رواية بعينيك اسيرالفصل الخامس5بقلم شهد الشوري

رواية بعينيك اسير
الفصل الخامس5
بقلم شهد الشوري
ركض قصي مسرعًا بكل ما يملك من قوة، وكأن الريح تدفعه للأمام، يلهث بشدة بينما عيناه لا تفارقان جسدها المترنح وسط الطريق. مد يده بتلقائية، جذبها بقوة، وشدها إلى صدره قبل أن يتوقف الزمن لجزء من الثانية، وصوت السيارة المزمجر يمر بجانبهم مثل إعصار كاد أن يبتلعها

احتضنها بقوة وكأنها أمانه الأخير، ودفنت رأسها في حضنه، جسدها يرتجف كعصفور مبتل، دموعها تنساب بحرارة، تمزج الحزن بالخوف، كان صوت شهقاتها يملأ المكان، لكنه لم يطغى على أنفاسه اللاهثة، أنفاس حملت كل الذعر الذي عاشه للحظات
همست بصوت مخنوق، بالكاد يخرج من بين شهقاتها:
سيبتني ليه
كلماتها كانت كطعنة، اختلطت فيها المرارة بالعجز، لكنها كانت كافية لتجعل قلبه يغرق أكثر في صمت ثقيل، افيق على حاله فأبعدها عنه برفق قائلاََ :
يلا خليني اروحك
نفت برأسها عدة مرات وقالت ببكاء :
مش راجعة البيت ده تاني
تنهد بحزن ثم قال :
سيلين يلا ارجوكي كفاية دموع و امشي معايا على البيت اهلك زمانهم قلقانين عليكي
صرخت عليه بدموع و غضب :
قول بابا عشان اصدقك انما هي كل اللي بتعمله فيا ده و تقولي قلقانة عليكي دي كانت بتقتلني كل يوم بالبطئ بكلامها
تمسك بمقدمة قميصه وتابعت بحزن :
سيبتني ليه و سافرت ، بعدت عني ليه و انت عارف اني ماكنش ليا غيرك ، بعدت ليه و انت عارف انك الوحيد اللي بحس مع بالامان في حياتي....ليه!!!
قالتها و هي تنظر لوجهه الذي مهما حاول ان يبدو جامداََ إلا انه فشل و ظهر الحزن بوضوح عليه :
مش انتي اللي كنتي عايزة كده، كنتي عايزاني ابعد....وبعدت
صرخت عليه بقهر :
عمري ما كنت عايزاك تبعد و عمري ما حبيته
ثم تابعت ببكاء يفطر القلوب :
انا كنت مغيبة كنت مصدومة لما جيت و قولتلي انك بتحبني و عايز تتجورني
سألها بسخرية :
ايه اللي يصدم في كده
صرخت عليه بغضب و دموع :
اللي يصدم اني كنت متخيلة ان اللي بتعمله معايا ده كله بدافع الأخوة و الصداقة و بس عمري ما تخيلت ان ممكن ده يكون حب ، انا لحد يوم الفرح مكنتش مستوعبة اللي بيحصل مكنتش مستوعبة انا فين و مين ده و انك سافرت خلاص و مش هشوفك تاني
صرخ عليها قصي بغضب :
كفاية كدب
نفت برأسها وقالت بدموع :
مش بكدب يا قصي انا مش بكدب
قبض بيده على كتفيها و اخذ يحركها بغضب :
اومال مين اللي قالتلي ابعد عني و عن حياتي مين اللي جات في نص شغلي تصرخ عليا ابعد عنها و عن خطيبها و اسيبكم في حالهم
بكت و لم تجيب أكمل هو بغضب :
مين اللي جات و عملتلي فضيحة بين الموظفين تتهمني فيها بصفات عمرها ما شافتها مني ، مين اللي رفعت ايدها و كانت عايزة تضربني ، مين اللي بكل برود بعتتلي دعوة فرحها كغريب.....قاصدة توجعني بيها ، مين اللي اتهمتني و قدمت بلاغ فيا ان اعتديت بالضرب على خطيبها
دفعها للخلف قائلاََ بغضب و سخرية :
ما تردي مين اللي عمل كده انتي و لا خيالك !!!
لم ترد، بل اكتفت بغرق عينيها في دموعها، ووجهها شاحب كأن الكلمات تخنقها قبل أن تصل إلى شفتيها. نظر إليها للحظة، عجز عن قول شيء، ثم أمسك بيدها برفق وسحبها نحو سيارته التي كانت مصفوفة أسفل منزل خالته....لم ينبس بكلمة طوال الطريق، عيناه مزيج من الحيرة والغضب المكبوت، كأن الصمت صار لغته الوحيدة للتعبير
صعد سريعًا ليأخذ والدته بعد أن استأذن والد سيلين الذي وافق بتردد بعد إلحاح من والدته، إذ أرادت أن تبقى الفتاة معهم لبضعة أيام لتستعيد هدوءها.....وافق الأب أخيرًا، مطمئنًا أن قصي سيظل في منزله المقابل لشقتها
ما إن نزل قصي مجددًا إلى مدخل البناية مع والدته، حتى ربتت على كتفه بابتسامة مفعمة بالفخر، وقالت بصوت حنون :
خير ما عملت يا بني، تقعد عندنا أحسن ما تقعد عند حد غريب
أومأ لها بصمت، لا يرغب في الحديث عيناه كانتا معلقتين بشيء بعيد، كأنه يبحث عن جواب لا يجده اصطحبهم للمنزل دون أن يلتفت إلى سيلين، متجاهلًا وجودها تمامًا، وكأن المسافة بينهما صارت فجوة لا يمكن عبورها !!!!!
بعد قليل كان قصي بغرفته يلملم أغراضه استعدادًا للانتقال إلى الشقة المقابلة، بينما في الجهة الأخرى، انتفضت سيلين فجأة من نومها، جسدها يرتعد عندما شعرت بيد تلمسها بجرأة غير مسبوقة. فتحت عينيها بصدمة، لتجد أمامها ذلك الوجه المقيت فشهقت برعب، وصاحت بصوت متحشرج:
راغب؟!
سحبت الغطاء بسرعة لتحمي نفسها من نظراته الوقحة، بينما كان الآخر يرمقها بجرأة مقززة.....ارتجفت وقالت بصوت متقطع :
انت بتعمل إيه هنا؟!
اقترب منها بخطوات ثقيلة وهمس بنبرة تنضح بالشر:
جاي أخد روحك يا حلوة
تراجعت إلى الخلف، تبحث بعينيها عن أي سبيل للهرب، وصاحت بخوف:
مش هتقدر! بابا مش هيسيبك، وكمان.....
قاطعها بابتسامة ماكرة ونبرة مغموسة بالخبث :
قصي، حبيب القلب، مش كده!!!
ابتلعت ريقها بصعوبة، والخوف يتصاعد في عينيها عندما أكمل بصوت يحمل توعدًا قاسيًا:
والله لهحرق قلبك عليه
انسابت الدموع منها وهي ترتجف كليًا، شهقت قائلة بفزع :
لو قربت منه.....انا هقتلك يا راغب!!
ضحك بخبث أشد، ثم قال ببرود :
الأيام بينا، يا حلوة و بكرة تشوفي
اقترب منها مجددًا، متحدثًا بنبرة زرعت الرعب في قلبها، وهو يلعق شفتيه بطريقة مقززة :
بس دلوقتي خلينا في موضوعنا.... أنا جايلك مخصوص، ومش همشي إلا لما أخد اللي عاوزه منك
صرخت بكل قوتها، صوتها يخترق سكون المكان :
قصي!
ركض قصي فور سماعه صراخها، وقلبه يخفق بجنون، ودون تفكير فتح باب غرفتها لكنه تجمد في مكانه عندما وجدها مستلقية على الفراش، تتحرك يمينًا ويسارًا، وجهها يتصبب عرقًا، تهذي بكلمات غير مفهومة. أدرك أنها كانت عالقة في كابوس مرعب
أغلق الباب بهدوء عندما لاحظ حالتها، ثم توجه إلى والدته التي خرجت من غرفتها هي الأخرى بسبب الصراخ وقال لها بقلق:
ادخلي، خليها تلبس حاجة، وأنا هدخل أطمن عليها
توجهت والدته إلى غرفة سيلين، وجذبتها إلى حضنها بحنان، تمسح على رأسها برفق، تقرأ عليها آيات من القرآن حتى هدأت أنفاسها المتلاحقة، بدأت سيلين تتوقف عن الارتعاش شيئًا فشيئًا، فقدمت لها خالتها كوب ماء وهي تقول بلطف :
اشربي يا بنتي
ارتشفت سيلين الماء ببطء، جسدها منهك وعقلها لا يزال عالقًا في مشاهد الكابوس.... حمدت الله في داخلها ألف مرة أنه لم يكن سوى وهم!!
ناولتها خالتها إسدالًا خاصًا بالصلاة قائلة :
البسي ده، قصي عايز يدخل يطمن عليكي
أومأت لها بخجل، وارتدت الإسدال بسرعة، بعدها طلبت من قصي الذي كان يقف قلقًا خلف الباب أن يدخل
دخل قصي محاولًا إخفاء قلقه، متصنعًا الهدوء، وقال بصوت منخفض :
عاملة إيه دلوقتي؟
أخفضت وجهها بحرج، وأجابت بصوت خافت:
كويسة... آسفة إني سببتلكم إزعاج من أول يوم، أنا بكرة هرجع البيت.....
قاطعتها خالتها بنبرة عتاب دافئة :
إيه الكلام ده يا بنتي؟ ده بيت خالتك، يعني بيتك، ومفتوح ليكي في أي وقت...انتي هتقعدي معايا لحد ما تزهقي مني، و الواد قصي بيروح شغله، وأنا وإنتي هنقعد نونس بعض
أومأت سيلين بخجل ممتن، بينما قصي أضاف ببرود بدا واضحًا :
أنا كده اطمنت عليكي، بعد إذنكم، ماما خلي نرجس تنقل باقي الحاجات بكرة لشقتي
نظرت إليه سيلين بحرج وقالت :
آسفة، أنا..
قاطعها بجدية:
زي ما سمعتي يا سيلين، ده بيت خالتك، يعني بيتك يعني مش مضطرة تعتذري
ثم أدار ظهره قائلاً بهدوء:
تصبحوا على خير
غادر المنزل بخطوات مثقلة، وكأن الأرض تجره نحو هاوية من الوجع عبر الباب المقابل وأغلقه خلفه بهدوء، لكنه لم يغلق صخب الأفكار داخله. ألقى بجسده على الفراش، عينيه معلقتان بالسقف كأنهما تبحثان عن إجابة في فراغه.
تنهد بعمق، صوت أنفاسه كان أشبه باعتراف صامت، اعتراف بحجم الألم الذي يسكنه قلبه المثقل لا يجد سبيلًا للراحة، والذكريات تتسلل إليه كأشواك تغرس في صدره كانت خيانتها جرحًا مفتوحًا، نزفه لم يتوقف يومًا، لكنه الآن يكتشف أن هناك ألمًا أشد من الغدر، ألم يتجاوز حدود القلب ليُثقل الروح ذاتها.ط
كيف للغفران أن يجد طريقه لقلب حُطم مرتين؟ وكيف للنسيان أن يمحو ما كان عندما لا يزال أثره محفورًا في الأعماق؟
أغمض عينيه، لكنه لم يجد في الظلام إلا صورتها. لم تكن مجرد امرأة أحبها، بل كانت وطنًا خانه، وكان من الصعب عليه أن يغفر للوطن خيانته
عاد عمار إلى الفيلا، ليُفاجأ بأن فريدة ليست موجودة رغم محاولاته لفهم السبب، واجه صمتًا منها ومن شقيقه سفيان، الذي بدا عليه الخجل من مواجهة الحقيقة.... كلاهما رفض الإفصاح، مما ترك عمار غارقًا في حيرة لا يملك أمامها سوى الانتظار!
في اليوم التالي
داخل مكتب سفيان، كان الإخوة الثلاثة عمار، سفيان، وقصي منشغلين في العمل، عندما انفتح الباب فجأة، ودخل شاب بابتسامة مشرقة رفع الجميع رؤوسهم في آنٍ واحد، وما لبثوا أن هتفوا بسعادة '
يزن!
ردد يزن بابتسامة عريضة :
واحشيني يا شوية أندال، ما بتسألوش!!!!!
ضحك سفيان وهو يرد بمزاح :
ده هو يا دوب أسبوع اللي مشفناش بعض فيه
رفع يزن حاجبه ممازحًا قصي :
والبيه، لما رجع مصر ما فكرش يرفع السماعة، كنت رن بس بس وانا هتصل لو مش معاك رصيد
ضحك قصي وهو يحتضنه بحرارة :
ليك وحشة يا يويو
زم يزن شفتيه وقال بغيظ:
احترم نفسك، وبطل الاسم الزفت ده، عشان ايدي هتسلم عليك ببوكس يرجعك ألمانيا تاني!!!!
رد قصي بصوت نسائي ساخر:
آه يا وحش، يا قاسي!!!!
تعالت ضحكاتهم جميعًا، ثم اقترح عمار بحماس :
بالمناسبة دي، يلا نروح نتغدى مع بعض
أيد يزن الفكرة بابتسامة.:
يلا نروح المطعم اللي كنا بنروحه أيام زمان
رحب الجميع بالفكرة، وانطلقوا معًا لقضاء بعض الوقت الممتع.....
على الجانب الآخر
خرجت همس، ميان، ولينا من المحاضرة، وكان الحديث يدور حول انتهاء خلاف همس مع يزن، لكن ميان كانت شاردة، وعيناها تعكس قلقًا دفينًا، لاحظت لينا ذلك وسألتها بقلق :
مالك يا ميان....سرحانة في إيه؟
نفت ميان برأسها وقالت:
مفيش
ثم غيّطرت مجرى الحديث وسألتهما :
عندنا محاضرات تاني النهاردة
أجابت همس بحماس:
لأ، هي محاضرة واحدة بس، يلا نستغل اليوم ونخرج، نروح السينما، وبعدها نتغدى في مطعم السمك اللي على البحر ونشتري شوية حاجات
وافقت لينا بحماسة، بينما اعترضت ميانز:
أنا ماليش مزاج أعمل حاجة
لكن همس أصرت بسخرية لطيفة :
الكلام ده عند طنط عليا يا حبيبتي، إحنا خارجين وانتي هتيجي معانا بمزاجك أو غصب عنك، بلاش كآبة يا بت
أمسكت همس من يدها عنوة وسحبتها نحو السيارة برفقة لينا !!!!!!
في المطعم بعد وقت طويل من التسوق، جلس الثلاثة على طاولة بجانب سور خشبي يطل مباشرة على الشاطئ، كان المشهد خلابًا، لكن الإرهاق أخذ منهم مأخذه
قالت ميان بتعب :
انا مش قادرة أمشي خطوة زيادة
ردت همس بتعب مماثل:
وأنا كمان
رددت لينا بابتسامة مُتعبة :
هموت من الجوع، مش عارفة اتأخروا علينا في الأكل ليه!!
همس، وهي تشير برأسها ناحية الباب، قالت بلهجة مريبة :
بصوا كده مين دخل المطعم!
نظرت ميان حيث أشارت، وإذا بصدمة ترتسم على ملامحها عندما رأت سفيان برفقة عمار، قصي.....ويزن!!!!!
ابتسم قصي ما أن رآها، بينما تجهم وجه سفيان بوضوح و لم يكن هناك وقت للتراجع، فقد اقترب عمار وقصي منهن
ابتسم عمار وقال بمرح:
ميمونة! وحشاني!!!!
نظرت إليه ميان بغيظ، متجاهلة وجود سفيان تمامًا :
مش هرد عليك
قال قصي بابتسامة ودية :
إيه الأخبار يا ميان
ردت عليه بابتسامة أخوية :
الحمد لله، وانت أخبارك إيه يا قصي، عاش من شافك، غايب بقالك كتير بره مصر
تدخل يزن فجأة، وسأل بنبرة فضولية :
انتوا تعرفوا بعض؟
أومأت ميان برأسها، وقالت بهدوء :
أيوة، عمار ابن خالتي، وقصي زي أخويا
تعمدت عدم ذكر اسم سفيان، مما أثار غضبه، لكنه كتم غيظه بصمت، استمرت المحادثة بخفة، حتى قرر الجميع تناول الطعام معًا، لكن ما إن دخل إياد برفقة والديه إلى المطعم، حتى تغيرت الأجواء تمامًا، خاصة عندما أشارت همس إلى إياد فهو كان يخطط لطلب يد ميان
سألها قصي بعدم فهم :
تعرفي يزن منين؟
ردت عليه ميان بهدوء :
دكتور يزن بيدرس لنا أنا وهمس ولينا في الجامعة
قالتها وهي تشير لهمس ولينا، اللتين التزمتا الصمت، تتابعان ما يجري بهدوء، فردد عمار بمرح :
أوعى تكون أنت الدكتور اللي دمرت عربيته مع التلت مصايب دول
شعرت لينا بالخجل وكذلك همس وميان، تهربوا بنظرهم بعيداً ، فضحك يزن بخفوت قائلاً :
آه يا أخويا، وانت اللي هتحاسب على المشاريب
ردد عمار بخوف زائف :
انا مالي يا عم، هما اللي قالولي أعمل كده
يزن بسخرية :
وإنتِي يا بطة، أي حد يقولك حاجة تعمليها؟
عمار متصنعًا الأسى وبنبرة مضحكة:
آه ياخويا، ما أنا غلبان وعلى نياتي!!
ضحكت لينا بخفوت، وسرقت هذه الضحكة نظرة إعجاب من عمار، الذي بدأ يشعر بأنها قد تكون الفتاة التي يبحث عنها لتكون شريكة حياته.... يعلم أن تفكيره ضرب من الجنون فهي المرة الثانية فقط التي يراها، لكن شيئًا ما بداخله يرفض تجاهل هذا الإحساس
فسألهم عمار بهدوء :
بتعملوا إيه هنا، صح؟
همس بسخرية :
بنلعب. تلعب معانا
ثم تابعت بتهكم:
قاعدين في مطعم، يبقى بنعمل إيه؟ أكيد بنطفح!!!
رد عليها عمار بغيظ :
بت انتي، لمي لسانك الطويل ده وخليه جوه بوقك، يخربيت كده....بلاعة واتفتحت، ماكنش سؤال ده
رددت عليه همس بنفس النبرة :
سؤال غبي زي...
قاطعتها بنبرة حادة :
زي إيه؟
ابتسمت بتصنع، ولم تجب.....ليقول قصي بابتسامة:
ممكن نتغدى سوا كلنا، ولا هنضايقكم؟
نفى الثلاث فتيات باحراج....كاد سفيان أن يعترض، لكن سبقه الثلاثة.....فجلس في النهاية!!!
جاء النادل بالطعام للجميع وبينما انشغل الآخرون بالأحاديث، لاحظ عمار لينا ترتدي قفازًا شفافًا وتحاول تقشير السمكة بيدها دون جدوى.....فسألها بمرح :
مش بتعرفي تعمليها؟
نفت برأسها بحرج، وقالت بصوت حزين:
بابا الله يرحمه كان هو اللي بيعملها ليا
لم ينتبه أحد لما قالت، فأخذ السمكة منها بصمت وبدأ في تقشيرها، واضعًا القطع في صحنها....ابتسمت له بخجل وقالت:
شكرًا، تسلم إيدك
ابتسم بخفوت وقال بحب :
بالهنا والشفا
لاحظ الجميع ما فعله عمار، بينما كتم سفيان بداخله ضيقه مما يراه، لكنه التزم الصمت مؤقتًا
رفعت ميان رأسها صدفة، فرأت شابًا يدخل برفقة رجل وامرأة أكبر سنًا.... عرفت على الفور أنهم والديه وقالت بسرعة :
يا بنات، شوفوا مين هنا....إياد ووالده ووالدته!!!
التفتت لينا وهمس نحو المكان الذي أشارت إليه..... فابتسم إياد، واقترب منهم برفقة والديه، وصافحهم بحرارة، وخص ميان بنظرة لم تخفي إعجابه الواضح
إياد بابتسامة :
أخباركم إيه....وعاملين إيه في الدراسة؟
ردت عليه همس بابتسامة :
بخير.... إنت عامل إيه يا إياد؟
رد عليها بابتسامة، ثم أشار لوالديه قائلاً :
أعرفكم والدي ووالدتي
والدته بابتسامة ودودة.:
أهلًا يا بنات....مين فيكم ميان؟
ردت عليها ميان بابتسامة بسيطة:
أنا ميان، ودي همس، ودي لينا
ابتسمت الأم وقالت :
أهلًا يا حبايبي.... ده إياد مالوش سيرة غيركم، وخصوصًا إنتي يا ميان
تحرجت ميان، ولم تجب، بينما اشتعلت عينا سفيان غيرة، وكتم غضبه بصعوبة
عمار بابتسامة زائفة:
مش تعرفونا؟
ردت عليه ميان بهدوء:
إياد كان زميلنا في الجامعة واتخرج وحضراتهم والده ووالدته
ثم أشارت نحو الجالسين قائلة :
عمار ابن خالتي، قصي ابن عمه، ودكتور يزن بيدرس لنا في الجامعة وصاحبهم
صافح الجميع والديه، بينما تجاهلت ميان سفيان تمامًا، ما زاد التوتر، وبعد أن غادر إياد مع عائلته، قالت همس بمكر وهي ترتشف عصيرها، محاولة إثارة سفيان :
إياد كلمني من كام يوم، وطلب رقم والدك يا ميان.....بيقول عايز يتقدملك!!!!
ردت عليها ميان بحرج:
بعدين نتكلم في الموضوع ده
ردد عمار بابتسامة ماكرة:
إيه ده؟ هو معجب بميان؟
رددت ميان بمكر :
قول بيموت فيها ده كان يحضر المحاضرات عشان يشوفها بس
تمتم سفيان بغضب:
نسيب الأكل ونفضل بقى نتكلم في سيرة الأستاذ
ردت عليه همس بتحدي ومكر :
طب وده مضايقك في حاجة
ضغط على أسنانه بغيظ، بينما علت ابتسامة قصي وعمار
رن هاتف لينا فجأة فأجابت وهي تشغل مكبر الصوت حتى جاء صوت الخادمة مضطربًا :
ست لينا، والدتك تعبت واغمى عليها...كلمت الدكتور وجاي
ركضت لينا خارج المطعم مذعورة، وتبعها الجميع بقلق عدا يزن الذي انهى الحساب ولم يلحق بهم
بعد قليل في منزل لينا، اصطحب رأفت الطبيب للخارج ثم عاد وقال لميان بجدية :
ميان انتي هتفضلي الليلة دي مع لينا
ردت عليه ميان بهدوء:
حاضر يا بابا....انا كنت ناوية على كده أصلاً
تمتمت همس بقلق :
وأنا كمان هستنى معاكم، بس هتصل استأذن بابا
اومأ لهم رأفت بصمت، بينما اقترب قصي وعمار مصافحين إياه، متجاهلاً سفيان تمامًا كما فعل هو معهم، حتى عليا، التي حاولت الحديث معه، تجاهلها هو الآخر، مما جعل غضب رأفت يزداد تجاهه.... فقد كان يعتبره يومًا ما ابنًا له، ولكن تصرفاته الحالية جعلته يشعر بمرارة شديدة
بعد أقل من ربع ساعة، غادر الشباب، ومن بينهم عمار الذي كان يشعر بالضيق والحزن من أجل لينا، والغضب من شقيقه سفيان....فهو منذ سنوات، يتصرف بشكل خاطئ ويخسر كل من حوله !!
في منزل عاصم الشريف
زفر وهو يضع هاتفه على الطاولة بعد إنهاء المكالمة مع ابنته همس، التي طلبت منه الإذن للبقاء مع لينا الليلة، وصله إشعار برسالة جديدة....التقط الهاتف بتلقائية ليقرأ النص، لكنه تجمد في مكانه حيث كانت الرسالة تحتوي على صورة لابنته همس وهي تجلس في أحد المطاعم مع أصدقائها، وأسفلها كُتبت كلمات قليلة لكنها كفيلة بأن تجعله يشعر بالخوف والقلق :
عندك اللي تخاف عليه يا سيادة اللوا....روحها قصاد اللي عندك !!
كانت سيلين تجلس بجوار خالتها كوثر أمام التلفاز، لكن عقلها كان شاردًا تمامًا. الأحداث التي مرت بها قبل سنوات، الخطأ الذي ارتكبته، والقرارات التي اتخذتها تحت ضغط، كانت جميعها تعيد نفسها أمام عينيها، تاركة بداخلها ألمًا لا ينتهي
أفاقت من شرودها على صوت كوثر، وهي تقول:
سيلين يا بنتي، معلش خدي الأكل ده لقصي، هو هيرجع متأخر واحنا هنكون نمنا...حطي الأكل في المطبخ عنده وهو يسخنه لما ييجي
أومأت سيلين بصمت، تحمل الطعام بيدها، والمفتاح الآخر بيدها الأخرى. وصلت إلى منزل قصي ودخلت لتضع الطعام في المطبخؤ كانت على وشك المغادرة، لكن الباب فتح فجأة، وظهر قصي أمامها يسألها بتعجب :
بتعملي إيه هنا؟
ردت عليه سيلين بحرج:
خالتو قالتلي أجيبلك العشا وأحطه في المطبخ
أومأ برأسه بصمت دون أن يعلق، واتجه مباشرة نحو غرفته لكنه توقف عندما سمع صوتها الحزين تقول :
مفيش أمل نرجع زي زمان يا قصي
استدار إليها ببطء، وملامحه مليئة بالسخرية، وقال:
مفيش حاجة بترجع زي الأول يا سيلين....اللي اتكسر عمره ما بيتصلح
اقتربت منه خطوة، عيناها مليئتان بالدموع، وقالت بصدق وهي ترتجف :
بس أنا... أنا بحبك، والله بحبك ومش من دلوقتي...من زمان، انا كنت فاكرة إن اللي بحسه ناحيتك أخوة، مكنتش عارفة إنه.....انه حب
قاطعها قائلاً بصوت جامد :
تمام، وبعد ما عرفتي وبعد اللي قولتيه....مستنية مني إيه، مستنيةظ.... أقولك إيه يا سيلين
صمتت للحظات، وبدأت دموعها تنهمر بصمت، فتابع هو بسخرية مريرة :
مشاعر الأخوة اللي كنتي حساها خلتك تقدري اللي بينا، خليتك تحترمي العِشرة قبل ما تعملي اللي عملتيه زمان، إنتي ما اهتمتيش بأي حاجة يا سيلين....دوستي على كل حاجة وكملتي
اقترب منها، ونبرته حملت ألمًا وسخرية حادة :
إنتي باللي عملتيه زمان خسرتيني كأخ، وكصديق، وحتى كحبيب..... الشيء الوحيد اللي جابرني أتعامل معاكي هو للأسف إنك بنت خالتي
استدار ليغادر، لكنه توقف عندما سمعها تتمتم بصوت خافت:
غصب عني...كنت مجبورة
التفت نحوها بسرعة، ملامحه تفيض بالغضب:
"كفاية كدب بقى....إيه اللي يجبرك تعملي كده، مفيش سبب يخليني أصدقك أو أرجع أتعامل معاكي زي الأول
صرخت فجأة، وكأنها تريد أن تطلق كل الألم والضغط الذي حملته لسنوات:
سفيان... سفيان هو اللي قالي أعمل كده!!!!!
اتسعت عيناه بالصدمة، لكنه لم يقاطعها، بينما تابعت هي بصوت متقطع :
سفيان هو اللي بعت ناس ضربوا راغب، وبعدها طلب منه يقدم بلاغ فيك......قالي أجيلك الشركة وأبهدلك وسط الموظفين....قالي أقولك كلام يجرحك. وهو اللي قالي أبعتلك دعوة فرحي
أخذت شهيقًا عميقًا، وتابعت وهي تمسك رأسها وكأنها تسترجع كل لحظة مؤلمة:
كل اللي حصل كان تخطيطه....كل حاجة كانت بعلم سفيان هو اللي قالي أعمل ده كله 
تعليقات



<>