
رواية بعينيك اسير
الفصل السابع7
بقلم شهد الشوري
يركض سفيان في طرقات المستشفى، عينيه تتنقلان بين الأبواب، يبحث عن رقم الغرفة التي فيها شقيقه من جهة أخرى، كانت فريدة التي تستند على يد خادمتها، تمشي بتعجل، ملامح وجهها تحمل قلقًا ورعبًا تفكيرها مشغول بحفيدها، الذي قام المارة في الطريق بإسعافه على الفور وجاءوا به إلى أقرب مستشفى قبل أن تنفجر سيارتهخرج الطبيب من غرفة عمار في نفس اللحظة التي وصل فيها سفيان وفريدة، ومعهم قصي الذي علم من يزن، صاحب المستشفى، والذي اتصل بسفيان بعدما علم بإصابته أيضًا
سأله سفيان بقلق واضح :
عمار فين، أخويا ماله يا يزن؟ هو كويس مش كده
رد عليه يزن بهدوء :
اهدى يا سفيان، مفيش داعي للقلق، هو بخير الحمد لله
سألته فريدة بقلق :
طمني عليه يا بني
تنهد يزن ثم قال بأسف :
عمار بخير، الحمد لله بس عنده شوية كدمات وكسر في ايده الشمال، لكن حالته مستقرة مفيش اي قلق عليه
سأله قصي بلهفة :
نقدر نشوفه طيب؟
نفى يزن برأسه قائلاً :
هيفوق بكره الصبح إن شاء الله، دلوقتي ممكن تمشوا، وبكره تعالوا اطمنوا عليه، مسموح يكون معاه مرافق واحد بس
التفتت سفيان لقصي قائلاً بجدية :
وصل فريدة البيت، وبكره الصبح عدي عليها جيبها هنا، انا هفضل مع عمار
تجاهل قصي النظر أو الحديث معه رافضاً الدخول في أي نقاش أو مجادلة بعدما علم ان ما مر به من معاناة طوال تلك السنوات بسببه
رفضت فريدة المغادرة، لكن بعد توسل متكرر من الجميع غادرت برفقة قصي على أن تعود في الصباح الباكر
بينما كان سفيان يراقب شقيقه من خلف الزجاج الشفاف بقلق وخوف كبير ربت يزن على كتفه يطمئنه قائلاً :
هيقوم بالسلامة إن شاء الله، اتطمن يا سفيان
ثم تابع، وهو يشير إلى داخل الغرفة :
ادخل عنده في الأوضة، أنا طلبت منهم ينقلوا سرير تاني عشان تفضل معاه جوه
ربت سفيان على كتفه قائلاً بامتنان :
تسلم يا صاحبي
منحه يزن ابتسامة صغيرة ثم غادر إلى مكتبه بالمستشفى، مقرراً أن يبيت هناك الليلة ليبقى بالقرب من صديقه وما إن دخل وجلس خلف مكتبه حتى التقط بيده الإطار الخشبي الذي يحتوي على صورة له ولخطيبته الراحلة "بسمة"
نظر إليها بحنين لا يوصف، وعيناه تلتقطان تفاصيل وجهها كانت أجمل ما في حياته رحلت، ورحلت معها كل لمحة من جمال الحياة، ابتسامته التي كانت تشرق معها، سعادته التي كانت ترافقها، ورغبته في العيش التي كانت تتجدد كلما رآها رحلت، وتركته في عالم مظلم، جسدًا بلا روح، يتنقل بين آلامه وفجوات الفقد التي خلفتها وراءها كان يعاني، يعذب نفسه بتذكر كيف كان هو سببا في هذا الفراق
أغمض عينيه، واخذ عقله يسترجع اللحظات الأخيرة التي جمعته بها في تلك الليلة كيف استند جبينه على جبينها برقة هامساً لها من كل قلبه :
بحبك
ثم جاءت بعدها الكارثة انقلبت سيارتهما عدة مرات، وفقد الوعي تمامًا وعندما أفاق بعد أيام من الغيبوبة، كانت الصدمة أكبر من أن يتحملها بسمة رحلت، اختفت فجأة، دون أن تترك له حتى فرصة للوداع، غابت وتركته في فراغ لا يحتمل
تركته يواجه الوحدة التي عجز عن التكيف معها دُفنت قبل أن يلمس يدها للمرة الأخيرة، قبل أن يهمس في أذنها وداعًا... إلى الأبد
استفاق من شروده والدموع تغرق وجهه على صوت رنين هاتفه التقطه مجيبًا على الفور عندما رأى اسم المتصل انها شقيقته الصغرى "ياسمين" التي تعيش في دبي برفقة زوجها نادر وطفلهما الصغير :
حبيبتي، أخبارك إيه؟ وحشتيني، ونادر عامل إيه؟ أوعى يكون مضايقك في حاجة
ابتسمت ياسمين على الناحية الأخرى قائلة :
الحمد لله يا حبيبي، كلنا كويسين
ثم تابعت بابتسامة ساخرة، مبتلعة غصة مريرة تسد حلقها :
وبعدين نادر مين اللي يزعلني؟ ما أنت عارف هو بيحبني قد ايه
أومأ يزن برأسه قائلاً بابتسامة :
عارف يا حبيبتي، أنا بس بهزر، ربنا يحفظكم لبعض، طمنيني زين حبيب خاله، عامل إيه واحشني اوي
تنهدت بعمق ثم قالت :
بخير يا حبيبي ، المهم خلينا في خال زين اخباره ايه؟
تنهد قائلاً بصوت متحشرج :
اهو....عايش
عاتبته شقيقته قائلة بحزن :
وهي دي عيشة يا يزن، حرام عليك اللي بتعمله في نفسك، بسمة ماتت والحياة لسه مكملة، اتقبل الحقيقة دي واتعايش معاها سنين عمرك بتضيع منك في حزن وقهر
انسابت دموعه من جديد وهو يقول بصوت مختنق :
بس عندي أنا وقفت، كانت كل حياتي، وخسرتها....خسرتها وخسرت معاها نفسي
ردت ياسمين بصوت مليء بالحزن :
ماما زعلانة أوي يا يزن وقلقانة، نفسها تشوفك مبسوط وتفرح بيك، حتى بابا نفسه يطمن عليك
غمغم يزن بحدة وغضب :
كلكم أنانيين ليه؟ عايزني أتجوز واحدة مش بحبها عشان بس تتبسطوا؟ أنا مش هبقى مبسوط لما أتجوز، ولا هقدر أديها اللي هي عاوزاه، لا حب ولا حتى ود واحترام، مش هبقى قادر ابص في وشها، وساعتها هظلمها وهظلم نفسي معاها....وهخون بسمة
ردت ياسمين بعتاب خافت :
محدش فينا أناني يا يزن، لو كنا أنانيين زي ما بتقول كنا سيبناك في حالك مكنش حد فينا هيقعد يقولك نصايح تقرفك كل شوية زي ما بتقول.... سلام يا اخويا !!
قالتها ثم أغلقت الهاتف دون أن تنتظر رده، شقيقها الأحمق يعيش في وهم كبير وهم سبق وعاشت فيه، لو يعلم انه يستطيع تخطيه والمضي قدما، ليس مثلها هي ظلت عالقة به، تسكن في قلبها جراحًا لا تستطيع البوح بها، تعيش وتتنفس، تقدم نصائح فارغة لا تنقذ شيئًا، ولا تستطيع أن تفعل أكثر من ذلك... وإلا..
عاد قصي إلى منزله، وما إن هم ليضع المفتاح في باب المنزل، تفاجأ بصوت فتح باب شقة والدته من خلفه ظن أنها والدته لتطمئن على عمار لكنه تفاجأ "بسيلين" فسألها بتعجب :
خير يا سيلين، إيه اللي مصحيكي لحد دلوقتي، محتاجة حاجة؟
أومأت له قائلةً بأعين تلمع بالدموع :
أه محتاجة....محتاجة إنك تسامحني، غصب عني اللي حصل يا قصي أنا كنت مشوشة مش عارفة أعمل إيه، ولا مرة خطر على بالي إنك ممكن تكون بتحبني، وكنت مصدومة، كنت عايزة أخليك تكرهني عشان تكمل حياتك
اقترب منها قائلاً بسخرية :
طب اديني كرهتك وكملت حياتي، عايزة إيه تاني يا سيلين؟ مش كل اللي عاوزاه حصل
أنسابت دموعها على وجنتيها قائلة بندم :
أنا بحبك يا قصي
أومأ لها بابتسامة ظنت أن قلبه قد لان، لكن كلماته صدمتها : طب ما أنا كمان بحبك، ده انتي حتى بنت خالتي وزي اختي الصغيرة....في حد يكره أخته
ردت بصدمة ودموع تغرق وجهها :
اختك!!!
أومأ لها بصمت ثم دخل لمنزله وأغلق باب الشقة خلفه بقوة، جعلتها تنتفض في مكانها بكت اكثر ثم دخلت للشقة هي الأخرى تحت عيناه التي تراقبها بحزن من ذلك الثقب الموجود بالباب
أغرقت سيلين جسدها في المياه الباردة، وبدأت تبكي بشدة، قرارًا واحدًا فقط هو جعلها تخسر كل شيء، الآن يلتهمها الندم لحظة بعد لحظة، ويزداد قهرها مع مرور الأيام لا تكف نظرات الناس عن تتبعها، تلحق بها العار بسبب لقب يعد وصمة في مجتمعنا المريض، وصمة بحق المرأة
كره والدتها لها دفعها لتترك منزلها وتأتي هنا، تشعر بأنها عبء على الجميع، خالتها لا تزال غاضبة، ولم تسامحها بسبب ما فعلته بقصي في الماضي، وحتى هو بالكاد يتحمل وجودها
ماذا تفعل الآن؟ لا مكان لها تذهب إليه، ولا شخص يتحملها لا تريد توبيخًا، ولا تعنيفًا، ولا عتابًا هي فقط بحاجة إلى عناق دافئ، وكلمات تواسي قلبها المجروح لا تستطيع أن تعالج جروحها بمفردها حتى يتمكن هو من مسامحتها وتستعيد حبه، الذي اكتشفت بعد غيابه أنها تكن له أكثر مما كانت تظن تحتاج فقط من يداوي جروحها الآن
كما انها لا تريد العودة لمنزل والديها، لكنها مجبرة انتظرت حتى جاء الصباح، وقبل موعد استيقاظ الجميع، رحلت تاركة له تلك الرسالة التي دفعتها من أسفل باب منزله !
ما ان اشرقت الشمس كانت ميان تركض في طرقات المستشفى برفقة والديها ليطمئنوا على عمار، تعجبت عندما أصرت لينا على المجيء معها حتى همس ما إن علمت بالصدفة منهما قررت أن تأتي وتطمئن عليه هي الأخرى
في نفس الوقت وصل قصي برفقة فريدة ووالدته، يمشي برفقتهم بشرود تلك الرسالة التي تركتها له جعلت قلبه يدمي من الحزن على حالها وحاله
بعد دقائق وصل يزن وسمح لهم بالدخول قائلاً لعمار الذي استفاق منذ ساعات قليلة :
حمد الله على السلامة يا بطل
ردد عمار بابتسامة متعبة :
الله يسلمك يا يزن
اقتربت منه خالته عليا قائلة بدموع وهي تلثم جبينه بحنان : الف سلامة عليك يا بني، قدر ولطف الحمد لله انك قمت بالسلامة وبخير
التقط كف يدها لاثماً اياه بحب ثم قال :
الله يسلمك يا خالتو
ربتت على رأسه لتأتي دور فريدة ومن بعدها كوثر، الجميع حوله بلا استثناء يطمئنون عليه كم شعر بتلك اللحظة بالسعادة، الجميع مجتمعين معًا لأول مرة منذ سنوات طوال، ليته تعرض لهذا الحادث منذ زمن
اقتربت لينا خطوات قليلة من فراشه قائلة بابتسامة رقيقة مثلها :
الف سلامة عليك يا استاذ عمار
ردد عمار بهيام مشاكسًا اياها :
احلى حمد الله على السلامة اتقالتلي والله
ضحك الجميع عليه، لتقول همس بمرح وهي تحيط كتف لينا :
يا بني انت في إيه ولا في إيه، قوم بس كده وابقي عاكس براحتك، نفسي أعرف مين الحمار اللي قالك اركب عربية طالما مش بتعرفوا تسوقوا، بتركبوا عربيات ليه
تنحنح عمار مشيرًا بعينيه لسفيان الواقف بجانبه لتنظر له فابتسم لها بتصنع :
سألته بحرج :
انت الحمار ؟
نظر لها بحدة فضحكت قائلة بمرح :
متزعلش، ما هو أحمر منك عشان مش بيعرف يسوق كويس
ردد عمار بمرح وهو يعتدل بجسده بمساعدة قصي الذي أخذ دور الصامت منذ أن جاء :
يا بنتي، والله انا مشوفتش حمار غيرك، بدل ما تكحليها عميتيها
ابتسمت له بتصنع قائلة :
مش هرد عليك
رد عليها عمار بسخرية :
لا والله ردي
زفرت ميان بضيق قائلة :
ما بس انتي وهو ايه قط وفار
ردد عمار بطفولة :
هي اللي لسانها طويل يا ميان
استفزته همس قائلة بسخرية :
عاجبني
عاتبتها لينا قائلة بخفوت.:
بس يا همس، عيب كده
ردد عمار بهيام ونظرات إعجاب واضحة للجميع :
انتي مصاحبة دول إزاي؟ ما تعلميهم شوية رقة
شعرت لينا بالحرج فاستأذنت منهم قائلة :
عن إذنكم، هعمل تليفون بس بره
ما إن غادرت لينا جلست خالته بجانبه على الفراش قائلة بهمس لم يسمعه سواهما :
عجباك، أخطبهالك ؟
رد عمار بهمس مماثل :
ياريت يا خالتو، بس أنا عايز أتعرف عليها، خايف أخد الخطوة دي، بس هي عجباني الصراحة
ابتسمت قائلة بهمس وهي تربت على يده :
هتتفقوا متخافش، قلبي حاسس إنها هتبقى من نصيبك، لينا دي العاقلة اللي في جوز المجانين دول صدقني
ضحك بخفوت لتتابع حديثها :
قوم انت بس بالسلامة، ونبقى نشوف الموضوع ده سوا تكون فكرت بردو وخدت قرار
أومأ لها بابتسامة واكتفى بالصمت كان سفيان يتابع الحديث الدائر بينهم بفضول وضيق لتقارب عمار منها ومن تلك العائلة، مهما حاول ابعاده عنهم منذ سنوات
دقائق وعادت لينا، بعدها دخلت عليهم نرمين بكامل أناقتها نظرت لها ميان باشمئزاز وألم ضري قلبها ما إن اقتربت من سفيان تتعلق بذراعه قائلة لعمار برقة بالتأكيد زائفة فالوضع المشين الذي رأتها به ينفي وجود تلك الصفة بشخصيتها الخبيثة :
حمد الله على سلامتك يا عمار
رد عليها عمار بجفاء و بدون ابتسامة حتى :
شكرا
كان والد ميان من حين لآخر ينظر لسفيان بغضب، ثم ينظر لابنته متحسرًا، يتساءل ما الذي تحبه فيه لقد رفضها واختار أخرى لتكون زوجته، وابنته الحمقاء رغم ما يوجه لها من إهانة، لا تزال تعشقه، لديه يقين أن نهاية ابنته ستكون بسبب هذا الحب، لطالما كان يرى سفيان بمثابة لعنة أصابت قلب ابنته
كان يتابعها بحزن وهي تنظر بقهر لتعلق زوجته بيده بدلال بينما الآخر يحيط كتفها بحب غير مبالي بالجميع
تمسك رأفت بيد ابنته يدعمها، ناظرًا إليها بعينيه كأنه يقول "أنا هنا بجانبكِ دائمًا، سأدعمكِ مهما حدث وفي أي وقت"
التقت أعين نرمين وميان صدفة، وكلاهما تحدق في الأخرى بنظرة مليئة بالتوعد، لكن من ستنتصر في النهاية؟
مرت اللحظات وغادر الجميع، باستثناء سفيان الذي أصر على البقاء بجانب شقيقه
عادت همس للمنزل متأخرة نصف ساعة عن الموعد المحدد، حيث كان والدها قد دعى صديقه وعائلته، وطلب منها أن تكون موجودة في وقت مبكر، لكنها نسيت نفسها ومر الوقت وهي برفقة لينا في منزلها لتطمئن على والدتها
دخلت المنزل، وعندما سمعت صوتًا آتيًا من الصالون، ذهبت على الفور، وقالت معتذرة :
آسفة على التأخير
شعرت همس بالصدمة عندما رأت يزن أمامها، وكذلك هو والآن تذكر من أين سمع اسم عاصم الشريف عندما قدمهم والده لبعضهم منذ قليل
غمغمت همس بتعجب :
انت
تساءل عاصم بتعجب :
انتوا تعرفوا بعض
اجابه يزن بهدوء :
همس طالبة عندي السنة دي
رد صلاح والد يزن بابتسامة :
ما شاء الله، بنتك زي القمر يا عاصم، ربنا يحفظها
شكرته همس بتهذيب قائلة :
اهلاً بحضرتك
ثم اقتربت وصافحته، وما إن وقفت أمام والدة يزن حتى جذبتها إلى حضنها قائلة بحنان ومرح :
أهلاً يا حبيبتي، أنا أحلام مرات الراجل ده وام الدكتور القمر ده
ضحكت همس بخفوت وقالت بمرح :
شكلك كده يا طنط ماشية على نفس الخط بتاعي، بتحبي الفرفشة مش زي سيادة اللوا وحرمه
ضحك الجميع على كلماتها، عكس يزن الذي اكتفى بابتسامة صغيرة كعادته، فقال صلاح بابتسامة :
ربنا يخليهالك يا عاصم، بسم الله ما شاء الله عليها قمر، تلاقي العرسان عليها قد كده
ضحكت هبة والدة همس وقالت بغيظ :
من ناحية قد كده فهم فعلاً قد كده، بس عمر ما حد منهم طلع من البيت ده زي ما دخل
لم يفهم صلاح وأحلام، وكذلك يزن ما تقصد، فوضح لهم عاصم ضاحكًا :
أصل همس بتقوم بالواجب مرة تكسر رجل، مرة دراع، كل واحد ونصيبه بقى
ضحك صلاح وأحلام، أما يزن فظل مبتسمًا، فرددت همس ببراءة مدافعة عن نفسها :
يعني، يرضيك حضرتك مرة واحد منهم حرق دمي، جاي هو وأهله بيتشرطوا علينا، قال ايه انتي رفيعة كده ليه؟ مش بتاكلي ليه؟ أهلك بخلا ولا ايه، ومش هتكملي تعليم، أنا عايز ربة منزل ويرموا بكلام يحرق الدم، طبعًا أنا مش طالعة هادية لسيادة اللوا، قومت من غيظي وضربته بطفاية السجاير في دماغه، غلط أنا كده ولا هو اللي غلطان
ضحك صلاح بقوة، فرددت أحلام بمرح :
لا طبعًا هو اللي غلطان، وكويس أوي انك ضربتيه واخدتي حقك منه
رددت همس بابتسامة وغرور محبب لوالديها :
شوفتوا بقى عندي حق في اللي عملته وانكم ظلمتوني
ردد يزن بداخله بزهول :
مجنونة
التفت عاصم لزوجته قائلًا بابتسامة :
جهزي الغداء يلا يا حبيبتي
أومأت له هبة بصمت فتدخلت احلام قائلة :
استني هساعدك
رفضت هبة لكن بعد إصرار وافقت وتوجه الاثنان للمطبخ بعدها استأذنت همس من الجميع قائلة :
طب بعد اذنكم دقايق وراجعة
اومأ لها الجميع بصمت، فصعدت إلى غرفتها وقامت بأداء ما فاتها من فروض ثم أبدلت ملابسها لفستان طويل باللون البني لاق بها كثيرة ونزلت للأسفل حيث المطبخ قائلة بابتسامة :
اساعدكم في ايه يا حلوين
التفت الاثنان لها فردت أحلام بإعجاب واضح :
بسم الله ما شاء الله، زي القمر يا همس
رددت همس بابتسامة، وهي تبعث لها قبلة في الهواء :
ده انتي القمر
ضحكت أحلام مربتة على وجنتها بحنان وعادت تكمل ما تفعله هي وهبة وهي عازمة بداخلها على شيء ما..
بينما على الناحية الأخرى في منزل سيلين
دخلت غرفتها وأغلقت الباب عليها، رافضة كل محاولات والدتها للتودد إليها اكتفت فقط بإلقاء السلام على والدها الذي كان يشعر بالحزن على ابنته التي تذبل يومًا بعد يوم
كانت تستند برأسها على الحائط، تنظر للفراغ بشرود تتذكر ذلك الموقف الذي مهما مر من العمر، لن تنساه أبدًا
كانت ابنة الثامنة من عمرها، وكانت حياتها برفقة والديها يسودها الحب والسعادة التي اكتملت عندما علموا بقدوم مولود آخر ينضم لعائلتهم الصغيرة لقد كان صبيًا، وكانت والدتها في شهرها السابع
كانت تلهو برفقة أصدقائها أمام باب المنزل بكرة القدم و الألعاب متراصة بأحد الجوانب بعشوائية كانت والدتها تصعد الدرج بحذر من عند جارتهم بالأسفل تضع يدها على بطنها المنتفخ ووالدها بالداخل يقرأ أحد الكتاب كانت تقذف الكرة لطفل آخر من عمرها ليلتقطها الآخر، ثم تمررها لطفلة أخرى جاء دورها لتقذفها له، لكنها تلك المرة قذفتها بقوة دون قصد لتصيب وجه والدتها التي ظهرت فجأة خلف الطفل، ليختل توازنها من المفاجأة وتفقد توازنها، فتسقط من على الدرج، تنزف الدماء بغزارة تعالى صراخها هي والأطفال ليهرع الجميع من منازلهم مصدومين
ركض كمال لأسفل حاملاً زوجته بين يديه لأقرب مستشفى، تاركًا ابنته عند أحد الجيران ليصدم مما قاله الطبيب بعد عملية دامت لساعات أن زوجته ولدت طفلهم متوفى والأسوأ أنهم اضطروا لاستئصال الرحم لإيقاف النزيف
ما إن تعافت والدتها من تلك الحادثة، باتت تعاملها بقسوة و غلظة، محملة إياها ذنب ما حدث لها ولشقيقها الذي كان مقررًا تسميته "محمد" كانت تحاول خالتها تعويضها، وكذلك قصي الذي كان ملجأها عندما تريد الشكوى من قسوة والدتها
تنهدت بحزن، ثم ألقت بجسدها على الفراش، تضم قدمها إلى صدرها متخذة وضعية الجنين دموعها تنساب بصمت حتى غفت مكانها عندما أصبح الوقت متأخرًا، خفت الأقدام في المكان، كان أسفل المنزل يقف ذلك الماكر برفقة صديقه يصعدان الدرج إلى منزلها بخفة مثل اللصوص أخرج أحدهم مفتاحًا من جيبه، ثم وضعه في الباب ففتحوه بحذر ثم سار كلاهما على أطراف أصابعه توجه أحدهم لغرفة والديها مخرجًا بخاخًا مخدرًا، ناثرًا منه على وجههما بحذر وما إن تأكد من تخديرهما، خرج متوجهًا لغرفة أخرى برفقة صديقه مبتسمًا بمكر ما إن وجد مبتغاه "سيلين" نائمة على الفراش بسكون أخذها أحدهم مغادرين بحذر ودون إصدار صوت متجهين إلى السيارة التي كانت تنتظرهم أسفل البناية يقودها ثالثهم!
عاد رأفت من عمله، يشعر بالإرهاق بحث بعينيه عن ابنته أو زوجته فلم يجدهم كاد أن يصعد الدرج ليتفاجأ بكاميليا شقيقة زوجته تنزل الدرج مرتدية فستانًا بالكاد يغطي ركبتيها ضيقًا ويرسم منحنيات جسدها بوضوح ورغم مرور سنوات ما زالت تحتفظ بجمالها ورشاقتها
ادار وجهه سريعًا متنحنحًا بحرج فرددت كاميليا بخوف وصوت رقيق مبالغ فيه :
رأفت، أنا آسفة، مكنتش أعرف إنك رجعت
ردد رأفت بحرج وهو يتحاشى النظر إليها :
حصل خير، اتفضلي اطلعي يلا
رددت برقة، وهي تصعد لغرفتها :
حاضر
لكن فجأة شهقت بألم وجلست على الدرج قائلة وهي تتمسك بقدمها :
آه....رجلي
التفت رأفت إليها بعدما كان يعطيها ظهره، وكانت علامات القلق واضحة على وجهه :
انتي كويسة
أجابته كاميليا بصوت رقيق، رغم الألم الذي يعتصر قدمها : مش قادرة، رجلي بتوجعني أوي يا رأفت
ردد رأفت الذي بدا مشوشًا، نظر حوله في حيرة وقال :
طب حاولي تمشي عليها كده أو حركيها
حاولت كاميليا السير على قدمها، لكن سرعان ما تعثرت، فامسك بها رأفت لتثبيتها بين يديه بشكل تلقائي، مما جعلها تقترب منه أكثر، كانت كاميليا في داخلها تبتسم بابتسامة خفية وفي قلبها كان يملؤها المكر وهي تهمس في نفسها بحقد :
مش هبقى أنا لوحدي اللي خسرت يا عليا
لكن لم يفق الاثنان من شرودهما إلا على صوت ميان التي دخلت للتو من باب المنزل بعد سهرتها مع لينا لترتسم الصدمة على معالم وجهها وهي تنطق بزهول :
بابا !