رواية بعينيك اسيرالفصل السادس عشر16بقلم شهد الشوري

رواية بعينيك اسير
الفصل السادس عشر16
بقلم شهد الشوري
ابتسمت ميان بسعادة، وانسابت دموعها على وجنتيها، بينما سفيان استند بجبينه على جبينها، يتنفس أنفاسها وعقله غير مدرك ما يفعله الآن، انساق وراء رغبات قلبه في ضمها لصدره، أن يجعلها بين يديه مدى الحياة

تمتمت هي الأخرى بصوت خافت، وهي تنظر في عينيه :
أنا بحبك يا سفيان، متخلنيش أكرهك، صدقني، أنا خايفة أكرهك.....لأن لو انطبقت السما على الأرض، عمرك ما هتقدر مهما عملت تخليني أحبك من تاني بنسبة واحد في المية، على قد ما بحبك....صدقني هكرهك
توسعت عيناه بصدمة، وكلماتها أعادته إلى أرض الواقع، فدفعها بعيدًا عنه، وأخذ يلعن نفسه وغبائه على ضعفه أمامها:
غبي....غبي، إزاي تعمل كده
اقتربت منه قائلة بدموع :
انا مقولتش حاجة غلط
صرخ عليها بغضب :
اللي حصل غلط، وجودك غلط، أنا خونت وعدي ليها، ووعدي لنفسي إن عمري ما اقرب منك، انتي أكبر غلطة في حياتي، وكل اللي باخده منك وجع وبس
ضحكت بسخرية، قائلة بدموع :
إنت اللي بتاخد مني وجع، طب، وأنا اللي بتعمله فيا ده إيه، إنت الوحيد اللي واجع قلبي، إنت سبب حزني، ما سألتش نفسك، واحدة زيي مستحملة كلامك ده كله ليه، اللي هتعمل كده يا اما واحدة بتحبك، يا إما واحدة طمعانة فيك، وأنا اتربيت في بيت أبويا على العز، مفيش حاجة بحتاجها إلا لما تيجي لحد عندي، مستحيل أطمع فيك
سخر منها، مرددًا بجراءة، وهو يتحسس شفتيها المنتفخة بسبب ما حدث بينهما قبل قليل :
ما يمكن محتاجة حاجة تانية، تقدري تاخديها مني على فكرة من غير الفيلم ده كله، ترفضي الجواز الأول وبعدين توافقي، وجو بحبك ومش عاوزه اكرهك، ما تخليكي صريحة معايا....
ما كاد أن يكمل حديثه حتى كانت صفعة من يدها تهوي على صدغه بقسوة، مصحوبة بكلماتها الغاضبة :
انت فعلاً خسارة فيك أي حاجة، شايف نفسك على إيه، عمال تطلع فيا عيوب وبتقول عني أنا وأهلي وحشين، واللي المفروض ان هما أهلك برده، واللي اللي ملوش خير في أهله ملوش خير في حد، بتقول عني كده وبتتهمني وأنا بنت خالتك، أومال بعد ما بقيت مراتك كنت هتعمل ايه، لو فاكر إن اللي بتعمله شطارة ورجولة، تبقى غلطان، دي قلة أصل وأخلاق، قارن بيني وبينك، وانت تعرف الفرق بين تربية أهلي، اللي مش عاجبينك، وتربيتك انت اللي سمحتلك تتكلم عني كده....يا بن كاميليا !!
رفعت إصبعها في وجهه، قائلة بغضب :
بتطلع عيوب فيا وبتنتقدني، وشايفني رخيصة، إنت أصلاً كلك عيوب، ومع ذلك عمري ما قدرت أقولك عليها عشان ما أضايقكش، لكن اللي زيك مش بيفتكر لا معروف ولا عشرة، زي الست الوالدة بالظبط، ولو كانت هي بقيت على عشرة العمر اللي بينها وبين ابوك، كنت انت بقيت على خالتك وجوزها اللي بيتهم كان مفتوح ليك على طول، وابنهم اللي كان بيعتبرك زي أخوه، ومع ذلك هان عليك ومحضرتش جنازته، وكنت بقيت على اللي بيني وبينك
أخذت نفسًا عميقًا، وصدرها يعلو ويهبط من الغضب والانفعال الشديد:
بتقولي بحبك، حب إيه ده اللي يخليك تتهمني في شرفي كل شوية قدام الكل، وتفضل تطلع عيوب فيا وتتهمني بحاجات محصلتش، وعمرها ما هتحصل، أنا عمري ما قولت في حقك كلمة وحشة، كنت بدافع عنك قدام أي حد يقولي ده ميستاهلش حبك، وسيبك منه، وغيره يتمنوا ضفرك، كنت برد عليهم وأقول معلش، معذور ومجروح من والدته، كنت بحطلك مبررات رغم إنن عارفة من جوايا إن كلها مش صح، وإنك غلطان، بس إنت بقى عملت إيه، بتتهمني بحاجات غريبة، حطيت ليا مرة مبرر واحد، جيت سألتني....
طبعًا لأ انت كل اللي عملته أنك اخدتني أنا وأهلي بذنب أمك هي اللي عملته مش احنا
أخذت نفسًا عميقًا، ثم قالت بحزن :
أنا لآخر لحظة كنت متمسكة بيك، لكن بعد اللي قولته ده، جيبت الناهية خلاص يا سفيان، أنا لا عايزاك ولا عايزة أشوف وشك، وأقولك على حاجة كمان، إنت تستاهل واحدة زي مراتك، تعمل عليا أنا مفتح وفاهمني، ومراتك مغفلاك، إنت مينفعش معاك غير واحدة زيها، كل اللي بتقوله عليا وبتتهمني بيه، مراتك بتعمله، والغبية متعرفش إنها بتردلي حقي منك، ما هي الدنيا دوارة، اللي بيعمل حاجة أو بيوجع حد بحاجة، هيجي يوم يتوجع بيها
قبض بيده على كتفها صارخًا بقسوة :
حفرتي قبرك برجليكي لما رفعتي إيدك عليا، وغلطتي في مراتي، اللي أشرف منك ومن مية واحدة من عينتك، ورحمة أبويا، هتدفعي تمن اللي حصل ده غالي أوي
دفعت يده عنها قائلة بغضب :
اتكلم على قدك، انت أكتر واحد عارف إن قلبتي وحشة، وان لو حطيت حد في دماغي، مش بسيبه، وبكرهه في اليوم اللي اتولد فيه، طبعي بقى من زمان ومش بغيره، لما بحب حد بحبه من قلبي ولما بكره ربنا ما يوريك قلبتي!!!
ثم تابعت بتهكم :
كل الكلام ده كنت بتعلمه ليا وأنا صغيرة....فاكر
اقترب منها قائلاً باستهزاء :
تصدقي، خوفت
اقتربت خطوة منه قائلة بتحدي:
خد كلامي باستهزاء كويس، بكره يجي اليوم اللي تبكي فيه بدل الدموع دم، هكشف كل حاجة يا سفيان، وهخليك تعرف إنك غبي وظالم، مش عشانك، لأ، ده عشاني، عشان أشوفك جايلي راكع ومذلول تطلب السماح، عشان تحس بالندم، وشعوره يقتلك كل يوم بالبطيء
قبض بيده على فكها قائلاً بقسوة وفحيح :
ده إنتي لا عيشتي ولا كونتي، ولا اتخلق لسه اللي يذل سفيان العزايزي، ده انا افرومك تحت جزمتي قبل ما تعمليها
دفعت يده بعيدًا عنها قائلة بتحدي :
الأيام بينا يا سفيان، ومفيش أسرع من الوقت
قالت الأخيرة، ثم التقطت حقيبة يدها وأوقفت سيارة أجرة، واستقلتها إلى منزلها الذي لا يبعد كثيرًا، بينما الآخر ينظر لأثرها بغضب كبير وندم أكبر على ضعفه أمامها رافضًا الاستماع لكل ما قالت، عقله لا يراها سوى كاذبة وخائنة، تفعل كل ذلك لتزعزع ثقته بزوجته لأنها تغار منها، وكلما لانت مشاعره تجاهها ولو قليلاً، تأتي صورتها في خياله، وهي بين أحضان ذلك الشاب فيزداد قسوة تجاهها، متغلبًا على صوته العاشق لها
توقفت سيارة قصي في منطقة خالية من السكان أمام مبنى يبدو أنه مهجور، يأمنه من الخارج رجاله
سألته سيلين بخوف :
قصي، احنا هنا ليه، دي صحرا
نزل من السيارة وفتح لها الباب قائلاً بهدوء :
تعالي معايا، وانتي هتعرفي.....متخافيش
أومأت له، وأصبحت متشبثة بيده حتى دخل بها للداخل، حينها شهقت بقوة وتراجعت للخلف عدة خطوات عندما وقعت عيناها على "راغب" زوجها السابق، مقيدًا على مقعد حديد، والدماء تسيل منه، وعيونه مغلقة من كثرة اللكمات التي تلقاها، وملطخ بالدماء التي تسيل من الجروح التي ملأت جسده
تمسكت سيلين بخوف بيد قصي قائلة بارتجاف :
مشيني من هنا
ردد قصي بقوة :
كان لازم يدفع تمن اللي عمله فيكي، ومكنش ينفع تكوني ليا قبل ما حقك يرجع منه، شوفي إيه اللي يرضيكي، وعايزة تاخدي حقك منه إزاي
نفت برأسها عدة مرات قائلة بخوف :
طلعني من هنا، عشان خاطري يا قصي
رد عليها بصرامة :
سيلين، اللي قولته هيتنفذ، يا تعاقبيه انتي يا أنا اللي هعاقبه وأكمل عليه لحد ما يموت
ثم همس لها بخفوت :
متخافيش، أنا جنبك، محدش يقدر يضرك، ومش الحيوان ده اللي تخافي منه
نظرت لراغب الذي كان في حالة يرثى لها، قائلة بقهر :
ليه عملت معايا كده، أنا مأذتكش في حاجة، ليه تضحك عليا، لعبت بيا ليه ودمرت حياتي
رد عليها راغب باستهزاء رافضًا قول الحقيقة :
صيدة سهلة زي ما بيقولوا، حد يلاقي واحدة سهل يضحك عليها، ومايستغلش الفرصة، بس للأسف، سكتك مكنش شمال، وكان الحل الوحيد الجواز، قولت وماله، الواحد يتسمتع شهر، او اتنين، بعدين يخلع ويرميكي
ثم تابع بوقاحة قاصدًا إثارة غضب قصي :
بس يا سولي، احلويتي و.....
صرخة ألم خرجت من بين شفتيه عندما انقض عليه قصي باللكمات القوية والركلات بعدما استمع لكلمات ذلك الوقح الحقير عنها
ظل هكذا يركل ويلكم غير منتبه لأغمائه، حتى سمع صوت سيلين المتوسل وهي تقول بخوف :
قصي، هيموت في ايدك، عشان خاطري سيبه
دفعه قصي بقدمه باشمئزاز، ثم التفت إليها قائلاً بصوته الدافئ الذي يجعلها تشعر بالأمان :
عايزة تاخدي حقك منه إزاي
توسلته قائلة :
قصي، عشان خاطري، مشيه، متأذيش حد، ده مايستاهلش، لو ليا خاطر عندك، سيبه في حاله، وربنا هو اللي هياخدلي حقي منه
أومأ لها برأسه قائلاً بحب :
خاطرك غالي أوي يا سيلين، حاضر، همشيه، بس بعد ما يتعلم الأدب ويفكر ألف مرة قبل ما يجيب سيرتك حتى بينه وبين نفسه
قال ما قال، ثم جذبها للخارج، مصدرًا أوامر لرجاله بالتعامل معه، ثم أخذها وغادر إلى أحد المطاعم الذي سبق وحجزه كاملاً لهما، وقضى الوقت المتبقي معها في سعادة وحب
في تلك الغرفة التي أصبح أثاثها حطامًا، يجلس زاهر أرضًا بإهمال وهو يرتشف من زجاجة النبيذ التي بيده، ينظر لهاتفه حيث صورة تجمع سفيان وميان وهما قريبان من بعضهما، التقطها أحد رجاله الذي يراقب ميان كظلها دون أن تنتبه، مصحوبة بمقطع فيديو قصير
ألقى بالهاتف نحو الحائط بعنف، فتهشم على الفور، مُصدرًا صوتًا مزعجًا مصحوبًا بصراخه العالي، يسب ويلعن سفيان متوعدًا له بكل شر، مغمغماً بانفعال وغل :
اللي عملته أمك زمان مش همسحلك تعمله أنت دلوقتي، كاميليا زمان دمرت عيلتي، دخلت علينا بالخراب، وأنت مش همسحلك تاخد الوحيدة اللي حبيتها من قلبي....مش هسمحلك يا بن العزايزي!!!
نهض بترنج وتثاقل، ملتقطًا بيده إطارًا يضم صورة لميان وهي تبتسم، التقطها لها خلسة بأحد المرات، متحدثًا للصورة وكأنها أمامه :
بتحبيه ليه، عملك إيه حلو عشان ترضي بيه، هو مش بيحبك، صدقيني، أنا بس اللي بحبك، ومفيش حد في الدنيا دي ممكن يحبك زيي، أنا متأكد لما نتقابل في يوم ونتكلم سوا وتتعرفي عليا، هتحبيني زي ما أنا حبيتك من أول مرة عيني وقعت عليكي فيها، هطلقك منه، وهأخد حق تمن كل كلمة هانك بيها، هي بس مسألة وقت، وهتكوني ليا، وفي حضني يا ميان!!!!
نطق اسمها متلذذًا وهو يمرر أصبعه على صورتها بحب ودموعه تنساب على وجنتيه، متوعدًا لسفيان بالويلات، عازمًا على أخذ ما اعتبره ملكًا له، وأخذه منه الآخر، حتى لو اضطر لجعلها تتألم، سيشفي جرحها فيما بعد...المهم أن تكون له!
في صباح اليوم التالي، في فيلا صغيرة مكونة من طابقين وحديقة مليئة بالزهور، مع اسطبل صغير يكفي خيولهم انها فيلا "كارم الحسيني" الذي يجلس على طاولة الطعام برفقة والدته، يتناولان الإفطار كما اعتادا كل يوم
سألته والدته بابتسامة :
كارم، مش بتشوف همس؟
سألها بتعجب :
بتسألي ليه؟
ترددت قليلاً قبل أن تجيب بتوتر :
كنت هقولك، ايه رأيك تحدد عرضك ليها، يمكن توافق، أو أنا أكلم عاصم، أخليه يحاول يقنعها
رد عليها كارم بحدة :
ايه يا أمي، عايزة تروحي تبوسي ايديهم عشان يوافقوا، ليه هَمُوت من غيرها مثلاً، كل شيء قسمة ونصيب، وأنا وهي ملناش نصيب في بعض
تنهدت والدته بحزن وقالت :
آه، هتموت من غيرها، عيشتك كده غلط، بتموت نفسك بالبطيء يا بني، من ساعة ما رفضتك أول مرة وأنت حالك ما يسرش أبداً، مابقيتش تضحك زي الأول، بقيت دايماً مهموم وخايف انها في يوم من الأيام تكون لغيرك
كور قبضة يده بغضب، والدته محقة بكل كلمة، ثم استأنفت حديثها قائلة بتفاؤل :
بس أقولك على حاجة، والله العظيم أنا حاسة إنها هتكون نصيبك، هو بس الموضوع محتاج وقت، خليك انت وراها وحاول بدل المرة عشرة عشان مايجيش يوم تندم انك محاولتش، والله أنا نفسي قبلك تكون من نصيبك، حبيتها زي بنتي بالظبط، محترمة ومن بيت محترم
أغلق الموضوع قائلاً باقتضاب :
اللي ربنا عاوزه هيكون يا أمي، أنا اتأخرت على الشغل، ولازم أمشي، خلي بالك من نفسك، مع السلامة
ما إن غادر حتى تنهدت والدته بعمق وقررت أن تتحرك هي بدلاً من ابنها، وتقرب بينهما أكثر، فأخرجت هاتفها وتصلت برقم "هبة" والدة همس وقالت بعد دقائق من الترحيب :
مستنياكم كلكوا بكره على الغداء، ومفيش أعذار، وبيني وبينك، انا عايزة أفاتحك في موضوع !
هاتفت لينا عمار عدة مرات لكنه لا يجيب على اتصالاتها، فقررت الذهاب إلى مقر عمله ومفاجأته!!
بينما على الناحية الأخرى، كان عمار يجلس خلف مكتبه، يضع رأسه بين يديه يشعر بصداع لا يحتمل وحكة غريبة بجسده حتى إنه من شدة الألم صدم رأسه بالحائط، لم يتحمل الألم، وكاد أن يذهب إلى المستشفى، لكنه توقف عندما سمع صوت رسالة لهاتفه، كانت الرسالة قصيرة لكنها كانت كفيلة بأن تجعل عالمه ينهار ويسقط أرضاً من الصدمة "يا ترى سفيان العزايزي هيعمل إيه لما يعرف إن أخوه بقى مدمن مخدرات"
الرسالة من رقم مجهول،.وقف ينظر إلى نفسه في المرآة داخل الحمام الخاص بمكتبه، هيئته وما يشعر به من أعراض الألم، لا تدل إلا على شيء واحد أنه حقاً "مدمن" هالات سوداء أسفل عينيه، صداع في رأسه، وحكة في جسده كل صباح، والتي لا تختفي إلا بعد شرب قهوته الصباحية في الشركة!!!
خرج في نفس اللحظة دخلت لينا من باب مكتبه دون أن تطرق وهي تقول بابتسامة واسعة :
حبيت أعملك مفاجأة
اقتربت منه قائلة بقلق عندما لاحظت نظراته الغريبة نحوها، كذلك صمته الغريب :
عمار، أنت كويس؟
جذبها نحوه دون حديث، محتضناً إياها بقوة، خائف، بل تلك الكلمة قليلة على ما يشعر به الآن،.يشعر برعب من القادم، دفن وجهه في عنقها متمتماً بصوت خفيض جداً :
خليكي جنبي
ربتت على ظهره بخجل، قائلة بصوت حنون دافئ :
أنا جنبك، قولي بس مالك، حصل حاجة ضايقتك؟
لم يتحدث، فابتعدت عنه، محاطة وجهه بيدها مرددة بقلق :
مالك يا عمار،.ساكت ليه، لو في حاجة احكيلي، واللي هتقوله مش هيطلع بره، اتكلم، يمكن ترتاح، انا حاسة انك عايز تقول حاجة بس خايف....لو مش واثق فيا.....
قاطعها قائلاً بحزن :
مش عايز أتكلم دلوقتي، سيبني لوحدي يا لينا
ردت عليه بزهول :
بس إزاي....
قاطعها مرة أخرى قائلاً برجاء :
امشي يا لينا دلوقتي من فضلك
غادرت لينا مرغمة، تشعر بالقلق عليه، بينما هو في دخل إلى مرة أخرى يصفع وجهه بالماء لعله يفيق من هذا الكابوس، لكن مع كل دقيقة تمر، يتأكد أن هذه حقيقة لابد من تصديقها والتصرف بأسرع وقت.....يجب أن يتعالج !
حتى الآن، لم تستقر همس على قرار، الخوف هو المسيطر عليها، تخشى الألم الذي تراه في عيون ميان، تخشى فشل التجربة،.وتخشى عدم المحاولة، فتندم لاحقاً
كان رد همس ولينا عندما علموا :
شاب كويس ومحترم، وأنتي بتحسي ناحيته بمشاعر، وكمان هو قالك معجب، مش هتخسري حاجة، وخلال فترة التعارف لو مرتاحتيش، ابعدي وهتكوني لسه على البر، مش هيحصل حاجة
بتردد كانت همس ترسل له رسالة بكلمة واحدة "موافقة"
ثم أغلقت الهاتف حتى لا يتصل بها، وتجهزت لتغادر المنزل وتذهب إلى بيت لينا، ليتفاجأ الاثنتان بعد وقت من جلوسهما بدخول ميان عليهما قائلة بحدة :
كان معاكي حق يا همس، مايستاهلش
سألتها همس بغضب :
عملك ايه تاني البني آدم ده
قصت عليهم ميان ما حدث ثم أنهت حديثها قائلة.:
كل حاجة هكشفها، هخليه يندم، لامتى هستحمل منه الكلام السم ده، لو كان قال بحبك بس إمبارح وسكت كان عندي استعداد أحارب عشان أثبت له إني مظلومة، لكن هو زودها أوي ونهى أي فرصة كان ممكن اديها ليه، هعرفه الحقيقة عشان يعيش طول عمره ندمان، خليه يشوف قد ايه هو ظالم مش مظلوم، وانه أكتر واحد شبه كاميليا، مش أنا ولا أمي
سألتها لينا بقلق :
ناوية على إيه؟
رددت ميان بغضب :
معايا تسجيلات لمراته مع كاميليا، بس أنا متأكد انه هيكذبهم، لكن في حاجات كتير لسه معرفتهاش، ازاي خلوه يشك فيا ويتهمني في شرفي،.وبعدها هاخد حقي منهم واحد واحد
سألتها همس بعد تفكير :
مراته....مراته لو سمعت التسجيلات دي هتترعب وتقول كل حاجة عشان تنقذ نفسها، هي متعرفش إنه مش هيصدق كلامك، وهتقول لنفسها انا ايه اللي يضمني إنه هيكدبها
ردت عليها ميان بحدة :
مظبوط، كلمة السر عندها، لأن في مرة سمعتها بتقول لكاميليا إن كل بلاويها تعرفها، غير كده، سمعت إن نرمين كانت بتشتغل رقاصة قبل ما تقابل سفيان، بس فين بقى معرفش
رددت همس بجدية :
هاتي اسمها بالكامل، وانا عندي اللي يجيبلك كل حاجة عنها من يوم ما اتولدت لحد دلوقتي!!
الساعة الثالثة عصرًا
جلست نرمين في المقهى تنتظر شخصًا ما هاتفها قبل قليل طالبًا لقاءها، وها هي ترتشف قهوتها بنفاد صبر، تنظر إلى الساعة من حين لآخر بضيق، مرت عشر دقائق، وفجأة ظهرت ميان أمامها !!
رددت نرمين بغيظ وحدة :
ربع ساعة تأخير، وانتي اللي طالبة تشوفيني.....يا ضرتي!!!
ردت عليها ميان ببرود وهي تجلس واضعةً قدمًا فوق الأخرى :
تؤتؤ، ايه يا نروم، انتي عاوزاني أجي وأستناكي، أو حتى أجي في معادي، فوقي لنفسك يا روحي، شرف ليكي أصلاً إن ميان القاضي طلبت تشوفك
اشتعلت نرمين غضبًا، وكادت ان ترد، لكن ميان سبقتها قائلة بتهكم :
كان بودي أسألك عن أحوالك، بس للأسف كلها تقرف، فبوفر على نفسي، عشان أنا عارفاها كويس
سألتها نرمين بتوجس وغضب :
قصدك إيه؟
ابتسمت ميان بمكر ثم قالت :
قوليلي، صحيح، هو زاهر....اخباره ايه!!!!!
الصدمة ألجمت الأخرى، لكنها استجمعت نفسها وقالت بارتباك ظاهر رغم محاولتها إخفاءه :
زاهر مين ده، انا معرفهوش
ردت عليها ميان بسخرية لاذعة :
تؤتؤ....مش عارفاه، اومال مين اللي كانت طالعة شقته من كام يوم وهي لابسة فستان أزرق....أو بمعنى أدق مش لابسة
ثم تابعت بقرف واشمئزاز :
لبسك كله غالي، آه، بس معمول للستات الرخيصة اللي زيك
صرخت عليها نرمين بغضب رغم ارتباكها الداخلي :
انتي بتخرفي، بتقولي إيه، لسانك لو طول أكتر من كده، انا هقول لجوزي يأدبك، ويعرفك مقامك
ضحكت ميان ببرود ثم قالت :
تحبي أتصل بيه دلوقتي وأخليه يجي يعرفني مقامي، يمكن بالمرة يعرف مقام مراته كمان
ردت عليها نرمين بتحدي :
اثبتي كلامك لو تقدري
واصلت ميان النقر بأطراف أصابعها على الطاولة بإيقاع هادئ، تنضح منه برودة متعمدة، قبل أن تنطق كلماتها بلهجة تتقطر مكرًا :
أثبت، وماله.....الإثباتات كتير اوي والحمد لله
ثم تراجعت بظهرها للخلف وبدأت تعد على أصابعها بتحدي :
أولًا بواب العمارة اللي بيشوفك وإنتي طالعة ونازلة من شقة زاهر تمام....اللي هو عدو جوزك الأول في السوق، تفتكري واحدة متجوزة بتروح لشقة واحد عازب ليه!!
قالتها ثم غمزت بعينيها بمكر، وتابعت حديثها بنبرة تحمل في طياتها تحديًا واضحًا :
ثانيًا الكاميرات اللي جوه العمارة وبره، وصورتك وانتي داخلة وطالعة....التسجيلات دي كلها معايا
ابتلعت نرمين ريقها بصعوبة، وبدأت ترتجف في مكانها من الخوف وهي تستمع إلى ميان، التي واصلت حديثها بنبرة مشبعة بالتشفي :
ثالثًا سجل مكالماتك، اللي لو فتحناه هيطلع أغلبه مكالمات لزاهر، وده سهل جدًا أجيبه، عندي ألف حد يتمنى يخدمني يا نروم، ومش خسارة فيكي
رمقتها نرمين بنظرة مليئة بالحقد رغم خوفها، بينما عادت ميان لتمرر أصابعها على الطاولة، وتابعت حديثها بمكر :
رابعًا تسجيل في صوتك وانتي بتكلمي حبيب القلب، وطبعًا التسجيل ده اتعمل بفضل الخدم اللي خليتهم يحطوا اجهزة تنصت في أوضتك
تابعت ميان بسخرية وهي ترى وجه نرمين يشحب :
الخدم عندك طلعوا بيعزوكي اوي يا نروم، تخيلي الجهاز ده اتحط في حاجتك وفضحك وكشف الرخص اللي بتعمليه بألف جنيه بس
ابتسمت ميان بابتسامة مشبعة بالتشفي وهي تتأمل حالة نرمين، التي تمسح العرق المتصبب على جبينها من شدة التوتر والخوف، ثم تابعت حديثها بمكر وثقة :
ايه رأيك بقى، شاطرة في جمع الإثباتات....مش كده
جزت نرمين على أسنانها وسألتها بغل :
عاوزة إيه؟
ابتسمت ميان بمكر ثم قالت بتحدي :
ايوة كده، خلينا على المكشوف
صرخت عليها نرمين بعصبية :
عاوزة ايه، خلصيني!!
ردت عليها ميان ببرود :
هتعرفي بكره
زادت نبرة نرمين حدة وهي تقول :
قولي دلوقتي، وانجزي
حذرتها ميان قائلة ببرود :
صوتك يوطى، ومتزعلنيش يا نروم، أصلي زعلي وحش، وممكن في لحظة زعل ابعت كل حاجة لسفيان
غادرت نرمين المقهى، قلبها يغلي بين دوامة من الغضب والهلع، خطواتها متسارعة، ولا تدري أن ميان كانت تراقبها عن كثب، تدرك تمامًا أن مسارها التالي سيأخذها إلى منزل كاميليا !!
"أفاعي"....هذا اللقب الذي يليق بهما، فبينما تبدو ابتساماتهما بريئة، كان السم يسري في عروقهما بلا شفقة، محملاً بالكذب والمكر الذي لا يعرف حدودًا، وكأن قلوبهما قد تجمدت تحت وطأة القسوة، فقد فقدتا كل نبض من الرحمة، لتصبحا مخلوقين من حجر، لا يعترفان إلا بمصلحتهما الخاصة
ما إن فتحت كاميليا الباب، دفعتها نرمين ودخلت، أغلقت كاميليا الباب خلفها وسألتها ببرود :
خير، مع ان الخير عمري ما شوفته منك
ردت عليها نرمين بهلع :
الحقيني يا كاميليا، أنا في مصيبة!!!!
بدأت نرمين تقص عليها ما حدث، وعندما انتهت، رددت كاميليا ببرود :
طب وأنا مالي، دي مشكلتك انتي
صرخت عليها نرمين بغضب :
احنا التلاتة في مركب واحدة، أنا لو وقعت، الكل هيقع معايا
تنهدت كاميليا ثم قالت بحدة :
شوفي هي هتطلب إيه، ونحاول نهاودها مؤقتًا، لحد ما نخلص منها بطريقة تانية
ضحكت نرمين بسخرية ثم قالت :
تفتكري زاهر هيسمحلك تلمسي شعرة منها
ردت عليها كاميليا بتهكم :
ليه يعني؟
ردت عليها نرمين بغل :
بسلامتها ولا كأنها ساحرة ليهم، مش عارفة ايه اللي عاجب ابنك وزاهر فيها، دول مش شايفين غيرها ونفسهم فيها، تخيلي ان زاهر كان هيهد العمارة على اللي فيها لما عرف انها اتجوزت سفيان!!
ردت عليها كاميليا بسخرية :
قولي، إيه اللي ما يعجبهمش فيها، لا هي رخيصة زيك، ولا أنتي حلوة زيها
صرخت عليها نرمين بغضب :
انتي قاصدة تغظيني يا كاميليا، مش كده
ردت عليها كاميليا بابتسامة مثيرة للاستفزاز :
وانتي متغاظة ليه من اللي بقوله، ولا عشان اللي بقوله
رددت نرمين بغضب :
مش وقته الكلام الفارغ ده، خلينا نشوف حل للمصيبة دي، أنا لو وقعت، مش هقع لوحدي يا كاميليا، عليا وعلى أعدائي، وهقول لأولادك اللي هتعمليه واللي عملتيه فيهم، والأسرار اللي بينا، واللي محدش يعرفها غيري أنا وانتي، وعندي استعداد أقول للكل وأفضحك، وساعتها مش هيكفيهم موتك، حتى أختك اللي انتي بتنزلي ليها كم دمعة عشان تصعبي عليها، مش هيكفيها موتك ولا هتسمي عليكي، لما تعرف انك انتي اللي ورا حادثة ابنها، وانك انتي اللي قتلتيه، وانك حاولتي مع جوزها عشان تسرقيه منها وتخربي بيتها !!!!!!
صرخت عليها كاميليا بحدة :
اخرسي، حطي لسانك جوه بوقك....واخرسي
أكملت نرمين بسخرية ولم تبالي بالأخرى :
حتى قصي مش هيسكت لما يعرف إنك انتي اللي حطيتي راغب في طريق سيلين، كانت محاولة منك انك تبعديه عنها ونجحتي، كنتي عايزة تنتقمي من أمه فيه
صرخت عليها كاميليا بغضب :
اخرسي، انتي ما تعرفيش حاجةؤ هي تستاهل، عاليا تستاهل وكوثر كمان، يستاهلوا اللي بيحصل فيهم،.هما اللي سبقوا ودمروني....خدوا مني كل حاجة!!!
سألتها نرمين بفضول :
عملوا إيه يعني يستحق إنك تقتلي ابن اختك، وتدمري سعادة ابن كوثر وتطرديها من المكان اللي عاشت فيه سنين طويلة مع جوزها، أنا عن نفسي مش شايفة غير سبب واحد، وهو ان اللي زيك مش بتحب تشوف حد سعيد وعايزة كل حاجة ليها لوحدها
التقطت كاميليا المزهرية من على الطاولة، ثم قذفتها بالحائط لتتحطم مسببة صوتاً مزعجاً، هددتها نرمين قائلة بتحذير :
صدقيني، انا مش بهزر يا كاميليا، لو وقعت، مش هرحم الكل، لا انتي ولا زاهر، ولو فاكرة انك هتقدري تأذي ميان بالساهل كده تبقي غلطانة، زاهر هيقف ليكي، وابنك لما يعرف اللي انتي عملتيه مش بعيد يقتلك بإيده، ما أنتي مالكيش رصيد حلو عنده عشان يرحمك
كادت أن تغادر لكنها توقفت، واستدارت لكاميليا قائلة بسخرية :
صحيح، نسيت أقولك، عمار خلاص بقى مدمن رسمي، تقدري تحتفلي يا.....يا أمه !!!
كانت ميان جالسة في سيارتها، بعيدًا عن منزل كاميليا بقليل، تستمع لكل ما يُقال بصدمة شلت حركتها، الكلمات تتساقط عليها كالصواعق، حتى أن الدهشة جعلتها غير قادرة على أن ترمش، وكأن الوقت توقف من حولها !!
بينما على الناحية الأخرى، ما إن قرأ يزن الرسالة همس، ذهب لمقر عمل والدها على الفور، مانعاً صوت قلبه وعقله الرافض لما يفعل، يشعر بأنه خائن للعهد ولحبيبته "بسمة" ليجد والدها برفقة ذلك الضابط الذي رآه سابقاً، ألقى عليهم السلام، ثم تنهد قائلاً بجدية :
ممكن أتكلم مع حضرتك لوحدنا
قطب عاصم جبينه، فاستأذن كارم وغادر، ولم يشعر بالارتياح أبداً تجاه ذلك الطبيب، بينما بالداخل، نطق يزن بجدية :
انا يشرفني أطلب إيد بنت حضرتك....الآنسة همس !!!!
بينما في مكان آخر، في احد المنازل البسيطة، كانت تلك الفتاة التي قاربت على الثلاثون، تركض داخل المنزل، وخلفها شقيقتها الصغرى تردد بغضب :
لو مسكتك هعلقك يا بسمة، خدي هنا 
تعليقات



<>