رواية مأساة حنين الفصل السابع7 والثامن8 بقلم أية الفرجاني
من عيوني يا ست البنات.....جايه اهو
فتحت الباب...وهيا بتبتسم بس الابتسامه اختفت فجأة
ووقفت مكانها مصدومة
عينيها اتسعت، ولسانها اتلجم
= "إنتي...؟!"
الست اللي قدامها كانت لابسة شيك برفانها تقيل ولمعة عنيها فيها خبث مفتعل
= "إيه يا هدي؟ مش فكراني؟ بقيتي تنسي الوشوش كده؟!"
هدي رجعت خطوة ورا، مرتبكة:
= "حضرتك...؟ يعني مش ممكن تكوني..
الست دخلت من غير استئذان، وعنيها بتتمشى في الصالة...
لحد ما وقعت على حنين، اللي كانت قاعدة في الركنه
بصّت لها من فوق لتحت وقالت بلهجة مستفزة وهيا بتقعد :
= قومي يا بت هاتيلي فنجان قهوة مظبوط...
ولا أقولك اعمليه زيادة سنة كده، دماغي هتتفرتك من السفر
حنين بصت لها باستغراب وخوف... بس ما اتحركتش
وشها كان متجمد ونظراتها بتقول: "أنا مش فاهمة حاجه "
الست رفعت حاجبها وقالت بحدة:
= "مش سامعة؟ قومــي يابت!
ولا أجي أنا أقومك؟!" دا اي الاشكال دي
هدي قربت منها بسرعة، بتحاول تهدي الموقف:
= "حضرتك.... دي مش..."
الست قاطعتها وهي بتلوّح بإيدها:
= انا مش فايقلكم أنا داخلة لكريم… هو هنا، صح؟
حد يشوف البت دي ويشيلها من وشي انا مش ناقصه "
عنيها وقعت على محمد النايم على الكنبة...
ابتسمت بسخرية:
= "ومعاكي عيل كمان؟
حافظي على شغلك عشانه بقى!"
وفي اللحظة دي… الباب اتفتح
كريم خرج على الصوت، لابس بيچاما …
بس أول ما شاف الست…
اتجمّد
حنين وقفت من غير وعي وقلبها بيدق بسرعة مش مفهومة…
الست جريت عليه بلهفة:
= "ابني! كريم! يا حبيبي… وحشتني قوي!"
حضنته وهي بتحاول تزرع الحنين اللي ما بقاش…
بس كريم ما اتحركش…
ما مدش إيده…
ما ابتسمش حتى
قال بنبرة باردة:
= "إنتي بتعملي إيه هنا؟"
الست ارتبكت:
= "جيت أشوفك… مش من حقي أشوف ابني؟"
كريم بص ناحية حنين…
الست لحظت نظرته، لفت بسرعة، بصت لحنين:
= "البنت دي؟!"
وقالت بنبرة ضيق:
= "أنا كنت بطلب منها تعمل لي قهوة، وقاعده قدامي بابنها كأنها مالكة المكان انت ازاي مشغل ناس كده عندك
كريم قال بهدوء قاطع:
= اللي إنتي بتتكلمي عنها دي مراتي
والمكان ده بيتها
الست اتخضّت:
= "مراتك؟! إمتى؟ إزاي؟
وأنا آخر من يعلم؟"
كريم بص لحنين، وقال بهدوء:
= "ادخلي أوضتك يا حنين وخدي محمد معاكي"
حنين بصت لهم بخوف، وخدت محمد وسابتهم.
الست قربت منه وقالت بهمس باكي:
= كريم… أنا أمك ليه بتعملني كده؟"
رد عليها وهو مكسور بس ثابت:
= "كنتي أمي…
دلوقتي إنتي ضيفة مش مرغوب فيها"
الست بصت له بذهول…
وبعد لحظة، بصت لحنين اللي كانت ماشية… وقربت منها
لمحت الطفل في حضنها وقالت بفرحة مصدومة:
= ده... ده ابنك؟
أنا مش مصدقة! امتي وازاي!!!
بصت لحنين وقالت بحماس:
= "بس اتجوزتوا إمتى؟
وهو مش انت كنت خاطب؟! يا كريم؟ إنت كنت خاطب صح انا فاكره
كريم رد وهو بيحاول يلم أعصابه:
= كفاية أسئلة وجودك هنا مش مناسب
خدي هدومك… وامشي قبل ما أطلب من الأمن يخرجك
مردتش عليه قعدت علي الكنبه وعيونها بتلف على كل ركن في البيت كأنها بتحاول تزرع نفسها فيه غصب
كريم واقف بعيد، متكتف، مش قادر يقرب خطوة
هي بصّت لحنين الي لسه واقفه مش فاهمه حاجه غير انها ام كريم،
قالت بنبرة واطية فيها دموع مصطنعة:
= شكلك طيبة يا بنتي.. بالله عليكي كلميه قولي له يخلي أمه تقعد شوية ده بيتي برضو.. مش كده؟
حنين اتلخبطت، بس طيبتها سبقتها قبل ما عقلها يفكر
قربت من كريم وقالت بنعومة:
= خليها تقعد يومين يا كريم.. هيا مش غريبة؟
_ غريبة؟
رد كريم وهو بيضحك بسخرية:
_ دي ما تبقاش حتى قريبة!
= بس يا كريم مش حلو كده، مهما كان دي...
قطع كلامها وقال ببرود:
= دي سابتني وانا عيل ومحاولتش تسأل عني غير لما جوزها وعايلها سافروا فاكراني مش عارف...
دي اخر مره شفتها فيها من عشر سنين
= بس.. هي محتاجاك.. وانت ابنها في الآخر
سكت كريم لحظة
كان فيه صراع في عينه، بين وجع قديم وعشم مات من سنين
وبعدين بص لحنين، وقال:
= عشان خاطرك إنتِ.. يومين بس
وبص لأمه بجمود:
= بس إوعي تفتكري إن ده عشانك..
طلع كريم وسابها مع حنين الي بصتلها بابتسامة ومشيت...
بعد وقت ....
البيت كان هادي بعد ما وافق كريم بالعافية تفضل، بس هو لسه مش طايق وجودها
كانت بتتحرك في البيت براحتها كأنها صاحبة المكان، وحنين بتحاول تبين أدبها بس جواها خايفه
بالليل وهما قاعدين على العشا، بدأت تهزر وتفتح كلام باين فيه سم:
= هو أنت يا كريم لسه فاكر خطيبتك القديمة؟
كريم بيرفع عينه من الطبق، وبيلمح نظرة حنين اللي اتشدت فجأة:
= خطيبتي؟!
= أيوه يا حبيبي مش كنت خاطب البنت اللي اسمها... إيه؟ آآه، نجلاء!
عرفت من عمتك كانت دايمًا تحكيلي عنكوا وانت صغير وتقوللي نجلاء دي هتبقى مرات كريم
حنين سابت المعلقة في الطبق وبصّت لكريم من وحسّت بغصة فـ قلبها
كريم عض شفايفه وضغط بإيده على رجله من تحت الترابيزة، وقال ببرود:
= خلصنا الكلام من زمان... والموضوع اتقفل ومات من زمان
= مات؟ ليه ي ابني ؟
قالتها الأم بصوت شبه مصدوم
= يا حبيبي دي نجلاء سمعت انها بنت راجل.اعمال ليه مكانه وامها كانت صاحبت عمك
قالت كده وهيا ماسكة فنجان القهوة اللي حنين جبتوا ليها
اكملت بتساؤل
طب ما تقوللي يا كريم… إزاي اتجوزتها؟ وامتى؟ دي بنت مين أصلاً؟
كريم بيرد ببرود:
ملكيش دعوة
سماح بسخريه:
"إزاي يعني؟ أنا أمك ولا مش أمك؟ ولا عشان بقالي سنين ماشوفتكش بقيت غريبة؟
كريم بنفس البرود بس نبرة صوته بدأت يعلى:
"آه… بقيتي غريبة وغريبة جدًا كمان بتسألي عن مراتي كأنك جاية من النيابة
سماح بنبره مستفزة بصوتها ولسانها بيشرّ شر:
ي حبيبي مش قصدي بس الي سمعته ان نجلاء كانت مناسبه جدا لك… دي بنت راجل.اعمال وكنتوا هتتخطبوا بس حظي اللي أسيبك يومين لقيتك جايبلي البت دي! وبتقول مراتي فلازم اعرف هيا مين
بيتحول صوته لغضب مكتوم، وبيقطع كلامها فجأة
=نجلاء سافرت تكمل تعليمها… وأنا قررت أكمل حياتي
اظن الموضوع خلص كده...
سماح بتبص لحنين بنظرة غل وخبث وبتقول بنبرة قاسية:
"ودي؟ بنت مين يعني؟ شكلها مش من مستوانا!"
حنين وشها بيحمر من الإحراج، بتبص في الأرض وساكتة، عينيها بتلمع بدموع محبوسة:
كريم بيزعق و بحدة مفاجئة:.
"قلتلك متتكلميش عن مراتي وهيا فوق أي مستوى انتي بتفكري فيه… ومحدش ليه دعوة بحياتي دلوقتي لا انتي ولا غيرك
سكتت لحظة من الصدمة من طريقته، وبعدين رمت الجملة وهي بتضحك ضحكة فيها غيظ
"أنا مش جاية أعمل مشاكل… أنا جاية أشوف ابني بس شكلي غلطت في العنوان
كريم وهو واقف بعصبيه ومشي ناحية الباب
قال:
لو عايزة تقعدي… اقعدي عشان حنين طلبت مش عشاني بس حطي في دماغك… مش هتكسري قلبي تاني زي زمان
بصدمه:
زمان؟! أنا اللي كسرته؟
بيفتح الباب وبيبص فيها بقسوة
كل حاجة باظت من يوم ما قررتي تمشي وتسيبيني لوحدي دلوقتي متلعبيش دور الأم الطيبة… مش هينفع
حنين بتبصله بحزن عليه وهو بيخرج وسامح عيونها بتتملي دموع وهيا بتقول:
كنت عاوزني اعمل اي ي عني ي كريم كان عمري 22سنه لما ابوك مات وبعدها اختي ماتت وهيا بتولد وامنتني علي بنتها وبعدها ملقتش نفسي غير اني اتجوز جوزها عشان اربيها وانت رفضت تعيش معايا اعمل اي انا يعني
كريم وقف على الباب، عينه بتلمع بوجع مكتوم بس صوته كان ثابت:
= "أنا مكنتش محتاجك تفضلي معايا… كنت محتاجك تفتكري إني ابنك… ولو حتى مرّة
سماح حاولت تمسك دموعها لكنها فجأة انفجرت بصوت عالي زي اللي عايز يبرر نفسه بأي تمن:
= "أنا مكنتش قدّها يا كريم… كنت لوحدي وعمرك ما بصيتلي غير نظرة كره...
انت سبقتني فالبُعد!
كريم بصّ لها بنظرة مكسورة وقال بنبرة أهدى بس فيها خنقة:
= ومع ذلك… عمر ما يوم عدى وما استنيتش إنك ترجعي لي… تسألي… تحاولي!
بس إنتِ مارجعتيش غير لما اتأكدتي إن عندي شركة وإن ليّا قيمة دلوقتي…
سماح قعدت تضحك ضحكة باهتة مليانة مرارة:
= أنا أمك ي كريم … مش هيفضل في قلبك شوية حنيه ليّا؟!"
كريم ساب الباب مفتوح وقال وهو بيبص لحنين:
= أنا قررت أبدأ من جديد…
والي جانبك دي مراتي… وفوق أي حسابات ات حطها في دماغك … ولو على اللي فـ قلبي
من نحيتك هو اتحرق وانتهى من زمان
قال كده وخرج....
سماح بصّت لحنين بقهر بس معرفتش ترد
وحنين بصتلهاو قالت بهدوء :
= حضرتك اكيد تعبانة من السفر… نامي النهاردة
وبكره نتكلم ونفهم كل حاجة بهدوء عشان كريم دلوقتي مش هيسمع حاجه
سماح رفعت حاجبها وبصتلها وقالت.....
الفصل الثامن
سماح رفعت حاجبها وبصتلها وقالت.....
وانت فاكره اني هسمعلك... كريم ابني انا واكيد مش هاخد الاذن منك عشان اتكلم مع ابني
حنين بصتلها باستغراب وهيا مشيت وسبتها....
الساعة عدّت نص الليل...وكريم لسه مرجعش اول مره يعملها من يوم ما اتجوزوا مش عارفه هيا خايفه عليه ليه بس مش قادره تنام وهيا عارفه انو مش موجود خصوصا انو خرج مدايق
فضلت رايحه جايه قدام الباب كل شوبه بتبص في الساعة والقلق باين عليها....
أول مرة تحس إنه بعيد ومحتاج حد يطبطب عليه... وهي مش عارفة تعمل إيه
صوت المفاتيح بيرن فـ الباب...
لفّت بسرعة وقفت قدامه قلبها بيدق وهي بتحاول ترتب ملامحها
دخل كريم...
كان باين عليه التعب بيترنح في مشيته... ريحة الخمرة كانت واضحة وعينيه حمرا
بصّ لها وابتسم ابتسامة صغيره وقال بصوت مبحوح:
= لسه صاحيه ليه يا حنين؟
ردّت بسرعة وهيابتتهرب:
= مكنش جايلي نوم... كنت لسه هقوم اهو...
حاولت تعدّي من جنبه تروّح أوضتها، بس هو مدّ إيده مسك إيدها...وقال بحب:
= استني...
بصّتله وهيا متفاجأة منه
قرب منها، عنيه كانت كلها وجع مسك وشها بايده وهو بيقول:
= أنا تعبان يا حنين...
أنا مش كويس...خليكي جنبي متسبنيش انت كمان زيهم
حنين اتلخبطت قلبها دق جامد بتحاول تبان انها طبيعيه مش قادره تبص في عيونه قالت وهيا بتهرب من نظرته:
= طيب تعالى نطلع الاؤضه.. شكلك تعبان
لفّت إيدها على كتفه وسندته، كان ماشي بتقل، زي اللي شايل وجع سننين فوق كتافه بيبصلها بحب
دخلوا الأوضة...
ولما قرب من السرير ونام عليه مسك ايدها وشدها نحيته هزّ راسه وقال بهمس:
= أنا آسف...
حنين قالت وهي بتحاول تبعده:
= خلاص... نام دلوقتي بكره نتكلم
قام قعد عالسرير...
وبصّ لها عينه كانت زايغة بس كلامه طالع من جوه قلبه:
= أنا آسف عشان كل حاجة...
أنا آسف إنك في يوم انت بكيتِ بسببي...
حنين وقفت مكانيها، مش قادرة ترد
هو كمل بكلام متقطع:
= بس أنا كمان... أنا موجوع...
كنت وحيد طول الوقت...
كنت محتاج حد...
وانتِ جيتي فجأة...وانا كان عادي عندي مكنتش عارف اميز بين الغلط والصح
بس لما جبتي محمد
غيرتي حاجات كتير...
كنت كل يوم ببصّلك... وأقول:
"هي دي؟ هي دي اللي ربنا بعتهالي؟
سند بضهره علي السرير
كانت هتمشي بس هو
قرب منها و فجأةوهو نايم، مسك إيدها
= متروحيش...متممشيش
اتلخبطت وقالت بتوتر:
= كريم... نام، انت مش كويس دلوقتي
شدّها أكتر... وقعت على صدره
وبصّ في عنيها... سكتت مش قادره تتكلم
كان فيه لحظة سكون... غير كل اللي فات
= عنيكي حلوة أوي...
قالها بصوت واطي، وإيده لفت عليها بهدوء
= أول مرة احس إني عايز أعيش...
كنت ببصلك وانتي نايمة جنب محمد...
قولت: أنا عايز بيت زي ده...
بس معرفتش أقولك...
كنت خايف...
حنين حاولت تقوم، بس هو ضمّها أكتر...
= أنا بحبك...
قالها بصوت مكسور وهو بيقفل عينه وينام...
وهي كانت لسه في حضنه... ساكتة... بس قلبها بيدق بجنون اتصدمت من الي قاله
كانت بتحاول تقوم من حضنه…
بس إيده كانت متثبتة عليها
قلبه بيدق في صدره وهي سامعة صوته
= كريم... سيبني...
قالتها بهمس مرتبك مش عارفة هياخايفة منه ولا عليه
بس هوكان مغمّض… وشه هادي لأول مرة من سنين،
وصوته طالع ناعم كأنه بينام على أمل:
= خليكي كده...
متتحركيش...
قلبها دق اكتر...
وفيه حاجة جوّاها بدات تتحرك وهو بيقولها الجملة دي...
قالتها وهي بتبلع ريقها:
= طب... ومحمد؟!
فتح عينه لحظة، عينه كانت دبلانه… بس جواها وجع بيطلب الطبطبة:
= متخافيش عليه…
هو نايم...
وبعدين ضمّها أكتر
كأن حضنها المأوى الوحيد اللي بيحس فيه إنه بني آدم مش حتة حجر متشقق من جوه
كان بيتنفس بصوت تقيل…
وهي بتحاول تهدي دقات قلبها اللي بتصرخ
"ابعدي" ده خطر دا الي اذاكي
بس جزء تاني منها كان بيقول "سيبيه… يمكن دي أول مرّة يحسّ إنه مش لوحده هو محتاجك "
هو كمل بكلام متلخبط وهو بيغرق في النوم:
= أنا كنت بردان…
بس دلوقتي دفيت…
= كنت خايف… بس انتِ هنا… بقيت مستريح
وغمض عينه تاني…
وبإيده كان لسه ماسك إيدها كأنه بيمسك الحياة كلها
وحنين…
كانت ثابتة، لا بتتحرك ولا بتتنفس…
كلها ارتباك وتوهان
بس جواها حاجة بتتبدل…
لحظة كانت بين "هو عاوزني؟"
وبين " هوأنا... لسه خايفة منه؟ ولا خلاص ؟
سابته…
ينام وهي لسه في حضنه
سايبة كل الأسئلة في عقلها …
وكل الإجابات في حضنه بس بيجاوب عليها
الصبح...
حنين فتحت عنيها على نور الشمس اللي بدأ يتسلّل من الشباك
وبسرعة اتفاجئت… لسه في حضنه!
كريم نايم جنبها،
وشه هادي… ملامحه ساكنة، كأنه ولد صغير مرمي من التعب
فضلت تبص له لحظة…
وقد إيه كان شكله بريء وهو نايم…
عينه مقفولة، بس ملامحه فيها حزن غريب
مدّت إيدها بتردد… ولمّا لمست خده بإيدها
اتحركت شفايفه تلقائي، وابتسم…
وبهدوء… فتح عينه
بصلها بثقل نوم، وبصوت مبحوح قال:
= صباح الخير...
حنين اتكسفت… وشالت إيدها بسرعة
وقامت تتحرك بسرعة تقوم، بس أول ما قامت من السرير
كريم وقف وسبقها…
وقف قدام الباب، وسند جسمه عليه وقال بحزن:
= مش ناويه تسامحيني؟
حنين اتلخبطت… وسكتت
قرب منها، مسك إيدها بلُطف، وسحبها بخفة
وقعدها على السرير، وقعد هو على الأرض قدامها، زي طفل بيترجا حنية أمه:
= حنين… صدقيني أنا اتغيرت، والله اتغيرت
أنا عارف إنك لسه خايفة مني، ومش واثقة فيا،
بس أنا... أنا بحبك
معرفش إزاي، ولا امتى،
بس كل مرة ببص في عينيك بحس إني لقيت نفسي
ببقي مبسوط جدا
حنين عنيها بتهرب من عينيه…
قلبها اتلخبط، ولسانها مش عارف يقول إيه،
بس قالتها:
= لأ…ي كريم
لسه متغيرتش بجد
وأنا مش هقدر أثق فيك…غير لما اتأكد انك فعلا اتغيرت
بصلها بتركيز فاكملت
لما تقترب من ربنا وتنسى الحياة الي كنت عايشها كلها
كريم بص لها باستغراب وتوهان …
= ربنا؟!
= آه…
امبارح كنت سكران
وطول ما إنت بعيد عن ربنا
أنا هفضل شايفاك بعيد
وكل مرة هتقرب هفضل خايفة…منك
سكت، وبعدين قال بصوت مبحوح:
=بس....انا.....انا حاولت...
بس مقدرتش
رفع عينه وقال بندم
تفتكري… ربنا ممكن يسامحني على اللي عملته؟
حنين ابتسمت ابتسامة كلها نور وقالت:
= ربنا قال: "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا"
ربنا مش بينسى حد…لو خبطت علي بابه وقولت يارب هتوب هيفتحلك كل الابواب
أقرب طريق للأمان… هو ربنا
كريم فضل ساكت… عينيه مليانة دموع
ابتسم وقال:
= إنتِ عرفتِ ده كله منين؟
= بابا…
كان بيحب الدين وبيحببنا نحب ربنا
كان دايمًا يحكيلي عن الصحابه، ويحفظني قرأن
بس بعد ما مات… كل حاجة اتشقلبت
سكتت لحظة… وكريم سألها بصوت هادي:
= هو أنا ممكن أسألك سؤال؟
بصت له بتوتر…
= إيه اللي خلاكي تسيبي بيتكم؟
حنين قامت تقف… كانت هتهرب بس صوته رجّعها:
= مش عشان حاجة…
بس نفسي أعرفك
نفسي أفهمك.
عينيها دمعت…
صوتها اتكسر وهي بتحكي:
= بعد ما بابا وماما ماتوا…
عِشت مع عمتي
جابت عيالها وسكنت معانا جوزها كان ميت
كان عندها بنت وولد…
ابنها… كان بيبصلي دائما بشكل مش مريح نظراته غريبه دايما كان بيحاول يديقني ويقرب مني باي طريقه كنت بصده واهرب منه
وفي مرة وأنا نايمة، صحيت على إيده......كانت......
سكتت فجأة..وكملت....كانت فوق جسمي
صوتها اتقطع…
لكن كملت وهي بتبكي:
= صرخت
زقته بعيد عني
بس هو كمّم بُقي لحد ما حسيت ان نفسي هيتقط بعدها
مشي
ولما حكيت لعمتي، ضربتني،
وقالت إني كدابة…
واتهمتني إني بحاول أوقع ابنها
كل حاجة بعد كده كانت سواد
بقت تعاملني كخدامة
وبنتها كانت بتكرهني
وفي يوم....حاول انو...انو يع*ت...سكتت
طلعت اجري علي بره وعمتي كانت قاعده مسألتنيش حتي في اي بعدها بقيت خايفه منهم مكنتش قادره اقعد اكتر من كده لما قولت ليها ترجع بيتها تاني عشان عاوزه اقعد لوحدي
رفضت وضربتني واتهمتني اني بعمل كده علشان عاوزه....اني
مقدرتش تكمل وسكتت
بس هو فهم قصدها
لحد ما قررت أهرب…
ومشيت
حنين كانت بتبكي… صوتها بيتهز مع كل كلمة
كريم كان قلبه بيولع نار…
غيرة… وحزن… وقهر
قام، وقعد جنبها
وبمنتهى الحنية…
حضنها
حنين حضنته حضن طفل تايه لقى حضن أمه
كانت بتبكي جوه صدره
وكان هو ساكت…
بس عنيه بتتكلم كانت بيحلف انو هيرجع حقها باي طريقه
بعد لحظة…
حنين اتكسفت ولحظت وضعها، وبعدت عنه،
قامت ماشيه بسرعه…
بس هو… فضل باصص لطفها
وابتسم…
ومد إيده على شعره بتوتر
وقال بهمس:
= يا رب… ساعدني أكون قدها واخليها تسامحني....
بعد وقت علي السفره
قاعد على طرف السفرة بينه وبين الكرسي التاني مسافة… بس عينه علي الي قاعده قدامه ومركز في كل تفصيله بتعملها
كان بيبصلها وهي بتحط الأكل على الترابيزه، كل حركة منها بتزود مشاعره اكتر وبتخليه يبتسم …
كأنت بتتحاشى تلمس إيده بالغلط وهيا بتاكل
هو بكل بساطة… كان مبتسم
ابتسامة باينة في عينه…
باصص ليها كأنه أول مرة يشوفها، بيشوف ملامحها وهي مركزة في الأكل
أو وهي بتعدل كُمّها وهي بتقعد…
كل تفصيلة منها خادت جزء من قلبه، وهو حتى مش بيقاوم!
حنين قعدت قدامه، وابتدت تاكل في هدوء…
بس حست بعينه الي عيلها، اتحركت في مكانها بتوتر خفيف
بصّت في طبقها، وبصّت ناحيته بسرعة…
ولما شافته لسه بيبص، وشها احمر فجأة
وخبّطت في الكوب بالغلط وقعته
= "آسفة… مكنتش قصدي…"
كريم ضحك بخفة، وقال وهو بيعدل الكوب:
=إهدي مفيش حاجة حصلت…
سماح قاعدة على الكرسي التالت باصة للاتنين بنظرة فيها استغراب وقرف متغلف باستنكار
بصّت لحنين وهي بترتب العيش
وبعدين لكريم اللي مبسوط ومش واخد باله منها…
سكتت شوية وبعدين قالت بحدة قطعت كل حاجة:
= "هو في إيه بالظبط؟!
أ
كريم بصلها ببرود،وقال :
= اظن شيء ميهمكيش قوي...
سماح عضّت على شفايفها من الغيظ، وحنين بصّت في الأرض…واتكسفت
بس لأول مرة، في لمحة صغيرة، عرفت إنها مش لوحدها
في مكان تاني تحديدا في مطار القاهره بنسمع صوت
اعلان وصول الطائرة...
السادة الركاب القادمين على متن رحلة رقم ٩٤٣ القادمة من نيويورك، نحب نبلغ حضراتكم إنكم وصلتم بسلامة الله إلى مطار القاهرة الدولي… ونتمنى لكم إقامة سعيدة في وطنكم الأم
الباب الزجاجي اتفتح، وخرج شاب منه …
كان لابس قميص أبيض مفتوح من فوق زرين وبنطلون جينز غامق، وجاكيت جلد شيك متعلق على كدفه
وفي شنطة صغيرة ماسكها في إيده، ونضارة شمس سودة على عينه، دقنه خفيفه وشعره متسرّح بترتيب بسيط
مشي بخطوة واثقة
أول ما عدّى الزحمة…
سمع صوت جه من بعيد وهو بيقرب منه:
= نــورت مصر يا بطل!
حمدلله على السلامة
صاحبه حضنه بشوق جامد وقال:
= "حمد لله على السلامة يا جدع… والله البلد نورت برجوعك.
ابتسم وهوبينزل نضارته شوية على مناخيره وبص له وقال بهدوء:
= "الله يسلمك يا صاحبي…
