رواية جعلني ملتزمةالفصل الثامن8بقلم اسراء جمال
مرّت أيامٌ طويلة، والوضع بين "عبد الرحمن" و"شذى" لم يتغير كثيرًا...
هي ما زالت تحاول التقرب إليه بكل ما أوتيت من حيلة، وهو لا يزال يضع بينها وبينه جدارًا باردًا من التجاهل والصمت.
لكن "شذى" لم تعد كما كانت. شيئًا ما تغيّر في داخلها، انعكس على مظهرها وأسلوب حديثها وحتى نمط حياتها. بدأت ترتدي ملابس أكثر وقارًا، وتفكّر جديًا في ارتداء الحجاب...
كان هذا التحول نابعًا من أمرين؛ أولهما أنها بدأت ترى في الالتزام راحة لقلبها، وثانيهما أنها أحبت "عبد الرحمن"... نعم، أحبّته بحق، دون أن تدرك متى وكيف حدث ذلك.
الحب لا يستأذن، لا يمهّد الطريق، بل يقتحمك بغتة، كما اقتحم قلب "شذى"، فملأه بالشوق والخوف والرجاء.
لكن السؤال الأهم ظلّ عالقًا في صدرها:
هل يُبادلها نفس الشعور؟
هل يرى فيها ما يجعل قلبه يخفق كما يخفق قلبها حين تراه؟
لم تكن تملك جوابًا، سوى ذلك الصمت الذي يقتلها كل يوم.
مرّت الأيام إلى أن حلّت امتحانات منتصف العام، والتي تعقبها مباشرةً حفلة زفاف "حياة" و"مآذن"… الحدث الذي يشغل الجميع ويشعل الترقب في البيت.
وقفت "شذى" تتململ في مكانها، وهي تشدّ أطراف ملابسها توترًا، ثم نظرت إلى "حياة" بقلق وقالت:
أنا خايفة يا "حياة"... حاسة إني مش مركزة خالص ومش هعرف أجاوب.
ردّت "حياة" بابتسامة هادئة:
اهدى يا "شذى"، احنا راجعنا مع بعض طول الليل، و"عبد الرحمن" ما سابناش، كان بيشرح لنا كل يوم... بطلي توتر بقى وسيبيها على ربنا.
قالت "شذى" بتوتر ظاهر:
ما أنا... ما كنتش بركز أصلاً وهو بيشرح.
ضحكت "حياة" بخبث وقالت:
دي مشكلتك إنتي... أنا عارفة إن أخويا فتان وكل البنات بتسرح فيه، هو زنبه إيه بقى إنه حليوه وعسول.
رمقتها "شذى" بغيرة حقيقية وقالت:
يعني إيه؟ يعني البنات عنده في الكلية بيفضلوا يبحلقوا فيه وهو بيشرح؟ والأستاذ بقى مبسوط وسايبهم، ده عامل فيها شيخ ومربي دقنه وهما يسيبلوه عينيهم كده؟!
ضحكت "حياة" أكثر وهي ترد متعمدة استفزازها:
لا يا ستي، هو مش بيبص لحد، بس البنات هما اللي بيبصوله... و"عبدو" مؤدب مش بتاع الكلام ده، عشان كده البنات بتموت عليه.
صرخت "شذى" وهي تضرب الأرض بقدميها:
يا رب يموتوا البنات اللي بيبصوله دول، لا يارب يموتوا كل البنات إلا أنا وإنتِ بس!
قهقهت "حياة" وهي تقول:
يالهوي على الغيرة! يا بختك يا "عبدو"!
أمال ليه لما بييجي تقلبى بطة بلدي ولسانك يتربط؟ قولي له الكلام ده يمكن يحس شوية، ده أول مرة أشوف أخويا جبلة كده!
ابتسمت "شذى" وسط غيرتها وقالت:
بس بقى يا "حياة" متقوليش عليه كده... لأضربك!
غمزتها "حياة" وهي تقول:
شكلك كده الحب ولّع في الدرة... يلا بينا، الامتحان قرب يبدأ.
خرجتا من قاعة الامتحان بعد ساعات من القلق والتفكير، وكانت "شذى" تقفز من الفرحة وهي تحتضن "حياة":
الحمدلله يا "حياة"! الامتحان كان سهل أوي!
ردت "حياة" ببسمة:
الحمدلله يا حبيبتي إنك جاوبتي كويس... يلا نلحق تاكسي ونروح.
سألتها "شذى" باستغراب:
تاكسي؟ مش "عبد الرحمن" هييجي يوصّلنا؟
قالت "حياة":
كلّمني من شوية، قال لسه مخلصش وطلب أكلّم "مآذن" ييجي ياخدنا، بس موبايله مقفول... فهنركب تاكسي وخلاص.
همست "شذى" بحزن خافت:
تمام... يلا بينا.
لكن لحظة خروجهن من بوابة الجامعة، امتدت يدٌ وقبضت على ذراع "شذى" بقوة، فاستدارت مذعورة، لتجد أمامها "إياد"...
صرخت بغضب:
إيه ده؟ ابعد إيدك عني يا حيوان!
ضحك "إياد" بسخرية وهو يقول:
هي دي المقابلة اللي تقابلي بيها حبيبك؟!
صرخت "شذى":
حبك برص يا متخلف! سيب إيدي، إنت لا كنت ولا هتكون حبيبي في يوم!
تشدّق بتحدٍ وقال:
لا مش هسيبك، وهتيجي معايا دلوقتي.
تدخلت "حياة" بعصبية:
سيب إيدها يا غبي، ولا هصوّت وألمّ عليك الناس!
ضحك باستخفاف:
إيه ده؟ مش دي أخت جوزك المغفل؟
صرخت "حياة" بحدة:
بقولك سيب إيدها يا إياد! ولا أنده الأمن يبهدلوك!
أفلت يد "شذى" أخيرًا، وحدق بها بنظرة مظلمة:
أنا مش هسيبك، يا "شذى"... هخليكي تندمي على كل اللي عملتيه فيا، وهدمّرك... فاهمة؟!
ثم تركهم وغادر، بينما كانت "شذى" ترتجف وتبكي:
اتفو عليك... حقير وسافل.
ربتت "حياة" على ظهرها بلطف وقالت:
اهدى يا "شذى"... خلاص، مشي، مش هيقدر يعملك حاجة.
همست "شذى" بخوف:
هتقوليله؟ هتقولى لـ "عبد الرحمن" اللي حصل؟
ردت "حياة" بحنان:
لا يا حبيبتي، متخافيش... مش هقوله حاجة، يلا نروح.
دخل "عبد الرحمن" إلى البيت متعبًا، فاستقبلته "حياة" بابتسامة:
السلام عليكم.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، حمد لله على السلامة... اتأخرت ليه كده؟
رد بتنهيدة مرهقة:
كان عندنا لجنتين النهارده، عشان كده اتأخرت. المهم... عملتوا إيه في الامتحان؟
ضحكت "حياة" وقالت بمرح
أنا جاوبت كويس...
فرد هو بتلقائية
طب وشذى
فرت بمكر...
"شذى" تسألها بنفسك، أنا هدخل أناديها عشان نتغدى.
جلسوا جميعًا على مائدة الغداء، ووجّه "عبد الرحمن" حديثه إلى "شذى" بنبرة ثابتة:
عملتي إيه في الامتحان النهاردة؟
أجابت بهدوء:
الحمدلله.
سألها بتأكيد
يعني جاوبتي كويس؟
أومأت بخجل وهى تقول
أه... الحمدلله جاوبت كويس جدا
اوما برأسة وهو يقول
طيب.
نظرت إليه "شذى" بغيظ، ثم نطقت بانفعال:
وأنت... كنت بترقّب على بنات ولا ولاد النهاردة؟
نظر لها بستغراب وسألها بتعجب :
نعم؟!
شذى بغضب :
_بقولك انت كنت بتراقب ع بنات ولا ولاد ،
اها تلاقيك كنت فرحان انهم بيبصولك ؟
عبد الرحمن برفعة حاجة:
_ انتى سخنة والا اية ثم وجهة حديثة الى حياة وقال فى اية مالها دى يا "حياة" بتقول كلام غريب هي تعبانة ولا حاجة
حياه ف نفسها : اها قلبها بيوجعها يبارد
شذى بعصبية
_ انا الى بكلمك ع فكرة مش "حياه" يبقى توجهه كلامك ليا انا مش ليها !
حياة ف نفسها: لا انا اقوم اكرملى بدل مااتهزق دى شكلها هتاكلة الله يكون ف عونك ياخويا ?
طيب عن اذنكم انا هروح اصلى العصر اصلى نسيت اصلية وتركتهم وذهبت مسرعة الى غرفتها
بينما قال "عبد الرحمن" ساخرًا وهو يحدّق في "شذى":
كنتِ بتقولي إيه؟ سمعيني تاني، أصلي سمعى تقيل
تلعثمت "شذى" وقالت برتباك بعدما ذهب من تتحامى في وجودها :
ها... لا... أنا كنت بكح بس... شرقت وأنا باكل!
كتم ضحكته وقال:
بتهلوسي ولا بتكحي؟
ردت بتوتر:
ايوه صح بهلوس... أصل عندي حالة كده بتيجي وتروح!
أطلق ضحكة صافية قلبت كيانها وهو ينظر لها واردف
اها يعني مجنونة؟
نظرت إليه بوله وقالت هامسة
اها مجنونة... بيك
سمع همسها ليقوم من مكانه ثم يقف امامها ويميل بوجهه اليها ثم همس بنفس نبرتها
أنسى..
ثم تركها ومضى إلى غرفته، تاركًا قلبها ينبض خلفه بخجلٍ لا يشبه أي خجل، ولهفة لا تشبه أي لهفة.
_حياة ياحياااااااة قومى يابت قووومى بقا كل دة نووووم .
حياة بنعاس وهى تتململ فى الفراش :
_ فى اية ياشذى سبينى نايمة شوية لسة بدرى
"شذى" يابت قومى هنتاخر عندنا امتحان الساعة عشرة وسيادتك لسة نايمة لحد دلوقتي الساعة داخلة على تسعة
"حياة" بكسل وهى تنهض قولتلكم مية مرة متسبونيش انام بعد مااصلى الفجر مابقدرش اقوم يابشر
شذى بضحك:
_ طيب قومى ياختى اغسلى وشك وجهزى نفسك كدة، على بال مااعملنا سندوتشين ع الماشى كدة
حياة : ماشى واعمليلى شاى معاكى
شذى بضحك:
_قالت بصوت عالى وهى تخرج من غرفتها هتتشرطى كمان؛ وفجائة اصتدمت بحائط وكانت ستقع وتفقد توازنها وما كان هذة الحائط الا كائن بشرى وهو "عبد الرحمن"
نظرت له وقالت برتباك : وهى تضع يدها على صدرة وهو ممسك بها من خصرها كى لا تقع احم انا انا اسفة
عبد الرحمن بحرج :
_احم ولا يهمك حصل خير ثم عدل وضعيتها وتركها وذهب .
شعرت "شذى" بالخجل الشديد من تلك الموقف فاهرولت مسرعة تذهب للمطبخ وهى ترسم على شفاها ابتسامة واسعة وتتذكر ماحدث منذ قليل
بينما دلفت ''حياة'' اليها فوجدتها تبتسم
فقالت وهى تغمز لها وتقول بمكر
الله الله دا احنا بنتحضن عينى عينك كدة اهو ومش مراعيين ان فى كائن سنجل قاعد معاكم ف البيت .
ردت شذى برتباك:
_ على فكرة بئا يا حياة انتى.. انتى.. قليلة الادب وتركتها وذهبت خارج المطبخ
ثم عادت اليها مرة اخرى وقالت اعملى انتى بقا الفطار والشاى عقابا ليكى واخرجت لها لسانها بطفولة وذهبت
حياة بضحك : بقا كدة ماشى ان ماخليتكم تعترفو بحبكم لبعض مبقاش انا حياة
مرّت الأيام، وجاء أخيرًا اليوم الأخير من الامتحانات، والفرحة كانت تعلو الوجوه.
قالت "حياة" وهي تقفز فرحًا:
واخييييرًا خلصنا امتحانات! أحمدك يارب!
غمزت لها "شذى" وقالت:
طبعًا فرحانة... مش فرحك بعد أسبوع!
ردت "منى" بحماس وهي تمشي معهما:
أيوة بقا يا عروسة... لازم تفرحي!
أخفضت "حياة" رأسها بخجل وقالت
لا أنا فرحانة عشان مش هزاكر تاني... ثم رفعت نظرها لشذى واردفت بمراوغة إنتي اللي لازم تفرحي، هيخلّي لك الجو مع سى "عبدو" وهفضى لكم البيت
اتبعت حديثها بغمزة عابرة من عينها
ضحكت "منى" واردفت بحماس
الله يسهلكوا... مش فاضل غيري أنا اللي سنجل.
همست "شذى" بحزن:
قربت أبقى سنجل زيك.
نظرتا إليها بعدم فهم، لكنها تجاهلت الأمر وقالت:
يلا يا "حياة"، خلينا نخرج... يمكن "عبد الرحمن" مستنينا برة.
في زاوية مظلمة من المدينة، كان "إياد" يجلس مع أصدقائه في أحد الأماكن الرخيصة. يتحدث عن "شذى" بنظرة شيطانية توحي بالشر.
قال "مراد" محاولًا ردعه:
إنت اتجننت؟ سيب البنت ف حالها... خلاص، اتجوزت.
رد "إياد" بغلٍ:
مش أنا اللي وحدة زى دى تهين كرامتي كده وتفلت! هخليها تدفع التمن... التمن غالي.
ثم أخرج هاتفه وهو يلوّح بفيديو قائلاً:
الفيديو ده يوصل لجوزها بأسرع وقت... فاهم؟!
رفض "مراد" ورد بحده
لا يا عم... ، أنا مليش دعوة بتفاهتك دي.
قال "إياد" ببرود:
تمام... أنا اللي هبعت.
أنا عاوزة أفهم إيه اللي بيحصل بينك وبين "شذى" يا "عبد الرحمن"؟!
هكذا اردفت حياة وهى تنظر لااخيها بحدة
ليجيبها الاخر بدهشة: محصلش بينا اى حاجة،
ليه؟ هي قالتلك حاجة؟
هزّت رأسها تنفى ذالك واردفت تقول بحزن على حال صديقتها
لا، بس حالتها مش عاجباني... حزينة، مسهمة، وكل ما أدخل عليها ألاقيها بتعيط... إنت عملتلها إيه؟
صرخ بانفعال يقول
والله ما عملتلهاش حاجة!
لترد هى بهدوء قائله
أنا عارفة إنك أخويا وبتحبني، بس اسمعني... "شذى" اتغيرت، بقت إنسانة تانية، بتحاول تقرب من ربنا، وبتحبك.
ادّو نفسكم فرصة تانية... يمكن تلاقو السعادة مع بعض.
نظر لها وقال بذهول:
بتحبني؟!
فأجابتة بقهر على حال تلك المسكينة :
إنت لسه مش فاهم؟ تبقى عبيط... واللي يلاقي حد بيحبه ويفرط فيه يبقى غبى
بت يا حياة فى اية عمالة تغلطى من الصبح ونسيتى انى اخوكى الكبير
حياة بضحك : مش بنصحك يا كبير
ها قولى بقا قررت اية
عبد الرحمن ببسمة: اممم كل خير
حياة بغمزة: يعنى انت كمان بااااااااا
عبد الرحمن:
_ وهو يضع يده ع فمها ليمنعها من ان تكمل بس بس يافضحية لتسمعك
خليها ف سرك لحد ماييجى اليوم المناسب
حياة بسعادة :
وهى تحضنة ربنا يسعدك يااخويا ويفرح قلبك انت وشذى واشوف ولادكم قريب يارب
جلست "شذى" في غرفتها، تقاوم الغيرة والانكسار، حين دخلت "حياة" بحماس:
يلا يا "شذى"... قومي معايا نجيب الفستان!
قالت "شذى" بعناد: مش راحة ياحياة، انتى راحة انتى وجوزك اجى انا معاكم بصفتى اي
ردت "حياة" بمرح
بصفتك مرات أخويا، يا جميل!
ضحكت "شذى" بسخرية:
من إمتى ده؟
غمزتها "حياة":
من قريب إن شاء الله، ثم اكملت لكى تستفزها
هتقومى ولا لا يابت انتى ولا اخد عبد الرحمن وننزل لماذن ونهلة تحت ناخدهم ونمشى ونسيبك هنا لوحدك
صاحت "شذى" بانفعال حين سمعت اسم "نهلة" وقالت بغيرة
نعممم؟! و"نهلة" كمان رايحة؟ ومع جوزي كمان؟!
قهقهت "حياة" بصوت عال واردفت تقول
اي دا كلمة جوزى بقت تطلع منك دلوقتى من غير عقد نفسية!
صرخت "شذى" غيظًا منها وقالت بعناد وغيرة
لو "عبد الرحمن" رايح، أنا كمان جاية... مش هسيبه مع الصفرا دي لوحده!
نظرت لها حياة بحدة واردفت
بت عيب دى مهما كان تبقي اخت جوزى احترميها شوية
فاردت شذى تستفزها
انت وهى ياحببتى ولا يهمنى
ابتسمت حياة واردفت بمرح تسلمى لى ياقلبى
يلا بقا... قومي جهزي نفسك.
