رواية جعلني ملتزمةالفصل السابع7بقلم اسراء جمال
مرّ أسبوع كامل على تلك الأحداث التي قلبت موازين العلاقة بين "شذى" و"عبد الرحمن". بدا أن شيئًا ما تغيّر بينهما، علاقة كانت حتى الأمس القريب كأنها فرض مفروض، باتت الآن أقرب إلى الهدوء والتفاهم.
"شذى" صارت تستمع له، تراقب كلماته بإنصات لم تعهده من نفسها، وانزاحت شيئًا فشيئًا عن عنادها المعتاد، أما "عبد الرحمن"، فقد راح يعاملها بلين، كأخته "حياة" تمامًا، وكأن بينهما عهد صامت لا يُقال، لكنه يُشعر.
دخل "عبد الرحمن" إلى البيت بعد عودته من المسجد، صوته يعلو بمرح وهو ينادي:
السلام عليكم يااهل المنزززززل إين انتم يا حلوين
هرولت الفتيات من الدخل يخرجن ما ان سمعه صوتة
فاتقدم هو من "حياة" وأخرج من كيس بلاستيكي كبير الحجم يحمله بيدة شيئًا ما قائلاً بسعادة:
خدي يا حياة، أنا جبتلك معايا حاجة هتعجبك جدًا
تناولت "حياة" الكيس بلهفة، وابتسامة تملأ وجهها، ثم قامت باافراغ مافيه لتكتشفت وجود فستانًا طويلًا بلون زهري ناعم، واسع الأكمام، أنيقًا، يرافقه طرحة طويلة بلون متناسق، وحذاء أنيق يكمل الطقم.
لتبتسم هى بسعادة وتهرول الية تحتضنة وتقول بحب صادق لاخيها
الله، جميل أوي يا عبدو! ربنا يخليك ليا... وتعيش وتجبلي! أما أدخل أقيسه بقى ثم انطلقت نحو غرفتها لكى تقيسة
أما "شذى"، فقد ظلت تراقب الموقف من بعيد، صمت يلفها من الخارج، لكنه عاصفة من الداخل. شعرت بشيء لا تفهمه... غيرة؟ ضيق؟ أم رغبة دفينة أن تكون هي من يحظى بذلك الاهتمام والحب؟
لكن صوت "عبد الرحمن" قطع عليها أفكارها وهو يقبل عليها ويقول برتابة:
على فكرة... أنا منستكيش
فتسألت بخفوت
منستنيش إزاي؟
ليجيبها هو بكل بساطة
يعني جبتلك انتي كمان، زي ماجبت لحياة
ثم مد لها يدة بكيس اخر من داخل الكيس الكبير الذى يحملة
ابتسمت واخذتة منه، ثم فتحت الكيس، فوجدت فستانًا كحلي اللون، بأكمام طويلة، واسع بعض الشيء، ومعه طرحة بيضاء، وحذاء بنفس لون الطرحة.
رأى السعادة فى عينيها فااقترب يقول بهمس امامها
أتمنى يعجبك زي ماعجب حياة... وأتمنى كمان إنك تلبسيه
ابتسمت دون أن تشعر، ودفعت نفسها نحوه في لحظة تلقائية، فاحتضنته سريعًا، وقبّلته على خده، ثم نطقت بسعادة طفولية الى غرفتها وهى تتمم :
متشكرة جدًا جدًا جدًا... ربنا يخليك ليا
ثم هربت إلى غرفتها، تحمل كيس الهدية بين يديها كأنه كنز.
وقف "عبد الرحمن" مذهولًا من تصرفها، لا يدري أكان ذلك طبيعيًا أم لا، لكنه وضع يده على خده حيث طبعت قُبلتها... وابتسم.
في غرفتها، كانت "شذى" تدور أمام المرآة بالفستان، تارة تضحك، وتارة تضع الطرحة على رأسها لتجرب الشكل. ثم تنظر لحياة وتتسأل للمرة العشرون
إيه رأيك، يا حياة؟ حلو مش كده صح؟
ابتسمت حياة بخفة وهى تشعر بسعادة الاخرى
لتجيبها للمرة التى لا تعلم عددها جميل أوي أوي يا شذى، وكمان لو لبستِ عليه الطرحة هيبقى أجمل بكتير
جلست امامها وتساءلت بجدية
تفتكري هبقى حلوة بالحجاب؟ وهعجب عبد الرحمن؟
لترفع حياة احدى حاجبيها وتتساءل بمكر
واشمعنا عبد الرحمن يعني اللي عاوزة تعجبيه؟ ها؟
فاارتبكت هى وقامت تعطى لها ظهرها وتقول
ها؟ لا لا أبداً، أقصد يعني... إن عبد الرحمن هينبسط لما ألبس الحجاب وكده
اقتربت منها شذى وربطت على شعرها بحنو قائله
بُصي يا شذى، انتي المفروض تلبسي الحجاب عشان ربنا، هو اللي هينبسط بيكي مش عبد الرحمن... لأن اللي فرض الحجاب علينا هو ربنا، مش عبد الرحمن.
فلما تلبسيه، تلبسيه عشان تاخدي ثواب من ربنا، مش عشان تعجبي عبد الرحمن ولا أي حد، فاهمة؟
اومت لها ببتسامة وهى تقول بحماس
فاهمة يا حياة، وإن شاء الله أنا هلبسه في يوم... عشان أرضي ربنا
برافو عليكي يا شذى. وإذا كان عبد الرحمن هيفرح، فهو أكيد هيفرح عشانك، لكن انتي تلبسيه لربنا
يلا بقى غيري هدومك وتعالي نحضّر العشا، زمان عبد الرحمن جعان
حاضر، هغير وجاية وراكي على طول
_________
ها يا عبدو، إيه رأيك في الأكل النهارده؟ هكذا تسألت حياة بمكر
ليرد هو ببتسامة وهو ينظر لها بحب
جميل يا حياتي، تسلم إيدك النهاردة الاكل طعمة مميز ومختلف
مطت حياة شفتيها بطفولة واردفت
بس مش أنا اللي عملته لوحدي... شذى ساعدتني فيه
ابتلع هو باقي مافى فمة ثم نظر لها واردف بهدوء
تسلم إيدك يا شذى
شكرًا هكذا ردت دون نفس
لم تكن "شذى" بخير. كلمات "عبد الرحمن" لحياة، طريقته في المزاح معها، نظرته المليئة بالعطف... كل ذلك كان يمزقها بصمت.
كانت تتمنى أن يعاملها بنفس الحنان، أن تسمع منه تلك الكلمات، أن يبتسم لها مثلما يبتسم لأخته.
بدأت الغيرة تسري في عروقها بلا منطق، لا تفهم ما يدفعها لذلك، ولمَ تشعر بالحزن كلما رأت "عبد الرحمن" يضحك لحياة وهى لا؟
لكن ما وجع قلبها حقًا، هو أن النهاية قريبة. حين تتزوج "حياة"، سينتهي كل شيء.
دمعة ساخنة انسابت على وجنتها دون إذن، لحظتها حياه فسألتها بقلق:
مالك؟ في حاجة؟ عينك بدمع ليه؟
نفت هى ذلك واردفت بخفوت
لا، أبداً يا حياة... تقريبًا في حاجة دخلت في عيني. عن إذنكم، هروح أغسل وشي
اومت لها بينما وجهت حياة حديثها لااخيها تقول
عبدو انت عارف إن الدراسة قربت تبدأ؟ وأنا وشذى عاوزين ننزل نشتري شوية حاجات، ممكن؟
فأجابها هو على الفور يقول
شوفوا الوقت اللي يناسبكم وأنا أوديكم تجيبوا اللي محتاجينه يا حياة
تمام هقول لشذى وننزل بكرة، ماشي؟
ماشي يا ستي، موافق
فى االداخل كانت تجلس فى غرفتها منزوية تضع رأسها فى منتصف قدميها تتحدث داخلها بألم
هو أنا ليه بحس بكده؟ ليه بغير عليه من حياة؟ معقول أكون حبيته؟
لا طبعًا، مستحيل أكون حبيته...
أكيد ده وهم، أنا حبيت اللي بيعمله مع حياة، مش حبيتة هو، يمكن عشان كان نفسي يكون عندي أخ ويعاملني كده.. ده مش حب، لا أكيد مش حب
هفضل أقنع نفسي إنه مش حب، وإن كل ده هينتهي بعد الطلاق
بس... يا ترى القدر مخبّي لنا إيه؟
أيوه، نزلنا هنا جمب المول ده يا عبدو
نزلهم "عبد الرحمن"، ودخل معاهم، وبعد وقت طويل جدًا، خلصوا
عبد الرحمن، وهو شايل شنط كتير جدًا، بتعب مصطنع:
أها يابا يارتني ما قلتلكم هخرجكم... دانتو الستات مفيش وراكم غير التعب!
إيه الشنط التقيلة دي؟ اشتريتوا المحل كله ولا إيه؟
شيل وانت ساكت يا عبدو، دول شوية حاجات قليلة خالص هكذا هتفت حياة بمرح لترد عليها الاخرى بنفس المرح
أها، ده احنا حتى ما جبناش كل اللي كنا عاوزينه
رفع هو حاجبية ونظر لهم ثم اردف بسخط
لا والله؟ ما شاء الله! طيب ما شيلتوش المول وانتم راجعين بالمرة؟ ستات فاضية يشحططونا خمس وست ساعات، وفي الآخر يقولوا ما جبناش كل اللي عاوزينه! أومال لو جبتوا بقى كنتوا عملتوا فيا إيه؟
وأثناء كلامهم، قاطعهم شاب بدا مألوفًا لـ"شذى".
اقترب منهم، وابتسامة صفراء تتسع على وجهه وقال بخبث:
إيه ده؟ شذى! ياااه... دي صدفة حلوة أوي! إزيك يا شوشو؟ وحشاني والله
ارتبكت هى واجابت بتلجلج
أ... أهلاً
ليغمز لها الشاب ويقول ايه
مش تعرفينا مين دول؟
فاق عبد الرحمن من زهوله من تلك الموقف واقترب منه يتسأل بغضب
حضرتك الى مين؟ وبأي حق توقفها في الشارع وتكلمها؟
لم يعيرة اياد اى اهتمام ووجهه حديثه لها مرة اخرى قائلا
ما قلتليش مين الأستاذ ده يا شذى؟
انفعل عبد الرحمن ونطق بحده بصلى هنا
أنا اللي بكلمك على فكرة، يبقى توجه كلامك ليا أنا. انت مين؟ وبتعرفها منين؟
نظر هو لها بمكر مرة اخرى وقال
إيه يا شذى؟ ما قلتليش للأستاذ إني البويفريند بتاعك؟ ولا إيه؟ وإننا كنا مرتبطين وفى بينا علاقة حب وصلت لمراحل خطيرة
اخرس يا متخلف! هكذا ردت شذى علية بغضب
ف لم يتحمل، عبدالرحمن هذا الهراء الذى يحدث أمامة سحب "شذى" بعنف من يدها حتى وصلى إلى السيارة وألقى بها في المقعد الخلفي، ثم نظر إلى "حياة" الواقفة مصدومة وقال :
اركبي
لتفعل هى ماامرها به على الفور
ثم انطلق بالسيارة دون أن ينطق بكلمة.
وصلوا بعد صمتٍ ثقيل. وما إن ترجلوا حتى لحقت "شذى" به باكية:
"عبد الرحمن" أنا آسفة والله، ما كنتش أعرف إنه هيطلعلي فجأة كده
الكلام اللي قاله ده... حقيقي؟ كنتِ على علاقة بيه؟
أجابتة بصدق
أيوه، بس والله ما...
رفع هو كفة امام وجهها يقول بحدة بس
ماكملتش، ثم تركها ودلف غرفته.
وقفت مكانها، تبكي بقهر، ثم لحقت با "حياة" إلى الغرفة:
لتقابلها الاخرى بسؤالها المشكك
مين قال للزفت إياد ده إننا في المول؟ انتي لسه بتكلميه؟
لا والله يا "حياة"، ما بكلمه ولا ليا علاقة بيه، إحنا سبنا بعض من زمان، حتى اسألي "منى"
أنا مصدقاكي، بس وجوده في نفس المكان شككني... خصوصًا بعد اللي قاله لعبد الرحمن. أكيد وجعه كراجل... بس الحمد لله إنه ما اتصرفش بعنف معاه
"عبد الرحمن" مش راضي يسمعني، وشكله زعل أوي، مش عاوز يبص في وشي حتى
إن شاء الله لما يهدى، هكلمه أنا وأفهمه كل حاجة، يلا غيري هدومك وتعالي نامي، والصبح ربنا يحلها
مر أسبوع، و"عبد الرحمن" لا يزال يتجنب "شذى". لا كلمة، لا نظرة، لا طعام يجمعهما.
حلّ أول يوم دراسي، وكان من المفترض أن يوصل "حياة" كالعادة، لكن "ماذن" أصر أن يوصلها بنفسه
فقررت "شذى" أن تذهب وحدها، لكنها فوجئت بسيارة "عبد الرحمن" تنتظرها وهو يقول من الداخل
تعالي اركبي، أنا هوصلك، ما تركبيش تاكسي
فااجابت هى بعناد قائلة
لا عادي يا دكتور، أنا متعودة شوف انت طريقك
جز على اسنانة بحنق ثم اردف بحده
يلا على العربية من غير مناهدة، عشان أنا على آخري منك
اومت بهدوء ثم صعدت بجانبه في الأمام، للمرة الأولى، نظر لها باستغراب
فقالت هى مسرعة
أنت زعلت إني ركبت هنا؟ أنزل وأقعد ورا؟
فرد هو يقول بهدوء
لا مزعلتش... عادي، مافيش مشكلة ثم
انطلق بها، دون أي حديث بينهما
بعد قليل اوصلها ثم تحدث اليها قائلا
لما تخلصى، ابعتيلي، عشان حياة هتكون مع جوزها
حاضر بس... أنا معيش رقمك
هاتِ موبايلك هكذا رد ببساطة
لتمد هى يدها له بالهاتفة فيأخذه منها يدون رقمة به ويعطيه لها مرة أخرى وهو يقول
سجلتهولك
شكراً
عفواً، يلا انزلي
نزلت "شذى" وهي تطير فرحًا أول مرة يحدثها منذ أيام... وأول مرة يوصلها الى جامعتها وحدهم
دخلت الكلية، وجدت "منى" تركض نحوها
شذى! حبيبتي! وحشتيني أوي!
منى! منمونة! وحشتيني أوي
كويسة يا ستي، كده ما تسأليش عليا؟
معلش، والله ما كان ليا نفس أكلم حد
هو "عبد الرحمن" مضايقك ولا إيه؟
"عبد الرحمن"... ياريت كل الناس زيه
أنا نفسي أبقى زيه
إيه يا شوشو؟ شكلك وقعتِ هكذا تساءلت منى بمرح وهى تغمز لها
كنت غبية، ومقدرتش قيمة النعمة اللي ربنا بعتها لي... وحتى لو أنا وقعت، فا مش متأكدة إنه ممكن يبادلني
لا، كده الموضوع كبير... وعاوزله قعدة ع الكافيتريا
حياة، قولتي إيه؟
والله يا ماذن... مش عارفة
مش عارفة إيه؟ إحنا بقالنا فترة كاتبين كتابنا، وعاوزك جنبي
بصراحة، أنا خايفة بعد ما نتجوز، عبد الرحمن يسيب شذى
عبد الرحمن مش طفل، ومش لازم تضغطي عليه
أنا شايفة إن شذى كويسة، وبدأت تتغير بجد
ويمكن كمان بدأت تميل له
وإنتي شايفة إنه هيحبها وانتي قعدة معاهم؟
طب نتجوز بعد نص السنة؟
خلاص يا ماذن، موافقة
هو ده الكلام
تحب أحضرلك الغدا؟
لا شكراً، مليش نفس هكذا رد بختصار دون ان ينظر لها
لتشعر هى بغصة فى قلبها وتقول موجهه الحديث له
"عبد الرحمن"، أنا والله قطعت علاقتي بـ"إياد" من زمان
ترك مافى يده وقام يقف امامها ويقول بحدة
ولما انتي قطعتيها، عرف منين انتي فين؟ وإيه الكلام اللي قاله؟
هو قاصد يوقع بينا
سألها بستنكار
وإحنا أصلًا في بينا حاجة؟ انتي هنا عشان "حياة"، وبعد ما تتجوز، هينتهي كل حاجة،
كل اللي بطلبه، إنك تحترمي إنك شايلة اسمي، وبعدين اعملي اللي انتي عاوزاه
بس أنا بح... كادت ان تعترف له مايعتل دخل قلبها ولاكن دخول حياة فى ذلك الوقت منعها
السلام عليكم! إزيكم يا حلوين؟ اتغديتوا؟
حمد الله ع السلامة، لسه ما اتغديناش هكذا رد عبدالرحمن بخفوت
بينما وجهة هى حديثها لشذى
وإنتي يا شذى؟ ما أكلتيش ليه؟
لتجيبها الاخرى بصوت مختنق ثم تتركهم وتدلف لغرفتها
مليش نفس، عن إذنكم
نظرت لااخيها ثم تسألت بستنكار
هي شذى مالها؟
معرفش هكذا رد بختصار ثم قال من جديد
ادخلي غيري وتعالي احكيلي عملتي إيه النهاردة
لتجيبة هى بمرحها المعتاد
فوريرة.....
