا همشي."
سألت منى باستغراب: "شذى، أنتِ رايحة فين؟ مش هتروحي؟!"
قالت شذى ببرود: "لا أنا رايحة الديسكو أسهر وأفرفش شوية. اليومين اللي فاتوا دول كنت مخنوقة وكئيبة أوي أوي وعايزة أفك عن نفسي وأفرفش شوية."
نظرت منى بصدمة، وكلماتها خرجت كتحذير: "ديسكو تاني يا شذى؟ تاني ديسكو؟ لا أنتِ بجد مش هتتعدلي غير لما يجرالك حاجة، وساعتها هتخسري نفسك وكل اللي حواليكي بسبب طيشك ده."
قالت شذى بلامبالاة: "ما تيجي تروحي معايا تغيري جو وتفككِ من الكلام ده."
اعترضت منى: "لا يا أختي، أنا آخري أروح النادي، أروح مطعم، أمشي على النيل. إنما ديسكوهات وسهر لنص الليل وكلام فاضي من ده ماليش فيه."
قالت شذى بعدم اكتراث: "طيب براحتك، أمشي أنا بقى، سلام."
تنهدت منى بنفاذ صبر: "طول عمرك عنيدة وما بتتعلميش من غلطك. براحتك يا شذى، خليكي كده لحد ما تضيعي نفسك." ألقت ما ألقت وتركتها ورحلت.
"ياااااه يا أبيه، الخروجة كانت حلوة بششكل، ربنا يخليك ليا يا رب."
قال عبد الرحمن: "ويخليكي ليا يا حبيبة أخوكي. يلا انزلي وخذي الأكل ده في إيدك، اطلعي حطيه على السفرة لحد ما أركن العربية وأطلع وراكي."
حياة: "ماشي يا أبيه."
حياة وهي طالعة على السلم، قابلت نهلة جارتهم. "نهولة، إزيك عاملة إيه يا حبيبتي؟"
نهلة بابتسامة: "الحمد لله يا حياة، أنتِ عاملة إيه؟"
حياة بمرح: "أهو يا ستي زي القردة قدامك أهو."
ابتسمت لها نهلة بهدوء، وكادت أن ترد، ولكن منعها صوت أخيها يأتي من خلفها ليردف بصوت هادئ: "معلش اتأخرت عليكي يا نهلة."
التفتت نهلة إلى أخيها النازل من فوق، وأجابت برزانة: "لا أبدًا يا حبيبي، أصلًا كنت واقفة بتكلم مع حياة." أخفضت حياة رأسها لأسفل بسرعة، وقالت بارتباك وصوت يكاد أن يسمع: "طـ... طيب عن إذنك يا نهلة، أنا هطلع وأبقى أكلمك بعدين."
نهلة بابتسامة: "ماشي يا حبيبتي، اتفضلي."
نطق مازن بشرود وهو ينظر لأثرها الراحل: "ها، يلا يا نهلة."
نهلة بغمزة: "يلا يا ميزو."
كادا أن يخرجا من باب العمارة، لكنهما وجدا عبد الرحمن داخلًا. نطق عبد الرحمن بمرح وهو يرى مازن: "أبو المزاميز! إزيك يا راجل، ما بنشوفكش من زمان يعني، فينك كده؟"
مازن بابتسامة: "إزيك يا دكتور، عامل إيه؟"
عبد الرحمن: "بخير الحمد لله، أنت أخبارك إيه؟"
أجابه مازن بهدوء: "الحمد لله، كله تمام بس كنت عايز أقولك إني عايز أجيلك أشرب معاك الشاي."
عبد الرحمن بترحيب: "تنور يا حبيبي في أي وقت."
مازن: "خلاص بإذن الله بعد العشا هاجيلك."
نطق عبد الرحمن برزانة: "اتفقنا يا حبيبي، هستناك."
في الملهى الليلي، دلفت شذى بخطوات واثقة مغترة، وجلست على البار وطلبت مشروبًا لها. أتى النادل لها بما طلبته، وظلت تحتسي الشراب حتى جاء إياد ووقف قصادها، وأردف ساخرًا منها: "إيه ده؟ الحلوة ما خدتش غير يومين بس بكاء على الأطلال ورجعت تاني؟ لا ده شكل الموضوع عجبك بقى وعايزة تجربي تاني." ثم أضاف غامزًا: "وأنا ما عنديش مانع نكررها تاني بس المرة دي وإحنا فايقين عشان نستمتع أكتر."
نظرت له شذى باشمئزاز، ونطقت بحدة وهي تقف أمامه بتحدٍ واضح: "غور من وشي عشان أنا مش طايقة أشوف خلقتك قصادي، ولو ما بعدتش عني الساعة دي هخلي اللي ما يشتري يتفرج عليك يا حيلتها."
رد إياد ضاحكًا بسخرية: "لا دي القطة بقت بتخربش وبتعرف تتكلم كمان! إيه يا حلوة مالك؟ مستنية حد تاني تقضي معاه الليلة دي ولا إيه؟ أها ما أنا فتحتلك الطريق عشان تعطّي براحتك."
قامت شذى من مكانها، وعفريت الدنيا يتنطط في وشها من كلامه، وبكل قوتها راحت ضرباه بالقلم على وشه، وقالت له: "لو قربت مني تاني مرة، أو شوفتني في مكان وجيت عندي، أو نطقت بكلمة واحدة عني، أنا هقتلك يا إياد، هقتلك، أنت فاهم؟" وتركته وذهبت.
إياد وهو يضع يده على خده وينظر إليها بحقد وهي ترحل: "يا بنت الـ... إن ما ربيتكِ على القلم ده وخليت حياتك سودة ما بقاش أنا إياد المنصوري."
"أهلًا أهلًا يا مازن، نورتنا يا راجل." أردف بها عبد الرحمن وهو يفسح الطريق لمازن لكي يدخل إلى غرفة الاستقبال.
مازن بمحبة: "ده نورك يا عبدو والله."
عبد الرحمن: "تسلم يا غالي، قولي بقى تشرب إيه؟"
مازن: "لا ولا حاجة، أنا جاي لك في موضوع كده على الواقف وهمشي على طول."
عبد الرحمن: "إيه يا راجل أنت بخيل ولا إيه؟ اصبر بس أنا هروح أجيب لنا كوبايتين عناب يروقوا علينا من الحر ده وبعدين قول اللي أنت عايزه."
بعد مدة قصيرة، أتى عبد الرحمن بالمشروب وقدمه لمازن. "ها يا سيدي، قولي بقى إيه الموضوع اللي كنت عايزني فيه؟"
مازن بتحمحم: "أحم، بصراحة كده يا عبد الرحمن أنا طالب القرب منك في الآنسة حياة."
عبد الرحمن بابتسامة وهو ينظر له: "وأنا يشرفني إني أديك أختي يا مازن، ومش هلاقي لها أحسن منك ولا هأمن على حياة مع حد زيك، كفاية إننا متربيين سوا وعارفين أصلك وفصلك. بس لازم طبعًا رأي حياة، واللي فيه الخير يقدمه ربنا."
مازن بسعادة من كلمات عبد الرحمن: "وأنا أوعدك يا عبد الرحمن لو حصل نصيب بإذن الله إني هكون عند حسن ظنك بيا وهاعملها بما يرضي الله وهأشيلها في عيني. خذ رأيها وبلغني عشان أجيب والدي ووالدتي ونقرأ الفاتحة."
عبد الرحمن: "تمام إن شاء الله، أنا هاخد رأيها وهبلغك في أقرب وقت."
مازن: "بإذن الله، أقوم أنا بقى، تصبح على خير."
عبد الرحمن مودعًا: "وأنت من أهله."
في الجامعة عند حياة.
حياة بابتسامة وهي تعانق شذى: "وحشاني يا وحشة، أسبوع ما أشوفكيش ولا أسمع صوتك، أنا بجد زعلانة منك."
شذى وهي تحتضنها: "أنتِ عارفة إن زعلك غالي عندي أوي، ما تزعليش مني، والله كنت تعبانة شوية وما قدرتش أكلمك، حقك عليّا."
حياة بحب: "ألف سلامة عليكي يا حبيبتي، خلاص مش زعلانة، بس أوعي تعملي كده تاني وتبعدي كده وتقولي عدولي."
شذى بمرح: "أوعدك يا قلبي مش هعمل كده تاني."
شذى بمزاح: "طيب يلا يا أختي نلحق المحاضرة أحسن لو الدكتورة دخلت قبلنا هتعمل مننا فراخ بانيه."
حياة بضحك: "يلا يا أختي."
