
رواية ارملة اخي
الفصل التاسع عشر19
بقلم فاطمه الالفي
بعد ان وصلت لوجهتها ، صفت سيارتها امام المشفى ثم ترجلت منها بخطوات واثقه لداخل المشفي ،، وقفت امام فتاه الاستعلام تتحدث معها من اجل الطبيب الذي حضرت من اجله ، وبعد عدة دقائق كانت تقف امام عيادة المخ والاعصاب بداخل المشفى ..طلبت من احداهم ان تخبر الطبيب بوجودها ، فهي لديها موعد مسبق .
دلفت الفتاه لداخل الغرفه ثم اخبرت الطبيب بوجود المريضه لتخرج بعد لحظات تسمح لها بالدخول ...
كانت تشعر بالتوتر ودلفت لداخل بخطوات مضطربه ، رفعت انظارها لتلتقي بطبيبها وتهمس بصوتها الرقيق : صباح الخير يا دكتور
رفع ايمن انظاره عن الاوراق التى امامه واجابها بود : صباح النور ، اتفضلي استريحي.
جلست امامه وبدءت تهز بارجلها بتوتر ملحوظ
تنحنح ايمن بخفه ثم سألها عن اسمها وعن ماذا تشتكي من ألم لكي تاتي اليه :
- اسم حضرتك ؟
- جودي سلام
- ايه شكوتك يا انسه جودي ؟ ولا نقول مدام ..
اجابته نافيه : لا لا انسه
- تمام اتفضلي قوليلي ايه سبب تشريفك المستشفى ، بتشتكي من اي تعب ؟
نظرت له بغرابه ثم همست بحده : هو مش حضرتك دكتور والمفروض تكشفي عليه وتعرف سبب تعبي ، هو أنا لو اعرف ايه تتعبني هكون هنا ليه ؟
لاحت ابتسامته وهو يهتف بصدق : هتكوني هنا حضرتك عشان تتعالجي من اي عرض تاعبك ، الاول لازم اعرف بتشتكي من ايه ؟ يعني حاسه بتعب فين بالظبط عشان اقدر افحصك واعرف شكوتك .
اجابته بتوتر : أنابقالي فتره عندي صداع جامد جدا ، مابقدرش افتح عنيه من شدته ، وكمان مابعرفش انام ، ده غير خدر فى جسمي كله ،حاسه بخمول غير عادي ، عايزة انام وبس ومش بعرف انام من الصداع
أومي براسه بتفهم ، ثم وقف عن مقعده واشار إليها بان تجلس على الاريكه : اتفضلي معايا اطمن عليكي .
نهضت عن مقعدها وسارت الى حيث الاريكه ثم جلست اعلها ، ليتقدم ايمن بخطواته اتجهاهه وهو يجذب مقعد خلفه وضعه امام الاريكه ثم اخرج من جيب معطفه الطبي جهاز صغير (كشاف طبي ) سلط ضوئه القوي امام عينها اليمنى وبدء فحصها بدقه ثم انتقل الى العين الاخري وبعد عدة لحظات وقف عن مقعدها وطلب منها فرد ارجلها اعلى الاريكه ،نفذت مطلبه بعينين زائغتين تنظر له بقلق .
أحضر ايمن حقيبته الخاصه ثم اخرج منها جاكوشا طبيبا صغير الحجم وعاد إليها نظر لها بتسأل : مستعده ؟
هتفت باضطراب : مستعده اليه بالظبط وحضرتك هتعمل ايه بالبتاع ده
ابتسم بخفه وهو ينظر الى ما يحمله بيده : ماتخفيش ده طبي وبنفحص بيه العصب الحركي ، فحص مبدئي بس
وقف امامها وطلب منها فرد ارجلها ودق اعلى ركبتها بخفه ، ثم عاد يكرر فعلته تلك فى القدم الاخرى وطلب منها ثني ارجلها : حاسه بتعب دلوقتي
هزت رأسها بالنفي .
رفع قدمها بيده وعاد يتسأل : طب وكده مافيش أي ألم بتحسي بيه اسفل ضهرك
زفرت بضيق وهي تهمس بحده : لا أنا مابشتكيش لا من رجلي ولا ضهري حضرتك ,كل تعبئ الصداع يعني دماغي وبس
- طيب ممكن تهدى ،حضرتك متنرفزة ليه ؟ ده مجرد فحص سريري عشان اعرف التعب منين ، اتفضلي معايا أنا كده خلصت فحصت .
عاد يجلس خلف مكتبه وجلست جودي امامه تنتظر حديثة .
- أولا كده مافيش أي سبب عضوي لصداع اللى بتتكلمي عنه ,فحصت قاع المخ والحمدالله مافيش أي مشكله وكمان فحصت اعصابك الحسيه ومافيش بردو اي شي يستدع لقلقك.
- يعني ايه مش هتطلب مني أعمل اشاعات وتحاليل ؟
علت الابتسامة صغره : اشاعات وتحاليل ليه ؟ حضرتك مافيش أي شكوه عضويه ، اللى انتي حاسه بيه مجرد قلق نفسي ، واضح جدا انك عصبيه
قاطعته بانفعال : أنا بقول لحضرتك مابنمش وعندي صداع فظيع مابقتش قادره اتحمله
تنهد بنفاذ صبر : طيب ممكن نهدى بس عشان نعرف نتكلم
زفرت بضيق وهى تهتف : أنا هاديه خالص ، اتفضل حضرتك انا سامعه
همس بصوت هامس : لا واضح فعلا انك هاديه خالص
رفع سماعه هاتف مكتبه ثم اخبر الطرف الآخر باعداد كوب من عصير الليمون بالنعناع ليريح اعصابها ثم أغلق الهاتف ونهض عن مقعده ليجلس بالمقعد المقابل لها وهمس بصوت حاني :
- انسه جودي ممكن تاخديني على قد عقلي وتسمعيني للآخر
هزت رأسها بالايجاب .
- كويس اوي ، حضرتك مش محتاجه لدكتور مخ واعصاب ، أنا شايفك زي الفل ومافيش أي مشكله عضويه ،يمكن بقي تكون المشكله عندك نفسيه , اعرفي الاول سبب المشكله ايه عشان تعرفي تساعدي نفسك وتديني فرصة أنا كمان اساعدك
نظرت له بحزن ثم زفرت انفاسها وهمت بالتحدث لولا ان قاطعهم صوت طرقات اعلى باب مكتبه ليهتف ايمن بصوت عال يسمح لطارق بالدخول .
دلف شاب وهو يحمل بين يديه صينيه موضوع اعلها كوب العصير ثم وضعه امام جودي
وقبل ان يهم بالمغادره نظر لايمن بتسأل : أي اوامر تانيه يا دكتور
- شكرا يا محمد ، اتفضل انت
بعدما غادر الشاب , التقط ايمن المشروب وقدمه إليها : اتفضلي اشربي ده الاول وبعدين نتكلم
لاحت ابتسامه جانبيه اعلى ثغرها وهى تلتقط منه الكوب وتشكره وبدءت فى ارتشاف القليل منه ثم وضعته كما كان وهى تنظر له بقلق ثم همست بحزن : أنا قويه على فكره واقدر اتحمل أي مرضي ، ممكن تصارحني بيه عادي , أنا عندي كانسر مش كده ؟
جحظت عين ايمن بصدمه وهو يردد : كانسر ... ربنا يعافيكي ويعافينا ليه قولتي كده ؟
اجابته بحزن ونظرات عينيها تجوب بخوف : كل اللى انا حاسه بيه ،صداع مستمر ، ألم فى كل جسمي وخمول وارق وكل حاجه أنا فيها بتدل على ان عندي المرض ده وكمان ماباكلش ولو مامي ضغطت عليا فى الاكل ، يرجع الاكل تاني ، وعشان كده جيت لوحدي عايزة اتاكد الاول ،مش عايز اقلقهم معايا ..
شعر بمدا خوفها وتاكد له بانها تعاني من ألم نفسي وليس جسدي ، انتظر الى ان انتهت من كل ما تحمله داخلها من حاله رهبه بسبب ذلك المرض التى وضعت نفسها به ، دون ان تتاكد من سلامتها ..
- أنا سمعتك للآخر ،ممكن تسمعيني بقى وارجوكي ماتقطعنيش وأنا بتكلم .
اومت له بالايجاب .
استطرد قائلا : أولا انتي سليمه جدا ومافيش أي شي يستدعي قلقك ده ، مافيش كانسر صدقيني وكل اللى فى دماغك ده وهم ، وهم بالمرض ، كل اللى انتي بتعاني منه مجرد إضطربات فى المزاج ، قلقك وعصبيتك وانفعالك المستمر ده وارد عنه الصداع المستمر ، وكمان الارق وقله النوم هو ده اللى بيخليكي مابتنميش ، انتي شكوتك مش عضويه يا جودي ، انتي بتعاني من حاله اكتئاب هى وصلتك انك تقنعي نفسك بالمرض ده , وعشان تتاكدي انك سليمه ومافيش أي مرض عضوي ،هبعت معاكي حد يعملك التحاليل والاشاعات اللى هتطمنك مافيش أي حاجه من اللى بتفكري فيه .
هتفت بضيق : يعني كل اللى انا فيه ده اكتئاب ؟
- وارد جدا , عشان كده بقولك شوفي المشكله فين وحليها
- أنا لايمكن اروح لدكتور نفسي
- ليه هو عيب يعني نتعالج من أي حاجه مضيقانا ومأثره على حياتنا
- لا العيب ان أثق فى دكتور وأمنه على نفسي وحياتي وهو يخون الثقه دي ويطلع غير امين بالمره ومش بس كده ،دة بيستغل مرضاه زى الدكتور المشهور اللى الميديا كلها بتتكلم عنه وفى الآخر متهم بقضايه مخله لشرفه كطبيب وك أب قبل مايكون طبيب .
ابتلع ريقه بتوتر فهو على علم بكل هذا ،ولكن بسبب ما فعله ذلك الطبيب الذي لا يمس بكونه طبيب وبشرف مهنته ،الا ان بسببه فقدت بعض الفتايات ثقتها باللجوء الى الأطباء والوثوق بهم .
زفر انفاسه بضيق ونهض عن مقعده : أنا هبلغ حد من التمريض يكون معاكي وهعملك شيك اب كامل عشان تطمني ومعادنا يكره زى انهارده هبلغك بالنتيجه وهعملك اقراص هتخفف الصداع وتخليكي تنامي وان شاء الله تبقي زى الفل ،بس أهم شيء بلاش العصبيه والانفعال .
بالفعل استمعت له وبعد ان حضرت الفتاه اصطحبتها الى معمل المشفى لعمل فحص شامل ثم بعد ذلك توجهت معها الى مركز الاشعه لكي تطمئن على صحتها الجسديه كما أخبرها الطبيب بانها لن تعاني من أي مرض عضوي وكل ما تشعر به ليس الا نفسي ،تنهدت بضيق عندما شعرت بانه محق وانها الان تعاني من حاله اكتئاب وكل هذا حدث معها بعد مقابله فارس لها وحديثها الأخير مع حسام أيضا ، الذي اوضح لها الصوره كاملة وواجهها بشخصيتها المغروره ،لذلك دخلت بتلك الحاله من العزله الى انها لم تعد تنم كما كانت ، داهمها الارق والكسل وعدم النوم ، الى ان سيطر الصداع على دماغها وجعلها تظن بانها تحمل المرض الخبيث
كان يشعر بالقلق على اصدقائه ، رغم انه غاضب من صديقه الاخر بسبب ما فعله ولكن داخله شعور بالقلق سيطر عليه بسبب تلك المهمه .
واثناء شروده ، أستمع لصوت طرقات اعلى باب مكتبه ، اعتدل فى جلسته ثم اذن بالدخول ، ليدلف احدي العساكر : تمام يا فندم ، فى واحده بره طالبه تقابل سعاتك وبتقول انها بنت الدكتور ثروت
تنهدت بضيق : خليها تتفضل
- حاضر يا فندم
بعد لحظات كانت تدلف الفتاه لداخل والحزن مخيم على صفيحه وجهها ، اشار إليها بالجلوس :
- اتفضلي
جلست بهدوء ثم رفعت انظارها تطلب منه برجاء : أنا اسفه على اللى حصل مني ،والله أنا كنت فى حاله صدمه مش قادره أصدق لحد دلوقتي
- أنا مقدر الموقف صعب أكيد عليكي
- هو ممكن اطلب من حضرتك طلب أخير ورجاء ارجوك اسمحلي أقابله ، محتاجه اقعد معاه اخر مره قبل ما نسافر أنا وماما
تفهم موقفها وسمح لها بالفعل بمقابلته وطلب من احدى العساكر بان يجلب له المتهم من محبسه ليلتقي بابنته ، ثم ترك لهم مكتبه لبعض الوقت
دلف ثروت مطأطأ الرأس ، يشعر بالخجل ولن يستطيع رفع عينيه والنظر الى إبنته..
نظرت له بحزن ولم تجد ما تقوله ،جلس ثروت امامها بصمت ، خيم الصمت على كلاهما الى ان قطعته بنبرتها الحزينه : ليه حضرتك عملت كده ؟
انسابت دموعها بغزاره وهى تنظر له تنتظر اجابته ، استطردت قائله وهى تهز رأسها بعدم استيعاب:
- مش قادره أصدق اللى بيحصلي ده ، حاسة أن فى كابوس ومش قادره اصحى منه ، قولي حاجه ارجوك أنا هنا عشان اسمعك مش قادره اتخيل ان حضرتك هنا فى قضيه زى دي ، ازاى فهمني حصل ده ازاى ؟ تعرف ان امجد فسخ خطوبتنا بعد اللى اتنشر فى الصحف والميديا
كفكفت دموعها ثم أكملت حديثها : بصراحه عنده حق مش قادره أقول أن غلطان ،ده حقه طبعا بعد اللى عرفه وكمان عيلته أثرت عليه ينهي كل اللى بينا ، بس محتاجه اعرف ايه ممكن يوصل حضرتك لكده يا بابي ، كنت بفتخر بيك للأسف وفى اي مكان اتواجد فيه بكون فخوره وأنا بقول ده بابايا ومثلي الاعلى ، كل حاجه راحت فى لحظه ليه حضرتك وصلتنا لكده ؟ أنا هنا عشان اعرف اجابه لسؤالي يا بابي ارجوك دي اخر مره تشوفني عشان بنحضر أنا وماما للسفر مابقاش ينفع نقعد هنا بعد اللى حصل ، الناس كلها بتبصلنا بنظرات احتقار ومابقاش لينا وجود خلاص ، ماما قررت نسافر النمسا عند خالو ، هناك ماحدش يعرفنا ،بس أنا هنا عشان ابلغك بالقرار ده ومحتاجه ردك ليه عملت كده ؟ ازاي وصلت بنفسك لهنا محتاجه مبرر واحد يديك الحق على اللى عملته .
رفع مقلتيه بحزن وهمس بصوت منكسر : مامتك السبب ،بعدت عني بعد وفاة هنا اختك وبقيت واخده جانب لوحدها وحزينه طول الوقت ، حاولت اقرب منها ونعدي اذمتنا سوا بس هي فضلت البعد ، حسيت نفسي لوحدي ومحتاج حد يسمعني زى ماانا بسمع كل الناس ، عارف ان لاجئت لطريقه غلط ، بس فجأة داخلت الدايره دي زى الادمان كنت بنشد ورا نزواتي ،بعدها عني وتقصيرها حسسني ان مابقاش ليه دور فى حياتها يمكن كنت فى حاله نزوة ، ضعفت زى أي حد ماممكن يضعف تحت أي ظروف وأنا الظروف كانت قاسيه عليا اوي بعد موت هنا ، قلبي بقى ميت وبقيت أعمل اي حاجه عشان انسي موتها قدام عنيه ومش فى ايدي حاجه اخفف بيها وجعها ، كنت بموت فى اليوم ميت مره لحد ما حاولت اتعايش مع حياتي لاقيت نفسي دوري كطبيب نفسي اساعد كل حاله تجيلي تطلب المساعدة ، بس غصب عني انساقت لمتطرق تاني خلاص فى علاقتي كطبيب ومريض .
قاطعته بغضب : بس كفايه مابقتش قادره اسمع اكتر من كده ، بتتهم ماما السبب عشان حزينه على موت بنتها ، هي دي وقفتك ومواستك ليها ، هي اللى ماتت دي مش بنتك أنت كمان ،بدل ماحضرتك تفضل جنبنا بعدت ،كنت ممكن أقبل اي حاجه تانيه غير اللى عملته ده ، دي جريمه ولا نقول جرايم يا دكتور ، تحرش ومحاولات اغتصاب وابتزاز ،كنت بتصور ضحاياك يا دكتور عشان تبتزهم ، ليه كل ده كان ممكن تروح تتجوز كنت ممكن أقبل تتجوز لكن الحاجات المخله بالشرف يا دكتور ده لا يمكن حد يقبلها ، أنا بابايا مات للأسف ، حضرتك هدمت كل حاجه حلوه جوايا ،اخر طلب ماما بتطلبه منك ،تطلقها عشان نسافر مابقاش لينا وجود هنا خلاص .
نظر لها بانكسار : حاضر هنفذ طلبها واكلم المحامي يخلص الإجراءات بس محتاج اسمع منك كلمه واحده بس ،انك مسمحاني يا لما ، أنا دخلت فى حاله من اللاوعي بعد وفاة هنا اختك وماعرفش ازاى وصلت للى أنا فيه ده بس فجأة لاقيت نفسي مدمن زى أي حد ممكن يدمن حاجه وماعرفتش اعالج نفسي ، صدقيني حاولت بس مانجحتش كان الشيطان بيصور ليا كل حاجه قدامي ، كان عندى يا بنتي هلاوس سمعيه وبصريه ، صدقيني يا بنتي اللى حصلي ده كان غصب عني ، أنا خلاص هتعاقب وهاخد جزائي بس اخر حاجه بطلبها منك تسامحيني أنا مش عارف عملت فى نفسي وفيكي كده ازاي
تألالات الدموع داخل مقلتيها وهمست بصوت ضعيف منكسر : نفسي اسامحك بس مش قادره بابا مات ،واعتبر لما كمان ماتت مع هنا
ركضت بخطواتها السريعه تغادر الغرفه والدموع تتساقط دون توقف الى ان استقلت سيارتها وانطلقت فى طريقها الى منزل والدتها للاستعداد للسفر خارج البلاد ، فلم يعد لديها قوة على تتحمل نظرات المجتمع لها بعدما اقترف والدها ذنبًا لا يغتفر ..
مازال متسمرا مكانه ينظر لتلك الاشلاء التى تبقت من إنفجار السياره بحزن عميق والدموع تنساب دون توقف ، ربت اخر على كتفه وهو يهمس بحزن : البقاء لله يا قاسم ،شد حيلك عشان توصل الخبر لسياده اللواء اكمل سلام ، لأنه عمال يتصل بيك وبيه أنا كمان بس مش قادر ارد عليه مش عارف اوصله الخبر ازاي .
نظر له بعينين محمره اثر الدموع وهمس بتماسك : انور كمل انت شغلك والمطلوب منك ؟ فتش أي عبارة داخل الميناء
هز راسه نافيا : للأسف يا قاسم مافيش ولا عباره دخلت ميناء السويس وفى اخباريه جت ان العبارات اللى تخص شركه الحديدي استقرت فى بيروت وده بياكد اللى حصل لحسام بفعل فاعل واكيد سامي دبر للخلاص منه بعد ما كشفه
نهض من مكانه وهتف بغضب : وربنا ماحد هيخلص عليه غيري ،وهاخد روحي باديه بس بعد لم اكمل مشوار حسام وانفذ وصيته ،انور بلغ المعمل الجنائي محتاج تقرير فوري عن عربيه حسام محتاج اتاكد حسام فعلا كان موجود فيها ولا لا
أومي براسه بالايجاب ثم انصرف ليصدح رنين هاتفه ، اخرجه من جيب سترته بتوتر لينظر الى شاشته ثم استرد انفاسه ليجيب على صديقه
بعدما فتح المكالمه أستمع لصراخ الآخر :
- انت يا بني طمني وصلت لحسام ولا لسه ، والوضع عندك ايه ؟
ابتلع ريقه بتوتر وهمس بحزن : للأسف يا فارس وصلت لحسام متأخر
هتف الأخير بانفعال ؛ يعني ايه متاخر يا قاسم انطق ؟ حسام جراله حاجه ؟
- عربيه حسام انفجرت زى القنبله وحسام جواها
لم يستوعب بعد ما يقصه عليه صديقه : انت بتقول ايه ؟
- البقاء لله يا فارس وبلغ سياده اللواء باللى حصل ، أنا مش راجع القاهره دلوقتي
أغلق الهاتف مع صديقه بعد أن انهى جملته ، اما عن فارس فهوى بجسده اعلى المقعد وظل ينظر للفراغ بعدم تصديق ليتفاجئ باللواء اكمل يقتحم مكتبه وعلامات القلق مرسومه على قسمات وجهه وهو يهتف بصوت عال : اتصلي بقاسم حالا ، البيه مابيردش على مكالماتي وحسام موابيلاته لسه مقفوله وده قالقني جدا
ابتلع ريقه بتوتر ونهض عن مقعده ليسير بخطواته الواسعه ثم وقف امامه ينظر له بحزن وهمس بصوت خافت وهو يشدد على كتف اكمل : شد حيلك ،البقاء لله ،حسام استشهد ..
جحظت عين اكمل بصدمه وانقطعت انفاسه ومازال يحدق بفارس بصدمه لا يريد تصديق ما يقوله ،وقبل ان تنهار قواه جذبه فارس واجلسه اعلى الاريكه ثم ركض ليحضر له كوب من الماء ثم قربه من فاه لكي يرتشف القليل ولكن رفض اكمل وهز راسه نافيه وهو يهمس بألم : كان قلبي حاسس ان مش هشوفه تاني ،ابني مات يا فارس
- كلنا هنرجع حق حسام ، الشهيد مابيمتش هيفضل عايش جوانا وهنفذ وصيته ونخلص البلد من مافيا الحديدي
اُغرقت عيناه بالدموع ونظر لاعلى يناجي ربه بقلب منفطر على فقدانه لابنه الذي لم يلده : ربي لا اسألك رد القضاء ولكن اسألك اللطف بي ،، ان لله وان اليه راجعون ، اللهم اجرني فى مصيبتي واخلف لي خيرا منها .
داخل مشفي الرمد للعيون ..
كانت تقف امام غرفة العمليات تنتظر خروج والدها فهو الان يجري العمليه التى طال انتظارها منذ أن فقد بصره ،، ظلت تناجى ربها وتدعي لوالدها بان يسترد بصره ويتم شفاءه وان يظل جانبها فهى لم تقدر على فقدانه
اما عن الصعيد ..
فكانت تشعر بالقلق ولم تشعر بالراحة وهى بمكان وهو بمكان اخر ،، وجدت نفسها وحيده بدونه رغم وجودها بين عائلتها الا انها تشعر بالوحده ،، وجدت نفسها تلتقط الهاتف تريد سماع صوته والاطمئنان عليه وقبل ان تضغط زر الاتصال تتراجع عن قرارها لتترك الهاتف جانبها بضيق .
مددت جسدها اعلى الفراش وعندما وقعت عينيها على صورته الموضوعه اعلى الكومود وجدت نفسها تبتسم له ثم اغمضت عينيها والابتسامه مازالت اعلى ثغرها لتعاود فتحها باتساع وتنهض من الفراش عندما شعرت بوخذة داخل صدرها ، وضعت كفها اعلى صدرها تتحسس نبضها الذي يزداد بقلق ، التقطت الهاتف دون تردد وهمت بالاتصال .
انتقل خبر وفاته للجميع وخيم الحزن على كل من عرفه وعمل معه وعندما انتقل الخبر الى عائلته التى تكفلت به واصبح فردا منها ، لم تتحمل احلام ذاك الخبر لتفقد وعيها وتنقل الى المشفى فقد داهمتها نوبه قلبيه حاده وجلست جودي بجوار والدتها تحاول التماسك وداخلها نيران تشتعل بسبب خسارتها لشقيقها الذي كان مثابه كل شئ لديها ، كان الأخ والسند والصديق ،منذ ان دخل حياتها واصبح أهم شخصا بها ، كان القريب لقلبها ، مرايتها التى تراء بها اخطاءها ، كان الناصح الامين ويفهمها دون حديث ، فهي طفلته التى نشأت على يده وهو من زرع بها الثقه وقوة الشخصيه ، الى اين ذهب الان بعيدا عنها ، فهى مازالت بحاجته لماذا تركها الان تتخبط بتلك الحياه الظالمه التى حرمتها منه
يالى فرقت الدنيا كان بدرى الوداع
وطلعت فوق بعيد عن الزيف والخداع
وحشنى يا طيب يا ارق من الملاك
فكرك وفاكر قد ايه اتهنيت معاك
وكنت اتمنا يكون عمرى فداك
دلوقتى بحلم بس اعيش لحظه معاك
اه اه اه اها ها
يالى مشيت من غير ماحتى نقول سلام
هفضل على عهدك كأنى معاك تمام
مين الى قال البعد بينسى الحبايب
تعالى شوف حبى وشوف قلبى الى دايب
وحشى يا طيب يا ارق من الملاك
فكرك وفاكر قد ايه اتهنيت معاك
وكنت اتمنا يكون عمرى فداك
دلوقتى بحلم بس اعيش لحظه معاك
مين بعد منك هيدوينى فى يوم جروحى
مين الى فى حضنه الحنين هنسى روحى
مع السلامه يا حبيب قلبى وسلام
ياريت تزرنى كل ليله فى المنام
وحشنى يا طيب يا ارق من الملاك
فكرك وفاكر قد ايه اتهنيت معاك
وكنت اتمنى يكون عمرى معاك
دلوقتى بحلم بس اعيش لحظه معاك
يعنى بحلم بس اعيش لحظه معاك