
رواية بعينيك اسير
الفصل الثامن8
بقلم شهد الشوري
ما إن استمع رأفت لصوت ابنته، انتفض مبتعدًا عن كاميليا، ينظر إلى ميان التي رمقته بنظرة عتاب بعدما رأت كيف كان ينظر إلى تلك الأفعىتمتم بتوتر وحرج وهو يتجنب النظر لها ويلعن نفسه على ما فعل وعلى نظرة ابنته له :
رجليها اتلوت وكانت هتقع فمسكتها
قال ذلك ثم صعد لأعلى متحاشيًا النظر لابنته وما إن غادر صعدت كاميليا وهي تشعر بالضجر من مجيء ميان في هذا الوقت، متناسية أنها كانت تدعي أن قدمها تؤلمها كما تقول !!
لاحظت ميان ذلك، فجزت على أسنانها بغضب وقد فهمت ما تنوي تلك الأفعى كانت تنوي سرقة زوج أختها وهدم العائلة
انتظرت حتى صعدت كاميليا لغرفتها، ثم صعدت خلفها مغلقة الباب بالمفتاح جيدًا قائلة بقرف ونظرات تنم عن كل شر :
اسمعي مني الكلام ده كويس ولآخر مرة، أنا مش أمي اللي بدموع التماسيح بتاعتك هتصعبي عليها لأنك في الأول والآخر أختها للأسف، ومش أبويا اللي قبلك في بيته مجبور عشان ميزعلش ماما ومش زي كل اللي بتضحكي عليهم بدمعتين....يا كاميليا
اقتربت منها تتابع حديثها بشر :
صدقيني، أنا أسوأ مما تتخيلي ولو حسيت إن اللي أبويا وأمي بنوه كل السنين دي والبيت اللي حافظوا عليه بيتهدم بسبب واحدة زيك، قسماً بالله لأخليكي تشوفي الأسوأ وأقدر أخليكي تمشي تلفي حوالين نفسك من الرعب.د
رددت كاميليا ببرود وتحدي :
تصدقي، خوفت! روحي العبي بعيد يا شاطرة وبعدين فيه بنت محترمة ومتربية تنادي لخالتها باسمها من غير ألقاب وتعمل كده؟ لأ بجد، عليا عرفت تربي بصحيح
ردت عليها ميان بغضب وتوعد :
مظبوط، أنا بقى متربتش يا كاميليا واتقي شري احسنلك، انت تعرفي ميان البنت الصغيرة، لكن متعرفيش ميان بعد ما كبرت تقدر تعمل ايه
نظرت لها كاميليا ببرود رغم غضبها الداخلي من حديثها بتلك الطريقة معها، فغادرت ميان بغضب وصفعت الباب خلفها بقوة انتفضت على اثرها كاميليا
نزلت ميان لأسفل حيث طاولة الطعام لتجد والدها يجلس على الطاولة وقد بدل ملابسه، ينظر للفراغ بشرود فجلست يمينه على المقعد قائلة بعتاب :
بابا انا عندي ثقة كبيرة فيك انك عمرك ما تجرح ماما أو تخليني أفقد في يوم احترامي ليك، الست دي داخلة بيتنا وهي ناوية على كل شر، بعد ما حضرتك طلعت، مشيت عادي رجليها سليمة مفيش فيها اي حاجة....يعني كانت بتمثل
أومأ لها قائلاً بصدق :
انا في حياتي كلها مجبتش حد قد ما حبيت والدتك يا ميان، لا يمكن أجرحها أبدًا، كوني واثقة من ده، أما بالنسبة لكاميليا أنا هعرف أتصرف معاها كويس
اومأت له بصمت وبعد دقائق، انضمت لهما والدتها وكاميليا كانت ميان تتابع كل ما يصدر منها بترقب
سعل والدها في منتصف الطعام، كادت أن تعطيه والدتها الماء لكن سبقتها يد كاميليا قائلة برقة :
اتفضل يا رأفت
نظر لها بطرف عينيه بقرف واستنكار، ثم تجاهلها ملتقطًا الكوب من زوجته شاكراً إياها بابتسامة جميلة شعرت الآخرى بالحرج والتقت عيناها بعين ميان صدفة لتجدها تناظرها بتحدي واشمئزاز
بعد دقائق ردد رأفت بهدوء :
انا اشتريت شقة في العمارة اللي قدامنا عشان كاميليا تنقل فيها وتكون على راحتها، تقدر تنقل فيها من بكره
ابتسمت ميان بتوسع، فقالت كاميليا بضيق وحرج زائف :
انا آسفة لو وجودي مضايقكم
رد عليها رأفت بجدية :
ده حل أفضل عشان تكوني على راحتك، وبكره الشغالة لما تيجي خليها تنقل حاجتك هناك
أومأت له كاميليا بضيق ثم قالت '
تمام بألف هنا، أنا شبعت
بعد أن غادرت سألته عليا بتعجب :
ليه عملت كده يا رأفت
رددت ميان بتأييد لتصرف والدها :
بابا عمل الصح يا ماما
نظرت لهما عليا باستغراب ثم قالت :
انا مش متضايقة، بس ليه عملت كده من غير ما تسألني يا في حاجة حصلت منها ضايقتك؟
اجابها رأفت بابتسامة جميلة :
لأ، أبدًا يا حبيبتي، أنا عملت كده عشان هي تكون على راحتها واحنا كمان نكون على راحتنا....بس هي دي كل الحكاية
أومأت له بصمت، فقالت ميان بابتسامة :
أنا طالعة أنام، تصبحوا على خير
أومأ لها الاثنان وما إن غادرت لثم رأفت يد عليا قائلاً بحزن :
أنا آسف يا عليا
سألته بعدم فهم :
آسف على إيه ؟
ابتسم بخفوت قائلاً :
على كل حاجة، على أي تصرف عملته وضايقك بقصد او من غير قصد
ردت عليه عليا بحب :
انت آخر واحد ممكن يضايقني يا رأفت، عيشت عمري كله معاك في امان وراحة وأنت رعيت ربنا فيا، ومخلفتش بوعدك مع بابا اللي يرحمه، وصنت الأمانة
ابتسم لاثماً يدها مرة أخرى بحب، وبداخله متعجبًا من الشقيقتين فكيف لرجل وامرأة أنجبا عليا أن ينجبا تلك الحية أيضًا !
في الصباح الباكر كانت همس تنتقي أحد الكتب الخاصة بالطب من مكتبة الجامعة لحين وصول ميان ولينا
لم تجد أحدًا يساعدها لالتقاط ذلك الكتاب الموجود على الرف العلوي، كان يصعب عليها الوصول إليه، بسبب ان المكتبة خالية في ذلك الوقت الباكر
استعانت بالمقعد الخشبي القديم الذي كان يهتز، وصعدت عليه بحذر وما إن التقطت الكتاب المنشود حتى سمعت صوت أحدهم يأتي من خلفها مباشرة قائلاً بجدية :
بتعملي إيه يا دكتورة
فزعها صوته فقبل ثوانٍ لم يكن أحد موجودًا، اختل توازنها وسقطت فوق جسده، بسبب وقوفه خلفها مباشرة
لتتفاجأ، ما إن رفعت وجهها له بأنه "يزن" الذي كان ينظر إلى داخل عينيها الزرقاوين بانجذاب لا يعلم سببه مهما حاول الإنكار. تلك المجنونة صاحبة اللسان السليط تعجبه شخصيتها وجمالها البريء الذي لا يتلاءم مع صفاتها أبدًا
لتشرد به هي الأخرى، جذاب ذو هيبة تطغى بأي مكان يدخله يعجبها هدوءه وشخصيته الرزينة والثقيلة
انتبهت بعد لحظات لوضعهم فابتعدت على الفور، كذلك فعل هو محمحمًا بحرج، اخذ يلوم نفسه ويعنفها لأنه نظر إلى فتاة أخرى غير حبيبته حتى ولو للحظات دون وعي منه
تمتمت همس بخفوت وحرج :
انا آسفة
بنفس النبرة تمتم يزن هو الآخر بحرج :
حصل خير، بتعملي إيه هنا في الوقت ده
التقطت الكتاب الذي وقع أرضًا قائلة :
المحاضرة الساعة تمانية النهاردة، وصحابي ما وصلوش لسه فقلت أجيب كتاب اتسلى فيه على ما يوصلوا، بس كان في رف بعيد فوقفت على الكرسي ولما سمعت الصوت اتخضيت لأني كنت فاكرة مفيش غيري هنا
أومأ لها بصمت قائلاً :
حصل خير، استأذنك عندي محاضرة دلوقتي
أومأت له بصمت، فغادر من أمامها حزينًا، يلوم ذاته ويعنفها على ذلك الخطأ الفادح الذي ارتكبه بحق حبيبته الراحلة
استفاقت والدة سيلين في الصباح تشعر بألم شديد في رأسها، كذلك زوجها، لكنها لم تهتم وذهبت لتحضر الإفطار بينما كمال توجه إلى غرفة ابنته ليطمئن عليها طرق الباب مرة، مرتين، ثلاث....لكن لا رد ففتح الباب ودخل بحذر خشية أن يوقظها ان كانت نائمة
لكنه تفاجأ بالغرفة فارغة قطب جبينه بقلق، أين ذهبت منذ الصباح الباكر؟
كاد أن ينادي على زوجته، لكن رنين الجرس منعه من ذلك ذهب ليفتح الباب، فتفاجأ بقصي أمامه سأله بقلق :
خير يا بني، هي سيلين معاك
سأله قصي بقلق هو الآخر :
هي ما رجعتش امبارح ولا ايه؟
اجابه كمال بقلق :
رجعت، بس صحيت ملقتهاش في أوضتها
في نفس اللحظة، صعد صاحب القهوة المقابلة للبناية قائلاً بسرعة :
الحق يا عم كمال، الواد عنتر وهما بيفتحوا سجلات الكاميرا شافوا شابين نازلين امبارح في نص الليل من العمارة هنا واحد منهم شايل بنتك سيلين وهي مغمى عليها
توسعت عيون قصي وكمال بصدمة فركض قصي مسرعًا إلى الغرفة ينظر لها بتفحص لا يوجد أي أثر لشجار كل شيء مرتب مكانه كاد أن يغادر لكنه توقف عندما دعس على شيء بقدمه أنزل عينيه ليجد انها زجاجة التقطها يقرأ المدون عليها ليجد انها زجاجة مخدر !!!!
خرج للرجل صاحب القهوة قائلاً بصرامة :
فين تسجيل الفيديو ده
كانت والدتها تبكي وتنواح بقوة على ابنتها بينما كمال لحق بهما شاهدوا تسجيل الفيديو سيارة سوداء بها شخص وآخران يصعدان للبناية مر وقت قصير، وخرجوا منها أحدهم يحمل سيلين بين يديه وانطلقوا بها مغادرين
ردد قصي بحدة :
قرب من رقم العربية دي
دقائق وكان يغادر المنطقة بأكملها قائلاً بصرامة لزوج خالته :
اطمئن يا عمي، بنتك هتبات في حضنك الليلة من غير ما يمسها اي سوء
بعد حوالي ساعة ونصف، وصلت رسالة إلى قصي من أحد رجاله تُحدد مكان السيارة ومالكها وكان العنوان في إحدى المناطق الشعبية
توجه إلى هناك فورًا برفقة عدد من رجاله صعد الدرج المتهالك حتى سمع صرخة من سطح البناية يعرف صاحبتها جيدًا !!!!
في الأعلى، كانت سيلين مقيدة من قدميها ويديها إلى طرف الفراش المتهالك، وفمها مكمم بقماشة تمنعها من الصراخ
في تلك لغرفة الصغيرة وقف ثلاثة شباب أمام الباب يتقدمهم راغب الذي أشرقت عيناه بشر خبيث، مستمتعًا بصدى صراخها المكتوم، قبل أن يقول بوقاحة :
ست الحسن والجمال فاقت أخيرًا، قسماً بالله لكسر عينها
نظر لهم بوقاحة قائلاً :
هدخل أنا الأول وابدأ معاها، وانتوا ورايا ظبطوا سوا مين هيكون بعدي
ضحك الاثنان بحماس، وأحدهما لعق شفتيه بإثارة قائلاً :
طب أنجز وحياتك
ابتسم راغب بشر ودخل الغرفة، صافعًا الباب خلفه بقوة اقترب منها وعلامات السعادة والانتشاء واضحة على وجهه من الذعر المرتسم على ملامحها حين رأته يدخل
مرر يده بوقاحة على قدمها الظاهرة أمام عينيه، إذ كانت ترتدي جلبابًا منزلياً يصلح للنوم فقط، حاولت سحب قدمها بعيدًا، لكنه أحكم قبضته عليها، قائلًا بشر :
مالك خايفة ليه؟ ده الليلة ليلتك يا حلوة
تابع راغب لمساته الوقحة على جسدها وهو يقول بغضب :
اجمدي كده معايا، لسه ليلتك طويلة، ده فيه اتنين غيري بره مستنين دورهم، وحياة أمي لتدفعي تمن كل ساعة قعدتها في السجن
اقترب منها بجرأة ومد يده نحوها، بينما حاولت التملص بكل ما أوتيت من قوة أرادت الصراخ وبالرغم من القماشة التي تغطي فمها، تمكنت بصعوبة من إطلاق صرخة مكتومة اخترقت الصمت
ركض قصي للأعلى ما إن سمع صراخها تفاجأ بشابين أمامه فتولى أحد رجاله التصرف معهما اقترب من باب الغرفة ودفعه بقدمه بقوة، انتفض راغب مبتعدًا عن سيلين، التي كانت تبكي بقوة وجسدها يرتعش من الخوف
اقترب قصي منهولكمه بكل قوة صارخًا على رجاله بالبقاء خارجًا استمر في لكم الآخر حتى فقد وعيه والدماء تغطي وجهه بالكامل ثم توجه نحو سيلين يحل الحبال عنها ثم سترها بذلك المفرش الخفيف وحملها بين ذراعيه وغادر البناية، طالبًا من رجاله التحفظ على الثلاثة !!
بعد مرور بعض الوقت، دخل قصي شقته التي تقع أمام شقة والدته التي كانت في منزل خالته في ذلك الوقت تخفف عنها
وضع سيلين الفاقدة للوعي برفق على الفراش ثم غادر سريعًا إلى منزل والدته ليجلب لها جلباب خاص بالصلاة، بعدها اتصل بالطبيبة التي تسكن في الطابق الأسفل وطلب منها الحضور لفحصها ومساعدتها في ارتداء الملابس
بعد وقت غارت الطبيبة وبدأت سيلين تستعيد وعيها وما إن تذكرت ما حدث، حتى صرخت بفزع، وهي تنظر حولها
اقترب منها قصي قائلاً بقلق :
سيلين، اهدي ياحبيبتي مفيش حاجة، انتي هنا معايا في امان، متخافيش
تمتمت بذعر، وهي تضم جسدها بيديها :
كا...كان...عايز...
قاطعها قائلاً بنبرة كلها توعد :
ملحقش، متخافيش...وأقسم بالله هخليه يشوف جهنم على الأرض!،حقك هيرجع، ومحدش هيقدر يقرب منك طول ما انا عايش على وش الأرض
كان جسدها يرتعش بشكل يثير القلق وهي تردد بذعر:
أنا خايفة أوي يا قصي مش هيسكت، هيرجع تاني دي مش أول مرة يعمل كده.....احميني منه
قاوم نفسه بشدة، محاولًا كبح رغبته في جذبها إلى أحضانه، لكنه لم يستطع إلا أن يطمئنها بكلمات هادئة :
انا هنا يا سيلين، اهدي، مش هيقربلك تاني ولا حتى هتشوفيه....وعد مني يا حبيبتي
ظل يطمئنها بكلماته الدافئة حتى هدأت ونامت وبقي هو يتأمل ملامحها بحزن عميق، وكأن الألم الذي عاشته انعكس على روحه
خرج عمار من المستشفى في اليوم التالي، رافضًا البقاء أكثر من ذلك، كما رفض الذهاب إلى تلك الفيلا وقرر الإقامة في منزل فريدة أما عن سفيان، فقد عاد إلى الفيلا بعد أن أوصله عمار واطمأن عليه، وقام بتعيين ممرضة لتعتني به
قررت ميان زيارته، وهذه المرة رافقتها لينا فقط استقبلتهم فريدة بحفاوة ثم أخذتهم إلى غرفة عمار للاطمئنان عليه
ردد عمار بمرح ان دخلوا عليه :
يا مساء الورد
قالها وهو ينظر إلى لينا بتأمل، جميلة تلك الفتاة ليست جميلة فقط بل جميلة كثيراً تأملها بإعجاب بفستانها الاسود المحتشم الذي يصل إلى كاحلها وخصلات شعرها المموج التي تناسب وجهها الجميل
خجلت من نظراته التي لاحظتها ميان وفريدة التي ابتسمت بفرح حفيدها معجب بفتاة ويبدو أنه سيدخل عش الزوجية قريبًا
اطمأنت ميان عليه لدقائق قليلة، ثم غادرت برفقة فريدة التي غمزتها بخفية، تاركةً الاثنين وحدهما
ساد الصمت المكان بعد مغادرتهما، فقطعته لينا قائلة بحرج :
أنا هقوم أشوفهم فين
أوقفها قائلاً بلهفة :
خليكي قاعدة معايا
جلست مرة أخرى، تفرك يديها بتوتر وخجل من نظراته المتأملة لها، ثم تمتمت بخجل :
بس بقى
سألها بابتسامة مشاكساً إياها :
بس إيه؟
قالت بضيق زائف وهي تتهرب من النظر في عينيه التي لا ترحمها :
بطل تبصلي كده، وإلا همشي
غازلها قائلاً بمرح :
طب انا ذنبي ايه، عيوني هي السبب طول عمرها بتعشق القمر وتحبه، يوم ما تلاقيه جنبها، تبطل تتأمله، ده يبقى ظلم ليه وليها
أطالت النظر له للحظة، ثم أطرقت رأسها بخجل، تاركة الصمت يتحدث نيابة عنها، فارتسمت على شفتيه ابتسامة هادئة قبل أن يحاول تحريك جسده، لتخرجه آهة ألم حادة منه انتفضت على اثرها لينا قائلة بقلق وهي تقترب منه :
مالك حاسس بأيه بيوجعك
ربت على يدها التي لامست كتفه بعفوية، ثم أمسك بها لاثمًا باطن كفها برقة جعل جسدها يرتعش خجلًا فسحبت يدها فورًا قائلة بخجل وضيق
انا كده اطمنت عليك، ولازم أمشي، وآه ياريت تاني مرة ما تتجاوزش حدودك معايا وتعمل اللي عملته من شوية
قالت ذلك وغادرت الغرفة بسرعة، متجاهلة محاولته إيقافها
بينما في الخارج قبل خروج لينا كانت ميان تجلس مع فريدة صامتة، تشعر بالحيرة هل تخبر فريدة بما رأت؟ أم تبقى صامتة لكن بعد تفكير قررت إخبار فريدة، فهي الوحيدة التي قد تصدقها وتساعدها
تشجعت وقالت بتردد :
فريدة...اا...ااا...
طال صمتها، فسألتها فريدة بقلق :
مالك يا ميان من ساعة ما جيتي وانتي ساكتة، عايزة تقوليلي ايه؟
ابتلعت ميان ريقها وقالت بتردد :
فريدة أنا...
صمتت مرة أخرى، فزفرت فريدة بضيق قائلة :
انتي ايه...هتفضلي تنقطيني بالكلام كده
نطقت ميان بصعوبة لا تعرف إن كان ما تفعله صوابًا أم خطأ :
انا شوفت نرمين مع واحد....
سألتها فريدة بترقب :
واحد مين؟
خفضت ميان وجهها وقالت بحرج :
كانوا قريبين من بعض و...
صمتت ولم تجد القدرة على المتابعة، فقالت فريدة بدلاً عنها بهدوء تعجبت منه الأخرى :
عايزة تقولي ان نرمين بتخون سفيان؟
اتسعت عينا ميان بصدمة وهي تستمع لفريدة التي قالت بحزن :
انا عارفة
سألتها بزهول :
من إمتى، وازاي ساكتة كده؟
اجابتها فريدة بضيق :
عرفت من فترة قريبة، وما كنتش عارفة اعمل ايه، سفيان بيسمع لها وواثق فيها جدا وعارف اني مش بحبها فحتى لو قولت ليه مش هيصدقني وهيفكرني بوقع بينهم كمان خوفت كمان لو صدق يموتها ويروح في داهية
رددت ميان بذهول :
ازاي مش هيصدقك، ده عمره ما حب حد زيك
تنهدت فريدة ثم قالت بسخرية مريرة :
بتهيألك، سفيان اتغير، وانتي أكتر واحدة عارفة ده، كلمة منها توديه وتجيبه ده طردني من بيتي ونسبه لمراته، لمجرد انك غلطتي فيها
ثم تابعت بحزن :
مقدرتش اعمل حاجة غير اني اسكت واتحايل عليه يتجوز واحدة تانية، لكن هو عنيد اوي
تنهدت ميان ثم سألتها :
عرفتي إزاي؟
ردت عليها فريدة بضيق :
انا اللي قاعدة معاها في الفيلا، بشوف اللي سفيان مش هيشوفه، سمعتها مرة بتتكلم في التليفون، وبعدها اتأكدت لما شفت سجل المكالمات بتاعها
ثم أخرجت هاتفها تعبث فيها قليلاً ثم وضعته بيد ميان قائلة بحدة :
ده اسمه وصورته اسمه "زاهر السلطان" الهانم عرفت بالصدفة انها مسجلاه على تلفونها باسم واحدة من صحابها عشان محدش يشك فيها
سألتها ميان بحيرة :
طب والعمل؟
ردت عليها فريدة بهدوء يسيق العاصفة :
طلبت من سفيان يتجوز، واخترت ليه العروسة....والعروسة دب هي.......هي انتي يا ميان !!!!
سألتها ميان على الفور بصدمة وزهول :
ايه اللي بتقوليه ده يا فريدة، مش ممكن ابدا يحصل
استمرت فريدة في محاولتها اقناعها، لكن ميان رفضت الفكرة تمامًا، مؤكدة أن حبها لسفيان أصبح عبئًا عليها، ثم خرجت مع لينا هاربة من نظرات فريدة ومن المنزل ومن كل شيء
كانت همس تجلس وحيدة في الجامعة، تتذكر ذلك الطبيب المدعو "يزن" يجذبها يومًا بعد يوم، لقاءاتهما وحديثهما قليلة لكنها تشعر بانجذاب نحوه، هو هادئ الطباع عكسها تمامًا، كتلة من الحركة والجنون، متنقلة من مكان لآخر لطالما كانت تقول إدان شرطها الأساسي في زوجها المستقبلي ان يكون مختلفًا عنها، لا تريده يشبهها أو يمتلك نفس صفاتها وشخصيتها المجنونة، بل تريده هادئًا، ثقيلًا، يتمتع بالرزانة التي تغيب تمامًا عنها
فما الجيد في أن تتزوج شخصًا يشبهها؟
هي لا تفضل ذلك أبدًا، وذلك الطبيب يتسلل الى قلبها، وإعجابها به يزداد يومًا بعد يوم
لمحته من بعيد وهو يستقل سيارته مغادرًا الجامعة تنهدت ثم وقفت لتذهب إلى دورة المياه بالجامعة كان حراس والدها يحيطون بها من كل جانب تنفيذًا لأوامره الصارمة
دخلت وهم ينتظرونها بالخارج وبعد دقائق، كانت تقف أمام المرآة الكبيرة المثبتة على الحائط تضبط ثيابها كان خاليًا من الفتيات في ذلك الوقت، فالشمس على وشك الغروب والجميع يغادرون
كادت أن تخرج، لكنها تفاجأت بثلاث سيدات منتقبات، إحداهن فاقدة للوعي، بينما الاثنتان الأخريان تسانداها سألتهم بقلق تعرض عليهم المساعدة :
تحبوا اساعدكم في حاجة او أتصل بالدكتور؟
ردد إحدى السيدات بمكر :
طبعًا يا حلوة، نحب أوي إنك تساعدينا
تفاجأت همس بصوت رجولي وليس صوت فتاة وقبل أن تتحرك، أتاها أحدهم من خلفها وغرز إبرة رفيعة في رقبتها فسقطت فاقدة الوعي!!!
كشف الثلاثة عن وجوههم، ليتضح أنهم رجلان وفتاة تخلصت الفتاة من نقابها وجعلت همس ترتديه لتسهيل الخروج بها دون إثارة الشكوك
كان أحد الرجلين يساعد الفتاة، بينما الآخر أغلق باب المرحاض حتى ينتهوا لحظات وخرجت الفتاة أولًا، تبعها الرجلان بالطريقة نفسها التي دخلوا بها، ولم يشك أحد بهم فالمشهد كان طبيعيًا ثلاث فتيات إحداهن فاقدة الوعي يساندونها
ابتعد الرجلان بها خارج الجامعة، ثم تسلمها منهم ثلاثة آخرون، وانطلقوا بها بعيدًا
أفاقت سيلين من غفوتها، تشعر بألم في كامل جسدها فتحت عينيها لتتفاجأ بقصي غافياً على المقعد بجانبها اعتدلت تنظر حولها بصدمة، متذكرة ما حدث في الصباح
تأملت وجهه بحزن وحب كيف لها أن تكون حمقاء إلى هذه الدرجة؟
كيف فضلت ذلك الحقير عليه؟
وكيف أوصلتهما إلى هذه الحالة؟
فتح عيناه ليجدها تتأمله بحزن وحب قبل أن يتحدث سألته بحزن :
لأمتى يا قصي؟
لم يفهم ما تقصد، فتابعت بصوت مكسور :
لأمتى هتفضل بعيد؟ ولأمتى هنفضل كده؟ مرة تقرب وأنا أبعد، ودلوقتي أنا أقرب وانت تبعد
لم يقل سوى جملة واحدة :
انتي اللي وصلتينا لكده
وقفت أمامه قائلة بقهر ودموع تغرق وجهها :
بقيت تكرهني خلاص
نظر في عينيها قائلاً بسخرية مريرة :
ياريتني قادر أكرهك...كنت ارتحت، لكن انا مش قادر انسى اللي عملتيه يا سيلين
تمسكت بيده قائلة برجاء :
طب أنا غلطت، بس غلطي يستاهل تعاقبني ببعدك طول العمر؟ يستاهل نتوجع إحنا الاتنين؟ غلطي ملهوش فرصة تانية خالص؟
صمتت للحظات قبل ان تقول بحب صادق نابع من قلبها :
انا بحبك يا قصي
الكلمة التي انتظر سماعها لسنوات طويلة، سمعها أخيرًا... ولكن بعد ماذا، تنهد بحزن عميق ثم قال :
بعد ايه ؟
اخفضت وجهها بخزى، فتابع قصي بحزن :
عارفة انا فضلت قد ايه مستني اسمع الكلمة دي منك، طب عارفة شعوري دلوقتي وانا بسمعها منك....مش قادر افرح بيها، مش قادر انسى يا سيلين..انسابت دموعها اكثر فتابع هو مرة أخرى بخيبة أمل :
أنا مش واثق في حبك ده، ولا حتى واثق حياتنا هتكون ازاي قدام
ترجته سيلين قائلة بحزن ودموع :
انا عايزة فرصة واحدة بس يا قصي، صدقني هكسب ثقتك من تاني وكله هيرجع زي الأول واحسن
أشاح بوجهه عنها وقال بهدوء موجع :
جهزي نفسك، لازم نمشي، أهلك زمانهم قلقانين عليكي، انا لسه مكلمتش حد ولا عرفتهم اني لقيتك
جلست على الفراش تبكي بحرقة، جسدها يهتز من شدة البكاء وهي تقول بتوسل:
انا محتاجاك جنبي، متسبنيش يا قصي، أنا عايزة أرجع زي زمان...عايزة أرجع سيلين القديمة اللي كنت بتحبها، عايزة الزمن يرجع لأيامنا الحلوة، ياريتنا ما كبرنا، وياريتني ما عملت اللي عملته
اقترب وجلس بجانبها على الفراش مرددًا بقلق وهو يرى انهيارها :
اهدي يا سيلين
زاد بكاؤها وهي تقول بقهر :
ياريتني ما جيت على الدنيا دي، ياريت أنا اللي موتت، كنت ارتحت وريحتكم مني، محمد هو اللي كان المفروض يفضل عايش مش انا....انا حمل على الكل
اقترب منها اخيرًا يزيح دموعها بيده هامساً بوجع يمزق قلبه من الداخل :
سيلين عشان خاطري اهدي
تمسكت بيده بحزن وقالت بصوت بتوسل :
سامحني يا قصي، فرصة واحدة بس
نظر إليها بعينين مليئتين بالألم قائلاً :
عشان خاطري كفاية لحد كده يا سيلين....مش هقدر انسى
اغمضت عينيها لثوانٍ، ثم ردت بصوت مليء بالأمل والرجاء :
هنسيك
بينما كانت كاميليا تجلس على الأريكة في المنزل الذي انتقلت إليه، كما أخبرها رأفت تكاد تموت من الغيظ مما فعله لكنها أبداً لن تصمت فإن فشلت في التواجد داخل منزله، فهناك طرق أخرى!!
أما الآن، فقد حان الوقت للعودة إلى تلك الفيلا التي تركتها منذ سنوات، ولن يساعدها سوى شخص واحد فق
التقطت هاتفها واتصلت برقم ما وما ان جاءها الرد من الطرف الاخر قالت بلهجة قاسية :
اسمعي، أنا ماصرفتش عليكي كل ده، ولبستك ونضفتك عشان تفضلي نايمة على الخط وما استفدتش من وراكي حاجة، أنا لازم أدخل الفيلا وأرجع أعيش فيها، وإلا عليا وعلى أعدائي، زي ما دخلتلك النعيم اللي عايشة فيه دلوقتي اقدر بسهولة اخرجك منه....يا مراة ابني