رواية جعلني ملتزمةالفصل الرابع4بقلم اسراء جمال
: عُقدة الزواج القسري
ما إن خرج عبد الرحمن والحاجة فاطمة وتركوا مازن وحياة بمفردهما في غرفة الجلوس، خيم صمت خجول على المكان، لا يقطعه سوى دقات القلوب المتسارعة.
نطق مازن ببعض من الخجل، كاسرًا حاجز الصمت: "إزيك يا آنسة حياة؟"
ردت حياة بارتباك، وصوتها يكاد يكون مسموعًا: "الحمد لله، بخير."
قال مازن بهدوء، وعيناه تبحثان عن الصدق في عينيها: "أنا كنت عايز آخد رأيك في موضوع الخطوبة، أنتِ موافقة عليّا ولا عبد الرحمن ضغط عليكي أو أجبركِ عليّا؟ ممكن تجاوبيني بصراحة؟"
ردت حياة بحياء وصوت واطٍ، وابتسامة رقيقة ارتسمت على شفتيها: "ها... لا أبدًا، أبيه عبد الرحمن ما ضغطش عليّا ولا أجبرني ولا أي حاجة. أنا صليت استخارة وحسيت في قبول، فقلت له إني موافقة."
ابتسم مازن بشدة، وغمرته سعادة غامرة: "طيب، عندك أي سؤال عايزة تسأليهولي قبل قراءة الفاتحة أو تستفسري عن أي حاجة؟"
أجابت حياة بنفي، بثقة: "لا، أنا عبد الرحمن حكالي عنك كل حاجة."
ابتسم مازن على ردها: "تمام وهو كذلك، يبقى نطلع نبلغهم إننا نقرأ الفاتحة."
بعد دقائق، خرجا هما الاثنان وأبلغا الجميع بموافقتهما، وعلى الفور، ارتفعت الأصوات بالتهاني والزغاريد. تم قراءة الفاتحة، وتحديد موعد عقد القران بعدما تنتهي حياة من امتحانات نهاية العام، لتتوج هذه اللحظة السعيدة بداية جديدة في حياتهما.
_____
مر شهر كامل، وها هي الامتحانات قد انتهت. جاء اليوم الموعود، يوم عقد قران حياة ومازن. كانت حياة في غرفتها تتجهز، وقلبها يخفق بين الفرح والخجل.
دخل عبد الرحمن الغرفة على حياة، وعيناه تلمعان بالفرحة والفخر. أردف بصوت يحمل البهجة: "ألف مليون مبروك يا حياة! كبرتِ يا بت وبقيتِ عروسة قمر اللهم بارك، وقريب هأشوف عيالك وأشيلهم على كتفي."
ردت حياة بخجل، وعلامات الفرحة تعلو وجهها: "الله يبارك فيك يا عبدو، عقبالك يا حبيبي يا رب لما أفرح بيك وأشيل عيالك."
نطق عبد الرحمن بابتسامة حانية: "إن شاء الله يا حبيبتي، أهم حاجة أطمن عليكي أنتِ الأول. يلا اجهزي بسرعة بقى عشان العريس وأهله زمانهم هينزلوا دلوقتِ، وخالد جايب المأذون وجاي في الطريق."
حياة: "ماشي يا حبيبي، هأجهز أهو. اخرج أنتَ استناهم بره على بال ما أخلص، ولو أصحابي وصلوا دخلهم لي أوضتي." ثم أضافت محذرة بمرح: "أوعى تسيبهم على الباب زي ما بتعمل، مش هأعرف أخرجلهم!"
ابتسم عبد الرحمن وأردف: "حاضر يا ستي، عشان خاطرك بس." ثم خرج من الغرفة.
بدأت حياة في تجهيز نفسها. ارتدت فستانًا طويلًا واسعًا من اللون البني الفاتح، وحجابًا من اللون الأبيض الزاهي. لم تضع أي مساحيق تجميل على وجهها، واكتفت فقط بمرطب الشفاه وقليل من الكحل، ولكنها بدت وكأنها بدر في تمامه، تشع جمالًا طبيعيًا.
بعد قليل من الوقت، سمعت طرقات على باب غرفتها، فنهضت سريعًا وفتحت الباب لتجد منى ونهلة يدلفان إليها. عندما رأتها نهلة بفستانها وحجابها الرقيق، أثنت عليها بإعجاب وأردفت بابتسامة حانية: "بسم الله ما شاء الله عليكي، قمر يا حياة، بتاخذي العقل بصراحة، يا بخت أخويا بيكي."
منى وهي تغمز لها: "إيه يا بت الجمال ده كله؟ الله أكبر، كده هتجنني العريس!"
ردت حياة بخجل منهما: "بس بقى يا جماعة أنا بتحرج والله!" ثم أكملت باستغراب وهي تنظر خلفهم: "إيه ده، أومال فين شذى؟ ما جتش معاكي ليه يا منى؟"
منى: "والله ما أعرف يا حياة، كلمتها كتير فونها مقفول، ورنيت على تليفونهم الأرضي محدش كان بيرد، رنيت على رقم خالها أسأله عليها برده مقفول، في الآخر اضطريت أجيلك لوحدي."
حياة بقلق: "أحسن يكون جرالهم حاجة يا بنتي، كنتِ روحيلها مهي جنب منك!"
منى: "ما تقلقيش، أنا بكرة لو ما ردتش هأروحلها البيت أسأل عليها."
حياة بزعل: "كان نفسي تحضر كتب كتابي."
نهلة: "خلاص بقى يا حياة ما تزعليش، تلاقي عندها ظروف منعتها تيجي."
وبعد ثوانٍ، سمعوا طرقًا على باب الغرفة فنهضت حياة وفتحت الباب لتجد الطارق عبد الرحمن وأحد شهود العقد، قد جاءوا ليأخذوا موافقتها.
عبد الرحمن: "حياة، المأذون وصل بره هو والعريس، وهنكتب الكتاب دلوقتِ، فكانوا عايزين يسمعوا موافقتك عشان يبدأوا في كتب العقد."
أردف الرجل المسن الواقف بجواره: "أنتِ موافقة يا بنتي نتمم العقد وأخوكي يكون وكيلك؟"
ردت حياة بخجل: "نعم موافقة."
أردف الرجل وهو يعود إليهم: "على خيرة الله نبدأ في إتمام عقد القران."
وبعد وقت قصير، تم عقد قران حياة لتصبح زوجة مازن شرعًا وقانونًا، وعلت الزغاريد المنزل وعم الفرح كل مكان به، لتتوج هذه اللحظة بداية رحلة جديدة في حياتها.
_________
في مستشفى ما، كانت تجلس شذى مع خالها الذي تجاوز الستين من عمره، يرقد على سرير المشفى ومعلق بيده أحد المحاليل. كانت عيناها لا تفارقانه، وقلبها يعتصره القلق.
تململ خالها رؤوف من نومه وقال بصوت واهن أرهقه التعب: "شذى... شذى..."
ردت شذى بلهفة وهي ترفع رأسها إليه: "خالو أنتَ فوقت؟ الحمد لله على سلامتك يا حبيبي، كده يا خالو تخضني عليك؟ أنتَ عارف إني ماليش في الدنيا غيرك، أنا كنت هأموت من قلقي وخوفي عليك يا خالي."
قال رؤوف بتعب: "هو إيه اللي حصلي يا شذى؟ أنا مش فاكر حاجة، آخر حاجة فاكرها إني كنت في المطبخ وفجأة وقعت."
ردت شذى بحزن: "جالك غيبوبة سكر يا خالو، ليه يا خالو ما أخدتش الدوا بتاعك؟ ليه بتهمل في صحتك كده؟"
رؤوف بوهن: "زهقت يا شذى من الدوا والعلاج يا بنتي."
شذى بزعل: "تقوم ما تأخدهوش عشان تتعب ويجرالك حاجة؟ عايز تسيبني لوحدي في الدنيا دي يا خالو زي ماما وبابا ما سابوني لوحدي؟" وبدأت تبكي.
ربت رؤوف على شعرها: "معلش يا حبيبتي، حقك عليّا، ما تزعليش يا شذى، مش بإيدي والله يا بنتي."
شذى وهي تمسح وجهها: "خلاص يا خالو مش هأزعل بس أرجوك تخلي بالك من صحتك وتاخد دواك في معاده بعد كده وتهتم بنفسك وصحتك يا خالو."
رؤوف بابتسامة حانية: "حاضر يا حبيبة خالو، هاخد العلاج في معاده ومش هأبطله بعد كده أبدًا." ثم أردف بتساؤل: "ال... قولي لي صحيح، إحنا جينا المستشفى إزاي؟"
ردت شذى بهدوء: "أنا كنت راجعة من النادي لقيتك واقع في الأرض، فضلت أفوق فيك ما فوقتش خالص، فنزلت ندهت لعم مسعد البواب شالك معايا ووقف لنا تاكسي وجبتك على المستشفى، ليك يومين في غيبوبة يا خالو، وكنت هتجنن عليكِ. أنا هأقوم أشوف الدكتور ييجي يطمنا عليك دلوقتِ وتقدر تخرج ولا لأ."
رؤوف: "ماشي يا بنتي روحي."
بعد أسبوع من خروج رؤوف من المستشفى، تحسنت حالته بفضل الله ثم شذى التي كانت ملازمة له طول هذه الفترة، ولم تخرج من المنزل أبدًا، حتى هاتفها لم تهتم أن تتطلع عليه لتعرف من هاتفها أثناء غيابها كل هذه المدة. لكنها قررت، بعدما فتحت هاتفها ووجدت عدة رسائل كثيرة من حياة ومنى، أنها ستذهب لتزور حياة في بيتها وتبارك لها وتعتذر عن عدم حضورها لعقد قرانها.
فقالت شذى لخالها: "خالو، أنا خارجة رايحة لحياة صحبتي وهاجي على طول، محتاج حاجة مني قبل ما أنزل؟"
رؤوف بابتسامة: "لا يا حبيبتي، روحي ما تقلقيش، أنا كويس الحمد لله ومش محتاج حاجة."
شذى بإلحاح: "متأكد يا خالو إنك مش هتحتاج حاجة وما أنا مش موجودة؟"
رؤوف: "صدقيني يا شذى أنا بخير والله، روحي أنتِ شوفي صحبتك وما تتأخريش وخلي بالك من نفسك."
شذى وهي تقبل رأسه: "مش هأتأخر، ساعة بالكثير وهأكون عندك يا خالو، ولو احتجت حاجة قبل ما أرجع رن لي في ثانية هتلاقيني قصادك."
رؤوف: "ماشي يا حبيبتي، يلا انزلي عشان ما تتأخريش."
شذى: "ماشي يلا باي يا حبيبي."
_______
فى نفس الوقت ذهب حياة لعبد الرحمن واردفت تقول له: "عبدو أنا خارجة، مازن مستنيني تحت في العربية، عايز حاجة يا حبيبي؟"
عبد الرحمن بابتسامة: "لا يا حبيبتي، عايز سلامتك بس، أبقي خلي بالك من نفسك."
ردت عليه حياة بضحك: "هو أنا خارجة لوحدي يا عبدو؟ ده أنا خارجة مع جوزي!"
نطق عبد الرحمن بضحكة عالية: "بسم الله ما شاء الله! 'جوزي' بقت تخرج منك أهي من غير تلجلجة ولا كسوف! بركاتك يا شيخ مازن!"
حياة بخجل وهي تفرك يديها: "على فكرة بقى يا عبدو أنتَ رخم!" ثم رحلت من أمامه بسرعة البرق، تاركة وراءها ضحكات أخيها.
بعد ساعة، كانت شذى تقف أمام باب شقة حياة وتقرع الجرس. وبعد وقت قليل، فتح عبد الرحمن الباب. وما إن لمح أنها امرأة، غض بصره ونزل به للأسفل وأردف بهدوء: "خير يا آنسة، عايزة حاجة؟"
ردت شذى بضيق من تصرف عبد الرحمن: "أه، عايزة حياة، هي موجودة؟"
نطق عبد الرحمن بأدب: "لا، حياة مش موجودة، خرجت من شوية."
نطقت شذى بعفوية: "طيب تمام، أنا ممكن أدخل أستناها جوه لحد ما تيجي؟"
عبد الرحمن بتحمحم: "أحم... لا مينفعش حضرتك، لأن محدش في الشقة غيري."
شذى ببرود: "أها وإيه المشكلة يعني؟"
عبد الرحمن بضيق: "المشكلة إن مينفعش ست تقعد مع راجل غريب عنها في مكان مقفول عليهم لوحدهم."
قالت شذى بغضب، وعلامات الاستياء تظهر على وجهها: "إيه الجهل والتخلف بتاعك ده يا أخ أنتَ؟ إحنا في القرن العشرين مش في أيام الجاهلية!"
عبد الرحمن بنفاذ صبر: "والله أنا بنفذ ديني اللي ربنا ورسولي أمرونا بيه. وعن إذنك بقى لأن وقفتنا كده مش كويسة." وأغلق الباب في وجهها.
شذى بغيظ وهي تعض على شفتيها: "والله إنك بني آدم عديم الدم والذوق، وأنا هأعرفك مين شذى!" وقبل أن ترحل، سمعت صوتًا يأتي من الأسفل، وكان هذا صوت حياة. فأتت لها فكرة طائشة لكي تأخذ حقها من عبد الرحمن، فأردفت بشر: "إن ما وريتك يا عديم الدم أنتَ ما بقاش شذى." ثم بدأت تمزق في ملابسها وتنفش في خصلات شعرها، ووقفت جنب باب شقة حياة تبكي بحرقة وتندب حظها حتى وصلت إليها حياة.
وصلت حياة ومعها مازن، وشاهدا المشهد الصادم. جريت حياة على شذى تسألها بلهفة وهي تحتضنها: "شذى حبيبتي، إيه اللي عمل فيكي كده؟ ومين مبهدلك بالشكل ده؟"
قالت شذى ببكاء مصطنع، أو كما يقال بكاء التماسيح، وشهيق مفتعل، نطقت بتقطع: "أخوكي يا حياة!"
حياة بصدمة، وعيناها تتسعان: "إيه؟ أخويا؟"
مازن وهو يرفع وجهه إليها ويقول بعدم تصديق: "نعم؟ بتقولي مين؟"
شذى ببكاء: "عب... عبد الرحمن!"
حياة بعينين مجحظتين: "مش... مش معقول عبدو يعمل كده! لا لا مش قادرة أصدق!"
شذى ببكاء أكبر: "يعني أنا بكدب عليكي يا حياة؟ هتبلّي عليه ليه يعني؟ كان بيني وبينه إيه عشان أتبلّي عليه وأقول عنه كده؟"
حياة وهي تخبط على باب شقتهم بانفعال: "عبد الرحمن! افتح! افتح يا عبد الرحمن بسرعة!"
فتح عبد الرحمن لها الباب، ثم نطق بفزع: "إيه يا حياة مالك بتخبطي كده ليه؟ في إيه؟ حصلك حاجة؟"
حياة بزعيق: "إيه اللي عملته مع شذى ده يا عبد الرحمن؟!"
عبد الرحمن باستغراب: "عملت إيه؟ أنا مش فاهم حاجة." وقبل أن ينطق بكلمة أخرى، ذهبت شذى إليه وقالت: "ضحكت عليّا ودخلتني شقتك وقلت لي حياة جوه، وطلعت بتكدب واتهجمت عليّا، وبعد كده رميتني قدام الشقة وقلت لي إياكِ تجيبي سيرة لحد وهددتني." وبدأت في البكاء مرة أخرى: "اهييييييئ... اهيييييييئ."
عبد الرحمن بصدمة وهو يشير إلى نفسه: "أنا؟ أنا عملتلك كده؟ استغفر الله العظيم يا رب!"
شذى ببكاء مصطنع: "أيوه أنتَ! أومال خيالك؟ وكمان بتستغفر وعامل نفسك شيخ؟ ربنا يسامحك يا أخي!"
حياة وهي تجذب يد شذى للداخل: "تعالي معايا يا شذى غيري هدومك دي وظبطي نفسك واهدي، وأنا هأشوف حل للمشكلة دي." ودخلتها غرفتها وسابتها تغير هدومها وتظبط نفسها وخرجت لعبد الرحمن ومازن الواقفان مذهولان، وكل منهما لا يصدق ما يحدث.
نظرت حياة لعبد الرحمن وأردفت بعصبية: "بقى كده يا عبد الرحمن؟ أنتَ تعمل كده؟ يا مثلي الأعلى، يا اللي دايما تقول لي الدين والشرع والحلال والحرام؟"
عبد الرحمن بصدمة أكبر من التي قبلها: "أنتِ... أنتِ يا حياة تصدقي عني كده؟ ما تقولها يا مازن! أنتَ كنت لسه بتقولي إيه؟ بقى مازن يقول لي إنه عمره ما يصدق كده عني، وأنتِ يا حياة أختي اللي أنا مربيها على إيدي وعرفاني وحفظاني كويس تصدقي عني كده؟"
حياة في نفسها: سامحني يا عبد الرحمن، لازم أعمل مصدقة لأني مش عايزة أخسر شذى، وعارفة أنك الوحيد اللي تقدر تعمل اللي فشلت فيه وتغيرها للأحسن. يمكن يا عبد الرحمن بظلمك بس مش عايزة شذى تضيع بسبب أفعالها وعمايلها دي. أنتَ الوحيد اللي هتقدر تغيرها وتحافظ على الحاجة الحلوة اللي جوهّا. سامحني يا أخويا. فاقت من شرودها وأردفت بانفعال: "أكدب عيني يا عبد الرحمن؟ مش شايف البنت متبهدلة ومنهارة إزاي؟"
عبد الرحمن بنفاذ صبر: "وأنا هأقولك لآخر مرة إني ما عملتلهاش حاجة، ويعلم ربنا إني ما لمستهاش ولا جيت جنبها ولا دخلتها من باب البيت أصلًا، وربنا شاهد ومطلع عليّا."
حياة بزعيق: "طيب لو أنا صدقتك، الجيران اللي اتلموا بره دول واتفرجوا علينا هتقول لهم كده؟ وهيصدقوا؟ لو واحد صدق يا عبد الرحمن عشرة مش هيصدقوا وهيطلع عليك وعليها كلام في الحتة مش كويس."
عبد الرحمن: "وأنتِ عايزاني أعملها إيه يا حياة دلوقتِ؟ مش هي اللي فضحتنا واتبلّت عليّا بالكدب؟"
نطق حياة بهدوء وهى تنظر له: "خلاص مافيش حل غير انك.. تتجوزها."
ليرد عبد الرحمن بصدمة: "إييييييييه؟!"
بينما تحدثت شذى بصدمة وهي تسترق السمع إليهم من الداخل: "يا نهار أسود ومهبب! لا لا لا أنا ماليش في الجواز والكلام ده، هي هتيجي على دماغي في الآخر ولا إيه؟ اسكتي يا حياااة، ما توديناش في داهية الله لا يسيئك!"
_________
في المساء، في منزل خال شذى، كانت شذى في غرفتها تمشي ذهابًا وإيابًا في حالة توتر، وهي تسترجع كلام حياة لها.
حياة بعدما أنهت حوارها مع أخيها، ذهبت إلى شذى الجالسة في حجرتها وأردفت: "خلاص يا شذى، أنا وعبد الرحمن هنيجي نطلب إيدك من خالك النهاردة، أنا ما رضاش عليكي اللي حصل من عبد الرحمن ده، هو غلط ولازم يصلح غلطه في حقك."
ردت شذى بتوتر وهي تبلع ريقها: "لا لا يا حياة، أنا خلاص مسامحاه ومش عايزة لا خطوبة ولا حاجة."
حياة بصرامة: "لا طبعًا، وأنا ما رضاش بعد اللي حصل ده والجيران كلهم عرفوا، إني أسوء سمعتك أنتِ وأخويا. انتوا لازم تتجوزوا ونلم الموضوع عشان محدش يتكلم لا عليكي ولا عليه.
وبعدين ما تخلينيش آخد موقف منك أنتِ كمان يا شذى، وأقولك لو ما وافقتيش على الجوازة دي انسى أنك تعرفيني تاني."
شذى برجاء، وعيناها تتوسلان: "لا يا حياة، أنتِ عارفة إني بعتبرك زي أختي وما أقدرش أبعد عنك، أوعي تتخلي عني، أنا ماليش حد غيرك يا حياة."
حياة بهدوء: "خلاص يبقى توافقي على جوازك من عبد الرحمن."
شذى بعدم رضا: "حاضر يا حياة، اللي تشوفيه، هوافق عشان خاطرك."
ابتسمت حياة بنتصار لانها استطاعت ان تؤثر عليهم وتجعلهم يخضعو لرغبتها
ثم تحدثت من جديد
"تمام يا شذى، قولي لخالك إن إحنا هنيجي نزوركم النهاردة بعد العشا بإذن الله."
شذى وهي تعود من شرودها: "إيه يا ربي الورطة السودة اللي أنا ورطت نفسي فيها دي؟ كان لازم يعني أمثل عليهم عشان أنتقم منه؟ أديني لبست فيه للأبد! يا دي المصيبة! يا دي المصيبة!"
في المساء في بيت شذى، جلس عبد الرحمن وحياة وشذى وخالها. خيم صمت تام، لا أحد ينطق ببضع كلمة. وفجأة، أردف رؤوف ليقطع هذا الصمت العجيب: "أحم، منور يا عبد الرحمن يا ابني، منورة يا حياة."
رد عبد الرحمن بهدوء: "ده نورك يا عمي."
حياة بمرح: "منورين بوجودك يا عمو." ثم بخفة نغزت عبد الرحمن في جنبه وهي تقول له من بين أسنانها: "ما تنطق وتقول للراجل إحنا جايين ليه، ولا هنفضل قاعدين هنا للصبح؟"
عبد الرحمن من بين أسنانه: "مش قادر، مش قادر أنطقها، حاسس إني روحي هتتسحب لو طلبت إيد البنت دي. بقى دي عملة تعمليها فيّا برده يا حياة؟"
حياة وهي تزغر له بعينها: "عبد الرحمن! أنتَ عايز تزعلني منك صح؟"
عبد الرحمن بغيظ: "الله يسامحك يا حياة، لولاكي والله أنا ما كنت وافقت على الجوازة دي أبدًا."
رؤوف: "هو في حاجة يا ولاد؟"
عبد الرحمن بتنحنح: "أحم، لا أبدًا يا عمي، بصراحة كده أنا كنت جاي طالب إيد..." وسكت، لم يستطع أن ينطقها (مسكين أنت يا ابني، لبست في واحدة مجنونة). ثم أكمل على مضض: "إيد الآنسة شذى بنت أخت حضرتك."
رد رؤوف بابتسامة واسعة: "ده أنا يشرفني ويسعدني يا ابني، بس المهم ناخد رأي العروسة الأول."
عبد الرحمن في سره: يا رب ما توافق.
رؤوف وهو ينظر لشذى: "ها يا شذى، إيه رأيك في طلب الدكتور يا بنتي؟"
شذى: كادت أن ترد بالرفض لولا نظرات حياة الحادة التى وجهتها إليها فنطقت شذى بحنق: "موافقة يا خالو."
رؤوف بسعادة: "يبقى على بركة الله، نقرأ الفاتحة."
نطق عبد الرحمن بصدمة: "بسسسسسرعة كده؟"
رؤوف باستغراب: "بسرعة إزاي يعني؟"
عبد الرحمن: "أحم، أقصد يعني مش هتفكروا تاني؟"
رؤوف بابتسامة: "يا ابني أنتَ أكيد طالما أخو حياة يبقى أخلاقك عالية زيها ومتلزم ومحترم زيها، وأنا مش هلاقي لبنتي شذى عريس زيك، وبعدين باين عليك إنك ابن ناس ومحترم ومتربي."
عبد الرحمن في سره: أها طبعًا، لازم توافق بسرعة، ما أنا المغفل اللي هتلبسهاله عشان تخلص منها ثم نفض ذالك الحديث من عقلة وأردف: استغفر الله العظيم يا ربي، البنت دي هتخليني آخد ذنوب من وراها كمان، مش كفاية هاخدها هي! نظر لرؤوف وقال ببتسامة مصطنعة: "متشكر جدًا يا عمي على ثقتك الكبيرة فيّا دي." ثم نظر لحياة وأردف بهمس: "بعض الناس المقربين ما عندهمش الثقة دي!"
رؤوف بابتسامة: "يبقى نقرأ الفاتحة دلوقتِ."
حياة بسعادة: "يلا نقرأها."
قرأ رؤوف وحياة الفاتحة، بينما عبد الرحمن وشذى ظلا كما هما، لم ينطق أحد منهما حرفًا واحدًا.
حياة بسعادة: "صدق الله العظيم! مبروووك يا عبد الرحمن!" وأقدمت تحتضن شذى: "ألف مبروك يا شذى يا قلبي أنتِ."
شذى ببرود: "الله يبارك فيكِ، شكرًا."
رؤوف وهو يحضن شذى: "ألف مبروك يا حبيبتي، ألف مبروك."
شذى: "الله يبارك فيك يا خالو."
حياة: "إيه رأيكم نخلي كتب الكتاب والفرح آخر الشهر، وهو خير البر عاجلاه، ولا إيه؟"
عبد الرحمن وشذى في نفس الوقت: "إيه؟! لا طبعًا مش موافق/ة!"
حياة وهي تنظر لهم بتحدٍ وتلوي شفتيها: "أها، شكلكم كده عايزين تزعلوني منكم؟"
عبد الرحمن وشذى بصوت واحد وقد استسلما لااوامرها : "خلاص موافقين."
حياة بانتصار: حبايبي الشاطرين كده عمري ما هزعل منكم أبدًا يا حبايبي (يا يخرب عقلك يا حياة طلعتِ مسيطرة!)
_________
"إيه ده؟ بتهزري يا شذى؟" أردفت منى هذه الكلمة وهي تحدث شذى في الهاتف بعدما علمت منها كل شيء حدث منذ صباح يوم أمس.
منى: "يا نهارك أبيض! بقى تتبلّي على الراجل علشان بس قفل الباب في وشك وما دخلكيش البيت؟"
شذى بغيظ: "أعمل إيه؟ كنت مفروسة منه وهو عملي فيها الشيخ الشعراوي وبيديني دروس في الدين وقفل الباب في وشي وخلى منظري وحش أوي."
منى: "تقومي تعملي كده وتفضحى الراجل وتفضحى نفسك يا غبية؟"
شذى بلامبالاة: "أهو اللي حصل بقى. وحياة مصدقت وصممت إنه يخطبني، لا والأدهى إيه؟ مصممة يكتب الكتاب آخر الشهر، يعني بعد 10 أيام يا منى! أنا وقعت في مصيبة."
منى بتشفٍ: "أحسن تستاهلي والله عشان تبقي تفكري في الحاجة قبل ما تعمليها. أنتِ دلوقتِ لو قلتِ لحياة الحقيقة عشان ما تتمميش الفرح هتزعل جدًا منك، ومش بس كده دي احتمال تنهي صداقتكم للأبد، عشان هي نصرتك على أخوها وصدقتك، لا ومش بس كده جبتلكِ حقك وخلته هيتجوزكِ، ده في اعتقادها كمان إن هو المذنب، متعرفش إن هو المجني عليه يا حبة عيني."
شذى بانفعال: "هو أنا بكلمك عشان تقطمينى يا منى؟ أنا بكلمك عشان تشوفلي حل!"
منى: "ما قدامكيش حل غير أنك تعترفي قدام حياة أنك اتبليتِ على أخوها."
نطقت شذى بسرعة: "لا لا طبعًا، أنا مستحيل أخسر حياة يا منى بسبب الموضوع ده."
منى: "يبقى ترضي بالأمر الواقع وتتممي الجوازة. وهو كده كده مش طايقك، شهر ولا اثنين وقوليلها إنكم مش مرتاحين مع بعض وسيبوا بعض."
شذى بتفكير: "ماشي يا منى، سلام دلوقتِ عشان تعبانة وعايزة أنام."
منى: "سلام."
