
رواية بعينيك اسير
الفصل التاسع9
بقلم شهد الشوري
نظر لعينيها تلك النظرة التي حملت كل الحزن الذي خبأه خلف قناع الكبرياء في تلك اللحظة، تداعت إلى ذاكرته كلماتها، التي ما زالت تتردد في أذنيه منذ ذلك اليوم المشؤوم كلماتها لم تكن مجرد جمل عابرة بل كانت سهامًا اخترقت قلبه وكبرياءه كيف له أن ينسى؟ كيف له أن يترك الألم يمضي وكأن شيئًا لم يكن؟ كان يعلم أن استسلامه لتلك المشاعر مرة أخرى سيعني خسارته لأكثر مما فقدفهمس بصوت أجش وكأن الكلمات تخرج من أعماق جرح لم يندمل حتى الآن :
مفيش غبي بيقع في نفس الغلطة مرتين
كانت كلماته أشبه بطعنة لقلبها شعرت وكأنها تحطمت أمامه لكن كبرياءها الذي ظل صامتًا طويلاً انتفض أخيرًا
تراجعت خطوتين للخلف، وأحكمت وشاحها حول رأسها محاولة أن تخفي ارتعاش أصابعها، تماسكت بشدة تحارب دموعًا أوشكت على السقوط، قبل أن تقول بهدوء اقلقه :
شكرًا على مساعدتك...عن إذنك لازم امشي
كان وقع كلماتها أشبه بصدى فراغ يملأ الغرفة حاول أن يتجاهل ما شعر به وهو يراها تتراجع بعيدًا، لكنه لم يستطع أن يدعها تغادر وحيدة في هذا الوقت وقبل أن تخطو خطوتها الأولى نحو الباب، أوقفها صوته الحازم :
استني....هوصلك بلاش تمشي لوحدك دلوقتي
استدارت نحوه، وأشارت إلى ساعة الحائط بهدوء :
الوقت مش متأخر أوي...أقدر أروح لوحدي
لكن نظرته الصارمة لم تمنحها خيارًا آخر وهو يقول بلهجة آمرة تخلو من أي مساحة للنقاش :
انا رايح عندكم عشان أجيب ماما، فطريقنا واحد....يلا
أومأت بصمت، وتركته يتقدم أمامها، بينما تبعته خطواتها الثقيلة كان الصمت يسيطر على الأجواء بينهما، لا هو يجد ما يقول، ولا هي تستطيع كسر حاجز الجفاء الذي عاد ليحيط بهما
بجامعة الاسكندرية التي قلبها عاصم رأسًا على عقب حين علم باختفاء ابنته همس سيارات الشرطة اجتاحت المكان، ورجال الأمن يطاردون خيوط القضية عبر كاميرات المراقبة المشهد كان عبثيًا، كأنها تبخرت آخر ظهور لها كان حين دخلت دورة المياه...ولم تخرج!!!
وقف عاصم متمالكًا نفسه بصعوبة، بينما يحاول تهدئة زوجته المنهارة على الطرف الآخر من الهاتف، كل دقيقة تمر كانت تمثل كابوسًا يزداد سوءًا في تلك اللحظة، وصل يزن إلى الجامعة ليأخذ هاتفه الذي نساه بمكتبه، لكنه تفاجأ بالفوضى التي تملأ المكان وحين علم السبب، دون أن يدري وجد نفسه يتحرك لمساعدتهم، شعور غريب بالمسؤولية تجاه تلك الفتاة
على الجانب الآخر، كان كارم، الضابط الثلاثيني الذي اتسمت ملامحه بالحدة والجاذبية، يراجع تسجيلات الكاميرات بعينين خبيرتين شاهدها مرة بعد مرة، حتى لاحظ شيئًا غريبًا ثلاث فتيات منتقبات دخلن المرحاض، واحدة منهن ترتدي حذاءً أسود بكعب عالي وقصيرة القامة وعندما خرجن، بدا أن القوام والأحذية تغيرت أحدهن أصبحت ترتدي حذاءً رياضيًا وطولها مختلف كان ذلك كافيًا لإثارة الشكوك
استمر في تعقب الخطوات حتى وصل إلى سيارة كانت متوقفة على بعد مناسب الكاميرا التقطت إحدى المنتقبات كشفت وجهها للحظة قصيرة جدًا قبل أن تتحرك السيارة بسرعة !!!
دَون رقم السيارة ثم أسرع إلى عاصم، الذي يحاول تهدئة أعصابه بصعوبة بالغة.....قص عليه كارم كل ما علم به وما ان انتهى ردد بسرعة :
الرقم اتبعت لكل لجان المرور وهيردو علينا في اسرع وقت
بينما كان الجميع في حالة توتر وترقب، جاء خبر العثور على السيارة، لكنها كانت متفحمة بالكامل على أحد الطرق الصحراوية وقف عاصم مكانه، كأنما الأرض سُحبت من تحت قدميه، وارتفع صوته بانفعال :
طب وبعدين محدش اتصل...ولا عارفين هي فين؟!
اقترب منه يزن محاولًا تهدئته، ووضع يده على كتفه قائلاً بصوت هاديء :
اهدى حضرتك، ن شاء الله هترجع بخير....هنلاقيها
لكن الكلمات لم تكن كافية لإطفاء النار في قلب الأب فجأة، تعالى رنين هاتف عاصم كانت المتصلة "ميان" التي تحدثت بسرعة ولهفة ما ان رد عليها :
عمو عاصم، همس امبارح خدت مني عقد كان عجبها، بابا كان مركب فيه GPS عشان قيمته كبيرة وقدر يحدد مكانها
انتفض عاصم وصرخ بانفعال :
ابعتيه دلوقتي حالًا
بسرعة، أرسلت ميان الموقع، اصبح لديهم خيط جديد كان المكان في منطقة صحراوية خالية تمامًا من السكان جمع عاصم فريقه ومعهم قوات إضافية، استعدادًا للتحرك
وقف يزن بجانبه ثم قال بحزم :
أنا جاي معاكم يا سيادة اللواء همس طالبة عندي وغالية علينا كلنا
رغم الموقف العصيب، لم يستطع كارم إخفاء مشاعر الريبة التي تسللت إلى داخله عندما رأى الحماس في كلمات يزن كانت عيناه تراقب ذلك الطبيب وقلبه ينقبض بشعور لا يستطيع تفسيره
على الناحية الأخرى في مكان مجهول
كانت همس مستلقية على الأرضية الباردة، يداها مقيدة بحبل سميك، وملامحها شاحبة فتحت عينيها ببطء شديد وكأن جفنيها أثقل من أن يرفعا، شعرت بصداع كاد أن يفتك برأسها، للحظة لم تدرك أين هي، ثم انهالت عليها الذكريات كطوفان غاضب.....دورة المياه، الفتيات المنتقبات، والاختطاف!!!!
تحاملت على نفسها، ثم وقفت بصعوبة، واتجهت نحو الباب الخشبي المحكم دفعته بقدمها بكل قوتها صارخة بصوت مرتعش :
مين هنا، طلعوني!!!!
لكن الصمت كان الرد الوحيد لم تستسلم، استمرت بركل الباب بقوة حتى أرهقها التعب وجلست تتنفس بعنف
لحظات مرت ودخل رجل يبدو في الأربعين من عمره كانت عيناه تحملان نظرات وقحة تفترسها دون خجل، قائلاً بالإنجليزية بصوت اشبه بفحيح افعى :
فاتنة
انتفضت همس صارخة عليه بحدة :
انت مين؟ عايز مني إيه؟
اقترب منها بخطوات بطيئة وهمس بجانب أذنها بلهجة عربية متقنة :
انا عزرائيل...وجيت أخد روحك
تراجعت للخلف رغم قيودها وصرخت عليه بغضب وتحدي :
فك الحبل ده الأول، وبعدين نشوف مين اللي هيأخد روح التاني الأول
ضحك بسخرية قائلاً :
حلوة وشرسة بس خسارة في الموت بس قبل ما أموتك هعمل حاجة صغيرة....
عيناه كانت مليئة بالشر، لكنها لم تكن تخافه، الغضب يملأ قلبها، يمنحها شجاعة فوق العادة ما أن فك الحبل عن يديها حتى عاجلته بركلة عنيفة أسفل بطنه سقط على اثرها على الأرض متألمًا، لكنها لم تتوقف بل أمسكت بقطعة خشبية ملقاة في زاوية الغرفة وسددت له ضربة قاسية على رأسه أسقطته فاقدًا للوعي ثم ركضت سريعاً واختبئت اسفل الفراش
استطاع يزن وكارم وعاصم، برفقة بعض الضباط، دخول المبنى والتخلص من كل من ظهر أمامهم، بدأ كارم في البحث عنها في جميع الغرف، ويزن يرافقه وعندما وصلا إلى إحدى الغرف، فتحا الباب وكادا أن يغادرا، لكنهما توقَّفا فجأة عندما رآيا الجثة وصوت بكاء مكتوم يعلو في المكان
دخل كارم الغرفة، وخلفه يزن الذي كان يفتش بعينيه، محاولًا تحديد مصدر الصوت، هل هو قادم من الشرفة المكسورة زجاجها؟ أم من الخزانة؟ أم من أسفل الفراش؟
بصوت قلِق وحنون، همس كارم :
همس، انتي هنا؟ اطلعي، متخافيش...انا كارم
ما إن سمعت صوت كارم حتى خرجت بسرعة من أسفل الفراش وجسدها يرتجف من شدة الخوف دون أن تفكر ألقت بنفسها في أحضانه دموعها تنهمر على وجنتيها وهي تردد بصوت مرتجف :
طلعني من هنا يا كارم، أنا خايفة اويذ
ربت كارم على رأسها بلطف، بينما كانت يداه تمسكان بخصلات شعرها بحنان، وهو يهمس:
"حاضر، اهدي، خلاص، مفيش حاجة، ومحدش يقدر يأذيكي. كلنا هنا علشانك يا همس. اهدي، متخافيش."
كان يزن يقف خلفهما يراقب الموقف بصمت، شعور غريب من الضيق والغضب تسلل إليه فجأة وهو يراهم هكذا، لكنه لا يعرف السبب
تساءل في نفسه لماذا يشعر بكل هذا التوتر؟ لماذا هذا الإحساس بالضيق عندما رآهم معًا؟ أسئلة كثيرة دارت في رأسه، لكنه لم يجد إجابة واحدة
ابتعدت همس عن أحضان كارم، ولا زالت تبكي نظر إليها كارم بحنان، ثم أشار إليها أن تستند على يده قائلاً برفق :
والدك هيموت من القلق عليكي، خلينا ننزل علشان نطمنه
اجابته من بين دموعها :
طب هو مطلعش ليه
تنهد كارم بتردد قبل أن يجيب :
اتصاب في دراعه، لكن مفيش خطر عليه، متخافيش الإسعاف قربت توصل
اتسعت عينا همس بصدمة، وكادت أن تصرخ لكن كارم أوقفها بلطف وهو يهدئ من روعها :
ارجوكي اهدي احنا هننزل علشان يطمن عليكي وتطمني عليه ماشي يا همس
ركضت للأسفل بسرعة، وفي لحظة، ألقت بنفسها داخل أحضان والدها الذي ضمها إلى صدره بارتياح، مغمغماً بخفوت:
الحمدلله يارب
عاد الجميع إلى منازلهم وبعد إصرار من عاصم وكارم رحلت همس ووالدتها، بينما بقي كارم في المستشفى برفقة عاصم
ما إن دخل يزن الفيلا حتى ركض نحوه زين ابن شقيقته "ياسمين" صارخًا بصوته الطفولي الجميل :
خالو
احتضنه يزن بحنان واشتياق، يقبل جبينه قائلاً :
حبيب خالو اللي واحشني
ضحك الصغير بمرح عندما دغدغه يزن برفق، اقتربت منه ياسمين فمد يده الأخرى ليعانقها، مقبلًا جبينها وهو يقول بحنان :
واحشاني يا ياسمينة
ابتسمت له قائلة بشوق :
مع إني زعلانة منك عشان آخر مكالمة، بس وحشتني اوي
رد عليها بابتسامة خافتة معتذرًا :
حقك عليا
ابتسمت له بحب، وابتعدت عندما اقترب زوجها "نادر" بابتسامة واسعة قائلاً :
حبيبي يا أبو النسب، واحشني
عانقه يزن بابتسامة وهو يقول :
اخبارك إيه يا نادر
تبادل الجميع السلام بحرارة، ثم جلسوا في الصالون يتبادلون الحديث حتى قالت أحلام والدة يزن وياسمين :
انا قولت للخدم يجهزوا الأوض ليكم، خمس دقايق وتطلعوا ترتاحوا يا حبايبي
رد عليها نادر بابتسامة :
تسلمي يا أمي، بس إحنا هنقعد في أوتيل لحد ما نشوف شقة جديدة بما إننا ناويين نستقر في مصر خلاص
قاطعهم صلاح، والد يزن، معترضًا :
ايه الكلام ده؟ أوتيل إيه؟ بيت أهلكم مفتوح، وبلاش بيت جديد كمان، زي ما أنتم شايفين الفيلا واسعة وكبيرة، اقعدوا معانا، نتونس ببعض
بعد إلحاح من الجميع، وافق نادر وصعد مع ياسمين إلى الغرفة المخصصة لهما، لم تفارق البسمة وجه ياسمين سعيدة بعودتها إلى منزل عائلتها
ما إن دخلت الغرفة حتى أغلق نادر الباب بالمفتاح، اقترب منها واحتضنها من الخلف قائلاً :
وحشتيني
أبعدت يده عنها بحدة، وهي تقول بصرامة :
متلمسنيش
جز على أسنانه قائلاً بغضب :
انتي مراتي !!
ابتعدت عنه بنبرة مشبعة بالقرف والغضب :
مية مرة أقولك إياك تلمسني، أنا بقرف منك
جذبها بحدة وألصق ظهرها بالحائط ثم قال بغضب يتوعدها:
انا صبري ليه حدود، اتعدلي احسنلك، مش عشان احنا في بيت أهلك هتسوقي العوج وهسكتلك
ثم أمسك خصلات شعرها بقسوة قائلاً بشر :
لا ده أنا أعدلك وأعدل اللي خلفوكي كمان اظبطي كده، عشان اللي معايا مش شوية، اللي معايا يفضحك انتي وأهلك فضيحة بجلاجل لأخر يوم في عمركم
أبعدت يده عن خصلات شعرها بغضب ثم قالت بغضب :
انا وأهلي أنضف منك ومن اهلك، ولا نسيت إنت كنت إيه وبقيت إيه بعد ما دخلت بينا
قبض على فكها بقسوة، ثم قال بفحيح اثار الرعب في أوصالها، وأنفاسه الساخنة تضرب وجهها :
آه، أنا زبالة واسوء مما تتخيلي، فخافي مني، انتي مش أغلى من اللي راحوا، اللي من دمي قتلتهم بايدي، ما بالك انتي هتكوني أغلى منهم مثلًا؟
حركت رأسها بقوة لتفلت من قبضته ثم صاحت بغضب وقهر:
لو شايف نفسك قوي، أحب أقولك إن فيه الأقوى منك ومن الكل....ربنا اللي خلقني وخلقك، ربنا العادل اللي قال إن اللي بيعمل حاجة بيشوفها، ومن قتل يُقتل ولو بعد حين، وبسمة اللي قتلتها ذنبها في رقبتك!!!
تراجعت للخلف، تضيف بنبرة متحدية:
زي ما إنت لاوي دراعي، أنا كمان لاوية دراعك، تفتكر أخويا هيعمل إيه لما يعرف إنك قتلت خطيبته؟ هيعمل إيه لما يعرف لعبتك الزبالة انت وهي مع بعض!
في صباح اليوم التالي، كان الجميع منشغلين بأعمالهم، بينما كان هذان الاثنان في الغرفة يفعلان الفاحشة الكبرى وبعد وقت طويل، ألقت رأسها على الوسادة، تتنفس بعنف، مثله تمامًا ثم اعتدلت جالسة قائلة بضيق:
أنا خايفة من كاميليا، يا زاهر كنت فاكرة إن جوازتها الأخيرة هتبعدها عني وتريحني، لكن رجعت تاني عايزة فلوس وتهددني انها لو مدخلتش الفيلا وسط ولادها وانا لو فتحت الموضوع ده مع سفيان مش بعيد يطلقني ولو متكلمتش معاه فيه كاميليا هتحكيله كل حاجة وساعتها هيقتلني
رد عليها زاهر ببرود وهو يدخن سيجارته بشراهة :
كاميليا مش سهلة أبدًا، محدش في الدنيا يعرف يعرفها زي ما انا عارفها، دماغها سم، ده الشيطان نفسه يتعلم منها، كل اللي عملته في حياتها وشغلها.....معايا
نظرت له بضيق وسألته بغضب :
طب ساكت ليه؟ ابعت كل حاجة لسفيان وخلينا نخلص منها
نظر لها قائلاً بحدة :
بلاش غباء، إحنا محتاجين كاميليا تبقى في صفنا لحد ما نوقع سفيان، بعدها ننهيها ونرميها في داهية من غير شوشرة أو مشاكل
سألته بحيرة :
والفلوس اللي عايزاها؟ أجيبها منين؟
زفر بضيق ورد عليها بملل :
مش قضية، أنا هدفعها
صمتت للحظات ثم سألته بفضول :
ليه بتكره كاميليا كده، وكرهك لسفيان بسببها برده ولا فيه حاجة تانية، وليه طلبت مني اكرهه في ميان وأعمل كل الفيلم ده عليه؟
حدجها بنظرة حادة قائلاً صرامة :
نرمين، كفاية وجع دماغ مش كل حاجة لازم تعرفيها، إحنا اللي بينا مجرد وقت بنقضيه مع بعض وننبسط، متحشريش نفسك في اللي ميخصكيش، اللي يخصنا مسموح تتكلمي فيه، أما اللي يخصني فده ممنوع....انا بخليكي تنفذي حاجات بتاخدي بتمنها غالي مرة مني ومرة من ابن العزايزي اللي بيتمنى ليكي الرضا ترضي....مش عارف على ايه بصراحة
زفرت بضيق وغيظ ولم ترد، بينما تجاهلها هو ببرود، شارداً في الفراغ وبينما كانا يتحدثان بأريحية، كان هناك من يستمع لكل شيء في صدمة
على الجانب الآخر، في منزل فريدة، كان عمار يستمع من غرفته لمشاجرة شقيقه سفيان مع فريدة في ذهول!!!
صرخ سفيان غاضباً من طلبها المتكرر بالزواج من ميان:
ميان مين اللي عايزاني أتجوزها يا فريدة، دي بالذات لو فكرت في الجواز، اموت ولا اني اتجوزها
سألته فريدة بغضب :
مالها ميان؟ عملتلك إيه؟ فوق من الوهم اللي انت معيش نفسك فيه، لحد إمتى هتفضل تضحك على نفسك؟ انت شايف إن نرمين دي تتحب؟ لحقت تحبها إمتى وتقرر تتجوزها، وانت كنت لسه قبلها بتقول بحب ميان وعايز أتجوزها، طلعلي عيب واحد في ميان يخليك ترفضها، بتحبك وبتحبها وأخلاقها عالية
رد عليها سفيان بغضب وصرامة :
انا حر، يا فريدة وبقولك مرة وتانية ولأخر يوم في عمري، ميان عمرها ما هتشيل اسمي
صرخت عليه بإصرار وقوة :
طيب يا سفيان، أقسم بالله لو ما تجوزت ميان، لا هتبقى حفيدي ولا أعرفك، ومش عايزة أشوفك تاني....خليك مع حبيبة القلب اللي بتخسرك أهلك واحد ورا التاني
نظر لها بصدمة وغضب ثم سألها بحدة :
ليه يا فريدة؟ عايزة توصلي لإيه؟ بتجبريني على واحدة مش عاوزها ولا بطيقها ليه؟
أجابته بهدوء :
بكره تعرف السبب، تعرف اني بعمل كده لمصلحتك، وهتيجي تشكرني بعدين وكلامي هيمشي، يا سفيان لو رفضت تتجوز ميان يبقى انت اللي اخترت
أخذ صدره يعلو ويهبط بعنف، كأنما يختزل غضبه في أنفاسه المتلاحقة، قبل أن يقطب حاجبيه وينطق بحدة وصرامة:
مش هعمل حاجة مراتي مش موافقة عليها، ولو رفضت يبقى انسي الموضوع، اما لو وافقت، أنا هوافق...لكن لو الجوازة دي تمت، يبقى انتي اللي حكمتي عليها بالعذاب، صدقيني، هخليها تتمنى الموت يا فريدة
ضحكت فريده بسخرية قائلة :
متخفش، مراتك هتوافق ويوم ما تفكر تأذي ميان، محدش هيقفلك غيري يا بن شريف....سامعني؟
نظر لها بغضب كبير، ثم غادر المكان صافعاً الباب خلفه بقوة تنهدت فريدة بحزن وهي تردد بخفوت :
صدقني، يا بني، أنا عايزة مصلحتك، بكره تفوق من الوهم ده بس يارب تفوق قبل فوات الأوان!
في ذلك المصنع الكبير الخاص بالأدوية، كان رأفت يتفقد العمال قبل أن يدخل إلى مكتبه ليجد الضيفة التي كانت في انتظاره، والتي رفضت التعريف عن نفسها للسكرتير
ما إن دخل، فوجئ بكاميليا تجلس أمام مكتبه، وضعت قدمًا فوق الأخرى بغرور، بكامل زينتها وأناقتها من يراها يظن أنها في بداية الأربعين، على الأكثر لطالما كانت تتمتع بجمال لافت وملامح جريئة، على عكس عليا شقيقتها التي تتمتع بملامح هادئة تشع براءة
سألها بجدية وهو يجلس على مقعده :
خير يا كاميليا هانم...في حاجة؟
أومأت له وهي تقول برقة مبالغ فيها :
قولت أجي بنفسي عشان أشكرك يا رأفت على البيت وكل اللي عملته عشاني
قالت الأخيرة، وهي تقترب منه وتضع يدها على صدره تتحسسه بدلال، محاولة إغواءه ثم فجأة، مالت عليه لتلثم وجنته برقة، بينما وضع رأفت يده على يدها