رواية بعينيك اسيرالفصل الرابع عشر14بقلم شهد الشوري

رواية بعينيك اسير

الفصل الرابع عشر14

بقلم شهد الشوري

ليه" نطقها رأفت بهدوء شديد وهو يحدق في سفيان بنظرات ثاقبة، جعلت الأخير يهتز من الداخل رغم ثباته الظاهري

انتظر سفيان للحظات قبل أن يجيب بثبات:
الواحد بيتجوز ليه
رد رأفت بنفس الهدوء :
في كذا سبب يخلي الواحد يقرر يتجوز، بس سؤالي ليه عايز تتجوز بنتي وأنت المفروض متجوز
رد عليه الآخر بثبات وهدوء ظاهري :
مثنى وثلاث ورباع....مراتي عندها مشاكل في الخلفة، يعني معايا رخصة شرعية أتجوز تاني، عاوز أكون أب، وليه بنتك تحديدًا، عشان برتاح ليها، وشايف إنها هتكون زوجة مناسبة ليا
ابتسم رأفت بسخرية وقال :
طب وأنا ليه أجوز بنتي لواحد متجوز، ليه أقبل بيك؟
رفع سفيان حاجبه بثقة وقال :
وليه ترفض، أنا شاب بصحتي، ومعايا فلوس تعيش بنتك ملكة طول عمرها، ومش كبير عليها في السن، وفوق كده
ابقى ابن خالتها، يعني قرايب
ضحك رأفت بسخرية أشد وهو يقول:
اول حاجة القرابة دي انتهت من زمان، وانت اللي نهيتها بإيدك، جاي دلوقتي عايز تناسب بنتي وانت كنت ومازلت بتشكك في أخلاقها، لأنها من عيلة كاميليا والدتك
فتح سفيان فمه ليرد، لكن رأفت قاطعه بنبرة صارمة :
لسه مخلصتش كلامي!!
تجمد سفيان في مكانه مضطرًا للصمت، رغم الغضب الذي يتصاعد داخله، يلعن الظروف التي أجبرته على أن يجلس هكذا، متوسلًا ومضطرًا لسماع تلك الكلمات
أكمل رأفت بصوت أكثر حدة :
بنتي هتعيش ملكة طول عمرها، بيك أو من غيرك، لو على الفلوس اللي فاكر إنها هتخليها ملكة، فبنتي عاشت ولسه عايشة في عز أبوها، يعني عينها مليانة، ويوم ما اجوزها لواحد، لازم يكون راجل شاريها بقلبه، يعيشها ملكة بحبه.....مش بفلوسه
ضاقت عينا سفيان، وسأله بضيق:
يعني ايه؟
اجابه رأفت بلهجة حاسمة:
يعني كل شيء قسمة ونصيب، وان شاء الله تلاقي نصيبك مع اللي تستاهلك، واللي تكون عايزة تعيش ملكة بفلوسك مش بحبك....واللي هي مش بنتي
نهض سفيان قائلاً بحدة:
ده آخر كلامك
رد عليه رأفت ببرود :
شرفت!!
غادر سفيان المكان، والغضب يآكل قلبه من كلمات والدها، التي شعر أنها صفعة قاسية على كرامته، أما رأفت فما أن رحل حتى ارتسمت على وجهه علامات الاشمئزاز، غير مستوعب كيف يمكن لابنته أن تحب رجل مثله، كان يشعر بالانتصار، فقد رد ولو قليلًا من كرامة ابنته التي أساء لها سفيان منذ سنوات وحتى الآن
"انت كويس" قالها قصي بقلق وهو يساند عمار، الذي كان يتقيأ بشدة، ووجهه شاحب، وقدماه بالكاد تحمله، والشعور بالدوار يغلب عليه
تمتم عمار بتعب، وهو يستند على قصي:
هرتاح شوية وهبقى كويس....الظاهر عندي برد في معدتي، أو القهوة كانت بايظة ولا حاجة
ردد قصي بقلق :
طب تعالى بالمرة نكشف، طالما إحنا في المستشفى
هز عمار رأسه بالنفي وقال بصوت مرهق :
مفيش داعي، أنا هتصل بالسواق ياخدني البيت أرتاح شوية، وهبقى أرجع أطمن على فريدة....خليك أنت معاها لحد ما سفيان يرجع
أومأ قصي، ثم حرص على أن يوصله بنفسه للسيارة، موصيًا السائق بالاعتناء به، قبل أن يعود إلى المستشفى، وعقله بقي مشغولاً بسؤالٍ واحد "هل سيقبل رأفت بسفيان" كان يتمنى من قلبه أن يرفض، فبالنسبة له، سفيان لا يستحق زوجة مثل ميان
بعد وقت عاد سفيان للمستشفى ليجد قصي يقف بمفرده قسأله عن عمار، لكن الأخير أجابه ببرود وبضع كلمات مقتضبة
لم يستطع قصي كتم سخريته وهو يرى الغضب يتصاعد من ملامح سفيان رغم محاولاته إخفاءه:
واضح أوي انه وافق
رد سفيان بغضب، محاولاً كتم انفعاله:
ورحمة أبوك، لتسكت، انا فيا اللي مكفيني، مش ناقص تلقيح كلام منك
قبل أن يحتدم النقاش أكثر، اقترب الطبيب منهما وقال بحدة، مستخدمًا نبرة الضغط عليهم كما طلبت منه فريدة :
فريدة هانم حالتها في النازل خالص، والأدوية مش نافعة معاها، مهما حاولنا، لو خسرنا المريضة، فأنتم السبب وهتتحملوا المسئولية كاملة
اشتعل غضب سفيان، وأفرغ انفعاله في الطبيب:
ما خلاص عرفنا إنها في خطر، هنتصرف....احنا من غير حاجة على أعصابنا، مش ناقصين تقلق فينا اكتر، انا هدخل اشوفها
تراجع الطبيب قليلاً بضيق، لكن ملامحه أظهرت بعض التوتر وهو يقول :
مش هينفع.....ممنوع حد يدخل المريضة دلوقتي
ردد سفيان بحدة، وقد بدا مصممًا :
هما خمس دقايق، مش أكتر، اتصرف
بعد لحظة من التردد، قال الطبيب بضيق :
تمام، بس خمس دقايق مش أكتر، جهز نفسك!!
بعد دقائق، كان سفيان جالسًا بجوار فريدة، التي لعبت دور المريضة ببراعة، كانت ملامحها مرهقة وعيناها نصف مغلقة، بينما هو قال بغضب :
روحتله يا فريدة، ورفض، أبوها مش موافق، حتى هي قالتلك مش موافقة، بلاش عناد ومساومة....يا اتجوزيها، يا تسيبي نفسك من غير علاج ولا دوا
فتحت فريدة عينيها بصعوبة، وردت بصوت ضعيف متعب :
كلم رأفت....خليه يجيلي!!
زفر سفيان بضيق وغيظ.ثم قال:
يا فريدة.....
قطع صوته وهو ينظر إليها بتوتر، متسائلًا إلى أين يمكن أن تقوده هذه المواجهة
خرج عمار من غرفة الاجتماعات بعد ساعة ونصف قضاها في العمل بدلاً من الراحة كما قال لقصي، جاءت إليه مكالمة مهمة تخص العمل، ومع غياب قصي وسفيان، اضطر للحضور رغم أنه بالكاد يستطيع الوقوف على قدميه، وعيناه تكادان تُغلقان من شدة التعب
ألقى بجسده على الأريكة الجلدية، مغمضًا عينيه بتعب شديد، حتى شعر بأحدهم يفتح باب الغرفة، وكانت وقد كانت لينا التي تقدمت نحوه بقلق واضح وهي تقول:
مش بترد على تليفونك ليه يا عمار، انا بقالي كتير بكلمك ومفيش رد، اتصلت بميان عشان أطمن عليك، وهي كلمت قصي تسأله عنك وعرفت إنك تعبان، مالك، حاسس بإيه؟
تمتم عمار بصوت خفيض متعب:
تعبان يا لينا
ردت عليه بقلق شديد :
تعبان، حاسس بإيه، تعالى نروح للدكتور
فتح عينيه بصعوبة ورد بخمول، وهو يتحسس معدته:
محتاج أرتاح بس....الظاهر القهوة اللي شربتها امبارح كانت بايظة، من ساعة ما شربتها ومعدتي وجعاني
رددت بضيق :
طب نكشف....هيحصل حاجة لو كشفت واطمنت؟
رد عليها بتعب :
حصلتلي قبل كده، ولما خدت علاج اتحسنت، خدت علاج دلوقتي، بس لسه مفعوله مشتغلش
أومأت له برأسها وقالت بإصرار :
طب تعالى أوصلك البيت عشان ترتاح
ابتسم عمار بخفوت وقال :
السواق معايا، متتعبيش نفسك
تنهدت لينا قائلة بتصميم :
يا سيدي، أنا عايزة أتعب نفسي، يلا هوصلك، حالتك متطمنش وشك لونه مخطوف، ولازم ترتاح، كمان هعملك
زنجبيل ينضف معدتك
استسلم عمار لكلماتها وأومأ بالموافقة، لكنه تفاجأ بمجرد دخولهما المنزل بسفيان يخرج من إحدى الغرف يحمل بيده أدوية تخص فريدة طلبها الطبيب
سأل سفيان لينا مباشرة، وهو ينظر إليها بغضب:
انتي بتعملي إيه هنا معاه
لكن عمار تجاهل سؤاله وسأل باهتمام:
حصل إيه، جوز خالتك وافق
تجاهل سفيان سؤال عمار، ووجه نظره للينا بغضب ممزوج بالتهكم والاحتقار، قائلاً :
انتي بتعملي ايه هنا لوحدك معاه؟
سألته لينا بحدة :
بتبصلي كده ليه
رد عليها سفيان بتهكم :
والله أي حد مكاني هيشوفك معاه في بيت لوحدكم هيقول نفس الكلام، داخلة مع شاب في بيت ولوحدكم، بتعملوا ايه
تدخل عمار بحزم، قائلاً بحدة :
سفيان، أنا ما اسمحلكش تتكلم معها بالطريقة دي، لينا هتبقى مراتي، يعني زي ما بتحترمني تحترمها
نظر سفيان لعمار بصدمة واستنكار وقال :
مراتك مين؟!
ثم ألقى نظرة مشمئزة على لينا من أعلى إلى أسفل وقال بسخرية لاذعة :
يعني يوم ما تفكر تتجوز، تختار دي، لا يا زين ما اخترت يا اخويا !!!
ردد عمار بحدة :
سفيان
ردت عليه لينا تلك المرة بغضب :
كلمني كويس، وبلاش البصة دي، انا بعرف بردو اعمل زيك واقول كلام زي الطوب
صرخ عليها عمار بحدة :
لينا
ردد سفيان بسخرية :
مش بقولك يا زين ما اخترت
جز عمار على اسنانه قائلاً بحدة :
سفيان كفاية لحد كده، لأخر مرة هقولك تحترمها دي هتكون مراتي واللي يقلل منها كأنه بيقلل مني، وزي ما انت مش بتقبل كلمة على مراتك اللي انا عمري ما اتجاوزت حدودي في كلامي عليها، تحترم انت كمان لينا
لكن سفيان استمر بنفس النبرة الغاضبة وقال :
أنا مش موافق، مين دي اللي تبقى مراتك فوق انت مش شايف بترد على اخوك ازاي وقبلت انها تدخل معاك البيت وانت لوحدك، ده كفاية انها صاحبة ميان عشان تقلق منها، زي ما بيقولوا الطيور على اشكالها تقع
نفد صبر لينا لترد عليه بغضب شديد :
جرى ايه يا جدع إنت، محدش مالي عينك ولا إيه، طايح في الكل، ميان وحشة، وسيلين وحشة، وأنا مش عجباك، وان شالله عني ما عجبتك، إنما تبصلي كده وتقلل مني وفاكرني هسكتلك لا ده أنا أحط صوابعي الاتنين في عينك، وأرد ليك الكلمة بعشرة، والنظرة بنظرة
ثم تابعت باشمئزاز، غير منتبهة لنظرات عمار الحادة التي كانت تحذرها بالصمت :
اللي زيك اصلا مينفعش معاهم الادب، وبصراحة بقى لو فيه واحد في عمار فهو انك اخوه
زاد غضب سفيان وقال بتهكم :
التربية واضحة فعلاً
ردت لينا بسخرية مماثلة :
من بعض ما عندكم، تربيتك انت كمان واضحة، وعلى رأي المثل اللي بيته من ازاز.....
قاطعها سفيان بغضب :
لمي لسانك يا بت انتي
تدخل عمار بغضب أكبر، وأمر سفيان بحدة :
امشي يا سفيان!!
غادر سفيان بغضب كبير، وبعدها التفت عمار إلى لينا قائلاً بحدة :
امشي انتي كمان!!!
نظرت إليه لينا بصدمة وقالت :
عمار
صرخ بغضب، وقد نفد صبره تمامًا :
بلا عمار، بلا زفت، دلوقتي افتكرتي عمار، اتجاهلتي وجودي ورديتي من نفسك، وكأن ما فيش راجل واقف جنبك
ردت عليه بضيق :
هو اللي بدأ بالغلط
صرخ عليها بحزم :
كان لازم تسكتي، كنتي شوفي أنا هرد حقك إزاي، لكن باللي عملتيه، قللتي مني وركبتي نفسك الغلط
ثم أمسك بيدها برفق وأخرجها من المنزل دون كلمة أخرى، بعدها عاد وأغلق الباب خلفه، ملقيًا بجسده على أقرب أريكة، مغمضًا عينيه بتعب شديد يشعر بغرابة من الخمول الذي يغمر جسده!!
ترددت ميان كثيرًا في إخبار والدها بشرط فريدة وما طلبته منها، لقظ اعتادت ألا تخفي عنه شيئًا، لكن مؤخرًا ابتعدت عنه بشكل ملحوظ، وصارت هناك أمور كثيرة تحدث دون علمه، حسما امرها ستخبره لكن قبل أن تذهب إليه، تفاجأت به يدخل غرفتها من الباب المفتوح، فبادرت قائلة بحزن :
بابا، في حاجات كتير اوي حصلت معايا ولازم تعرفها
جلس رأفت بهدوء، منصتًا لها بصمت وهي تحكي كل ما حدث معها، وما ان انتهت، لم تجد منه سوى الصمت المطبق، فنادت عليه بخوف وترقب :
بابا
سألها بهدوء أثار قلقها :
والمطلوب مني ايه بعد اللي قولتيه؟
ردت عليه ميان بحزن:
فريدة بتقولي انه محتاجني
تنهد مرددًا بحدة :
سفيان مش محتاجلك، طول عمره بايعك، اشتري نفسك مرة يا بنتي، وبطلي تجري وراه، طول ما هو شايفك بتجري وراه كده، هيدوس عليكي اكتر
اخفضت رأسها وقالت بصوت متحشرج :
خدعوه وخلوه يكرهني
نظر إليها رأفت بغضب مكبوت ورد بنبرة حازمة :
كل واحد عنده عقل يقدر يميز بيه الصح من الغلط، وهو كان مستعد للكره من البداية، بعد عن الكل، وأولهم انتي، كأنه مستني فرصة يبع
رددت ميان بحزن مشوب بالألم :
بس هو ابن خالتي في الأول والآخر
رد عليها بتهكم مرير :
ياريته كان راعى صلة القرابة دي، سفيان وكاميليا نسخة واحدة، بيدوسوا على الكل من غير رحمة
ثم تابع بنبرة صارمة :
لو انتي مستغنية عن نفسك وعايزة ترميها في النار، أنا مش مستغني عنك، ومش هسلمك لسفيان في يوم من الأيام، كرامتك فوق كل شيء، ولو مش فارقة معاكي، هي فارقة معايا، اللي ياخدك لازم يشيلك فوق راسه ويحطك جوه عينه، ويشوفك غالية دايمًا، لكن سفيان لا....لأنه شايفك أقل منه وكارهك ومش شاريكي
دمعت عينا ميان وهي تقول بصوت متهدج:
انا تعبانة يا بابا، كنت خلاص قررت أطلعه من دماغي وأكمل حياتي من غيره، بس بعد كلام فريدة في المستشفى رجعت أفكر فيه تاني، رجعت أحط مبررات لحبه، أنا مش عارفة أنساه، ابعدني عنه يا بابا، انا بكرهه عشان اللي بيعمله فيا، وبكره نفسي عشان بحبه وهو ميستاهلش
جذبها رأفت إلى حضنه، يشعر بالعجز أمام ألمها الذي عجز عن مداواته، تمتم بدعاء بداخله :
الله يرحمك يا بني، ويهديكي يا ميان ويصلح حالك
دخل يزن من باب الفيلا بعد يوم عمل شاق كالعادة، ليجد والدته تقف بوجهه قائلة بحماس :
يزن
رد عليها بابتسامة مرهقة :
نعم يا أمي
جذبته ليجلس بجانبها وقالت بلهفة :
إيه رأيك في همس؟
سألها بمراوغة وكأنه لا يفهم مقصدها :
همس مين؟
زمت شفتيها بضيق وردت :
همس بنت اللوا عاصم صاحب أبوك، عسولة ومؤدبة وتدخل القلب علطول....وزي القمر
سألها بجدية، وقد فهم مقصدها :
رأيي فيها من أي ناحية؟
أخذت نفسًا عميقًا ثم قالت بصراحة :
رأيك فيها كواحد داخل على التلاتين ولسه مفتحتش بيت لحد دلوقتي، رأيك فيها كزوجة ليك!
وقف يزن محاولًا إنهاء الحوار قائلاً باقتضاب:
مش عايز أتجوز
صرخت عليه بغضب :
هتتجوز، ورجلك فوق رقبتك، انا مش هفضل ساكتة على حالك ده كتير، اللي قدك مخلفين بدل العيل اتنين، وبيفرحوا أهلهم، وانت مش عايز تفرح قلبي ولا عايز تعيش حياتك، افهم بقى إن الحياة مش بتقف عند حد
زفر يزن بضيق وألم، وردد للمرة الألف:
بس عندي وقفت، حسي بيا بقى شوية، ليه مش قادرة تفهمي إني مش قادر.....مش قادر أنساها
ربتت على كتفه بحنان وقالت:
محدش قالك انساها، يا بني، بس عيش، متوقفش حياتك، يمكن لما تقرب من همس وتشيل الحواجز اللي حاططها حواليك، تحبها وتشوفها زوجة، والله البنت لسانها حلو وأهلها محترمين....ادي لنفسك فرصة وافتح قلبك يا حبيبي
تدخلت ياسمين، شقيقته، التي كانت تستمع للحوار من البداية :
ماما معاها حق يا يزن، محدش قالك انساها، بس حاول تتأقلم، الذكريات اللي انت عايش عليها دي مش هتسندك في يوم من الأيام لما تكون لوحدك معندكش بنت او ولد تتسند عليهم، ولا هتنفعك لما تنام وتصحى لوحدك وتكون وحيد، بابا وماما بعد الشر يعني وبعد عمر طويل ان شاء الله مش عايشين ليك ولا انا باقية ليك ولو قعدك معاك هقعد يوم او اتنين لكن في النهاية هرجع لبيتي وابني
ثم أكملت بحنان وهي تراه مترددًا :
صدقني، حتى بسمة لو كانت موجودة، مكنش هيرضيها تشوفك كده، اللي بيحب بيتمنى الأفضل لحبيبه، فكر في كلامي يا يزن وخليك متأكد ان اللي بقوله هو الصح ليك
قالتها وغادرت، تاركة إياه غارقًا في حيرته، هل يختار الماضي أم يعيش الحاضر ؟
جلس كارم خلف مكتبه، عيناه زائغتان تتأملان اللاشيء، الحزن يكسو ملامحه، شعور الوحدة يثقل قلبه كلما تذكر آخر حديث دار بينه وبين همس، رغم محاولاته للتقرب منها، ظلت المسافة بينهما كالهاوية، زفر طويلًا، ثم ارتسمت على وجهه ابتسامة حنين وهو يستدعي ذكرى لقائهما الأول
في أحد الأيام، عندما خرج من مكتبه حاملًا ملفًا هامًا، يحتوي على تفاصيل مهمة تتطلب نقاشًا عاجلًا مع اللواء عاصم، كان المكتب يبدو فارغًا بشكل غريب، لا أثر للعسكري الذي يفترض أن يكون واقفًا بالخارج، دفعه حدسه العسكري ليصبح أكثر يقظة، خاصة مع سماعه أصواتًا خافتة صادرة من داخل المكتب
توقف لحظة قبل أن يفتح الباب ويده على سلاحه، صائحًا بقوة :
اثبت مكانك!
لكن كلماته تقطعت عندما وقعت عيناه على فتاة أقل ما يقال عنها انها فاتنة، تقف متلبسة تبحث بين أدراج المكتب، تأملها كالمسحور ترتدي فستانًا أخضر بسيطًا لاق بها كثيرًا ووجهها مزيج من الجمال الطفولي والأنوثة الهادئة، تلك البشرة البيضاء والعينان الزرقاوان العميقتان جعلت عقله يتوقف عن التفكير لوهلة حتى قطع شروده صوتها الغاضب :
بترفع السلاح على مين يا بني آدم
كان صوتها صدمة أخرى له، حادًا وقويًا، يتعارض تمامًا مع مظهرها الرقيق فتمتم داخله بزهول :
ياريتك ما اتكلمتي
كبح مشاعره المتناقضة واستعاد جديته سريعًا، مشيرًا نحوها بالسلاح :
سيبي الملف اللي في ايدك ده، وقولي بتعملي إيه هنا، وتبع مين؟
صرخت عليه بغضب :
ملف ايه وبتاع ايه، انت ازاي تدخل كده وتتكلم معايا بالأسلوب ده
اقترب منها بغضب، ممسكًا بذراعها قائلاً بحزم :
هعرف دلوقتي انتي مين
حاولت أن تفلت نفسها وهي تصرخ بغضب:
سيبني، ازاي تمسك إيدي بالشكل ده
في تلك اللحظة، دخل اللواء عاصم وهو يقول بدهشة :
ايه اللي بيحصل هنا؟
توجهت الفتاة نحوه سريعًا، وقد بدا الغضب واضحًا في عينيها :
بابا، شوف البتاع ده بيقول عليا حرامية ومسك إيدي بهمجية ازاي
تراجع كارم قليلًا وهو ينظر لها وللواء عاصم بدهشة :
بابا !!!
ضحك عاصم قائلاً :
ايوه أبوها يا كارم، دي همس بنتي، ليك حق متعرفهاش، آخر مرة شوفتوا بعض كانت في ابتدائي
حدقت همس في كارم بضيق وقالت بسخرية:
يعني أنا أعرف ده ؟
بدا على كارم الارتباك، فقال معتذرًا :
انا آسف، افتكرتها بتسرق حاجة لما لقيتها بتقلب في الأدراج، والعسكري كمان مش موجود
ردت عليه همس بحدة :
هو فيه حد عاقل يسرق في عز الضهر قدام العساكر، والكاميرات بوشه كده عادي، وكمان يسيب الباب مفتوح عليه
ثم سألته بسخرية :
انت متأكد انك ظابط!!
رد عليها بنفس السخرية قائلاً :
وانتي متأكدة ان اسمك همس....اصله مش لايق خالص مع طريقتك دي
ركلت همس الأرض بقدميها بغيظ ثم غادرت المكتب بعد ان قالت لوالدها بضيق :
بابا انا لقيت الكارت خلاص واخدت
استمع لتلك السبة اللي خرجت من بين شفتيها بخفوت :
قليل الذوق
نظر لها كارم بغضب مكبوت وقال لوالدها :
بعد اذنك يا فندم، هروح اعتذر منها تاني شكلها لسه زعلانة
أومأ له عاصم قائلاً :
روح يا كارم
تبعها كارم إلى الخارج قائلاً :
استني
استدارت نحوه قائلة بغيظ :
عايز إيه تاني
ابتسم كارم بمرح وقال:
اتقمصتي ليه،.مش انتي اللي ابتديتي بالغلط، المفروض انا اللي ازعل مش انتي
جزت على أسنانها بغيظ، وردت عليه:
تزعل لو مخدتش حقك، لكن انت قومت بالواجب، وكلمتني بقلة ذوق كمان
ابتسم قائلاً بهدوء :
وانتي كمان كلمتيني بنفس الطريقة، يبقى كده خالصين، خدتي حقك، وأنا خدت حقي....يبقى ايه
سألته بضيق :
ايه
رد عليها بمرح :
صافي يا لبن
قالها وهو يمد يده ليصافحها، فنظرت إليه للحظات، قبل أن تصافحه قائلة بابتسامة صغيرة ومرح مماثل :
حليب يا قشطة
ضحك بنفس روحه المرحة وقال :
يلا، هعزمك على آيس كريم شوكولاتة ومنجا،.كنتي كل ما تيجي عندنا تفضلي تزني عليه، وتاكلي بتاعك وبتاعي كمان
احمر وجهها بحرج، وقالت متلعثمة :
مش فاكرة الصراحة، بس مستحيل أصدق، أنا مؤدبة، ومعملش كده أبدًا
ضحك بسخرية خفيفة وقال:
آه، مؤدبة جدًا طبعًا
نظرت إليه بطرف عينها وردت بتحذير:
بتقول حاجة
اتسعت ابتسامته وهو يجيب :
بقول طول عمرك مؤدبة، وهو أنا أقدر أقول غير كده
ضحكت بخفوت، كانت ضحكتها ناعمة، دافئة، ابتسم كارم، وقد علق في أعماقها دون إرادة منه، كأن ضحكتها كانت مفتاحًا فتح داخله أبوابًا لم يكن يعلم بوجودها
استعاد تلك اللحظة بتفاصيلها، وكأنها محفورة في ذاكرته إلى الأبد، كيف تحولت لحظة عابرة في عينيه إلى عشقٍ عميق، وكيف لتلك الضحكة البسيطة أن تفتح أمامه أبواب قلبه الذي كان يظن أنه مغلق إلى الأبد؟
في عينيه، لم يكن الحب مجرد مشاعر طائشة أو لحظات سريعة، بل شيئًا يتسلل بهدوء إلى أعماقه، يترك أثرًا عميقًا في كل لمسة، كل نظرة، وكل كلمة، تلك اللحظة البسيطة بينهما كانت كفيلة بأن تُشعل عشقًا عميقًا في قلبه، عشقًا يظل صامتًا لكنه أقوى من أي صخب أو إعلان
حين صافحها وضحكت، تغير كل شيء في قلبه، لم تكن تلك اللحظة مجرد ذكرى جميلة، بل إعلانًا صامتًا بأن حياته لم تعد ملكه، بل أصبحت ملكًا لها
كان يعلم أنه مهما ابتعد، سيظل يعود إليها، لأنها لم تكن مجرد فتاة، كانت كيانًا يسكنه، كانت وطنًا لا يعرف الغربة فيه، كانت قدره الذي لا مفر منه
حين أحبها، لم يكن الحب اختيارًا، بل كان أشبه بتيار جارف، لا يسألك إن كنت مستعدًا، بل يأخذك معه دون مقاومة
وكانت هي، بكل بساطتها، عاصفة قلبه التي أزاحت عنه كل يقيناته السابقة، لقد أصبحت له حلمًا، نجاةً، وسرًا لا يُفصح عنه إلا لقلبه وحده
"الف سلامة عليكي يا فريدة'
قالها رأفت، الذي لبى طلبها وجاء لزيارتها
ردت فريدة عليه بصوت خفيض متعب:
الله يسلمك.....ليه رفضت سفيان يا رأفت
تنهد وقال ما جعل سفيان الذي يقف خلفه بجانب قصي يشتعل غيظًا :
العقل بيقول إنه مش مناسب لبنتي من كل النواحي، وأنا كأب من واجبي اعمل اللي في صالحها
ردت عليه فريدة بتعب :
هي بس اللي ليها الحق في الرفض أو القبول
رد عليها رأفت بصرامة :
ميان رفضت، واتأكدي يا فريدة، حتى لو وافقت، أنا رافض مستحيل الجوازة دي تتم، بنتي هتكون لراجل يحترمها ويصونها، وتكون الأولى في حياته، اسلمها ليه وانا مطمن عليها
رددن فريدة برجاء:
بنتك هتكون أمانة عندي يا رأفتؤ وعد مني، مفيش شعرة منها هتتأذي
رد عليها رأفت بضيق :
جوازها من حفيدك أكبر أذى
رد عليه سفيان تلك المرة بغضب ونفاذ صبر من تقليله من شأنه رغم أنه حقًا لا يريد تلك الزيجة، لكن رفض الآخر كان صدمة له فقد ظن أنه سيقبل به على الفور، كذلك ميان التي صدمته برفضها :
ليه حد قالك إني أقل منها، أنا متجوز قبلها وعمرها ما اشتكت، أبويا عاش عمره كله يحب في اخت مراتك، وفي الآخر عملت فيه إيه، وأنا زيه، بس يارب العرق مايكونش دساس، واللي عملته كاميليا، ما تعملهوش بنتك
ردد رأفت بتهكم :
ياريتك انت الأول تكون زي أبوك الله يرحمه، وما تاخدش من الست الوالدة يا بن كاميليا، ولو على بنتي، مليون واحد يتمنوها، وانتوا منهم لدرجة إنكم قاعدين تتحايلوا عليا عشان اوافق أجوزها ليك
تمتم سفيان بداخله بغيظ وغل:
لولا اللي فريدة فيه مكنتش استحملتك
توسلته فريدة قائلة بحزن :
رأفت، أبوس إيدك توافق، حتى اكتب كتابهم بس
رد عليها رأفت برفض:
مستحيل اللي بتقوليه ده يا فريدة، بنتي الوحيدة هي اللي هتكون متضررة من الجوازة دي، وزي ما أنتي خايفة على حفيدك، أنا كمان خايف على بنتي، انا مش لاقيها في الشارع
تنهدت فريدة قائلة بتعب :
سيبونا لوحدنا
غادر سفيان وقصي الذي كان يستمع للحديث بصمت، وهو معجب بإصرار رأفت على الرفض، فلو كان بمكانه لما ائتمن ابنته على رجل مثل سفيان
رددت فريدة برجاء :
رأفت، أنا متأكدة إنك عارف كل حاجة من ميان، سفيان حفيدي، وقلبي واجعني على حاله، هو معمي، مراته عملاله غسيل مخ، ومحدش هيقدر يقفلها غير ميان.،.سفيان حاله مش هيتصلح غير لما يتجوزها، عقله تلقائي هيبدأ يقارن بين تصرفات نرمين وميان
رد عليها رأفت بحدة :
بنتي ما تتقارنش بحد، ولو اللي عايزها للحظة قارنها بغيرها، يبقى مايلزمنيش، وفوق كل ده آسف على اللي هقوله بس بنتي مش علاج للي أنتم فشلتم فيه، واللي هو تربيتكم الغلط ليه
تنهد متابعًا بصدق :
صدقيني يا فريدة، لو ده سفيان بتاع زمان، اللي كان في كل لحظة بيبين قد إيه هو شاري بنتي، كنت سلمتها ليه وأنا مغمض، لكن حفيدك دلوقتي مش شاريها، واختار غيرها، وإنتي بتفرضيها عليه، وأنا بنتي مش معيوبة ولا لاقيها في الشارع عشان أسلمها لواحد مش عايزها و شايفها أقل منه
رددت فريدة بدموع وصوت خفيض :
رأفت، خليني أموت وأنا مطمئنة على سفيان، طول ما هي جنبه، أنا هرتاح
زفر رأفت بضيق منها ومن انانيتها وقال :
يعني أنتي تطمني على حفيدك، وأنا أعيش قلقان طول عمري على بنتي
ردت عليه فريدة بدموع وحزن :
الموت عندي أهون من أني أعيش وأشوف حفيدي لعبة في إيد نرمين، وحياته بتدمر كده، والتانية مستغفلاه، ميان هتعرف تتصرف وتكشفها على حقيقتها، لكن ده كله مش هيحصل إلا لما تدخل للفيلا بصفة..... تكون مراته
وقف رأفت قائلاً بصرامة :
بتضحي ببنتي عشان خاطر حفيدك، وأنا بنتي مش كبش فداء، واللي عندي قولته خلاص يا فريدة
ثم تابع بحزن :
بعد اللي قولتيه، يبقى ليا الحق أخاف على بنتي منك أنتي كمان، لأن الواضح إنك بتستغلي حبها لسفيان غلط، بتأثري عليها بحجة إنها بتحبه عشان تنفذي اللي في دماغك وتحمي حفيدك، وبنتي انا في داهية
تنهد متابعًا بضيق :
بتثبتيلي اني معايا حق في قراري، واني لو مشوفتش مصلحة بنتي في كل اللي انتي بتقوليه ده، انتي عمرك ما هتشوفيها ولا هتفكري فيها لأن ببساطة انتي كل اللي يهمك حفيدك وانا كمان يهمني بنتي عشان كده هبعدها عنكم على قد ما اقدر
دخلت ميان التي جاءت لتطمئن عليها برفقة لينا، لتتفاجأ بوجود والدها فسألته بدهشة :
بابا، انت بتعمل إيه هنا؟
دخل الجميع للغرفة عدا عمار ولينا، ليقول رأفت بجدية :
كنت بزور فريدة وكويس إنك جيتي، قدامهم كلهم بسألك يا ميان قابلة تتجوزي سفيان وتقبلي بالوضع ده، هتأمني على نفسك معاه، هتأمني إنه يصون قلبك ويحافظ عليكي ويراعي ربنا فيك
صمتت ميان، تنظر لسفيان بخزي، ليسألها رأفت مرة أخرى تحت نظرات الرجاء من فريدة :
موافقة عليه يا ميان
ليأتي ردها الصادم لسفيان :
لأ يا بابا !!
رأفت بابتسامة فخورة :
الرد وصلكم، بنتي مش قابلة، ولا أنا قابل، يبقى الموضوع خلص، ويستحسن يا فريدة تاخدي علاجك، لأنك انتي الخسرانة
ما إن خرج من الغرفة، سمع صراخ عمار باسمها، تزامنًا مع دخول الطبيب قائلاً بحدة :
الكل يطلع بره !
خارج الغرقة قبل قليل وقفت لينا أمام عمار، الذي بالكاد ارتاح لساعتين قبل أن يعود إلى المستشفى، لبتفاجأ بوجودها مع ميان، وبادرت قائلة له باعتذار :
انا آسفة يا عمار، بس هو استفزني أوي الصراحة
أطلق عمار زفرة ضيق، وأجابها بصرامة واضحة :
بصي يا بنت الناس، كلمتين ومش هكررهم تاني، طول ما انتي معايا، لو حد غلط فيكي، تقفي ساكتة، وأنا هجيبلك حقك سواء في لحظتها أو بعدين، إنما تغلطي وتطولي لسانك كده بتقللي مني وبتضيعي حقي في اني أتدخل وأدافع عنك
ثم تنهد، متابعًا بحدة :
ابقي اعملي اللي انتي عايزاه في حالة واحدة بس، لو أنا معرفتش أجيبلك حقك، وده طبعًا عمره ما هيحصل
أومأت له، قائلة بخفوت :
حاضر
لحظة، ثم خرج الجميع، وحالة من الهرج سادت الأجواء بينما كان عمار يحاول معرفة ما حدث داخل الغرفة، سيطر القلق على قلوب الجميع عندما علموا بتدهور حالة فريدة بسبب رفضها تناول الدواء، ورفضها لكافة طرق العلاج التي اقترحها الطبيب، بل كان الأطباء يحذرون من خطر كبير على حياتها
شعرت ميان بالخوف الشديد والحزن على فريدة، التي قد تموت بسبب تعنتها، فتنفست بصعوبة وأصابها الهلع رددت بصوت أقرب إلى الصراخ :
ابعت هات المأذون بسرعة !!
صرخ عليها رأفت بحدة وصدمة :
ميان!!!
نظرت لوالدها بحيرة وعجز، والدموع تنهمر من عينيها :
هتموت بسببي يا بابا، كتب كتاب بس لحد ما فريدة تاخد علاجها وتقوم بالسلامة، وبعدها هطلق منه
نظر إليها رأفت بخذلان، بينما سفيان ابتسم بتشفي، رغم الموقف العصيب الذي يمر به، ورغم أنه لم يكن يرغب في الزواج منها، إلا أن تراجعها عن قرارها أعاد له بعضًا من كبريائه الذي سحقته هي ووالدها برفضهم له، والآن، هي من تطلب إتمام الزواج منه
بعد وقت، كان رأفت يضع يده في يد سفيان، مجبرًا على تزويج ابنته له بعد موافقتها، لكن قلبه كان مثقلًا بالخذلان ابنته خذلته بتقبلها هذا الزواج، وهو الذي كان يرى في سفيان شخصًا لا يستحقها، حزن شديد اعتصره لأنه لم يستطع حمايتها من هذا المصير، كان في صراع داخلي مرير، بين واجب الأبوة والألم العميق الناتج عن موافقته على أمر كان يعلم في أعماقه أنه قد يدمرها في النهاية
أما سفيان، فكانت مشاعره متشابكةؤ رغم أنه لم يكن راضيًا عن هذا الزواج، إلا أنه شعر بشيء من الارتياح، ربما لأنه استعاد جزءًا من كبريائه الذي فقده عندما تم رفضه سابقًا منهما، ومع ذلك، كان يعلم أن هذه الزيجة ستكون عبئًا ثقيلًا عليه، وأنه سيواجه تبعات قرار لم يكن يرغب فيه بالكامل
أما عن ميان، فكانت غارقة في شعور عميق بالذنب تجاه والدها الذب قد وضع فيها كل ثقته، مؤمنًا بأنها ستظل تضع مصلحتها فوق كل شيء، لكن قرارها بالموافقة على الزواج جاء عكس توقعاته، مما أحدث شرخًا عميقًا في قلبه وأشعره بخذلان كبير، كانت تدرك تمامًا أن موافقتها كانت خيانة لثقة والدها، وأنها كسرت جزءًا من العلاقة التي جمعتهما، هذا التنازل أغرقها في نزاع داخلي مرير
بينما كانت فريدة في الداخل، تتابع ما يحدث عبر شاشة الهاتف، والطبيب يقف بجانبها بابتسامة راضية عن نجاح ما خططت له، لقد تظاهر الممرضات بأن الوضع خطير كما أوصاهم الطبيب، الذي كان يأمل أن تزداد الأموال التي ستمنحها له فريدة مقابل اتقانه لدوره
غادرت ميان برفقة رأفت، الذي كان صامتًا، يكتنفه الكمد والحزن، كان ينتظر فقط أن يصلوا إلى المنزل، وسيكون له حديث آخر مع ابنته....حديث لم يستطع قوله أمام الجميع !
في المساء، جلس سفيان بتردد بجانب زوجته على الفراش، قائلاً بتردد :
نرمين
ردت عليه بصوت ناعم ورقيق، لا يليق بشخصيتها :
نعم يا حبيبي
صمت لحظات، بينما هي كانت منصتة له، حتى جاءه رده الصادم :
أنا اتجوزت.....اتجوزت ميان!!!
انتفضت واقفة، وصرخات الغضب والصدمة تملأ صوتها :
انت بتقول إيه، اكيد بتهزر، صح، بتتجوز عليا يا سفيان، ومين دي، نسيت اللي عملته فيك
أجابها بحزن، وهو يخفض رأسه :
منسيتش، بس كنت مجبور، فريدة كانت هتموت.....ثم سرد لها كل ما حدث لتصرخ هي بحدة :
فريدة قالت، وأنت ما صدقت طبعًا عشان دي ميان....حبيبة القلب، ومش بعيد بكره تقدر تسيطر عليك وتخليك تطلقني وتخرجني من حياتك
رد عليها سفيان بغضب :
مش هيحصل، لو كنت عايز أطلقك، كنت عملتها من زمان، لكن أنا فضلت معاك لآخر لحظة، لو ما كنتيش تهميني، كنت وافقت على طلب فريدة من الأول واتجوزتها، جوازي منها صوري، مش أكتر، عشان خاطر فريدة
تنهد محاولًا السيطرة على أعصابه وعدم التهور في رد فعله، فهو يعلم أن لها كل الحق في غضبها :
نرمين، اسمعيني بس، وصدقيني، اللي حصل ده مش بمزاجي، حقك تزعلي عارف، بس حطي نفسك مكاني،.كنتي هتعملي إيه لو جدتك هتموت في مقابل جوازة على ورق مش هتنقص مني ايد ولا رجل
صرخت عليه بغضب، وهي لا تصدق أنها أصبحت الزوجة الأولى، وليست الوحيدة في حياته، كيف ستنظر إليها الناس، والأسوء انه من بين كل النساء تزوج بأكثر واحدة تكرهها :
لو كنت مكانك، عمري ما كنت هفكر أجرحك بالطريقة دي، إنت فاكر ده سهل عليا، أنا يستحيل أتقبل إن فيه واحدة تانية تشاركني فيك، حتى لو ع الورق
سألها بضيق :
يعني إيه؟
صرخت عليه من جدبد بصوت غاضب وحاد :
طلقني يا سفيان!

   الفصل الخامس عشر من هنا

لقراءة باقي الفصول من هنا

تعليقات



<>