
رواية بعينيك اسير
الفصل الثالث3
بقلم شهد الشوري
انتشله من غياهب ذكريات الماضي الأليم صوت باب مكتبه الذي فُتح فجأة ليدخل منه شخص دون أن يستأذن التفت سريعًا وكان على وشك أن يوبخه لكن الكلمات توقفت في حلقه عندما رأى أمامه ابن عمه "قصي" الذي ما إن دخل من باب المكتب حتى قال بصوتٍ مليء بالاشتياقواحشني يا بن عمي
تحولت الصدمة في قلب سفيان إلى فرحة عارمة لم يدرك كيف تحركت قدماه نحو ابن عمه وعانقه بقوة وكأنهما يعودان إلى أيام كان فيهما كل شيء سهلًا ومطمئنًا همس بفرحة غامرة :
واحشني يا أخويا
تبادل الاثنان العناق وكان بينهما اشتياقٌ يكاد يفيض من قلبيهما بعد لحظات ابتعد سفيان قليلاً لكنه لم يتمالك نفسه من أن يقول بحماس :
فريدة هتفرح أوي لما تشوفك وعمار كمان
ابتسم قصي قائلاً بحنين :
وحشتوني أوي وأمي كمان وحشتني اوي
تنهد سفيان قائلاً بضيق وحزن :
حاولت معاها كتير تسيب بيتها وتيجي تعيش معانا لكنها رافضة مش قادرة تسيب بيت عمي الله يرحمه
تبدلت ملامح قصي وابتسامة حزينة تكسو وجهه وهو يردد بدعاء :
الله يرحمه
سأله سفيان بعتاب :
مقولتش ليه إنك جاي النهاردة عشان استقبلك أنا وعمار في المطار
رد عليه بهدوء :
حبيت أعملها مفاجأة للكل
ردد سفيان بسعادة وهو يربت على كتفه بحنان :
أحلى مفاجأة يلا بينا نروح الفيلا تسلم على فريدة وعمار ونتغدى مع بعض كلنا زي زمان
ابتسم قصي بخفوت قائلاً : ملامحه :
تمام بس هسلم عليهم وأمشي أمي وحشتني أوي وكمان عاوز أرتاح شوية من تعب السفر تتعوض مرة تانية والأيام جاية كتير
على مضض وافق سفيان بعدما وعده قصي أن يجتمعوا في يوم آخر
بعد أن انتهى يزن من محاضراته المقررة لهذا اليوم توجه إلى جراج الجامعة وما إن دخل حتى توقف في مكانه وتوسعت عيناه من الصدمة عندما رأي سيارته في تلك الحالة الإطارات فارغة والخدوش تغطي كل جانب من جوانبها والزجاج الأمامي محطم تمامًا السيارة تحولت إلى حطام !!
أغمض عينيه بغضب موجة من الغيظ تملأ قلبه وهو يتوعد لمن فعل ذلك بالهلاك ألقي نظرة أخيرة على السيارة قبل أن يستدير ليغادر لكن شيئًا لامعًا على الأرض جذب انتباهه التقطه بيديه كان طوقًا معدنيًا لامعًا متدليًا منه قلب منقوش بداخله اسم "همس"
جز على أسنانه بعنف وهو يردد بغضب :
انتي اللي جبتيه لنفس قسمًا بالله ما هرحمك
اتصل فورًا بسائق والده وطلب منه الحضور إلى الجامعة والتعامل مع السيارة بينما هو خرج من الجراج بكل غضب.يلعن تلك "سليطة اللسان الوقحة" التي لم يكن يعرف عنها شيئًا سوى اسمها يتوعد لها بالويلات عندما يراها
في أحد البنايات الكبيرة التي لا يسكنها سوى أصحاب الطبقات المخملية كان قصي يضع رأسه على قدم والدته بعد عناق طويل ودموعها تختلط بكلمات معاتبة على كل تلك الأعوام من الغياب :
انت مش هتسافر تاني، ولا هتبعد عني أنا كبرتك وربيتك عشان تفضل جنبي مش عشان تسافر وتسيبني
تنهد قصي قائلاً بحنان :
مش هسافر تاني على عيني والله بعدي عنك يا أمي
مررت والدته يدها بحنان على خصلات شعره قائلة :
ادخل ارتاح شوية من السفر ولما تصحى هتلاقي الأكل اللي بتحبه كله جاهز
ابتسم قصي قائلاً وهو يقبل يدها :
متتعبيش نفسك يا حبيبتي أنا هنام باقي اليوم بكرة إن شاء الله
أومأت له قائلة بحنان :
أوضتك جاهزة كنت بخليهم ينضفوها كل يوم كمان عشان لو رجعت في أي وقت
أومأ لها بابتسامة وقبل جبينها قبل أن يدخل غرفته ويغلق الباب خلفه
نظر إلى كل زاوية في الغرفة باشتياق كبير كل ركن فيها يحمل له ذكرى هنا قضى مراهقته وشبابه هنا بدأ حبها ينمو في قلبه هنا كانت لياليه تمر هائمًا بها طوال الليل يحلم ويشتاق لها وهنا أيضًا ركض باكيًا حينما رفضته بكل قسوة لأن قلبها ليس له !!
ما زالت كلماتها تتردد في أذنه وحتى الآن لم يستطع أن ينساها فتح درج مكتبه في الزاوية البعيدة من الغرفة وأخرج دفتر كبير ذلك الدفتر الذي كان شاهداً على كل لحظة من مشاعره تجاهها قلب بين صفحاته بحركات بطيئة عيناه تتنقل بين الرسومات التي سكب فيها كل حب وألم رسم لها بحرفية العديد من الوضعيات تارة تضحك، وتارة أخرى حزينة وأخرى وهو يضع يده حول عنقها بينما كانت هي تنظر إليه لم تحدث تلك اللحظات أبدًا في الواقع لكنها كانت حلمه الوحيد كان يراها في خياله وكم تمنى ان تكون حقيقة
ألقى جسده على فراشه شاردًا، وعيناه ثابتتان على سقف الغرفة، يتساءل في صمت
كيف هي الآن؟
هل هي سعيدة مع الشخص الذي اختارته؟
هل وجدت في قلبه الحب الذي كان يحمله لها طوال سنوات؟
هل يعاملها برفق؟
هل يعيش معها اللحظات التي كان هو يحلم أن يعيشها بجانبها؟
لكن فجأة في ارتفع صوت داخلي يعنفه بشدة
لماذا يفكر فيها الآن؟
لماذا يعذب نفسه هكذا؟
لماذا لا يستطيع نسيانها؟
لماذا عشقها لعنة لا يمكنه التخلص منها؟
تتوالى الأسئلة في عقله تعصف به بلا هوادة لا يستطيع نسيانها أو التوقف عن التفكير فيها الألم في قلبه يتزايد يومًا بعد يوم خاصة عندما يسترجع آخر موقف جمعهما وكيف كانت قسوتها عليه
داخل منزل اللواء عاصم الشريف وبالأدق داخل غرفة همس التي بعد وقت طويل من مراجعة دروسها أخذت تعبث بهاتفها بعدما فشلت في التواصل مع ميان التي منذ أن تحدثت مع سفيان صباحًا اختفت إلى منزلها رافضة الحديث مع أي شخص
بفضول لا تعرف سببه بدأت تبحث عن صفحة ذلك الطبيب دقائق قليلة كانت كافية للعثور على صفحته التي لم ينشر فيها أي شيء منذ سنوات آخر منشور كان صورة له برفقة فتاة محجبة يبتسمان معًا وعلق عليها بكلمات عاشقة :
إنِ لها وكل شيء بي يخصها ♡
تحققت من حالته الاجتماعية لتجد أنه "خاطب" فتملكها الفضول وتساءلت لماذا لم ينشر شيئًا منذ عامين ونصف رغم أن الصور بينهما كانت مليئه بالحب إلا أنها ظنت أنه ربما انفصلا لكنه لم يغير حالته الاجتماعية للآن
قطبت جبينها ونهرت نفسها قائلة :
طب وأنا مالي بيه يهمني في ايه خاطب ولا متجوز حتى !!
في صباح اليوم التالي حضرت همس المحاضرة الأولى بمفردها تشعر بالملل بسبب تأخر ميان ولينا
بعد قليل خرجت من المبنى وهي تشعر بالضيق والوحدة كم تكره أن تكون بمفردها في الجامعة لكن فجأة اعترض طريقها "هاني" أسوأ شاب في الجامعة الكل هنا يعلم انه دخل كلية الطب بمال والده اقترب منها قائلاً بغزل :
صباح الفل يا قمر مش ناوية تحني عليا ده أنا....
قطعت حديثه بنظرة مشمئزة ثم دفعته بعيدًا عنها قائلة بضيق وازدراء :
ابعد عني مش فايقة ليك
شعر بالإهانة من تصرفها فصرخ عليها غاضبًا :
انتي ازاي تتصرفي معايا كده شايفة نفسك على إيه عشان أبوكي لوا في الداخلية ايه يعني ما أنا أبويا اسمه كبير في السوق و إشارة منه بس يقعد أبوكي في بيته فخلي بالك من تصرفاتك معايا وتعالي ننبسط سوا ليلتين.....
لكن قبل أن يكمل كلامه هوت همس بيدها على وجهه بصفعة تردد صداها في أرجاء الجامعة ثم صرخت عليه بغضب :
إزاي تتجرأ وتتكلم معايا كده فاكر نفسك مين انت ولا حاجة انا هنا بمجهودي وانت هنا بفلوس أبوك بس عارف العيب مش عليك العيب في اللي ما عرفش يربي
رفع هاني يده ليصفعها لكن همس كانت أسرع منه في لحظة خاطفة استخدمت حركة متقنة من فنون القتال التي كانت متمرسة فيها وأسقطته على الأرض بسهولة.واصلت ضربه بكل قوتها وعينيها مليئة بالغضب لم يتوقف لسانها عن توجيه كلمات قاسية له
" بقى بترفع إيدك عليا انا يا..... "
استمرت في ضربه بقوة وكان هاني غير قادر على صد ضرباتها مستغربًا من السرعة في حركاتها ولا يصدق أن هذه الحركات تأتي من فتاة
كان الطلاب يراقبون المشهد بدهشة ينتظرون بفضول كيف سينتهي هذا الصراع؟
من بعيد كان يزن يراقب الموقف وعيناه تتسعان من الصدمة وهو يشاهد همس تدافع عن نفسها وتبرح ذلك الشاب ضربًا قرر التدخل ومنع الأمن من التدخل معللاً لهم إنه سيتعامل مع الأمر بنفسه
اقترب منها وأمسك بيدها برفق ليبعدها عن الشاب الذي كان يئن من الألم قائلاً لها بحدة :
ايه اللي بتعمليه ده وايه الهمجية دي !!
كانت همس غاضبة واخذت تقاومه قائلة بغضب :
سيبني عليه الحيوان ده
ردد يزن وقد بدأ غضبه يتصاعد :
كفاية خدتي حقك خلاص لو الأمن اتدخل هتاخدي فصل
ابتعدت عنه صدرها يعلو ويهبط من شدة انفعالها قائلة بحدة :
أخد فصل ليه هو اللي بدأ ؟
رد عليها بحدة :
هتاخدي فصل لأننا مش في الشارع هنا دي جامعة مش غابة لازم تحترمي المكان اللي إنتِ فيه لو زميلك ضايقك تشتكي للأمن وهما هيتصرفوا....طولة اللسان مش شطارة دي قلة أدب
كانت على وشك الرد عليه لكنه سبقها قائلاً بحدة :
بلاش بجاحة مترديش الكلمة بكلمة انا عارف إنك انتي اللي عملتي في عربيتي كده إمبارح
سألته بمراوغة :
عربية إيه؟
ضحك بسخرية قائلاً بحدة :
العربية اللي خلتيها خردة وعشان غلطة الشاطر بألف السلسلة بتاعتك كانت واقعة جنب العربية
ردت عليه همس بغضب :
أيوه عملت كده عش...
قاطعها قائلاً بحدة ونبرة صارمة أخافتها لكنها لم تظهر ذلك :
اتكلمي بأدب أنا الدكتور وانتي هنا طالبة يعني تلزمي حدودك معايا
صرخت عليه بمكابرة :
انت اللي حطتني في دماغك وعايز تسقطني السنة دي !!
رد عليها يزن بجدية :
مستحيل أعمل كده لأنه يخالف مبادئي كان ممكن تنهي كل ده من البداية وتعتذري لأنك انتي اللي غلطتي من الأول
صمتت همس للحظات ثم تنهدت قائلة :
أنا آسفة
رد عليها بهدوء :
قبلت اعتذارك وياريت مرة تانية ما يحصلش تجاوز في كلامك معايا
أومأت له قائلة :
تمام يا دكتور بعد إذنك
أفسح لها المجال لتغادر وعندما ابتعدت.ابتسم بهدوء قبل أن يغادر الجامعة هو الآخر
بعد انتهاء أحد الاجتماعات الهامة في شركة العزايزي التي حضرها سفيان وقصي وعمار
عاتب سفيان قصي قائلاً :
انت لحقت ترتاح من السفر عشان تنزل شغل
أجاب قصي بهدوء وهو يعيد ترتيب أوراقه على الطاولة :
ما انت عارف مش بحب قعدة البيت وبحب الشغل
أومأ سفيان برأسه قائلاً :
طب اعمل حسابك هتتغدى معانا النهاردة
اعتذر منه قصي بلطف :
معلش، خليها مرة تانية عندي كام مشوار لازم اخلصوا
بعد إلحاح كبير من سفيان رفض قصي واعتذر بأدب ثم غادر متجهاً إلى مكتبه الذي لم يطأه منذ سنوات باشر العمل لفترة قصيرة ثم غادر ليزور بعض أصدقائه قبل أن يتوجه لتناول الغداء في أحد المطاعم القريبة
رفض قصي الذهاب مع سفيان بسبب زوجته "نرمين" التي يكره رؤيتها ضحك في سره متسائلًا كيف لا يرى سفيان ما تفعله فالجميع يعرف أنها تستغله بشكل واضح لكنها استطاعت أن تضلله وكأنها ألقت عليه تعويذة أو سحرًا جعله يغفل عن حقيقتها !!
كان يستند بيده على الطاولة، واضعًا رأسه بين يديه في حالة من التفكير العميق حتى شعر بشخص يقف بجانبه رفع رأسه ببطء ملتقطًا من النادل قائمة الطعام دون أن ينظر إليه لكن في لحظة توقف قلبه عن الخفقان عندما استمع لصوت يعرفه جيدًا صوت طالما أثار في نفسه مشاعر عميقة :
قصي!!!
رفع رأسه قائلاً بصوت يحمل الصدمة والدهشة في آن واحد :
سيلين!!!
نظر إليها بصدمة...تأمل ملامح وجهها الجميل وعيناها التي لم يمل يومًا من النظر إليها لكنها الآن كانت تحمل حزنًا عميقًا !!!
فجأة استفاق على نفسه حين تذكر جملتها القاسية في الماضي كأنه يسمعها منها الآن "أنا آسفة يا قصي أنا وراغب بنحب بعض وهنتجوز قريب أوي...عقبالك"
نظرت له سيلين والاشتياق في عينيها واضحًا لكن الخزي كان يملأ قلبها سألته بصوت مختنق محاولة كبح دموعها :
رجعت من السفر إمتى؟
تجاهل سؤالها وكأن السؤال نفسه أصبح تافهًا مقارنة بما يدور في قلبه قائلاً بجمود :
بتعملي إيه هنا يا.....يا بنت خالتي
ارتبكت سيلين وبدا عليها الحرج الشديد وأخذا تعبث بأصابعها بتوتر :
بشتغل هنا
اشتعل الغضب بداخله كيف لذلك الرجل سمح لها بالعمل كنادلة !!
سألها ببرود محاولة منه لعدم إظهار مشاعره المتأججة :
أظن أن عندك شهادة كنتي اشتغلتي بيها
ردت عليه بتردد وحرج :
طالبين خبرة
لم يستطع قصي إخفاء ضيقه فسألها '
وانتي تشتغلي ليه أصلاً، إزاي جوزك يقبل بكده ؟
أجابته بصوت ضعيف وهي تبتلع غصة مريرة بحلقها :
أنا وراغب انفصلنا!!
حلّت عليه صدمة شديدة لم يعرف إن كان عليه أن يفرح لاحتمال وجود فرصة جديدة تجمعه بها أم يحزن على ما وصلت إليه وما فعلته به....جرحه منها عميقًا يصعب التئامه أو غفرانه بسهولة
أومأ لها ببرود ظاهري يخفي وراءه عاصفة من المشاعر :
ماكنتش اعرف عموماً ربنا يوفقك ويعوضك بالأحسن منه
ردت عليه سيلين بصوت مختنق بالدموع :
شكراً....تحب تطلب إيه؟
نظر إليها للحظات قبل أن يشيح بوجهه قائلاً باقتضاب :
قهوة سادة
غادرت لتنفذ طلبه فظل هو غارقاً في دوامة أفكاره كان الألم والندم والتساؤلات تتصارع في داخله هل ما زالت تحب ذلك الرجل الذي تخلى عنها لذلك تحزن عليه بهذا الشكل؟
عادت بعد دقائق تحمل كوب القهوة وضعته أمامه بصمت دون أن ترفع عينيها إليه أخذ الكوب منها دون أن يوجه لها كلمة فاستدارت وغادرت سريعاً تهرب من مواجهته لا تريده أن يرى ضعفها وكسرتها أكثر من ذلك
ظل يتأمل القهوة أمامه وكأنها مرآة تعكس داخله المُضطرب كان يتساءل هل هناك سبيل لإصلاح ما انكسر بينهما أم أن الأوان قد فات؟
لكن فجأة قطع أفكاره صوت عالٍ يصرخ بغضب :
انتي عامية...مش تفتحي
انتفض قصي في مكانه ونظر نحو مصدر الصوت ليرى سيلين تقف مرتجفة أمام رجل غاضب يصرخ عليها بعد أن سكبت بعض العصير على ملابسه
صرخ الرجل مرة أخرى على سيلين بنبرة حادة :
إيه الإهمال ده فين مدير المكان؟
هرع قصي بخطوات سريعة ودون تفكير وقف بين الرجل وسيلين ناظرًا إليه بحدة لم تترك مجالًا للجدال :
اعتذر لها فوراً وامشي....اشتري حياتك!!
تدخل صاحب المطعم بسرعة محاولًا احتواء الموقف قائلاً :
قصي باشا نورت المطعم إحنا آسفين جدًا لو حصل أي إزعاج لحضرتك
ردد قصي بصرامة وعينيه لا تزال مشتعلة بالغضب :
اللي قولته يتنفذ فورًا
توجه صاحب المطعم للشاب الغاضب وهمس له ببعض الكلمات مما دفع الأخير للاعتذار على عجل قبل أن يغادر المكان هاربًا
بعدها جذب قصي صاحب المطعم جانبًا قائلاً له بلهجة صارمة لا تقبل النقاش :
البنت دي تخصني لو سمعت إن حد ضايقها ولو بكلمة واحدة ههد المطعم عليك وعلى اللي فيه....مفهوم
أومأ صاحب المطعم برعب، وهو يردد بسرعة :
اللي تأمر بيه يا باشا
غادر قصي المكان بخطوات هادئة لكن قلبه كان يشتعل بالغضب لحقت به سيلين قائلة بامتنان :
شكرًا يا قصي....على اللي عملته
رد عليها بهدوء ظاهري :
ده واجبي يا سيلين انتي بنت خالتي وزي اختي الصغيرة وأي حد مكانك كنت هتصرف بنفس الطريقة
أنهى حديثه دون أن يمنحها فرصة للرد قائلاً بجدية :
سلميلي على خالتي والدك لحد ما اشوفهم
تركها وسط مشاعر متناقضة بينما هي لم تستطع الصمود أكثر فاستأذنت صاحب العمل لتغادر مبكرًا ورغم دهشته وافق دون تردد خشية أن يثير غضب قصي مجددًا
عادت سيلين إلى منزلها وأغلقت باب غرفتها خلفها قبل أن تنهار في نوبة بكاء مريرة شعور الندم كان يمزقها كل لحظة تمر عليها تحمل عبئًا أثقل
في أحد المناطق الشعبية، وتحديدًا في تلك الشقة الواقعة في الطابق الأخير لبناية متهالكة مهددة بالسقوط، جلس ثلاثة شباب على الأرض أمامهم العديد من زجاجات الخمر والأرجيلة، فيما كانت فتاة تتمايل بدلال أمامهم بينما هم يصفقون لها وعيناهم تكاد تلتهمها
بعد فترة من الرقص، ارتمى أحدهم بجانب الآخر قائلاً بضيق :
إيه يا عم راغب، هتفضل متنكد كده ومش طايق نفسك لحد إمتى، من ساعة ما طلقت البت أياها وأنت مش مظبوط، انساها بقى
رد راغب بغضب وغل :
انسى مين؟ ده أنا ورحمة أمي ما هسيبها، أما خليتها تفضل تلف حوالين نفسها من الرعب، ما أبقاش أنا راغب، بلغت عني وجبرتني أطلقها، وحياة أمي لوريها بس تصبر علي
أجاب الآخر ببرود وهو يرتشف من احد الزجاجات امامه :
يا عم فكك منها، مجاش من وراها غير الهم، دي مسنودة من ناس كبار، إنما إنت لامؤخذة كحيان، مش هيسموا عليك، وأنت جربت لما عرفوا باللي عملته فيها سجنوك، وكنت هتروح في داهية
رد عليه راغب بغضب وتوعد:
مش هيحصل قبل ما أندمها على اللي عملته فيا هي وأهلها
زفر ثالثهم بضيق وقال :
ما تقفلوا أم السيرة دي بقى، وبصراحة بقى راغب عنده حق، خليه يشفي غليله منها، مش كفاية لا طال منها فلوس ولا حتى قربلها، واتسجن وطلع من الجوازة دي خسران
ردد راغب بغل :
حقي هاخده منهم، بس الصبر....أنا وراها، والزمن طويل
ثم تحدث إلى نفسه بغضب :
اللي بينا ماخلصش لسه يا سيلين، مش هتخلصي مني بسهولة كده !
داخل فيلا العزايزي
كانت نرمين تجلس على فراشها، تضع طلاء الأظافر بينما يغمرها شعور بالغضب والغيظ الشديد من فريدة، فلولا تدخلها في حياتها لكانت الآن خارج المنزل، تقضي وقتها مع صديقاتها، وبالأخص....فجأة، رن هاتفها، فالتقطته بيدها لتُبصر الرقم المسجل باسم "جيجي" اتسعت ابتسامتها على الفور، وأجابته بدلال :
حبيبي وحشتني موت