رواية خسوف القمر الفصل التاسع عشر19والعشرون20 بقلم نداء علي


 رواية خسوف القمر بقلم نداء علي
رواية خسوف القمر الفصل التاسع عشر19والعشرون20 بقلم نداء علي
ناظر يامن والده بجدية قائلاً:

لقد أدركت مقصدك وما تراه حيال الحب وما يعقبه من ضعف لكنني غير ملزم بتنفيذ ما تقول فكل منا له أراء وقناعات مختلفة..

جمال ساخراً : 

منذ متى وأنت لديك قناعات أيها الأمير المرفهه..هل تراني أحمق كما الجميع وقد صدقت رفضك التام لحياتنا وعالمنا.. 

ان لم تكن راغباً بالعودة ولو بواحد في المئة لما عدت.. لقد مللت من الفقر وتبعاته.. اشتاقت روحك الي السلطة وبريقها الآخاذ...

أنا غير مقتنع بأنك قد عدت من أجل تلك البائسة وان كنت جاداً فيما تستشعره تجاهها فحذاري يا يامن.. 

أنا لن اهدد بإيذائها بل سأمحها من فوق الأرض ووقتها لا تلومن إلا نفسك..

انت ولدي ومن واجبي عليك الطاعة وانا لا اطلب اليك معصية بل اقومك بعدما كدت ان تنزلق قدماك في بئر الحب الأعمى الذي لن تجني منه سوى الندم.. 

هل سيتقبل المجتمع.. ولا أقصد مجتمعنا فقط بل اقصد المجتمع بأكمله ان تتزوج بمشوهه.. هل سيفتخر بها ابناءك.. تصطحبها الى حفلات ومناسبات.. ترغبها ولا تمل بعدما ترجع الى رشدك

بالطبع لن تفعل وإن فعلت واستطعت أنت تقبلها حتى وإن اجريت لها ما يجمل وجهها.. هل اسم وتاريخ عائلتك يسمح لك بالارتباط بمثلها..

تحرك جمال بغضب ولم يمهل يامن فرصة للرد..

تحدث الى راشد بأمر قائلاً:

اذهب الى تلك الفتاة وأعطها مبلغاً نقدياً مناسباً اخبرها انه هدية من يامن.. وان سألت عن السبب أخبرها أنه هدية خطبته وزواجه الوشيك...

🔸🔸🔸🔸🔸

لم يستطع البقاء جالساً هكذا دون حراك فمنذ دخوله الى المشفى بصحبة تلك الفتاة التي لا يدر من هي وما الذي اصابها وهو يفكر بتعجب وخوف مترقب لما سيحدث

ترى هل فقدت حياتها أم أصابها مكروه.. رغم أنه ليس مسؤولاً عما حدث لكنه يشعر تجاهها بالسوء فالنتيجة سيان هي قد صدمت بسيارته وكادت أن تفقد حياتها تحت أطارها

هب واقفاً متحركاً بخطوات مسرعة تجاه الطبيب الذي بدا هادئاً نوعاً ما ليسأله جاسم بحذر:

هل المريضة بخير.. هل مازالت على قيد الحياة؟!

أجابه الطبيب بعملية قائلاً:

جسدياً هناك بعض الرضوض القوية ولكن لا يوجد كسور.. ولكن!!

جاسم بترقب : ولكن ماذا؟!

الفتاة بوجهها إصابات بليغة نتج عنها تشوهات من الصعب ان تمحى دون تجميل

جاسم بذهول

كيف.. تشوهات.. ألم تقل أن السيارة لم تؤذها بشدة!

الطبيب : الجروح بوجهها ناتجة عن ألة حادة ربما مطواة أو مشرط...

جحظت عينا جاسم وتذكر ذاك الرجل الذي دفعها تجاه السيارة.. تنهد بقلة حيلة قائلة

اذا ما الذي عليَ فعله حيالها.. متى ستفيق؟؟

الطبيب : لقد أفاقت بالفعل لكنها تعاني انهياراً حاداً فاضطررت لحقنها بمادة مهدئة

جاسم : حسناً.. هل بإمكاني الانصراف؟

الطبيب : بالطبع.. فقد استكملت الشرطة التحقيق بالواقعة واقر الشهود براءتك...

🔸🔸🔸🔸

فعل راشد ما طلبه اليه جمال ورغم انه لا يحكم قلبه فيما يخص العمل الا انه استشعر الحزن من اجل تلك الفتاة ولا يجد سبيلاً للتراجع فجمال رشدان لن يتهاون معه ان تقاعس عن تحقيق ما يريد...

جلس قبالتها متحدثاً بلباقة وصراحة دون تمهيد قائلاً:

أرسلني اليك السيد يامن

ابتسم قلبها بحبور وكأنه يجيبه بدلاً منها قائلاً كم اشتقت اليه....:

فباغتها بقوله:

تلك الأموال اعتقد انها كفيلة بتوفير حياة كريمة لك ولوالدتك... لقد أخبرني انها هدية لك

قمر : هدية لي.. لماذا.. هل يتصدق عليَ بأمواله؟!

راشد : لا داع لتلك المبالغة.. كل ما في الأمر انه يكن لك من المعزة والتقدير ما يكفي لكي يهتم لأمرك.. لكنه حالياً منشغل بخطبته وتجهيزات الحفل فكما تعلمين ارتباط كذاك ينبغي ان يعد له مسبقاً...

🔸🔸🔸🔸🔸

تحدث اليها دون مواربة قائلاً:

أنا أعزب.. وقد انجذبت إليك كثيراً فانت جميلة للغاية

تراقص قلبها طرباً بكلمات الاطراء التي تعشقها وتبسمت في انوثة ودلال قائلة

لم افهم مقصدك...!؟

المحامي : اود الزواج بكِ

تحية : تتزوجني؟

المحامي : ولم لا.. هل أنتِ مرتبطة؟

تحية : لا.. ولكني لم افكر في الأمر منذ وفاة زوجي

المحامي : اذا قد حان وقت التفكير.. فأنا لا أجد ما يعيقنا...

ناظرته بتقييم وشردت قليلاً في هيئته الرجولية الجذابة واناقته الواضحة ووسامته.. تنهدت بارتياح فربما قد أتت اليها فرصة لن تعوض لذا ودون وعي منها تحدثت بسعادة قائلة:

موافقة..

ولكن لدي بعض الشروط

اجابها بثقة : كما تشائين انا مستعد لكافة أوامرك

لم تتردد في الطلب وكيف لها ان تضيع فرصة كتلك واجزل هو في العطاء ليسحبها الى المكان الذي يريد... 

ابتسم بخفوت فقد حظى بفريسة جديدة.. فريسة ستكون نداً له فيما يعشقه......

🔸🔸🔸🔸

لم تجد ملجأَ ولا يداً تربط علي قلبها المحتضر.. توضأت دون وعي وسجدت بين يدي الله.. لا تدر ما تقول بل تنتحب في قهر.. تتذكر ما قاله راشد .. تقتلها نيران الغيرة بلا رحمة تبكي وتبكي ولم تفعلها من قبلها..

ربما كان اللجوء الى ذاك الركن الشديد الذي لا يميل ولايمل من شكوانا هو الحل الأمثل بعدما ضاقت السبل

تضرعت الى الله بكل ما تعلمه من أدعية بسيطة همهمت بخجل قائلة:

انا أعلم انني لم أكن قريبة منك كما ينبغي.. لكنني بحاجة إليك.. قلبي يحترق.. أتوسل بك إليك يا الهي أن تنتزع من داخلي ما يؤلمه.. لم أعد راغبة بالحب مطلقاً..

تبكي بخفوت وقد اوشكت روحها علي الغروب تتأمل صوره باشتياق وسرعان ما يخبو اشتياقها كلما استيقنت الحقيقة

لقد سافر من اجل امرأه اخرى تبدو حبيبة..

كلمة مؤلمة يأبى قلبها نطق حروفها..
اذا هي متوهمة حمقاء.. كان مشفقاً علي حالها وترجمت هي اهتمامه بصورة خاطئة

لقد سمحت لخيالها أن يحيا بعدما وأدته لسنوات.. وليتها ما أحيته.. لقد ذبح تلك المرة.. ما عذرها.. هل تذهب اليه تعاتبه وتخبره انه ينبغي عليه ان يرأف بها ويبادلها حباً محالاً...

لقد أحبت جاسم من قبل لكنه كان حباً سهلاً ميسراً متكافئاً لذا عندما انتهى وجدت لقلبها مبرراً للصد فقد خان جاسم عهد الهوى بينهما.. ولكن يامن لم يعط وعداً ولم ينطق بما يدينه بل هي المدانة.. هي الملامة...

هل هكذا يكون الحب من طرف دون الأخر.. هل يجرح ويقتل دون تمهيد...

امسكت صورته تناظره بوداع قائلة:

ربما لن نلتق مرة اأخرى لكنني أحببتك.. واعلم انه جرم استحق عليه العقاب.. لكن عقابي الذي اعانيه الان أقسى مما تتخيل

اتمنى لك سعادة لم اكن يوماً لأتمناها لاحد سواك سعادة تلزمني بالاختفاء فما كان لقلبي ان يحتمل رؤياك مع اخرى...

🔸🔸🔸🔸

تناول عثمان الطعام بشهية وتلذذ بينما نادر يطالعه بغيظ فتلك ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة كما يبدو التي يشاركه فيها عثمان الطعام ولا يتركه الا وقت المغادرة

يتفنن في ابعاده عن الانفراد بنسمة متعللاً انه لا يجوز ليهتف نادر بضجر قائلاً:

هل ان أطلب اليك أمراً يا عمي؟

أجابه والد عثمان بجدية:

لكِ ما تشاء يا نادر ان كان الأمر بيدي

نادر : ارجو ان نعقد القرآن عما قريب

ابتسم والد عثمان بهدوء عندما ادرك غايته ليتحدث بوقار

وان عقدت القرآن هل سيبتعد عثمان عن دربك

تعرق جبين نادر حرجاً ليتحدث والد عثمان بتوضيح

نسمة ليست فقط ابنتي بل هي أمانة ويتيمة الأبوين لذا ربما نبالغ في حمايتها وربما اصابك الضيق من تصرفات عثمان..

نادر معتذراً : اعتذر اليك عماه لم اقصد ما تبادر الي ذهنك كل ما في الأمر ان عثمان لا يطيق وجودي

والد عثمان : اذاً تحدث اليه فكلاكما رجل ينبغي عليه المواجهة.. اما ترى ذلك

اومأ نادر اليه في موافقة... ليأتي عثمان بعد قليل بعدما أحضر الشاي الذي اعدته علياء ليضعه امام نادراً قائلاً:

اليك الشاي.. بالهناء مقدماً

نادر بجدية : اجلس يا عثمان لنتحدث فقد مللت من تلك الألاعيب السخيفة

عثمان بجدية مماثلة : أتعلم أنه لولا نسمة لأرديتك قتيلاً

قهقه نادر قائلاً : ويحك يا عثمان انت حقاً مجنون لقد اخبرتك ان ما حدث كان تدبير والدك

عثمان : ها انت قد قولتها.. والدي.. أي انني لا يحق لي معاقبته او محاسبته..

نادر : اذا انا اعتذر اليك.. صدقني كل ما اردته هو مساعدة عمي في لم الشمل َتزويجك بعلياء...

عثمان : لكنك تماديت وكنت تبتسم اليها وتتأملها أيها الوقح

نادر بصدق : مطلقاً.. بل كانت عيناي تتبعان نسمة وهي بدورها دائمة الجلوس جوار شقيقتها فكان يهيئ اليك انني اناظر علياء...

عثمان بغضب طفيف : حسناً... ما الذي تريده اذاً!

نادر : أن تكف عن مضايقتي وان نطوي تلك الصفحة ونبدأ من جديد

عثمان ممازحاً : أنا لن اعود اليك.. لقد خدعتني...

قهقه نادر قائلاً:

سامحك الله بالفعل انت لا تطاق.. هيا ابتعد عن دربي

تحدث عثمان بجدية قائلاً:

حسنا ربما علينا بدء هدنة مؤقته ولكن حذاري واغضاب نسمة فهي كما ابنتي.. هل فهمت

ابتسم اليه نادر بارتياح قائلاً:

فهمت سيد عثمان

🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁

ترددت كثيراً وتضاربت افكارها وعلا صوت القلب وصراخ العقل وكلاهما مؤيد ومعارض كلاهما يتمنى الأفضل دون تنازل لكن بات الكمال محالاً

عليها الرجوع الى اصولها نهال التي فعلت ما لم تستطع انثى سواها فعله وان كان مؤقتاً.. لقد كسرت غرور جمال رشدان وتزوجها رغماً عن الجميع احبها وان كان حبه مختلفاً عما تمنته لذا عليها التحلي بالقوة.. ستنقذ وليدها ولن تكسر روحه مرة ثانية يكفي انها خذلته من قبل...

توجهت الى سيارتها وانطلقت الي حيث القمر يحتضر يقبع في خسوف كلي لا رجوع منه...

كدر الجماعة خير من صفو الوحدة.. ربما للوحدة صفو لا ينعم به سوى من امتلك بداخله ذكريات تغنيه عن الأخرين.. أمآلاً تؤنسه.. أفكار تسعده.. لكنها مطلقاً لن تصفو لمن انتزع منه حق التذكر والتأمل فماضيه قد شوه وحاضره ومستقبله صارا بلا عنوان

غادرت قمر المشفي خفية دون ان يراها أحد وهرعت الى منزلها ..

لم تفكر فهي قد اتخذت قرارها دون تردد
امسكت سكيناً حاداً وغرسته دون شعور بمعصمها وجلست تنتظر قدوم الموت..

 ستحظى براحة أبدية هي لم تقتل نفسها بل تهديها سلاماً بعيداً ستحيا بعيداً عن البشر وهل هناك سلام يضاهي الابتعاد عن قسوتهم..

تمتمت بضياع ودون ادراك لما تفعل
أرجو ان تسامحيني يا أمي لقد اكتفيت.. نيران الانكسار تذيبني ولم أستطع الصمود اكثر من ذلك..

أريد الذهاب الى أبي.. أود رويته والاختباء بداخله
أنا متعبة مهزومة...

الفصل العشرون 
ولا يعني الضعف والاستسلام خللاً بصاحبه بل هو طبع بشري.. فكلنا نقوي ونضعف.. نخطو ونتعثر.. نقدم ونتراجع.. ننكسر ونكمل.. نخطئ ومنا من يموت.. كلنا نحيا لنموت.... 

ترجلت نهال بترو من سيارتها تفكر فيما ينبغي أن تقوله لتلك الفتاة.. هل ستخبرها بالحقيقة وانها تسعى الى مصلحة ابنها ليس إلا ..وما المانع من ذلك سيحظى يامن بمن يريد وتحظى قمر بحياة جديدة.. 

استجمعت قوتها وتحركت بخفة الى وجهتها... 

شهقت نهال بتذكر فهي لم تأت من قبل الة بيت قمر ولا تدري بأي شقة تقطن..
همت بالعودة لكنها لم تفعل بل انتظرت الى ان اقترب أحد المارة لتسأله بترقب:

أستمحيك عذراً سيدي.. هل أنت مقيم هنا.. بتلك البناية؟

الرجل باحترام : أجل سيدتي.. 

نهال : هل انت على معرفة بفتاة تُدعى قمر تقيم هنا بصحبة والدتها ؟؟

الرجل : تجل تلك الفتاة المسكينة.. لقد عادت منذ قليل رأيتها وأنا ذاهب الى المسجد وحدثتها لكنها بدت واجمة غير مدركة لما يدور من حولها.... 

تحيرت نهال قليلاً لتهتف بتهذيب :

هلا ارشدتني الى الشقه ..

اومأ اليها بهدوء واصطحبها الى شقة قمر التي كانت تصارع الموت الذي تخيلته حلماً ستصحو منه في لحظات وتجد نفسها مع من تحب ستلتحق بوالدها وربما والدتها.. ستنسي يامن وجاسم وألالام السنوات المهلكة.. ستنصهر جبال الخوف... 

لكن الموت لا يطلب فنناله بل يأت عندما يقرر من بيده الأمر.. 

لو أنه سهلاً ميسراً لتجرعه كل من شكا أمراً دون تردد ولكن خالق النفس وهبها غالية لا تقدر.. زودها برغبة في البقاء مهما اشتدت وضاقت الدنيا نتوق اليها نتأمل غد افضل... سوى العسر واخاه باليسر في رحم واحد.... 

طرقت نهال بخفة وترقب وعل مقربة منها يقف ذاك الجار راغباً في الاطمئنان علي تلك الفتاة... 

أعادت نهال الكَرة مرات عديدة لتهتف في يأس ... 
يبدو أنها قد غادرت... 

ناظرها الرجل في تحير ليتحدث في دهشة 
لم يمضِ على رؤيتي لها الكثير.. متى غادرت !

تحدثت نهال في اقتضاب :

ربما أتى اليها فيما بعد... 

استوقفها الرجل قائلاً :

انتظري قليلاً هناك صوت بالداخل كما لو كان أحدهم ينازع من الألم... 

غشى وجهها القلق والتوتر لتضع أذنها بالقرب من باب المسكن في حذر وخوف ولكن دون جدوى الي أن استغاثت قمر بأنين خافت متأوهة في احتضار جعل نهال تبكي دون ارادة منها متحدثة الى الرجل بترجي 
ساعدني لنجدتها يبدو انها ليست بخير 
تردد الرجل قليلاً لتغلبه شهامته التي  قد تخبو وتنهزم رغماً عن البعض تحت وطأة الفقر والحاجة والخوف من الظلم وتجنب الأمواج العاتيه... 

تراجع عدة خطوات ليقترب بقوة تناسب ما ينتويه ليدفع بكتفه الباب مرة واخرى الي إن تمكن من كسره... 

توقف الاثنان بصدمة من فزاعة المشهد لتستوعب نهال ما تراه فيعلو صراخها وينتبه الرجل فيستعيد رباطة جأشه ويقترب من قمر في شجاعة جاثياً أمامها ممسكاً بمعصمها ليتلفت باحثاً عن شيئ يمكنه من ايقاف الدماء المتدفقة بغزارة...... 

جذب غطاء الطاولة المجاورة له.. ولفه حول يدها بقوة وحملها بين يديه قائلا:

هيا بنا الى المشفي المجاور ربما نتمكن من انقاذها قبل فوات الأوان 

لم تجبه بل اخذت تحرك رأسها نفياً صارخة ...

لقد ماتت.. لقد يأست من الحياة... !!

صاح الرجل بوجهها ليرجعها الي صوابها بصوت غاضب :

توقفي يا امرأة.. الفتاة مازالت على قيد الحياة.. هيا أسبقيني فأنا لا امتلك سيارة وإلا ما انتظرتك

🔸🔸🔸🔸🔸

خطى الى غرفته بإجهاد وتعب وألقى بجسده فوق الفراش راغباً في النوم وقبل ان تغفو عيناه ولجت والدته بوجه عبوس وصوت هادر قائلة:

هل تخال نفسك مقيم بفندق تأتِ وتذهب كما تشاء.. أما تستحي.. يومان ولا ندري عنك شيئ وهاتفك مغلق...؟؟؟!

ترى اين كنت ومع من..؟

ناظرها بتأمل به كثير من العجب محادثاً نفسه هل والدته تحبه حقاً.. هل أخطأت من قبل في حقه ام اخطأ هو في حق نفسه.. أتشعر بالقلق حياله أم أن ثورته نابعة من توقها الدائم الي فرض سطوتها...

قص علي مسامعها باقتضاب ما حدث لتصدمه بقولها...

ولمَ حملتها الى المشفي أيها الأبله.. ألم يجدر بك الفرار.. انت بالفعل أحمق الى حد بعيد....

جاسم برفض : وأتركها للموت!!

والدته : وما شأننا... لقد أخبرتني تواً أنك لم تصدمها عمداً بل دفعها أحدهم تجاهك..

ماذا لو لم يشاهد البعض ما حدث وقتها ما كانت الشرطة لتطلق سراحك...

جاسم : حمداً لله لم يحدث سوء واستطعت انقاذها

ليتك لم تفعل.. أما تقول أنها مشوهة بالفعل...!!

أغمض عينيه بندم متذكراً كلماتها الشبيهه فيما يخص قمر.. ليسكت والدته قائلاً بحزم..:

ارغب في الارتياح قليلاً لكي أصحو باكراً فقد تراكم لدي الكثير من العمل...

والدته بسخرية : وابنتك.. ألا تشتاق اليها؟!

جاسم بحزن : دلفت الى غرفتها قبل قليل ووجدتها نائمة..

تحركت والدته مولية ظهرها اياه قائلة:

أعانك الله على نفسك فكل خطواتك غير محسوبة ولا تأتِ بخير

صفعت الباب من خلفها بقسوة كحالها معه فرغم انه علي يقين من حبها له الا انه مطلقاً لم يجد مبرراً لشدتها الدائمة معه وكأنها تعاقبه على ذنب ما....

تنهد في عدم ارتياح مبتسماً في يأس مما يقابله فقد استشعر حاله نذير شؤم اينما توجه يلاحقه المصائب...

🔸🔸🔸🔸 
صراخه بوجه محاميه جعل المحامي يطالعه بغيظ محذراً اياه قائلاً:

لا يجوز ما تفعله سيد عثمان.. يجب عليك مراعاة الفاظك قليلاً.. هناك موكلون بالمكتب 
عثمان : تباً.. وما شأني وشأن موكليك...

تخبرني ان زوجتي وشقيقتها متهمتان بجريمة ملفقة وعليَ الصمت.. إما كان عليك الحرص واليقظة أم أنك محامي مبتدئ؟

المحامي بغضب : سأتغاضى عما تقول فأنا اعلم ما تمر به ولكن كفى أنا لم أقصر بل هاتفتك فور علمي بالقضية..

عثمان محاولاً التريث ودحر غضبه: 
وما الحل الذي تراه مناسباً؟

المحامي : لقد اخبرني أحدهم ان السيدة تحية قد باعت بيت عمك وقبضت الثمن كاملاً لتدعي عقب ذلك سرقت المبلغ من قبل ابنتي زوجها الراحل...

سب عثمان بسبة نابية فتنهد المحامي في ضيق قائلاً:

عليك التحلي بالصبر قليلاً.. ما تفعله لن يفيدنا في شئ..

عثمان في جدية : لا تقلق أنا من سيجد حلاً وإياك ان يعلم سواي بما حدث..هل فهمت؟

لم يمهل المحامي فرصة للرد بل غادر وما قاساه من قبل وما يقاسيه الآن يطارده عازماً على القصاص من تلك المرأة والتخلص من شرها... 

منذ عودته من الخارج وهو مكتفي بالصمت 
اختلى بنفسه على غير العادة صمته يبث الملل والرتابة من حوله.. ترددت علياء في القرب منه فهو يبدو غاضباً الى حد بعيد لكن القلب لن يجرؤ علي الابتعاد لذا تحركت دون ارادة منها وتمددت الي جواره متمسكة به بقوة قائلة:

ماذا بك يا حبيب الروح؟

تنهد في وجع قائلاً : وهل لروحي أن تهنأ دونك يا علياء.. أما اكتفينا فراقاً

انتابها القلق لتتساءل:

هل هناك ما لا أعلمه.. هل انت بخير..؟

احتضنها بكامل قوته قائلاً باحتياج:

أنا بخير جوارك.. وبك.. أريدك يا علياء.. أحتاجك..

سلمته زمام أمرها ولم تشأ ازعاجه بسؤاله عما يؤرقه واكتفى هو مؤقتاً بالقرب منها....

🔸🔸🔸🔸 
لقد صفعه والده بكلماته دون أن يصفعه.. لقد كشف ستر رغباته التي يأبى الاعتراف بها.. لقد اصابه الوهن.. حب الدنيا وجمالها الآخاذ الذي زين بكل ماهو جذاب.. كراهية الزهد الذي يجبره عن الركض مبتعدا عن كل ما تتوق الى النفس..

لم يدع جمال كذباً بل وضع راحتيه فوق موضع الألم وضغط بعزمه...

لطالما كان الثبات منهكاً لكنه الأن بات محالاً.. لن يجدي الدواء نفعاً اذا انكر المريض علته.... 

سار بلا وجهة محددة ليصطدم بها دون قصد منه وعقب تخطيط مسبق وترقب منها.. امسكها مقربها اياها اليه قبل ان تسقط أرضاً معتذراً بلباقه 

أعتذر اليكِ آنسة رفيف.. لم انتبه الى قدومك...

رفيف بدلال : لا بأس.. وهل هناك أجمل من وجودي بين يديك !

تنحنح في حرج بعدما ساعدها على الوقوف قائلاً :

حسناً.. ينبغي اليَ الرحيل الآن... 

تأكدت رفيف من خلو المكان حولهما لتقترب منه الي حد خطر هامسة أمام شفتيه :

لا ينبغي عليك الهرب كلما رأيتني... 

ناظرها يامن بتردد وضعف كاد أن يجبره علي التنازل والنزول الي القاع الذي ارتقى بعيداً عنه من قبل... لاحظت سكونه فاقتربت تحيط رقبته بأنوثه وجرأة... قبلته واستجاب لها دون ادراك لما هو مقبل عليه.... 

كاد أن يهم بمعصية قلة من يقوون علي دفعها ولذا جعل الله من يواجهها ممن يظلهم في ظله يوم القيامة..

وها هي أمامه امرأة فاتنة مكتملة الأنوثة تبادر بالتودد اليه دون شرط او قيد... 

هل عليه أن يفكر أم عليه أن يتمتع بما تقدمه اليه ... 

تذكر رأفت وما حدث معه فدفعها عنه بقوة وقسوه وصاح بغضب منها ومن نفسه ومن العالم بأسره 
ابتعدي عن دربي.. هل سمعت ان رأيت بوجهي بعد الأن لا تلومن الا نفسك 
صاح بها بقوة أشد بعدما تسمرت قدماها أمامه لتهرول ودموعها تغرق وجهها مما فعله بها فقد أهانها رغم إعجابها به وتقربها له.... 

عاد ادراجه الى غرفته يصيح بجنون يلقي بما يقابله أرضاً لا يصدق ما فعله منذ قليل.. 

اقترب جمال منه بقلق حقيقي متسائلاً :

ماذا حدث.. هل أصابك مكروه ؟؟

يامن بصدق : أجل أصابني الكثير.. انت مصابي الأول والأخير يا أبي.. أنت لعنتي..

جمال بصدمة : أنا.. هل أذيتك في شئ 
يامن : أجل فعلت.. لقد أفسدت روحي منذ البداية جعلتني خاوياً.. حيواناً يسعى خلف غرائزه.. وعندما أردت الرجوع أعدتني وانت على يقين انني ضعيف هش... 

هل أنت سعيد بيَ الآن.. !!

تنهد جمال في ضيق قائلاً :

لم أطلب إليك ان ترتكب معصية يا بني..

لقد تركت لكما انت وشقيقك حرية الاختيار.. أردتكما رجالاً منذ الصغر ..

يامن بانهيار : وهل تلقِ بطفلك وسط النيران وتطلب اليه ألا يحترق.. أتغرقه بترحاب وسط أمواج لا ترحم... 

جمال هو الأخر بغضب : ما الذي تريده الآن.. هل تسعى الى الابتعاد مرة اخرى..!!

حسناَ فلتذهب أنا جمال رشدان ومحال ان أستجدي منك عطفاً او أتوسل إليك البقاء... 

يامن في جدية واصرار : لن أتركك يا أبي.. ولكن عليك احترام ما اريد بعد الأن.. حياتي ملك لي انا فقط.. ولا يعنيك ما أفعل بها... حتى وإن اردت الزواج من قمر فلن يمنعني عنها أحد بعد الآن.. لن أسمح لنفسي أن تتبعك

اكمل بجدية قائلاً:

لقد اتينا الى هنا كي نطمئن على صحتك وتحظى ببعض الراحة لكنك لم تفعل لا هذا ولا ذاك ويبدو ان مجيئنا كان من أجلي أنا ليس إلا...

ابتسم جمال في خفوت قائلاً:

وان يكن.. هل ستغضب عليَ الآن وتضربني عقاباً لي علي فعلتي!!!

يامن بهدوء : رغم كل شئ تعلم يقيناً أنني مستعد لكي أفتديك بروحي دون تردد

ابتسم جمال رغماً عنه فاستكمل يامن في تقرير:

إلا أنني لن أبقي خارج مصر يوماً إضافياً لذا عليك الاستعداد للعودة الى البلاد.. ولا تقلق فأنا باقِ معك الى أن تطردني....

أشار اليه جمال بيده قائلاً:

هيا انصرف الآن فلست في مزاج جيد لكي تمازحني أيها السمج...

اومأ اليه وغادر شاعراً بارتياح واغمض جمال عينيه مبتغياً الراحة...
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁

استمع جاسم الى ما تقوله الفتاة بترقب ليسألها بتركيز:
ما اسمك؟

اجابته بضعف : نجاه

تحدث اليها بحنو : وما قصتك يانجاة ومن ذاك الرجل الذي دفعك الى سيارتي!؟

أدمعت عيناها قائلة : كان فيما مضي خطيبي وحب سنوات قضيتها في وهم...

لقد تركني بعدما تشوه وجهي هكذا..

جاسم : وما السبب فيما أصابك!؟

نجاة : كان أحد الشباب المجاورين لنا في منطقتنا.. لكنه مدمناً.. حاول التقرب اليَ مرارا وعندما صددته وتمت خطبتي الى أكرم جن جنونه وترصدني الى أن اختطفني ذات ليلة وشوهني هكذا..

لقد تركني اكرم دون تردد.. وتزوج..!

 تزوج بأخرى وتناسى ما كان بيننا..

شهقت باكية لتكمل.. لكنه لم يكتف بها فعاد يلاحقني مدعياً أنه مازال محباً لي.. طلب اليّ الزواج فرفضت بشدة وتشاجرنا سوياً..

 من فرط غضبه وجنونه دفعني بقوة لأقع أمام سيارتك...
تعليقات



<>