رواية بعينيك اسيرالفصل الثالث عشر13بقلم شهد الشوري

رواية بعينيك اسير
الفصل الثالث عشر13
بقلم شهد الشوري
رددت فريدة بتعب، وهي تتنفس بصعوبة :

ريحوني...أنا مش هكمل علاجي ومفيش دوا هيدخل جسمي إلا لما تكتبوا الكتاب وتتجوزوا !!!
رد عليها سفيان بغضب، وصوته يعلو:
فريدة، انتي تفكري إزاي،مستحيل أعمل اللي بتقوليه، لا يمكن أتجوز على مراتي، وخصوصًا دي بالذات
ابتلعت ميان غصة مريرة، قائلة بصوت مختنق وهي تحاول كبح دموعها :
بلاش تعملي كده يا فريدة، لا هو عايزني، ولا أنا طايقاه، كده بتحطي النار جنب البنزين، والدنيا هتولع أكتر ما هي مولعة
ردد سفيان بغضب وهو ينظر لها بتهكم :
شغل مسكنة عالي أوي، قولي كلام غير ده، انتي الود ودك تقومي تنطي من الفرحة دلوقتي
ترجتهم فريدة بإرهاق شديد، وملامحها شاحبة:
ريحوا قلبي ومتتعبونيش، دي وصيتي ليك، لو ليا غلاوة عندكم وعايزني أعيش...اتجوزوا د، وزي ما قولت مفيش دوا هيخش جسمي إلا بعد كتب الكتاب
صرخ سفيان بانفعال:
مش ممكن يا فريدة، افهمي بقى وطلعي الموضوع ده من دماغك، أنا مش عايزها، هو بالعافية
تمتمت ميان بداخلها بألم :
لأمتى هتفضل تدبح فيا بالبطيء يا سفيان؟
رددت فريدة بصوت ضعيف واصرار :
بكره تشكروني على اللي بعمله ده، كفاية مكابرة انت لسه بتحبها يا سفيان، انتي كمان بتحبيه يا ميان، هتضيعوا عمركم كله بسبب عنادكم، عشان خاطري وافقوا
رددت ميان برأس مرفوع وكبرياء :
خاطرك غالي عندي يا فريدة، انا مش برفضلك طلب لكن جوازي من سفيان مستحيل، ولو انا وافقت بابا مش هيوافق ابدًا. على واحد زيه
رد عليها سفيان بنبرة ساخرة مليئة بالتحدي :
يرفض وهو يطول أصلاً ان واحد زيي يرضى بيكي، ده يبوس ايده وش وضهر ان حد عبر بنته
رددت ميان بنفس النبرة الساخرة وبتحدي واضح :
آه يرفضك، اصل بابا عايز يجوزني لراجل مش واحد زيك
صرخ عليها سفيان بانفعال، وصدره يعلو ويهبط من شدة الغضب :
بت انتي احترمي نفسك
لكن قبل أن يتفاقم الشجار أكثر، جاء صوت فريدة الضعيف وهي تضع يدها على قلبها :
مش قادرة...دكتور!!!
فزع كلاهما وتوقفا عن الجدال على الفور، وركضا للخارج منادين على الطبيب الذي دخل بسرعة لفحصها، بينما الاثنان وقفا بالخارج بوجوه مشدودة من القلق وفجأة علا صوت عمار الغاضب :
انتوا مابتحسوش، الدكتور بيقول حياتها في خطر، وانتوا جايين تتخانقوا قدامها، ده انتوا لو قاصدين تموتوها مش هتعملوا كده
صرخ سفيان بحدة محاولًا كتم غيظه :
اسكت يا عمار، انت متعرفش حاجة
خرج الطبيب بعد لحظات، وجهه يعكس الجدية :
يا جماعة ما يصحش كده، دي مستشفى مش شارع، حالة فريدة هانم النفسية متدهورة جدًا، ومن الواضح إن حضراتكم السبب في ده، أنا آسف، لكن زياراتها ممنوعة لحد ما تتحسن حالتها
انهى كلامه وتركهم في حالة صدمة، لم يجد سفيان متنفسًا لغضبه سوى لكم الحائط بقبضته، بينما ميان كانت على وشك الحديث لإيضاح موقفها، لكن سفيان سبقها بصراخ غاضب :
كله بسببك انتي، أنا مكرهتش حد في حياتي قدك، قرفان من نفسي حتى وأنا بكلمك....أقوم أتجوزك، اصلها كانت ناقصة حد تاني من العيلة دي
رددت ميان بملامح غاضبة، وصوتها يرتجف :
انت قليل الأدب ومش محترم، اللي قرفان صحيح هو أنا، كأن كاميليا واقفة قدامي، نفس الرخص، والقسوة....نفس الحقار
قبض سفيان على يدها بقسوة، نظراته الغاضبة تخترقها كالسهم وهو يردد بصوت غليظ غاضب :
امشي من هنا، مش طايق أشوف وشك قدامي
لم تتحرك ميان، بل نظرت له بغضب، وأنفاسها متلاحقة من الانفعال، فصرخ عليها مرة أخرى :
بقولك غوري من هنا، مش طايق اشوف خلقتك قدامي
تدخل عمار قائلاً بحزم معنفًا شقيقه :
سفيان، انت زودتها اوي، وده مش وقته خالص، كفاية اللي احنا فيه
ثم التفت إلى ميان، محاولًا تهدئتها '
ميان، أرجوكي امشي دلوقتي، أنا هبقى أطمنك على فريدة بالتليفون
أومأت له بصمت وقبل ان تغادر ألقت نظرة أخيرة مليئة بالعتاب على سفيان، الذي كان ينظر لها بغضب لا يزول، في داخله كان يظن أنها المحرضة وراء طلب فريدة، ولا يزال يضعها في خانة الخداع والخيانة
في مكان آخر، استغلت نرمين انشغال الجميع بفريدة، وذهبت للقاء زاهر. وما إن وصلت حتى كانت الغرفة تعبق برائحة الخيانة، حيث قضيا معًا وقتًا طويلًا في ارتكاب المحرمات بعد أن انتهيا، جلس زاهر أمام البار يصب لنفسه كأسًا من الكحول، لتسأله نرمين فجأة :
بتراقب ميان ليه يا زاهر، هتستفيد ايه منها
نظر لها ببرود قائلاً بتحذير :
خليكي في اللي يخصك، ولسانك مينطقش اسمها تاني، فاهمة !!!
ضحكت بسخرية، ثم قالت بنبرة مستفزة؛:
اوعى تكون حبيتها
جز زاهر على أسنانه قائلاً تهديد :
قولتلك خليكي في اللي يخصك، ودي اخر مرة احذرك فيها اوعي تتجاوزي حدودك معايا
صرخت عليه نرمين بغضب :
اومال اللي بيحصل بينا ده ايه، مش عاوزني اتدخل في حياتك، وحاطط بينا حدود ليه كل ده، مش المفروض اني حبيبتك
رد عليها بضحكة ساخرة، مستهزئًا :
حب....حب إيه فوقي لنفسك، لو كان حب كنت دفعتلك تمن الليلة ، لو كان حب كنتي هتاخدي مني فلوس مقابل كل معلومة بتوصليها من عند ابن العزايزي
اقترب منها، وربت على وجنتها ببرود قائلاً :
فوقي لنفسك يا نرمين...اللي زيك مش وش حب، خلينا حلوين مع بعض أحسن ما اقلب على الوش التاني، وساعتها هتزعلي اوي، وانتي اللي هتطلعي خسرانة
رن جرس الباب فجأة، فذهب زاهر ليفتحه قائلاً بسخرية :
في ميعادك بالظبط
كانت الصدمة انها "كاميليا" التي دلفت إلى الغرفة بخطوات مغرورة ونظرة مليئة بالاحتقار، صدمتها كانت واضحة حين رأت نرمين تخرج من غرفة النوم بثوب قصير مكشوف
فسألتها نرمين بصدمة وزهول :
كاميليا، بتعملي ايه هنا !!!
ابتسم زاهر بسخرية وهو يجلس واضعًا قدمًا فوق الأخرى :
اه يا روحي، كاميليا هانم هنا، تصوري، أول ما قولتلهاان العز اللي ولادك عايشين فيه هيبقى بتاعك، جت جري على طول من غير ما تترد
رددت كاميليا بقرف :
مطلعتيش سهلة، بتلعبي على الاتنين...رخيصة
بحركة استفزازية جلست نرمين على حافة الكرسب قرب زاهر، ووضعت ذراعها على كتفه بجرأة قائلة بحدة :
نفس الرخص يا كاميليا، ده احنا دفنينه سوا، كنتي بتلاغي واحد غير جوزك وانتي على ذمته، وأول ما جوزك فلس اتطلقتي منه واتجوزتي التاني، خدتي منه اللي وراه واللي قدامه واتطلقتي منه وبعدها شوفتي غيره، وحطتيني في طريق ابنك عشان أضحك عليه وتستخدميني لو في يوم حبيتي ترجعي لو عوزتي فلوس، عرفتيني كل مفاتيح ابنك وازاي اكسب ثقته واحسسه بكل المشاعر اللي افتقدها معاكي... خليني ساكتة وبلاش اكمل، انتي رخصك اتعدى رخصي بمراحل!!!
ردد زاهر بسخرية :
انتوا الاتنين أرخص من بعض، ولولا إن المصلحة جمعتنا، مكنتش عبرتكم أصلاً، لكن قبل أي حاجة، سفيان العزايزي بكل عيلته هيتصفوا واحد واحد، واللي لسه باقية عليه او على اي حد فيهم ومعارضة كلامي تقول من دلوقتي
ثم نظر لكاميليا وقال بتهديد واضح :
بس اللي هترفض تبقى معايا، تعرف انها من اللحظة دي ضدي، القبر اللي هياخد عيلة العزايزي، هياخدها معاهم
سألته كاميليا ببرود :
اللي هكسبه إيه؟
رد عليها زاهر بابتسامة ساخرة :
تصدقي، كنت مراهن على موافقتك وكسبت الرهان، انا عارفك يا كاميليا، بتموتي في الفلوس، هتاخدي نص ثروة سفيان، والنص التاني هيكون ليا ولنرمين
رددت نرمين بطمع :
اشمعنى هي النص وانا الربع !!
ردد زاهر بابتسامة وقحة وهو يمرر يده على ساقها المكشوفة :
بعد ما القصة دي تخلص، هتبقي مراتي، واللي يخصني هيخصك، أصلي بصراحة مش هلاقي زيك أتجوزها، نفس التفكير والطمع...ده إحنا هنبقى كابل هايل
نظرت له كاميليا باشمئزاز، ليعيد زاهر سؤاله عليها بجدية :
لأخر مرة، هسألك يا كاميليا، باقية على حد منهم؟
ردت بقسوة :
انا ميهمنيش حد من العيلة دي، اللي يهمني الفلوس، ولو حد فيكم فكر يلعب بديله معايا، صدقوني مش هتبقوا أغلى من اللي بعتهم للقبر بإيدي!!
رد عليها زاهر بخبث :
يبقى نبدأ بأول خطوة، نقطة ضعف سفيان واللي ممكن تكسره....اخوه عمار !!!!
سألته نرمين بزهول :
هتقتله
رد عليها زاهر بابتسامة مليئة بالشر :
تؤ، الموت رحمة، أنا بس هذله بأخوه، هموته بالبطيء... هخليه يبوس الجزم والأيادي عشان....شمة واحدة!!!
اتسعت أعين كاميليا ونرمين بصدمة، لكن الأخيرة ابتسمت ما ان فهمت ما يدور في رأسه، لكنها مثل كاميليا لا تدرك أنها مجرد دمية في يده زاهر السامة يحركهم كما يريد، ويوصل لهم فقط ما يخدم خططه، بينما النوايا الحقيقية تظل مختبئة في الظلام
في فيلا مهران، كانت ياسمين تقف أمام المرآة، تتأمل انعكاس صورتها برضا بعد أن قررت ارتداء الحجابزشعرت بشيء من السكينة التي افتقدتها منذ زمنؤ كانت سعيدة لكن تلك السعادة لم تدم طويلًا، إذ اخترقها صوت نادر من خلفها قائلاً بسخرية :
مبروك الحجاب يا شيخة ياسمين
استدارت نحوه ببرود، وقد قررت ألا تسمح له بإفساد لحظتها، وقالت بثبات :
ربنا هداني....عقبال ما يهديك انت كمان
ابتسم بتهكم، وعيناه تلمعان بوقاحة مقيتة، وقال د:
آمين، بس متنسيش تدعيلي، وكتري من دعائك
تسلل الاشمئزاز إلى ملامحها، وكأن كلماته لوثت الجو حولها، فردت بصوت مملوء بالازدراء:
بدعيلك، بس مش عشانك لا، ده عشان ابني...ابني اللي ميستحقش يكون ليه اب زبالة زيك
كاد أن يصفعها في لحظة، لكن يدها كانت أسرع وأمسكت بمعصمه، قائلة بغضب :
ياسمين اللي كنت تعرفها زمان ماتت خلاص، واللي واقفة قدامك دلوقتي مش هتسكت كتير يا نادر، انا لو قولت لأخويا على اللي عملته فيه وانك انت اللي قتلت خطيبته بسمة، وعلى تهديدك ليا بالفيدوهات اللي ميصورهاش غير اشباه الرجال اللي زيك، واللي معندهمش لا رجولة ولا شرف، يزن ساعتها هيدفنك حي
ثم دفعت يده بقوة، وأكملت بصوت غاضب ونظرة أشبه بنار مشتعلة :
بلاش تختبرني أكتر من كده، لأنك انت اللي هتندم وتتفضح في الآخر....مش انا !!
ضحك نادر بسخرية مليئة بالغل، وهو يتراجع خطوة للخلف، ثم قال بنبرة مليئة بالاحتقار :
مش انا اللي اتهدد يا روحي واللي هيتفضح هو انتي وعيلتك كلها، ضغطت زرار وفيديوهاتك الحلوة هتبقى على كل تلفون في مصر، طبعا انا مش ظاهر فيها، ساعتها بقى هرفع عليكي قضية وهسجنك وهاخد حضانة ابني منك واحرمك منه لأخر العمر، انا طلعت ولا نزلت راجل انما انتي.....خليني ساكت بقى كفاية عليكي اللي قولته
صرخت عليه بغضب واشمئزاز :
انا مشوفتش في حياتي أحقر منك
ابتسم ببرود، تلك الابتسامة التي اعتادت أن تحطمها أكثر من الكلمات، ثم استدار ونزل إلى الطابق السفلي، أما هي، فبقيت مكانها، ودمعة ثقيلة شقت طريقها على خدها
حدقت في انعكاسها مرة أخرى في المرآة، لكن هذه المرة لم تكن ترى سوى امرأة منهكة، أغمضت عينيها، محاولة الهروب إلى أعماق ذكرياتها....لكن تلك الذكريات كانت أقسى عليها من الواقع، تذكرت الليلة القاسية التي انقلبت فيها حياتها رأسًا على عقب
قبل يوم من سفرهم لدبي ، كان كل شيء يبدو مثاليًا وضعت طفلها الصغير في سريره، وظلت تغني له حتى غفا، بعد ذلك ذهبت لغرفتها وجهزتها بطريقة رومانسية، مليئة بالأضواء الدافئة والورود لتحتفل مع زوجها بعيد ميلاده
ارتدت فستانًا ناعمًا، وتعطرت بعطرها المفضل، كانت تنتظر لحظة دخوله الغرفة، لكن غيابه طال، وهو في مكتبه، ترددت قليلًا، ثم قررت الذهاب إليه، وكادت أن تطرق الباب، لكنها تجمدت مكانها حين سمعت صوته من الداخل يتحدث بنبرة غاضبة لم تسمعها منه من قبل :
انت خدت الفلوس اللي تقضيك وزيادة، انا مش قاعد على بنك فلوس، فوق لنفسك واعرف انت بتكلم مين، وبعدين انت اصلاً منفذتش المطلوب، قولتلك تقتل يزن، مش البت اللي كانت معاه، انت تبوس ايدك وش وضهر انك خدت فلوس اصلاً غيري كان ولا عبرك على الغباء اللي عملته
توقف عقلها عن التفكير، وتحولت أنفاسها إلى صرخات مكتومة في صدرها، كانت الكلمات التي تسمعها كفيلة بتمزيق قلبها إلى أشلاء، هل من يتحدث الآن نادر....زوجها....الرجل الذي احبته وعشقته من قلبها
فتح نادر الباب فجأة وما رآها ظهر على وجهه مزيج من الصدمة والارتباك، حاول أن يخفي ذلك خلف ابتسامة مبتذلة قائلاً :
حبيبتي، انتي واقفة هنا ليه، حصل حاجة؟
نظرت إليه، وصمتها كان أثقل من أي كلمات، وفجأة وبدون مقدمات صفعته بكل قوتها، صارخة عليه بغضب وصدمة :
انت شيطان، حاولت تقتل أخويا، وقتلت بسمة.....ليه انت ازاي كده
وضع يده على وجهه مكان صفعتها، وشيء مظلم ظهر في عينيهؤ اقترب منها ببطء وقال ببرود قاتل :
يبقى سمعتيني، حيث كده بقى يبقى نلعب على المكشوف
ثم رفع يده وصفعها بقوة، لتسقط على الأرض، تلتقط أنفاسها بصعوبة، لكن كلماتها خرجت مشحونة بالقهر :
انت مين، زاي ضحكت عليا كده، ازاي انخدعت فيك!!
وقف فوقها بابتسامته أقسى من الصفعة، وقال ببرود :
الموضوع ببساطة انك كنتي مجرد وسيلة، فرصتي الذهبية عشان اطلع من الفقر، بنت صلاح مهران لو ارتبطت بيكي، اسم عيلتك هيخلي اسمي يلمع في السوق خصوصاً في بدايتي، وبعد ما أبوك يموت عن قريب ان شاء الله يعني هتورثي وهعيش في نعيم وانتي ماشد شاء الله عليكي مخدتيش في ايدي غلوة ووقعتك علطول
ثم أكمل ضاحكًا بنبرة أكثر قذارة :
وأخوكي، كنت هخلص منه، نسيت اقولك صح بسمة دي بنت خالتي اصلا وانا اللي رميتها في طريق اخوكي عشان توقعه زي ما وقعتك كده....بس خطتي فشلت واخوكي طلع من الحادثة عايش كان زماني عايش في النعيم دلوقتي وبتمتع بفلوس ابوكي بعد ما كنت ناوي اخلص منه هو وامك مع بعض
كانت كلماته تطعن قلبها، نظرت إليه بعينين مليئتين بالكره لأول مرة، وقالت بتهديد :
انا مش هسكت، هفضحك في كل مكان
ابتسم ببرود قاتل، وأخرج هاتفه بهدوء أشبه بالسكون الذي يسبق العاصفة، ثم مد يده ووضعه أمام وجهها، وعيناه تراقبان ملامحها بحذر مشبع بالخبث !!
لم تكن بحاجة إلى أكثر من ثانية واحدة لتدرك ما يحدث
وما رأته كان كفيلًا بإطفاء كل ذرة قوة تبقت بداخلها، تجمدت عيناها على الشاشة، حيث انعكست صورتها في لحظة لم تكن فيها سوى ضحية لوحشية رجل وثقت به، تسارعت أنفاسها، وارتعدت يدها وهي تدفع الهاتف بعيدًا عنها، وكأنها تحاول محو تلك الحقيقة القذرة من الوجود
لكنها لم تستطع كبح انفجار الغضب بداخلها، وفجأة كأن قوة غامضة اجتاحتها، هاجمته بقبضتيها، تضربه على صدره ووجهه بكل ما تبقى لديها من قوة وكرامة ممزقة وهي تصرخ بعنف وقهر :
يا سافل، يا حقير !!
دفعها بعنف بعيدًا وقال بغرور :
فكري تفتحي بوقك، وشوفي اللي هيحصلك
ثم قبض على شعرها بقوة، وساقها إلى غرفة نومهما، حيث كانت قد أعدت مفاجأة بمزيجٍ من الحب والترقب للاحتفال بعيد ميلاده، لكنه، بدلاً من الامتنان، ألقى بها على الفراش بوحشية، عاملها بأسلوبٍ لا يليق أن تتجرعه امرأة، مهما بلغت قسوة الأقدار عليها كانت تلك الليلة ندبةً عميقة حُفرت في أعماق ذاكرتها، ذكرى أليمة لن تبرح روحها ما بقيت على قيد الحياة !!!
استفاقت من ذكرياتها، وعيناها مغرورقتان بالدموع، نظرت إلى السقف، وكأنها تبحث عن نجدة من السماء، ثم تمتمت بصوت مملوء بالقهر :
يارب....خلصني منه، احميني واحمي ابني من شره يارب، انت الوحيد والقادر على كل شيء
كانت فريدة ترقد على فراشها داخل غرفتها، تتحدث بصوت خفيض مع الطبيب، مرددة برجاء :
نفذ اللي بقولك عليه، وباقي فلوسك هتوصلك أول ما أخرج من هنا
أومأ الطبيب لها قائلاً بطمع :
احنا دايمًا في الخدمة يا هانم، انتي وأنا هنفذ، هتخرج دلوقتي واقول اللي اتفقنا عليه
غادر الطبيب الغرفة، تاركًا إياها غارقة في أفكارها، تتذكر آخر مكالمة جرت بينها وبين ميان منذ أكثر من أسبوع عندما
هاتفتها محاولة اقناعها بتغيير رأيها :
بلاش الاستسلام ده يا ميان، سفيان من حقك، انتي مش هي....بلاش تفرطي في حقك
ردت عليها ميان بصرامة :
وانا متنازلة عنه يا فريدة، سفيان مش هيبقى ليا، ولازم افوق من الوهم ده، بلاش تشجعيني على حاجة احنا الاتنين متأكدين انها هتضرني
صرخت عليها فريدة بغضب :
انتي اكيد اتجننتي، بقى بعد كل اللي عرفناه، هتسبيه كده، بتقولي بتحبيه، فين حبك وانتي بتتنازلي عنه من اول محنة، وبتسبيه لواحدة تضحك عليه وتخدعه
ردت عليها ميان بسخرية :
طب هو عمل ايه عشان اصدق الحب اللي بتقولي عليه ده، نرمين بتخدعه وهو راضي باللي عايشه، حذرناه كلنا، وهو مغمض عينه عن كل الحقايق دي وعايز يعيش دور المظلوم، خلاص هو حر
توسلتها فريدة قائلة بحزن :
حاربي وبكره هيبقى بتاعك، سفيان هيضيع....خليكي جنبه
ردت عليها ميان بدموع لم تستطع السيطرة عليها :
انا بحارب عشان واحد معرفهوش، بقى هو ده نفسه سفيان اللي كان بيدافع عني سفيان اللي لما كان حد ينزل مني دمعة كان يقف ويهد الدنيا، اللي قدامي ده سفيان غيره خالص، ده بيتفنن زاي يبكيني ويهينني ويذلني، مش ده اللي احارب عشانه، ده واحد غريب عني معرفوش يا فريدة
رددت فريدة مرة أخرى بتوسل :
بكره يعرف الحقيقة ويرجعلك، لما تتجوزوا وتقربوا من بعض هتتأكدي من كلامي، وهتكتشفي انه بيحبك بجد
تنهدت ميان بعمق وقال برجاء :
مش بيحبني يا فريدة، افهمي ده بقى، بلاش تعيشيني في وهم وأحلام مش هتحصل، ساعديني اعرف ابعد عن اللي يضرني، متسحبنيش لحاجة هتدمرني وتقتلني بالبطيء
ثم تابعت بشرود وحزن :
بس عارفة يا فريدة، طول عمري بحس ان نهايتي هتبقى على ايد سفيان، وان اللي بعيشه دلوقتي مش حاجة جنب اللي جاي، عشان كده بلحق نفسي وببعد....ساعديني على ده
رددت فريدة بحزن وغموض :
نتوا الاتنين بتضيعوا عمركم في كلام فاضي، الوهم هو اللي انتي بتقوليه دلوقتي، سفيان بيحبك، وإنتي بتحبيه وأنا هعرف أعدل حالكم المايل ده
قررت حينها أن تزوجهما، مستغلةً مرضها وحالتها الصحية بالاتفاق مع الطبيب مقابل مبلغ مالي ضخم، لتحقيق مبتغاها
بعد دقائق خرج الطبيب متجهمًا، موجهًا حديثه إلى عمار وسفيان وقصي، الذي جاء متجنبًا الحديث مع سفيان :
حالة فريدة هانم بتسوء، ومش راضية تقبل اي أدوية من الممرضات، بتقول إنها مش هتكمل علاجها غير لما اللي هي عايزاه يحصل، رافضة أي زيارات ليهاؤ نصيحتي ليكم، اعملوا اللي هي عايزاه.....حالتها مش مطمئنة خالص، ولو حصلها حاجة هتكون بسببكم
سأل عمار بضيق، ما إن غادر الطبيب :
هي طلبت ايه بالضبط؟
رد عليه سفيان بغضب :
عاوزاني اتجوز ميان
ردد عمار وقصي معًا بصدمة :
ايه؟
زفر سفيان بضيق قائلاً :
اللي سمعتوهؤ عاوزاني اكتب عليها عشان تاخد العلاج وتتحسن....بتلوي دراعي
تمتم قصي بضيق :
طب ما تتجوزها، وانت خسران إيه
رد عليه سفيان بغضب :
عايزاني أحط مراتي في الموقف ده
رد عليه قصي بهدوء :
لو بتحبك، هتوافق عشان تساعدك ان فريدة تقوم بالسلامة، غير كده....اكتب عليها بس
تدخل عمار قائلاً بضيق :
طب افرض ميان رفضت، وهيكون معاها حق الصراحة بسبب معاملتك الزبالة معاها، ولا كأنها قتلتلك قتيل
رد عليهم سفيان بثقة :
هتوافق!!
نظر إليه عمار بسخرية وقال:
جايب منين الثقة دي
رد عليه سفيان بثقة :
بكره تشوف
سأله قصي بهدوء :
يعني نويت تتجوزها؟
زفر بضيق ثم قال بغضب :
معنديش حل تاني غير ده، يا أتجوزها يا أخسر فريدة
ردد قصي بسخرية :
يا أخي لو ينفع، كنت اتجوزتها أنا، اللي زيك خسارة فيه واحدة زي ميان
صرخ عليه سفيان بحدة :
مش وقتك يا قصي، مش وقته استفزاز دلوقتي، وبعدين لو عجباك خدها هتبقى عملت فيا معروف عمري ما انساه!!!
قالها بتهكم ثم غادر المستشفى بأكملها
بعد مرور وقت طويل كان يدخل سفيان من باب مكتب "رأفت القاضي" والد ميان مترددًا، يقنع نفسه أن الرفض سيأتي من رأفت، وعندها سيكون قد فعل ما عليه، سيخبر فريدة برفض والدها، وستستلم فريدة، ولن يكون هو مضطرًا للدخول في تلك الزيجة
ردد بهدوء، مرغمًا، بعد ترحيب قصير من رأفت الذي لم يكن أقل إكراهًا منه :
انا يشرفني اطلب ايد ميان بنت حضرتك
صمت رأفت لدقائق، ثم أجابه بهدوء...
كان عمار يجلس في كافيتريا المستشفى، يتحدث مع لينا عبر الهاتف، معتذرًا عن إلغاء موعدهما اليوم، فتفهمت هي الأمر بحزن وواسته، معبرة عن أسفها على حالة جدته
أما قصي، فقد اتصل بكمال ليعتذر هو الآخر عن موعد ذهابه لطلب يد سيلين، التي وافقت بخجل على طلبه، ثم هرولت نحو غرفتها في الطابق العلوي، لحق بها قصي سريعًا، وأخبر والدها أنه سيأتي مع عائلته غدًا لإتمام الخطبة، لكن مع مرض فريدة، قرر تأجيل كل شيء
عاد عمار ليحتسي كوب القهوة الذي وضعه النادل أمامه، شكره عمار وأخذ رشفة، آملًا أن تهدئ من صداع رأسه، ولكن ما إن أنهى الكوب، حتى بدأ يسعل بعنف قبل أن يتقيأ كل ما في معدته، هرع قصي إليه بفزع، يحاول مساعدته!!
وعلى مقربة منهم، وقف النادل يتحدث بهاتفه بابتسامة خبيثة، مرددًا بسعادة :
كله تمام يا باشا، بس متنساش حلاوتي بقى!
تعليقات



<>