رواية بعينيك اسيرالفصل الخامس عشر15بقلم شهد الشوري

رواية بعينيك اسير
الفصل الخامس عشر15
بقلم شهد الشوري
"مش هطلقك" قالها سفيان بصرامة، وقلبه يعتصره الحزن، وقفت نرمين أمامه، صدرها يعلو وينخفض من الغضب، ثم انطلقت إلى غرفة الملابس، تلقي ملابسها في حقيبتها بلا ترتيب!!

سحبها سفيان نحوه وقال بصوت هادئ رغم اضطرابه :
حقك تعملي اكتر من كده، انا عارف اني غلطت في حقك غلط كبير، بس الظروف اللي حصلت كانت خارج ارادتي، خليكي دايمًا فاكرة اني اخترتك انتي بإرادتي، انما هي اتفرضت عليا، متزعليش مني
نظرت له نظرة فيها كل الألم والوجع، ثم قالت للمرة الأولى كلمات صادقة من أعماق قلبها :
حاسة بنار في قلبي يا سفيان
نعم، كانت صادقة والنار المشتعلة في قلبها كانت أشد قسوة، لكنها لم تكن نار الغيرة، بل نار الحقد والغل المشتعلة في أعماقها، كانت تعرف ان سفيان يعشق تلك الفتاة، مهما حاول أن ينكر أو يخفى مشاعره
جذبها سفيان إلى حضنه، قائلاً بصوت منخفض مليء بالحزن :
مش دي اللي تغيري منها، انتي احسن منها ألف مرة، واول ما فريدة تقوم بالسلامة هطلقها
سألته، والدموع تملأ عينيها :
مش هتقرب منها، صح
أومأ برأسه قائلاً بثقة :
مستحيل
شددت من عناقه، وهمست :
اوعدني يا سفيان
ابتسم بخفوت، ثم لثم جبينها قائلاً :
أوعدك يا حبيبتي 
مالك يا رفعت ساكت ليه" قالتها عليا، وهي تراقب صمت رأفت الغريب، بينما ميان كانت تنظر لوالدها بترقب، تنتظر رد فعله بعد الذي حدث
رددت ميان، وقد ملأها الخوف والتوتر:
بابا....انا آسفة
قطبت عليا جبينها بعدم فهم، وقالت:
فهموني حصل ايه
رد عليها رأفت، بصوت ساخر :
مش تباركي لبنتك يا عليا....بقت حرم سفيان العزايزي، الزوجة التانية ليه
شهقت عليا بصوت عالي، ثم قالت بصدمة وصوت مرتجف:
بطل هزارك ده يا رأفت
رد عليها رأفت غاضبًا :
مش بتنيل بهزر.....ثم قص عليها كل ما حدث في المستشفى قبل ساعات وما ان انتهى صرخ بحدة :
بنتك اللي اختارت، طول الوقت كنت بقول لها، بنتي غالية، بنتي ملكة، ومش هتقبل بالقليل، وفي ثانية واحدة الهانم صغرتني قدام الكل، شوفت سفيان كان بيبص ازاي وهو شمتان فينا، عشان في الآخر احنا اللي رجعنا وقولنا هات المأذون
رددت ميان بقهر والدموع تسيل على وجنتيها :
فريدة كانت هتموت، وذنبها هيبقى في رقبتي!!
صرخ عليها رأفت بغضب شديد :
ما تموت ولا تولع، ذنبها في رقبتها هي....هي اللي كانت بتساوم على حياتها، فريدة مش هاممها غير حفيدها، وانتي بالنسبة ليها مجرد أداة، مهما كانت بتحبك، عمرك ما هتكوني في مكانة حفيدها ولا عمرها هتحبك زيه
رددت عليا بحزن ودموع :
أبوكي عنده حق، انتي الخسرانة يا بنتي، بعتي نفسك، ودمرتي حياتك من قبل ما تبدأ، حرام عليكي اللي عملتيه في نفسك يا ميان
ردت عليها ميان بدموع وحزن يمزق قلبها :
كنتوا عايزيني أعمل إيه، الدكتور قال إن فريدة هتموت، والحل في إيدي، كنت أقف ساكتة واتفرج عليها ولا أتصرف، دي كمان مش واحدة غريبة دي من عيلتي؟
صرخ عليها رأفت بغضب :
مفيش جواز علشان خاطر حد، الجواز مش لعبة، تغور فريدة وتولع العيلة دي بحالها اللي مجاش لينا من وراها غير وجع القلب، تغور اي حاجة ولا انك ترمي نفسك كده وتبيعيها بالرخيص للي مايستاهلش
رددت ميان بقهر :
غصب عني يا بابا
شعرت عليا بما تمر به ابنتها، فاحتضنتها بقوة، تمسك بها ميان وانهارت في بكاءٍ مرير، راقبها رأفت في صمت، ونار الغضب مشتعلة في صدره، تعصف بكل ما تبقى من هدوء داخله
كان عمار قد وصل لتوه لمقر الشركة ليتولى أمور العمل بالتناوب مع قصي وسفيان، يشعر بصداع شديد يكاد يفتك برأسه، وكل جسده يؤلمه من ان استيقظ هذا الصباح
طلب من سكرتيرته أن تحضر له كوبًا من القهوة، بينما اتصل بلينا كما اعتاد كل صباح في الفترة الأخيرة ليطمئن عليها
ما ان اجابت سمع صوتها القلق :
عامل ايه النهاردة، احسن ولا لسه تعبان، أجيلك، نروح المستشفى نكشف
ابتسم بسعادة لاهتمامها به وقال بحب :
انا بقيت كويس لما سمعت صوتك
ردت عليه بصوت خجول :
عمار انا مش بهزر، لو لسه تعبان تعالى نروح للدكتور و.....
قاطعها قائلاً بابتسامة :
انا كويس دلوقتي، المهم انتي طمنيني عليكي، والدتك هترجع امتى، قاعدتك لوحدك مش كويسة وانا متضايق من كده
تنهدت وقالت بحنين :
ماما وحشتني أوي، المفروض آخر الأسبوع الجاي ترجع، الجو عجبها هناك، فقررت تقعد كام يوم زيادة، وقرايبنا هناك واخدين بالهم منها خالص
ابتسم قائلاً بهدوء:
ترجع بالسلامة إن شاء الله، وتاني يوم أنا وعيلتي كلها هنكون عندك بنطلب ايدك عشان تنضمي لعيلة العزايزي وتنوريها
ردت عليه بحرج :
أنا اتأخرت، لازم أنزل عشان عندي محاضرات، وميان زمانها مستناني تحت
أغلق المكالمة مبتسمًا، وعيناه تلمعان بالحبؤ متمنيًا أن يأتي هذا اليوم قريبًا، وتصبح له وتحمل اسمه
بينما بالخارج، كانت سكرتيرته قد أخذت القهوة من الساعي، وجعلته ينصرف، ثم أخرجت كيسًا شفافًا يحتوي على مادة بيضاء، وبعدما تأكدت من عدم وجود أحد، افرغته في القهوة حتى ذاب تمامًا، ثم دخلت بها إليه، وهي ترتعش من الخوف
أخذ عمار الكوب بسرعة، وارتشف منه لعل القهوة تخلصه من الصداع الذي يكاد يفتك رأسه، بعدها أخذ مسكن ليستطيع ان يكمل عمله، قبل أن يذهب للمستشفى ليبقى مع فريدة
خرجت سكرتيرته من المكتب، وهي تزفر براحة، ثم أخرجت هاتفها بسعادة لترسل رسالة لأحدهم :
كله تمام يا باشا، شربها متنساش، حلاوتي
بعد ان تجهز يزن للخروج إلى عمله كعادته اليومية، توقف لدقائق طويلة أمام صورة بسمة حبيبته وخطيبته الراحلة متأملاً ملامحها بشرود وحزن، يشعر بصعوبة بالغة في اتخاذ تلك الخطوة التي أرهقته طوال الليل في التفكير
كلام والدته وشقيقته بدا مقنعًا له إلى حد كبير، خاصةً أنه كان يشعر بإعجاب تجاه همس، كما أن عائلته بأكملها ترى أنها مناسبة له، تساءل في نفسه ما الذي سيخسره إن قام بهذه الخطوة، فقرر أن يتحدث معها بوضوح، ويجعلها على علم بكل شيء ويكون القبول أو الرفض قرارها
تمتم بحزن وخزي في داخله :
لو عليا، كنت أفضل مخلص ليكي العمر كله، ومحدش ياخد مكانك، اتعاهدنا زمان احبك وافضل ملكك طول العمر، وحياتي كلها تكون ليكي، لكن دي مش حياتي لوحدي يا بسمة، انا تعبت من اصرار ياسمين وبابا وماما، وفي نفس الوقت، خايف من الوحدة زي ما بتقول ياسمين، لكن وعد مني هتفضلي في قلبي طول العمر، وهفضل فاكرك لحد ما ربنا يريد ونتقابل
خرج من غرفته ثم من الفيلا بأكملها متجهًا إلى الجامعة، محاولًا تأخير نفسه قدر الإمكان، بينما قلبه يئن رفضًا لما هو مقدم عليه
تابعت همس ولينا صمت ميان بحزن، ورغم أن همس علمت ما حدث بالأمس من لينا، حاولت جاهدة كبح رغبتها في الحديث، لكنها لم تستطع منع نفسها عندما توقفت السيارة أمام الجامعة وقالت بغضب :
لا مش قادرة أسكت أكتر من كده، ازاي يا ميان....ازاي توافقي على المهزلة دي، تتجوزي لسبب ومؤقت كمان، طب ليه، وعشان مين، عشان واحد واطي زي سفيان، ده ما يستاهلش، يغور في داهية هو ومراته، وإزاي فريدة تطلب منك كده، ده أي حد هيسمع طلبها هيعرف إنها ما يهمهاش غير حفيدها، واحد لا بيطيقك ولا بيعبرك، ومتجوز ومتمسك بمراته، والله لو قلبتي ليه قرد مش هيصدقك ولا هيعبرك
رددت ميان بدموع وصوت مختنق :
كفاية بقى، طول الوقت بتلوموا فيا، كنت أعمل إيه، واحدة بتموت وعلاجها في إيدي بكلمة واحدة، أسكت يعني وأسيبها تموت، كان صعب عليا أتفرج عليها كده، محدش فيكم كان مكاني وقتها، والله العظيم غصب عني اللي حصل، لو كانت الظروف مختلفة، كنت رفضت
نظرت إليها لينا بحزن وقالت :
طب قوليلي هتعملي إيه دلوقتي، هتقدري تكملي معاه وهو مهمشك في حياته ويفضل يهين فيكي، ولا هتطلقي وتعيشي بقى تستحملي نظرات المجتمع المريضة، انتي لسه في بداية حياتك يا ميان، لو مش مستوعبة انتي دمرتي حياتك بموافقتك على الجوازة دي، وفريدة بأنانيتها عملت فيكي كده، انتي اللي هتطلعي من كل الليلة دي خسرانة
رددت همس بغضب :
قسمًا بالله دول عيلة زبالة، ولا حد فيهم هيقدر اللي عملتيه عشانهم
قاطعتها لينا قائلة بحدة :
عيب يا همس، مايصحش كلامك ده
ردت عليها همس بضيق :
يصح أو ما يصحش، دول يحرقوا الدم، دمروا حياتها اللي الهانم سلمتها ليهم على طبق من دهب، ولو جيتي تلومي حد منهم على اي اذى يطولها، هيقولوا وافقت بمزاجها محدش غصبها
بكت ميان بقهر، لأنها تعلم أن ما قالته همس صحيحًا، وهذا هو ما جعل الألم يتسلل إلى قلبها، قاطع حديثهم صوت صارم قادم من الخلف، جعلهم جميعًا يلتفتون إليه :
بتعيطي ليه على الصبح
التفتت ميان نحو سفيان، الذي تقدم منها حتى وقف أمامها، قائلاً بتهكم :
قطعت عليكم فقرة النميمة على خلق الله معلش، سيبوني معاها لوحدنا
سألته همس بحنق واضح :
هو سؤال واحد بس قبل ما أمشي، انت زاي مستحمل نفسك
رد عليها سفيان بتهكم :
نفس السؤال، ازاي مستحملة نفسك
كادت همس أن ترد، لكن لينا أمسكت بيدها قائلة بضيق:
الناس بتبص علينا، خلينا نمشي ونسيبهم يتكلموا
ابتعدتا معًا، بينما سفيان التفت نحو ميان وقال بضيق :
أعوذ بالله منها
ثم سألها بحدة :
ماقولتليش ليه إنك نازلة الجامعة النهاردة
ردت ميان بتعجب :
اقولك ليه، ما انا قولت لبابا واستأذنت منه
رد عليها بحدة :
تستأذني أبوكي لو إنتي مش على ذمة راجل، من هنا ورايح أي خطوة تخطيها تكون بإذني، وأي قلة ادب ومسخرة مش هسمح بيها، انتي فاهمة
ردت عليه بغضب :
انا محترمة غصب عن اي حد، وتصرفاتي كلها تشهد، عاوز تصدق صدق مش عاوز عنك ما صدقت
صرخ عليها بغضب :
انتي قليلة الأدب
صرخت عليه بنفس الغضب :
وانت مش محترم
زاد احتدام النقاش بينهما، حتى قاطعته ميان قائلة بحزم :
بص هي فترة وهتعدي، خلينا نستحمل بعض من غير غلط، إذا عاملتني باحترام، هتلاقي نفس المعاملة، وإذا غلطت مش هيهمني وهرد عليك قدام الناس، وافتكر انك زمان علمتني أتعامل بالمثل مع اللي قدامي
زفر بضيق ثم قال بصرامة :
تمام بس في شوية حاجات تلتزمي بيها
سألته بضيق :
خير ايه هي؟
تنهد بعمق ثم قال بصرامة :
اول حاجة، قبل ما تروحي أي مكان، لازم يكون عندي خبر تاني حاجة، تتصرفي على أساس إنك واحدة متجوزة خلاص، وبلاش دلع وقلة أدب
جزت على أسنانها وقالت بحدة :
هنرجع للغلط تاني
زفر قائلاً بضيق :
نسيت....تالت حاجة، ده ما يتقلعش من إيدك
قال الأخيرة وهو يخرج خاتمًا من الذهب الأبيض من جيب سترته، ليضعه في إصبعها، أومأت برأسها بهدوء ثم قالت:
موافقة، بس أنا كمان عندي شرط
سألها بفضول :
ايه هو
تنهدت بحزن وقالت :
بابا زعلان مني عشان وافقت، وشايف إنك مش مناسب ليا، عشان كده، اللي بطلبه منك تحط خلافتنا على جنب، وتبطل تصرفاتك اللي بتقلقه أكتر، وبصراحة بقى هو عنده حق، انت محدش يثق فيك اصلاً
قالت ذلك، وهي تقصد الرد على إهانته، لكن ما ان نظر إليها بحدة، قالت ببرود :
نسيت
ردد الاثنان معًا بضيق :
يبقى اتفقنا، هنصبر لحد ما الفترة دي تعدي، ونخلص من الهم ده
كاد أن يذهب، لكنها أوقفته قائلة بهدوء :
شكرًا على الخاتم
أومأ لها بصمت، ثم غادر المكان وهو يشعر براحة، من الجيد أن الاتفاق بينهم تم، ليريح رأسه من هذه الخلافات، ولتستمر تلك الفترة بسلام....والأهم من ذلك أن تتعافى جدته
ما ان غادر اقتربت لينا وهمس من ميان ليطمئنوا عليه، بادرت همس بالحديث قائلة بحدة :
عملك حاجة
ردت عليها ميان بثقة :
عملنا اتفاق، هي فترة وهتعدي، وبعدها هنتطلق
رددت لينا بضيق :
لقب مطلقة مش سهل يا ميان
تنهدت ميان وقالت بحزن :
عارفة، لكن مش هستسلم، وهحارب عشان أنجح الجوازة دي، وأطلع بأقل الخسائر
توقفت عن الكلام حين ظهر يزن من خلفهم قائلاً بهدوء :
همس، ممكن أتكلم معاكي خمس دقايق
"خير يا دكتور" قالتها همس بفضول وهي تجلس برفقة يزن بمكتبه في الجامعة
تنهد بعمق ثم رد عليها بصعوبة :
أنا كنت خاطب قبل كده....بسمة، بس هي توفت من سنتين في حادثة كنت فيها أنا وهي، وأنا اللي نجيت منها....وهي اتوفت
سألته بتعجب :
الله يرحمها، ايوه بتقولي كده ليه؟
ابتلع ريقه قائلاً بصعوبة :
عشان المفروض تعرفي عني كل حاجة، قبل ما أطلب منك الطلب ده
سألته بفضول :
طلب إيه؟
تنهد بعمق قائلاً :
تتجوزيني يا همس!!!!
توسعت عيناها بصدمة ليكمل يزن بصوت مختنق :
أنا معجب بيكي وبشخصيتك، لو الشعور متبادل بينا، أنا حابب ناخد فرصة نتعرف على بعض أكتر، بصفة رسمية، يعني فترة خطوبة، ولو اتفقنا، نتوكل على الله ونتجوز، ولو لأ، يبقى كل شيء قسمة ونصيب
ثم تنهد وتابع حديثه بصعوبة :
مش هكدب عليكي، أنا قلبي معاها لسه، بس حاسس ناحيتك بإعجاب، يمكن مع الوقت يتحول لحب، كل اللي طالبه منك، تستحمليني وتقفي جنبي وندي لبعض فرصة يمكن يحصل نصيب
تحاشت النظر لوجهه قائلة بتلعثم وحرج :
آه...آآ...هفكر وأرد عليك في اقرب وقت
ثم وقفت قائلة بحرج:
أنا همشي، اتأخرت على المحاضرة....بعد إذنك
مر أسبوع على الجميع تعافت فيه فريدة كليًا وبسرعة تعجب منها الجميع، لكن الطبيب برر ذلك بتحسن حالتها النفسية، مما ساعدها على التعافي بسرعة
أما عن عمار بدأ يشعر بالإنهاك الشديد والخمول والصداع الذي أصبح لا يفارقه، لكنه يتحامل على نفسه، مقررًا الذهاب للطبيب في الصباح سرًا حتى لا يثير قلق الجميع عليه، يكفي الأسبوع الماضي وحالة القلق التي مروا بها مع فريدة
توقفت همس عن الذهاب للجامعة، تفكر جديًا بعرض يزن، عقلها رافض خوض تلك التجربة التي لا تعرف نتائجها، ولا يتوقف عن طرح تلك الأسئلة، ماذا لو لم يحبها؟
هل ستتحمل هي هكذا حياة، هل ستقبل به وقلبه معلق بأخرى؟
أسئلة لا تنتهي تعصف برأسها، لا تعرف إجاباتها والإجابة الوحيدة تكمن في دخولها بتلك التجربة، وتحمل عواقبها سواء كانت النتيجة خسارة أو فشل!!
بينما فريدة ما إن علمت برغبة قصي في الزواج قررت أن تذهب اليوم لطلب يد سيلين له، وتجهز الجميع للذهاب، لم ترغب نرمين في الذهاب متعللة بالمرض، لكنها كانت تنوي على شيء آخر
لتقرر فريدة استغلال الفرصة قائلة لسفيان ما إن غادرت تلك الحية التي من المؤكد أنها ستأتي ما ان تعلم بقدوم ميان:
بقولك يا سفيان، اتصل بميان خليها تروح معانا طالما نرمين مش جاية
رد عليها سفيان بهروب :
تلاقيها مش فاضية، ما الامتحانات قربت
تمتمت فريدة بمكر :
لأ فاضية، كلمها إنت بس وقولها تيجي معانا، بلاش توجع قلبي في المناهدة معاك
خشي سفيان من تدهور حالتها مرة أخرى، فنفذ ما قالت وما إن اتصل بها قال مباشرة :
فريدة عايزاكي تيجي معانا، النهاردة لقراية فاتحة سيلين وقصي
ردت عليها بضيق :
أنا أصلاً كنت رايحة سيلين اتصلت بيا وعزمتني أنا ولينا، وصممت ان احنا نحضر
أجابها باقتضاب:
خلاص هنعدي عليكم وإحنا رايحين، سلام
ما إن أغلق الهاتف، عاتبته فريدة :
بتتكلم معاها كده ليه، دي بقت مراتك و ليها حقوق عليك زيها زي نرمين، اعدل بينهم بالكلمة والنظرة يا سفيان عشان مايبقاش حرام عليك، ثم تعالى هنا عيني في عينك كده، ده انت بتحبها و بتموت فيها، وكل اللي بتعمله ده من ورا قلبك
رد عليها بحدة :
مش صحيح، ده موضوع واتقفل من سنين يا فريدة
ربتت على يده قائلة :
ما اتقفلش ولا عمره هيتقفل، ميان عملت حاجة انت مش قادر تسامحها عليها لحد دلوقتي، وقبل ما تقول بسبب كاميليا، إنت بتكدب لأن دي حجة ميصدقهاش عيل صغير
أشاح بوجهه بعيدًا لتتابع فريدة حديثها بحنان :
بقت مراتك دلوقتي استغل الفرصة يا بني، عاتبها، صفوا اللي بينكم، لو غلطت عاقبها، البنت بتحبك، وأنت كمان بتحبها، ادي لحبكم فرصة، ليه قلبك شايف كل اللي بتعمله وحش، وفي نفس الوقت بتتغاضى عن أغلاط نرمين، لما كل مشكلة بنقع فيها مين بيجري أول واحد، مراتك اللي عمرنا ما شوفناها معانا لا حزن ولا فرح، ولا ميان اللي واقفة معانا على طول رغم كلامك السم ليها
رد عليها سفيان بحدة :
متقارنيش بينهم
رددت فريدة بسخرية :
ليه مقارنش، عشان الفرق واضح، واي عيل صغير مين هيعرف مين الأحسن فيهم
زفر سفيان بضيق وقال بحدة :
انتي مش فاهمة حاجة
ردت عليه فريدة بغضب :
طب فهمني إنت، ومتقوليش مش بحبها، صورتها والسلسلة بتاعتها اللي شايلاهم في درج مكتبك لحد دلوقتي ليه، انا مش بفتش وراك بس شوفتهم صدفة
تنهدت فريدة ثم تابعت حديثها بهدوء:
مش هقولك غير كلمتين بس، يا بني، قدامك فرصة من دهب، يا تستغلها يا صدقني، ورحمة ولادي الاتنين اللي مفيش أغلى منهم، هتندم فكر في كلامي، مش هتخسر حاجة لو جربت
سألها بحيرة :
طب ونرمين؟
جزت على أسنانها بضيق وقالت:
مثنى وثلاث ورباع، وإنت عندك سبب عشان تتجوز وهو الخلفة، من حقك تكون أب، ونرمين لو بتحبك زي ما بتقول، هتقبل باللي في مصلحتك وهتفرحلك من قلبها
تنهد قائلاً باقتضاب :
طب اجهزي يلا عشان هنتأخر
استأذنت ميان من والدها لتذهب معهم، ليوافق بصمت محركًا رأسه بنعم، فمنذ ذلك اليوم وهو يتجنب رؤيتها أو لحديث معها ولازال غاضبًا منها
بعد وقت ليس بقليل، كانت تخرج من البناية برفقة لينا، والاثنتان غاية في الجمال، كان عمار يتابع لينا بأعين تلمع بالحب والإعجاب، بثوبها الفضي الذي أنساب على جسدها بنعومة، اقترب منها رافعًا يده لها لتضع يدها بها، وما إن فعلت رفعها لشفتيه مقبلًا إياها بنعومة
ليردد قلبه قبل لسانه بتلك الجملة التي رأها قبل عدة أيام على أحد مواقع التواصل الاجتماعي ليجد أنها تنطبق عليها تمامًا وكأنها كُتبت لتقال لها فقط :
تنازل الجمال عن الجمال لجمالكِ فزاد جمالكِ عن الجمال جمالاََ
ابتسمت بسعادة، متمسكة بيده بقوة، بينما سفيان تصنم بمكانه وهو يراها تقف وتنظر للأرض بصمت، بفستانها الأرجواني وخصلات شعرها التي تتطاير بفعل الهواء
اقترب منها كالمجذوب حتى وقف أمامها، نظرت له بصمت، وكذلك هو شاردا في جمالها، متناسياً كل شيء وأي شيء
لم يفق الأربعة من شرودهم سوى على صوت قصي الساخر.:
يلا يا عم الحبيب، انت وهو، اتأخرنا على الجماعة، عايز أحب أنا كمان
ابتسم عمار جاذبًا يد لينا ليجعلها تجلس بالخلف بجانب والدة قصي، التي رحبت بها، بينما سفيان أشار لميان بيده حتى تمشي هي أولًا، وما إن خطت خطوة تعثرت بأحد الحجارة وكادت أن تسقط لولا يده التي حالت دون ذلك، جعلها تستند عليه، ثم فتح لها باب السيارة الأمامي لتجلس بجانبه، وفريدة بالخلف تراقب الاثنان بابتسامة واسعة وهي سعيدة بتأثر حفيدها بحديثها معه منذ ساعات، صمت تام ساد الأجواء في سيارة سفيان، على عكس الجو المرح السائد في سيارة عمار التي لم يتوقف فيها عن المزاح ومغازلة لينا كلما أتيحت له الفرصة
بعد وقت، وصل الجميع إلى باب منزل سيلين، التي كانت تقف أمام المرآة في غرفتها تتأكد من هيئتها للمرة المئة تقريبًا، لحظات من الترحيب تلاها دخول ميان ولينا لتباركا لها وتبدي كلتاهما إعجابهما بهيئتها
مر وقت قصير، وتحدثوا عن الأحوال العامة، قبل أن تقاطعهم فريدة قائلة بجدية:
احنا اتشرفنا بزيارتكم النهاردة علشان نطلب إيد بنتكم سيلين لابننا قصي على سنة الله ورسوله
كان الفتيات يراقبن من خلف الستار، وامتلئت عيون ميان بالدموع، وهي تشعر بالحسرة على نفسها وبمرارة أن ما حدث قد أخذ منها الحق في أن تكون مثل اي فتاة، وهي ترى عريسها يطلب يدها من والدها ويكون ملهوفًا عليها كما يحدث مع سيلين
ابتسم كمال وقال :
الشرف لينا يا ست فريدة، أنا مفيش اي مانع عندي، ومش هلاقي أحسن من قصي زوج لبنتي، بس الأصول أصول، لازم ناخد رأي العروسة
وقفت سميحة لتأتي بسيلين لتتفاجأ بوجودهم خلف الستار، فضحكت بخفوت، ثم جذبت يد سيلين التي تكاد تذوب خجلًا،.فسألها سألها بابتسامة عن رأيها لتجيب عليه بخجل شديد :
اللي تشوفه يا بابا
ابتسم كمال وقال بهدوء:
يبقى على خير الله....نقرأ الفاتحة
ركضت سيلين للداخل خجلة، وخلفها الفتيات يضحكن بخفوت، كان قصي يتابعها بعينيه هائمًا بها وبجمالها
بعد أن تمت قراءة الفاتحة، دخلت والدتها للمطبخ لتعد أكواب الشربات وهي لا تتوقف عن إطلاق الزغاريد العالية
لحظات، ودخلت سيلين تمسك بيدها صينية كبيرة تحتوي على المشروبات، وتقدمت بها للضيوف وما إن وقفت أمام قصي حتى همس لها بخفوت :
مبروك عليا انتي ، طالعة زي القمر
توترت سيلين، وشعرت بالخجل الشديد، وكادت أن تسقط الصينية من يدها، لكن قصي أمسك بها بدلاً عنها، فجلست بجانب والديها، تنظر للأرض من شدة الخجل
تعالى رنين جرس المنزل، فذهبت والدتها لفتح الباب، لتتفاجأ بوجود فتحية شقيقة زوجها وابنتيها، أمل ونهى، ارتسمت ابتسامة متشفية على شفتيها عندما رأتهم، وكالعادة ابنتاها يضعان الكثير من مساحيق التجميل ويرتديان ملابس ضيقة لا تتناسب مع الحجاب الذي على رأسهما
رددت سميحة بابتسامة شامتة :
أهلا يا فتحية، اتفضلي
تمتمت فتحية بتهكم وهي تدخل، متبوعة بابنتيها :
من غير ما تقولي يا حبيبتي، ده بيت أخويا، اتفضل طبعًا
ما إن دخلوا، تفاجأوا بوجود هذا الكم من الضيوف وكؤوس الشربات، فتساءلت فتحية على الفور بفضول وشك :
سمعنا صوت الزغاريد، قولنا نيجي نفرح معاكم، خير إن شاء الله
ابتسمت سميحة وقالت بشماتة :
عقبال عندك يا فتحية، النهاردة قراية فاتحة سيلين وقصي
كان ذلك بمثابة صدمة كبيرة للثلاثة، فقد كانت تأمل فتحية أن تتزوج ابنتها أمل من قصي!!
اشتعلت نيران الغيرة في قلب أمل، التي ظلت طوال عمرها أسيرة حب قصي، حب طفولتها الذي لا يزال يهيمن على مشاعرها، كانت تكره سيلين بشدة وتحقد عليها، لأن قصي لا يرى سواها، بينما هي، رغم مرور السنين، ما زالت تعيش على أمل أن يكون لها في يوم ما، متشبثةً بحلمٍ طالما عاشت من أجله، دون أن تفكر في غيره
في تلك اللحظة، زاد حقد أمل على سيلين أكثر، وقررت أن تفعل ما في وسعها لتفريقهما، فقالت بلهجة مليئة بالحقد :
مبروك يا قصي، بس بصراحة، ماكنتش أتوقع خالص إنك لما تتجوز.....تتجوز سيلين
دافعت سميحة عن ابنتها وقالت بحدة:
مالها سيلين يا أمل، ناقصة إيد ولا رجل، ده حتى جمالها بيغيروا منه ويحسدوها عليه، لدرجة إنهم هيولعوا وأنا شايفاهم بعيني دلوقتي، نفسهم يكونوا مكانها
كتم الجميع ضحكتهم، بما فيهم سيلين، أما عمار، فاقترب من سفيان وهمس له بصوت مكتوم :
طول عمري نفسي أشوف الخناقات من النوع ده، واسمع تلقيح الكلام
رد عليه سفيان وهو يكتم ابتسامته :
سيبني أتابع بتركيز، شكل الموضوع هيكبر، وهتبقى ليلة ما تتنسيش....الواد قصي ده فقري من يومه
ضحك عمار بخفوت بينما ابتسمت فريدة وقالت:
مش تعرفينا يا سميحة مين الجماعة
أجاب عمار بهمس، سمعه سفيان وقصي وميان ولينا وهم جالسون بجانب بعضهم:
دول عفاريت علبة المكياج
تمالك الجميع أنفسهم حتى لا يضحكون، فهمس سفيان لعمار:
اتلم يا حيوان
رددت سميحة بشماتة :
دي فتحية اخت كمال جوزي، ودول أمل ونهى بناتها، جوزها متوفي من سبع سنين، وعايشين في العمارة اللي قصادنا
تمتم عمار بصوت خفيض مرح :
أكيد مات من الخضة لما شافها هي وبناتها من غير مكياج، عيني عليه يا قلب امه
هذه المرة انفجر قصي ضاحكًا، ولم يتمالك سفيان نفسه أيضًا، بينما ميان ولينا وضعت كل منهما يدها على شفتيها، محاولتين كتمان ضحكتهما
حمحم قصي وقال:
آسفين يا جماعة، بس عمار قالنا نكتة ضحكتنا
ابتسم الجميع بهدوء، عدا فتحية وابنتيها، أخذت سميحة تعريف الجميع ببعضهم بعدها قال كمال بهدوء :
هاتي الشربات ليهم يا سميحة
ابتسمت سميحة وأطلقت زغاريد عالية، لأثارة حنق وغضب الثلاثة، وقد نجحت في ذلك بالفعل، بينما كانت نهى تركز تمامًا على سفيان، الذي لاحظها وأصبح ينزعج من نظراتها، لكنها لم تتوقف عن إلقاء نظرات جريئة عليه
همس عمار لسفيان بصدمة:
الحق يا عم، البت بتتحرش بيك
لاحظت ميان نظرات نهى وشعرت بالغيرة الشديدة، خاصة عندما بدأت نهى بفتح حديث معه قائلة برقة مبالغ فيها :
مبروك يا أستاذ سفيان، عقبالك
تجاهلها سفيان تمامًا، بينما ميان تمسكت بيده وقالت بابتسامة صفراء :
عقبالِك انتي يا روحي
جلست نهى أمام سفيان وقالت برقة مستغلة حديث الجميع :
أنا نهى، ما تعرفناش كويس
كادت ميان أن ترد عليها، لكن عمار سبقها وقال بمرح :
سوري يا قمر، بس بابا قاله ما يلعبش مع البنات الرزلة
ضحك قصي بقوة، وأما سفيان فقد رمقها بنظرة قرف ولم ينظر تجاهها مرة أخرى
نظر قصي لوالد سيلين وقال بجدية :
عم كمال، بعد إذنك، أنا عاوز كتب الكتاب بعد أسبوع، والفرك بعد امتحانات سيلين ان شاء الله
سأله كمال بحيرة :
ليه الاستعجال يا ابني؟
اجابه قصي بلهفة :
مش استعجال، بس نأجل ليه، الشقة بتاعتي جاهزة، ومش ناقصها حاجة غير ان سيلين تنورها بوجودها فيها، وقدام شقة والدتي طبعًا، لو سيلين حبت تغير فيها أي حاجة، أنا تحت أمرها، كل اللي هي عاوزه هيحصل، والحاجات اللي ناقصاها قدامها فترة تقدر تجهز نفسها فيهم، والمهر، والشبكة والمؤخر، وكل الحاجات دي، مش هنختلف عليها ان شاء الله
قبضت أمل بيدها على كأس الشربات بغلٍ وهي ترى لهفة قُصي على سيلين، وكذلك فتحية التي، مهما حاولت إخفاء ضيقها، ظهر للجميع بوضوح
نظر كمال لابنته ليرى رأيها، فأومأت له بنعم، فابتسم قائلاً :
على خيرة الله، ألف مبروك يا ولاد
تدخلت فريدة قائلة بلهفة :
يبقى بعد الامتحانات فرح قُصي وسيلين، وميان وسفيان مع بعض
تبادل ميان وسفيان النظرات بصدمة من حديث فريدة، وكلاهما يشعر بالضيق والغضب الشديد، يكفي أنهما أُجبرا على تلك الزيجة، وها هي الآن تحدد موعد زفافهما دون الرجوع إليهما
صمت الاثنان مجبرين حتى خروجهما من هذا المكان، بينما ابتسمت والدة قُصي قائلة بنبرة ذات مغزى وهي تنظر إلى لينا :
عقبالك يا عمار، ما فاضلش غيرك، وشكل الدور خلاص جاي عليك، وهنفرح بيك قريب
ابتسم عمار قائلاً بلهفة وهيام، ونظره معلق على لينا التي خفضت وجهها خجلاً :
طبعاً، وقريب اوي كمان، هو أنا ماليش نفس أحصلهم ولا ايه
ضحك الجميع بخفوت، لكن الجو ظل مشحوناً، خاصةً بتواجد فتحية وابنتيها وما إن غادروا حتى تنفس الجميع الصعداء
مر وقت قصير، واستأذن الجميع ليغادروا، فتوجه قُصي إلى والد سيلين قائلاً بخفوت :
عم كمال انا عامل لسيلين مفاجأة وعاوزها تشوفها، ممكن نخرج شوية ومش هتتأخر ان شاء الله
تنهد كمال قائلاً :
ماشي يا ابني، بس خلي بالك منها
ابتسم قُصي، وجذب سيلين برفق ليغادرا بسيارة أخرى كان قد طلب من أحد رجاله إحضارها أسفل المنزل
في هذه الأثناء، صعدت فريدة السيارة برفقة عمار ولينا، هاربة من مواجهة سفيان وميان بشأن موعد العرس، صعدت والدة قُصي معهما اخذها سفيان أولاً إلى المنزل وبعد إيصالها، توقف بسيارته أمام الشاطئ ونزل منها، لحظات ولحقت به ميان، وقفا الاثنان بجانب بعضهما بصمت، يحدقان في أمواج البحر
تنهدت ميان ثم قالت بحزن :
ليه وصلنا لكده، وليه الكره ده، وليه بعدنا واحنا زمان مكنش فيه أقرب منا للتاني
عاتبها سفيان بصوت خافت :
اجابة السؤال ده عندك انتي
اقتربت منه حتى وقفت أمامه، قائلة بعتاب :
اجابة السؤال ده عندك إنت مش أنا، انت اللي بعدت فجأة، ولا كأني كنت في حياتك، شوف زمان كنا ايه، ودلوقتي بقينا ايه، جوازنا زمان كان حلم، ودلوقتي مغصوبين عليه
قبض على كتفها بغضب ورد بحدة :
بسببك، انتي السبب....وصلنا لكده بسببك، خسرتيني يوم ما خونتي العهد اللي بينا
نزلت دموعها وقالت بعتاب :
أنا مخالفتش أي عهد، لحد اللحظة دي انا بحبك، وفضلت شرياك رغم كل اللي بتعمله معايا، انت اللي خونت وخليت واحدة تانية تاخد حاجة كنت بتقولي دايمًا انها حقي وملكي
دفعها للخلف بغضب كبير قائلاً :
خسرتي حقك ده زمان...خسرتيه يوم ما شوفتك وانتي بتخوني كل العهود اللي اتعاهدنا عليها، خسرتيها لما جيتلك ورميتي كل حاجة ورا ضهرك وبعتي حبي بالرخيص
صرخت عليه بغضب :
قولي أنا عملت إيه، شوفت إيه خلاك تبعد وتقول إني خونتك، مع إن ربي شاهد على كل كلمة بقولها، وهو العالم بكل حاجة، انا فضلت صاينة العهد لحد النهارده، قلبي لسه بيحبك، وعقلي مش بيفكر غير فيك، ولا خونتك بكلمة ولا نظرة....ولا لمسة !!!
صرخ عليها قائلاً بغضب :
أنا أعمى مثلاً
مسحت دموعها، وقالت بجدية :
مش كل حاجة بنشوفها بعيونا بتكون صح، قولي أنا عملت إيه، اديني فرصتي أدافع عن نفسي، انت حكمت وقررت تبعد من غير ما تسمع مني حتي
جلس على الرمال، واضعاً رأسه بين يديه، وعقله يرفض الاستماع أو التصديق، وفي المقابل قلبه الأحمق، ، يريد سماعها ويريدها بجواره
شعرت بحيرته، فجلست على ركبتيها أمامه، قائلة:
لسه بتحبني، انا لسه موجودة في قلبك يا سفيان
لم يُجب، وأشاح بوجهه بعيداً عنها، فرفعت يدها لتضعها على وجنته، وأدارت رأسه نحوها قائلة :
مش طالبة غير إجابة واحدة، أه أو لأ، ومش هعاتبك ولا هطلب حاجة، بس قولي....انا لسه في قلبك ولا لأ
امتدت يده إلى وجنتها ببطء، وكأنها ملاذه الأخير وسط عاصفة مشاعره، التقت نظراتهما في صمت مهيب، يحمل كل البوح الذي عجزت الكلمات عن قوله، تلاشت المسافة بينهما كأنها لم تكن، وانسابت مشاعرهما في لحظة تجاوزت حدود العقل والمنطق، تاركة أثرها عميقاً في كليهما
ابتعد عنها أخيرًا، وجسدُه لا يزال يهتز من وطأة المشاعر التي تتأجج في قلبه، أخذ نفسًا عميقًا، وأطبق شفتيه لحظة، كأن الكلمات التي ستخرج منه كانت تتردد في جوفه، تهمس له وتنبض في عروقه، ثم مع تلاحق الأنفاس وتماوج المشاعر في أعماقه، انفلتت منه كلمة لم يكن قادرًا على كبحها، كلمة خرجت من صميم قلبه، ترتجف شفاهه وهي تنطق به : بحبك !
تعليقات



<>