رواية ابتليت بحبها الجزء الثاني2 الفصل الثاني والخمسون52 بقلم نجمه براقه

رواية ابتليت بحبها بقلم نجمه براقه
رواية ابتليت بحبها الجزء الثاني2 الفصل الثاني والخمسون52 بقلم نجمه براقه
ياسر
كانت أيام تقيلة، عايش على أعصابي، كل رنة تليفون قلي بيتقبض بسببها… 
عايش مترقب وخايف من وصول خبر دعيت انا وكل اللي يهمه حمزة انه ميسمعهوش 
.
وزاد على كل ده وجع الضمير عندي لما قدرت أنام وأنا عارف إني السبب إن حازم يعرف سره ويستغله ضده.

وصحيت الصبح لقيت اكتر من  عشر رسايل من صحابنا وشباب وبنات كنا نعرفهم، كلهم بيسألوني
"صحيح حمزة مطلعش ابن زيدان؟"

عرفت فورًا إن حازم بدأ انتقامه من حمزة… من قبل حتى ما يظهر.

ملاني الغضب من ناحيته، وحلفت إني ما هسيبه…
خرجت من البيت علشان أبعد عن إخواتي وأعرف أكلمه.

كنت ناسي إنه عامل لي بلوك، ومعرفتش غير لما رجعت أتصل بيه والاتصال ما وصلوش.

ماكانش عندي شك إن كل ده هو اللي عامله.
فقررت، ومن غير ما أواجهه أو نتكلم، إني أردهاله… وتكون واحدة بواحدة.
فضيحة قدام فضيحة.

اتصلت برقم حمزة، قاصد رقية.
بعد أول رنة، ردت بلهفة:

ـ أيوه يا ياسر؟

ـ إزيك يا رقية؟ عاملة إيه؟

ـ تمام، طمني… في أخبار؟

ـ لأ، مفيش. كنت عايز تليفون حمزة.

ـ ليه؟

ـ في حاجة عليه عايز آخدها.

ـ حاجة إيه؟

ـ هقولك بعدين.

ـ طيب، تعالى خده.

طلعت بالموتسيكل بتاعي ورحت.. 
فتحتلي رقية، والتليفون في إيدها.
شديته منها من غير حتى ما أرمي عليها السلام، وبدأت أقلب فيه، وأدور على الفيديو اللي صورهوله.

قالت رقية، وعينها معلقة على التليفون:

ـ بتدور على إيه؟ فهمني.

تابعت البحث في الفيديوهات… لكن فجأة!
افتكرت إن حمزة كسر التليفون اللي صورن عليه وقت ما زعل من رقية وسافر.
وضيع الحاجة الوحيدة اللي كانت ممكن توقف حازم عند حده.

ضغطت على التليفون بقوة، وهتفت بغيظ:

ـ مش موجود!

قالت بقلق:

ـ إيه اللي مش موجود؟ انت قلقتني، في إيه؟

ـ الحيوان اللي ابتز بسنت بصورها!
ماشي يقول إن حمزة مش ابن زيدان… وكلام وسخ زيه.

شهقت بصدمة وقالت:

ـ وهو عرف منين؟

ـ من مطرح ما عرف.
المهم إن حمزة كان مصوره فيديو يخليه يلبس طرحة ويقعد في البيت… بس للأسف، على التليفون اللي اتكسر.

قالت بغضب:

ـ الحيوان! ابن الكلب، ده كان عايز يخطفني قبل كده!

ـ مين ده؟ حازم؟!

ـ أيوه… الراجل اللي اسمه عز لحقني منه هو وواحد تاني.. 

ـ ومقولتليش ليه؟!

ـ مكنتش عاوزة أعمل مشاكل.

ضربت كف بكف وقلت 

ـ يا رقية ده كلام؟ أهو واخد راحته!
لو كنتي قولتي، كان زمانه اتسجن… ولا غار في داهية

ـ أهو  واللي حصل  المهم دلوقتي نشوف حمزة فين ونلاقيه…

اضافة بتوعد

_ وبعدين أنا هعرف أقول لمين يوديه في مصيبة.

قلت بخوف، فاقد أي أمل في الوصول ليه:

ـ شكلنا بنلف في دايرة مقفولة، وعمرنا ما هنلاقيه…
كام يوم دلوقتي ومحدش يعرف عنه حاجة.
يعني لو كان لسه عايش، كان فضل مختفي كل ده؟

احتشدت الدموع في عينيها، وقالت بترجي:

ـ متقولش كده والنبي! أنا عايزة اللي يطمني… مش اللي يزيد خوفي.. هيرجع انا قلبي بيقولي انه هيرجع 

#ياسين

دخلت اوضة زيدان بخطوات خفيفة، مفهاش أي صوت ووقفت على بعد مسافة صغيرة منه

راقبته وهو نايم على السرير وعلى نفس الوضع اللي سيبته عليه قبل ساعة.
كنت ثابت مكاني من غير ولا كلمة. ركزت جدًا في تعابير وشه، رمشة عينه، حركة جفنه، حركة إيده، حتى خروج أنفاسه كنت بتابعه.. يمكن بس يعمل حركة واحدة تثبتلي إنه صاحي، وإن شكي مكانش غلط.

ومر الوقت... دقيقة ورا دقيقة، من غير أي جديد. مفيش حركة، مفيش رمشة، نفس الوضع.. مغمض عينه، إيديه ثابتة، وشه ساكن ..
حتى النفس بيخرج بانتظام 

خلاني أشك في نفسي... واقول معقول الأشعة والدكتور بيقولوا إنه اتعافى، وهو لسه مفتحش عينه حتى؟ 

زهقت وتعبت.. حسيت إني بتخنق وانا واقف جنبه من غير فايدة.

خرجت من الأوضة وقفلت الباب ورايا، وقلت بحيرة موجه كلامي لحسن اللي قاعد في الصالون:

_ معقول يكون إحساسي غلط؟ وهو مش فايق؟
طيب إزاي والدكتور والأشعة بيقولوا إنه اتعافى؟
والممرضة بتقول لاحظت تغير في وضعيته؟
أنا هتجنن..
لا وكمان حمزة اللي مش عارفين فين،
ولا حتى عارف إذا كان ابنه ولا لأ... أنا....

قطعت كلامي لما لاحظت سكوته.
بصيت له، لقيت على وشه ابتسامة حالمة وسرحان كأنه عايش في عالم تاني ومش حاسس بيَّ ولا سامعني

استغربته قوي وراح عقلي يفكر في تصرفات اللي اتبدلت فجاة.
عمري ما شفت حسن خفيف كده علشان يحب ويهيم علشان واحدة عرفها من يومين.

يوم ما قالي إنه بيحب حبيبة صاحبه، وبعدين صرف نظر عنها لما اتجوزت، تخيلت إنه مش هيفكر في بنت تاني غير بعد سنين زي ما حصل مع يسرا.

مشيت ناحيته، وقفت قدامه وعيني عليه.. شايف ابتسامته اللي مش راضية تختفي وشروده اللي مخلهوش حتى يحس إني واقف قصاده.

زهقت وقلت قاطع شروده

_ وبعدين يا قيس ابن الملوح...ليلى هتاخدك مننا لفين.."

فاق من شروده انتبه لي وقال بلخبطة:

_ نعم؟

_ نعم انت،  انت لحقت توقع الوقعة المهببة دي؟
يابني انت مش من كام شهر كنت بتتعذب علشان واحدة تانية؟

قام وقال بحرج وهو مش قادر يبص ليعيني وكأنه شايل ذنب:

_ اقع اية،  و واحدة اية،  انا كنت سرحان لوحدي.

_ آه ما هو واضح.. اهدا على نفسك، بتحبها ومش قادر؟ نخطبهالك؟

_ مش قادر إيه وخطوبة إيه؟ مفيش الكلام ده!
أنا كنت بأفلم عليك لما قولتلك.. 

_ يا ولااا... تأفلم عليا برضو،  انسى،  ثبت في دماغي إنك وسخ.

شحبت ملامحه، وقال بجدية:

_ لا يا خالي مفيش. أنا كنت بأفلم بجد.. كان نفسي أعيش قصة ، وعشتها في دماغي، وجيت حكيتهالك، لكن مفيش لا حبيبة ولا زميلة،
وانت عارفني.. مليش في الجو ده، ولو حبيت مش هتوصل للي قولته.

كان بيبرر وبيحاول يقنعني بحاجة تانية. 
كان في حاجة تدعو للشك..
يمكن حس إنه غلط لما حكالي، يمكن خاف أقول لأمه، يمكن زعل من سخريتي عليه...اي ان كان 
بس منظره وهو بيحكيلي عنها...
كان حقيقي، مستحيل يكون بيمثل.
نهيت الحوار، لأنه ميستاهلش نقاش أكتر من كده... ومشيت من هناك 

#رحمة

من وقت ما اتكلمت مع صدام وانا بفكر في كلامه،  كنت شايفة انه صح وإني لو نفذت نصايحة هخلص من ياسين في اقرب وقت... 
وبقيت قاعدة في الجنينة مستنياه يرجع علشان اقولهوله ولما تأخر وانا زهقت رجعت اوضتي شوفت التليفون لقيت رسالة من حسن، بيقولي فيها:

_ بسببك بقيت زي سكران مش حاسس بنفسه، يرضيكي كده؟

كلامه خلاني ابتسم، وارد وانا مبسوطة:

_ بسببي أنا؟ وأنا عملت إيه...

_ قولي معملتيش إيه، مش عارف أبطل تفكير فيكي من وقت ما سيبتك، لما بقا منظري يكسف قدام خالي.

_ ولا أنا عارفة أبطل تفكير فيك، ولا في إزاي أقنع خالك يسيبني علشان نكون مع بعض.

_ وانتي هتقنعيه إزاي بقى؟

_ بالعقل.. "

_ وده جالك امتى؟

_ قبل ما يجيلك بشوية، وبطل تريقة، هعملك حظر.. "

بعت رسالة مرفقة بضحكة طويلة وقال:

_ لا، بس فجئتيني إنك هتستخدمي عقلك، أشمعنا دلوقتي هتستخدمية؟ مانتي من أول ما جيتي وانتي يأما بتتخانقي، يأما بتهربي، يأما بتعيطي زي العيال.. "

_ ما أنا فهمت إني كنت غبية، وبضعف موقفي بتصرفات العيال دي.. $

_ بتضعفي اية؟ ، إيه يابنتي كلام المثقفين ده؟ مالك النهارده؟

_ هتزعل لو قولتلك؟

_ مدام فيها زعل، يبقى صدام هو اللي علمهولك...

"آه، بس وربنا يا حسن هو ما بيقول حاجة وحشة، كلامه كله صح، ويارب أقدر أمشي عليه.."

_ أممم، وقال إيه المرة دي؟

_ قالي إن لازم اللي قدامي يعرف إني بعرف أفكر وبفهمه.. "

رد باستهزاء: 

_ يا سلام على الحكم والمواعظ، تصدقي اتأثرت وهعيط، بقا لازم نفهم اللي قدامنا إننا بنعرف نفكر؟ لا يكون فاكرنا معندناش مخ ولا حاجة!

_ متتريقش، أكيد مقالهاش كده... "

_ أمال قالها إزاي؟.. "

"قال اللي بيحصل معايا بالظبط، خالك بيعاملني زي البهايم، وتصرفاتي وعبطي مشجعينه.
بس أنا لو بتكلم معاه بالعقل، وبوصله إنه عنده مشكلة لأنه يشك فيا مع صدام من غير سبب، ولما يختارني أنا بذات مع إني مش مناسبة ليه، هيعرف إني واعية وفاهمة، مش عروسة لعبة مبتحسش ولا ليها رأي...
طيب، تقدر تقولي ليه خالك اختارني أنا بذات؟ ليه بيشك فيا مع صدام ومطمنلك إنت، مع إن المفروض يحصل العكس؟ ليه يقولي إنه مش مطمنلي وبرضو عايز يتجوزني؟ مين الغريب فينا؟ والمفروض يشك في التاني، أنا ولا هو؟"

استنيت رده ولكنه مردش، محبش يعترف بالحقيقة دي، مصمم ميطلعش عيب فيه، فبعتله تاني:

_ خايف تقول إنه عنده مشكلة...

رد عليا، بس رد ملوش علاقة باللي قولته، بيغير الموضوع :

_ انا مش خايف من حاجة، انا خايف عليكي انتي، الواد ده عايز منك إيه؟ وماله بيكي ينصحك.. "

_  عايزني أفهم، علشان صعبانة عليه يا حسن... إنت بتحبني آه، بس محدش فكر فيَّ ولا اهتم يخليني افهم الناس وازاي اتعامل معاهم غير صدام...

طال ظهوره انه بيكتب، كان باين ان الرسالة طويلة قوي، يطلع فيها كل اللي في قلبي. استنيته لغاية ما ظهرت أخيراً :

_ ده مش بيفهمك،  ده كدة عملك غسيل مخ.
مش نصايحه اللي هتخليكي فاهمة، ولا تنضفلك تفكيرك، انتي تفكيرك نضيف لوحده وبتفهمي الناس كويس قوي، حتى لو باين عليكي انك هبلة.
اللي انتي فيه ده اسمه اختلاف وطيبة. 
وده اللي خلاني احبك، انا حبيت الإختلاف اللي انتي فيه، مشوفتكش غبية زي ماهو بيحاول يوصلك، بس أنا دلوقتي شايف إن صدام بينجح يزرع جواكي افكاره وبيقنعك بحاجات غلط، لدرجة إنه أقنعك إن محدش فينا كلنا بيفكر فيكي، حتى أنا اللي بخون ثقة أقرب حد ليا علشان بحبك...

_ يمكن الكل بيفكر فيَّ، بس محدش بيحاول يساعدني غيره 

_ طيب ولما هو كدة، بنتكلم ليه يا رحمة، مكسوفة تقوليلي روح، أنا لقيت اللي بيحس بيا وفاهمني وخايف عليا أكتر منك.. "

كتبت الرد بعصبية

_ إنت مكبر الموضوع على فكرة، أنا بقولك بينصحني مش بيشقطني، ومش علشان بحبك وبنتكلم ونغلط في الجنينة أكون سهلة، وواخدة كل حاجة سبهللة، أسيبك إنت وأروح لصدام؟ أنا محبتش غيرك، ولا كان ليا كلام، ولا حد قربلي غيرك، أنا كدة اللي هزعل...

_ وأنا مقولتش كده، ومش عايز توضحيلي انتي إيه، انا عارفك... بس بردو انتي غبية ومبتفهميش، لا واللي يغيظ إنك مش مختارة غير صدام اللي أنا حذرتك منه مليون مرة علشان تسمعي نصايحه وتنفذيها، طب تقدري تقوليلي هو عايزك تسيبي خالي ليه؟

_ علشان خايف عليا...

_ ***...هتخليني اقول كلام كبير،  يعرفك من إمتى علشان يخاف عليكي؟ طب وبعد ما يخليكي تسيبيه، هيسيبك تمشي وترجعي المنطقة؟ ولا هيعمل إيه بالظبط؟ مانتي متفرحيش إنه بيساعدك تسيبي عمه، وتنسي هتعملي إيه بعد كده، ولا هو بيحاول يخليكي تسيبيه ليه؟ ما يمكن طمعان فيكي لنفسه!

تجمعت الدموع في عيني، رديت بصوت مكسور:

_ بتشتمني يا حسن...

بعتلي تسجيل، فتحته، جاني صوته مخنوق:

_ أنا آسف... بس انتي اللي مصممة إننا نزعل بسبب صدام،...براحتك يا رحمة امشي وراه لغاية ما تعرفيه على حقيقته، وانا هشيل عنك الحرج، وهبعد من نفسي...

ازدادت الدموع في عيني، وسجلتله :

_ بس أنا مش عايزاك تبعد، ولا عايزة غيرك... انت ليه بتقلب كلامنا كل مرة لزعل،  احلف ما اقولك حاجة يعني 

تجاهل رسالتي، ومفتحهاش غير بعد وقت كبير وبردو مردش.. 
وانا اخترت أهدى ومبعتش تاني في الوقت ده.
كنت أكتر حاجة متأكدة منها إني لو استنيته يحل المشكلة، عمرها ما هتتحل، ولا هنكون لبعض في يوم.
هنخرج من خناقة لخناقة، ومن صلح لصلح، ومكالمة ورا مكالمة، لغاية ما نتكشف، وساعتها مش هيكون قدامنا فرصة ندور على حل..
كان لازم أنا اللي أحاول، لأن هو قليل الحيلة، وخوفه وحبه لخاله شالل تفكيره.

بعد ما يأست من وصول رده، خدت دش، ورجعت وقفت قدام المراية أبص لمظهري اللي مش راضي يمشي مع سني. 

عديت العشرين سنة، بس ملامحي وشي طفولية، وقِصري وصِغر حجم جسمي مدين عني انطباع إني لسه صغيرة...
يعني مهما أحاول أبان كبيرة وعاقلة وناضجة، شكلي هيبوّظ عليا محاولاتي دي...
بصيت للمكياج وفكرت أدي لنفسي شكل أنج شوية...
لكن أنا أصلا مبعرفش أعمل مكياج وهبوظ نفسي وبس...

تنفست بزهق وقلت محدثة نفسي في المراية:

_ وبعدين في خلقة أمك دي... تكبّريها إزاي؟ أعمل إيه أنا دلوقتي...

مكنش بإيدي أغير في نفسي حاجة، فخرجت من الأوضة وأنا مقررة أعتمد على عقلي وبس...

وفي الصالون، لقيت تيتا ماسكة المصحف بتقرا وتعيط من غير صوت.
بعد ما فضلت أيام مبتفارقش أوضتها من وقت ما جه حمزة وقال اللي قاله، واللمة انفضت، ومبقاش في عيلة تتجمع على سفرة واحدة كل يوم...
محستش نفس إحساسها، ولا فض العيلة فرق معايا في الأساس أنا معرفتهمش، ولمتهم واجباري إني أقعد معاهم كانت أكتر حاجة بتتعبني، ولكن أشفقت على حالها وحزنت عليها.

قعدت جنبها، حطيت إيدي على كتفها وقلت:

_ إيه يا تيتا، بتعيطي ليه؟

بكت، وحطت إيدها على وشها وقالت:

_ ومعيطش إزاي؟ هو بقى حاجة ميتعيطش عليها في البيت ده؟

_ وماله البيت، لو على المشاكل كلها هتتحل، والحياة هترجع زي الأول وأحسن...

_ عمرها ما هتتحل... كل حاجة راحت... الله يرحمك يا نبيل، سيبتني ليه ومشيت لوحدك؟ ربنا يجمعني بيك قريب وأرتاح...

غلبتني دموعي ونزلت...
شديت على كتفها وقلت:

_ بعد الشر عليكي، متقوليش كده... وربنا كل حاجة هتتصلّح دلوقتي، وهتقولي رحمة قالت...

موقفتش بكا، كان قلبها موجوع وحزينة،
مقدرتش أهون عليها بأكتر من ربت على كتفها ومشاركتها في البكا، لغاية ما الجرس ضرب...
خرجت سحر من المطبخ علشان تفتح، وهي وقفت بكا وبدأت تمسح دموعها.
بعد لحظات جاني صوت ياسين أثناء اقترابه مننا، وهو بيقول:

_ بتعيطي ليه يا مرات عمي؟

قمنا سوا، ردت عليه تيتا وهي بتتوجه ناحيه أوضتها:

_ مبعيّطش... داخلة أصلي...

قالتها ودخلت،  تبعها بعينه وبعدين بصلي وقال:

_ مالها؟

مسحت دموعي وقلت:

_ زعلانة علشان اللي بيحصل في البيت...

تنهد وقال:

_ آه...

ركّز نظره عليا وقال:

_ وانتي بتعيطي ليه؟

استحضرت في دماغي كلام صدام واللي كنت ناوية عليه، حسيت ان لازم ابدء دلوقتي.
بصتله وقلت :

_ صعبت عليا... شايفة بيتها وأهلها بيروحوا، ومفيش حد جنبها يهون عليها...

وكأنه تفاجأ بكلامي ومستوعبهوش، مابديتش أي رد فعل على نظراته لي وقلت:

_ عمي زيدان عامل إيه؟

مزالتش علامات الاستغراب من وشه، وقال:

_ كويس، انتي... إيه الدنيا معاكي؟

قلت بهدوء ممزوج بالشجن:

_ عايشة... بس اللي بيحصل في البيت، وزعل تيتا، مضايقني شوية...

_ آه...

_ آه... طيب، أنا كنت طالعة أقعد شوية في الجنينة... أعملك قهوة أو غدا قبل ما أطلع؟

طالعني باستغراب وبعدين تحمحم قال:

_ ماشي، ممكن قهوة وهاتيها في الجنينة، أنا هسبقك...

ابتسمت وقلت:

_ حاضر...

مشيت، وبعد ما تجاوزته ووليته ضهري، خدت نفس وقلت محدثة نفسي:

_ براحة على نفسك، هيشك فيكي يا فقرية، إيه الرقة اللي طفحت عليكي مرة واحدة دي؟

عملت القهوة وأنا براجع في دماغي اللي خططت له طول الليل، وطلعت له في الجنينة.
ومن أول ظهوري قدامه، وهو مستقبلني بعينه، وحاطط إيده على دقنه، وبيفكر في التغيير اللي حصل لي بين يوم وليلة...
ابتسمت ابتسامة أخفي وراها ارتباكي من نظراته، وحطيت القهوة على الترابيزة.
قدمت له الفنجان:

_ اتفضل...

خد مني الفنجان، ومشالش عينه من عليا.
قعدت في الكرسي المقابل ليه، ومسكت الفنجان، وبدأت أشرب وأنا بحاول أسيطر على رجفة إيدي قدامه.
فقال:

_ فيكي حاجة متغيرة النهارده؟.. "

_ أنا؟ لا... ليه؟

_ متغيرة... كأني شايف واحدة تانية غير اللي أعرفها...

_ أنا زي ما أنا... بس زي ما تقول شايلة هم تيتا، ومفيش حد يراعي البيت...
إنت سمعت إن فيروز سافرت لأمها؟

نفى بهزة خفيفة من رأسه من غير اهتمام بخبر زي ده، كان كل تركيزه معايا أنا، فتابعت وقلت:

_ ايوة،  فبحاول أشوف البيت يكون الباقيين جم...

قوس بوقه بتعجب وقال: 

_ اه.. شيلتي مسؤولية يعني...

_ طول عمري شايلاها...

_ وشيلتيها إزاي بقى؟

_ يوووة... قول مشيلتهاش إزاي! أنا شلت مسؤولية بيت، كنت أنا الست بتاعته، وشلت مسؤولية مطعم، كنت أنا الطباخ بتاعه، وساعات كنت أنا اللي بتعامل مع الزباين وبتوع الخضار...
ده غير العفرتة اللي كنت بعملها...

ابتسم وقال: 

ودلوقتي شايلة مسؤولية عيلة كاملة...

ضحكت ضحكة خفيفة وقلت: 

_ ايووة، بس يارب اقدر اكمل...

بصلي بصمت يحاول يفهم سر التغيير المفاجيء، وبعدين تعلقت عينه على إيدي للحظات وقال:

_ الخاتم معجبكيش ولا إيه؟

_ ليه؟

_ مش شايفه في إيدك...

بصيت على إيدي لقيتها فاضية من أي اكسسوارات،
روحت أفكر حطيته فين وقلعته امتى،
مكنتش فاكرة أي حاجة، فبصتله وقلت بحيرة:

_ كنت لبساه، شكلي قلعته لما جيت استحمى، هدور عليه وألبسه...

_ مبتحبيش الحاجات الغالية؟

_ لية يعني.. 

_ يعني،  كنتي على الاقل عرفتي حطتيه فين.. "

_ ايوة ولا بحب ألبس أي حاجة، اتكسفت أقولك متجبش تاني عشان بيتركنوا على التسريحة...

مط بوقه بتعجب، وبعدين بصلي وقال بعد صمت دام في النظر ليَّ:

_ ده ألماس، واللي قبله كمان ألماس، في بنت مبتحبش تلبس وتشوف نفسها بحاجات غالية زي دي؟

_ لا ألماس ولا فالصو، مبحبش الحاجات دي، عمري ما كان نفسي لا في بدهب ولا ألماس ولا عربية ولا فيلا، انا بيريحني الحاجات البسيطة.. 
واحدة صاحبتي قالتلي في مرة إن الحاجات الوحيدة اللي بتزغلل عين البنات مبتزغللش عينك... ملكيش دخلة...

ذم شفايفه وقال:

_ غريبة...

_ ليه غريبة؟ أنا هعمل إيه بالحاجات الغالية، كفاية عليا ألاقي أكل لما أجوع، وبيت يلمني، وحتة مطعم صغير أشتغل فيه...

فضلت علامات الاستغراب على وشه،
مكنتش عارفة صدقني ولا فهم إني قاصدة أوصله إن اللي بيحاول يزغلل عيني بيه مش فارق معايا...

وعلشان أهرب من نظراته، خدت الصينية واستأذنت،
وهو أذن لي ومحاولش يوقفني،
ورجعت حطيتها في المطبخ وبعدين دخلت اوضتي وأنا مبسوطة إني قدرت أقول كده...

ولكن فجأة افتكرت السلسلة...
بصيت لصدري بخضة أشوف لو كانت ظاهرة ولا لا،
وبعدين تنفست بأريحية لما لقيتها مخفية تحت الهدوم،
لو كانت باينة وركز معاها كان هيشك في كلامي أكيد...

مسكتها بين إيديا وقلت محدثة حسن في نفسي:

_ شوفت؟ برمي الألماس الغالي، ومش قادرة أخلع سلسلة دهب جبتهالي بفلوسي ازاي؟ وكل ده وتقولي بتحبي صدام يا أبو مخ متركب شمال، وحياة ربنا ما هكلمك غير لما تكلمني...

#صدام.. 

بعد ساعات من اللف في الشوارع، لقيت نفسي واقف بالعربية قدام العمارة اللي فيها شقة أمي...
مش عارف إيه وداني هناك، ولا ليه... وقفت للحظات افهم ايه جابني
معقول أكون لسه متأثر بيها ورجعت من تاني أجري عليها لما الدنيا تضيق عليا؟
ولا أنا اتعودت وزي أي عادة محتاج وقت أتخلص منها؟
ولا لسه مكتفتش من تدميرها ليا وجايلها علشان تكمل...

فتحت الإزاز طلعت دماغي وروحت بعيني لغاية بلكونتها أدور عليها يمكن تكون واقفة هناك...
ولكن الشباك كان مقفول، ومنظر شقتها هي تحديدًا قبض قلبي...

رجعت مكاني علشان اهرب من الشعور ده إلا ولقيت البواب بيناديني وبيقولي:

_ أستاذ صدام...

بصيتله وهو جايلي، وقف جنب العربية ميل عليَّ وقال:

_ جنابك جاي وراجع على طول، محتاج حاجة؟

_ لا.. شكرًا...

دورت العربية، فقال:

_بلغ المدام سلامنا وقولها إن عيشة بتنضف الشقة كل أسبوع، ومخلياها زي الورد، وقت ما تيجي هتلاقيها نظيفة...

التفتله وقلت:

_ هي جت إمتى آخر مرة؟

_ هي مين يا فندم؟... عيشة، مرتي؟

_ لا... أمي...

قال مفكر: 

_ يوه بقالها كتير... شهور ما شوفتهاش...

شردت بعيني، ومر في بالي سؤال...
هي فين دلوقتي لو ما راحتش شقتها؟
مكنتش قادر أتوقع، هي محدش يعرف يتوقع بتفكر في إيه من الأساس...

طلعت العربية ورجعت الفيلا مخنوق، تعبان، وماليش نفس أتكلم مع حد.
لقيت رحمة مستنياني في الجنينة...
استقبلتني بابتهاج لم نزلت من العربية، كان باين إنها عايزة تقول حاجة،
ولكن ده زادني عكننة وضيق...

قولت بضيق:

_ مساء الخير...

قالت بحماس:

_ مساء النور، كنت مستنياك من بدري علشان أقولك إني...

رفعت إيدي وقاطعتها بضجر:

_ رحمة، رحمة، رحمة... كفاية، أنا راجع مصدع ومفيش روح للكلام دلوقتي... تصبحي على خير...

بهتت ملامحها وكساها الحرج. 
سيبتها بدون اعتذار او اهتمام.
دخلت أوضتي وأنا شايل أمل كبير إني ألاقي فيروز هناك...
كنت متخيّل إنها هترجع بعد ما تهدى، حتى لو هتقعد ساكتة، ما تكلمنيش...
ولكن خاب أملي لما ملقتهاش، الأوضة كانت فاضية ومفهاش روح 

قعدت على طرف السرير جنب الكومودينو،
فتحت الدرج وخرجت منه شوية ورق مكتوبين بخط إيديها، لأدعية وآيات قرآنية بخط جميل...

تمددت على ضهري، وقريتهم ورقة ورقة،
ورجعت أقلب فيهم من تاني لغاية ما نمت، وهما لسه في إيدي...

#حسن

رجع خالي سرحان وفي حوار بيدور في دماغه.
توقعت إنه يخص رحمة، ما هو مبيكونش متغير غير بسببها.
قولت له يدخل وسبقته من غير ما أسأله ماله، مكنتش عايز أتكلم ولا أسمع عنها حاجة، مش علشان الكلام اللي قالته وبس، وعلشان سابتني زعلان ومحاولتش تبعت تاني تعتذر..
لكن إزاي؟ خالي مدام ظهر قدامي إن في حاجة بتدور في دماغه، فـ لازم هيحكيها.

قعدنا سوا في الصالون، فقال وعيونه شاردة:

_ هو طبيعي إن البني آدم يتغير بين يوم وليلة؟

سألته وأنا عارف الجواب:

_ مين ده اللي اتغير بين يوم وليلة؟

بصلي وقال بتعجب: 

_ رحمة، مش هتصدق، كنت شايف واحدة تانية!

_ واحدة تانية إزاي يعني؟ عملت إيه؟

_ عاقلة كده وبتتكلم، تصدق إنها قالتلي إنها ملهاش في الدهب والمجوهرات؟ وبعد إيه؟ ده أنا جايبلها ولا بـ تلات مليون مجوهرات، وهي فعلاً مبتلبسهمش.

_ وانت زعلان عشان مش بتحب الحاجات دي، ولا علشان مبتلبسهمش؟

_ زعلان علشان كنت فاكر إني بجبلها الحاجات اللي بتحبها وهتقربنا من بعض.. المفروض يجبولها اية دي،  بتقولك لا بتحب دهب ولا الماس ولا ڤيلل ولا عربيات، اشتركلها في عصابة دولية مدام غاوية إجرام

نجحت في اللي عاوزة توصلهوله..
خالي كان مصدقها، ومشكش إنها قاصدة تقول الكلام ده، ولا إن صدام بيلعب من وراه وهو اللي بيمليلها الكلام علشان يخليه يسيبها.

كنت عايز خالي يسيبها،
لكن كنت رافض تمامًا إن صدام يكون هو السبب.
وللحظات شيطاني وزني ووسوس لي أقول لخالي إيه اللي ينفع معاها، أو أحبط محاولاتها، وأبوظ على صدام تخطيطه..

#فيروز

صحيت من النوم تاني يوم على صوت أمي وهي بتصحيني علشان أفطر.
طلعت من الأوضة، غسلت وشي وروحتلها عند  السفرة. 
بصيت على الفطار، لقيت بيض وجبنة وفول وطعمية وبتنجان مقلي وعيش وخيار وطماطم... بس مفيش لبن.
سحبت الكرسي وقعدت مقابلة ليها، قربت مني الطبق وقالت:
_ كلي يمكن ربنا يهديكي وتقوليلي رجعتي ليه  بدل مانتي مشنفة دمي من ساعة ما جيتي...

مشيلتش عيني عن السفرة، وكنت بفتكر الحلم اللي شفته بالليل، فقالت:

_ ياة ياقلب امك مش عاجبك الأكل؟ اتعودتي على أكل الناس الأغنيا؟

مسكت رغيف وقلت وأنا بقطع منه لقمة:

_ بتتكلمي كأننا عيشنا عيشة فقراء..

_ أمال بتراجعي نفسك ليه؟

_ أصلي حلمت حلم فيه لبن، دورت يمكن حلمي يتحقق..

قولتها باستهزاء، فقالت:

_ وكان إيه الحلم بقى يا آخرة صبري؟

قلت وأنا بستجمعه في ذاكرتي:

_ حلمت إنك جايبالي برطمان لبن طازة مليان لآخره، وقلتيلي خديه اشربيه انتي وجوزك..

_ أيوه ياختي، معناه خير ليكي وليه، وإنه هييجي وهتروحي معاه زي المرة اللي فاتت، بس مش قبل ما ترسيني وتقوليلي إيه جابك يا بنت بطني..

تنهدت بزهق وقلت:

_ إنتي ليه مش بتتعبي؟ قلتلك مفيش.. كلي يا ماما، الفول هيبرد..

بدأت آكل متجاهلة كلامها وزعيقها معايا علشان تعرف،
كنت بفكر بس في تفسيرها للحلم..
معقول ييجي ياخدني؟
طيب وخلاني أمشي ليه من الأول، محاولش يقولي اقعدي؟
صرفت كلامها عن دماغي ورجعت اركز في الاكل كنت عارفة إن لا هو هييجي، ولا أنا هروح تاني.
وكل حاجة بيني وبينه انتهت 

#عيسى 

من اول رجوعي للبيت وانا شايف بعيني ضيق الحال، وقلت الاكل وجيت الناس كل ساعة، 
اللي بيسأل على إسم جمعية واللي عايز حساب البقالة... 
واللي عايزة الفلوس استلفتها منه أمي..
كنت بتعذب والدنيا بتضيق بيَّ وانا شايف الكل جاين بعد معرفتهم برجوعي فاكرين إني جايب ومحمل وهيلاقوا فلوسهم جاهزة.. 
بالإضافة لجراتنا اللي جايين يخطبوني لبناتهم

محدش كان يعرف اني بقيت خالي شغل وتعبان مش قادر ارجع ادور  في الوقت الحالي حتى امي كانت متخيلة إني جاي اجازة علشان تعبان. 

وعرفت ساعتها ان اللي زيي مش من حقه يتعب ولا يشكي من تعب،  يشتغل وبس.. 

سيبت ستات المنطقة قاعدين كل واحده فيهم بتتكلم عن بنتها وشطارتها في البيت وقد اية بتعز امي واخواتي. 
ودخلت  ادور في الارقام اللي عندي عن اي حد يساعدني الاقي شغل.. 

ودخلت امي عندي بعد شوية ومعاها كباية الشاي حطتها قدامي وقالت:

_ اشرب الشاي ده هيخففلك وجع راسك..

قولت من غير ما انقل عيني عن التليفون:

_ تعيشي يامة..

قعدت جنبي وقالت :

_ يسعد ايامك، لسة مش عايز تقولي مالك..

_  عاوزاني اقولك اية، جسمي المتكسر قدامك مش كفاية علشان اكون متضايق... 

_ كفاية، بس هو جوز يسرا اللي شغال عنده ده سابك ليه، معالجكش ولا حتى بعت معاك فلوس تكشف..

_ اختلفنا وكل واحد راح لحالة يامة، انا بدور على شغل اهو، اول ما الاقي هشتغل واسد كل الديون

ضربت على صدرها وقالت بشهقة عالية: 

_ يالهوي! سيبت شغلك يا عيسى؟ ليه يابني؟ والجمعيات، والفلوس اللي علينا، هنعمل فيها ايه ولا هنسدها منين؟

نزلت ايدي بالتليفون وقلت بضيق:

_ ما انا بقولك بدور يامة، اعمل اية تاني.. متشغليش بالك كلها يومين وهسافر وابعتلك

_ منين؟ انت فاكر نفسك هتلاقي شغلانة تديك اللي كان هو بيدهولك؟ ولا اصلاً هتلاقي شغل في الغلب اللي احنا فيه ده؟

ربتت على كتفي وقالت:

_ ارجع شغلك يا حبيبي، قوله كلمتين وساير امورك، ورانا هم ما يتلم..

_ انتي مش ليكي الفلوس،  سيبيني انا اشوف هجيبها منين... 

مبقتش مستحمل صوتها جنبي،  كان بيدوش في دماغي هيخليني اتجنن ف تابعت بضيق

_ سيبيني بس دلوقتي علشان مش حامل أي صوت جنبي..

_ بقا كده ياعيسى؟ مش حامل أمك؟

قلت بعصبية:

_ يامة، ابوس رجلك، سيبيني دلوقتي، انا تعبان، تعبااان، سيبيني وانا هجبلك الفلوس اللي انتي عايزاها...

ربّتت على ضهري وقالت:

_ حقك عليا يا حبيبي، على عيني بهدلتك معانا، بس لينا مين غيرك..

_ حاضر يامة، روحي المسلسل اللي بتسمعيه زمانه جه.. روحي..

طبطبت على ضهري ومشيت.. 
وانا رجعت أدور تاني في الأرقام وجفوني تقيلة وعنيا مزغللة. 
اتصلت بأكتر من واحد، وكلهم معندهمش شغل، ولكن واحد منهم قالي هيشوفلي شغلانة وهيرد عليَّ، 
مكنتش واثق انه هيهتم بس مكنش بإيدي حاجة غير إني استنا 

تعبت قوي وحسيت اني بتخنق ومش قادر اخد نفسي.
قمت علشان افتح الشباك يمكن يدخل الهوا صدري .
وبمجرد ما وقفت غمامة سودة عدت عليا، ضلمت الدنيا في عيني، وحسيت الأرض بتدور من تحتي، اترميت من تاني على السرير يكون الغمامة دي راحت..
وقبل زوالها بشكل كامل، الباب اتفتح وسمعت صوت أمي بتقولي:

_ انت نمت؟ هو ده اللي هتدور على شغل يا عيسى؟.. 

مردتش عليها، وفضلت مغمض عيني لغاية ما نمت بجد وزي العادة حلمي مخليش من يسرا اللي قلقي واشتياقي ليها كانوا اكبر من التعب والخنقة اللي بمر بيها... 
اه لو تعرف ان وبكل اللي فيا بسببها مش قادر انساها ولا اكرهها يمكن وقتها تختارني مرة، يمكن تحس ان موتي بقا متوقع ف تسيب كل حاجة وتخرج من تعبها وتيجي تشوفني 

#روان

"روان..."

نداني حمزة وأنا في المطبخ...
كان صوته خافت، وبصعوبة قدرت أفهم إنه بينادي اسمي.
سيبت الفوطة وخرجتله. 
لقيت إيده متدلية من على الكنبة، وفاتح بوقه وكأنه بيلتقط انفاسه الاخير.
وشه اصبح لونه ازرق من شدة الحرارة وبيحاول يرفع جفونه بصعوبة.
منظره أوحالي إنه هيموت، وقعدت جنبه وقلت:

– نعم، إديني جيتك،  عايز اية.. "

قال بتعب بصوت يدوب سمعته:

– هموت...

انفاسه كانت سخنة وهو بينطقها
حطيت إيدي على جبينه،  إيدي اتلسعت من شدة الحرارة اللي في جسمه!

انتفضت من مكاني وقلت بفزع:

– يا نهار اسود... حمزة جسمك مولع! لازم دكتور فورًا!

حاول يتكلم ويرفض، لسه بيقاوح...
زعقت فيه وقلت:

– اسكت!هتموت! لازم دكتور فورًا!.. يا نهار اسود 

مسكت التليفون...
دورت في الأرقام، ووقفت لحظات أستوعب إني مش حافظة أي رقم لأي دكتور!
لفيت حوالين نفسي بجنون...

هعمل اية يارب، هيموت مني 

مفكرتش كتير،  مفكرتش اصلا ممكن اكلم مين، حازم وبس اللي جه في بالي.. 
اتصلت بيه..  استنيت رده بفارغ الصبر وانا بزعق واقول 

_ رد، رد 

رد أخيراً وقال:

– رورو؟

قلت:

– حازم، الحقني!

آن حمزة ورفع إيده، حاول يقوم... تجاهلت مقاوحته ورديت على حازم وهو بيقول بقلق:

– في إيه؟

– حمزة تعبان قوي! الحقني

– حمزة مين؟

زعقت فيه:

– وانت تعرف كام حمزة؟ حمزة صاحبك، عندي هات دكتور وتعال بسرعة، والنبي سخن قوي وهيموت!

– طيب طيب، إديني العنوان.

اديته العنوان، وقبل ما أقفل شفت حمزة بيحاول يقوم.
سيبت التليفون وجريت عليه، وقلت 

– خليك مرتاح، حازم هيجيب الدكتور.

بعد إيدي عنه وقال وهو بيجاهد عشان يقوم:

– همشي...

مسكت إيده وقلت وأنا بمنعه:

– لا، إنت تعبان! الدكتور زمانه على وصول!

زق إيدي استند على الكنبة وكأنه بيهرب من حاجة  ،  مسكت ايده حرص لا يوقع وقلت 

– رايح فين وإنت تعبان بس؟!

زاغت عينيها وارتخا جسمه و وقع بين ايديا،  صرخت وانا بحاول اسنده علشان ميوقعش مني على الارض ويتعور 
لكنه كان تقيل، وسقط من بين إيديا على الارض 
قعدت جنبه رفعت راسه على دراعي وقلت بخوف وانا بضرب على وشه بخفة :

– حمزة، حصلك إيه؟! يا نهار اسود! فوق ونبي.... حمزة قوم متخوفنيش.. "

منطقش تاني، كنت حاسة جسمه بيحرقني من شدة الحرارة اللي عنده. مكنتش مستحملة ريحت دماغه على الارض. 
طلعت أجري من البيت للشارع أشوف حازم والدكتور اتأخروا ليه.

وقفت في النص أبص يمين وشمال، لغاية ما شفت عربية جاية ناحيتي.

فسحت الطريق ليها وقفت قدامي، ونزل منها حازم.
بصيت جوه العربية، ملقتش أي دكاترة!

جه عندي وسألني بنبرة غريبة،ولكنها كانت غالبة على القلق بمبالغة:

– هو فين؟

بصيت للعربية اللي مشيت وبصيتله وقلت: 

– فين الدكتور، مجبتهوش لية.. "

قال وهو بيسبقني لداخل:

– ملقتش .. هو فين؟!

رددت بعدم فهم.. 

_ ملقتش؟... 
تابعت وانا بلحقه: 

_ ملقتش ازاي، مصر كلها مفهاش دكتور.. 

مردش عليَّ ولما دخل. شافه واقع على الأرض وقف مكانه، يبصله ويتفحص مظهره اللي كان اشبه لمظهر واحد ميت 
ولكن متحركش خطوة

خدته من إيده وقلت:

– واقف تتفرج على إيه؟! شيله معايا!

شيلناه سوا، وحطيناه على الكنبة...
قعد جنبه، ولمعة في عينيه وابتسامة غريبة على وشه...
مكنتش فاهمة معناها، بس مكنتش مريحاني!

حط إيده على راسه، يتحسس حرارته، وأصدر صوت يعبر عن لسعة الحرارة اللي لمست إيده...
بصلي وقال بذهول:

– يا نهار أبيض، ده مولع! هاتي مية نعمله كمادات!

زعقت فيه:

– كمادات إيه؟! ده لازم دكتور! مش شايفه بيموت إزاي؟!

– هنجيبله دكتور، بس لازم حرارته تهدى، كده مش هنلحقه... هاتي قوام.

دخلت جبت مية وقماشة، ورجعت بيهم...
فاتفاجئت بيه بيصوره!
ونفس الابتسامة الغريبة على وشه!
ولما شافني، اختفت الابتسامة، ونزل التليفون. ورسم تعابير الحزن.
ارتبت منه، وشكيت إن في حاجة غلط...
سألته 

_ انت بتصوره ليه؟

_هبعتلها لأهله اطمنهم عليه، أصلهم قلقانين قوي.. هكلم مروان ييجي وناخده على هناك.

قالها  واتصل بيه وطلب منه ييجي، وبعدين رجع يبصله.
ونسي خالص طبق المية والقماش اللي في إيدي، فقلت بريبة: 

_إنت نسيت الكمدات..

التفتلي وقال بذهول وهو بيوقف ياخد الطبق مني:

_يااااربي، الواحد دماغه راحت منه، هاتي.. 

خد مني الطبق ورحع قعد جنبه وبدأ يعمله كمدات، وهو بيتصطنع الحزن بشكل واضح، ولما زاد قلقي منه قلت:

نفوقه..

بص لي وقال:

_ هو لو هيفوق كان فاق من الكمدات..

_ دي حمى شديدة، هيفوق إزاي من الكمدات؟ وسع أنا هفوقه.

جيت جنبه وحطيت ايدي في الطبق علشان ارش مية على وش حمزة ف وقف قصادي يمنعني، بصيت لعنيه وقلقي منه بيزيد اكتر واكتر ونظراته ليَّ خوفتني منه وخاصة لما بعدني عن حمزة وقال:

_ انتي عاوزة تموتيه ولا إيه؟ الدكتور هيشوفه.. اقعدي.

مشيلتش عيني عنه لثواني كنت بقراء فيهم المكر. الشيطنة اللي خوفوني حتى ابين اني مش مطمناله.
ابتلعت لعابي، وتراجعت للخلف. طالعني بنظرات كلها مكر وقال:

_ خايفة عليه مني؟ انتي ناسية إنه صاحبي؟

_ عارفة.. بس قلقانة عليه.

_ لا متقلقيش، دلوقتي مروان ييجي وناخده عند الدكتور.

حركت دماغي بالموافقة، وروحت بعيني لحمزة اللي مش حاسس بنفسه، ومش عارف إيه اللي بيدور حواليه، ولا مين جنبه.
ولا أنا عارفة حازم ناويله على إيه...وخوفي كان ملجني عن اني اخرج انادي حد يكون جنبي

واستنيت  لغاية ما جه مروان، ودخل علينا. 
وقف وسطنا، وتعلقت نظراته على حمزة ، وبعدين بصّ لحازم، وشوفت التوتر باين على وشه.
وكإنه بيأكدلي إن في حاجة مش مظبوطة، وإن حمزة في خطر.

شده حازم من إيده وقال:

_ بتتفرج على إيه؟ شيل معايا.

اتحرك مروان، وشالوه سوا وخرجوا بيه.
طلعت وراهم، وشوفتهم وهما بيطلعوه عربية تانية، كان واضح إن مروان جه بيها، وخدوه ومشيوا.

حازم

طلعناه العربية، وحطيت دماغه على رجلي طول الطريق، ورغم حرارته اللي كانت بتلسعني... بس استحملته.
وعيني ما اتشالتش من عليه لحظة.
بقى هو ده حمزة؟
اللي ياما شاف نفسه علينا، اللي البنات كانت بتجري وراه، والكل كان بيضربله تعظيم سلام لما يهلّ...
الجثة ده هو اللي ضربني، وقلعني هدومي، وصورني، وهددني، ولا كأني بنت!

_ ادخل في الشارع ده..."

جاتني الكلمة دي من مروان وهو بيقولها للسواق.

التفتّ ليه، وتقابلت عينينا من خلال المراية، خاف مني بعد ما كان بيقولها لسواق بحرص.. قلت بحزم:

_لا يسطا... امشي على طول."

قال مروان:

_هنروحه بيته، هتاخده فين وهو ميت كده؟"

حدّيت من نظرتي وقلت:

_ هعالجه... على طول يا سطا."

تنهد بقلت حيلة، وشاور للسواق يكمل في نفس الطريق.

وصلنا البيت، ودخلناه جوه، نيمناه على السرير.
وقفت جنبه أبصله وأفكر... إزاي أطلع مروان من البيت؟
لازم أفضى ليه واصفي الحساب القديم. 
مكنتش هموته،  بالعكس انا كنت علشان ازلة الباقي من عمره لغاية ما ينتحر 
وبعد لحظات من التفكير ملقتش سبب يخليه يمشي غير الدكتور.

فبصيت له، وحطيت إيدي على كتفه وقلت: 

_ روح هات دكتور وتعالى."

بعد إيدي عنه وقال بشك:

_استنى... ناوي على إيه؟"

ضحكت بخفة وقلت وانا بدفع كتفه بخفة:

_ياما رخم يا مروان... ناوي على إيه يعني؟ هنعالجه... انزل هات دكتور!"

رجع يشيل إيدي وقال:

_لا... مش نازل. انزل انت، وأنا هستنى."

دفعته من تاني، كنت عايز اخلص منه ولكن بدون خناق، علشان ميعطلنيش وبس وقلت:

_لا مضمنكش... ممكن تسرق حاجة، امشي يا مروان، الواد هيموت... امشي!"

بعدني وزعق فيَّ:

_ مش همشي، كفاية اللي حصله يا حازم،  اهو ربنا خلص لك حقك وحقنا وحق كل واحدة غلط معاها! كفاية الفضايح اللي عملتلهاله... هتعمل إيه تاني مش مكفيك منظره ده؟"

قلت وأنا على وش انفجار:

_حاضر! كفاية... أنا مش هعمله حاجة... هعمله إيه وهو ميت كده؟ ولا حاجة... يلا روح!"

رد بعصبية، وهو بيزقني:

قولتلك لأ! روح انت وأنا هستنى... أو نتصل بأهله يجوا ياخدوه!"

زقيته ناحية الباب، وقلت بحدة، وأنا بضغط على كل حرف بغل دفين:

_لا مش هنتصل... ولا هيمشي... قبل ما يفوق، ويعرف إنه تحت رحمتي"

قال بغضب وهو بيزقني بعيد:

_أوعى كده! مش هسيبك!"

صرخت:

_لا بقى... هتسيبني! اطلع بره... برا بيتي!"

دفعته بقوة لحد ما خرج من الأوضة، أجبرته يخرج من البيت.
وقع بره، وقام فورًا، حاول يمنعني أقفل الباب، وهو بيصرخ:

_يا ابن الكلب!!"

قفلت الباب قبل ما يوصلني، وسبته يخبط ويرزع وينادي:

_حازم افتح! هبلغ أهله، وديني... حااازم افتح الباب بقولك!"

طنشته، ودخلت المطبخ... جبت شفشق مية، مليته، ورجعت بيه للأوضة.

لقيته مرمي على السرير، لا هو ميت ولا حي،
وشه أزرق، جسمه خاسس، دراعه متجبس... ميفرقش عن شحاتين الشوارع العيانين حاجة. 
قربت منه، وأنا ببص له باستمتاع،
كان أكتر منظر ممتع شوفته في حياتي وهو بالشكل ده.
بس لا!
كان لازم يفتح، لازم يشوفني، ويعرف انه تحت ايدي، لازم اعمل فيه نفس اللي عمله فيا وهو صاحي وشايفني ...

دلقت الشفشق على وشه بالكامل...
جسمه ارتفع عن السرير، شهق كأنه بيغرق،
رمش عنيه، لحد ما قدر يفتحهم وشافني..
ثبتت عينه علي لثواني وبعدين مررها في المكان. 
كان بيشوف هو فين وفي حد هيلحقه مني ولا لا.. 
انصت لصوت مروان اللي بيخبط وينادي،  وبدات دموعه تملا عينيه 

ابتسمت وأنا شايفه ضعيف، تعبان، مش قادر يتكلم حتى.
 رجعته على المخدة من تاني، ميلت عليه وقلت:

_ نورت يا ميزو... كنت وحشني قوي يا ابن الحرام... اسكت! مش أنا عرفت إن أمك جابتك من واحد غير زيدان فياض؟
ومش أنا بس اللي عرفت... كل الشلة عرفت إنك ابن زانية!"

تقوس بوقه برجفة، والدموع سقطت من  عينيه،
استند بإيده على السرير، حاول يقوم...
رجعته مكانه ورفعت رجلي، حطيتها على كتفه ثبته مكانه ورجعت ابصله واشوف الذل في عينيه وهو بيبص للباب مرة وليا مرة وقلبه بيتهز نفسه مروان يقدر يدخل ويحوشه من تحت ايدي قبضت على شعره بعنف اخترق عينيه بنظرات كلها كره وغل بسبب اللي عملوا معايا وقلت 

_ عايز تروح فين يا ميزو؟ مش في حساب قديم لازم يخلص؟ ولا فاكرني نسيت، يا ابن الزااانية؟!"

قلتها وأنا برفع إيدي...
صفعته على وشه ولكنه متوجعش، بس عنيه تقلت أكتر وداخ 
شديت على شعرها، هزيت دماغه وقلت:

_ لا فوق! مش جاي تنام هنا... يومك لسه طويل... قوم!"

شديته من على السرير بقوة، وقع على الأرض،
جه على دراعه المتعور... صرخ صرخة مكتومة وبدأ يبكي ويتلوى من الوجع.. 

صوت خبط الباب مبطلش، طلعني عن شعوري، ف
وقفت عند بابا الاوضة وزعقت وانا هنفجر من الغيظ والرغبة في تعذيب حمزة:

"طيب! واقسم بديني يا مروان، لو ما مشيت، لأعمل فيك زيه، مش هسيبه 

تابعت بانفعال وانا راجع لحمزة 

_ قبل ما اعرفه هو غلط مع مين.. 

وصلت عنده لقيته لسة بيتلوى من الوجع، وبيعيط 

ضربته برجلي في جنبه صرخ ينادي على مروان بصوت انا بس اللي سمعته. 
وصرخت فيه:

_ ايوة عيط؟ واستنجد، خلي كل اللي طالعين بيك السما يعرفوا ان زعيمهم بيعيطوا زي النسوان وبيتبهدل، كنت فاكرني هسيبك وهنسهالك..." 

بصيت حواليا زي المجنون أدور على المقص، 
ولما افتكرت انه في المطبخ، روحت على هناك، جبته، ورجعت

لقيته على نفس حاله،
دموعه مغرقاه، وشه بيتعصر من الألم... وبيعيط وهو بينادي على مروان اللي مبطلش ضرب في الباب

ضغطت على سناني من الغيظ، جسيت على ركبي جنبه،
مسكت التيشرت... وقلت وأنا بقصه بالمقص:

_ شايف شكلك مزلول ازاي؟ عاجبك منظرك ده؟
انت اللي جيبته لنفسك محدش قالك تغلط معايا؟
لو فيك مخ كنت عرفت إن دماغ حازم سم!
وميتلعبش معاه!... حلفت ما هسيبك غير لما تموت نفسك علشان ترتاح مني،  هصورك عريان،  هنزلها في كل المواقع واقول الواد اللي امه جيباه من الحرام اهو...
تعليقات



<>