رواية مأساة حنين الفصل الحادي عشر11 والثاني عشر12 بقلم أية الفرجاني
إسلام قاعد على الكرسي قدام خالد ضهره محني، وإيده على ركبته شكله مرهق، وعينيه زايغة من كتر التفكير
خالد بيحطله كباية مية قدامه وبيقوله:
خالد بقلق:
مالك؟ شكلك مش تمام خالص
إسلام بصوت واطي وتعب:
ملقتش حنين في البيت... معرفش راحت فين يا خالد.
خالد بصدمه:
إزاي يعني؟ مش كانت قاعدة مع عمتك في بيتكم؟
إسلام بياخد نفس عميق:
حصلت مشكلة... ومشيت هربت وسابت البيت
أنا كنت مأمّنها عندهم، بس...طلعوا ميستهلوش
كنت فاكرها هتفضل هناك لحد ما أرجع بس كنت غلطان حطتها مع وحوش بايدي لدرجه هربت منهم
بس وربنا ما هيفلتوا بعملتهم دي
قالها بتوعد وغضب
خالد بعدم تصديق:
طب وانت مبعتهاش ليه عند خالك في ألمانيا؟ ده أضمن من هنا بكتير اهو حتي مكنتش هتشك انو حد يكون عارفك ويعملها حاجه
إسلام بيهز راسه:
رفضت...
وكنت خايف عليها خفت تكون في خطر، كان لازم تبقى بعيد عن كل اللي أعرفهم بعيد عن أي وش ممكن يكون ورايا
ومفيش حد يعرف إني في المهمة دي ..وعمتي ست ساذجة شوية هي وعيالها، لا هيسألوا ولا هيدورا
اهو واحد سافر وخلاص
بيسكت لحظة وبعدين يكمل وهو بيعض شفايفه
بس حنين عرفت... يوم ما كنت ماشي
وقلتلها محدش يعرف... عشان حياتي ما تبقاش على المحك او حد يعملها حاجه
وأنا متأكد إنها مقلتش لحد...
بس... راحت فين؟
هي صغيرة ومتعرفش حد... راحت فين؟!
بيحط إيده على دماغه ومفيش في وشه غير حيرة وقهر
خالد بيقوم يقعد جنبه ويطبطب على ضهره:
متقلقش... أكيد بخير وهنلاقيها إن شاءالله، بس قوم... غير هدومك دي واستحمى وتعالى نتعشى ونفكر هنعمل اي
إسلام بيقوم بسرعة:
لا لا... أنا لازم أتحرك، مش هعرف أنام لازم الاقيها باي طريقه
خالد بيضحك وهو بيقف قصاده:
والله ما هتخرج من هنا قبل ما تغير هدومك وتاكل
أقسم بالله لو طلعت من الباب
لمراتي تكون طالق باتلاته
إسلام بيتفاجئ وبيضحك:
إيه ده! إيه الحلفان ده؟
متعرفيش انو حرام
وبعدين أنا مش عاوز اتقل عليك ولا على المدام... إن شاءالله مره تانية
خالد واقف وبيضحك:
مدام إيه بس؟
هو أنا اتجوزت من وراك؟!
إسلام بستغراب:
البنت اللي فتحتلي الباب... مش مراتك؟
خالد بيضحك بصوت عالي:
دي أختي يا عم!
اسمها ريم كانت بتدرس طب بره ولسه راجعة من كام شهر
يعني بالذمة هتجوز وأنا مش عازمك؟ ده إنت تيجي تشهد على كتب الكتاب بإيدك
إسلام بيبتسم لأول مرة من وقت ما رجع:
آه... تمام
بس همشي برضوا
خالد بحسم:
خلاص بقى، ريم بتحضر الأكل، وانت هتستحمى وأنا هجبلك طقم من عندي
وبكره من أول النهار، ننزل ندور على حنين سوا... مش هنسكت لحد ما نلاقيها
اسلام بيهز دماغه بيأس ويقعد
$$$$$$$$عند حنين وكريم
بعد العشا خرجوا من المطعم
كريم كان فرحان بيها، ولسانه ما بيسكتش غزل فيها،
وهي كل ما يسمعها كلمه تبتسم في هدوء
وصلوا العربيه، وكريم كان لسه هيفتح الباب ليها عشان تركب
لكن فجأه وقفت... وبصّت للشارع كأنها بتشوفه لأول مره
بصتلها باستغراب وسألها بهزار:
مش هتركبي؟
قالت وهي لسه بصّه للشارع وابتسامه صغيره على وشها:
بقالى كتير ممشتش في الشارع...
ممكن نتمشى شويه؟
كريم سكت لحظه... وبعدين ابتسم
وقفل باب العربيه وهو بيقول بحنيه:
بس كده؟! إنتِ تؤمري يا جميل
وفعلاً... مشيوا جنب بعض، خطواتهم هاديه
هو بيحكي عن نفسه وشغله وحياته
وهي ساكته... بس بتسمعه وبس
وصلوا للبيت ودخلوا وهما لسه بيضحكوا
والسلم طلعوه مع بعض، مش مستعجلين
ولا كأنهم عايزين الليله دي تخلص
عند باب الأوض، وقفوا قدام بعض...
نظره طويله هاديه
مفيهاش كلام بس مليانه حاجات كتير
حنين فتحت باب أوضتها، ودخلت بهدوء...
كريم لسه واقف مكانه بيبص لطفها بهدوء
وبعدين دخل أوضته هو كمان
وقفل الباب وراه على ليله من أجمل ليالي عمره
بعد دقايق....
كريم كان لسه بيقفل باب الأوضة بعد ما غير هدومه واستحمى جسمه دافي من المايه، وعقله دافي من ضحكة حنين اللي لسه سايبها من شوية على السلم… بيقرب من السرير وبيمد إيده للموبايل… لكن فجأة الباب بيخبط
وقف استغرب
= مين جاي دلوقتي؟
فتح الباب… لقاها
حنين واقفة قدامه بأسدال بسيط، وشها هادي وعينيها فيها لمعه …
كريم بستغراب:
في حاجه ي حنين مالك انت كويسه
حنين بابتسامة بسيطة:
الفجر قرب يأذّن… قولت نصليه مع بعض… ينفع؟
سكت بصّلها
الهدوء في ملامحها، الدعوة الطيبة دي، الحنية اللي في صوتها
حط إيده على دماغه، وتنهد
حنين باستغراب:
بتعرف تصلي ولا لا
كريم بصوت متلخبط:
آه… بعرف أصلي…
سكت لحظة وقالها وهو ناظر للأرض
بس بقالي كتير… كتير أوي مصلتش…
صراحه… خايف
حنين بابتسامة :
خايف من إيه؟
من ربنا؟
ده ربنا بيستناك…
مش بيطردك
مسكت إيده… وهو استغرب
دخلته الأوضة بهدوء، وقعدته على طرف السرير وقعدت جنبه، لسه مسكه إيده
حنين بصوت دافي:
عارف؟
النبي ﷺ قال:
"إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل"
يعني مستنيك… مش بيعاقبك ولا بيكرهك…
كريم بهمس:
بس أنا عملت حاجات كتير… مش عارف أبدأ إزاي
حنين بإصرار :
ابدأ من السجدة الجاية…
من *الله أكبر* اللي هتقولها دلوقتي
دي مش بس تكبيرة، دي بداية جديدة
لو كنت فاكر إنك بعيد
فربنا أقرب من حبل الوريد…
وبيقول: قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله
هو قالها صريحة… متقنطش
كريم بصوت متأثر:
أنا عمري ما حسّيت بالسلام ده…
حنين:
يبقى قوم… وصلي، وربنا هيكملك الباقي.
أنا هدخل أوضتي أجهز وهستناك
سابت إيده وقامت وخرجت من الأوضة وهي سايبة وراها ريحة طيبة وكلمات زي البلسم وقلب بدأ يتحرك
كريم قعد لحظة وبعدين قام بهدوء وبدأ يتوضى زي ماهو عارف
وبين كل خطوة كان بيقول جواه:
يارب… رجّعني ليك
&&&&&:::: عند اسلام
بعد ما اتعشى مع خالد…
كان حاسس بخنقة في صدره مش عارف يبلع لقمة
بس خالد فضل يهوّن عليه ويصرّ إنه يبات عنده
عشان تاني يوم يطلعوا بدري يدوروا سوا على حنين
إسلام في الأول رفض… قالّه:
مينفعش، عندي شغل و...
بس خالد قاطعه:
"شغل إيه يا عم؟! تنام وترتاح وتصحى على بهمه كده
وبعدين لو عشان ريم وكده فهيا طلعت ل ستي فوق هتنام عندها واهلي زي ما انت عارف قاعدين في السعودية
وفعلاً… بعد شد وجذب، وافق إسلام
يبات عند خالد بس النوم كان ليه رأي تاني وعقل اسلام منمش بيفكر
هيا فين!؟
عايشه ازاي!؟
لحد ما الصبح طلع
أول ما نور الشمس بدأ يطل من الشباك
خالد صحى وفطّر هو إسلام على السريع
ونزلوا
ركبوا العربيه، وإسلام قاعد ساكت
وخالد بيحاول يطمنه و يثبت له إنهم على أول الطريق:
بص يا إسلام… هنروح الأول نعمل محضر غياب ليها
بعد كده نلف على كل أقسام الشرطه والمستشفيات اللي نقدر عليها
وإن شاء الله هنلاقيها بإذن الله"
سكت شويه وبعدين سأل:
"بس قولّي… تعرفلها صاحبه أو حد قريب منها؟
يعني ممكن تكون راحتله؟
إسلام بص قدامه كأنه بيسترجع الذكريات
و قال:
حنين مكانش ليها أصحاب…
كان في بنت اسمها رحمه، بس دي راحت مع أهلها الصعيد من زمان
معتقدش إنها تكون عندها
خالد طبطب على كتفه وهو سايق العربية وقال:
متقلقش يا صاحبي…
هنلاقيها وربنا كبير
وصلوا القسم ونزلوا علي مكتب الظابط
خالد بيخبط على الباب ويفتح وإسلام داخل وراه
الظابط عماد بيرفع عينه من ورق قدامه وهو بيبتسم:
الله… خالد بيه! إيه النور ده؟! لما العسكري قال انك بره مصدقتش
خالد بضحكة خفيفة:
نورك يا باشا… عامل إيه؟
عماد وهو بيقوم يسلم عليه:
الحمدلله… اتأخرت علينا بقالك كتير مظهرتش
وبعدين بيبص لإسلام اللي واقف ساكت
عماد بنظرة فاحصة وهو بيحاول يفتكره:
حضرتك… احنا اتقابلنا قبل كده؟ وشك مش غريب
إسلام بهدوء : – ممكن… مش متأكد
خالد بيدخل في الموضوع بسرعة:
بص يا عماد، إحنا جايين في موضوع مهم أوي… صاحبي ده أخته مختفية بقالها سنة ونص، ومفيش ليها أثر ومنعرفش عنها حاجه
عمادواقف مكانه وبانت عليه الجدية:
سنة ونص؟! ده رقم كبير… كنتوا ساكتين ليه كل ده؟
إسلام بياخد نفس طويل وهو بيقعد:
أنا كنت مسافر… ولسه راجع أول حاجة عملتها نزلت أدور عليها ماعرفتش أوصل لحاجة، ومليش حد غير خالد
عماد قعد وهو بيخرج ورق:
– طب اتفضل، قولي اسمها وسنّها وآخر مرة شفتوها كانت فين؟ وعلاقتك بيها كانت إيه وقتها؟ يعني الظروف وقت ما اختفت
إسلام بصوت مبحوح:
–اسمها حنين، كانت وقتها 17 سنة،
دلوقتي اكيد بقي 18
كانت عايشة مع عمتها بعد وفاة أهلنا … أنا كنت برة مصر … الي عرفته انو ابن عمتي حاول انو يقرب منها وهيا من خوفها هربت دا كلامهم
اختفت معرفش مشيت إمتى ولا راحت فين، ولا حتى كانت لابسة إيه، ماعرفش حاجة
عماد بيهز راسه بتفهم:
مفيش أي خلافات؟ مشاكل في البيت؟ حاجة تخليها تمشي؟ غير الي قولتله ده
إسلام بيتكلم بحذر:
لسه مش متأكد، بس الظاهر إنو فعلا هو حاول يضيقها … ومفيش حد وقف جنباها عشان كده هربت
خالد مكمّل عنه:
– وأول ما إسلام رجع، وعرف جه على طول وأنا قلتله نبدأ من هنا… نعمل محضر رسمي، وننشر صورتها
عماد بجدية:
طب عندك صورة حديثة ليها؟
إسلام بيطلع صورة من جيبه، مبهدلة شوية:
دي آخر صورة ليها… مش واضحة قوي، بس دي هي الي معايا
عماد بياخد الصورة وبيبص فيها
عماد:
طيب… هنكتب محضر تغيّب، ونبلغ كل الأقسام وهنشيك على سجلات المستشفيات واحده واحده
بيبص لخالد وهو بيكتب
عماد:
خلي بالك الموضوع ده مش سهل، بس هنشتغل عليه، ولو في أي معلومة صغيرة افتكرتوها… ممكن تساعد كتير
خالد بصوت واطي لإسلام:
– متقلقش… عماد ده ما بيهزرش في شغله، هيعمل اللي يقدر عليه
إسلام بصوت مكسور:
نفسي أوصل لها… حتى لو ميتة… بس أعرف
عماد بيبص له بحزم:
لا، متقولش كده… هنرجّعها، أو على الأقل هنعرف راحت فين بس أنت ركّز معايا، وما تسيبش أي تفصيلة مهما كانت صغيرة
&&&&&&:::::::::
الهدوء مالي الأوضة حنين قاعدة على طرف السرير وبإيدها مصحف صغير… بتقرأ بصوت داخلي جنبها ابنها "محمد نايم
بتسمع خبطة هادية على الباب… الباب بيتفتح وكريم بيطل برأسه… عيونه فيها حيرة وخجل
حنين بصوت واطي وابتسامة فيها دفء:
جاهز؟
كريم بيبلع ريقه، ويبص في الأرض ويهز راسه بتوتر
كريم: اه…
يقرب منها بهدوء… يبوس محمد وهو نايموبعدين … يقعد على الكرسي المقابل لها، وسكون بيغلف اللحظة
صوت جميل بيظهر
الفجر بيأذن … الأذان صوته بيشق الهوى والسكون بتاع الليل
حنين بهمس وهي بتقوم وتمد إيدها له بمصلية:
اتفضل… قوم صلي… أنا هقف وراك
كريم بياخد المصليه بإيد بتترعش، يبص فيها ويفردها بحذر كأنه بيحط عمره كله فيها… يقوم ياخد نفس عميق، ويرفع إيده بتردد، وبعدين يكبّر
كريم وقف على المصليّة… إيده ترتجف
بس عينه ثابتة على الأرض…
مش بيبص لحد كأنه واقف قدّام ربنا فعلاً
قال بصوت واطي لكنه تقيل من جوّا:
– الله أكبر
حاسس إنها مش بس كلمة…
حاسس إنه أخيرًا اعترف:
مفيش أكبر من ربنا
لا وجعه…
ولا ذنوبه…
ولا اللي عمله
اتنقل لفاتحة الكتاب…
بس المرة دي، كل آية كانت بتخبط:
– *الحمد لله ربّ العالمين*
أنا بشكرك يا رب… مع إني معرفتش أشكرك قبل كده
مع إني بعدت، وظلمت، وضيّعت
بس قلبي بيحمدك النهارده… لإنك مخدتنيش من الدنيا وأنا غرقان
– "الرحمن الرحيم"
إنت رحيم بيا، رغم تقصيري…
ورحيم بيها لما صبرت عليا…
ورحيم بابني اللي لسه جاي …
إنت رحيم، وأنا ماليش غير رحمتك
– "مالك يوم الدين"
أنا عارف إن في حساب…
وإني جايلك يوم…
بس يا رب، أنا جيتلك دلوقتي قبل اليوم ده…
طمعان يكون رجوعي ليك توبه من الي فات وحزر من اللي جاي
– "إياك نعبد وإياك نستعين"
أنا عبدك، يا رب… حتى لو نسيت نفسي
والنهارده… أنا واقف أستعين بيك مش بعقلي، ولا بنفسي ولا بأي حد…
محتاجك إنت… تسندني
– "اهدِنا الصراط المستقيم"
وهنا دموعه نزلت بهدوء
الطلب بسيط…
بس طالع من قلب تايه بقاله سنين في حيرة
اهديني… لوحدك تقدر تهديني
أنا مش طالب دنيا… طالب بس طريقك
طريقك اللي يوصلني ليك… ويوصل قلبي للسلام
– "صراط الذين أنعمت عليهم*غير المغضوب عليهم ولا الضالين"
أنا ضلّيت، يا رب…
بس مش عايز أعيش كده تاني
أنا عايز أكون مع اللي نعمت عليهم، مش اللي غضبت عليهم.
قال "آمين"
وكأنها نَفَس طويل طالع من صدره بعد غرق طويل في بحر وهموم الدنيا
ركع وهو بيبكي…
مش بيبكي من الخوف
لكن من الراحة اللي عمره ما ذاقها
وفي السجود…
حط وشه على الأرض وقال جوّا قلبه:
"أنا كنت بعيد أوي… بس إنت ما بعدتش عني ولا لحظة"
كل سجدة كانت كأنها غُسْل…
كل تسبيحة كأنها مسح على جروح قديمة جواه
لما سلّم ما قدرش يقوم على طول…
فضل قاعد ووشه كله مبلول من الدموع …
بس لأول مرة قلبه ناشف من الذنوب مرتاح كانه اخيرا زال الهم
بص لحنين وقال بصوت خافت:
– هو ده اللي الناس بتحس بيه بعد التوبة؟
ابتسمت وهي بتشوف النور في عينه:
–لسه البداية يا كريم… ولسه ربنا عنده أكتر بكتير من كده......
✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻🌷🌷🌷🌷
لسه في وقت... ومفيش ذنب أكبر من رحمة ربنا
ارجع، حتى لو من بعيد، هتلاقيه مستنيك
قال الله تعالى:
"قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا" [الزمر: 53]
الفصل الثاني عشر12
الساعة ٧ صباحًا
خبط على الباب جامد
بيصحى مفزوع:
مين بيخبط كده؟
بيروح يفتح الباب… بيلاقي ضابط ومعاه ٢ أمناء شرطة واقفين
الضابط بهدوء وحزم:
رمزي… إنت رمزي عبدالحفيظ؟
رمزي بيتلجلج:
أه… خير ي باشا؟
الضابط:
حضرتك متهم في قضية اعتداء على قاصر وهنحتاجك تيجي معانا ومعانا إذن رسمي بتفتيش البيت واستدعاء باقي أفراد الأسرة
اللهام من جوّه بتصرخ:
في إيه؟ مين دول؟
الضابط بيدخل بعد ما بيفسحله رمزي الطريق:
حضرتك اللهام حسن؟
اللهام بتحاول تظبط طرحتها:
أيوه أنا… فيه إيه؟
الضابط:
هنحتاجك معانا في القسم… ومعانا كمان مي عبدالحفيظ
مي من جوّه بتطلع بسرعة وهي مصدومة:
أنا؟! ليه؟!
اللهام :
إحنا عملنا إيه؟
الضابط بحزم:
فيه بلاغ رسمي، وبلاغ اختفاء من سنة ونص واتهامات موجهة ليكم… اتفضلوا معانا
بيبصوا لبعض بخوف وارتباك… وبيتسحبوا واحد واحد بالعربية لحد القسم
في مكتب التحقيق قدام الظابط
اللهام كانت أول واحدة تدخل لتحقيق
الضابط بيفتح الملف قدامه:
اسمك بالكامل؟
اللهام بخوف:
اللهام حسن محمد
الضابط:
تفتكري البنت اللي كانت قاعدة عندكم او نقول بالمعني الاصح انتوا قاعدين عندها … حنين… راحت فين؟
اللهام:
معرفش والله… دي هربت من غير ما نعرف راحت فين
الضابط بيبصلها وبيضيق عيونه:
هربت؟ ليه هي كانت بتشتكي من حاجة؟ حد كان بيضايقها يعني ؟
اللهام بنفي :
لأ خالص… دي كانت زي بنتي… بتاكل وتشرب وتنام وبتخرج عادي
الضابط:
طيب… لو كانت بتخرج عادي، ليه ماعملتوش بلاغ إنها اختفت؟
اللهام بتتلجلج:
يعني… قولنا يمكن راحت عند صاحبتها… عند حد منعرفوش
الضابط يسكت ثواني… وبعدين يقول:
امم... تمام… ممكن تروحي تقعدي بره
العسكري داخل برمزي
الضابط بيفتح صفحة جديدة:
رمزي عبدالحفيظ… عندك كم سنة؟
رمزي:
25 سنة
الضابط:
إيه علاقتك بـ حنين؟
رمزي بيحاول يتماسك:
زي أختي… إحنا كنا عايشين مع بعض في البيت
الضابط:
بلغني إن فيه محاولة اعتداء حصلت منك تجاهها… تعلق؟
رمزي بيرد بسرعة:
كلام فارغ! أنا عمري ما لمستها! بالعكس… دي كانت بتتعامل معايا عادي زي الأخوات
الضابط بهدوء:
يعني بتقول إنك مكنتش بتقرب منها خالص؟
رمزي:
ولا مرة… ولا حتى فكرت
الضابط بيسجل حاجة في الورق:
تمام… استنى بره
بيدخل العسكري ب مي الي واضح انها خايفه جدا
الضابط بصوت ثابت:
مي عبدالحفيظ صح؟
مي بخوف:
أيوه…
الضابط:
إيه كانت علاقتك بـ حنين؟
مي:
كنت بحبها… والله… كنت شايفاها أختي الصغيرة
الضابط:
بس الي واصلني انها كانت دايمًا خايفة منك… وإنك مش كنتي بتحبيها هل دا صحيح؟
مي بتحاول تضحك:
لا لا… هي بس كانت منطوية كده شوية… مش اجتماعية
الضابط:
طيب… لِما إسلام كان بيرن على تليفونها… ليه كنتي بتردي عليه وتتكلمي معاه على إنك هي؟
مي تسكت لحظة:
عشان كان هيقلق… كان ممكن ييجي يتخانق أو يعمل مشاكل… قولنا نخليه يهدى… ومنقولش
الضابط:
طب ليه لما هربت مخدتش التلفون معاها؟
مي بترتباك:
م...معرفش
الضابط بصوت جامد:
يبقى أنتو كدبتوا … وخبيتوا الحقيقة… وسكّيتوا على اختفاء بنت قاصر، وكان فيه شبهة اعتداء جوّا البيت… صح؟
مي بتوشك على البكاء:
مكنّاش قصدنا…هيا الي مشيت
الظابط بيطلب من العسكري يدخل اللهام ورمزي
الثلاثة قاعدين… اللهام، رمزي، ومي… وكل واحد باصص في الأرض
الضابط بصوت حاسم:
بناءً على أقوالكم، والتضارب اللي حصل
ووجود شبهة اعتداء على قاصر، وتستر على واقعة اختفاء
وعدم الإبلاغ، وانتحال شخصية…
أنتم التلاتة متهمين
وهيتم حبسكم على ذمة التحقيق لحين استكمال الإجراءات القانونية
أمين الشرطة بيبدأ ياخدهم واحد واحد
اللهام بتصرخ:
بالله عليك يا باشا أنا غلبانة والله! ملناش دعوة بيها
معملناش حاجه
الضابط من غير ما يبصلها:
الغلبانة اللي بتسكت على الظلم بتبقي شريكة فيه…
&&&&&&_
الساعة 10 بالليل
الشقة شبه ضلمةو النور خفيف، وفيه هدوء مش مريح… الجو مكهرب، ريحة سجاير، شباب قاعدين، وكلهم باصين على إسلام اللي قاعد ساكت، باين عليه التعب والسهر وأعصابه متوترة
خالد قاعد على الكنبة، بيتكلم بصوت هادي وواضح:
النهاردة أخدناهم القسم… عمتها، وأخوها، وأختها…
كلهم أنكروا… كله كذّبوا ومتفقين كلهم ما يقولوش إنها هربت بسسببهم
إسلام راسه بين ايده صوته واطي ومتكسّر:
أنا الي سبتها في النار… وفكرتش كويس فيها
كنت فاكرها عايشة في أمان طلع اكبر خطر عليها
حسن صاحبه اللي كان قاعد على الأرض جنب الكنبة بيحط إيده على ركبته:
بصلي يا إسو… ربنا كاتبلك تشوفها تاني
وإحنا معاك… مش هنسيبك ولا ثانية
طارق واقف جنب الشباك:
إحنا لازم نتحرك بجد… نشتغل كأنها أخت كل واحد فينا
خالد بيقوم يقف قدامهم:
بصوا… لازم نوزع نفسنا
أنا وإسلام هنكمل بكره في النيابة والمحضر
بس الباقي لازم يتقسم على مستشفيات وأقسام وملاجئ
حازم بيقول وهو بيقلب موبايله:
فيه حوالي ٦ مستشفيات في الدايرة دي لوحدها…
أنا أبدأ بيهم من بدري
حسن:
وأنا هدور في دار الأيتام اللي على الطريق الزراعي…
وسألت واحد صاحبي في الهلال الأحمر هيشوف لو عندهم إيواء لبنات ضايعين
طارق:
أنا هاخد القسم اللي في المرج، واللي في شبرا وأكلم ظابط نعرفه هناك
خالد:
حلو… بس كل حد يصوّر كل حاجة يعملها…
لو حد شاف حد شبهها، يبعت فورًا…
مافيش خطوة تتحركوا بيها غير لما نبلغ بعض هبعتلكم نسخه من صوره ليها علي التلفونات
ولازم نبقي عارفين ممكن اختفاء حنين ميكونش عادي خصوصا انو في عيون كتير حوالين اسلام لمعرفة هويته الحقيقيه ودا الي لازم ناخد بالنا منه كويس
إسلام بيبص عليهم كلهم:
أنا مش عارف أقولكم إيه…بجد
حازم بيقطع كلامه:
قول لما نلاقيها تقوم تصلي بينا ركعتين شكر… غير كده ما تتكلمش
طارق يبتسم بخفة دم:
وأنا هيتبحّ صوتي في الشارع أنادي: حنييين… حنيييين، لما تزهق مني وتطلعلي من تحت الأرض
حسن يبصله:
بس اوعى واحدة ترد عليك غيرها، نروح في داهية
الكل يضحك عليه
خالد بحسم:
خلاص… الكل يجهز من دلوقتي… ننام ساعتين
ونتقابل الساعة ٦ الفجر تحت هنا
ونبدأ نتحرك في صمت
إسلام بصوت مكسور بس مليان رجاء:
يارب… بس أوصل لها في اسرع وقت
يسود صمت تاني… بس المرة دي صمت فيه نية نية صافية، ووعد ما بيتكسرش بين الصحاب
&&&&&&&_
بعد صلاة الفجر والهدوء والسكينه الي حصلت في قلب كريم بيخرج وهو مبسوط من اؤضة حنين
الساعه 8
كريم بيخرج من أوضته لابس تريننج ووشه فيه راحة غريبه … بيبص وراه وهو شايف حنين بتقفل باب أوضتها بهدوء، وبيبتسم وهو نازل المطبخ وهيا وراه
في المطبخ… سماح قاعدة على الترابيزة، بتشرب شاي، وهدى واقفة جنبها بتحضر الفطار
سماح:
صحيته بدري ليه؟ هو ناقص! مش كان قعد انهارده من الشغل
حنين بتدخل المطبخ وبترد بهدوء:
صاحي لوحده… كان بيصلى الفجر
سماح بتكتم استغرابها وبتقلب الشاي، ثم تبص لحنين من فوق لتحت
سماح:
سبحان الله… بيصلي؟! ده يوم المنى!
كريم بيدخل في اللحظة دي، بيسمع الجملة وبيقف لحظة عند الباب، وبعدين بيقرب وهو بيرد بدون نبرة غضب)
كريم:
آه… بصلي
ولو مش عاجبك ممكن تكملي شايك في أوضة تانية
هدى بتحاول تكتم ضحكتها وسماح بتقوم وهي ماسكة نفسها بالعافية وبتمشي
سماح وهي خارجة:
أنا خارجة النهاردة… عندي مشوار مهم
وهي خارجة بتبص لحنين نظرة طويلة مش مفهومة… وبتخرج
حنين بهدوء وهي بتصب شاي لكريم:
حاسه إنها بتخبّي حاجة… من إمبارح وهي بتتكلم في التليفون كتير
كريم وهو بيقعد على الترابيزة:
"ما تشغليش نفسك… أنا عارفها هتفضل طول عمرها تدور على حاجه تتحكم فيا من خلالها… بس وجودك هو اللي مخلي كل حاجة متوازنة
هدى بتبص عليهم وبعدين تخرج بهدوء… وهي ماشية بتبص على باب أوضة سماح اللي اتقفل
بعد عدة ساعات كانت سماح رجعت وكريم في الشغل
والبيت هادي
حنين قاعدة على الكنبة حاطة محمد في حضنها بتلعب في صوابعه الصغيرة وهو بيضحك وهدى كانت قاعدة على طرف الكرسي التاني بتشرب شاي وبتتابع برنامج قديم شغال على التلفزيون
سماح كانت قاعدة قصادهم… سكتة… عينيها بتتنقل ما بين محمد وحنين كل شوية بنظرات مش مفهومة مش حقد صريح، بس حاجة شبه القرف… كأنهم مش على مزاجها
رن تليفونها فجأة
سماح بصّت في التليفون ومن أول ما شافت الاسم وشها اتغير… ابتسمت، ابتسامة نادرة، لا بتتشاف منها ولا بتتصدق
ردّت:
حبيبتي… استني، جاية أفتحلك
قامت بسرعة مشيت بخفة مش متعودين عليها منها حنين بصلها باستغراب وهدى كمان، بينهم نظرة سريعة كأنهم بيسألوا بعض:
مين؟
اتفتح الباب… ودخلت بنت
في منتصف العشرينات شعرها نازل على كتفها لابسة لبس أنيق وواضح فورًا حضنت سماح بحرارة كأنهم متقبلوش من سنين
سماح وهي بتحضنها:
وحشتيني يا قلبي… نّورتي الدنيا
البنت ابتسمت و بصّت على الصالة… شافت حنين وهي قاعدة شايلة محمد وقفت لحظة، ونظرتها اتبدلت
دخلت مع سماح وهيا بترحب بيها قعدوا جنب بعض قصاد حنين وهدي وكانوا بيتهمسوا ويضحكوا
حنين نظرها اتثبت عليهم ثواني… وبعدين بصّت لهدى اللي كانت قاعدة جنبها مالت عليها شوية وهمست:
– هي مين دي؟
هدى بصّت لها رفعت كتفها بتلقائية:
معرفش والله… أول مرة أشوفها
حنين عينيها رجعت تتابع البنت اللي كانت بتبص حواليها في الشقة، كأنها بتتأمل المكان
– شكلها قريبة سماح؟
هدى ردت بصوت واطي:
واضح كده… من طريقتها معاها
حنين همست أكتر:
بس غريبة… سماح ما قالتش إنها مستنية حد دي كانت قاعدة مكشرة طول اليوم
هدى بصوت أهدى:
هي فعلاً ما قالتش حاجة… يمكن مكنتش عاوزنا نعرف
حنين رجعت تبص تاني على البنت اللي كانت بتضحك مع سماح بس ضحكتها كانت بتتحول لنظرات جانبية كل شوية… كأنها بتحلل المكان وأهله
حنين بصوت واطي جداً:
مش مرتاحة لها… مش عارفة ليه
هدى مالت عليها:
ولا أنا… بس خدي بالك منها شكلها مش سهله
حنين هزت راسها بصمت وهيا بتبص عليها
