رواية عزبة الدموع الفصل الرابع4بقلم داليا السيد

رواية عزبة الدموع الفصل الرابع4بقلم داليا السيد

تعويض
فجأة شعرت بأن الرجل يتراجع بعيدا عنها نظرت فإذا بها برجل آخر يجذبه بعيدا عنها ورأت ألسنه النار من المطبخ تصل إلى الخارج لم تهتم وهي تجذب ملابسها عليها وتسرع إلى جيمي الذي تهيأ لها أنه ما زال ينبض، حاولت أن تجذبه إلى الخارج ولكنه كان ثقيلا 
لاحظت وسط فزعها أن الرجل الذى انقذها كان آدم الذي هزم الرجل ثثمأسرع إليها ووضع جاكتته عليها وقال "اخرجي، النار ستمسك بكل شيء" 
كانت الدموع تسيل بلا توقف وهي تصرخ "جيمي إنه ينزف لن أتركه" 
أمسكها من ذراعها بقوة وجذبها وهو يقول "اخرجي الآن إنه ميت" 
ولكنها أصرت وهى ترى رجلان يندفعان إلى الداخل ويحاولان إطفاء الحريق وقالت "لا، لن أتركه، لا يمكنني أن أتركه" 
ولكنه جذبها بقوة إلى الخارج وهي تنهار وتحاول أن تقاومه ولكنه أبعدها إلى الخارج بقوة وعاد للداخل وهي تنهار من خوفها وحزنها على جيمي وبعد فترة وجيزة كانت الحريق قد خمدت وخرج آدم وهو يحمل جيمي ليضعه على الأض 
أسرعت إليه ولكنه أبعدها وقال "لقد مات" 
صرخت بين ذراعيه "لا، جيمي لا، إنه من تبقى لي، جيمي، جيمىدي، لا تذهب أنت أيضا أرجوك جيمي" 
ولكنه ظل يمسكها وهى منهارة إلى أن سمع صوت رجل "آدم بيه، سعدون أصيب بشدة من النيران لابد من نقله للمشفى"
تركها وقال "وماذا تنتظر هيا بسرعة خذ سيارتي وأسرع به هيا" 
سأله الرجل "وأنت" 
أجاب باهتمام "لا تشغل بالك، بي هيا تعالى نخرجه سويا" 
تركها فسقطت بجانب كلبها الوفي الذي أمضت حياتها كلها بجانبه،  لحظات مرت وهي لا تشعر بشيء إلى أن شعرت بيده وهو يجذبها ويقول "هيا لا يمكن بقائك هنا" 
لم تنهض معه وقالت "لن أتركه" 
قال بنبرة لينه "سأرسل رجالي لإحضاره ودفنه لكن الآن لابد أن نذهب لا داعي لبقائنا لقد تدمر البيت"
قالت بإصرار "أخبرتك أني لن أتركه سأذهب معه" 
ثار وهو يجذبها بقوة "ألن تكفى عن عنادك هذا الذي هو سبب كل ذلك؟  هيا" 
نهضت أخيرا حتى وقفت أمامه وهى تنظر إليه بدموعها والتقت بعيونه الغاضبة وقالت "وأنت ألن تكف عن كلامك هذا واتهاماتك التي لا أعلم اسبابها؟ ابتعد عني واتركنىدي فلأموت الآن لا يهمني المهم أن أبتعد عنك فأنا أكرهك ولا أطيق وجودك، لا تظن أنه لأنك أنقذتني سأحترمك أو أعيش مدينة لك وانحني أمامك، لا لن يحدث لن أحترمك ولن أبقي،  اتركني، اتركنى لا أريدك أنا أكرهك"
وأخذت تهذي بكلمات لا معنى لها فأدرك أنها انهارت وازدادت رائحة الدخان بعد إطفاء الحريق فشعرت باختناق وبدأت الدنيا تدور حولها وكأن السماء تسقط على الأرض وهي تسقط معها 
تلقاها بين ذراعيه وأدرك أنها انهارت مما أصابها، حاول أن يفيقها ولكنها لم تستجب فحملها إلى سيارتها ووضعها بالداخل ثم ركب وبالطبع لم يبحث عن المفتاح وإنما قطع بعض الأسلاك وأدار السيارة إلى فيلته ..
وصل فيلته فحملها وقال للغفير "ادخل السيارة الجراج" 
رد الحارس باحترام "حاضر يا بيه" 
قابل سيدة في أوائل الخمسينات في طريقه فابتعدت وهي تراه يحملها ويضعها على الأريكة، أحضر بعض الماء ورش بعضه على وجهها ثم بعض العطر إلى أن أفاقت ...
رأته أمامها ففزعت وكادت تنهض ولكنها شعرت بصداع، ارتخت قليلا ثم نهضت جالسة بضعف لترى ما حولها وقالت "أين أن؟ جيمي، أين جيمي؟" 
ابتعد وهو يشعل سيجارته بينما اقتربت المرأة منها وقالت "اهدئي يا فتاة ولا تخشين شيء، من جيمي هذا؟ آدم من هذه الفتاة؟ وماذا حدث؟" 
انهارت في البكاء فنظر إلى المرأة العجوز وقال "رنين ابنة الأستاذ محمد حلمى شريكي، المصور الذي جاء إلى العزبة من عدة سنوات يا عمتي أنتِ تعرفيه" 
جلست المرأة بجانبها وربتت عليها وقالت "اهدئي يا فتاة، ما الذي حدث لكم وملابسكِ هذه! ماذا حدث؟"
لم تنظر للمرأة وقد تذكرت ما أصابها، شدت جاكتته عليها من ملابسها الممزقة وزادت دموعها بينما قال "لقد تهجم عليها أحدهم واحترق بيتها ومات كلبها بسببه" 
ربتت المرأة عليها وقالت "يا الله يا رحيم! يا مسكينة"
نظر إليها من وراء دخان سيجارته وقد تملكه شعور قوي بالغضب مما حدث فقال "هل أصابك شيء من ذلك المجرم؟ أقصد.." 
ولم يكمل ففهمت ما يعنيه فلم تنظر إليه وقد احمر وجهها، هزت رأسها نفيا فنفخ دخان السيجارة وقال بنفس الغضب والشك يملؤه "أخبرتك أنه لا يمكنكِ البقاء وحدك وأنتِ بعنادك وجموحك هذا لم تنصتي، كان لابد ألا أسمع لكلامك" 
لم تستسلم لكلماته وقالت بحزن "أريد كلبي"
ثار بغضب "أنتِ لا فائدة منكِ أبدا" 
لم يكمل حتى اندفع الرجل الذي كان معهم ببيتها وحمل الآخر إلى المشفى، اندفع الرجل إلى داخل البيت وهو يقول "آدم، لقد اندفع سعدون إلينا وقت الحادث وترك ماكينة الري دون غلقها والأرض تكاد تغرق" 
هب واقفا ليخرج لولا أن قالت بغباء لم تدركه إلا بعد فوات الأوان "أرجوك لا تذهب قبل إحضار كلبي"
نظر إيها وانفجر بها من الغضب الذي وصل لذروته "من أنتِ؟ جماد لا يشعر؟ حقا أنتِ مجرد شخص أناني ولا تعلمي أي شيء عن المسؤولية، أناةفقدت أحد رجالي بسببك وأرضي تكاد تغرق أيضا بسببك وأنتِ لا تفكرين إلا في كلب؟  ألا تفهمين أي شيء عن المسؤولية ولا الإحساس بالآخرين؟" 
نظرت إليه بغضب من إهاناته ونهضت وهي تقول بقوة "كفى إهانات، أنا لا أسمح لك، أنت الذي لا تفهم أي شيء عن المشاعر والإنسانية، إنه كلبي؛ شريك حياتي وأنا لا يهمني أى شيء لأني لست سبب أي شيء، أنا لم أطلب من ذلك المجرم أن يتهجم علي ولا أنا من أشعل تلك الحريق ولا إصابة رجلك هذا وأنا راحلة لن أبقى هنا يوما آخر لترتاح مني وارتاح منك" 
اندفع إليها بدون وعي وأمسكها من ذراعها وقال "ومن قال أني سأترككِ ترحلين؟ ليس قبل أن تدفعى ثمن ما سببه غرورك وتهورك" 
حدقت بعيونه وقالت بتحد أثار جنونه أكثر "وأنا سأدفع لك فقط حدد المبلغ" 
لاحت السخرية على شفتيه وقال "علىاأساس أنني ينقصني المال؟" 
خلصت ذراعها منه وقالت وهي ما زالت تنظر بعيونه الغاضبة كما كانت هي "ماذا تريد إذن؟" 
قال وهو لا يعلم من أين أتى بتلك الفكرة ولماذا؟  ولكنه لا يريدها أن ترحل ولا يعلم أيضا لماذا فكر ونفذ "أنا فقدت رجلا وأنا الآن بحاجة لمن يقوم بعمله ولأنه لا وقت لإحضار سواه ستقومين أنتِ بالعمل بدلا منه للتعويض عنه وبما أنكِ مهندسة فأعتقد أنكِ ستبلين جيدا، ربما وقتها تشعرين وتتعلمين معنى المسؤولية" 
فتحت فمها ببلاهة وتراجعت العمة والرجل الآخر دون أن يجرؤ أحد على التدخل ولم يمنحها أي فرصة للتفكير وإنما أكمل بغضب "استعدي، سيأتي عم صابر ليأخذك إلى حيث مكانك بدلا من سعدون أم أن فتاة المدينة لا تقوى على مواجهة صعوبات الريف؟"
لم تقو على الرد وهي ما زالت فى حالة من الذهول بينما رحل هو والرجل خلفه بصمت ظلت تنظر إلى حيث ذهب وهي تحاول أن تستوعب ما يحدث لها إلى أن شعرت بيد المرأة على كتفها
فزعت وهي تستدير فقالت المرأة "اهدئي يا فتاة،  يبدو أنكِ أغضبتيه لدرجة أنه لم يعي ما يقول أو يفعل"
أبعدت عيونها عن المرأة وقالت "إنه ذلك الشعور بالكراهية الذي يتملكه تجاهي منذ أن رآني بدون أن أعلم سببه، أنا فقط حزينة على كلبي" 
قالت المرأة "أعلم ولكنه محق لا يمكن أن تفكري في كلب وتنسي أن هناك حياة رجل وراءه أسرة يعولها وأنتِ تجاهلتِ هذا الأمر فزاده غضبا على غضبه" 
أدركت أنها انجذبت وراء أحزانها علي جيمي ولم تفكر في ذلك الرجل المسكين، أغمضت عيونها ولم ترد وهي تجلس على طرف الأريكة
قالت المرأة "لا تقلقي يمكنني أن أتحدث معه وأقنعه ألا يفعل بكِ ما قاله أنتِ فتاة ولا يمكنكِ القيام بأعمال الرجال" 
نظرت إليها ورفعت رأسها بتحد وقالت "لا من فضلك أنا قادرة على أن أفعل أي شيء وكل شيء" 
ربتت المرأة على كتفها وقالت "كما تشائين، من الواضح أنكِ عنيدة ولا تسمعين إلا لنفسك، هيا تعالي لتغتسلي وتغيري هذه الملابس سرعان ما سيرسل في طلبك أتمنى أن أجد عندي ملابس تلائمك" لم تعترض وهي تتبع المرأة 
اندفع مع صابر على عربته التي يجذبها الحصان، كان غاضبا منها إلى أقصى حد وكذلك ما حدث وتهجم ذلك الرجل عليها، ولكن ما أثاره أكثر فكرة رحيلها، لا يعلم لماذا لا يريدها أن تذهب رغم أنه كان يطالبها بذلك ولكن الآن لا يريدها أن تذهب ولا يعلم السبب؟ ولماذا هذه القسوة التي يعاملها بها؟  ولكنه تذكر كلمات المحامي سالم إليه قبل أن تأتي هي هنا
فلاش باك
أجاب آدم رنين هاتفه "ألو، أهلا سالم بيه كيف حالك؟"
رد سالم "بخير، بصراحة أنا أطلبك لخدمة لا علاقة لها بالعمل" 
قال بهدوء "ترى ما هي؟" 
قال الرجل "رنين ابنة شريكك ستأتي غدا إلى العزبة للبقاء بها عدة أيام بصراحة هي فتاة جامحة ومغرورة ولا تسمع لأحد، كثيرا ما نصحتها ولكنها لا تسمع إلا لنفسها والدها دللها كثيرا ومنحها من ملذات الحياة ما جعلها تعيش حياة الترف لذا أرجو أن تنال حمايتك فأنا أخشى عليها من بقائها وحدها فترة تواجدها عندكم أي تصبح أنت المسؤول عنها فقط من أجل والدها" 
نفخ وهو يشعر بالضيق فهو لن يعيد الكرة مرة أخرى، فتاة لا تتحمل حياة الريف ولا يهمها إلا المتعة بدون أي وعي
سمع صوت الرجل "آدم بيه هل ما زلت معي؟ الو.." 
أجاب ببرود "نعم أنا معك، حاضر أستاذ سالم سأفعل" 
عندما أغلق كان صابر الذي يلازمه منذ أن مات والده ينظر إليه وقال "ماذا يريد؟" 
نظر آدم إليه وقال "حمايتي لابنة محمد حلمي، يقول أنها فتاة طائشة ومغرورة ويريد مني أن أحميها حتى تعود" 
ربت الرجل على كتفه وقال "آدم لا تخلط الأمور" نظر إليه ولم يرد ..
باك
أعاده صوت صابر إلى الحاضر وهو يقول "آدم هل تهدئ السرعة؟"
انتبه إلى سرعة العربة شد اللجام بمهارة فقال الرجل "ألم تكن قاسيا معها بعض الشيء" 
لم ينظر إليه وهو يقول "عليها أن تتعلم أي شيء عن المسؤولية" 
قال صابر"ليس بهذه الطريقة لن تتحمل"
لم يهدء غضبه وهو يقول "عندها ستتعلم ألا تكابر وتجمح غرورها الذي لا حدود له لابد أن تدفع ثمن أخطائها"
قال الرجل بهدوء "ألا تظن أنك تبالغ؟ ليس لها يد فيما أصابها، الفتاة منهارة مما حدث وأنت.." 
قاطعه بغضب "أنا ماذا؟ هل نسيت أنني طلبت منها عدم البقاء وحدها؟  ألم أنصحها ولكنها لم تسمع وتكبرت على أن تعترف بخطأها؟ والآن ماذا؟ في المرة السابقة تبعت كلبها لأجدها ملقاة فة المنطقة ه‍ ولولا أني وصلت في الوقت المناسب لكانت قد انتهت والليلة لولا أنني كنت ذاهبا إليها لأخبرها عن تلك المنطقة معك لما استطعت أن أنقذها من ذلك المجرم،  عم صابر لا تحاول أن تدافع عن الخطأ أنت تعرفني"
لم يرد الرجل فهو بالفعل يعرفه ..
كانت ملابس المرأة تناسبها بالفعل وجميلة، اندهشت ولكن المرأة قالت "كنت فى مثل جسمك عندما كنت بسنك"
لم ترد فأكملت "هيا لنتناول الطعام سيرسل في طلبك بعد قليل ولابد أن تتناولي الطعام إذا أردتِ أن تكملي ما بدأتيه" 
بدأت ترتاح للمرأة فهزت رأسها وسارت معها بالفعل، ما أن انتهت من الطعام حتى رأت رجل يدخل ويخبرها بأنه ينتظرها، ابتسمت المرأة لها فوضعت الكاب على رأسها واتجهت إلى الخارج وقلبها يدق من الخوف من المجهول، ماذا يريد منها ذلك الرجل الكريه الذى لم تقابل مثله من قبل؟ 
بالطبع لاح الشروق ولولا تعبها وقلة النوم وحزنها لاستمتعت بالمنظر الذي كان أروع من الغروب، حقا دائما الميلاد أجمل من الموت  
عندما وصلت كان يقف وسط بعض الرجال والرجل الكبير بجانبه، ابتعد الجميع من حوله ماعدا الرجل الكبير، نزلت من العربة واتجهت إليه ولكنه لم ينظر إليها وقد اقترب شاب يرتدي مثله بنطلون وقميص وليس جلباب كالأخرين
قال آدم "عم صابر والمهندس هيثم سيكونون معكِ عند الجهة الشرقية، سنزيد الصرف يا هيثم صرف مغطى لن نجازف بالمكشوف لسنا بحاجة إلى العطلة من الحشائش العالقة وما إلى ذلك، الأنابيب ستكون وصلت بمجرد وصولكم والرجال أيضا اتصل بي لو احتجت شيء، لقد بدء الرجال في الناحية الغربية وسيساعدنا الجو الحار على تعطيل الذبول الدائم، هيا يمكنكم الذهاب" 
وتحرك مبتعدا دون أن يوجه إليها أي حديث، شعرت ببعض الإهانة ولكنها لم تبدي أي تعبير أمام الرجلان وتحركت وسطهم إلى العربة وركبت بجانب هيثم وصابر بجانب الرجل الذي يقود العربة 
لحظات وقال المهندس "أنا المهندس هيثم سعد الدين من اسكندرية لم تسمح الظروف بالتعارف" 
نظرت إليه؛ كانت ملامحه وسيمه لم تنتبه إليه بعيونه الضيقة البنية وبشرته التي لوحتها الشمس وفمه الواسع تزينه ابتسامة مريحة، كانت ملامحه أقل قسوة من ملامح آدم
لم تتبدل ملامحها وقالت "رنين محمد حلمي" 
قال "ابنة الأستاذ محمد حلمي شريك آدم؟" 
هزت رأسها بالإيجاب فقال "وماذا تفعلين هنا؟ أقصد ليس عملنا مناسبا لفتاة مثلك"
لم تقبل تلميحه فقالت "أنا مهندسة أيضا" 
هز رأسه وقال "لا أظن أنكِ جامعة اسكندرية وإلا لكنت رأيتك من قبل؟ أنا صحيح مهندس زراعي ولكن كنت أقيم بكلية الهندسة كلأاصدقائي هناك وبالتاكيد لم أراكِ، هذه العيون لا يمكن أن تنسى" 
احمر وجهها وأبعدت عينيها وهي تقول "لا، جامعة عين شمس هكذا أراد داد" 
ضاقت عيونه وقال "هكذا أراد؟ أنا لا أفهم ألستم من القاهرة؟" 
هزت رأسها وقالت "لا اسكندرية ولكن داد لم يكن يقيم ببلد واحد سواء داخل مصر أو خارجها ولكنه أصر على أن انال الشهادة من عين شمس كان يظن أنها الأفضل" 
ضحك هيثم وقال "الجميع يظن ذلك ولكن في النهاية كلنا مهندسين والعمل واحد" 
لم ترد رغم أن الحديث معه أثار الهدوء في نفسيتها ولكنها ما زالت تفكر في كلبها المسكين وكل ما حدث لها ...
عندما وصلوا كان هناك رجلان آخران، نزلت دون مساعدة أحد واتجه إليها صابر وقال "آنا آسف يا آنسة ولكن آدم مصر على أن تؤدي العمل الذي كلفك به تعالي لتعرفي ماذا ستفعلين"
تبعته وقالت "وأنا أكثر إصرار منه على أداء العمل" 
نظر إليها ولم يرد وتحرك وتبعته هي في صمت وهي تتأمل الجميع من حولها يعملون بجد حول الأرض الزراعية فاكتسبت حماس أكثر 
أعطاها فأسا وقال "هل ترين هذا المجرى إنه المصرف المكشوف سنحوله إلى مغطى أي لابد أن نزيد العمق حتى يمكننا أن نضع تلك الأنابيب التي تريها هناك،الاأمر ليس بسهل، عليكِ أن تنتهي من هذه المسافة قبل الظهيرة كلما أسرعنا بالعمل أسرعنا بإنقاذ النبتة"
هزت رأسها وهي تمسك بالفأس،  كان ثقيلا ولكنها لم تبدي رد فعلها، تحرك الرجل مبتعدا ورأت هيثم وهو أيضا يتناول فأسا آخر ويبدء بالعمل وكذلك صابر، في البداية كان الأمر سهلا ولكن مع الوقت بدأت تشعر بثقل الفأس على يدها وألم فى ظهرها وتصبب العرق من كل جزء في جسدها ولكنها لم تستسلم لن تمنحه مراده من أن تعترف بأنها فتاة مترفة ليست أهلا للمسؤولية ..
وأخيرا اشتدت الشمس التي وصلت لمنتصف السماء وقد بدأت تشعر بألم يدها يزداد وظهرها يؤلمها بشدة ولكنها تحاملت
سمعت صفارة فاقترب هيثم منها وقال "إنها الراحة، أحسنتِ لقد أنجزتِ مهمتك بنجاح هيا إنه وقت تناول الغداء" 
قالت وهي تسير بجانبه "الغداء!؟ وأين سنتناوله؟ أنا أريد ماء مثلج ولا يهم الغداء" 
ابتسم وقال وهو يلاحظ ملابسها التي التصقت بجسدها "نعم لابد من تعويض العرق الذي يتصبب منا جميعا، هيا النساء ستحضر الغداء هناك تحت المظلة آدم أقامها من أجل ذلك الغرض" 
عندما وصلوا كان بعض الرجال جالسين على الأرض في شكل دائري، نظروا إليها وهي تتقدم مع هيثم الذي ألقى السلام فردوا عليه
نهض أحدهم وقال "تفضلي يا هانم وجبتك هنا" 
ابتسمت وهي تخجل من الجلوس وسطهم وقالت "أولا الماء، أريد ماء" 
اتجه إليها أحدهم بكوب من الاستلس وقال "تفضلي يا هانم بالتأكيد فالجو حار جدا" 
تناولت الماء بسرعة ثم ابتسمت وقالت "نعم جدا"
رقدت على الأرض وقالت "والآن يمكنني أن أفعل أي شيء طالما أنني حصلت على الماء"
ابتسم هيثم وهو يمنحها طبق به طعام وقال "هيا إنها وجبتك" 
كاد يجلس بجانبها لولا أن سمعت صوت تعرفه جيدا يقول "أرى أنكم تستمتعون سويا وكأنكم برحلة! هيثم هل فحصت الأنابيب قبل أن نضعها؟"
لم تنظر إليه وهي تتناول طعامها بينما هز هيثم رأسه نفيا وتغاضى عن تعليقه وقال "ليس بعد، لم ننتهى من الحفر حتى أفعل"
قال بنفس اللهجة القوية "أنت لا تحفر الآن هل تفعل؟" 
نظر إليه هيثم بقوة قبل أن يبتعد وهي لا ترفع عيونها إليه، منحه أحدهم طبقا مماثلا فأخذه وهو ينظر إليها واندهش من أنها تقبلت الأمر وتتصرف على هذا المنوال، لم تتذمر ولم تطلب الرحمة كما تصور 
قال "أتمنى أن يكون أول يوم لكِ شيقا فأنا أرى أن هيثم يمتعك" 
نظرت إليه وقد حاولت ألا تصدق ما يلمح إليه وقالت "وكيف تراه يمتعني ومتى؟ نحن نعمل منذ الصباح" 
جلس أمامها وتفرق الرجال من حولهم وكأنهم يخشون من وجوده فقال وهو يأكل ويلاحظ علامات التعب على وجهها  
"سعدون أصابته الحروق من الدرجة الثانية وسيظل بالفراش اسبوعين إذا كان الأمر يهمك" 
توقفت عن الطعام وشعرت بالخجل من نفسها وكأنه يذكرها بأنها لم تسأل حتى عنه ولم تهتم بشأنه ولكنها لم ترد،  قام وقال 
"أرجو ألا تضيعي وقتك في الحديث مع كل رجل تقابليه هناك ما هو أهم" 
كادت ترد بقوة على تلميحاته ولكنه كان قد ذهب تاركا إياها في غضب منه ككل مرة 
ابتعد إلى أحد الرجال الواقفين ولكن ليس ببعيد دون أن يهتم بها وتابعته هي بعيونها في صمت، تألمت لم أصاب الرجل ولكنها لم تملك من الأمر شيء إلى أن رأت شيئا غريبا يتحرك بجانبها وعندما نظرت إليه اتسعت عيونها ودق قلبها من الخوف والفزع..

لقراءة باقي الفصول من هنا

تعليقات



<>