
رواية عزبة الدموع الفصل الخامس5 والسادس6 بقلم داليا السيد
إهانة
أطلقت صرخة مدوية ارتد هو على أثرها وكان أول من أسرع إليها وتبعه باقي الرجال، فقد رأت ثعبان أسود طويل ورفيع يسعى نحوها، تملكها الرعب وتصلب جسدها ولكن في لحظة كان آدم يسرع إليها ويضع قدمه على رأس الثعبان بقوة ثم انحنى عليه وقبض على رأسه بقوة ثم استدار فمنحه لأحد الرجال الذين التفو حولها ثم عاد إليها وهو ينظر لها بقلق وأمسكها من ذراعيها وقال
"هل أنتِ بخير؟ هل أصابك شيء؟"
لم ينتبه للهفته عليها ولكن عيون الرجال تابعته بصمت
اندهشت رنين من أنه أمسك الثعبان ومنحه لأحدهم فقالت برعب وهي ترتجف "الثعبان! إنه ثعبان سيلدغه، سيموت"
قال وهو يحاول أن يهدئها "اهدي يا باش مهندسة إنه ثعبان الحقل الأسود ليس بسام ولا ضار بل هو مفيد وهو يأكل الثعابين السامة هل تهدئي"
نظرت إليه وهي تحاول أن تستوعب كلماته، منحها أحدهم بعض الماء فأبعد ذراعيه عنها بينما تناولت هي كوب الماء بيد مرتعشة فاستدار يهتف بالرجال
"حسنا يا رجال لقد انتهى الأمر هل نعود لعملنا؟"
انفض الجميع إلى عملهم، نظر إليها وقد شحب لونها وامتلأت عيونها بالدموع والفزع فقال "هل أنتِ بخير؟ يمكنك العودة"
هزت رأسها بالنفي واستعادت نفسها وقالت وقد شعرت بالخجل من نفسها أمام الرجال "لا، لا داعي أنا أصبحت بخير أنا فقط لا أميز أنواع الثعابين"
نهضت دون أن تمنحه فرصة لمساعدتها ولم تنظر لعيونه وقالت "سأعود للعمل"
ابتعدت في صمت وتركته وهو يتابعها في حيرة وتساؤل من تلك المرأة التي تكاد تذهب بعقله من تصرفاتها الغريبة والعنيدة
عاد الجميع إلى العمل وهي معهم وقد استعادت جزء من نشاطها بعد الغداء والعصير الفريش الذي تناولته بشهية لم تتوقعها ولكن مع غروب الشمس كانت كل عضلة بجسدها تصرخ بألم شديد ولولا القفازات التي منحها إليها عم صابر لكانت تقيحت من الجروح..
انتبهت إلى الصافرة التي انطلقت ورفعت ظهرها بصعوبة وبألم شديد فرأت الرجال وهم يتركون أماكنهم إلى المكان الذي تناولوا فيه الغداء وقد انتهوا من الحفر تقريبا وتبقى وضع الأنابيب، اتجهت خلفهم وما زالت الشمس لم تغرب بعد ناولها أحدهم الماء فابتسمت له واتجه آخر إليها وهي تجلس على الأرض خلفهم ومنحها طبقا من الطعام وقال
"هذا طعام مخصوص أحضرته زوجتي من أجلك عندما شاهدتك بالظهيرة"
ابتسمت وقالت وهي تأخذه "من رائحته يبدو شهيا هل تشكرها من أجلي، بعد هذا اليوم أعتقد أني سألتهمه كله"
ضحك الرجل وقال "نعم ولكنك كنتِ رائعة وتعملين كما لو كنتِ محترفة"
تناولت الطعام بشهية اندهشت منها وقالت "أشكرك لمجاملتك إنها ترفع من روحي المعنوية حقا"
تقدم هيثم بطبقه فانصرف الرجل بعد أن شكرته جلس، هيثم بجانبها وقال "قمتِ بعمل رائع"
ابتسمت فبدت جميلة رغم علامات الارهاق وخصلات شعرها المبتل من العرق يتلاصق على جبهتها بدون انتظام
قالت وهي تبتلع الطعام "أشكرك ولكني أشعر بأني لن أستطيع أن أنهض من مكاني مرة أخرى"
ابتسم هيثم وقال "أعتقد أنكِ لابد أن تعودي، عمل الليل لنا نحن"
قالت "ولكن العمل لم ينتهي وأنا لن أذهب إلا معكم"
تناول الطعام قبل أن يقول "أعتقد أن هذه أول مرة تقومين بمثل هذا العمل"
قالت بدون تفكير "نعم بل أي عمل داد لم يمنحني الفرصة لأقوم بأي عمل لأننا لم نستقر بأي مكان"
قال هيثم بود " كنتى تحبيه "
لاح الحزن بعيونها الجميلة وقالت "كان كل حياتى، أحببته من كل قلبي لم أعرف سواه وما زلت أحبه"
وما أن انتهت من جملتها حتى رأت أقدام طويلة تقف أمامها، لم ترفع رأسها لأنها كانت تعلم أنه هو
سمعت هيثم يقول "أهلا آدم، هل تناولت طعامك أم أحضر لك طبقا؟"
سمعته يقول "لا تناولته، هيا أنتِ ستعودين للبيت الآن ذلك يكفي"
عندما نظرت إليه كانت عيونه تمتلاء بالغضب كما اعتادت أن تراها ولم تعد تتساءل عن السبب
قالت بعناد واضح "أنا لن أرحل إلا مع هؤلاء الرجال"
نظر آدم لهيثم وقال "هل من الممكن أن تأتيني ببعض الشاي يا هيثم؟"
هز هيثم رأسه وقد فهم غرض آدم فتحرك مبتعد بينما جلس هو بجانبها وقال بغضب "أظن أنه يكفي ما حدث"
لم تبعد عيونها التي أسرته وقيدته داخل مقلتيها ذات اللون الغريب أخذته إلى عالم آخر لم يطأه من قبل، إلى أين يا امرأة تدفعينى؟ لن أستسلم لك مهما حدث سأقاوم تيارك العنيف وسأروض عنادك وكبرياءك مهما كلفني الأمر والغريب أني لا أعلم لماذا ومتى وكيف بدأت الحرب بيني وبين تلك العيون؟
قالت وهي تبعد عيونها بصعوبة عن عيونه القاتمة التي بدت كظلام الليل لا يمكنها أن ترى خلالها إلا الظلام مجهول، أنت أيها الرجل ترى من أنت؟ وماذا تخفي وراء غموضك هذا؟ ولماذا تكرهني وترعاني؟ تدفعني للألم ثم تصبح كالطبيب المداوي فمن أنت فيهما المؤلم أم المداوي؟
قالت بثقة "ولماذا؟ أنا بخير ولم يحدث لي أي شيء، أنا بخير كما ترى؛ بيتي محروق وأعمل كالأجيرة لأسدد ديني وثعبان يعترض طريقي ورجل يكره حتى وجودي، أعتقد أنه لا يوجد من هو أفضل مني حالا"
أبعد عيونه وهو يشعل سيجارته وقال "إذن لنكتفي من كل ذلك وهيا لتعودي ونتناسى ما حدث"
قالت بعناد لا يتوقف "لن تقرر نيابة عني، أنا لن أذهب إلا بعد ما ينتهي العمل على أكمل وجه حتى لا تواجهني بكرهك هذا مرة أخرى"
نفخ دخان السجائر وقال "هل تكفي عن عنادك هذا واعتراضك الدائم وتفكري مرة واحدة قبل أن تعترضي على كل شيء؟"
أكملت طعامها كي تبتعد عن تأثيره القوي ووجوده الذي أثار رجفتها وقالت "أنا لا أعترض أنا أريد أن أكمل عملي الذي كلفتني أنت به على أكمل وجه ومعنى أن هؤلاء الرجال لم ينتهوا وهو ما أراه فأنا أيضا باقية"
قال بغيظ "سيحل المساء وسينقسموا إلى ورديات وسينام الباقين في الهواء فماذا عنكِ؟"
نظرت إليه وقد كانت عيونه السوداء تلمع مع لون الغروب وبشرته التي احمرت من أشعة الشمس تزيده وسامة، قالت "يمكنني أن أنام هنا لو منحتوني أي شيء أنام عليه لا تقلق سأتعامل"
زاد قربه منها وقال بغضب "ما هذا البرود واللامبالاة؟ أين تظنين نفسك؟ أنتِ بالريف وتصرفاتك محسوبة فكيف تنام امرأة هكذا وسط الرجال؟"
تراجعت بعيدا عنه وقالت بغضب مماثل "إنها مشكلتك، ألم تفكر في ذلك عندما أحضرتني هنا لأقوم بعمل الرجال؟ فما الفارق إذا نمت أيضا مثل الرجال؟"
كان يدرك -نها على حق فتأملها وقد أثاره عنادها أكثر وقال من بين أسنانه "أنا لا أصدق أنكِ فتاة طبيعية أبدا، بالتأكيد لا"
قاطعته وقالت "ماذا حدث؟ هل أصابتك خيبة الأمل لأنني لم اكن الفتاة المدللة التي ظننتها واعتقدت أنك ستجدني أبكي من الألم وأترجاك أن ترحمني؟ لا يا آدم بيه أنت لم تعرفني جيدا"
لم يشأ أن يستمر عنادهم أكثر من ذلك خاصة وأن الرجال قد بدأت نظراتهم تتحول إليهم فأبعد عيونه وهو يطفئ سيجارته محاولا أن يهدء ثم قال "إذن ستمضين الليلة هناك بهذا البيت، بيت الحارس ولا أعتقد أن لديكِ مانع"
هزت رأسها نفيا فلابد من أن ترتاح وأن تنتهي تلك المشاجرة، قام مبتعدا وقد أثارته عدم طاعتها له وأيضا غضبه من نفسه لأنه في النهاية ربما يضعف أمام عيونها
عادوا إلى العمل، لم يذهب هذه المرة فقد قرر أن يبقى، لن تبيت هي وسط كل هؤلاء الرجال وحدها ما زال يحمل مسؤولية حمايتها
أخبر الحارس بأنها ستبيت بالمنزل الصغير فلم يعترض الرجل وربما أخفى دهشته ولكن لأن الجميع يعلم أن أمر الارض جلل وشاع بينهم أنها تفعل ذلك لأنها أرضها وتخاف عليها مثل آدم تماما وفي النهاية هي مهندسة، لذا لم يهتم أحد بالأمر رغم همهمات الرجال بينما امر هو الحارس بتنظيف البيت لها فأسرع الحارس ليفعل بدون نقاش
على العاشرة كانت قد استنفدت كل طاقتها ولم تعد تستطيع أن ترفع حتى ذراعيها ومع ذلك لم يكن العمل قد انتهى رغم أن الماء الفائض عن حاجة التربة بدء يجري في بعض المصارف ولكن الأمر لم يكن قد انتهى
وقف بجانبها وقال "لقد انتهت ورديتك هيا اذهبي لتنالي قسط من الراحة أنتِ لم تنامي منذ الأمس"
نظرت إليه وحاولت ألا تبدي تعبها أمامه، هزت رأسها ولم تقو على جداله فاتجهت إلى البيت وهو يتابعها بنظراته إلى أن اختفت داخله
كان البيت كله غرفة واحدة ومن الواضح أنه قد تم تنظيفه قبل أن تدخله فكل شيء يبدو مبللا ونظيفا، لاحظت وجود باب صغير فتحته كان حمام صغير عربي لم ترى مثله من قبل وجردل كبير وجركل كبير ممتلأ بالماء
خرجت إلى الغرفة كان بها أريكة نظيفة وبعض الطعام على المائدة وفجأة تذكرت هاتفها بالتأكيد آسر حاول الاتصال بها ولكنه لم يجدها ربما يقلق ويأتي، ليته يأتي إنها تريد أن تراه وتسمع كلماته المريحة ستسعد إذا رأته ولكنها تذكرت عرضه بالزواج فانقبض قلبها وقفز فجأة آدم أمامها بعيونه الغاضبة الذي لا تعلم سببه ووجدت أن صورة آسر تهتز بجانب صورته ولكنها لم تمنح نفسها أي فرصة للتفكير فيما يضايقها ويثير غضبها
بالطبع بعد كل العرق والتراب الذي أصابها طوال اليوم كان لابد أن تحصل على حمام منعش، دخلت الحمام وأخذت حمام بارد من ذلك الجركل أعاد لها حيويتها ولكنه لم يزيل آثار التعب، ارتدت ملابسها على جسدها المبلل فلم تجد منشفة بالطبع وتركت شعرها المبلل على كتفها وخرجت
ما أن خرجت حتى كادت تصرخ من الفزع عندما رأته أمامها كان يمسك هاتفه بيد وسيجارته بيده الأخرى، نظر إليها وكم كانت فاتنة بمظهرها هذا، من أين أتت عروس البحر تلك وهل هي حقيقة أم خيال؟ بالتأكيد خيال
وجد نفسه يقترب منها وهي واقفة وقد ألجمتها المفاجأة وهو يقف أمامها وعيونها عالقة بعيونه وحبات العرق التي تملاء وجهه وعضلات وجهه مشدودة وعروقه تكاد تخرج من تحت جلده
أفاقت من قربه الذي لم تشعر به وكأن هناك شيء يجذبها لعيونه التي لم تعد تفيض بالكره وإنما نظرة أخرى سرقتها من الوجود وهامت بها على ضفاف الأحلام
ابتعدت لتعود للواقع وقالت "كيف تدخل هكذا بدون استئذان؟"
أفاق هو الآخر من تلك الجاذبية التي أفقدته وعيه للحظات وتنفس سيجارته وهو يستعيد نفسه وقال "دققت الباب فلم تجيبي فخشيت أن يكون أصابك شيء فدخلت"
عادت أنفاسها لطبيعتها وتوقفت دقات قلبها المتسارعة وعادت لطبيعتها فقالت "أنا بخير"
أشار إلى شعرها المبلل ولمسه بطرف إصبعه قال "أرى ذلك"
احمر وجهها وابتعدت وهي تقول "هل حضرتك أردت شيء؟"
قال وهو يطفئ سيجارته "عمتي أرسلت لكِ طعام فأحضرته"
لم تنظر إليه وإنما قالت "اشكرها نيابة عني"
تقدم منها مرة أخرى ووقف أمامها ولكنها لم تنظر لعيونه وهو يقول "كنت أريد أن أسالك عن أمس"
تذكرت الحادث فأخفضت عيونها وقالت بألم وحزن "ماذا؟"
تردد قبل أن يقول "ذلك المجرم هل، أقصد أنا رفعته من عليكِ وملابسكِ و.."
احمر وجهها واختنقت أنفاسها وهي تتذكر وربما عاودها شعور الخوف أو الحزن وفهمت أيضا كلماته فأسرعت تقول
"لم يحدث شيء، هو حاول ولكنه لم ينالني"
شعر براحة تمتد إلى داخل أعماقه فنفخ براحة وقال "هل تعلمين أن الرجال أخبروني أنهم وجدوه مصاب بشدة؟"
قالت دون أن تجرؤ على النظر بعيونه "نعم أعتقد ذلك"
رفع وجهها بإصبعه فنظرت بعيونه فقال "لا أفهم"
القت بنظراته وتاهت بعيونه السوداء قبل أن تبتعد من أمامه فعيونه لا تقاوم ثم حكت له ما حدث وما أن انتهت حتى ابتسم وقال "بصراحة هو يستحق وأنا أهنئك على شجاعتك، حقا تستحق الإعجاب"
حاولت أن تبتسم لكلماته ولكنها لم تفعل وهي تقول بحزن حقيقي "ولكن جيمي مات"
نفخ وأبعد وجهه فأدركت أنه يسخر من مشاعرها فنظرت إليه ثم ابتعدت وقالت "ربما هو لا يعني بالنسبة لك إلا مجرد كلب ولكنه بالنسبة لي كان كل شيء لأنه لم يتبقى لي سواه"
فرت دمعة من عيونها فاتجه إليها ووقف أمامها وقال "ومن قال أنه لا يعني لي شيء؟ يكفي شجاعته وهو يحاول الدفاع عنكِ وهو الذي أنقذك يوم المنطقة ه فقد كنت قريبا من المنطقة وهو الذي أتى إلي وأنا تبعته إليكِ، كل ما في الأمر أن كلا منا كان يفكر بطريقة مختلفة"
هزت رأسها وقالت "ألا تلاحظ أن لك عشر دقائق لم تخبرني خلالهم أنني تلك الفتاة المدللة و.."
لم يبدي أي رد فعل لحظة ثم اتجه إلى الباب وقال "نامي جيدا ستستيقظين مبكرا وأغلقي الباب من الداخل جيدا"
هزت رأسها ثم قالت "أستاذ آدم هل أطلب طلب؟"
نظر إليها وقال "آدم"
أخفضت عيونها، يريد أن ترفع التكلفة بينهما، عادت تنظر إليه وقالت "إذا أمكن أن يحضر لي أحدهم هاتفي، أحتاج إليه وكاميرا التصوير من فضلك هذا إذا كان أي شيء قد نجا من الحريق؟"
لم يرد وإنما تركها وذهب، كانت سعيدة لأول مرة لا يكون لقاؤهم سيء ولا يسخر منها ولا يؤنبها على أي شيء، ليته يظل هكذا لقد كان شخصا آخر أفضل بكثير
استيقظت على دقات بعيدة، رفعت رأسها بصعوبة من الألم بجسدها ثم عادت الدقات مرة أخرى فقامت وقد كان الظلام ما زال محيط بها
جلست وقالت "نعم"
جائها صوت عم صابر "موعد الاستيقاظ يا آنسة"
شعرت أنها لم تنم ومع ذلك قالت "حاضر يا عم صابر، عشر دقائق وأكون عندك"
عدلت ملابسها واغتسلت ووضعت الكاب ثم خرجت، كانت نسمات الليل باردة وجميلة، قابلها عم صابر وقال
"صباح الخير، لحظات وتشرق الشمس ليس لدينا عمل كثير اليوم ربما ننتهي قبل الظهيرة هيا لتتناولي الإفطار"
تحركت معه ورأت هيثم ابتسمت له وقالت "صباح الخير يا باش مهندس"
ابتسم وقال "صباح الخير أراكِ أفضل اليوم"
قالت "ولكني بحاجة إلى فنجان قهوة مضبوط"
اقترب منها عبد الصمد الذي منحها الطعام بالأمس وقال "صباح الخير يا آنسة زوجتي أحضرت لكِ الإفطار"
ضحكت وقالت "أرى أنها ترهق نفسها بسببي"
قال "لا أبدا، لقد أخبرتني أنه كلما استمر وجودك هنا فهي التي ستعد لكِ طعامك"
ضحكت مرة أخرى وقالت "إذن هل يمكن أن أراها عندما تأتي؟ أريد أن أشكرها بنفسي، أرجوك"
ابتسم الرجل وقال "هذا شرف كبير يا ست الكل"
قالت بسعادة "الشرف لي أنا، اشكرها مؤقتا حتى أراها واعطني هذا الطبق لربما تنسى وتذهب به"
بدأ الشروق فجذبها هيثم من يدها وقال "هيا تعالي سأريكِ شيء"
انطلقت خلفه وهي تجذب يدها من يده، ابتعدا قليلا عن المنطقة إلى أن وقف فوقفت وهي تنظر إلى قرص الشمس الأحمر وهو يولد من بطن الليل ويملاء السماء بالأشعة الحمراء من حوله، كان المنظر لا يقاوم من جماله ظلت تتأمله إلى أن ارتفعت الشمس
كانت مفتونة بالمنظر فقالت "يا الله إنه لرائع، حقا الميلاد أجمل من الموت، سبحان الله!"
نظر إليها وقال "كما هي جميلة عيونك، رنين ربما عرفتك من وقت قصير ولكني أشعر أنني أعرفك منذ زمن"
احمر وجهها وخشيت مما يمكن أن يقوله فقالت "أنا أيضا شعرت بالراحة جدا لك يا باش مهندس وكأني أخيرا عثرت على الأخ الذي لم أناله في حياتي"
ابتعد وقد فهم ما حاولت أن تقول ولكنه التفت إليها وقال "ولكن أنا لا أراكِ أختي رنين، أنا"
قاطعته بإصرار "لا يا هيثم لا تجعل انبهارك بي يضللك فنحن لم نتعارف جيدا، إنها مجرد ساعات قضيناها سويا في غمار العمل وهي ليست كافية لتبني عليها حقائق"
قال "بالنسبة لي كافية، لست صغيرا كي أضل الطريق رنين أنا معجب بكِ"
احمر وجهها وشعرت أن الأمر خرج من يدها ولكنها لم ترد، وقف أمامها وقال "بحياتك شخص؟"
ردت بسرعة "لا، ليس هناك أحد"
قال بأمل "إذن لماذا؟"
قالت بحيرة "لم أشعر أن ما بيننا أكثر من صداقة أو أخوة كما أخبرتك، من فضلك يا هيثم دعنا هكذا لا تعكر تلك اللحظات الحلوة ولا تصعب الأمر علي"
لم يرد ولكن صوت آدم الذي لم يجدها بالمكان ولا هيثم فبحث عنها حتى رآهم معا فعاوده الغضب واقترب حتى قال "هل قاطعتكم في شيء؟"
فزعت من صوته وشعرت بالضيق بينما نظر إليه هيثم وكاد يتحدث لولا أن أكمل هو "الرجال في انتظارك يا باش مهندس يمكنك الذهاب"
نظر هيثم إليها فلم ترد فتحرك مبتعدا، نظرت إليه كما فعل وعيونه انبأتها عن عاصفة من الغضب، تحركت كي تعود ولكنه قال "أراكِ الآن متعجلة في الرحيل ومن لحظات كنتِ مستمتعة بوجودك معه"
قالت "لا أفهم تلميحاتك"
قال بنفس الغضب "ألا تشعرين بتصرفاتك؟ تقفين مع هذا وتضحكين مع ذاك والآن وحدك هنا معه، هل سيتحمل العمل بدلا منكِ أم ماذا؟ وترى ما المقابل؟ وهل كل واحد تفعلين معه"
لم يكمل حيث انهارت يدها على وجهه والدموع تملاء عيونها وهي تقول بغضب "أنت سافل وحقير كيف تجرؤ؟"
ثم تركته وتحركت عائدة وهي تحاول أن توقف دموعها بصعوبة من شدة الإهانة التي شعرت بها، هل هذا ما يظنه بها؟ لقد انتهى الأمر ستكمل عملها ثم سترحل ولن تبقى يوما آخر بعدها
الفصل السادس
مشروع
امتلات بالغضب من كلامه وترددت ما بين العمل والرحيل ولكنها لو رحلت سيظن أنها هربت من العمل إذن ستكمل عملها لتثبت له أنها ليست بالمدللة ثم بعد ذلك سترحل ولن تبقى
عادت إلى العمل في صمت وغضب، أوقفت الدموع بصعوبة ولم تشعر بالوقت وهو يجري وما أن انتصف النهار حتى توقف الجميع عن العمل وانسابت المياه تجري في المصارف ولولا غضبها لسعدت بنتيجة عملها مع الرجال ربما لم تجيد مثلهم ولكنها لم تتقاعس
اتجه إليها عم صابر وقال "على المساء ستعود النبتة لطبيعتها إن شاء الله"
حاولت أن تبتسم وهي تقول "الحمد لله"
قادها الرجل إلى المظلة وقال "تعالي نتناول بعض الشاي قبل أن نذهب"
ولكنها قالت "أريد أن أعود للفيلا أنا راحلة"
تراجع صابر وقال "نتناول الشاي إذن ثم نعود ونتحدث في الرحيل فيما بعد هيا تفضلي"
قادها في صمت إلى المظلة وتناولت معه الشاي وقال "تعرفين أن هذه الأرض تعني الحياة لهؤلاء الرجال؟"
هزت رأسها وقالت "لقد شعرت بذلك، هل تكفيهم في معيشتهم؟"
ابتسم وقال "آدم يمنحهم أجورا كبيرة وبصراحة هذا يجعلهم يموتون في العمل من أجله، يحبونه جدا وهو لا يبخل عليهم بأي شيء، منذ أن اشترى العزبة مع والدك وكرس لها حياته، ترك الأرض الأخرى لأخيه الأكبر وأصبحت هذه العزبة كل حياته وهو حتى لم يعد يعرف طريق أخيه وزوجة والده نساهم أو تناساهم"
رغم غضبها منه إلا أنها كانت تريد أن تسمع عنه فقالت "يكرههم هم أيضا؟"
هز رأسه بالنفي وقال "قلب آدم لا يعرف الكره ولكنه أيضا لا يعرف كيف يسامح خاصة إذا كان الشخص لا يستحق السماح"
أبعدت عيونها، ترى من ذلك الرجل؟ اأمل صابر "لا أقول ذلك لتخافي منه فهو طيب جدا رغم كل شيء ولا يتوانى عن التضحية بنفسه في سبيل الآخرين خاصة أهل العزبة لا يغرك غضبه وعصبيته"
قالت وهي تبعد عيونها عنه "نعم لن تخبرني عنه"
أدرك نبرتها الساخرة فقال "آدم ليس سيء يا ابنتي، هو فقط يخلط الأمور في بعض الأحيان"
نظرت إليه وعاودتها الدموع، ربت على يدها وقال "ربما كان قاسيا معكِ بعض الشيء ولكن ربما كانت له أسبابه وربما أنتِ لم تعرفيه جيدا" لم ترد
لم تر هيثم وقد أدركت أنه بالتأكيد أبعده عنها، نظراته كانت تقول الكثير بعد الظهيرة ولكنها لن تهتم لقد نالت ما يكفيها
اصطحبها عم صابر إلى فيلا آدم شكرته وودعته إلى داخل الفيلا ولم يتحدث معها عن الرحيل، وجدت العمة تجلس وتقرأ أحد الكتب، نظرت إليها المرأة وقالت
"أهلا يا فتاة، هل انتهى العمل؟"
هزت رأسها بالإيجاب وجلست أمامها فقالت المرأة لستىِ بخير؟ ماذا حدث؟ ابن أخي أغضبك؟"
هزت رأسها وقد كان الألم يسرى بكل جسدها والصداع يدق بكل قوته تمنت لو تحدثت مع أحد ولكن ليس لها أحد، لابد أن ترحل
عنما لم ترد قالت المرأة "على العموم لن نتحدث فعيونك الجميلة الحزينه تغرق بها الكلمات ولكن أيضا التعب يكاد يقضي عليكِ هيا تعالي أريكِ غرفتك لقد أحضروا أشيائك من بيتك الحمد لله لم تنالها النيران فتعالي لتغيري ملابسك وترتاحي وفي المساء نتحدث"
تابعها بغضب وهي تبتعد من أمامه، أغمض عيونه بضيق، ما الذي قاله لها وفعله؟ ولماذا؟ لقد أهانها وجرحها، لماذا في كل مرة تنتهي المقابلة بهذه الصورة؟ أشعل سيجارته ومرر يده في خصلات شعره القاتم ثم عاد
لم يتجه نحوها وإنما اتجه إلى هيثم وقال "هيثم هل نتحدث؟"
اقترب منه هيثم فقال "أعتقد أن الجهة الغربية أوشكت على الانتهاء ولكني لن أذهب هل يمكن أن تذهب بدلا مني؟"
ضاقت عيون هيثم وقال "لا داعي لأن تبعدني عنها فهي فعلت، أبعدتني بأدب"
ضاقت عيون آدم وقال "أبعدك عن من؟ أنا لا أفهم"
قال هيثم "بلى يا آدم أنت تفهم جيدا كما أفهم أنا أيضا ولكنها أخبرتني أن لا أحد بحياتها، أي لا أنا ولا، أنت"
م تركه وذهب، شعر بالغضب كيف يجرؤ؟ إنه لم يفكر هكذا ألقى بالسيجارة على الأرض بغضب ودهسها بقدمه بشدة وكأنه يريد أن يدهس أفكاره المشتتة أو كلمات هيثم التي فهمها جيدا أو ربما ينهي على نفسه أي طريق ربما يفكر في أن يسير فيه، نظر للأرض فهي حياته التي تهمه ولن يهمه سواها، نعم هكذا عاش وهكذا سيعيش ولكن صاحبة العيون البنفسجية عادت تتأرجح أمامه بعيونها الحزينة الغاضة ولكنه أشاح بيده أمامه لاعنا نفسه على تفكيره وابتعد وهو لا يعلم ماذا يفعل
عاد إلى العمل ملقيا أفكاره جانبا حتى ينتهي ولكن اللعنة على تلك المرأة التي تسيطر على أفكاره ها هو يتابعها وهي لم تذهب ما زالت تعمل عنادها أكبر من أي شيء، أكيد تريد أن تثبت له أنها أقوى من الفتاة المدللة التي كان يظنها ..
كان يريد أن يذهب الآن إليها ويظل ناظرا في عيونها إلى الأبد ولكنه ليس بالقوة الكافية ليفعل ولا هي بالفتاة التي ستقبل به بالنهاية ستتركه كما فعلت أميرة خطيبته السابقة، تركته واتجهت للمال والمتعة وحياة الترف وهي بالتأكيد ستفعل مثلها
عندما انتهى العمل راقبها من بعيد وهي مع عم صابر إلى أن ركبت معه وعادت للفيلا كما طلب منه أن يفعل بينما ظل هو إلى أن حل الليل واطمئن على الأرض
نظر إلى الأرض بجانب عم صابر الذي قال "أحسنت يا بني لقد سيطرنا على الأمر"
قال بصدق "لست وحدي، الفضل لله ثم الرجال، هيا دعنا نذهب"
رن هاتفه برقم غريب فرد "نعم؟ من؟"
جائه صوت يعرفه "آدم هل مسحت اسمي؟"
نظر إلى عم صابر الذي بادله النظرة فعاوده الصوت "الو، آدم أنا أميرة هل نسيت صوتي؟"
قال ببرود "هل هناك فارق؟"
قالت "بالطبع لأنني لم أنساك أنا آتية غدا مع ماما وأكيد سأراك لقد اشتقت لك"
لو كان الأمر من عدة سنوات لدق قلبه لصوتها وكلماتها ولكنه قابل كلامها ببرود وقال "هل هناك سبب لزيارتك؟"
صمتت قليلا ثم قالت "ماما ستزور خالتي وتريد أن تقيم معها فترة وأنا سأكون معها من أجل أن أراك ألا تريد أن ترى عمتك وتراني؟ أرجوك آدم لا ترفض"
ضاق صدره منها وقال "تعلمين أن بيتي مفتوح لأهلي وعمتي تأتي بأي وقت"
ضحكت بدلال وقالت "أنا طبعا معها أليس كذلك؟ كنت أعلم أنك لن ترفض مجيئنا إلى الغد حبيبي"
أغلقت فنظر ألى الهاتف ثم إلى صابر وقال "إنها أميرة"
تراجع الرجل بدهشة وقال "أميرة!؟ بعد كل تلك السنوات؟"
هز رأسه وهو يشعل سيجارته ثم قال "نعم ستأتي مع عمتي غدا"
ربت الرجل على كتفه وقال "هل ما زلت تحبها؟"
نظر إليه وابتسم وقال "وهل أنت تعرف عني ذلك؟ لقد انتهت من حياتي من يومها ولن تعود"
ابتسم صابر وقال "و أين هي حياتك الآن يا بني"
ابتعد آدم ولم يجيب فتبعه الرجل وقال "يا آدم الحياة بها أشياء جميلة كثيرة وأنت تمنع نفسك عنها، ليست كل النساء أميرة"
نفث دخان السيجارة ولم يرد، أكمل الرجل "لن تكون حياتك جيدة عندما يمضي بك العمر فتجد نفسك وحيدا بدون زوجة و أولاد وأسرة، أنت ما زلت صغيرا فتمتع بشبابك واترك الماضي خلفك"
لم ينظر إليه وهو يفكر بكل كلماته ولا يعلم لماذا وجد نفسه يفكر بالعيون البنفسجية، ربت الرجل على كتفه وقال "إنها فتاة جميلة وقوية فقط عنيدة"
نظر إليه بنظرات الدهشة وقال "من؟"
ابتسم صابر بخبث وقال "التي خطرت ببالك، هيا أنا أريد أن أعود لبيتي وزوجتي وأولادي، لست وحدك ابني، ألن تأخذني للبيت؟ على فكرة هي تتحدث عن الرحيل" التفت له بنظراته فضحك صابر ضحكة ذات معنى ..
أبعد وجهه واطفأ السيجارة وشعر بخوف غريب، كيف سترحل؟ لا لن تفعل بل لن يتركها ترحل، لم ينتهي منها بعد، ليس من حقها أن تفعل نعم لابد أن يروضها ويعلمها أن الغرور له حدود ولكن هل هي فعلا كذلك؟ إنها أبسط من أهل العزبة نفسهم ألم يراها وهي تجلس على الأرض بينهم؟ كم بدت جميلة وخصلات شعرها المبللة بالعرق تتلاصق بجبهتها في عناد وعيونها تبرق ببريق السعادة وهي تضحك بين الرجال وكأنها عاشت معهم عمرها كله؟
أين الغرور في امرأة تلطخ جسدها بطينة الأرض الطيبة؟ أين الغرور في ابتسامة جميلة منحتها لفلاح منحها طعام؟ أين الغرور في كل ذلك؟ يا الله ابتعدي عني يا امرأة، لا، لا تبتعدي، لن تذهبي، لن ترحل الشمس التي أضاءت حياتي، لن تغرب منها مرة أخرى لن أتركها
عاداإلى الفيلا بعد أن أعطى تعليماته بإحضار أشيائها وهاتفها إلى البيت، قابلته العمة، الوحيدة التي لم تتركه محاولة أن تعوضه فقدان حنان الأم أو الأب أو الحبيبة أو..
"مساء الخير عمتي"
جلس بجانبها فقالت "مساء الخير يا حبيب عمتك، رنين أخبرتني أنكم انتهيتم"
نظر إلى الأعلى ثم قال "نعم الحمد لله، هل وصلت أشيائها؟"
هزت رأسها وقالت "نعم ونامت منذ أن عادت، أنت قسوت عليها هذا عمل الرجال"
لم يرد ونهض وقال "سأغير ملابسي وأعود على العشاء، عن إذنك"
نامت كثيرا بعدما غيرت وأخذت حمام ولم يوقظها أحد، كان المساء قد حل عندما استيقظت، ارتدت ملابس خفيفة وتركت لشعرها الطويل العنان ونزلت وقد قررت أن ترحل مع الصباح لقد اكتفت من هنا ومما أصابها..
كانت العمة تجلس في نفس مكانها وكأنها لا تغيره وما زالت بمنظارها الطبي وهي تقرأ
شعرت بها ونظرت إليها فقالت رنين "مساء الخير، أعتقد أني نمت كثيرا؟"
قالت المرأة "لا أبدا، أنتِ فقط كنتِ بحاجة للنوم والراحة، تبدين جميلة"
ابتسمت وجلست وهي تقول "شكرا، أنا أريد أن أخبر حضرتك بشيء"
قالت العمة "وما هو؟"
تنفست قبل أن تقول "سأرحل في الصباح لابد أن أعود، لقد انتهيت من هنا"
تغيرت ملامح المرأة وقبل أن ترد سمعته يقول وهو ينزل "هل نتحدث أولا قبل أن تقرري الرحيل؟"
لم تنظر إليه، كانت غاضبة بشدة منه فقالت "ليس هناك أي حديث بيننا لقد سددت ديني على ما أظن فهل تفك أسري"
وقف أمامها فلم تنظر إليه فقال بلهجة مختلفة "أنتِ لستِ أسيرة، أنتِ صاحبة المكان، هل نتحدث أولا؟"
قالت بعنادها المستمر "أخبرتك أن لا حديث بيننا، أنا أنهيت مهمتي ومن حقي أن أذهب ولن يمنعني أحد"
كانت نظرة التحدي بعيونها الجميلة تعلمه أنها لن تقبل الحوار، نظر إلى عمته التي التقطت نظراته فقالت "واذا طلبت أنا منكِ أن تسمعيه أولا لربما أعجبك كلامه فهل ترفضين طلبي؟"
نظرت للعمة التي أحرجتها فقالت "ولكن أنا"
قاطعتها المرأة "اسمعيه أولا ثم قرري بعدها، هيا يا فتاة اذهبي"
لم تعرف لماذا لم ترفض رغم غضبها منه، نظرت إليه فأشار إلى غرفة جانبية، نظرت إلى العمة التي هزت رأسها لها بتشجيع فقامت أمامه واتجهت إلى الغرفة، فتح لها الباب فدخلت بنفس الغضب وأغلق الباب خلفهم فانتبهت وقالت
"لا تفعل كي لا يظنون أنني أحاول إغراءك بشيء"
اقترب وقد فهم كلامها حتى وقف أمامها وقد كان يعلم أنه لابد أن يمتص كل الغضب الذي يملؤها قال "ألا تظنين أنكِ تبالغين؟ أنا لم أقصد شيء بما قلته ولم أقصد أي إهانة"
حدقت فيه وقالت بغضب "أبالغ!؟ لم تقصد إهانة؟ انت تسمع نفنفسكأنت كل كلماتك كانت جمرة من الإهانات التي أحرقتني دون هوادة، أنت، أنا، أنا أصلا أخطأت عندما بقيت هنا لحظة واحدة وقبلت التحدث مع شخص مثلك"
تحركت لتخرج ولكنه كان أسرع منها وأمسكها من ذراعها وجذبها إليه بقوة ففقدت اتزانها لحظة كادت تقع فيها فتحركت يداها لتمسك بأي شيء فلم تجد سوى صدر قميصه فأمسكته بقوة بينما تلقاها هو بين ذراعيه وكأنه كان يتوقع ما حدث
كان الغضب قد حل محله الذعر مما فعله بها ومن الوضع الذي أصبحت فيه، دفء جسده تسلل إلى راحة يدها التي استندت على صدره وهي تطلق سراح قميصه وعيونه الجريئة التي نظرت لعيونها بغضب لم يبدله بأي شعور آخر فتلك الجميلة الحمقاء لابد من كبح جموحها
همس ليزيد من غضبها "ليس بتلك السهولة لم انتهي منكِ بعد"
أبعدته وقد اشتعلت غضبا وقالت "لم يعد لك عندي أي شيء، لقد تحملت ما تحملت من أجل ألا أشعر بتأنيب الضمير ووفيت ديني وأرضيت ضميري واكتفيت منك ومن عزبتك"
ولكنه قال بهدوء "وعزبتك أم نسيتِ؟ وأرضك التي كنتِ ستفقدينها مثلي تماما فاهدئي واجلسي، مصلحتك ومستقبلك هنا في هذه العزبة وما بجوارها"
ضاقت عيونها الجميلة وراقبته وهو يشعل سيجارته وقالت "لن أبقى وسأرحل الآن أنت لن تخبرني ماذا أفعل من عدمه"
لم يتحرك من أمامها وهي تحاول -ن تتحرك للخارج ولكنه قال بنفس الهدوء "اسمعي أولا ما سأقول ثم بعد ذلك قرري ماذا ستفعلين ربما يطيب لكِ الأمر فتبقين"
لا تعلم لماذا توقفت وقالت " لن يطيب لى الا الاحترام قبل اى شئ "
لم ينظر إليها وقال "تعلمين أن الاحترام موجود، ربما خانني التعبير وقتها ولكن نحن وسط الفلاحين وكان عليكِ أن تنتبهي لتصرفاتك وسط الجميع لا أن تنفردي بأحدهم بعيدا، تعلمين ما يمكن أن يثار من أقوال، أنا أخاف على سمعتك وسمعتي أنتِ تحت حمايتي وما يصيبك يصيبني"
كانت كلماته منطقية ولكن كيف يحول الإمر لمصلحته؟ كيف يفعل بها ذلك؟ كيف أشعرها أنها هي المخطئة؟ استدارت ونظرت إليه ولكنه لم ينظر إليها فقالت
"تعلم أنني لم أقصد أي شيء، هيثم كان"
نفخ دخان سيجارته وهو لا يريد أن يسمع أي تفسيرات، لقد أخبره هيثم بما كان لذا قاطعها بحزم "هيثم أو سواه احترسي فقط في تصرفاتك أنتِ بالريف ولستِ بالمدينة والآن هل يمكن أن نجلس ونتحدث؟"
لم ترد عليه فاتجه إلى مكتبه وجلس وأشار إليها أن تجلس فنظرت إليه من وراء دخانه الذي تبعثر أمامه ليخفي ما لاح في عيونه
لا تعلم لماذا لا تجد كلمات ترد بها عليه، لقد ضاع منها كل شي، حتى الغضب تلاشى مثل دخان سيجارته وحل محله الحيرة من ذلك الرجل الذي تملك كل تفكيرها، كيف تهزمه وهو لا يهزم؟ لم تجد كلمات ولا ردود عقدت ذراعيها أمام صدرها وقالت
"وترى ما هو هذا الأمر الهام؟"
لم يهتم لعدم جلوسها فقال "المنطقة ه التي أصبتِ بها"
صمتت فلم تشأ أن تجعله ينال منها بينما لم يهتم هو بصمتها وأخذ نفس من سيجارته وقال "منذ زمن وأنا أريدها ولكن صاحبها كان يراوغني، أخي الأكبر يقف بيننا ولا يشتريها لا أعلم لماذا المهم صاحبها منذ اسبوع وقع في مشكلة كبرى ديون وقروض ووبالطبعأراد أن يبتعد، عرفت أنه عرض الأرض على أخي لشرائها ولكنه رفض، صاحب الأرض هاتفني وعرضها علي بعد أن ساوى الأمر مع أخي"
ضاقت عيونها وقالت "وما دخلي بذلك؟"
قال وهو يقترب من طرف مكتبه "أردت أن تكوني شريكتي، سيولتي لا تغطي ثمن الأرض وإذا غطت فلن تغطي إصلاحها لذا فكرت ربما ترغبين في مشاركتي إياها وربما تبدئين معي في إصلاحها، استعدادك للعمل في الأيام السابقة جعلني أفكر اأكِ ستكونين شريك جيد"
نظرت آليه وهي تتساءل، من هذا الرجل؟ من أيام كان يطلب رحيلها والآن يطلب بقائها
قالت بدهشة "لا أظن أن هذا كان رأيك بي، وماذا عن اولئك الرجال الذين أقدم لهم المقابل و.."
قاطعها بنبرة حازمة "رنين لقد انتهى الأمر فلا داعي لأن يأخذ أكثر مما يستحق والآن لنفكر بالعمل أنا أريدك شريكة فما رأيك؟"
نظرت إليه ودق قلبها من نبرته الحادة فقالت "لا، الأمر لم يأخذ أكثر من حجمه أنت الآن تريدني أن أعمل معك، أي هنا وسط كل اولئك الرجال فهل كلما انفردت بأحدهم من أجل العمل سيكون نفس موقفك؟ لابد أن تضع النقط على الحروف يا باش مهندس"
ضاقت عيونه وقال "أنا أعلم حدود العمل جيدا ويمكنني التفريق فقط انتبهي أنتِ لتصرفاتك ووقتها لن يكون هناك مجال للجدال"
طالت النظرات بينهما إلى ان قالت "بصراحة أنا مندهشة من تغير موقفك، منذ أيام كنت تطالبني بالرحيل والآن؟"
أبعد عيونه وهو يحاول أن يخفي ما بداخله لأنها على حق الآن لا يريدها أن تخرج من حياته ولن تخرج لذا قال "وجدت أن كونك مهندسة فهذا يمكن استغلاله لمصلحتنا وأن لا مانع عندك من البقاء، مصلحتي ومصلحتك كلا منا مستفيد"
ابتعدت بعيونها، نعم يتحدث عن المصلحة هذا هو ما يهمه وهو ما يجب أن تفكر فيه هي الأخرى مصلحتها وحياتها
قالت "ولكن الزراعة أمر صعب وإذا كنت فعلته مرة ف.."
قام وهو يطفأ سيجارته واتجه إليها ووقف أمامها وقد أدرك أنه بدأ ينال منها، قال "مشاركتك لن تكون بالزراعة ليست كل الأرض صالحة للزراعة سنستصلح الصالح منها والجزء الباقي أريد إقامة مزرعة دواجن وماشية به وانشائها يستلزم مهندس معماري وأعتقد أنكِ ربما ترغبين بذلك"
ضاقت عيونها البنفسجية وهي تتأمله، لم تخطر الفكرة على بالها، هي مهندسة معمارية والمزرعة بحاجة لدراسة عملية في ذلك المجال صحيح هو ليس تخصصها ولكن ليس صعب تحقيقه وهي تتمنى أن يكون لها شيء خاص بها
أدرك أنها تفكر فقال "أعلم أن الأمر بحاجة للتفكير، يمكنك أن تفكري حتى غدا فالرجل ينتظر ردي"
أبعدت عيونها وقالت "أنت غريب هل تثق في أني أستطيع أن أفعل بالرغم من أنك أمس كنت"
ابتعد وقال "هل ندع أمس للأمس ونتحدث عن اليوم والمستقبل؟ أنا أريد لهذه العزبة أن تكبر وتغطي كل احتياجتها ذاتيا وربما تزيد دخل أفرادها أنا أعلم أن الأمر صعب ومكلف ولكني أعلم أيضا أني قادر على تنفيذه إنه حلم حياتي وربما يصبح حلمك أنتِ أيضا"
أدركت مدى رغبته في الأمر وربما آثار داخلها فضول ورغبة وأمل في أن يكون لها حلم تسعى إليه فوالدها لم يمنحها أي فرصة لتكون نفسها، أن تكون هي وليس أحد آخر ولكن رغم تلك الرغبة التي نجح آدم في أن يثيرها داخلها إلا أنها تريد أن تفكر، لقد أوشكت على الرحيل من كثرة ما أصابها هنا وربما ذلك الإحساس الذي يوصله لها ذلك الرجل من الكره كل ذلك لابد أن تضعه في اعتباراتها لأنه عكس ما يطلبه الآن فهو يطلب منها أن تبقى لشهور لا ليوم أو اسبوع
قالت بدون تفكير "لا أريد أن أبقى"
نظر إليها وقد صدمه ردها فابتعد بضيق وقال "لماذا؟"
لم تنظر إليه وقالت "بيتي احترق وكلبي مات، المكان هنا أخذ كل شيء مني فلم أعد أريد البقاء وأشخاص لا ترحب بوجودي"
تحركت من جانبه ولكنه استدار وأمسكها من ذراعها برفق وأوقفها ولكنها لم تنظر إليه وهو يقول
"رنين"
رفعت عيونها إليه، لأول مرة يناديها باسمها بتلك النبرة المختلفة، نظر بعيونها وقال "لا يوجد أحد لا يرحب بوجودك وسأعيد لكِ البيت كما كان وأفضل وستبقين هنا إلى أن ينتهي، ضيفة عزيزة، تعلمين أن عمتي تقيم معي أي لن تثار الشائعات بأي شيء وإذا شئتِ أحضرت لكِ كلب غير جيمي فهل تفكري في الأمر؟"
لا تعلم ماذا أصابها؟ أنفاسها المتعالية، دقات قلبها السريعة، عقلها الذي يدق رنات التحذير، نبرته التي تحدث بها مختلفة بها بعض الرجاء المقنع بالكبرياء، لم تنظر إليه ولا تعلم ما الضعف الذي أصابها أمام عيونه فهزت رأسها بالموافقة على التفكير فترك ذراعها فابتعدت إلى الخارج لتهرب من عيونه وربما من نفسها أو.. ضعفها