رواية بعينيك اسيرالفصل الاول1بقلم شهد الشوري

رواية بعينيك اسير
الفصل الاول1
بقلم شهد الشوري
سفيان العزايزي :

في الثانية والثلاثين من عمره، يمتلك شركة كبيرة للحديد والصلب، يتولى إدارتها مع ابن عمه قصي بعد تخرجه، وحالياً، يساعدهما شقيقه الأصغر عمار في إدارة الشركة، متزوج من نرمين ويحبها
قصي العزايزي :
في الواحد والثلاثين من عمره، يقيم بالخارج منذ سنوات قليلة بعد أن تعرض لصدمة كبيرة في حياته، ويدير فرع الشركة بالخارج
عمار العزايزي :
في الخامسة والعشرين من عمره، تخرج من كلية التجارة منذ فترة قصيرة، شقيق سفيان الأصغر، ويعمل معهما الآن بالشركة
نرمين :
زوجة سفيان العزايزي في السابعة والعشرين من عمرها.
فريدة العزايزي :
جدة سفيان وقصي وعمار
كاميليا :
والدة سفيان وعمار
ميان رأفت القاضي :
في الرابعة والعشرين من عمرها، تدرس في كلية الطب، هي الابنة الوحيدة لوالديها بعد وفاة شقيقها الأكبر "مروان" في حادث سير وهي ابنة خالة سفيان
رأفت وعليا :
والدا ميان
همس الشريف :
في الرابعة والعشرين من عمرها، صديقة ميان منذ الطفولة. الابنة الوحيدة لوالديها، تدرس في كلية الطب
عاصم وهبة :
والدا همس
سيلين الجمال :
في الخامسة والعشرين من عمرها، هي ابنة خالة قصي، ومطلقة منذ سنوات قليلة ولم تكمل تعليمها الجامعي
لينا :
في الرابعة والعشرين من عمرها، صديقة ميان وهمس منذ الطفولة، وتدرس معهما بكلية الطب وتستعد لتولي إدارة أعمال والدها المتوفي
يزن مهران :
في الواحد والثلاثين من عمره، طبيب جراحة يدير المستشفى الخاصة بعائلته، توفيت خطيبته منذ سنوات، ومنذ ذلك الحين يرفض الزواج، يعمل في التدريس بكلية الطب أيضاً
كارم الحسيني :
في الواحد والثلاثين من عمره، يعمل ضابطاً بالشرطة، توفي والده منذ سنوات ويعيش مع والدته فاطمة، يعتبر عاصم والد همس بمثابة والده الثاني
فارس الحسيني :
في بداية الثلاثينات من عمره، ابن عم كارم، طبيب أمراض نسائية ومالك لمستشفى خاص، ومطلق منذ سنوات
هتتعرفوا على باقي الأشخاص من خلال الأحداث
بين جنبات الصمت، تتردد أصداء الندم تنفث الروح زفراتٍ ثقيلة وكأنها تُحاول دفع جبل من الأحمال عبءُ أخطاءٍ قديمة، وذكرياتٍ لا تمحوها السنين هناك على حافة سريرٍ بسيط جلست سيلين كمن يستجدي الزمن فرصة أخرى بينما قلبها يئن تحت وطأة الحنين لما كان والخوف مما سيكون كل تنهيدة تحمل في طياتها صرخة مكتومة وكل دمعة تنسكب كأنها ترجمة لعجزٍ متراكم وكأن الحياة باتت مرآةً مشروخة تعكس آمالًا مبتورة وأحلامًا مهشمة
قطع هذا الشرود الممزوج بالوجع صوت الباب وهو يفتح بعنف لتظهر والدتها سميحة والغضب متقد في عينيها قائلة بصوتٍ قاسي :
انتي قاعدة كده ليه، لا شغلة ولا مشغلة مش كفاية الكلام اللي بنسمعه من اللي يسوى واللي ما يسواش بسبب يا ست هانم
رفعت سيلين رأسها ببطء، وكأن كلمات أمها تطعنها في الصميم وقالت بصوتٍ مكسور وهي تحاول الدفاع عن نفسها:
محدش لبه عندنا حاجة يا ماما...أنا مش أول ولا آخر واحدة تتطلق!!!
لكن ردها لم يُطفئ غضبوالدتها، بل زاده اشتعالًا :
بسببك عمتك كل شوية ترمي بالكلام علينا وتقول اتجوزت سنة واتطلقت وزمان خالتك شمتانة من يوم ما رفضتي ابنها اللي مفيش بنت ترفضه كان شاريكي لكن إنتي روحتي مسكتي في واحد ضايع وصايع والنتيجة ايه طلقك وبهدلك معاه وابقى قابليني لو حد فكر يعبرك أو يجي يتقدملك تاني!
استدارت بعدها مغادرة، وأغلقت الباب بعنف كأنها تُحكم إغلاق قفصٍ يضم جراح ابنتها
أما سيلين فانهارت على نفسها كمن تلقى آخر سهم في معركة خاسرة دفنت وجهها بين كفيها خرج نحيبها كأنين موجٍ متلاطم ودموعها الساخنة تسللت كوشاحٍ ثقيل يغمر قلبها في تلك اللحظة، شعرت أن الغرفة برغم هدوئها تضيق عليها كأن الحوائط تنحني لتعكس مرارة كلمات والدتها
إذا كانت يد الأم تحمل السكين بدلًا من الحنان فمن سيلتقط شظايا الروح المنكسرة ؟
في أحد الأحياء الراقية، كان منزل اللواء "عاصم الشريف" يتلألأ بأناقته، يعكس حياة من النظام والرفاهية في إحدى الغرف التي تتميز بجمالها وأناقتها الفائقة خرجت "همس" فتاة في مقتبل العمر من غرفة الملابس بعد أن ارتدت زيها بعناية التقطت حقيبتها ثم شرعت في النزول على درجات السلم بخفة، تدندن بصوت عذب جميل.
في الطابق السفلي، كان والدها اللواء "عاصم" يجلس على رأس المائدة، بملامح صارمة تخفي خلفها دفء الأبوة على يمينه جلست والدتها "هبة" وهي تتابع إعداد الإفطار اقتربت "همس" منهما قائلة بمرح :
صباح الورد والفل والياسمين على عيونك يا عصوم واحشني والله
ابتسم عاصم بحنان ورد بنبرة تجمع بين الجدية والدعابة :
بطلي بكش، واقعدي افطري
تدخلت والدتها وقد رفعت حاجبيها بغيظ زائف:
أيوة، طبعًا، الصباح كله لأبوكي وأنا ماليش نصيب من يومك دلوعة أبوكي
التفتت "همس" إلى والدتها بنظرة ماكرة، وقالت بمشاكسة :
الحق يا عصوم الحاجة بتغير عليك مني بس عندها حق والله
انفجر عاصم ضاحكًا على جرأة ابنته ومرحها، بينما نظرت هبة إليها بنظرة تحمل مزيجًا من الغيظ والحب
تناولوا الإفطار وسط أجواء مفعمة بالمرح حتى حان وقت المغادرة ودع عاصم ابنته وزوجته، متجهًا إلى عمله مع حراسه،ط بينما استقلت همس سيارتها متوجهة إلى جامعتها حيث يبدأ اليوم الأول من عام دراسي جديد
على الجانب الآخر في منزل لا يقل جمالًا عن سابقه كانت "ميان رأفت القاضي" فتاة في مقتبل العشرينيات تخرج من غرفتها بسرعة وهي تنظر إلى ساعة يدها وفي طريقها للخروج رأت والديها يتناولان الإفطار معًا
اقتربت سريعًا وقبلت وجنتيهما، قائلة وهي تهم بالمغادرة :
آسفة....آسفة لازم أروح الجامعة اتأخرت والنهارده أول يوم
نادتها والدتها "عليا" بحنان :
يا بنتي، افطري الأول
ردت ميان بصوت عالٍ نسبيًا وهي تغادر :
هفطر في الجامعة مع همس ولينا...سلام!!
قبل أن تخرج توقفت للحظة أمام صورة كبيرة لشقيقها الراحل "مروان" كانت تحتل الجدار المقابل لباب المنزل نظرت إليها بحزن دفين وتمتمت بدعاءٍ صادق بالرحمة ثم غادرت منزلها واتجهت إلى الشقة المقابلة، حيث تسكن صديقتها جارتها وشقيقتها بالروح "لينا" منذ وفاة والد لينا قبل عامين، تولى والد ميان "رأفت القاضي" مسؤولية الاهتمام بها وبوالدتها فقد كان شريك والد لينا في إدارة سلسلة صيدليات
خرجت لينا مسرعة وركضت هي وميان معًا إلى السيارة، تتبادلان المزاح، متلهفتين للحاق بأولى المحاضرات في عام دراسي
في صباح ألمانيا البارد حيث كان هواء الصباح القارس يتسلل عبر النوافذ
يتنفس قصي على مهل كما لو أن هذا الهواء المثلج يمكن أن يطفئ نارًا لا تنطفئ في قلبه الشوارع خالية والوقت يمضي بلا رحمة مثلما يمر الألم الذي لا يغادره منذ عامين!!
كان يركض وكأن كل خطوة تقربه من مكان آخر بعيدًا عن الذكريات لكن الحقيقة أنه كان يركض هاربًا من نفسه
وصل إلى منزله أخيرًا جسده غارق في العرق كأن كل قطرة تمثل جزءًا من الألم الذي لا يفارقه أغلق الباب خلفه بعنف كمن يحاول أن يغلق كل شيء خلفه لكن هل يمكن للباب أن يغلق جروحًا داخلية لا تُرى؟
خلع ملابسه المبللة وعيناه تائهتان تبحثان عن شيء غاب منذ زمن كما لو أن جزءًا من روحه ضاع في مكان ما في وقت ما وأصبح لا يستطيع استعادته وقف أمام المرآة يتأمل نفسه في صمت يحاول أن يلم شتات نفسه المبعثر
المياه الباردة تتدفق عليه وكأنها تحاول تهدئة الجروح التي لا تُرى لكن الألم كان أكبر من أن تخففه قطرة ماء أخذ يهمس لنفسه :
انساها...انساها يا قصي!!
لكن الكلمات كانت ثقيلة تتعثر في قلبه قبل أن تصل إلى شفتيه حاول أن يقنع نفسه ولكن ماذا يفعل عندما يكون القلب أسرع من العقل؟ ماذا يفعل عندما تكون الذكريات أكثر تمسكًا به من أي شيء آخر؟
خرج من الحمام وعينيه شاحبتان جسده مرهق من الصراع الداخلي الذي لا ينتهي
في تلك اللحظة تعالى رنين هاتفه نظر إلى الشاشة كان اسم "سفيان" ابن عمه يضيء الواجهة أجاب بصوت منخفض مليء بالاشتياق والحنين :
واحشني يا ابن عمي
سأله سفيان بعتاب :
ايه يا قصي مش مكفيك كل الغربة دي واحشتنا كلنا
ضحك قصي ضحكة مريرة لكن حتى الضحكة كانت خالية من أي سعادة :
قريب إن شاء الله هرجع
سأله سفيان بلهفة :
بجد ولا بتضحك عليا
تنهد قصي قائلاً باشتياق :
بجد يا سفيان كلكم وحشتوني اوي
ضحك الآخر بسعادة قائلاً بمرح :
فريدة لو شافتك هتستلمك بهدلة بسبب الغيبة دي كلها
ضحك قصي بخفوت لكن ضحكته كانت تشبه خيوط دخان تتلاشى بسرعة في الهواء وكأنها لم تكن موجودة
أغلق قصي الهاتف وأخذ نفسًا عميقًا محاولًا طرد الذكريات التي اجتاحت ذهنه ولكنها كانت تلاحقه كظل لا يستطيع التخلص منه تلاحقه كألمٍ لا يرحم
بعد انتهاء المحاضرة الأولى جلست الفتيات الثلاثة همس، ميان، ولينا على أحد المقاعد يتبادلن الحديث والضحك
كانت لينا تقضم شطيرتها بينما تضحك على تعليق ميان :
بجد حاجة تقرف ايه الدكتور ده نفسي أعرف مين اللي سماه جميل مش لايق على اسمه خالص
ابتلعت لينا ما في فمها وقالت بمرح :
عيونه طول المحاضرة عليكي شوفتي بيبصلك بهيام ازاي
ضحكت همس وهي ترتشف المياه قائلة:
ولا يهمك شاوري بس، وأنا أخليلك وشه زي عجينة البيتزا اختك سداده
ضحكت ميان بخفوت بينما لينا علقت قائلة لهمس بمرح وسخرية :
طول عمرك راجلنا اللي بيجيب حقنا
ضحكت ميان أكثر هذه المرة بينما همس نظرت إلى لينا بعينين مليئتين بالغيظ وقالت :
اخرسي يا سحليه
كاد الاثنان أن يتشاجرا لكن ميان أوقفتهما بحزم قائلة :
اهدوا إنتوا الاتنين عندنا محاضرة دلوقتي يلا عشان منتأخرش
ذهبوا جميعًا إلى القاعة ولكن ميان توقفت للحظة وهي تخرج هاتفها الذي اهتز بيدها ليعلن عن إشعار جديد وصل من أحد الحسابات التي تتابعها على مواقع التواصل الاجتماعي
كانت الصورة تخص معذب قلبها الوحيد "سفيان" الذي طالما حلمت به وأحبته فتحتها بسرعة وبتلهف لكن سرعان تحولت لهفتها إلى ألم مرير ينهش قلبها عندما اكتشفت أنه يظهر فيها مع زوجته وهما يبتسمان والسعادة تضيء وجهيهما !!
غمرها الحزن وهي تتساءل في أعماقها لماذا نساها؟ لماذا استبدلها بتلك الأخرى؟ أليست هي من كانت جزءًا من عالمه؟ كيف استطاع أن يبتعد عنها بكل هذه السهولة وكأنها لم تكن جزءًا من قلبه يومًا؟
لكن يبدو وكأنه كان ينتظر أي سبب ليبتعد فابتعد !!
في نفس الوقت توقفت سيارة سوداء فخمة بالقرب مبنى كلية الطب وترجل منها شاب وسيم دخل المبنى بخطوات واثقة وبهيبة واضحة متجهًا إلى القاعة التي ستعقد فيها محاضرته الآن
ما إن دخل حتى انخفضت الأصوات تدريجيًا حتى عم الصمت فمالت همس على ميان وقالت بمرح وصوت خافت :
والله بعد الداخل اللي ترعب والأناقة دي كلها شكله هيطلع شاحت البدلة
كتمت ميان ضحكتها هي ولينا بينما صعد يزن المنصة معرفًا عن نفسه بهدوء وجدية :
أنا الدكتور "يزن مهران" أظن معظمكم يعرفني إن شاء الله هدرس لكم السنة دي مادة الجراحة العامة
ثم ارتدى نظارته الطبية وقال بجدية :
قبل ما نبدأ خلينا نتفق على شوية نقط عشان السنة تمشي بدون مشاكل أولاً مفيش استهتار أو تأخير المحاضرة هتبدأ في المعاد بالضبط مش هقبل أي حد يدخل بعدي مش مسموح بعدم الالتزام بالمواعيد لأن ده معناه قلة احترام وتقدير ليا....لو مفيش أي أسئلة نبدأ المحاضرة
كان الرد على كلامه الصمت فبدأ في الشرح لينال إعجاب الجميع وبعد حوالي ساعتين خرج من القاعة والجميع خلفه وكان أولهم ميان ولينا وهمس التي قالت بمرح وسخرية بعد أن خرجت من المدرج :
شكله كده شاحت البدلة والله وقال إيه يزن مهران شكله هيطلع سباك ومنتحل شخصية
نظرت إلى لينا وميان اللتين كانتا تنظران إلى شيء خلفها بحرج شديد وخوف نظرت همس للخلف فوجدت المدعو "يزن" يقف خلفها اقترب منها بخطواته الهادئة قائلاً بغضب :
واضح إنك مش محترمة ومتعرفيش يعني إيه احترام عشان تتكلمي كده مع الدكتور اللي بيدرس ليكي، لو مش عاجبك أسلوبي تقدري تقولي رأيك بكل هدوء بس مش بالطريقة دي
ابتلعت همس ريقها بتوتر وأخذت نفسًا عميقًا ثم قالت بصوت خافت ولسوء حظها سمعها يزن :
والله شكلي لبست سنة زيادة في الكلية دي
رفعت همس صوتها وقالت بتحدي رافضة الاعتراف بخطئها :
بلاش غلط يا دكتور أنا محترمة
رد يزن بسخرية وحدة قائلاً :
آه واضح جدًا الاحترام على أي حال جهزي نفسك لأنك هتلبسي سنة زيادة في الكلية زي ما قولتي ومش بعيد أزودها ليكي كمان سنتين إلا إذا اعتذرتي مني دلوقتي
ردت عليه همس بغضب :
انت بتهددني ولا إيه في قانون وأنا ممكن أشتكيك كمان انا همس عاصم الشريف بنت اللواء عاصم الشريف يعني القانون كله في صفي شكلك لسه مش عارف أنا مين يا دكتور انزل واسأل أي حد في الكلية هيقولك مين همس خصوصًا الشباب
يزن بسخرية وعيناه تشتعلان غضبًا:
ليه شكلك مقضياها معاهم بقى!!
جزت على أسنانها بغضب ثم قالت بتحدي :
لا بس عشان معظم الشباب اللي تحت إيدي علمت عليهم و ضربتهم في منهم اللي اتطاول وفي اللي قل أدبه....وفي اللي اتجرأ وهددني!!!
اشتعلت عيناه بغضب شديد وقال بحدة :
إنتي مش متربية وقسمًا بالله لو ماكنتيش بنت صدقيني كنت علمتك معنى الكلام اللي بتقوليه وربيتك على لسانك السليط ده
ثم تركها وغادر وهو يشعر بالغضب العارم كان يريد أن يلكمها في وجهها ويقطع لسانها لكنه تمالك نفسه فهو لم ولن يرفع يده على امرأة أبدًا
أما همس بعد مغادرته ركلت الأرض بقدمها بغيظ شديد قائلة بغضب :
مين دي اللي مش متربية....بارد ومستفز
قاطعتها ميان قائلة بغيظ :
طول عمرك بتحبي المشاكل وفي يوم هتودينا وتودي نفسك في داهية
ردت لينا هي الأخرى بغضب :
قال إيه هو اللي بارد ده إنتي اللي مستفزة و باردة الراجل محترم انتي اللي لسانك مسحوب منك
رددت همس بضيق :
ما خلاص بقى انتوا الاتنين اللي حصل حصل
رددتا الاثنتان في وقت واحد :
أحسن عشان تحترمي نفسك بعد كده وتلمي لسانك الطويل ده
نظرت لهم بغيظ ثم غادروا المكان متجهين لتناول الغداء في مطعم قريب كانت همس تفكر في كيفية الانتقام من ذلك الطبيب الذي أهانها رافضة الاعتراف بأنها هي من بدأت بالإهانة !
بعد يوم طويل ومرهق في العمل توقف سفيان العزايزي بسيارته أمام فيلا العزايزي الكبيرة لم يكن في مزاج يسمح له بالدخول لأنه يعلم أن جدته فريدة ستستمر في إصرارها عليه بالزواج من أخرى بسبب عدم قدرة زوجته نرمين على الإنجاب لكنه قرر التمسك بحبه لها رغم محاولات جدته المستمرة
تنهد بعمق ثم دخل للمنزل وابتسم بهدوء موجهًا حديثه لجدته التي كانت تجلس أمام شاشة التلفاز الكبيرة في غرفة المعيشة :
مساء الخير أخبارك ايه يا فريدة
ردت عليه بحنان:
كويسه يا حبيبي انت أخبارك إيه
تنهد سفيان بتعب وقال بصوت مرهق :
بخير يا حبيبتي النهارده كان الشغل كتير يوم متعب...مش قادر خالص
رددت فريدة بحنان شديد :
ربنا يقويك يا حبيبي
سألها سفيان وهو يهم بالمغادرة :
فين نرمين
اجابته بنبرة تحمل تهكمًا واضحاً :
هتكون فين يعني خرجت مع صاحباتها زي كل يوم
زفر سفيان بضيق ونبرته يغلب عليها الحيرة :
يا فريدة نفسي أفهم مابتحبيهاش ليه، انا وهي بنحب بعض ومبسوطين مع بعض ده مزعلك في ايه !!
ردت عليه فريدة بغضب :
لأنها مستهترة مش عارفة يعني إيه مسؤولية وبيت كل همها صاحباتها وما بتاخدش بالها منك وكمان مش قادرة تجيب لك ابن تفرحك بيه
تنهد سفيان قائلاً بحزن :
أنا شغال طول اليوم يا فريدة، خليها تخرج مع صحابها وتنبسط أكيد نفسيتها تعبانة عشان مش هتبقى أم وأنا مش عايز أضغط عليها بصراحة، بس أنا مبسوط معاها وبحبها ده مش كفاية عشان تحبيها
رددت فريدة بصوت خافت لم يسمعه سفيان :
زعلانة
ثم تابعت بصوت أعلى :
اللي يريحك اعمله انا خلاص فقدت الأمل منك وبعدين، خالتك عاوزة تشوفك وتطمن عليك بقالها سنين بعد ما كاميليا والدتك سافرت......
اشتعلت نيران الغضب في صدر سفيان فصاح بصوت هادئ لكنه حاسم :
فريدة أنا مش عايز أعرف أي حاجة عن كامليا أو أي حد يقربها الست دي مليش أي علاقة بيها ولو اختها سألتك عني تاني قوليلها اني اعتبرتهم كلهم اموات!!
صرخت عليه بغضب :
سفيان ما تخدش حد بذنب حد الظلم وحش...وحش اوي
رد عليها بحسم وغضب :
محدش منهم يهمني ولا عاوز أعرف حاجة عنهم مش هفضل طول عمري أغنيها اقفلوا الموضوع ده بقى خلصنا
ثم هم بالمغادرة لكنه توقف حينما نطقت فريدة بخبث :
طب وميان!!!
ارتعش قلب سفيان للحظة حين سمع الاسم الذي حمل ذكريات لم يستطع طمسها رغم السنين "ميان" أول من دق لها قلبه وأول حب عاشه لكنه سرعان ما استعاد قساوته، يُخرس أي أثر لتلك المشاعر التي ظنها زالت منذ زمن تاركًا وراءها فراغًا بلا ملامح
استدار نحو جدته بملامح جامدة ونبرة خاوية من المشاعر يسألها :
مالها؟
ردت فريدة عليه بهدوء :
مش عاوز تشوفها هي كمان
تنهد سفيان بعمق وقال بصرامة:
سبق وقولتلك أي حاجة تخص كاميليا أو أي حد من عيلتها ماتهمنيش ياريت نقفل سيرتهم خالص من فضلك
ثم أدار ظهره لها وغادر الغرفة دون أن يضيف كلمة اخرى توجه إلى غرفته وبخطوات مثقلة دخل إلى الحمام و وقف تحت المياه الباردة مغمضًا عينيه وكأنها الوسيلة الوحيدة لتهدئة العاصفة التي أثارتها ذكريات الماضي الأليمة بداخله!!!
بعد أن انتهى خرج بخطوات ثقيلة وكأن أفكاره تسبق جسده نظراته شاردة ومثقلة بتعب الأيام وكلمات لم تُقال وكأنما كان يهرب من ثقل شيء لا يستطيع تحمله
وصلت نرمين في تلك اللحظة، تقدمت نحوه بخفة، وأحاطت عنقه بذراعيها قائلة برقة :
حبيبي انا اسفة اتأخرت علي
رفع عينيه نحوها وابتسم بهدوء محاولة منه لطمأنتها أو ربما لإخفاء ما يدور بداخله قائلاً :
أنا لسه واصل
لكن صمتًا ثقيلًا مر بينهما فتنهد قليلاً قبل ان يقول برفق وكأنه يحاول اختيار كلماته بعناية :
بس ياريت تخفي خروجك شوية....مش كل يوم تخرجي مع صحابك
انعقد حاجبا نرمين وبدت نبرة الحزن واضحة في صوتها وهي تخفض عينيها وتتحدث بصعوبة :
يعني أعيش محبوسة في البيت أنا مش بلاقي حاجة أعملها فبخرج الهي نفسي مع صحابي مش كفاية إني مش قادرة أكون أم وأحققلك حلمك....حلمك اللي جدتك مش بتبطل تفكرني بيه كل لحظة وكأنه بأيدي مخلفش
اقترب منها خطوة محاولًا التخفيف عنها قائلاً برفق :
أنا مقولتلكيش تتحبسي في البيت انا بس بقولك نخليها بالمعقول شوية ولو عاوزة ممكن تقابليهم هنا بدل ما تخرجي....ومتزعليش من فريدة أنا هتكلم معاها إحنا عملنا اللي علينا وكله بإيد ربنا سبحانه وتعالى
أومأت برأسها بصمت ثم ذهبت دون أن تنطق بكلمة متجهة إلى الحمام حيث أغلقت الباب خلفها بهدوء أما هو فبدل ملابسه قبل أن يتوجه إلى غرفة شقيقه الأصغر "عمار" ليجلس معه قليلاً لعله يهرب من أفكاره ومن ذكريات الماضي التي اجتاحت ذهنه اليوم محاولًا طردها بكل ما أوتي من قوة لكن شبحها ظل يلاحقه في كل لحظة
في غرفة مجاورة لغرفة سفيان كان عمار العزايزي شقيقه الأصغر جالسًا على سريره عينيه معلقتين بشاشة هاتفه حين دق فجأة سرعان ما أجاب وهو يتعرف على هوية المتصل قائلاً بمرح :
ميمونة عاش من سمع صوتك
على الطرف الآخر من المكالمة جاءه صوتها الغاضب المملوء بالغيظ :
اخرس وبطل تقولي ميمونة
ضحك عمار قائلاً بسخرية :
بهزر معاكي يا ميمونة
ردت عليه ميان بغيظ :
تصدق أنا غلطانة اني عبرتك واتصلت بيك
اجابها بمرح :
خلاص....خلاص اهدي شوية قوليلي إيه سر المكالمة دي
أجابته برقة وبراءة زائفة :
أنا كيوت وبريئة خالص وملاك بجناحات كمان
ضحك عمار بسخرية قائلاً:
آه انتي هتقوليلي ده انا حافظك، المهم يلا قوليلي بقى عاوزة إيه
ردت عليه بمرح :
مش أنا بنت خالتك الوحيدة وملناش غير بعض
ضحك بسخرية قائلاً بفضول :
طبعًا هو أنا عندي كام ميان دي روحي وقلبي يلا ها بقى عاوزة إيه؟ الفضول هياكلني
ضحكت بدورها قائلة بجدية:
بصرف النظر عن الكدب اللي قولته ده بس أنا عاوزة أطلب منك طلب
سألها على الفور :
عنيا الاتنين
ابتسمت قبل ان تقول بمرح:
عاوزة اشوفك واطمن عليك وبصراحة كده بقى بفكر اعمل مهمة خطيرة
سألها بشقاوة :
خير ولا شر؟
ضحكت قائلة بمرح مماثل :
شر هستناك بكره في الجامعة الساعة تسعة الصبح
ردد عمار بحماس:
هترجعونا لأيام الشقاوة تاني
ابتسمت ميان بحب أخوي لطالما تعامل معها عمار بلطف واحترام على عكس سفيان شقيقه الأكبر :
سلام يا عمار
أغلقت الخط غافلة عن الشخص الذي كان يقف بالقرب يسمع كل كلمة تدور بينهما ولم يكن سوى سفيان الذي قد جاء ليطمئن على شقيقه لكن ما سمعه أشعل نار الغضب في عروقه خاصة عندما قال عمار "طبعًا هو أنا عندي كام ميان دي روحي وقلبي يلا ها بقى عاوزة إيه؟ الفضول هياكلني"
كانت الكلمات التي سمعها كالصدمات العنيفة التي تهز كيانه تملأه بالغضب خاصة حين علم أن شقيقه سيذهب للقائها في الغد
قبض يده بشدة عازمًا ألا يهدأ له بال حتى يبعد شقيقه عن شباكها وخداعها
تعليقات



<>