رواية بعينيك اسيرالفصل الرابع4بقلم شهد الشوري

رواية بعينيك اسير
الفصل الرابع4
بقلم شهد الشوري
كعادتها بهذا اليوم كل أسبوع ان تنزل في الصباح الباكر تركض على الشاطئ و تضع سماعات الأذ

بعد مرور اكثر من ساعة توقفت تلتقط انفاسها بصعوبة ثم جلست على رمال الشاطئ تنظر للسماء شاردة، الحزن يخيم على قلبها منذ سنواتؤ لقد ذاقت مرارة فقدان حبيبها اولاََ ثم شقيقها اقرب ما لها بتلك الحياة.....لكنه تركها و رحل
تعالى رنين هاتفها بأسم "فريدة" اجابت على الفور بحب :
فريدة وحشاني اوي
عاتبتها فريدة قائلة :
كدابة ومش مصدقاكي، امتى اخر مرة شوفتك فيها يا بت انتي، ده حتى مكالمة التلفون فين و فين
ردت عليها ميان بحزن :
هشوفك ازاي بس يا فريدة ما انتي عارفه ان مش هقدر ادخل الفيلا عندكم عشان سفيان مايضايقش، حتى مش بحب اتصل عشان ما اعملش ليكي مشاكل معاه
فريدة بحدة :
أنا حرة أعمل اللي أنا عاوزة، وهو لو مش عاجبه، يخبط دماغه في أي حيطة، ده أنا فريدة العزايزي كلامي يمشي عليه وعلى أي حد في العيلة دي
ردت عليه ميان بهدوء:
طبعا يا ديدا، بس برده بلاش نعمل مشاكل
فريدة بصرامة :
اسمعي يا بت انتي تقومي دلوقتي تلبسي و تجيلي ولو اتكلمتي نص كلمة حسابك معايا
تمتمت ميان باعتراض :
يا فريدة مش.......
قاطعتها فريدة بحزم :
سمعتي انا قولت ايه
ثم أغلقت الهاتف، تاركة الأخرى في حيرةٍ من أمرها !!
لم تكن ترغب في الذهاب، ولا أن ترى غريمتها التي حصلت على ما حلمت طوال حياتها أن تحققه
لن تحتمل أن تشاهد من فازت بقلب حبيبها، ومن حملت اسمه، ومن عاشت لحظات السعادة والحب التي كانت تحلم أن تعيشها هي....
لم تكن مستعدة لرؤية سارقة أحلامها....لم ترد ذلك!
كان قصي يتناول الإفطار برفقة والدته، التي كانت بين الحين والآخر تنظر إليه بتوتر ويبدو أن هناك شيئًا على وشك أن تقوله، لكنها كانت تعود للصمت وكأن الكلمات تتعثر في حلقها
فسألها بهدوء :
قولي اللي عاوزه تقوليه يا امي
ردت عليه بتوتر :
مش هتتضايق ولا تكسفني في اللي هطلبه منك
قبل يدها بحب قائلاََ :
انتِ تؤمري يا ست الكل و اللي عايزاه هيحصل
ابتسمت له قائلة بتوتر :
كنت بكلم خالتك انهاردة و عرفت انك رجعت فطلبت مني واصرت ان احنا نروح نتغدا معاهم بكره وحلفتني وانا معرفتش ارفض
صمت للحظات ثم قال بكل بهدوء :
طب و فيها ايه يا امي بكره هخلص شغل بدري ونروح سوا
ابتسمت وقالت بحنان :
تسلملي يا حبيبي
صمتت للحظات ثم سألته بتردد :
سيلين اتطلقت دلوقتي يا بني يعني الطريق قدامك مفتوح لو جوازك منها، هيسعدك اتجوزها انت بتحبها و......
قاطعها قائلاََ بهدوء بحزم :
سيلين ماضي يا امي وانتهى و بعدين لو لسه بحبها زي ما بتقولي هي مابقتش تلزمني خلاص، عيشت من غيرها السنين دي كلها و هعرف اعيش الباقي من غيرها....الحياة مش بتقف على حد مش انتي اللي قولتيلي كده يوم جوازها
سألته بحزن :
ما بقتش تلزمك عشان مطلقة
نفى قصي برأسه وقال :
مطلقة او ارملة ده مايفرقش معايا ، وبعد رفضها ليا واللي حصل منها زمان.....بقى صعب ترجع علاقتي بيها كاخ وابن خالة مش بس افكر فيها كزوجة
تنهدت والدته بحزن وقالت:
البنت حالتها تصعب على الكافر امها مش رحماها خالص علطول بتسممها بالكلام و محبوسة علطول في البيت، دي نزلت تشتغل من يومين بس عشان تهرب من كلام امها اللي قومت الدنيا و قعدتها لما عرفت انها ناوية تشتغل
ردد قصي ببرود رغم قلبه الذي يتمزق من الألم حزناً عليها :
هي اللي اختارت زمان وعملت في نفسها كده
سألته بضيق :
انت شمتان فيها
عاتبها قصي وقال :
ايه اللي بتقوليه ده يا امي دي بنت خالتي مهما حصل، انا اقصد ان كل واحد بيحصد نتيجة اختياره، هل ده معناه اني شمتان فيها
تنهدت والدته واكتفت بالصمت، بينما قصي غرق في دوامة أفكاره كان قلبه يقاوم لكنه لم يستطع الفرار تمامًا من طيف سيلين الذي يطارده، فهمس بداخله وهو يحدق في اللاشيء
ليس كل ما نتركه وراءنا يُنسى، أحيانًا نبتعد لنشفى، لكن ما كُتب في القلب يظل حاضرًا، ينتظر لحظة يتغير فيها القدر، أو ربما....نتغير فيها نحن!
في منتصف اليوم، شعر سفيان بالإرهاق، فقرر العودة إلى المنزل ليأخذ قسطًا من الراحة ويتناول الغداء برفقة زوجته وجدته. عندما توقف بسيارته أمام الفيلا، لفت انتباهه دخول سيارة نرمين من البوابة.....انتظر حتى ترجلت منها، فاقتربت منه وسألته برقة بعيدة كل البعد عن صفاتها :
حبيبي، انت رجعت من الشغل بدري ليه، أنت كويس؟
أومأ لها وقال بخفوت :
مفيش شوية إرهاق بس، مش أكتر
سألته بنبرة متقنة ظهر فيها القلق بوضوح :
تحب أطلبلك الدكتور
نفى برأسه بصمت، ثم أحاط خصرها بذراعه واتجها معًا للداخل، وبمجرد دخولهما، لاحظت نرمين وجود فتاة تجلس مع فريدة، جدته، وتعطيهما ظهرها، فسألت باندهاش :
عندنا ضيوف
أجابتها فريدة بابتسامة صفراء لم تصل لعينيها :
دي ميان....بنت خالة سفيان وعمار !!
في تلك اللحظة، اشتعل الغضب في عيني سفيان، بينما التفتت ميان برأسها للخلف لترى سفيان يحيط خصر زوجته، أما نرمين فنظرت إليها بنظرة متعالية
رفعت ميان عينيها المليئتين باللوم والعتاب إلى سفيان، وكأنها تقول له بصمت كيف جعلتني أغرق في حبك، ثم تركتني غارقة بلا رحمة، علمتني كيف أحبك، لكنك لم تعلمني كيف أعيش من بعدك !!
شعر سفيان برغبة في الصراخ وإعلان رفضه لوجودها في المنزل، لكن نرمين سبقته وقالت بلهجة متعالية :
آه، بنت خالته....لكن الصراحة يا فريدة هانم، أنا مستغربة، إزاي تدخليها هنا وأنتي عارفة إن سفيان مش بيقبلها ولا أي حد من عيلتها
قبضت ميان يدها بغضب وردت بحدة:
أياً كان اللي بيني وبين ولاد خالتي، مش مسموح لأي حد يتدخل فيه.....يا اسمك ايه انتي!!
ردت عليها نرمين بسخرية :
أنا نرمين....وما أظنش انك ممكن تنسي اسم طول عمرك، خصوصًا وأنا اللي فزت بقلب حبيبك الأول سفياناللي انتي فشلتي توصلي لقلبه
ابتلعت ميان كلماتها الموجعة، وهي تشعر بمرارة عميقة، ونظرت إلى سفيان مجددًا بعتاب مؤلم، لكنه لم يبالي، بل أحاط خصر نرمين بنظرة تحدي واضحة !!!!
تدخلت فريدة وقالت بحدة :
أنا اللي اتصلت بميان وعزمتها على الغدا
رد عليها سفيان بغضب :
لكن أنا مش عايزها في بيتي، يا فريدة لا هي ولا أي حد من عيلتها....وجودها هنا بيلوث البيت
كانت كلمات سفيان كالصفعة على وجه ميان...شعرت بالإهانة، وأرادت أن تغادر على الفور، لكن فريدة أوقفتها وهي تمسك بيدها قائلة بغضب :
سفيان، إنت بتطرد ضيفتي من بيتي
رد عليها سفيان بانفعال:
البيت ده بيتي وبيت مراتي، وهي وجودها هنا غير مرغوب فيه
نظرت فريدة إليه بصدمة وعتاب، بينما خرجت ميان بخطوات متعثرة، تكتم دموعها بصعوبة. وقفت بجوار سيارتها، وهي تحاول استجماع شتات نفسها
خرج سفيان بعدها، لكنه تفاجأ بها أمامه، ودموعها تنهمر بصمت.....توقفت أمامه وقالت بألم :
أنا مش غبية، يا سفيان...مش غبية، عشان أصدق إنك قطعت علاقتك بيا وبعيلتي بسبب شوية تخاريف مالهاش معنى
تمسكت بسترته بقوة وتوسلت إليه :
كرهتني ليه....ليه بعدت عني، انا من حقي أعرف السبب، ريح قلبي وقولي!!!
لكنه أمسك بيديها وأبعدهما عنه وقال بجمود:
صدقيني، آخر همي إني أريحك يا ميان
ثم دفعها بعيدًا عنه وغادر، تاركًا إياها وحيدة تنهشها آلام الخيبة، بينما نرمين كانت تشاهد الموقف من خلف الزجاج، وعلى وجهها ابتسامة ماكرة
في تلك الأثناء، صعدت فريدة إلى غرفتها برفقة الخادمة، ثم أغلقت الباب خلفها وقالت لها بصرامة :
جهزي الشنط بتاعتي يلا، هنمشي من البيت ده
بدأت فريدة في تبديل ملابسها، عازمة على مغادرة الفيلا إلى الأبد والعودة لمنزل زوجها الراحل، حيث كانت تعيش قبل أن تتحسن حالتهم المادية !
عاد قصي قبل موعد الغداء بوقت ليس بقصير ليبدل ملابسه ثم يصطحب والدته لمنزل خالته، تخلص من ملابسه الرسمية الخاصة بالعمل، وأخرج من الخزانة قميصًا دون أن ينظر إليه، لكنه توقف للحظة عندما رأى لون القميص البترولي تذكر كلماتها جيدًا حينما رآته يرتدي ذلك اللون الذي يحبه، بينما هي تكرهه بشدة :
قصي، إيه اللون ده، من قلة الألوان يعني، ده لون مش حلو خالص، ومش حلو عليك
أجابها حينها بغرور زائف، وهو ينظر لهيئته بالمرآة:
بس يا بت، هو أنتي بتفهمي حاجة، ده لون شيك ، كل البنات في الشركة عيونهم طلعت قلوب أول ما شافوني لابسه
نكزته بذراعه قائلة بغضب:
بنات مين يا بتاع البنات، ويا ترى بقى خالتي عندها علم إن ابنها بيفرح بلمة البنات حواليه، وتلاقيك طبعا مقضيها من ورانا ولا حد حاسس بيك
ضحك بقوة ثم قال بغرور :
ابن خالتك ولا بخر بيتعاكس ما يعاكسش !!!!!
تمتمت بغيظ:
ليه توم كروز وأنا معرفش
نفى برأسه وقال بغرور وثقة :
احلى منه
تزمرت وقالت بغيظ :
نص الغرور اللي عندك ده
ضحك بخفوت، ثم تابعت هي بضيق :
ماتلبسش اللون ده تاني، أنا مش بحبه ومش بحب أي حد يلبسه
ثم تابعت بإعجاب:
عارف اللون الأسود، والأبيض، والأزرق، تحفة عليك اوي وبتطلع فيهم قمر وابن ناس
ضحك وقال بمرح :
يعني لو لبست اللون ده مش هبقى ابن ناس
أومأت له بابتسامة، ظنًا منها أنه اقتنع بكلامها، ليقو ضاحكًا :
هخلعه ومش هلبسه تاني.....قفلتيني منه يا بومة
نظرت له قائلة بغيظ:
أنا مش بومة، الحق عليا بنصحك باللي يليق عليك
رد عليها بمشاكسة وحب، ليجعلها تبتسم :
طب خلاص، فكي التكشيرة دي، مش هلبس اللون ده تاني عشان ما شوفش قمري زعلان
عاد للواقع وهو ينظر للقميص الذي بيده، كانت ذكرياته معها جميلة لا تشوبها شائبة لولا ما فعلته!!!
بعد وقت، كان يقف أمام منزل خالته يحمل بيده باقة ورد ووالدته تحمل بيدها علبة شوكولاتة فاخرة، ضغط بأصبعه على زر الجرس، وهو يرسم الثبات على ملامح وجهه
فتح كمال زوج خالته الباب قائلا بابتسامة بشوشة:
أهلا بالغالين
أخذت خالته سميحة الباقة من يده ليتمكن من احتضان زوج خالته الذي قال بحنان:
نورت بلدك يا غالي.يا بن الغالي
ردعليه قصي بحب :
بنورك يا عمي، ليك واحشة والله
رحبت به خالته بحفاوة، ودخلوا جميعًا للداخل، ولكن سيلين لم تخرج بعد !!
مر وقت قصير حتى خرجت بحجابها وثوبها البسيط جداً،.لم ينظر لها، وتظاهر بالانشغال بالحديث مع زوج خالته
بينما هي توقفت مكانها للحظات عندما رأته يرتدي ذلك اللون، عادت بذاكرتها لتتذكر نفس الموقف، لمعت عيناها بالدموع لقد خسرت قصي الصديق والأخ قبل الحبيب!!
هل لتلك الدرجة أصبح لا يهمه ما تحب وما تكره، كم هي حمقاء، فماذا كانت تنتظر بعدما فعلت....أن يركض إليها ؟
اقتربت وصافحته قائلة بحزن:
اايك يا قصي؟
رد عليها بهدوء:
الحمد لله، يا سيلين.... إنتي أخبارك إيه
ردت عليه باقتضاب:
الحمد لله
جلسوا جميعًا يتحدثون سويا بمواضيع مختلفة، وكان قصي متجاهلًا سيلين تمامًا. مهما حاولت والدتها جذب انتباهه لها، كان ينهي الحديث بكلمات مقتضبة
لتردد سيلين في داخلها بحزن وندم:
ياريت لو تقدر تسامحني، صحيح الواحد مش بيعرف قيمة الحاجة إلا لما تروح من إيده!!!!
انتبهت لوالدتها، وهي تقول باستنكار وحزن:
شوفت اللي حصل لبنت خالتك يا قصي؟ بعد سنة جواز من المخفي اللي اسمه راغب، والويل اللي شافته معاه...طلقها !!
نظرت لوالدتها بغضب، فماذا سيظن هو وخالته بها؟
رد عليها قصي باقتضاب، رغم أن فضوله يكاد يقتله ليعرف ماذا فعل ذلك الحقير بها:
ربنا يعوضها بالأحسن منه إن شاء الله
نظر كمال لزوجته بغضب وتوعد لها بداخله، خاصة حين أكملت بمكر وكذب:
يارب يا بني، سيلين لما عرفت إنك جاي، عملتلك الأكل اللي بتحبه كله
ابتسم قصي بزاوية شفتيه، فهو يعلم تمام العلم أن خالته تكذب، ويعلم بما تفكر
ردد كمال بابتسامة لم تصل لعيناه وبنظرات حادة:
جهزي الغدا يلا يا سميحة
تمتمت على الفور :
حاضر، ثواني ويكون جاهز
بعد وقت تناول الجميع الغداء، وبعدها جلسوا يتناولون الحلوى التي أعدتها سميحة، لكنها نسبت العمل لابنتها، والجميع يعلم ما تحاول فعله، اخذ كمال يتوعد لها فقط ليغادر الجميع
تعالى رنين جرس المنزل، ذهبت سيلين لتفتح الباب، فتفاجأت بوجود عمتها و وابنتها الاثنتين ابتسمت لهم بتصنع قائلة:
اهلا يا عمتي، اتفضلي، تعالي يا أمل إنتي ونهى
ردت عليها فتحية بابتسامة صفراء وهي تدخل:
طبعًا يا حبيبتي، اتفضل، ده بيت أخويا الغالي
بادلتها سيلين نفس الابتسامة ودخلت خلفهم، تأفأف قصي بداخله، فهو لا يطيق تلك المرأة وبناتها أبدًا، كذلك الجميع ومن بينهم شقيقها، بسبب أفعالهم لكنه مجبور لتحملها، فهي أولًا وآخرًا شقيقته الصغرى!!
تمتمت فتحية بابتسامة واسعة:
قصي، ليك وحشة يا بني، كل دي غيبة، القاعده في بلاد الغرب عجبتك ولا إيه؟ بس العيب مش عليك، العيب على اللي كان السبب في سفرك من البدايه....منه لله بقى
رددت والدة قصي بحدة:
ماتدعيش على حد يا فتحية ابني مكنش مهاجر، دول هما سنتين كان بيتابع فيهم شغله، ورجع، مش حكاية هي
اغتاظت فتحية، وابتسمت لها اصفرار، لتسألها سميحة والدة سيلين بابتسامة صفراء:
صحيح يا فتحية، إيه سبب الزيارة دي؟ بقالنا شهرين مش بنشوفك
رددت فتحية برفعة حاجب:
ده بيت أخويا يا حبيبتي، أزوره في الوقت اللي أنا عايزاه، مش كده أخويا !!!
كمال بضيق:
تنوري في أي وقت يا فتحية
ابتسمت فتحية وقالت وهي تنظر بشماتة لسيلين:
المهم كنت جاية أبشركم نهى، بنتي، جالها عريس، ما شاء الله عليه، لا سجارة ولا كاس، ولا ليه في الحاجات إياها ويعرف ربنا، دكتور، وعنده عيادة، وشقة كاملة من كله إن شاء الله الخطوبة بعد أسبوع، مستنياكم
ردد كمال بابتسامة لم تصل لعينيه، لأنه يعلم تمام العلم أنها شامتة بابنته:
مبروك يا فتحية، عقبال أمل إن شاء الله
تمتمت فتحية بابتسامة:
تسلم يا خويا، عقبال سيلين، مع إني أشك.
صمتت سميحة بكمد وغيظ، لتدافع والدة قصي عن سيلين التي كانت تكورت قبضة يدها بغضب، تحارب حتى لا تنهمر دموعها وتخذلها أمام الجميع. بينما قصي يراقبها بحزن أخفاه تحت قناع وجهه اللامبالي:
ليه يا فتحية، مالها سيلين؟ ناقصة إيد ولا رجل؟ عشان متشوفش نصيبها مع حد تاني.... ده ألف واحد يتمناها ، والدليل على كده كل العرسان اللي اتقدموا ليها ولسه بيتقدموا، بس سيلين هي اللي مش بتفكر في موضوع الجواز دلوقتي، وماتنسيش إنك زمان كنتي مطلقة واتجوزتي تاني وخلفتي ومعاكي بنتين..... الحياة مش بتقف يا حبيبتي!!
ثم تابعت بحدة:
عندك بنتين يا فتحية على وشك جواز، فبلاش تشمتي
رددت فتحية بحدة زائفة :
"كلام إيه اللي بتقوليه ده؟ معقول هشمت في بنت أخويا؟ ربنا ما يجعلنا من أهل الشماتة يا حبيبتي
نظرت لها الأخرى بضيق وكذلك سميحة وصمتوا، بينما تدخل كمال مهدئاً الوضع...كان قصي شارد، فضوله يأكله من الداخل، يريد معرفة ما فعله ذلك الحقير ليصل بها إلى تلك الحالة
استفاق من شروده على أمل قائلة برقة مبالغ فيها :
صحيح يا قصي، انت هتستقر ولا هتسافر تاني؟
قصي ببرود، دون النظر لها:
هستقر
أمل بسعادة:
أحسن حاجة والله، مفيش حاجة تستاهل إنك تسيب بلدك عشانها
قالت الأخيرة وهي تنظر لسيلين، فرد عليها قصي ببرود وهو ينظر للساعة :
أنا بس اللي من حقي أحدد الحاجة دي تستاهل أو لا، مش انتي
شعرت بالحرج أمل من رده فصمتت، ولم تتحدث، حتى مر وقت قصير، وغادرت فتحية وبناتها وما إن أغلق الباب حتى هبت سميحة من مكانها صارخة بغضب :
شايف يا كمال، شايف بنتك و اللي عملته فينا؟ خلتنا نسمع الإهانة من اللي رايح واللي جاي، وتلقيح الكلام، أدي آخر اللي خدناه من خلفه البنات!!!
كمال بغضب وحدة:
سميحة انتي تخرسي خالص، سامعة
لم تصمت وتابعت معنفة ابنتها التي دخلت في نوبة بكاء مرير:
راحت اتجوزت واد صايع وزبالة، وخلتنا ندخل الأقسام على آخر الزمن... طلقها ورماها ده أنا كان عندي تموت أهون من أني أسمع كلام من الرايح واللي جاي بسببها
ردت عليها والدة قصي بحدة:
بس يا سميحة، ما يصحش كده
صرخت سيلين بكل ألم ودموع، مخرجة تلك الكلمات التي تحملها بداخلها:
حرام عليكي، بقى ارحميني أنا بنتك مش واحدة لقيتيها في الشارع...كل شوية كلام الناس، كلام الناس يولع الناس....الناس اللي عاملة حسابهم دول مش بيعملوا حاجة غير إنهم يتكلموا وبس ارحميني بقى.....مستنية الناس تعرف وتسكت إذا كنتي إنتي مش رحماني وجاية عليا زيهم؟ إنتي اللي المفروض تكوني أمي، بترمي عليا بالكلام، وعمرك ما دافعتق عني زي ما حصل من شوية وخالتي اللي قالت اللي المفروض إنتي تقوليه....مستنية إيه منهم، مستنية منهم يعملوا اللي إنتي نفسك مش بتعمليه....أنا بكرهك وبكره نفسي لأن عندي أم زيك.... كل اللي بتعمليه فيا ده عشان محمد مات، ياريتني أنا اللي مت وهو اللي فضلك مع اني متأكدة إنه بموته ارتاح منك هو كمان!!!!
قالت ما قالت ثم ركضت خارج المنزل سرعان ما التفتت ركض قضي خلفها عندما قالت والدته بلهفة وخوف
اجري وراها يا قصي، أحسن تعمل في نفسها حاجة
ركض قصي خلفها بقلق، والحزن ينهش قلبه عليها، بينما كمال، ولأول مرة، رفع يده على زوجته وصفعها قائلاً بغضب :
القلم ده يمكن يفوقك ويخليك تعقلي بقى يا سميحة، إنتي إيه؟ مش بتحسي ولا عندك قلب؟ لحد إمتى هتفضلي تحاسبي بنتك على ذنب مش ذنبها؟ لحد إمتى هتفضلي معيشانا في النكد ده؟ خسرتي محمد زمان، ولو فضلتي على كده هتخسريني أنا وبنتك، وهتفضلي لوحدك
تركها وذهب لغرفته، جسده بأكمله ينتفض من الغضب والحزن على ابنته بينما سميحة انهارت تبكي بقوة بين أحضان شقيقتها
اخذ قصي يبحث عنها بعينيه يميناً ويساراً إلى أن وجدها أخيراً تمشي بنهاية الشارع، فركض خلفها حتى يلحق بها قبل أن تعبر الطريق السريع بحالتها تلك، لكنه تأخر، فقد لمح تلك السيارة القادمة مسرعة، بينما هي قد خطت بقدمها للأمام !
تعليقات



<>