رواية مأساة حنين الفصل الثالث3 والرابع4 بقلم أية الفرجاني
إنتي... حامل؟
أنا اتجمدت...
ماعرفتش أرد ازاي مكنتش عارفه لالا مكنتش عاوزه مش لا
قربت مدام سميحه مني وهيا بتبصلي بريبه
= إنتي... ي حنين... إزاي؟ إمتى؟ ومين انت ازاي متقوليش ان حد عمل معاك حاجه زي كده
قعدت على الأرض مكنتش مستوعبه الصدمه والي حصل
بكيت... بكيت زي العيال زي طفل تايه مش عارف هو مصيره اي كل ما اقول بدات تضحك ليا ترجع تاني واضح اني مش مكتوب ليا اعيش في أمان
كنت بتكلم وانا مصدومه
= أنا مغلطتش... والله مغلطتش... هو.....هو اللي عمل كده....هو الي ظلمني......ك... كريم... أنا ماليش زنب واالله ما عملت حاجه هو....هو اعتدي عليا عشان.....عشان كده سبته وهربت...خفت احكيلي الي حصل تسبيني وانا معنديش مكان تاني ارحله
كانت مصدومة...
وبصتلي كأنها مش مصدقاني
= أنا مش قادرة أستوعب... ازاي ي حنين ازاي تخبي عني حاجه زي كده...... ده بيت محترم وأنا مش فاتحة بيتي للحوامل اللي جايين من الشارع
بصتلي وانا مصدومه من كلمها مقدرتش ارد فقالت
= هديكي يومين... تفكري فيهم هتروحي فين
مشيت وسبتني قاعده مكاني من صدمتي مقدرتش اتحرك فضلت قاعده مكاني لحد ما الجو بقي ليل
= هتروحي فين تاني ي حنين يظهر انو دا نصيبك في الحياة متفرحيش...ملكيش امان ولا...مكان
عيوني دمعت افتكرت اني دلوقتي مبقتش لوحدي
بقي في روح كمان جوايا حطيت ايدي علي بطني
= انا مكنتش عارفه اعيش لوحدي دلوقتي انت كمان
هنعمل اي ملناش مكان نروح فيه مكناش لازم تكون هنا
بكيت كتير لحد م دموعي نشفت حاولت اقوم كنت مرهقه بس كان لازم اعمل حاجه فكرت كتير لو خرجت من هنا هرجع تاني للبهدله والشارع والطفل الي جاي ده اي هيحصل فيا في النهاية هو ملهوش زنب يمكن ربنا كتب انو يجي عشان يكون ليا حد في الدنيا اعيش عشانه علي قد ما كنت حزينه انو هيجي بالطريقه دي علي قد ما كنت فرحانه انو هيكون عندي حد ليا في العالم ده...
قومت وانا بتمشي بالعافيه واستند علي الحيطان لحد ما وصلت لباب الاوضه بتعتها
قعدت عند باب أوضتها
ما نمتش فضلت ابكي واترجها النهار طلع وانا لسه مكاني الخدم كانوا بيبصلولي بنظره شفقه ومدام سمحيه كانت ساكته حتي مفكرتش ترد عليا خرجت وشافتني ومشيت بدون اي حاجه
الخدامه قومتني وخدتني الاوضه واكلتني بس انا مكنتش عاوزه كده انا عاوزها تخليني اقعد عندها حتي لحد ما اولد
فضلت كده كل ليلة أعيط
وأقولها:
= "بالله عليكي... سبيني هنا... مش عشان أنا عايزة أعيش... علشان البيبي ده... مالوش ذنب... أنا مش بطلب شفقة، بطلب بس مكان أمان... هشتغل خدامه عندك والله هعمل كل حاجه تقوليلي عليها بس بالله عليكي مش عاوزه ارجع الشارع تاني
ما كانتش بترد،
بس كنت كل ما أبص في عينيها، ألاقي دموع محبوسه بس مكنتش بتدي اي ردة فعل
وفي ليلة... وأنا نايمة على الأرض قدام باب أوضتها
فتحت الباب
= العيّل ده ملوش ذنب... بس لو هتفضلي، يبقى تسمعي كلامي حرف بحرف
وقفت وانا مبسوطه جدا قلتلها ودموعي مغرقاني:
= حاضر... والله حاضر...هعمل اي حاجه تقولي عليها
طلبت مني طلب غريب
"بُصي يا حنين... أنا مش هكدب عليكي، اللي حصل حصل... والولد ده جه للدنيا خلاص...
بس لازم نفكر بعقل
الناس برا ما بيرحموش، وكل خطوة لازم تتحسب صح
حنين :
أنا مش هسيبه... حتى لو الدنيا كلها ضدي بس انا ماليش غيره
= عارفة... بس علشان تعيشي انتي وهو من غير متاهات ولا فضايح... لازم نلاقي طريقة الناس ما تسألش... ولا تجرّح وعشانك انت في المستقبل
حنين بقلق:
زي إيه؟"
= في دور أيتام بتسجّل الأطفال اللي مالهمش أهل معروفين...
إحنا ممكن نعمل ورق كفالة كأنك اتبنّيتيه...
يبقى قانونًا معاكِ... والناس تفكر إنك بتربيه ...
مش علشان هو ابنك وعشان انت لسه السن القانوي يمنع انك تعملي كده انا هتكفل بيه كده محدش هيتكلم انا عندي بيت ودخل وسني مش كبير قوي
حنين بصدمه:
يعني أعيش أمّه... بس على الورق أبقى متبنياه؟
=دي أنضف طريقة قدام الناس... وبدون أب، مش هتقدري تسجليه باسمه...
ولو عملنا عقد زواج مزوّر هتقعي في مصيبة
إنما دي طريقة قانونية... والمهم الطفل يفضل في حضنك
حنين بدموع:
هعمل أي حاجة عشان أفضل معاه...
فضلت عايشة معاها
وكل يوم كانت بتتعلّق بيا
تعاملني زي بنتها
تجيبلي لبس الحمل، وتطبخلي أكل مخصوص
وتنده للشغالة :
= حنين محتاجة عصير... بسرعة
كنت حاسة إني رجعت بني آدمة
والبيبي اللي جوايا...
بقى هو الأمل
هو اللي هعيّش عشانه
كانت بتحط إيدها على بطني، وتضحك، وتقول:
= شايفة؟ ده رزقك يا حنين...
قبل الولادة بشهرين...
كانت بتكح كتير، وتتعب،
بس تقوللي:
= دوخة بس... مفيش حاجة
"وفي يوم...
صِحيت الصبح كعادتي...
نديت عليها، مردتش
استغربت...
دخلت أوضتها على أطراف صوابعي...
كانت نايمة، ووشها هادي... أوي...
هادي لدرجة خلت قلبي يدق فجأة
ندهت عليها...
قُلت يمكن سمعي بيغشّني...
هزيت كتفها بلُطف...
بس مفيش...
مفيش نفس،
مفيش نبض،
مفيش صوت
كانت نايمة، بس مش نايمة
كانت راحت...
رايحة من غير ما تقول وداع راحت هيا كمان وسبتني راحت
من غير ما توصي عليا حد
ولا تبصلي النظرة الأخيرة اللي كنت محتاجاها
صوتها...
اللي كان بيصحيني،
اللي كان بيطمني،
اللي كنت بسمعه حتى وهي ساكتة...
مات
صرخت...
صرخت كأني بصرخ لأول مرة في حياتي...
= "يااااه!!! مدام سميحة!! قومي... بالله عليكي قومي!!
وقعت على الأرض جنب السرير
وإيديا كانت بتترجّف وهيا بتشد الغطا
صوتي خرج مش صرخة...
كان زي الزئير...
زي الحيوان اللي انضرب بالنار وبيطلع آخر نفس
مداااام سميييييحة!!!!"
صوتي رج السما...
كان بيخرج من حنجرتي بس...
بس طالع من قلبي، من ضهري، من سنيني كلها
ما تسبنييش!! أنا مالييش غيرك!!!"
حضنتها
حضنتها بقوة...
وبعيّط زي العيال...
بدموع ملهاش آخر،
بصوت بيوجع الحيطان.
"أنا لسه ما صدقت إني لقيت حد يحبني...
إزاي تموتي دلوقتي؟!
إزاي تسبيني لوحدي؟!"
كنت بكلمها كأنها سامعة
كأنها هتفتح عينيها وتقوللي
"اهدى يا حنين... أنا معاكِ"
بس هي ما فتحتش
قربت بقي من صدرها...
كنت بدور على النبض...
على النفس...
على أي حاجة تقوللي إنها لسه هنا...
بس لأ
كل حاجة بقت ساكتة حتي
الساعة اللي في الحيطة وقفت
والنور اتطفي
والدنيا بقت عتمة جوايا
وقتها...
صرخت تاني
صرخة مفيش بعدها حاجة.
يااااااااااااااااااااااااااارب!!!
ليه كل حاجة حلوة بتروح مني؟!
أنا تعبت...
أنا مش قادرة أكمل...
وقعدت على الأرض
بحضن رجليها بايدي
وكل جسمي بيرتجف
الموت خبط على بابي وأنا لسه بتعلم يعني إيه أمان
وسابه مفتوح...
وسابني بردانة، ضايعة...
ومكسورة أكتر من أي وقت قبل كده
في جنازتها، محدش من قرايبها جه
كانت وحيدة في الدنيا،
زيي... يمكن ده اللي جمعنا.
بعد الدفن، الناس مشيت
والبيت سكت
أنا رجعت أقعد على الكنبة اللي كنت بقعد فيها وهي بتتفرج على التلفزيون
وحسيت إن البيت بارد...
مش من الهوا
من الغياب
بس أنا مش لوحدي...
أنا بقيت اتنين...
أنا وبيبي
وأقسمت وأنا حاطة إيدي على بطني:
= "عمري ما هسيبك...
ولا هسيب الدنيا تضحك عليّا تاني
عدّى أسبوع على موت مدام سميحة
والبيت بقى بارد...
والشمس اللي كانت بتدخل من الشبابيك، بقت تخبط وتطلع
كأنها هي كمان مش طايقة المكان بعد ما راحت الست الطيبة
وفي يوم...
كنت واقفة في المطبخ، بغلي ميّه... الجو ساكت والبيت حزين بعد ما مدام سميحة راحت لربها.
كل حاجة فيها نقص، وكل صوت بيزن في ودني كأنها بتناديني من العالم التاني.
ولولا الحمل اللي في بطني، كان زماني مشيت من غير حتى ما أبص ورايا...
وفجأة...
صوت المفتاح وهو بيُفتح الباب
قلبي اتنفض... البيت مقفول، والمفروض مفيش حد معاه نسخة المفتاح غيري...
خطيت خطوتين ناحيه الباب، وبصيت من فتحة الممر
شخص داخل...
راجل... طويل، لابس بدلة رمادي، شنطة في إيده، بيبص حوالين البيت بعيون غريبة...
مش زائر، لا... ده راجع لبيته
اتصدمت
أنا مش مصدّقة
ده... هو
كريم
رجليا اتلجت، ودماغي لفت ... لفيت وشي بسرعة، ودخلت أوضة مدام سميحة، كنت هاقفل الباب، بس صوته جه أسرع من إيدي:
= "إنتي؟!!" استني عندك انت مين
وقفت لفيت وانا
زي التمثال
زيّنا احنا الاتنين
هو شايفني، وأنا شايفاه.
كل حاجة حواليّ اختفت، مفيش غيرنا احنا في الدنيا دي كل حاجه وقفت في اللحظه دي
وشه اتقلب
مش مصدق
مش متأكد
مش فاهم
= "إنتي إزاي هنا؟!" وبتعملي اي
كلامه طلع باندفاع، وأنا ببص له كأني بشوف شبح... شبح اللي كان السبب في موتي الأولى
رديت بصوت مبحوح، كأن الحروف مش راضية تطلع:
= "أنا... كنت عايشة هنا مع مدام سميحة..."
قاطعني، وبص لي بنظرة فيها مزيج من الذهول والخوف والذنب:
= "مدام سميحة؟ هي... راحت فين؟"
دموعي نزلت قبل ما أنطق، وبصيت له بوجع:
= ماتت
سكت
قعد على الكرسي اللي جنب الباب
مفكّرش
مقدرش
ولا حتى سألني ماتت ازاي ولا أنا وصلت هنا إزاي
سأل سؤال واحد:
= "إنتي... ليه ما اختفيتيش للأبد؟"
بصيت له بكل الشهور ولايام اللي قضيتها مكسورة، وقلت بهدوء:
= مكنتش ناوية أرجع... بس اللي في بطني... رجّعني للحياة
قرب مني، بص عليا من فوق لتحت، وبص على بطني...
ضحك ضحكة كلها سُخرية:
= "ما شاء الله... يعني جايبة العيال وتربيهم هنا؟"
قلتله بغضب:
= "العيّل ده ابنك يا كريم..."
وشه اتبدّل...
اتنفخ...
واتحول لصخر:
= ابني؟ هو أنا شفتك تاني بعد ما مشيتي؟
جايه بعد شهور تقوليلي ابني؟"
صرخت:
= "إنتَ اللي ضيعتني!
إنتَ اللي بهدلتني!
أنا ماجيتش برجليا... أنا كنت بدوّر على أمان!"
قال:
= "إنتي كنتي شحاته... وأنا بس ساعدتك...
مش مسؤول عن العيال اللي تطلع منك
وبعدين، البيت ده بتاعي... أنا الوريث الوحيد لعمتي، مش هسيبك تسكني فيه وتورّثي العيل كمان!
قلتله وأنا بعيط:
= "أنا مش طالبة منك حاجة... مش عايزة ورث...
سيبني بس أكمل حملي هنا...
أولد في أمان... بعد كده أمشي..."
= "لأ... إنتي هتمشي دلوقتي
وبالعيّل كمان
أنا مش عاوز فضايح، ولا عاوز حد يقولي إن ليّا ابن من واحدة كانت في الشارع
بصيتله وانا مرعوبة:
= ده مش زنبه! الطفل ملوش ذنب!
ده ضناك يا كريم..."
قال:
= أنا قولت اللي عندي...
قدامك ساعتين...
وإلا هكلم البوليس وأقول إنك اقتحمت البيت بعد موت عمتي
جمعت هدومي،
ولفّيت بطني بشال قديم،
والشغالة رجعت كانت واقفة بتبصلي
وقالتلي بصوت خافت:
= أنا آسفة... بس مقدرتش أعمل حاجة
قلتلها:
= "أنا خلاص... ما بقيتش مستنية من حد حاجة"
وخرجت من باب البيت
بس المرة دي... ما كنتش ماشية في الشارع زي زمان
كنت ماشية وأنا شايلة روحي وإبني في بطني،
شايلة كرامتي اللي ما فضلش منها غير فتافيت،
وشايلة ذكريات ستّ طيبة...
كانت آخر حضن في الدنيا
ومشيت...
ومفيش غير دموعي بتسلّك الطريق
مكنتش عارفه انا رايحه فين وهل هقدر اكمل تانى واي مستنيني في الحياة دي
الفصل الرابع
وأنا خارجة مش عارفه رايحه فين دموعي نزلت لوحدها
بطني حسيت انها بقيت تقيلة وعنيا اللي مش شايفة بيها من الدموع
سمعت صوت ورايا بينده عليّا همس:
= حنين…
لفيت بسرعة…
كانت "هدى"… واحدة من الشغّالين اللي كانت بتساعد مدام سميحة
قربت مني قالتلي بسرعة:
= استني يبنتي متروحيش… متروحيش في مكان دلوقتي وانت بالشكل ده علي القليل لحد ما تولدي كلها شهر
في أوضة في البدروم…
تحت السلم… محدش بينزلها خالص
تعالي وأنا هساعدك تباتي فيها، وهجيبلك أكل كل يوم
كريم ما يعرفش عنها حاجة… ولا هيفكر ينزل هناك"
أنا وقفت… وقلبي بيرجف:
= انا مش عاوزه ارجعله بس… لو عرف؟
= يحبتتي هتروحي فين بس وانت كده علي القليل انا ممكن اخد بالي منك وبعدين هو مش هيعرف…
أنا بشتغل هنا من ١٤ سنة محدش بيدخل البدروم غيري متخافيش
كنت متردده مش عاوزه اشوفه تاني مش عاوزه احس اني بقلل من نفسي اكتر من كده حطيت ايدي علي بطني وافتكرت اني مبقتش لوحدي ولازم اتخلي عن اي حاجه عشان احافظ عليه
مدام هدي مسكت ايدي وهي بتقول
= سيبيني أساعدك يا حنين… الست الله يرحمها كانت بتحبك وأنا كمان تعلّقت بيكي
وانت زي بنتي
مشيت معها كان كريم في اوضته وقتها مشفنيش
نزلت معاها بالليل
من باب صغير ورا المطبخ
سلم حديد
ورطوبة تخنق النفس بس مكنش قدامي حل تاني ومهما كان دا افضل من الشارع مليون مره
دخلت أوضة صغيرة فيها مرتبة قديمة، وبطانية مرمية
وفي ركن… شنطة فيها هدوم كانت بتاعة بنت مدام سميحة الله يرحمها
قالتلي :
= هتقعدي هنا …
وانا كل يوم قبل ما أمشي هجيبلك أكل…
وخليكي هادية… لو سمعك أو حس بحاجة هتروحي في داهية وفي حمام هو قديم شويه بس شغال بس مهما كان
إنتي هنا في أمان…
حضنتها وأنا بعيّط:
= أنا مش عارفة أقولك إيه…
أنا بدعيلك من قلبي
قالتلي بحب:
= ربنا كبير يا بنتي… وحييجي اليوم اللي ترفعي فيه راسك
سبتني ومشيت قعدت ابص في اركان الاوضه حسيت بالخوف بس شجعت نفسي
الأوضة كانت ضلمة
مفيهاش شباك
بس كانت فيها أمان صغير…
أمان إن مفيش حد هيزعقلي
ولا هيطردني
ولا هيقولي "اطلعي برا"
قعدت فيها واتغلبت علي الخوف الي جوايا
كل يوم هدى كانت تنزلي الأكل
سندويتش، شوية رز، شربة
وأحيانًا قطعتين فاكهة لما تقدر.
كنت أسمع صوت كريم فوق…
صوته وهو داخل من الباب،
صوته وهو بيزعق في التليفون،
صوته لما يرجع من الشغل متعصب:
= "فين الغدااااا؟!!"
وأحيانًا…
أصوات ضحك بنات…
وأنا سامعة صوت الكعب العالي بيخبط على السيراميك
وسكته،
ثم همسات،
ثم صوت باب الأوضة بيتقفل،
وهدوء مريب
كنت أحط إيدي على بطني،
وأقول:
= "متخفش…
ماما هنا
حتى لو إحنا تحت الأرض…
بس أنا مش هسيبك"
عدت الايام …
بقيت عايشه تحت الارض تحت الرجلين علي قد ما كنت زعلانه علي نفسي علي قد ما كنت حاسه بامان
حتي لو وراه خوف من الي جاي والي ممكن يحصلي
بعدين
كريم كان عايش حياته
وأنا كنت تحت رجليه…
بس مش باينه ليه
كنت شبهه بنت، بس دلوقتي…
أنا بقيت ظل،
بقيت نَفَس متخفي في بيت كبير
كأني روح مدام سميحة لسه عايشة…
بس في صورة حنين.
وفي يوم
كنت قاعدة على المرتبة القديمة
ضهري واجعني، ورجلي مش قادرة أحرّكها،
بطني بتشد عليا
والنفس بيطلع بالعافيه
الوجع كان طالع من تحت ضلوعي…
زي حد بيقطعني بسكينة باردة.
بس أنا ساكتة…
مش عايزة أصرّخ
أنا في بيت مش بيتي
وكل صوت ممكن يكون نهايتي
بس الوجع غلبني…
صرخة خرجت مني غصب عني
صرخة مكنتش صوت، كانت عمر بيطلع من جوّه
في نفس اللحظة…
كريم كان راجع
معاه بنت زي الي بيجبهم علي طول معاه
ضحكة عالية، ومفاتيح بتترمي على الترابيزة،
وهو بيقول:
= ادخلي جوّه… أنا جايلك
لكن قبل ما يفتح باب الأوضة…
سمع الصرخة
وقّف…
اتجمّد في مكانه
البنت سألته باستغراب:
= فيه إيه؟
ردّ وهو بيشد نفسه:
= استني لحظة كده
نزل السلم…
صوت قلبه بيدق
خطواته بتسرّع
بيفتح باب البدروم،
وهو مش مصدق عنيه.
كنت مرمية،
مبلولة عرق،
وشهي شاحب،
إيدي مسكه بطني
وعيني كلها دموع
اول ما شفته نسيت كل حاجه مش بفكر غير الوجع الي بيقتلني بالحيا بصلته برجاء ودموعي مغرقاني
= ك… كريم… بالله عليك… أنا بموت ساعدني
هو اتصدم
اتجمد
وكان هيزعق
بس سكت لما شاف حالتي
قال بصدمه
= حنين انت هنا ازاي
البنت اللي فوق سمعته بيقول اسمي
قربت
ولما شافت المنظر من فوق السلم…
شهقت وقالت:
= دي… دي عايشة هنا ازاي ؟ إنت مجنون؟
كريم لف ناحيتها وقال بعصبية:
= اطلعي برا… امشي!!
البنت جريت بسرعة ومشيت
مرعوبة، مش فاهمة حاجة
أما هو…
كان واقف متوتر، مش عارف يعمل إيه،
بس عنيه كانت بتقول إنه ضايع
قرب منها
ولأول مرة، بصلها بجد…
وشافها…
مش الشبح اللي كان بيتهرب منه
شافها… بني آدمه موجوعة…
بتولد من غير ضهر
وطى عليها
وشالها بحضنه
وهي بتبكي وبتتلوى من الوجع.
طلع بيها على طول…
دخل العربية،
وأول مرة في حياته يسوق وهو بيبص في المراية مش عشان شكله…
عشان يشوف عينيها… خايف عليها
= استحملي… استحملي بس شويه ونوصل
هي كانت بتهمس:
= "أنا خايفة…
أنا لو جرالي حاجة… حافظ على إبنك"
سكت…
بس نظرته كانت بتترعش
وصلوا المستشفى،
دخل بيها على الطوارئ،
الدكاترة خدتها بسرعة،
وهو واقف برا…
مش قادر يقعد
إيده على رأسه، ووشه بين إيديه كانه بيلوم نفسه علي كل حاجه
بعد ربع ساعة، خرج الدكتور وقاله:
= الولادة كانت صعبة جدًا…
وفي نزيف شديد حصل
وقت ما كان الدكتور بيكلمه...
خرجت وراه ممرضة…
شايلة في إيديها لفة صغيرة…
جواها كائن بيصرخ صرخة أول مرة يشوف فيها الدنيا
= مبروك… ولد
كريم وقف
اتجمد
اتسند على الحيطة
وسأل بصوت ضعيف :
= "هي… بخير؟"
الدكتور قال:
= حالياً مستقرة… النزيف وقف بعد تعب، بس محتاجة تتابع كويس
الراحة نزلت على قلبه،
بس مش كاملة…
لسه في حاجة ناقصة
بص على الممرضة…
اللي قربت منه ومدتله الولد
= تحب تشيله؟
قال وهو بيبص للبيبي:
= "أنا؟…
