
كراهية
لم تتناول في حياتها طعاما بمثل هذا الجمال وهو ما قالته لمنى التي قالت "أمي هي التي صنعته وأنا أحضرته وكل يوم سأفعل هل ستبقين معنا كثيرا ووحدك؟"
نظرت إليها دون تفكير بكلماتها وقالت "ربما بعض الأيام فأنا بحاجة إلى هذا الهدوء كي أستعيد نفسي"
قالت منى بتفهم أدهشها "نعم، تقصدين موت والدك؟ أنا عرفته مرة واحدة عندما أتى لاختيار مكان هذا البيت كان يبدو مرحا ونشيطا رحمه الله"
امتلأت عيونها بالدموع فأبعدت عيونه بينما انتبهت منى فقالت "هذه فاكهة صابحة ستعجبك جدا"
قالت رنين باستعلام "ماذا تعنين بصابحة؟"
أجابت منى "يعني طازة من الأرض إليكِ، نحن هنا نزرع كل ما نحتاجه الأستاذ آدم جعلنا نعتاد على ذلك حتى لا نحتاج لشراء شيء" لم ترد وهي تتناول المانجو الطازج اللذيذ
أطعمت كلبها واطمأنت على مكانه المعد مسبقا فوالدها كان يحبه مثلها ورصت ملابسها وبعد العصر ناولتها منى الشاي المعطر بالنعناع الأخضر ثم استأذنت في الرحيل
تأملت الأراضي الخضراء حولها ثم خرجت مع جيمي إلى الأراضي المحيطة حيث سارت كثيرا بين الأراضي الزراعية وقليلا ما كانت تقابل أحد
أسرع جيمي مبتعدا فنادته وأسرعت خلفه خشية أن تفقده بينما زادت النباتات حولها ولكنها لم تفقد الطريق ولكن فجأة رأت رجلا يداعب جيمي وهو ينحني عليه
أسرعت إليه وهي تنادي "جيمي"
لم يتحرك الكلب إليها وقد اقتربت منهما فاعتدل الرجل فبدا أطول منها وذا قوام متناسق وبدا عليه القوة، نظرت لوجهه الطويل وبشرته السمراء أو ربما لوحتها الشمس فأكسبته ذلك اللون الجميل، عيونه السوداء عرفتها خاصة نفس النظرة الساخرة أو الممتلئة بالكراهية
لم تتحدث وإنما قال هو "إذا لم تكوني قادرة على التحكم فيه فكان من الأفضل عدم إحضاره"
شعرت بالضيق من كلماته وقالت "ومن قال أنني لا أتحكم فيه؟ إن جيمي كلب مدرب ويمكنه الوصول إلي بسهولة"
لاحت نفس النظرة الساخرة بعيونه والتي جذبتها وكرهتها في آن واحد ثم قال بصوت عميق "نعم، من أجل ذلك أنقذته أنا من السقوط في الترعة"
نظرت إلى حيث أشار فرأت نهر صغير من الماء وهو على حد معلوماتها المكان الذي يروي منه الفلاحين الأرض، داعبها جيمي وكأنه يعتذر منها ..
أبعدته برفق وقالت مدافعة "لم يكن عليك أن تفعل فكما أخبرتك هو مدرب، كما يمكنه السباحة"
أشعل سيجارة وحال الدخان بينهما وهو يقول "هو مدرب ولكن على أماكن الترف التي اعتاد أن يكون بها مع سيدته التي لا أعلم ما الذي تفعله أصلا في مكان بدائي كهذا بمثل هذا المظهر؟ لن تتحملي يوم واحد أصلا به"
رفعت رأسها بذلك البنطلون الجينز الضيق وبلوزة بيضاء ضيقة وقصيرة ولكنها لم تهتم لمظهرها الذي تحدث عنه ولكنها قالت بضيق "أعتقد أن ذلك ليس من شأنك وقدراتي أنا أدرى بها من أي أحد خاصة حضرتك"
ثم استدارت فقال "نصيحة مني، هذه الملابس لا تليق بذلك المكان ربما تمنحك منى ما يتلاءم"
استدارت إليه وقد بدا الغضب عليها وقالت "هل يمكن أن أعرف من الشخص الذي يملي علي اللائق وغير اللائق ويظن أنه الوصي علي؟"
لاح بريق السخرية على وجهه وقال "آدم مرعي يا، آنسه رنين"
كاد يتحرك قبل أن يقول "لا تنسي نصيحتي"
وتركها وذهب كم كرهت ذلك الرجل وكرهت غروره وكراهيته الباديه في نظرته لها ولا تعلم ما سببها
عادت قبل أن تظلم أغلقت الباب جيدا واكتشفت مكان المطبخ فأعدت وجبة خفيفة تناولتها ثم صعدت وغيرت ملابسها بعد أن اخذت حمام اتصل بها آسر ليطمن عليها ثم سقطت في الفراش ثم النوم دون وعي ..
كان اليومان التاليان على نفس المنوال تستيقظ مبكرا على صوت منى لتتناول الإفطار ثم تتجول بين الأراضي الزراعية واعتادت نظرات الجميع إليها واعتادت أيضا أن تتبادل معهم الأحاديث الودية سواء مع المزارعين الرجال أو تلك النساء اللآتي كانوا يحملن الأشياء فوق رؤوسهم بمهارة وزارت السوق وتمتعت بكل أنواع الخضار والفاكهة الطازجة كانت تسير وهي سعيدة بين الفلاحين ثم استعملت آلة التصوير الخاصة بوالدها لالتقاط الصور فقد تعلمت من تواجدها الدائم معه الكثير عن أصول التصوير ..
مضي اسبوع تقريبا ثم زارتها أم منى كانت سيدة مصرية أصيلة أمضت معها وقتا طيبا وأحبتها رنين جدا
"وأنتِ يا ابنتي هل ستبقين معنا أكثر أم أصبتِ بالملل مثلك مثل كل بنات جيلك؟"
ابتسمت وقالت "بل على العكس أنا كل يوم أزداد سعادة بوجودي هنا ومشاهدة كل ما حولي، لماذا حضرتك تظنين أن جيلنا هكذا؟"
مطت شفتاها وقالت "لا أعلم، ولكن كل الشباب هنا إذا تزوجوا من خارج العزبة قرروا السفر مع زوجاتهم والبقاء بالمدينة بعيدا عن أهاليهم"
قالت رنين بصدق "ولكن أنا أحب المكان جدا خاصة وأن كل شيء هنا هادئ ومريح ونظيف ومنظم وكأن كل شخص يعلم دوره جيدا"
ابتسمت المرأة وقالت "بصراحة ذلك مجهود آدم فهو يعرف ماذا يفعل جيدا ولا يخطأ ويعشق كل شيء هنا وأيضا باقي الأراضي الخاصة به ماعدا المنطقة ه وهي أرض عليها جدال منذ عدة سنوات وهي غير مستصلحة ولكنها صالحة للزراعة ولكن عليها بعض المشاكل، بصراحة آدم يعيش حياة صعبة جدا ومع ذلك لا يبحث عن الراحة"
ظلت تحدق بالمرأة والأفكار تأخذها وقالت "ترى هل زوجته تتقبل هذا الوضع؟"
نظرات المرأة امتلأت بالحزن وقالت "لم يتزوج يا رنين يا بنتي، خطب منذ عدة سنوات ابنة عمته ورغم الحب الذي عرفناه بينهما إلا أنها بمجرد أن أتت وبقت هنا عدة أيام في زيارة وعرفت أنه مصر على أن يعيش هنا وقد ظنت أنها سيمكنها أن تؤثر عليه بعد الخطوبة وتجعله يغير رأيه ولكن بالطبع هو لم يفعل فرفضت وتركته إلى غيره ممن يوفر لها حياة الترف وكانت الصدمة التي غيرت مجرى حياته ونسى الزواج بل وأخرج المرأة من حياته تماما"
تذكرت كلماته معها عن الترف وتحمل المشقة بالتأكيد الآن فهمت ..
في اليوم التالي قررت زيارة المنطقة ه التي أخبرتها عنها أم منى واصطحبت جيمي معها وكاميراتها، لم تعد تسأل عن الطريق فقد اعتادت أن تستكشف الطريق وحدها وأثناء سيرها في تلك الأراضي لاحظت فارس على حصان وعندما اقترب منها بدأت تعرفه
توقف فتوقفت كان يرتدي ملابس فارس، في كل مرة تختلف ملابسه وذلك الكاب الذي يضعه على رأسه أخفى بريق عيونه وهو ينظر لها ويقول "هل اسال إلى أين؟ أنت تخرجين عن حدود العزبة وهو أمر خطر"
رفعت رأسها وقالت باعتزاز واضح "أعتقد أني أعرف طريقي جيدا ولا أحتاج نصيحة من أحد فأنا لم أطلبها"
تحرك الحصان به ولكنه شد اللجام فخضع الحصان لصاحبه القوي الذي قال بحزم "أنا لا أنصحك، أنا آمرك بالتراجع، المنطقة خطر ولا يمكنك الذهاب وحدك"
لم تنصاع لكلماته وإنما قالت بعناد " وأنا لا أتلقى أوامر من أحد أنا لا أعمل عندك"
قال بصوت مرتفع فيه نبرة غضب "أنتِ عنيدة ومغرورة وتظنين أنكِ تعرفين كل شيء وأنتِ لا تدركين أي شيء"
زاد ضيقها منه وقالت "وأنت قليل الذوق وأنا لن أتحدث معك بعد الآن"
قال بنفس الغضب "جميل وماذا؟ ألن تتراجعى أيضا؟ أصحاب الأيدي الناعمة لا تصلح حتى لقيادة ما تركبين"
زاد غضبها وقالت بإصرار "تلك الأيدي الناعمة أنت لا تعرف عنها شيء فلا تدعي الكمال لأنك لست إله ولن تكون فأنت مجرد إنسان مغرور ومتكبر ووقح وأنا لا أعلم لماذا أصلا أقف هنا وأتحدث إليك؟"
ثم شدت اللجام فتحرك الحصان جاذبا العربة بها وتركته وهو يتبعها بنظراته وهي تكره اليوم الذي قابلته فيه ورغم أنهم شركاء إلا أنهم لم يلتقيا أو يتحدثا سويا في أي شيء فقد تركت تلك الأمور للمحامي وهي لن تتعامل مع رجل مثله
كانت المنطقة قد لاحت أمامها من العلامات التي أحيطت بها، كانت أرض جرداء إلا من بعض النخيل الذي ينبت دون تدخل الإنسان والكثير من التلال الصخرية المرتفعة اندهشت من وجود مثل تلك المنطقة بجانب الاراضي الزراعية الأخرى ولكن المنظر جذبها
نزلت وتبعها جيمي ربطت الحصان في إحدى الأحجار الكبيرة وبدأت التجول وهي تحصل على العديد من الصور للمناظر الطبيعية وأخيرا وصلت إلى بركة ماء تحيطها نخلات عديدة، أعجبها المنظر والتقطت العديد من الصور
عندما تأخر الوقت قررت العودة إلى العربة وركبتها وركب جيمي ولكن فجأة فزع الحصان وأخذ يصهل بشدة وجيمي ينبح وقد لاحظت هي تلك الأفعى التي خرجت من بين الصخور ثم انطلق الحصان بسرعة مفاجأة مما أفقدها توازنها فسقط اللجام من يدها وسقطت هي الأخرى على أرضية العربة وما أن استعادت نفسها حتى هالها ما رأت فقد رأت الحصان يسرع إلى احد التلال الصخرية بدون وعي ، حاولت أن تبحث عن اللجام ولكن قد فات الأوان فقد اصطدم جانب العربة بإحدى الصخرات الكبرى وانقلبت العربة على جانبها وفقدت هي توازنها وسقطت خارج العربة واصطدمت بالأرض على كتفها الأيسر واصطدم رأسها بشدة بإحدى الصخور الكبري شعرت بألم ثم أصابها دوار ولم تعد تشعر بأي شيء