
رواية بعينيك اسير
الفصل الحادي والاربعون41
بقلم شهد الشوري
مرت الأيام سريعًا وتعاقبت الأسابيع وذات يوم جلست أماليا في شقتها، عيونها تتجول في أرجاء المكان، تفكر في سفيان، كان حضوره في حياتها يثير الكثير من التساؤلات رغم تعمق العلاقة بينهما، ظل سفيان غامضًا بعض الشيء مما جعلها تشعر بالحيرة !!!
هل المشاعر التي بدأت تنمو بقلبها تجاهه هي مشاعر الحب ، أم مجرد انجذاب إلى الغموض الذي يحيط به !!
من جهة أخرى كان سفيان يشعر نحو أماليا بشعور لا يستطيع تفسيره هو حب أم انجذاب لشخصيتها أم لانها نوعاً ما ملئت الفراغ والوحدة التي كان يشعر بها مؤخراً كان خائفاً من ان يتخذ خطوة و يظلمها معه مثلما فعل مع ميان.
في غرفة مظلمة لا يكسر سكونها سوى صوت الجهاز الذي يقيس ضربات القلب
كان يزن يجلس على كرسي بجانب السرير عيناه مثبتتان على الجسد الهامد أمامه انها " بسمة "
لكنها ليست كما عرفها من قبل...ملامحها الشاحبة لا تعكس أي حياة، وكأن روحها غادرت هذا الجسد منذ أن دخلت في غيبوبة قبل شهر
نظر إلى نفسه في مرآة صغيرة معلقة على جدار مرحاض الغرفة، لم يعرف الرجل الذي يحدق فيه ذقنه الطويلة، الهالات السوداء تحت عينيه، وجسده الذي بات هزيلاً
كأن الحياة نفسها هجرت كل ما فيه ضاق صدره بحمل أثقل من أن يطيقه، حمل الذنب الذي يطارده في كل لحظة
همس بإسمها "بسمة..." لكن صوته كان أقرب إلى نداء يائس، مزيج من الخوف...الحزن...والندم....
عاد بذاكرته إلى الوراء...هل كان فعلاً يحب همس ؟
اليس من المفترض انه كان يحب بسمة من الأساس ؟
لكن تلك اللحظة التي رأى فيها بسمة غارقة في دمائها، شعر أن قلبه انتزع من صدره، وكأنها حملت معها جزءاً منه !!
لكن إن كان يحب بسمة فلماذا تركها تعاني؟
لماذا ركض وراء همس وترك بسمة تتآكل أمام عينيه؟
ابتسم بسخرية مريرة لقد فعل نفس الشيء مع همس ايضاً !!!
"أنا أناني... أنا مؤذي" همس لنفسه وكأن الكلمات تحولت إلى سيف يمزق صدره جلس في صمت مستسلماً لفوضى مشاعره غير قادر على تحديد ما يريده حقاً
هل كان يبحث عن حب جديد مع همس ؟
أم انه لم يحبها من الأساس ؟
من أحب، من يريد ؟
في تلك اللحظة لم يكن يعرف الإجابة كل ما يعرفه أن قلبه قد تحطم ، وأنه ظلم كل من أحبهن
بعد دقائق...
خرج من الغرفة وهو يشعر كأنه يتحرك في ضباب كثيف لم يكن يشعر بأي شيء جسده ثقيل و عقله مشوش
فجأة وجد نفسه وجهاً لوجه مع ضحى قريبة بسمة التي كانت تقف عند باب الغرفة عيناها مشتعلة بالغضب...
"انت متستهلش حبها" ثم صرخت في وجهه بصوت مليء بالمرارة :
قاعد معاها ليه...قالتلك إنها مظلومة مصدقتهاش...انت مابتحبش غير نفسك وبس
شعر بثقل كلماتها وكأنها رصاص يخترق صدره، لكنه لم يستطع الرد كانت عيونه تائهة لا تعرف إلى أين تتوجه لا تفهم حتى من أين جاء كل هذا الألم
بينما ضحى بل لم تتوقف استمرت في مهاجمته و الدموع تغرق وجهها :
لو حصلها حاجة ذنبها في رقبتك...مراعتش إنها بنت في وسط مجتمع هينهيش فيها لو حاجة زي دي نزلت واتفضحت ليه...كانت بتحبك بس مكنش في إيدها حاجة تعملها
وقف عاجزاً غير قادر على قول شيء....صوتها كان يعيد له ذكريات تلك اللحظات التي أدار فيها ظهره لبسمة، تلك اللحظات التي اختار فيها أن يهرب إلى همس يعترف لها بحبه بدلاً من أن يواجه الحقيقة و يسمعها !!
تابعت ضحى حديثها بحدة :
هي خسارة فيك، و همس ربنا بيحبها عشان خلصها من واحد زيك...هي لو خاينة، فأنت خاين أكتر بدلتها بغيرها وكنت هتتجوز همس عشان تنساها بيها شوية بتحب بسمة، وشوية بتحب همس...ودلوقتي اتجوزت بسمة وهتموت عليها !!!
كلمات جميلة اخترقت يزن بعمق وشعر بالضياع اكثر غير قادراً على تمييز مشاعره بعد الآن كل ما يعرفه أنه في تلك اللحظة كان محاطًا بشبحين...أحدهما يمثل حبه الضائع، والآخر يمثل ذنبه الذي لا يغتفر !
لحظة...اثنتان...ثلاث...بعدها لم يعد يزن يشعر بشيء كل شيء من حوله بدأ يضيق ويخفت كأن الغرفة تتحول إلى نقطة صغيرة في الظلام عيناه أصبحتا ثقيلتين وصدى كلمات جميلة يطغى على كل صوت آخر في رأسه
فجأة شعر كأن الأرض تسحب من تحته وسقط جسده وانهار على الأرض بقوة فاقدًا الوعي !
بعد شهر العسل بدأت همس تدريبها في المستشفى الخاصة بفارس برفقة ميان و في أحد الأيام أثناء تجوالهما في ممرات المستشفى شعرت ميان فجأة بالدوار واستندت على الحائط
هرعت همس نحوها بقلق قائلة بعدما جعلتها تجلس :
ميان، أنتي كويسة...فيكي إيه !!
أجابت ميان بتعب وألم شديد في معدتها :
مش عارفة بقالى كام يوم تعبانة
سألتها همس بقلق :
طب فارس عارف...ازاي تسكتي على نفسك كل ده من غير ما تكشفي....بتستهبلي والله
ظهرت علامات الضيق على وجه ميان و هي تستند برأسها على الحائط فساعدتها همس في الوقوف قائلة بصرامة :
قومي واسندي عليا هنروح نكشف دلوقتي احنا أصلاً في المستشفى
بعد حوالي نصف ساعة
كانت الطبيبة تسحب عينة دم من ميان وتدون عليها بضع كلمات...ثم أعطتها للممرضة قائلة :
تحليل مستعجل النتيجة تطلع خلال ساعة بالكتير
سألت ميان وهمس معاً :
تحليل إيه ده...ما تفهمينا !!
ابتسمت مها، التي أصبحت صديقة لهما منذ أن بدئوا العمل بالمستشفى قائلة :
اهدوا، مفيش داعي للقلق...أنا سألتك حاسة بإيه... قولتي دوخة وآلام في معدتك و زيادة في القيء الفترة دي....وكمان سألتك عن أخبار الضيفة اللي بتيجي كل شهر قولتي اتأخرت
أومأت ميان برأسها فتابعت مها ضاحكة :
كل ده ما لفتش نظركم لحاجة !!
ردت همس بضيق ونفاد صبر :
جيبي من الآخر يا مها، قلقتينا، مالها ميان
حركت مها رأسها بيأس وقالت :
دخلتوا طب ازاي..أنا مش عارفة أصلاً ليه ما رحتوش لدكتور متخصص وجايين ليا
ردت ميان بنفاد صبر وتعب :
انجزي يا مها....في إيه !!
أجابت مها بابتسامة واسعة :
فيه اني متأكدة بنسبة ٩٠ ٪ ان الدكتور فارس و حضرتك هتستقبلوا ضيف صغنون إن شاء الله بعد تسع شهور....ينور دنيتكم بس هتأكد اكتر بعد التحليل !!!!!
صُدمت ميان مما قالت و تجمدت مكانها بينما كانت مشاعرها تتداخل بين الصدمة والفرح صرخت همس بسعادة وعانقت ميان بقوة :
هتبقي أحلى مامي يا ميان
دمعت اعين ميان و شعرت بشعور عميق من الفرح يجتاحها و بينما كانت دموعها تسقط لم تستطع إلا أن تفكر في فارس تصورته وهو يتلقى هذا الخبر كيف ستتغير ملامحه إلى الفرح و الحماس
اختلطت مشاعرها بالفرحة العارمة والحماس لمشاركة هذا الخبر السعيد مع فارس
ابتسمت بسعادة بعدما خطر ببالها شيء من المفترض ان غداً عيد ميلاد فارس لكنها ستغير الخطة !!
- نايمه !!!
رسالة من كلمة واحدة فقط وصلت لأماليا عبر تطبيق التواصل الاجتماعي " الانستغرام " من سفيان الذي تردد كثيراً قبل ان يرسلها فالوقت متأخراً
بتردد مماثل له كانت أماليا تجيب عليه برسالة :
لأ
سألها محاولاً فتح حديث معها :
صاحية ليه لحد دلوقتي
تنهدت وهي تعاود النظر إلى السماء قبل ان ترسل له بتردد و حيرة :
مش جايلي نوم خالص
تنهد هو الآخر قبل ان يجيب عليها برسالة :
انا كمان ، بس انتي مش جايلك نوم ليه !!
تكومت بداخل الارجوحة التي تحتل جزء كبير من شرفتها الصغيرة و هي تقول بحيرة :
بفكر !!
سألها سفيان : بتفكري في ايه ؟
تنهدت و لم تعرف بما تجيب !!
هل يمكن ان تخبره انها تفكر به هو !!!
عندما لم تجيب عليه و استغرق الأمر بضع دقائق بتردد كان يتصل بها سرعان ما انتفضت الأخرى عندما شعرت باسمه ينير شاشة هاتفها !!
قلبها يريدها ان تجيب عليه بينما عقلها يرى ان ذلك خطأ كبير وكالعادة كما يحدث مع الكثير منا مشاعر القلب تغلبت عن اي شيء اخر واجابت عليه بتوتر شديد
صمتت وكذلك فعل هو حتى تجرأ سفيان وقطع الصمت قائلاً :
بتفكري في مين مطير النوم من عينك !!
تنهدت ثم ردت عليه بحيرة :
بفكر في واحد غامض بالنسبة ليا !!
سألها بهدوء :
ليه غامض !!
ردت عليه بحيرة ارهقتها :
عشان معرفش عنه حاجة ، دايما في حيرة اللي بيعمله حاجة ونظرات الباقين ليه حاجة تانية، وماليش حق اني اسأل ، بس.....
صمت للحظات قبل ان يقول بحزن :
بس ايه !!
ردت عليه أماليا بحزن وهي تسمح بيدها على مقدمة شعرها :
مفيش !!
سألها سفيان بتردد :
انتي حبتيه !!!
كان الرد عليه صمت دام لدقائق قصيرة فرد هو بدلاً عنها قائلاً بحزن :
اي واحدة مكانك هتخاف على نفسها وتبعد و هيكون ليها كل الحق ، انتي تستاهلي تحبي حد أحسن بكتير ورغم ان هو محتاج ليكي جنبه بس انتي تستاهلي الأحسن منه
صمتت و لم تجيب ليتنهد سفيان قائلاً بحزن :
تصبحي على خير !!
قبل ان يغلق الهاتف جاءه صوتها الخفيض :
مش عارفة بحبه ولا لأ ، حاجات كتير اوي بحسها ناحيته ، اهمها اني مش عايزاه يبعد عني ومش عايزة يجي يوم عليا من غير ما اشوفه، عايزاه جنبي طول الوقت عشان بيبعد عني بزعل اوي و بحس اني مخنوقة.....ونفسي اعرفه اكتر !!
هربت دمعة من عيناها تعبر عن حيرتها وهي تتابع حديثها بصوت خافت :
لو اللي بيحب بيحس بكده، يبقى انا.....يبقى انا كده بـحـبـه !!!!!!!!!!
ثم تابعت بتساؤل و صوت حزين :
بس هو بقى بيحبني !!!
اغمض عينيه قائلاً بحزن وحيرة :
هو مش عارف حاجة خالص، مش عارف غير انه مش عايزك تبعدي عنه وتفضلي جنبه !!!
ثم تنهد بعمق متابعاً بحزن :
بس في نفس الوقت شايف انك تستاهلي الأحسن منه بكتير ، شايف انك ملاك و تستاهلي حد يكون شبهك و زيك
سألته بحيرة :
هو ايه حكايته بالظبط !!
ردد بسخرية مريرة :
حكايته لو عرفتيها هتكرهيه و تكرهي الساعة اللي شوفتيه فيها......هتبعدي زي ما كلهم بعدوا عنه
في منتصف اليوم التالي عاد فارس للمنزل يبحث في أنحاء المنزل عن ميان لكنه لم يجدها اتصل بها ليفاجأ بصوت رنين قادم من غرفة النوم....
بدت تعابير الدهشة على وجهه وهو يتوجه إلى الغرفة ليجد هاتفها المحمول على الطاولة بجانب الفراش تحته ورقة مطوية فتحها ليقرأ :
عشان تلاقيني محتاج تتعب شوية، فكر في الحاجة اللي كنت تعملها لما نكون متخانقين سوا....بحبك
ابتسم فارس وضحك بخفة ثم انتقل إلى الغرفة الأخرى والتي كانت غرفتها السابقة ليجد صندوقًا على الفراش وعليه ورقة مكتوب فيها : بحبك تاني
فتح الصندوق ليجد صندوقًا أصغر بداخله ، وعندما فتحه وجد ورقة صغيرة مدونًا عليها "بموت فيك"
ضحك فارس بسعادة وهو يتساءل بداخله :
روحتي فين يا ميان "
ثم فتح الصندوق الأصغر ليجد ورقة أخرى مكتوبًا عليها :
اهدا يا عم، هتعرف روحت فين...ندخل في الجد بقى، أكتر مكان بحب أقعد فيه بالبيت علطول
قرأ السطور الأخيرة و ابتسم، قائلاً :
عارفه إنه كتير بس رخامة....دور عليا بقى
ضحك بقوة وتوجه إلى غرفة المعيشة حيث يجلسان عادةً لمشاهدة الأفلام ليجد ورقة أخرى مطوية وعندما فتحها ضحك بخفوت " لا، أنا مش هنا "
توجه إلى الشرفة حيث وجد ورقة أخرى مطوية على الطاولة وعليها وردة حمراء فتح الورقة وابتسم عندما قرأ :
برافو عليك، بس أحب أقولك إن المكان الوحيد اللي أحب أكون فيه بكل الدنيا دي هو حضنك لأنه المكان الوحيد اللي بحس فيه بالأمان...احم...المهم خلينا في الجد زي الشطور انزل تحت هتلاقي حد يجيبك عندي، بس الأول روح أوضتنا وافتح الدولاب
توجه فارس إلى غرفة النوم وعندما فتح الخزانة وجد ملابس له معلقة وعليها ورقة صغيرة مكتوب عليها :
يلا البسني
ارتدى بنطال جينز أزرق وقميص أبيض، ثم وجد وردة أسفل عطره مكتوبًا عليها "يلا رشني"
ضحك و هو ينثر العطر وسرعان ما لاحظ كلمة "بحبك" التي جعلته يشعر بالسعادة
نزل إلى الأسفل ليتفاجأ بسائق عائلتها يفتح له الباب بصمت صعد إلى السيارة وجد ورقة بجانبه مكتوبًا عليها :
طب بذمتك الناس مصعبتش عليك وانت نازل من البيت كده، هيحصلهم زهول لما يشوفوا القمر ماشي على الأرض أيوه....ابتسم كمان واخطف قلوبهم أكتر على العموم أحب أقولك انني بحبك اكتر منهم ومن اي حد
ضحك فارس بسعادة تغمر قلبه و تملكه الشوق لرؤيتها الآن !
بعد وقت....
توقفت السيارة في الميناء حيث ترسوا السفن قبل أن يتحدث شعر بالسائق يضع قماشة سوداء على عينيه، معتذرًا :
أنا آسف يا دكتور فارس...أنا بنفذ الأوامر !!
ضحك فارس بخفوت و توجه مع السائق إلى القارب الصغير وبعد وقت توقف القارب وجاء السائق ليحل العقدة من على عينيه، مشيرًا له ليصعد اليخت الكبير
صعد فارس إلى اليخت وعيناه تبحث عنها حوله بكل مكان حتى وقع نظره عليها كانت تقف على سطح اليخت المزين بالأضواء والورود الحمراء متألقة بثوب أبيض !!
كان هذا الثوب هو نفسه الذي أهداها إياه بعد الزواج في اول مناسبة تحضرها معه كزوج و زوجة
تجمد للحظة، مذهولًا بجمالها ورقتها كأنها تشرق بين الورود اقترب منها ببطء وعيناه تملؤهما الافتتان يشعر بقلبه ينبض بقوة
وقفت ميان أمامه بابتسامة جميلة وعيناهما تتلاقى حيث شعرت ميان السعادة فهي دوماً ترى نفسها بعيناه أجمل النساء ومنذ ان عرفته لم ترى بعيناه غيرها فقط
اقترب منها ببطء، نظراته مليئة بالحب و الشغف لا يصدق كيف لها ان تسرق منه أنفاسه هكذا، اقترب منها بنعومة، يُظهر كل ما في قلبه من مشاعر صادقة وعميقة كانت اللحظة تحمل في طياتها ما يعجز الكلام عن وصفه، تعبيرًا صامتًا عن أحاسيس لا يمكن حصرها بالكلمات
ابتعد عنها مستنداً بجبينه على جبينها قائلاً :
انا بحبك اوي... مفتون بيكي بطريقة مش طبيعية إنتي عملتيلي سحر صح !
ضحكت بسعادة وهي تعانقه بحب قائلة بصدق :
انا مبسوطة أوي يا فارس
ابتعدت عنه قليلًا و عيناها تملؤهما لمسة من الحزن وسألته :
انت ليه مظهرتش في حياتي من زمان....يا خسارة كل لحظة عيشتها بعيدة عنك وبعيدة عن حضنك اللي عمره ما حسيت فيه غير بالأمان
تلاقت نظراتهما وفي تلك اللحظة لم يكن هناك حاجة للكلمات كان هناك حديث صامت بين الأعين، مليء بالمعاني العميقة التي لا تحتاج إلى تفسير
فارس قد أغرقته سعادته بها، وعجز عن الرد بالكلمات، فاكتفى بالتعبير عن مشاعره بطريقة أقرب للقلب، جذبها إليه مرة أخرى، يُظهر عمق عشقه الذي يتجدد ويزداد قوة مع كل لحظة تجمعهما
"كل سنة و احنا مع بعض يا حبيبي"
قالتها ميان بحب و هي تحاوط عنقه بينما الآخر إمارات السعادة تبدو جليه على ملامح وجهه و هو يرى ما قامت بتحضيره لأجله لم يفرح بتلك الأشياء بل سعادته الكبرى و الوحيده انها تذكرته و فكرت به
لم يجد ما يعبر به من الكلمات، فاقترب منها و كاد أن يعبر عن مشاعره بطريقته الخاصة، لكنها ابتعدت عنه فجأة قائلة :
احنا مش لوحدنا !!
رد عليها بزهول وهو ينظر حوله :
نعم ، مين اللي موجود هنا معانا !!!!!
جذبته إليها وقالت بخفوت بجانب اذنه :
ده ضيف صغنن خالص
سألها بتعجب وهو لا يزال ينظر حوله ليعرف من معهما :
مين ده و فين
التقطت يده تضعها على بطنها قائلة بابتسامة واسعة :
هو قاعد هنا !!!!!!!!
لم يستوعب ما قالت فسألها ببلاهة :
بيعمل ايه !!
ضحكت قائلة بمرح :
بيصيف، ايه يا فارس مالك
اغمض عينيه و اخذ يفتحها عدة مرات بزهول و صدمة مردداً بلسان ثقيل من الصدمة :
ده بجد !!
اومأت له عدة مرات و لم تقدر على تمالك دموعها التي انسابت من شدة الفرحة :
هتبقى أحلى بابا يا فارس
بدون سابق انذار حملها بين ذراعيه واخذ يدور بها صارخاً بسعادة لكونه سيصبح اباً عن قريب
ضحكت ميان بقوة و السعادة تغمر قلبها لرؤيته سعيداً بتلك الدرجة انزلها و هو يكوب وجهها بيديه يلثم كل انش به بسعادة ثم انحنى اخيراً يضع يده على بطنها موضع الجنين تاره يلثمه بحنان و تاره يضع رأسها عليها كأنه يعانق طفله
انحنت لمستواه سرعان ما انتفض يمنعها من ذلك قائلاً بلهفة شديدة و هو يحاوطها برفق :
لا متوطيش ، كده غلط عليكي تعالي انتي واقفة ليه اصلاً
حملها بين ذراعيه دون ان يعطيها فرصة للحديث يضعها على الأريكة الموجودة بأحد الزوايا قائلاً بلهفة كبيرة :
عرفتي امتى وازاي، انتي كويسة نفسك في حاجة ، حاسة بأي تعب طيب ، طالما حامل بتعملي كل المجهود ده انهارده ليه و مرتاحتيش ، احنا هنلف ونرجع دلوقتي نطمن عليكي و عليه ، ايوه....
وضعت يدها على شفتيه توقفه عن الحديث و هي تضحك قائلة بسعادة :
براحة واحدة واحدة يا فارس
جذبها لاحضانه بسعادة دقائق وابتعد عنها يلثم جبينها بكل حب فبدأت هي تسرد عليه كل شيء وما ان انتهت رددت بسعادة :
ملقتش هدية اجمل من كده تكون هدية عيد ميلادك
ردد بحب و يضع رأسها على صدره :
انتي أجمل هدية يا ميان، انتي أجمل حاجة حصلت في حياتي.....انا بعشقك
ابتسمت بسعادة وقالت بحب و هيام :
وانا بموت فيك يا فارس
بعد عودة ميان وفارس إلى منزلهما، سرعان ما انتشر خبر حمل ميان بين الجميع لتغمر السعادة قلوبهم خاصة أهلها وأهله
كانت الفرحة عظيمة لدرجة أن العائلتين قامتا بتقديم الأضاحي كتعبير عن الفرح والشكر لهذا الخبر السار
باتت أجواء الفرح والتهاني تملأ المكان حيث اجتمع الأحبة للاحتفال بهذا الحدث السعيد والكل يترقب بشوق ولادة الطفل الذي سيضيف مزيدًا من البهجة إلى حياتهم
في غرفة الاجتماعات، بعد خروج الموظفين ظل سفيان و قصي وحدهما
لاحظ قصي تشتت سفيان خلال الاجتماع فسأله :
سفيان مالك طول الاجتماع مش مركز و سرحان ، حصل حاجة معاك و لا ايه !!
تنهد سفيان بعمق ثم قال بعد صمت:
تايه....حاسس اني تايه، جزء من قلبي لسه متعلق بميان ، وجزء تاني عايز قرب أماليا، بس خايف أظلمها....مش متأكد إذا مشاعري حقيقية ولا لأ
ثم تابع بحزن مبتلعاً غصة مريرة بحلقه :
انا تعبان يا قصي
نظر إليه قصي بحزن لكنه ردد بجدية :
لازم تواجه نفسك و تاخد خطوة ، خليك صريح مع نفسك ومع أماليا لو مش حاسس إنك تقدر تديلها كل اللي تتمناه يبقى الأحسن تكون صريح معاها وتقولها كل اللي في قلبك
رد سفيان بحزن :
لكن الصراحة ممكن تأذيها وتجرحها
طمأنه قصي قائلاً :
الصراحة هي احسن و اقصر الطرق، خليها هي اللي تقرر بعد كده إذا حابة تكمل ولا لأ
صمت سفيان يفكر في كلام قصي لكن سأل نفسه بقلق كبير و خوف تسرب إلى قلبه
إذا اكتشفت أماليا ماضيه، هل ستقبل به ؟
كيف ستنظر إليه ؟
هل ستكون قادرة على الوثوق به من الأساس ؟
تنهد سفيان وهو يتذكر حديثه مع فريدة منذ فترة قصيرة عندما كان يجلس برفقتها يتناول معها الغداء في صمت قطعته قائلة بمكر :
عسولة اوي أماليا !!
اومأ لها بصمت ولم يعقب على حديثها فتابعت :
باين عليها متربية و بنت ناس ، الف شاب يتمناها
لم يعقب ايضاً فلم تجد حل سوى ان تقولها مباشرة :
ايه رأيك تتجوزها !!
جز على اسنانه مردداً بحدة :
فريدة شيليني من دماغك وموضوع الجواز دي انسيه تماماً ، طلعي أماليا من دماغك لأني مش هسمحلك تخليها نسخة من ميان
ردت عليه بحدة و غضب :
ميان...ميان...ميان...ايه مش هنخلص منها و من سيرتها، الحق عليا اني عاملة على مصلحتك ، فوق بقى من الوهم اللي معيش نفسك فيه ، لسه فاكر انها بتحبك و في يوم هترجعلك تبقى غلطان دي قليلة الاصل و خدعتنا المدة دي كلها ، هي لا حبتك و لا باقية عليك ، مع اول فرصة جت ليها اتجوزت و عاشت حياتها و سابتك !!
صرخ عليها سفيان بغضب ونفاذ صبر :
فوقي انتي من الوهم اللي معيشة نفسك فيه، مش كفاية عليكي ذنب ميان عايزة تشيلي ذنب أماليا ، مفكراني غبي انا عارف انك هتلفي و تدوري و تعملي نفس الاسطوانة على أماليا و هتطلعيني ضحية وميان هي المذنبة مع ان العكس صحيح وانا وانتي المذنبين في حقها
ردت عليه بمكابرة و حدة :
فين الغلط مش هي بتحبك زي ما بتقول، كان حصل ايه يعني ما ياما بيحصل بين المتجوزين، هي اللي كأنها ما صدقت تخلص منك عشان ترمي حبالها على غيرك
رد عليها بحدة ونفاذ صبر :
انتي ازاي كده ، انا مش عارف اقولك ايه ، فوقي لنفسك يا فريدة قبل ما تخسري كل حاجة ، و اولهم انا ، لو قربتي من أماليا او وصلني انك بس عملتي نفس اللي عملتيه مع ميان انا اللي هقفلك و ساعتها كمان هتنسي ان ليكي حفيد اسمه سفيان، و لو عاملة عليا انا بقولك ملكيش دعوة بيا، مش محتاجة مساعدتك !!!
جزء بداخله يخشى فريدة وما يمكن ان تفعله بأماليا !!
هل سيعاد الماضي وتصبح أماليا نسخة من ميان !!
راقبه قصي بحزن عميق، وهو يعلم بالصراع الذي بداخل سفيان...رأى الألم والحيرة واضحين على وجهه ، وعرف مدى معاناته، تمتم قصي في نفسه بالدعاء متمنياً أن يهدي الله قلب سفيان ويمنحه الراحة و السلام
"ممكن اعرف طلبت تشوفني ليه" قالتها أماليا بنبرة يملؤها الفضول وهي تنظر إلى سفيان الذي استجمع نفسه ثم أخذ نفساً عميقاً قائلاً بتردد واضح :
اسمعيني للآخر وفكري في كلامي براحتك ، بعد كده ردي عليا !!
أومأت برأسها موافقة وهي تستمع إليه بتركيز فابتلع ريقه وقال بخوف داخلي :
عارف إننا اتقابلنا من فترة قصيرة، وإن طلبي دلوقتي ممكن يكون مجنون بالنسبة ليكي....و ممكن جداً ترفضي
سألته بتردد وحرج :
قصدك إيه !!
تنهد بعمق وأجاب بتردد :
قصدي...إني عايز أتجوزك !!!!!!!!
تهربت من نظراته بعيداً و أخذت تحك جلد يدها بتوتر ملحوظ فتابع سفيان بوضوح :
خلينا نكون صرحا مع بعض فيه مشاعر متبادلة بينا من ناحيتي مش هقولك حب، هقولك ارتياح...لو قولتلك حب هبقى بكذب
ثم تابع بصوت منخفض يملؤه الحزن :
عارف إن طلبي ظلم ليكي ، بس بجد أنا متلغبط و حاسس إني محتاجك جنبي
نظرت إليه بجدية وسألته :
انت لسه بتحب ميان، مش كده ؟
تحاشى النظر إليها فتابعت هي بهدوء يعكس مشاعرها المختلطة :
شوف أنا محبتش قبل كده، وتجاربي في الحياة مش كتيرة...قرار زي ده مش هيتاخد لمجرد شعور بالارتياح
ثم تابعت بنبرة جادة :
أنا مش هقبل أكون لواحد وأنا عارفة إن فيه غيري في قلبه....أنا مش قليلة عشان أقبل أكون زوجة لواحد بيحب غيري وعايزني لمجرد شعور ممكن يختفي مع الوقت ومايتحولش لحاجة تانية وساعتها أنا اللي هكون خسرانة !!
أومأ لها بصمت والحزن ينهش قلبه فتابعت أماليا :
بص يا سفيان فيه حاجات كتير أنا معرفهاش عنك، لكن من نظرات البعض ليك بحس إن فيها كره حتى كلامك عن نفسك من وقت للتاني بيخليني أحس انك كنت شخص مش كويس في الأول، بس اتغيرت وبتحاول تتغير، أنا ماليش حق أسألك عن حياتك اللي فاتت، لكن من حقي أعرف إنك مش بتحبني، وإنك بتحب غيري !!
تنهدت ثم تابعت بصدق :
مش هكدب عليك وأقولك إن مافيش فضول عندي أعرف حياتك كانت إزاي قبل كده، بالعكس...أنا عايزة أعرف....
تجمدت الكلمات في حلقه وهو يراقب تعابير وجهها المتغيرة ظل الصمت يخيم بينهما للحظات قبل أن يقاطعها بتوتر لعلها تفكر في الأمر مرة أخرى :
أماليا انا مقدرش أوعدك إن كل حاجة هتبقى مثالية....بس اللي أقدر أوعدك بيه إني هعمل كل اللي اقدر عليه عشان اسعدك
نظرت إليه بتفكير وكأنها تزن كلماته في عقلها لم تكن ترغب في أن تتخذ قرارًا متسرعًا و دلكن شيء ما في صوته وفي توتره، لمس شيئًا في قلبها
ربما هو صدقه ربما هو إحساسه بالضياع و ربما رغبتها هي في أن تمنحه فرصة !!
أخذت نفسًا عميقًا ثم قالت بهدوء :
سفيان، أنا مش هضحك على نفسي و أقول إني مقتنعة تمامًا، بس فيه جزء مني عايز يديك فرصة يمكن نقدر نبني حاجة مع بعض...يمكن نلاقي في الآخر حاجة حقيقية
انفرجت أساريره وكأن عبئًا ثقيلاً انزاح من على كاهله...لم يكن يتوقع هذه الإجابة، و لكنها كانت كافية لتضيء له طريقًا كان يظنه مسدودًا :
انا مش هخيب ظنك، وأعدك إني هبذل كل جهدي عشان نلاقي سعادتنا مع بعض
ابتسمت بخفة وقالت :
بس فيه شروط يا سفيان
ابتسم هو الآخر وقد لاحظ أنها بدأت تشعر ببعض الراحة :
قوليلي إيه شروطك وأنا مستعد انفذها
نظرت إليه بجدية وأجابت :
أولاً...لازم نكون صرحا مع بعض من الأول...مفيش أسرار....مفيش تردد....تاني حاجة لو في أي لحظة حسيت إني مش قادرة أكمل تبقى عارف إن ده حقي...مش عايزة نبقى متأذين أكتر من اللي لازم
أومأ برأسه مؤكداً على كلامها :
اتفقنا هنبني علاقتنا على الصراحة من البداية وحقك في انك تاخدي القرار ده محفوظ طبعاً
ابتسمت له في هدوء وأكملت :
فيه حاجة تانية يا سفيان
نظر إليها بترقب :
إيه هي ؟
تابعت بهدوء :
عايزة نبدأ بالعقل قبل القلب نتعرف على بعض أكتر نتكلم...نشوف إزاي نقدر نتفاهم ونعيش مع بعض وبعد كده، لو حسينا إن فيه حاجة حقيقية بينا نقدر نكمل ، يعني عايزة اعرفك اكتر يا سفيان عايزة اعرف طباعك شخصك.....
رد بإصرار وهو يشعر بأنها أعطته الضوء الأخضر للبدء :
موافق....هنبدأ مع بعض خطوة خطوة
أحنت رأسها قليلاً موافقة و قلبها ينبض بمزيج من التردد والأمل...ربما هذه الفرصة ستفتح لهما بابًا جديدًا في حياتهما...وربما سيكتشفان أن هناك شيئًا أكبر من الارتياح بينهما !!
........
عادت أماليا إلى المنزل وهي تشعر بالقلق بعد لقائها بسفيان.....دخلت إلى غرفة المعيشة حيث كانت والدتها تجلس تنهدت و بدأت تقص لها ما حدث و ما ان انتهت بقت تصرخ عليها بغضب لترد عليها أماليا بجدية :
أنا مليش دعوة بماضيه، أنا ليه دعوة بإنه بقى إيه مش كان إيه !!
قالت والدتها بصوت مرتفع معبرة عن غضبها :
بتقولي كده عشان غبية المفروض تعرفي...تعرفي ايه الماضي اللي هتقبليه ده....مش مجرد كلام بتردديه وخلاص ماخوفتيش للحظة من الماضي ده مسألتيش نفسك ليه ممكن ميان و فارس يكرهوه بالشكل ده
ارتفعت حدة صوت والدتها، و زادت سرعة كلامها :
صح، لو فاكرة نفسك التانية في حياته...تبقي غلطانة قبلك كان على ذمته اتنين في وقت واحد....هو مش بالبراءة اللي انتي شيفاها دي، ده أذى كتير وعمل بلاوي لو سمعتيها، تفكري مليون مرة قبل ما تربطي اسمك مع اسمه.....يا غبية
استمر النقاش بينهما و كان الجو مليئًا بالتوتر
رددت أماليا بتصميم :
سفيان اتغير وصلح من نفسه
صرخت عليها والدتها :
وانتي عرفتي منين...عرفتي كان إيه واتغير في إيه بلاش تحكمي على الأمور بسذاجة
ردت عليها أماليا برجاء :
أنا مش صغيرة...أنا قادرة أفرق إذا كان اللي قدامي بجد شاريني ولا لا
ثم تابعت بصدق :
قلبي بيقولي يستحق فرصة ، قلبي بيقولي إنه يستاهلها ومش هيوجعني
أجابت والدتها بصوت حزين و تعب :
يا بنتي، مش هيحبك ولا عمره هيحبك...هو بيحب ميان ولحد دلوقتي مش قادر ينساها...انتي متخيلة هتكوني إيه...هتكوني بديل ليها...فار تجارب بيجرب فيكي إذا كان هيقدر ينساها ولا لا...ولو كان لا...أنتي اللي هتكوني خسرانة...لما تكوني في مكان وهي معاكم و ده وارد جداً عيونه هتدور عليها قبلك.. ساعتها قلبك هيوجعك، وهتموتي من القهر بدل المرة ألف مرة
ثم تابعت برجاء لعلها تستمع لها وتقتنع :
اسمعي كلامي يا بنتي ، أنتي تستاهلي أحسن منه
تجمدت أماليا للحظة، ثم ردت بجدية :
ماشي فرضنا هخسر....هخسر بس أكون اتعلمت سيبيني أختار....وأنا اللي هتحمل المسؤولية...أنا مش صغيرة يا ماما
أخذت والدتها نفساً عميقاً، ووجهت كلامها بصرامة :
أنا هثبتلك إن كلامي صح
أماليا، وهي تنظر إلى والدتها بعينين مليئتين بالدموع ثم قالت بصوت ضعيف :
أنا عارفة إنك خايفة عليا، لكن انا لازم أعطي فرصة لنفسي، وأشوف الأمور بنفسي....خليني اجرب واتعلم مس هاخد خطوة الجواز غير لما اتأكد مية في المية انه يستاهلني
صمتت والدتها ثم قالت بهدوء يسبق العاصفة :
خليه يقابلنا بعد بكره على العشا في.....خلي ابوكي و اخواتك يشوفوه من غير ما يعرفهم انه عايز يتجوزك انا هقولهم اني عزمته على العشا عشان وقف جنبك في الشغل ساعدك...كشكر ليه
قالت ما قالت ثم غادرت و تركت أماليا مكانها تشعر بالتوتر من صمت والدتها المفاجأ تدعو الله بداخلها ان لا تخيب ظنونها به و ان تكون اختارت الصواب!
جاء اليوم المنشود و في منزل ميان و فارس
كانت ميان تنظر إلى نفسها في المرآة بسعادة تلتف حول نفسها بفستانها الأرجواني الواسع، بينما فارس كان يراقبها من بعيد، مغمورًا بالسعادة
فجأة، اقترب منها وجذبها د من خصرها برفق مما جعلها تلتفت إليه بابتسامة مشرقة انحنى ليقترب منهالكنها ابتعدت قليلاً و وضعت يدها على كتفه بلطف تدندن بدلال اذهب عقله :
حلم البنات انت
ومغرومة فيك إنت وقلبي نقاك انت
ونحنا لبعض خلقنا من هالليلة وطالع راح يبقى
القلب والع
ما راح بيضل شارع إلا ويحكي بقصتنا
تأمل فارس عينيها، وسحبها إليه أكثر مردداً بحب :
أحبك أكتر من كده إيه ، ارحمي قلبي شوية وبراحة عليه هو مش قدك
ضحكت ميان بسعادة عارمة ، وبدأت تدور حول نفسها مرة أخرى بحرص شديد وهي تقول :
أنا مبسوطة أوي أوي
فارس، وهو لا يزال يحتفظ بيده حول خصرها نظر إليها بعيون مليئة بالحب الصادق و قال بابتسامة :
عمري كله فدا ضحكة منك يا ميان
احتضنته بسعادة غامرة و هي لا تصدق ما هذا الرجل كيف له ان يكون هكذا كيف له ان يعشقها بهذا الشكل ويجعلها عاشقة له بهذه القوة ♡
بعد وقت
كان فارس وميان يدخلان المطعم الفاخر تمسكت ميان بذراع فارس، الذي أحاط خصرها بيده وأعطاها ابتسامة محبة
قادهم النادل إلى الطاولة التي كانت تنتظرهم عليها الطبيبة والدة أماليا و عائلتها المكونة من ابنائها الأربعة تجهم وجه فارس حين رأى سفيان جالساً بينهم كذلك فعلت أماليا و هي تنظر لوالدتها بلوم مالت ميان عليه وهمست بخفوت :
فارس من فضلك...خليك هادي، احنا ضيوف هنا و الناس حوالينا....بلاش مشاكل
اقترب الاثنان من الطاولة رحبت الطبيبة بهما متجاهلة نظرات فارس الغاضبة و عندما جاء الدور على سفيان صافحه فارس ببرود واضح
جذب فارس ميان لتجلس بجانبه ليصبح هو بالمنتصف بين سفيان و ميان
ساد جو مشحون خاصة عندما لاحظ الجميع وجود توتر بين سفيان وفارس فلم يكن أحد يعرف أن ميان هي زوجة سفيان السابقة وأن هناك صلة قرابة بينهما سوى أماليا ووالدتها
رددت ميان بهدوء، دون أن يلاحظها أحد :
فارس الناس هتلاحظ شكلك باين عليه
ردد علي شقيق أماليا الأكبر، بمرح :
بس إيه، يا عم فارس ، الجواز بيحلي الواحد كده خلي بالك أنا بحسد ، شوفت صراحة اكتر من كده
ضحك الجميع بخفوت عدا البعض فتدخل نائل احد اشقاء أماليا قائلاً بمرح :
والله، برافو عليكي يا مدام ميان....في جوازة فارس الأولى كان بيكون علطول عصبي لكن واضح إن الوضع اختلف دلوقتي
ابتسم فارس بزاوية شفتيه وكذلك ميان، بينما كانت أماليا تراقب سفيان بتركيز لاحظت كيف كان ينظر إلى الأسفل و لكن قبضة يده كانت مشدودة بغضب
عندما قدم النادل طبق الشوربة الساخنة لميان اهتزت يده وسقط القليل من الشوربة على ميان مما جعلها تصرخ من الألم انتفض الجميع و أسرع فارس لتجفيف يدها
لم يستطع سفيان البقاء هادئاً، فاقترب يسألها بقلق واضح :
أنتي كويسة....تحبي نروح لدكتور !!
رد عليه فارس بشراسة :
ميخصكش
تعجب الجميع من قلق سفيان المبالغ فيه من وجهة نظرهم تجاه امرأة يبدو أنه يراها لأول مرة، وكذلك من نبرة فارس الهجومية
ردت ميان على الفور لتجنب أي شجار قائلة و هي تسحب فارس معها :
فارس معلش تعالى ساعدني هروح اغسل ايدي أحسن
ذهب معها فارس على مضض، بينما اعتذر سفيان قائلاً بتهذيب :
شكراً على دعوتكم...بس أنا مضطر أمشي عندي مواعيد بدري بكره الصبح....تصبحوا على خير اتمنى لكم سهرة لطيفة
في صباح اليوم التالي
اقتحم فارس مكتب والدة أماليا غاضبًا وصرخ :
إزاي تعملي كده...إزاي تجيبيه وتقعديه معانا على نفس الترابيزة وانتي عارفة اللي بينا وبينه، غرضك ايه من ده كله !!
ردت عليه بثبات :
أحب أحتفظ بالسبب لنفسي
بغضب دفع فارس كل ما على مكتبها إلى الأرض مرددًا :
قسماً بالله لو اللي حصل اتكرر تاني أو حسيت إنك بتستغلي ميان عشان أماليا ، مش هيحصل خير أبداً أنا مش غبي وفاهم إنتي بتحاولي تعملي إيه....عايزة تبعدي بنتك عن سفيان ماشي، اعملي كده...بس مش على حسابي أنا ومراتي !!
أنهى كلماته وغادر صافعاً الباب خلفه، متجهًا نحو مكتبه لكن صوت صراخ مرتفع قادم من نهاية الممر استوقفه !!
هرع فارس إلى مصدر الصوت ليجد رجلًا يمسك بشابة ويضربها بقسوة...بينما كانت الاخرى تصرخ وتستغيث بدون تردد تقدم فارس بسرعة ودفع الرجل بعيدًا عن الشابة واضعاً إياها خلف ظهره و هو يصرخ بغضب :
إيه الهمجية دي !!!!
تقدم الرجل نحو فارس غاضبًا وهو يحاول الوصول للفتاة مجددًا :
انت مال أهلك
ازداد غضب فارس فلكمه بقوة ليسقط الآخر أرضًا والدماء تنزف من فمه، نهض الرجل بسرعة محاولًا رد اللكمة لكنه تلقى لكمة أخرى من فارس اسقطته على الأرض مجددًا
أشار فارس للأمن ليمسكوا به حتى تأتي الشرطة، تدخلت طبيبة نسائية كانت شاهدة على الواقعة و قالت بخوف :
الراجل ده من ساعة ما عرف إن مراته حامل في بنت، نزل فيها ضرب وكسر المكتب عندي يا دكتور فارس
أومأ لها فارس...ثم صرف الواقفين وأخذ الفتاة إلى مكتبه وما إن سألها عن قصتها حتى انفجرت بالبكاء قائلة بحزن :
غصبوني عليه...ده راجل معندوش لا قلب ولا رحمة... بيضرني دايمًا وميعيشني في ذل وإهانة، أبويا باعني ليه عشان الفلوس اللي بياخدها منه كل شهر أنا تعبت... حتى لما ربنا أراد إني أحمل، مرحمنيش... اول لما عرف إني حامل في بنت، قوم الدنيا وعمل زي ما انت شايف
مسحت دموعها لكن سرعان ما عادت للبكاء قائلة بقهر و مرارة :
لو عندي مكان أروح عليه أو الجأ له كنت روحت
شعر فارس بالشفقة نحوها فردد مواسياً اياها :
معندكيش حد من أهلك تقعدي عنده
هزت رأسها بالنفي قائلة بقهر :
مليش غير أبويا ، ولو روحت ليه هيرجعني لأبو عدنان من تاني عشان يضمن الفلوس اللي بتوصله كل شهر
تنهد فارس، وسألها بجدية :
هتعملي إيه لما تخرجي من هنا
ردت عليه بصوت مرتجف :
معرفش...أنا خايفة أوي
جمع فارس أغراضه ، ثم وقف قائلاً بحزم :
لحد ما أمورك تتظبط وأبو عدنان ياخد جزاؤه هتكوني ضيفة عندي وعند مراتي متخافيش، بيتي أمان ليكي
نظرت الفتاة له بتردد وخوف....فشعر فارس بذلك وردد بصوت حنون :
متخافيش، هتكوني ضيفتنا وهتقعدي معانا معززة مكرمة لحد ما أدبر ليكي شغل ومكان تعيشي فيه بأمان بس لحد ما ده يحصل، مش هتفضلي في الشارع تعالي معايا ، ولو حسيتِ بقلق تقدري تمشي
اضطرت للموافقة إذ لم يكن لديها خيار آخر !!
بعد وقت قليل
دخلت خلف فارس من باب المنزل ، لتجد ميان أمامها فتاة جميلة ابتسمت لها بفضول، التفت فارس نحو ميان وقال بهدوء :
دي مدام جنة....ضيفة عندنا كام يوم يا حبيبتي
أومأت ميان برأسها بترحاب ومدت يدها لتصافحها قائلة بابتسامة دافئة :
أهلاً بيكي، نورتينا...أنا اسمي ميان اتشرفت بمعرفتك
ابتسمت جنة بتوتر وصافحتها بخجل قائلة :
أنا آسفة لو هزعجك بوجودي، بس مليش مكان تاني أروح عليه
نفت ميان برأسها و نظرت إليها بشفقة فقد رأت آثار الضرب الوحشي على وجهها والنظرة المكسورة في عينيها ردت بلطف :
إزعاج إيه بس...ده إنتي هتنورينا....هنقضي وقت حلو سوا....أنا بكون لوحدي طول اليوم لأن الأستاذ بيكون في الشغل....هتنبسطي هنا متقلقيش
ابتسمت جنة بخجل فقادتها ميان إلى إحدى الغرف و أعطتها ملابس لتبدل ثيابها بعد ذلك، عادت إلى فارس الذي عانقها على الفور قائلاً بتعب
تعبان ومش قادر أتكلم يا ميان
بادلت ميان العناق بصمت وبعد دقائق تركته يجلس على الفراش و توجهت إلى الحمام لتجهزه له
بعد وقت قصير
خرج فارس من الحمام ليتفاجأ بالغرفة معتمة، عدا الضوء المنبعث من الشموع المعطرة
جذبته ميان برفق ليستلقي على الفراش على بطنه ثم بدأت بوضع الزيوت وتدليك ظهره برفق حتى شعر بالاسترخاء و غفا بين يديها ابتسمت وهي تلثم على جبينه قبل أن تغادر الغرفة وتتوجه إلى جنة التي كانت قد غفت من التعب
عادت ميان إلى الغرفة، وتأملت فارس وهو نائم بحب فجأة تحرك في نومه وجذبها إلى أحضانه مرددًا بصوت ناعس :
بحبك ♡
ابتسمت بخجل وحب وقالت بصوت خفيض قبل أن تغلق عينيها وتستسلم لدفيء أحضانه :
وأنا بموت فيك
بعد بضع ساعات استيقظ فارس من النوم ليجد ميان غير موجودة بجانبه
تثاءب بكسل ثم خرج من الغرفة مرتديًا بنطال فقط، اخذ يمرر يده على شعره يبعثره متناسياً الضيفة التي معهما بالمنزل
ليتفاجأ بها تجلس في الصالة برفقة ميان !!
شعر فارس بالحرج عندما رأى جنة فابتسم بحرج وقال:
أنا آسف
ثم هرع سريعًا إلى غرفته، فلحقت به ميان قائلة بحرج لجنة التي اخفضت رأسها واحمرت وجنتاها من الخجل :
معلش يا جنة، هو بس لما بيصحى من النوم مش بيبقى مركز تلاقيه نسي انك موجودة، هروح أشوفه لو محتاج حاجة !!
اومأت لها جنة بخجل فدخلت ميان خلف فارس وأغلقت الباب ثم قالت بغيرة :
إزاي تخرج قدام جنة بالمنظر ده !!
ابتسم فارس بمكر واقترب منها قائلاً :
بتغيري عليا
قبل أن تتمكن من الرد جذبها برفق ثم انحنى ليلثم وجنتها لكن فجأة، جاء صوت طرق على الباب تبعه صوت جنة من الخارج تقول بخوف :
الباب بيخبط جامد
خرج فارس بسرعة من غرفته يرتدي قميصه على عجل متوجهًا إلى الباب ليرى من يطرق بهذه القوة وبمجرد أن فتح الباب وجد كارم واقفًا أمامه يقول بغضب :
لازم نتكلم فورًا يا فارس
أمسك فارس بذراع كارم وسحبه إلى غرفة المكتب ثم أغلق الباب خلفهما بهدوء ليضمن عدم سماع أحد لحديثهما
بادر كارم بالحديث بنبرة حادة :
أبو عدنان ده راجل مش مظبوط و خطير و انك تخبي مراته في بيتك ده هيعرض حياتك وحياة ميان وابنك اللي لسه مشفش النور للخطر !!
رد عليه فارس بحزم :
جنة مسئولة مني، ولازم أحميها بنفسي
زفر كارم بضيق وهو يحاول السيطرة على غضبه، قائلاً :
ما اختلفتش معاك...تفضل مسئولة منك وكل حاجة لكن بعيد عن بيتك اللي مفيش عليه اي حراسة حتى، طب شوف انا هاخدها واخبيها في مكان متأمن كويس لحد ما نقدر نمسك أبو عدنان
سأله فارس بحدة :
يعني ايه تمسكه مش الامن سلمه ليك الصبح
ردد كارم بضيق :
ضرب نار على عسكري وهرب !!
ثم تابع بجدية :
بلاش عناد يا فارس ، ميان هتكون في خطر ده اذا مكنتش خلاص في خطر ، أبو عدنان مش هيسكت غير لما يوصل لمراته ويعلم عليك زي ما علمت عليه
سكت فارس للحظة يتذكر ميان و قد بدا له أن حكايتها تشبه حكاية جنة نوعاً ما !!
لهذا السبب أراد أن يساعدها كان يرى في جنة صورة حبيبته ميان و الحالة التي كانت فيها...لكن ميان كانت محاطة بالكثير من الناس بينما جنة ليست كذلك ليس لها احد !!
رد على كارم بجدية و تمسك بموقفه :
شوف يا كارم البنت مش هتخرج من بيتي الا لما اضمن ليها عيشة كويسه وحياتها تكون كويسه ، انا اعتبرتها مسئولة مني وزي اختى
ثم تابع بجدية حتى يريح الآخر :
هات حراس براحتك واحرس البيت بس خروج جنة من هنا مش هيحصل !!
استسلم كارم اخيرا بعد مجادلة كبيرة بينهما جنة كانت تقف قريبة من الباب تستمع لما قيل و قد نمت ابتسامة جميلة على شفتيها لموقف فارس معها و نُبله و تساءلت في نفسها لما لم تحصل مثل زوجته ميان على رجل مثله !!!
بعدما غادر كارم وهو غاضب، دخلت ميان لفارس وسألته بقلق :
ليه كنت بتتخانق أنت وكارم، شكله كان متعصب اوي وهو خارج
تنهد فارس بضيق ثم قص عليها الأمر من بدايته و ما ان انتهى ردد بتعب :
المسألة مش مجرد حماية وبس ، الموضوع اكبر من كده...جنة ملهاش حد وأبوها باعها للراجل ده مقابل الفلوس...أنا حاسس إني مسئول عنها لحد ما أقدر أساعدها تبدأ حياتها من جديد بعيد عن الكابوس اللي عايشاه
سكتت ميان لبرهة ثم رفعت نظرها لفارس وقالت بحزن :
أنا حاسه بيها، لأني عيشت تقريبًا نفس التجربة يا فارس...منكرش إني غيرت شوية من تمسكك بيها ، لكن في نفس الوقت صعبانه عليا و زعلت عليها شعور وحش اوي يا فارس....بس الحمد لله انا كنت محظوظة وقابلتك
نظر فارس إليها بحنان وأخذ يدها بين يديه، قائلاً بصوت مليء بالعاطفة :
ميان، أنتي دايمًا ليكي الأولوية في حياتي...اللي بعمله دلوقتي عشان جنة تقدر تعيش حياتها وتاخد فرصة تانية تحقق كل اللي ابوها دمره جواها لما باعها للزفت ابو عدنان، زي ما إحنا لقينا بعض....أنا عايز أديها الفرصة تبدأ من جديد، وتلاقي نفسها بعيد عن الراجل اللي دمر حياتها ده
ابتسمت ميان بخفة وهي تضغط على يده بلطف ثم تابعت قائلة :
أنا فاهمة و واثقة فيك ، خلينا نساعدها مع بعض و أكيد ربنا هيعوضها يا حبيبي
ابتسم فارس وهو ينظر إلى ميان بحب، ثم احتضنها قائلاً بصوت دافئ محب :
أنا محظوظ لأنك مراتي وحبيبتي ، انتي كنزي اللي ربنا رزقني بيه في الدنيا
ابتسمت ميان له بحب و هي تشعر بالدفء الذي يملأ قلبها بسبب كلماته الصادقة
بينما كانا يعيشان هذه اللحظة الرومانسية، كانت جنة تقف خارج الغرفة، تنظر بصمت إلى الصور التي تجمع ميان و فارس المعلقة على الجدران
الصور كانت مليئة بالحب والسعادة ، تعكس اللحظات التي عاشها فارس وميان معًا
كانت هناك صور تُظهرهما في لحظات من الضحك و الرومانسية وأخرى تُظهرهما في لحظات مجنونة مليئة بالحيوية
لم تستطع جنة منع نفسها من الشعور بغيرة و حقد مفاجئ تجاه ميان فهي جميلة ربما اكثر من ميان لكن تساؤل مرير تسلل إلى عقلها لماذا كان نصيبها ان تكون مع رجل قاسي مثل أبو عدنان، بينما ميان تحصل على كل هذا الحب والاهتمام من رجل مثل فارس !!
كانت تلك الأفكار تتصارع داخلها، تشعرها بالظلم و المرارة أغمضت عينيها للحظة، محاولة تهدئة نفسها، وتقبل حقيقة حياتها، وهي تفكر في ما قاله فارس لها عن بداية جديدة لكن الحزن العميق ظل يثقل قلبها وهي تستمر في النظر إلى الصور، متمنية لو أن حياتها كانت مختلفة
بعد عودة كارم إلى المنزل وهو غاضب دخلت عليه همس بقلق.وسألته عن سبب غضبه فجلس كارم على الأريكة متأففًا، ثم بدأ يقص عليها ما حدث بينه و بين فارس و بعد أن انتهى تنهدت همس بلطف ثم قالت بصوت هادئ :
بص يا كارم كل واحد بيشوف الأمور من وجهة نظره، فارس تقريبًا عاوز جنة متكونش لوحدها، هو مش عايزها تحس بالوحدة يمكن متمسك بيها عشان بيحاول يخليها تحس بالأمان اللي هي مفتقداه
توقفت قليلاً ثم نظرت إليه بعينيها المليئة بالتعاطف قبل أن تكمل :
شعور وحش أوي يا كارم لما تحس إنك وحيد، و أقرب الناس ليك باعوك والشخص اللي المفروض يبقى نصك التاني و سندك و امانك هو اللي بيشتريك وبيعاملك بالقسوة دي...فارس عايز يخليها تحس بدفى العيلة، يمكن افتكر ميان وإنها مرت بنفس العنف ده، عشان كده عاوز يساعدها
نظرت إليه بابتسامة صغيرة وتابعت :
سيبه براحته يا كارم، هو أدرى بيها...وزي ما اتفقتوا زود الحراسة على بيته على قد ما تقدر و متزعلش منه انتوا ملكوش غير بعض، اقف جنبه وساعده
ثم أضافت بلطف :
وأنا بكره هروح أشوف ميان وأطمن عليها الحمل أكيد تاعبها
ابتسم لها بحب ثم قال وهو ينظر داخل عينيها :
عقبالك يا حبيبتي
ابتسمت همس بخجل فاقترب منها كارم واحتضنها بحنان قائلاً بصوت مليء بالشوق :
أنا هموت على اليوم اللي أبقى فيه أب ، وأشوف طفل منك نفسي يكون شبهك في كل حاجة ، و يا سلام لو بنت بنفس شقاوتك وجنانك
ضحكت بخفة، دثم لثمت وجنتيه بحب وقالت بعشق صادق :
انا كمان بحبك أوي يا كارم
عانقها كارم بقوة والشعور بالحب والدفء يغمرهما ،
كأن العالم كله توقف للحظة ليتأمل في تلك اللحظة السعيدة بينهما كانت تلك اللحظة البسيطة كافية لتزيل كل التوتر والغضب الذي شعر به اليوم
في صباح اليوم التالي
كانت همس في بيت ميان تطمئن عليها تعرفت على جنة، لكنها لم تشعر بالراحة تجاهها كان هناك شيء غير مريح، شيء لم تستطع تحديده
دخلت ميان إلى المطبخ ومعها همس وجنة كل واحدة منهن بدأت تحضير بعض التسالي استعدادًا لمشاهدة فيلم معًا
بعد دقائق من الانشغال جلس الثلاثة في غرفة المعيشة، الأجواء كانت هادئة
نظرت جنة إلى الاثنين وسألتهما بفضول :
انتوا في طب مش كده
هزت همس وميان رأسيهما بحرج خفيف مدركتين أن جنة لم تكمل تعليمها سألت جنة بفضول :
ناوين على تخصص ايه ان شاء الله
ردت عليها همس بهدوء :
أنا اطفال باذن الله
بينما ميان رددت بابتسامة :
وأنا نسا وتوليد زي فارس
صمتت جنة للحظة ثم قالت بنبرة هادئة :
ربنا يوفقكم
ميان شعرت ببعض التوتر فقامت بالرد مازحة لتحاول تخفيف الجو خشية من ان تكون جنة شعرت بالحزن لكونها لم تكمل تعليمها :
والله مش عارفة كان عقلنا فين واحنا بنقرر نكمل تعليم....بلا هم ووجع دماغ...اللي خدها من قصيرها ريح دماغه
رددت همس بضحك مؤيدة اياها :
عندك حق والله
لكن جنة ابتسمت ابتسامة باهتة كانت خالية من الحياة، مشاعرها الداخلية كانت بعيدة تمامًا عن تلك الابتسامة المصطنعة بداخلها كانت مقهورة تتمنى لو كانت مكانهما عرفت أن همس متزوجة من ضابط...كان واضحًا أنه يحبها رأت ذلك عندما صعد ليوصلها للبيت ثم ودعها بحب وحنان
لكن هي؟ لم يكن لها حظ في شيء لا في التعليم، ولا في أهل يدعمونها، ولا حتى في مال يساعدها على تحسين حياتها....حتى في الزواج، لم تحظ بفرصة اختيار شريك حياتها بنفسها
كانت تشعر بثقل هذا الواقع و شعور الفقدان و الحرمان كان يعصف بها بينما تجلس بجوارهم تحاول بكل جهدها إخفاء ما تشعر به
في منتصف اليوم غادرت همس و عاد فارس إلى البيت متعبًا بعد يوم طويل
منذ أن جاءت جنة للإقامة معهما أصبح يطرق الباب قبل أن يدخل حتى لا يفاجئها و هي في لحظة راحة فتحت له ميان بابتسامتها الجميلة التي دائمًا ما تأسره
فور دخوله نظر فارس يمينًا ويسارًا يتأكد أن لا أحد يراقبهما ثم أغلق الباب خلفه فجأة جذبها إليه بقوة قلبه ممتلئ بالحب والاشتياق همس لها بصوت خفيض "وحشتيني"
ابتسمت ميان بخجل وهي ترد عليه بحب :
وأنت كمان
فكر في الاقتراب منها مرة أخرى وجودها دائمًا ما يجعله ينسى نفسه لكنها تراجعت بلطف قائلة :
ميصحش، جنة ممكن تيجي في أي وقت
لكنه لم يستطع مقاومة جمالها فاقترب منها سريعة لكن في نفس اللحظة دخلت جنة إلى الغرفة و شهقت بخجل عندما رأتهم في هذا القرب.....عينانها اتسعتا و وجهها احمر خجلاً من المفاجأة...بينما حاولت ميان أن تستعيد هدوءها وتخفف من حرج الموقف !!!
بعد لحظة من الصمت المحرج قالت ميان بتلعثم :
أنا هروح أحط الغدا
ثم استدارت بسرعة و غادرت محاولة إخفاء خجلها
بينما فارس لم يقل شيئًا توجه لغرفة النوم مباشرة تاركاً جنة وحدها، بقيت واقفة في مكانها مشاعر متضاربة تجتاحها، تلك الصورة التي لم تستطع إخراجها من رأسها، تلك اللحظة الرومانسية بين فارس وميان جعلتها تشعر بغيرة مفاجئة وكأن طعنة خفية أصابت قلبها لم تستطع منع نفسها من
التفكير.....ماذا لو كانت هي مكان ميان !!
شردت عيناها في الفراغ بينما تتخيل نفسها بين ذراعي فارس تتمنى لو أن الأمور كانت مختلفة لو أن فارس كان زوجها هي لكن هذا الحلم البسيط كان يرافقه شعور باليأس لأن الواقع مختلف و فارس هو زوج ميان...وليس لها !!
عادت للواقع ولكن المشاعر التي تملكتها في تلك اللحظة تركتها عالقة في دوامة من الأمنيات والأحلام المستحيلة
كان فارس عائداً من عمله بوقت متأخر من الليل بعدما اضطر للمغادرة بسبب حالة ولادة متسعرة ليتفاجأ بعدة سيارات تلاحقه لتسبقه واحدة تقف امامه لتسد عليه الطريق!!!
قطب جبينه بتعجب لما يحدث، نزل من السيارة بوجه متجهم وقبل أن يتحدث تفاجأ بعدة رجال يخرجون من السيارة ويتقدمهم ذلك الرجل عديم الرجولة الذي كان يعتدي على زوجته أمس بالضرب "ابو عدنان"
اقترب من فارس، الذي لم يرف له جفن، قائلاً بتهديد :
مش قولتلك مش هسيبك؟ فكرك إنك ترفع ايدك على أبو عدنان ده هيعدي بالساهل ده انت حفرت قبرك بايدك
شمله فارس بنظراته مستخفاً به ثم قال :
لو خلصت الشو خلصني يلا وهات أخرك عشان عاوز أنام !!!
استشاط الآخر غضباً واقترب منه سريعاً ليلكمه لكن فارس مسك به مسدداً له لكمة قوية جعلته يقع أرضاً أسفل أقدام رجاله والدماء تنزف من أنفه بغزارة
تقدم رجال أبو عدنان نحو فارس بعد إشارة منه مستعدين لضربه....لكن فارس وقف بشجاعة لا مبالي بهم...جاهزًا للمواجهة
هجم عليه الرجال وتبادلوا اللكمات والركلات بشكل عنيف لكن رغم شجاعة فارس وقوته إلا ان الكثرة تغلب الشجاعة واستطاعوا في النهاية التغلب عليه وإحكام القبض عليه، جذبوا فارس بقوة ليقف أمام أبو عدنان الذي رفع يده بغل ليضربه لكن فجأة..