
رواية بعينيك اسير
الفصل التاسع والثلاثون39
بقلم شهد الشوري
في حفل توديع العزوبية الخاص بالشباب الذي أُقيم في فيلا كارم، مال عليه فارس قائلاً بحنق:
انا عايز اروح اشوفها ، وحشتني اوي ، نفسي اعرف كان فين عقلي وانا بفكر في الفرح والكلام ده
رد عليه كارم بصبر نافذ هو الآخر :
انا كمان مستني بكره بفارغ الصبر ، نفسي اشوفها، يارب يعني حتى بعد ما كتبت الكتاب، ابوها يبعدها عني لحد الفرح
ثم تابع بمكر :
تفتكر بيعملوا ايه هناك دلوقتي !!
ضحك فارس قائلاً بصوت خفيض مرح :
بيرقصوا اكيد !!
ردد كارم بحماس :
انا عايز اتفرج
لكزه فارس بذراعه وقال بجراءة :
اظبط يلا وانشف كده....بكره تتجوز وتتفرج براحتك
ضحك كارم بسخرية ثم قال :
ده في الحلم بس، مين دي اللي ترقص، ده انا شايل هم ليلة بكره هتعدي ازاي، وانت تقولي ترقص!!
ضحك فارس قائلاً بمشاكسة :
ده واضح ان همس المسيطرة من اول يوم
رد عليه كارم بسخرية :
اسمالله عليك ياخويا ، شوف مين بيتريق على مين، ده انت بالذات المفروض ما تتكلمش دي البت كانت بتخليك تنام في اوضه لوحدك و كنتوا زي الاخوات اكتر من سنة
ردد فارس بحسرة مضحكة د :
هو انا سمعتي بايظة خالص كده !!
رد عليه كارم بمكر و حزن زائف :
اه والله ياخويا ، انت لازم تصلح صورتك قدام الكل، أحسن يفتكروك سوسن ولا حاجة
ضحك فارس بخفوت و هو يرسل بضع كلمات لشخص ما ليأتيه الرد بعد دقائق فابتسم بتوسع وهو يعطي الهاتف لكارم سرعان ما خرج الاثنان بدون ان يلاحظ احد من المكان
اشتعلت أعين كلاً من أنجي وسمر ما إن وقعت أعينهما على ميان وهمس، وهما تتمايلان بدلال على أنغام الأغاني التي كانت تصدح في المكان
اقتربت والدة فارس من أنجي وسمر، ومالت عليهما قائلة بحزم:
طالما جيتوا هنا، نفسكم مايطلعش ولا تقولوا غير كل خير و بس واللي هتعمل عكس كده ، ماتلومش غير نفسها و بس !!!
جلست كلاً من ميان و همس بينما لينا لم تتحرك سوى القليل بأمر من الجميع لأجل جنينها
كانت انجي قد وصلت لأعلى درجات الحقد والغضب بينما ترى ميان تتمايل بدلال و انوثة و زاد الأمر اكثر عندما رأت السيدة التي ترسم الحناء توشم جسدها بأسم " فارس " و خالتها تقدم لها عقداً من الألماس خاص بالعائلة
مالت سمر على شقيقتها انجي وقالت بغل و حقد :
شايفة بتعمل ايه ، و خالتك راحت عطيتها العقد بتاع العيلة اشمعنا لما انتي اتجوزتي فارس ماعملتش كده ، طايرة بيها من الفرح و كأنها أول مرة يكون ليها مراة ابن و ان الزفتة دي مش التانية
جزت إنجي على أسنانها بحقد، بينما كانت سمر تقول بغل، عيونها مليئة بالحقد وهي تحدق في همس، التي كانت تتلقى عقدًا مشابهًا لذلك الذي حصلت عليه ميان، وهو هدية خاصة من عائلة الحسيني :
يوم ما يفكر يتجوز مايفكرش غير في دي ، يسيبني أنا اللي فضلت طول عمري مستنية منه نظرة و يروح لدي ليه فيها ايه زيادة عني ، جميلة طب ما انا كمان جميلة و أحلى منها
رددت إنجي بابتسامة مشوهة لم تخفي نظرات الحقد والغل التي كانت تملأ عينيها تجاه ميان :
فرحانة اوي يا ميان ولا كأنها ليلة فرحك الأولى ، مع انه المفروض فرحك التالت مش كده ولا ايه !!
ردت عليها ميان بتهكم :
اهو على الأقل حد عبرني مش قاعدة جنب الست الوالدة سنين زي البيت الوقف !!!
جزت انجي على اسنانها بغل وقالت بتقليل من ميان :
تحبي تاخدي شوية نصايح مني تنفعك ، اصل محدش يعرف فارس قدي و ياما قضينا ليالي سوا ماتتوصفش بكلام وكان بيكون مبسوط على الآخر
ضحكت ميان باستهزاء وقالت :
طب لو كان مبسوط....سابك ليه من الأول ، قال أخد منك انتي النصايح قال، وفريها لنفسك يا انجي.....يمكن تلاقي حد يعبرك !!
رددت سمر تلك المرة بحقد مماثل تجاه همس :
ايه شعورك يا همس ، أكيد خايفة مش كده ، ان العريس يسيبك و يهرب يوم الفرح و يرجع في كلامه زي ما اللي قبله عملها !!!!
ردت عليها همس بتهكم و هي تضع قدم فوق الأخرى :
ايه يعني هرب ، كلب وراح و جيه بداله راجل الكل بيتمنى نظره منه و غيري هيموت عليه و بيتمناها بس حبيبي مش بيحب الرخيص اللي مرمي تحت رجليه ، اختار الغالي، اصل الغالي بياخد الغالي
نظرت والدة فارس اليهما بتوعد و هي تهمس لشقيقتها بحنق :
لمي بناتك والله لو الليلة باظت بسببهم ما هيحصلهم طيب و لا ليكي كمان عشان معرفتيش تربي
زفرت الأخرى بضيق دون أن تجيب، لتتابع سمر بغل، ولم تكن لتصمت:
يمكن عارف انه رخيص بس حب يجرب وكارم طول عمره ما بيحبش الحرام !!!
كما يُقال 'لعبت بعداد عمرها'، عندما لفظت تلك الكلمات التي أشعلت أعين همس وميان بالغضب، خاصة حين قالت إنجي هي الأخرى بكلمات مليئة بالغل والسخرية، بعد ان فقدت السيطرة على نفسها تمامًا :
لأ مش يمكن يا سمر، هو فعلاً كده ، اصلها لو غالية كان غيره سابها و فضل عليها تانية ليه !!!
ردت عليها ميان بصوت حاد و شرية :
طب ماتقوليش على نفسك كده يا سمر ، قطعتوا قلبي هو يعني عشان فارس فضلني على انجي و كارم فضل همس عليكي تبقي رخيصة
اقتربت منهما هامسة بنبرة ساخرة مسببة لهم اهانه كبيرة :
شهادة حق انتوا رخاص من الأول اصلاً !!
دفعتها انجي بكتفها وقالت بغضب :
انتي بتقولي ايه يا حيوانة انتي !!!
لم تتحمل همس واندفعت نحو سمر، تبرحها ضربًا، بينما لم ترحم يدها أيضًا إنجي....ابتسمت ميان بشر وانضمت إليها
تمكن الجميع بصعوبة من تخليص سمر وإنجي من بين يدي ميان وهمس التي صرخت عليهما بغضب وسخرية :
بجاحة ورخص...عينك عينك كده، هو الجواز بالعافية، مرخصين نفسكم أوي كده ليه، اتنين مش عايزينكم وهو عافية.....
قاطعتها والدة فارس بحدة وغضب، مخاطبة شقيقتها وبناتها:
خدي بناتك وامشي، وخلي بالك الحساب بينا لسه ما خلصش!!!
غادر الثلاثة المكان بغضب، فاقتربت لينا منهما قائلة بمرح :
عاش يا وحوش، يستاهلوا بصراحة
ضحكت همس وميان بخفوت، بينما اعتذرت والدة فارس نيابة عنهما بحرج، فمررت ميان وهمس الأمر دون حديث
في قرب الفجر، كان الحفل قد انتهى، فبعضهن غادر، وبعضهن بقي إلى الصباح، كانت ميان تقف أمام المرآة، وقد رفعت عباءتها قليلاً من على كتفها لتكشف عن الوشم الذي نقش عليه اسم "فارس" ابتسمت بخجل وهي تتخيل كيف سيكون رد فعله حين يراه
لكن فجأة فُتح الباب ، وظهر من خلفه اخر شخص توقعت رؤيته، مما جعلها تهتف بدهشة
فارس!!
أغلق الباب خلفه، وتقدم نحوها وهو يتأملها بهيام، وما ان أصبح امامها قال بعشق :
لو فضلت عمري كله اوصف في جمالك....والله قليل عليه
ابتسمت بخجل، ثم ابتعدت قليلاً تسأله بدهشة :
انت جيت هنا إزاي، افرض حد شافك يقول ايه
رد عليها فارس بابتسامة جميلة :
محدش ليه عندي حاجة، إنتي مراتي
ردت عليه بصوت خفيض من شدة الخجل:
فـارس
ابتسم عليها بحبؤ ثم امسك بيدها وجلسا على الفراش، حاولت ميان تهدئة نفسها، لكنها شعرت بالتوتر، فقالت بصوت خجول : مش هينفع !!
رد فارس بتمني :
أنا مستني اللحظة دي من زمان، بس مستعد أستنى أكثر عشانك يا ميان
ابتسمت ميان بخجل، وعينيها تلمعان بالفرح، ثم احتضنته بشوق عميق، كما لو أن هذا العناق كان يختصر كل ما كانت تشعر به من اشتياق طوال الأيام الماضية
وفي الغرفة المجاورة، كانت همس تتمايل بدلال بعباءتها السماوية، التي كانت تشبه عباءة ميان ولكن اللون المختلف في تلك اللحظة، دخل كارم بهدوء دون أن تشعر به، ليقف متأملاً هيئتها، وعندما لاحظته في المرآة، التفت بسرعة، ظنًا منها أنه لص، لكن سرعان ما اقترب منها، وقبل أن تتمكن من دفعه بعيدًا، قال بلطف :
أنا كارم، متخافيش.!!!
تراجعت همس، قائلة بصدمة :
إنت بتعمل إيه هنا؟
رد عليها بابتسامة ماكرة:
ماكنتش أعرف إنك بتعرفي ترقصي حلو كده
همس توسعت عيناها بدهشة وقالت بحرج:
لا، مش بعرف، وبعدين انت إزاي تتفرج عليا وأنا...
قاطعها قائلاً بسخرية :
عندك حق، أنتي فعلاً مش بتعرفي ترقصي، في ناس كتير أحسن منك، انتي يدوب على قدك
لكزته بصدره وقالت بغضب وغيرة :
وأنت شوفت غيري فين؟
ثم ابتعدت عنه وقالت بغرور وثقة :
وبعدين سلامة النظر، انت ماشوفتش الجمال
ابتسم وجذبها نحوه، قائلا :
اه انا معنديش نظر و مسكين وغلبان، اعطفي عليا بقى وخليني اشوف الجمال
ابتعدن عنه وقالت بخجل :
مش دلوقتي
ضحك بخفوت وقال بشوق:
وحشتيني اوي
ردت عليه باشتياق مماثل :
انت كمان وحشتني اوي
العشق هو تلك الهمسات التي تلامس الروح قبل أن تلامس الجسد، هو اللحظات التي تتوقف فيها الكلمات وتعجز العيون عن التعبير، هو أن تذوب في قلبٍ آخر حتى تصبح جزءًا من نبضه، وتنسى نفسك في سكون حضوره، في العشق، لا يوجد سوى أنفاس متشابكة، وقلوب تتناغم دون أن تعرف للحساب طريقًا
تحدثت الإسكندرية بأكملها عن جمال وفخامة الزفاف، حيث حرص كل من كارم وفارس على أن يكون كل شيء في أبهى صورة، وأن يمحوا أي ذكرى سيئة قد حفرت في عقول الفتيات سابقًا
"هو انت" قالتها أماليا بصدمة وهي ترى ذلك الشخص الوقح الهمجي، كما أطلقت عليه، يقف بعيدًا وعيناه مصوبتان نحو ميان، عروس فارس، ودموعه تنساب بصمت
اقتربت منه، واختفى الغضب ليحل محله الشفقة واستطاعت أن تخمن من نظراته أنه عاشق لزوجة فارس "ميان"
سألته بصوت رقيق وهي تشعر بالشفقة نحوه :
انت بتعيط !!
أدار سفيان جسده سريعًا عنها، محاولًا مسح دموعه قبل أن يراه أحدا آخر، فتابعت أماليا برقة :
الظاهر إنك بتحبها، شعور بيوجع القلب وبيحرقه...بس شوف الجانب التاني من الحكاية، هي مبسوطة ومع اللي بتحبه وبيحبها
رد عليها بشراسة، رافضًا أي شعور بالشفقة من ناحيتها:
مايخصكيش!!!
جزت على اسنانها بغضب ثم قالت بغيظ :
تصدق انا غلطانه اني عبرت واحد زيك، ماينفعش معاك غير اللسان الطويل والدبش بس يا همجي
صرخ عليها بغضب قبل ان يغادر :
لمي لسانك و بلاش غلط، لو شوفت وشك مرة تانية قدامي انتي حرة بقى على اللي هعمله فيكي!!
انتهى الزفاف أخيرًا، ليزفر كلاً من كارم وفارس بارتياح، حمل كل منهما عروسته بين ذراعيه متوجهين إلى عش الزوجية
دخل فارس بها الى غرفته وهو يبتسم بتوسع، بينما كانت ميان تغرق في خجلها، قال بمرح :
الليلة ليلتك يا عروستي!!
لم ترد عليه، فوضعها على الفراش وجلس أمامها ينظر إليها بحب، توترت من نظراته، وقالت بتهرب:
انا هدخل أغير هدومي
قبل أن تقف، مسك بيدها وقال بصوت حنون :
ميان، ممكن تهدي، صدقيني، مفيش حاجة هتحصل غصب عنك أبداً
ثم حاوط وجهها بيديه، وقال :
حسي بأي حاجة الليلة إلا الخوف، وانتي المفروض اكتر واحدة عارفة إني احميكي من نفسي مش بس من الناس
أومأت له بتوتر وخجل، فانحنى ولثم جبينها بحب، وقال :
هسيبك تغيري هدومك، وهروح البس في الأوضة التانية، متنسيش تتوضي عشان نصلي سوا
خرج ليتركها لتبدل ملابسها، وما ان انتهت في ارتفع رنين هاتفها وكان اتصالًا من والدة فارس التي قالت ما ان فتحت ميان الخط :
متخافيش يا ميان ، انسي الخوف ، و بلاش تضيعي فرحة انهارده بخوفك اللي ملوش داعي ، فارس جوزك و انتي مراته و حبيبته لا يمكن يأذيكي ، انا مش محتاجة اقولك الكلام ده عن فارس
ثم تابعت بحنان :
اطمني يا بنتي و شيلي الخوف من قلبك ، انا اسفه لو كنت ضايقتك باتصالي في وقت زي ده بس حسيت بخوفك لما سيبناكم ومشينا فحبيت اطمنك
ردت عليها ميان بامتنان، وشكر حقيقي:
اتصلي في اي وقت يا طنط عمري ما اتضايق ابداً ، شكراً على كل حاجة عملتيها معايا و على مكالمتك ، شكراً عشان كنتي ام ليا بجد
ابتسمت والدته في الجهة الأخرى، فخورة بما سمعته من زوجة ابنها فحين كانت في سن ميان، عانت من قسوة والدة زوجها وكانت دائمًا تستنكر تلك المعاملة القاسية التي تتعرض لها الكثير من النساء من قبل أمهات أزواجهن تساءلت في نفسها لماذا لا تسود العلاقة بين الزوجة وأم الزوج المودة والحب بدلًا من القسوة؟
بعد الصلاة، جلس فارس على طرف الفراش، يراقب ميان التي كانت تمشي في الغرفة بتوتر ملحوظ، نظرت إليه وقالت بلهجة خجولة متوترة:
تشرب شاي، شكلك عاوز....انا هروح أعملك
كانت على وشك الخروج لكن فارس جذبها لتجلش بجانبه وقال برفق :
اهدي يا ميان
ردت عليه بتوتر :
ما أنا هادية اهو ، مالي يعني
سألها بحنان :
بتحبيني
صمتت للحظات، ثم أجابت بحب صادق:
بحبك وحبي ليك، واللي بعيشه معاك، مسبقش أني عيشته أو حسيت بيه....بحس حب وأمان ورضا بقربي منك يا فارس
رد عليها برفق :
طالما أنا أمانك وبتحبيني، ليه خايفة مني
قالت بخجل:
مش منك
ابتسم فارس برقة، مقتربًا منها بحذر، وكأن اللحظة كانت تتطلب كل رقة العالم. كانت تلك الليلة تفوق كل الوصف، فقد استطاعت ميان أخيرًا أن تتغلب على مخاوفها، وتخلى قلبها عن كل تلك الظلال التي كانت تلاحقها. أما فارس، فقد تمكن بعشقه الكبير لها ان يمحو كل ذكرى أليمة كانت تسكن في عقلها....كانت ليلة تجسد كل معاني الأمان والطمأنينة، حيث اجتمع فيهما الحب الذي لا يتزعزع، وكانها بداية لذكريات جديدة مليئة بالسلام الداخلي والسكينة
دخل كارم من باب الجناح الخاص بهما وهو يحمل همس بين ذراعيه، ينظر إليها بابتسامة عاشقة، مغمورًا بجمالها الذي لم يرى له مثيل، لا يصدق بعد أنها أصبحت ملكًا له، وتخصه وحده.
أنزلها برفق، وما إن لمست قدماها الأرض، حتى ركضت بسرعة نحو الكعكة التي وضعت في منتصف الغرفة، قائلة بحماس:
الله، دي بالشكولاتة! حلوة أوي! جت في وقتها، أنا هموت من الجوع وما بقتش قادرة!
جلست على الأريكة وأخذت تتناول منها بتلذذ، بعد ان تخلت عن طرحتها، تمامًا كما نسيت وجوده، كان كارم يراقبها بدهشة، غير قادرًا على تصديق ما تفعله
ضحك بخبث، وأخذ يزيل رابطة عنقه، وسترته، ثم بدأ يحل أزرار قميصه واحدًا تلو الآخر وهو يقول :
مش ناوي تدوقيني الفراولة بالشكولاتة يا قمر؟
قال الأخيرة وهو يقترب منها، فالتفتت إليه وقالت ببراءة :
أنت عاوز فراولة بالشكولاتة....ما تطلبها
ضحك بخفوت وقال بمشاكسة :
مش خسارة لما أطلب منهم يجيبوا فراولة، وأنا أصلاً عندي الفراولة كلها
سألته باستفهام بينما كانت مشغولة بابتلاع قطعة من الكعكة:
"هي فين دي؟
قام بتحريك رأسه بيأس، فسألته بغيظ :
ما توضح كلامك يا بابا، فيه إيه
ابتسم بمكر وقال :
حاضر يا روحي، من عيوني، هوضح وأشرح بالتفصيل الممل
ثم رفعها بين ذراعيه، فشهقت بفزع وقالت بغيظ:
حد يخض حد كده، اتفضل نزلني بقى
شاكسها كارم قائلا:
ادفعي الأول!
ردت عليه باستنكار :
ادفع!!!!!
أومأ لها بجدية، فردت بحنق:
حاضر، عاوز كام يا أخينا...؟
لكنّه قاطع حديثها عندما ألقاها على الفراش، قائلاً بغيظ :
والله، إنتي فقيرة ومش فاهمة، عاملك رومانسي وبعاكسك، وإنتي ما شاء الله كتلة غباء، والظاهر أنك م بتجيش غير بالسك على دماغك، ومالكيش في الرومانسية!!!
شعرت بخجل مما قال، لكنه ردت عليه بغيظ:
ماتشتمنيش
رفع يده كأنه سيعاقبها، لكنها قالت بتوتر :
اهدأ بس تعمل إيه؟
نظر إليها ساخراً وقال :
ناس مابتجيش غير بالعين الحمرا بالسك على دماغها
اغتاظت بشدة فردت عليه بغيظ :
أنا سكتالك من...
لكنّها شهقت وقُطعت كلماتها عندما قال فجأة بتوعد :
أنا دلوقتي عرفت أزاي هسكتك
توسعت عيناها بصدمة حين شعرت بيديه تقيدان يديها بالأصفاد، فصرخت عليه غاضبة :
كارم، أنت بتعمل إيه....فك البتاع ده
لكنه اقترب من أذنها وقال بمكر :
اهدي يا عروسة، ده الليلة ليلتك، زي ما بيقولوا
شهقت بفزع وهي ترتجف كالعصفور، عندما اقترب منها كارم وقال بمكر :
استعنا على الشقا بالله
تسمرت مكانها، وغاصت نظراتهما في عمقٍ لم تعرف له قرارًا ومنذ تلك اللحظة، سكتت شهرزاد عن الكلام غير المباح، وأبحرا معًا في محيطات العشق، حيث اشتعلت الأرواح وانصهرت الحدود، ليجمعهما صمتٌ أعمق من أي حكاية
في منزل دافئ، يتسلل صوت وردة من المطبخ حيث كانت الأم تعد الإفطار لأطفالها وزوجها، قبل أن تتوجه لعملها، كانت أماليا تقف في منتصف الغرفة، مشغولة، مرهقة، تحدث نفسها وهي على وشك البكاء :
حبكت يعني تروحي الفرح امبارح، نامتي متأخر، وصحيتي متأخر،....وهتخسري فرصة شغل ماتتعوضش، فقرية من يومك يا أماليا
دخل شقيقها الأكبر "علي" قائلاً بابتسامة مرحة:
كالعادة متأخرة وبتلفي حوالين نفسك
ردت عليه بغيظ، وهي تضع بعض الأوراق في حقيبتها:
"بس يا علي، مش ناقصاك دلوقتي كلمة كمان وهعيط والله، خالك هيبهدلني، اتأخرت ومش عارفة أعمل إيه
ضحك وقال بحنان :
متخافيش، هتعدي والله، ولو ضاعت الفرصة دي، تيجي غيرها، ده انتي بنت هاشم السباعي، يعني الف شركة يتمنوا يخدموا أبوكي ونشتغل عندهم
ردت عليه بضيق :
مش عايزة واسطة، انا حبيت الشغل ده عشان اختاروني على حسب تصاميمي مش عشان اسم بابا
ضحك بخفوت ثم قال :
ايه يعني اتأخرتي؟ اعتذري، لو قبلوا، خلاص، لو ما قبلوش، هما الخسرانين.....يلا خلصي بسرعة هوصلك في طريقي
صفّقت بسعادة واندفعت للخارج مسرعة، تدعو الله ان تصل قبل الميعاد
بعد قليل توقفت أماليا أمام السكرتيرة الخاصة بصاحب الشركة، تسألها بانفاس لاهثة من شدة الركض :
أماليا السباعي، عندي ميعاد، انا اللي هتكون مسئولة عن التصميم الجديد
أومأت السكرتيرة، وقبل أن تتحدث، خرج خالها وابنه من غرفة المكتب، قائلاً بنبرة حادة وغيظ :
طب ليه تتعبي نفسك، كنتي كملي نوم في البيت، وخلينا احنا هنا في نص هدومنا مع الناس
ردت عليه بخجل :
ماكنش قصدي والله، انا اسفه......
قاطعها ابن خالتها فادي قائلاً :
حصل خير يا أماليا، بس أهم حاجة دلوقتي تركزي على مواعيدك، عجبهم شغلك وعايزينك تنفذيه، بس لازم تلتزمي بميعاد التسليم وده اهم حاجة
صفقت بيدها بسعادة وعانقت خالها، وهي تقول بحماس :
حقك عليا يا خالو، آخر مرة من....
قاطعها قائلاً بسخرية :
عارف هتقولي ايه حفظت خلاص، هتظبط ساعتك عليا، وزي كل مرة بترجع ريما لعادتها القديمة
ردت عليه أماليا بمرح :
اسمي أماليا مش ريما يا خالو، سلامة عقلك
نظر إليها بغضب ثم دفعها برفق، وغادر مع ابنه، لم تلحق بهم فدخلت المصعد المجاور، لكن قبل أن يغلق تفاجأت بشخص بأخر شخص توقعت رؤيته وهنا بالذات