رواية عزبة الدموع الفصل الثامن عشر18 بقلم داليا السيد

رواية عزبة الدموع الفصل الثامن عشر18 بقلم داليا السيد

وتعقدت الأمور 

أسرعت إلى حجرتها وأخذت تتحرك بغير هدى لا تعلم ماذا تفعل في النهاية كان لابد من إخباره فالوقت ليس في مصلحة أحد والعقل يقول أنها لابد أن تخبره لأنه هو الرجل وعليه حماية عمته لذا اتخذت قرارها بإخباره والآن 

دقت باب غرفته فأذن كان ما زال يرتدي ملابسه وقد كان بالبنطلون ولم يرتدي قميصه بعد وصدره عاريا، توقف عندما رآها، نظر إليها واندهش عندما رآها فهي أول مرة تأتي لغرفته بعد إن عاد إلى غرفته بالفيلا وتذكر غضبها أمس فزادت دهشته وعاد يتساءل ولكنه لم يهتم بالإجابة لأن عيونها الجميلة أسرته كما تفعل به كل مرة تقيد حريته تطرحه أرضا وتقف أمامه في قوة ساخرة من ضعفه أمامها ...

كم بدت فاتنة هذا الصباح بشعرها الغجري المنساب بدلال على ظهرها وبلوزتها الحمراء الدموية التي عقدتها على خصرها على ذلك الجينز الأسود القاتم فبدى جسدها كعارضة أزياء فرنسية تسلب العقل وطار عطرها إلى انفه فأضاع ما تبقى من قوة لديه واشتاق لقبلتها لم ينس ما كان ولا أنها زوجته 

استعاد نفسه نوعا ما متصنعا القوة والهدوء رغم نار العشق التي تحرق ثنايا قلبه وقال وهو يتحرك تجاهها 

"رنين! ماذا هناك؟ إول مرة تاتين غرفتي"

ما أن رأته هكذا حتى شعرت بالخجل والندم على جرئتها فتزايدت أنفاسها من الحرارة التي ارتفعت بجسدها ولا تعلم لماذا ظلت واقفة ولكن عيونها في الأرض وقد أدركت أنها تسرعت بحضورها لغرفته كيف سيظن بها الآن؟

استجمعت شجاعتها وقالت "أردتك في شيء مهم لا تذهب قبل إن نتحدث سأنتظرك بالمكتب" 

استدارت لتخرج ولكنه كان قد وصل إليها وجذبها إليه وهو يدرك أنه لن يتركها، هذا الخجل يزيدها جمالا ويزيده ضعفا ...

اصطدمت بصدره العاري فوضعت يديها عليه من المفاجأة ونظرت لوجهه بذهول من تصرفه وهو ينظر بعيونها وطار شعرها ليضرب وجهه بنعومه ويسر أطارت ما تبقى من عقله فنظر بعيونها وهو يزيح خصلاتها من على وجهه ويقول

"ولم ليس هنا؟" 

كم تمنى لو تظل هكذا بين ذراعيه إلى الأبد، حاولت أن تبعده ولكنه كان يمسكها بقوة محيطا بخصرها فقالت "آدم اتركني من فضلك لن أبقى هنا" 

ولكنه دفع الباب بقدمه ليغلقه وقال "وإذا لم أتركك؟" 

حاولت أن تخلص نفسها مرة أخرى وهي تقول "آدم لو سمحت اتركني لن أبقى بغرفتك اتركني" 

ولكنه لم يفعل بل ودفعها برفق للخلف حتى اصطدمت بالباب وهو أمامها يسد عليها الطريق نظر بعيونها وهو يقول بنبرة غريبة عليها

"وما المانع من الحديث بغرفتي ألا تعرفين أن دخول الحمام ليس كخروجه يا زوجتي الجميلة؟ أم نسيتِ أنكِ زوجتي، حلالي، والجميع يعلم ذلك هل لابد أن أذكرك كل لحظة بذلك؟" 

قالت دون أن تنظر إليه وهي ما زالت تقاومه وتحاول إبعاده وقلبها يكاد يخرج من صدرها من كثرة دقاته وضعفه "لا، لم أنسى ولا داعي لأن تذكرني، ولكن ذكر به نفسك وأبعد عنى من فضلك وعد إلى حبيبتك" 

ولكنه لم يفعل وابتسم وهو يشد عليها وهي تقاومه وهو يقترب أكثر ويقول "لن أبعد وليس لي حبيبة ولابد أن أعاقبك على أفكارك هذه"

توقفت عن مقاومته وعقلها توقف معها عن التفكير وربما استسلم لقوة قلبها الذي ضعف إمام قوة لمساته وجمال عيونه ودفء أنفاسه 

نظرت بعيونه وحاولت ألا تضعف أكثر وقالت "تعاقبني؟" 

زاد قربه دون أن تشعر وهمس قرب وجهها لدرجة أن أنفاسه كانت تحرق وجنتها فتزداد احمرارا وجمالا "نعم فتلك الفرصة لا تتكرر وتلك العيون لا يمكن مقاومتها" 

نظراتها البريئة زادته رغبة فيها لا يعلم ما الذي يصيبه وهي بقربه لم يتمنى امرأة مثلما تمناها عاصفة من دقات القلوب اجتاحت الاثنان موج يرتفع وينخفض بقوة على صدرها من تسارع أنفاسها، شعرت بوجهه يقترب منها وهو يهمس 

"ذلك العطر قاتل" 

بدء قربه يؤثر عليها، يضعفها بينما شعر بجسدها يرتجف بين ذراعيه همس "كفى عن الارتجاف واهدئي لن أعضك" 

نظرت إليه، كانت عيونه قريبة جدا وأنفاسه دافئة، مرر يده على وجهها و أزال خصله من شعرها لخلف أذنها وقال "حتى لون شعرك الغجرى يثير جنوني" 

زادت رجفتها من لمساته واندهشت من تصرفه حتى شعرت بأنفاسه تزداد قربا وهو يهمس "ما زلتِ غاضبة؟"

تمنى لو تشعر به وبتلك الدقات التي تنتفض داخل صدره ليتها تسمعها وتخبره أنها له، بينما تسرب الضعف إليها ووجدت نفسها لا تشعر بما حولها كالمرة السابقة، أي سحر ذلك الذي تلقيه على وجداني أيها الرجل الذي أثار جنوني وأشجاني؟ حتى عيوني لا تقدر إلا على أن تتعلق بعيونك القاتمة وتفقدني القوة على المقاومة وكأن قربك ولمساتك كالمخدر تسري في جسدي فتوقفه عن الحركة ولكن كل ذلك لم يوقف إحساسها الذي لم تعرف ما إذا كان إحساس بالسعادة أم الخوف أم الحيرة؟ ولكن ما تعرفه أنها ضاعت بين ثنايا وجهه وببريق عيونه وانتهت الحياة حولها إلا منه ومن أنفاسه وذراعيه القوية التي تحيطها فلم تعرف أين هي وماذا يحدث لها..

تسللت أصابعه إلى عنقها وهو يجذب وجهها فأغمضت عيونها وشعرت بشفاهه تلمس شفاهها برقة فة قبلة رقيقة ثم زادت قوة وجمال، شعرت بحرارة تسري بكل جسدها نفس إحساس المتعة الذي يلامس قلب الاثنان في كل قبلة دافئة تنطلق سهامها إلى القلب دون دفاع تسبب تواصل بالمشاعر فيما بينهما يضيعهم في محيط العشق والهوى 

ولكنها فجأة أفاقت وكأن مفعول المخدر انتهى بمجرد تلامس الشفاه فدفعته بعيدا ثم أسرعت خارجة من غرفته إلى غرفتها وأغلقت على نفسها واستندت على الباب وهي تحاول أن تهدئ من أنفاسها التي كادت تضيع منها وقلبها الذي صرخ من سرعة دقاته كسرعة جريان مياه الشلال وهي تتساقط عند حافته هابطة بقوة لا يمكن إيقافها ولا الوقوف أمامها لا يجب أن تفعل ذلك لا يمكنها أن تضعف هكذا ماذا سيظن بها!؟ أنها سهلة المنال؟ أغمضت عيونها وهي تحاول أن تهدء

تابعها وهي تنطلق ثم ابتسم وهو يشعر بالسعادة فقربها الحياة وقبلتها نبع الحنان وأنفاسها من عطر الجنان، كم كانت رقيقة وجميلة والخجل الذي بدا على وجهها زاده إعجابا بها مقارنة بأميرة وجرأتها ووقاحتها، أبعد اميرة عن ذهنه على الفور وعاد إلى العيون البنفسجية

ظلت تستند على الباب وهي تحاول أن تهدء من أنفاسها وما زال دفء شفتيه على شفتيها ثم فجأة دق الباب ففزعت وابتعدت وكأن الباب مسته الكهرباء، تراجعت وهي تنظر إلى الباب دون أن ترد، دق مرة أخرى وفتح فرأته يدخل، استدارت وقد أكمل ارتداء ملابسه ولم تجرؤ على النظر إلى عيونه ودخل هو وأغلق الباب وقد فاح عطره بغرفتها وقال وما زال يلاحظ وجهها الاحمر وخجلها الفاتن ولكنه تغاضى عنه كي لا يزيدها خجلا 

"كنتِ تريدين أن تتحدثي معي؟" 

التفت إليه وهي تتساءل من هذا الرجل؟ كيف يتحدث وكأن شيء لم يحدث؟ ربما يحاول أن يثبت لها أن ما حدث من حقه ألم يخبرها أنها زوجته، حلاله، ولكن لا، ولكن نعم 

ابتعدت وقالت وهي تحاول أن تستجمع شجاعتها "نعم ولكن أخشى ألا تصدقني"

أشعل سيجارة وقال "دعيني أنا أقرر" 

ابتعدت وحكت له ما حدث كان قد جلس وهو يتابعها وما أن انتهت حتى أطفأ السيجارة، هو يعلم أن أميرة ليست بالملاك وأنه شك بها عند خطف رنين للغيرة منها لكن أن تسلك القتل طريقا ولخالتها فهو أمر صعب تصديقه على الأقل ليس مع خالتها ولا معه 

عاد إلى رنين وقال "وهل من المفترض أن أصدق أن أميرة تريد قتل خالتها!؟" 

حدقت به لحظة ثمقالت "ولماذا أكذب؟" 

نهض وتحرك حتى وقف أمامها وقال "ربما تريدين التخلص من أميرة" 

صدها رده واغضبها فقالت بتحد "أنا؟ ولماذا؟ هي التي تريد ذلك وليس أنا" 

ضاقت عيونه وقال "لأن أميرة هي التي تبقيكِ زوجتي وإذا تخلصتِ منها انتهى الأمر أليس كذلك؟" 

هكذا فكر رغم ما كان بينهم؟ مازال يعتقد أنها لا تريده أم أنه هو الذي لا يريدها؟ 

غضبت وقالت "أنا لم أفكر هكذا أبدا أنا لا أكذب أنا أحب عمتي وأخاف عليها"

ابتعد وصمت لحظة قبل أن تقول هي بضيق "ربما أنت لا تريد أن تصدق عليها ذلك"

ظل ينظر لها وهو يفكر بجدية بالأمر ولكن عليه أن يتروى قبل أن يصدق، القتل ليس بسهل 

قال وهو يبعد عيونه عنها "هي ابنة عمتي"

قالت باندفاع وغضب واضح لم تحاول أن تكتمه "وكانت خطيبتك حبك الأول أليس كذلك؟ إذن لا تصدق أنها قد تفعل ذلك" 

اقترب منها وضاقت عيونه وقال "غيرة هذه أم ماذا؟" 

ابتعدت وهي تردد الكلمة "غيرة!؟ أي غيرة؟ أنا أحاول أن أحدثك عن حياة عمتك وأنت تحدثني عن ماذا؟ إذا كنت لا تقبل عليها شيء فهو شأنك ولكن أنا لن أقف هكذا وعمتي في خطر" 

ابتعد ولم يرد وما زال يفكر، عليه أن يتحرى بالأمر فهو يعلم أن رنين ليست بكاذبة وحتى لو أرادت التخلص من الزواج إنها أنقى من أن تسلك تلك الطرق، يا الله لقد تعقدت كل الأمور، حسان يحاربه من جهة وأميرة تقاتل من جهة أخرى وهي تصارع قلبه المريض من جهة ثالثة إلى متى ستظل تلك الحرب؟  

نظرت رنين إليه وقالت "أنت نسيت أن منى شاهدت رجلا يخرج من الجراج يوم الحادث؟ وهما اليوم تحدثا عن ذلك لقد كنت أنا المقصودة بالفرامل وليس أنت" 

نظر إليها وقد شعر أنها ربما تكون على حق، فقال "كما لو كنتِ تحكين فيلم بوليسي، على العموم أنا سأحذر عمتي" 

وفكر أن الأمر لو صحيح فرنين أيضا بخطر لذا اقترب منها ووقف أمامها وقال وهو ينظر بعيونها "أنتِ أيضا لابد أن تحذري إذا كان الأمر هكذا"

أبعدت عيونها وقالت بألم "ما زلت لا تصدق"

أعادها أمامه وقال "رنين لا داعي لغضبك الدائم هذا، الأمر يستدعى الهدوء والتفكير وليس الغضب، لا تنسي أنها حقا ابنة عمتي وعمتي خالتها لذا لابد أن أكون حريص قبل أن أتصرف" 

هدأت من كلامه فتحرك وقال "هيا لقد تأخرنا ألن تذهبي" هزت رأسها باستسلام وذهب الاثنان  

تأخرت بالمزرعة فقد زاد العمل وزاد حماس الجميع وربما من حبهم لها زادت رغبتهم في إنهاء الأمر على أكمل وجه.. 

اقترب صابر منها وقال "بصراحة منذ أن اقترح آدم مشروع المزرعة وأنا لم أكن أصدق أنه يمكن أن ننجح بإنشاؤه" 

ابتسمت وقالت "قل الصراحة يا عم صابر، أنت لم تكن تثق في أني سأفعلها، أنا نفسي لم أكن أثق بنفسي" 

ضحك الرجل وقال "ولكنك في كل مرة تثبتين أنكِ رائعة وعلى قدر المسؤولية حقا" 

ضحكت رغم ما بها وقالت "كلماتك غالية عندي جدا، تمنحني حماس أكثر لإكمال المشوار، أنا أحلم باليوم الذي انتهي فيه و أرى الدجاج والماشية وماكينات البيض والتفريغ، أحلم بأن المشروع انتهى بناؤه وبدء العمل به" 

ضحكت ولكن صابر قال "وقتها سترحلين؟"

التفتت إليه وقد تذكرت الاتفاق، ذهبت الضحكة ولكنها قالت "آه، ربما فأنا لا أنتمي لهنا يا عم صابر" 

نظر إليها وقال "ولكن قلبك ينتمي لهنا" 

لم تفارق عيونه وهي لا تفهم وقالت "قلبي!" 

ابتسم وقال "آدم" 

ابتعدت وقالت "عم صابر أرجوك" 

قال "اعذريني ولكن أنا اعتبرتك مثل ابنتي كما هو آدم ابني وأنتِ تحبينه، من أول يوم وافقتيه على أن تنزلي وتعملي بين الرجال وأنا أدركت ذلك، عيونك تفضحك يا ابنتي وهذه المزرعة وزواجك منه أنتَ تحبينه ولا تريدين أن ترحلي وقلبك يعلم ذلك" 

ابتعدت وهي لا تعلم ماذا يقول؟ حب؟ هي تحب وتحب آدم؟ أكثر شخص قسى عليها وأجبرها على أشياء لم تفعلها بحياتها وفعلتها من أجله ولا تريد أن ترحل من أجله أيضا هل هي فعلا تحبه؟ هل هذا هو المسمى الصحيح لكل تلك المشاعر التي تنبص داخلها في قربه؟ نعم كان عليها أن تدرك ذلك ولكن ...

وضع يده على كتفها وقال "أنتِ تنتمين لهنا، من أول يوم رأيت ذلك بعيونك" 

نظرت إليه وهي لا تعلم ماذا يدور بداخلها تضاربت مشاعرها من المواجهة ابتسم صابر وقال "هيا لقد تأخرتِ، قبل أن يخرج لكِ من الهاتف الآن بعيونه الغاضبة" 

ابتسمت وقد أخرجها لحظة من بحر الحيرة الذي كانت تسبح به، ضحك هو الآخر وقادها إلى العربة بالحصان وتبعها الرجل الذي يراقبها

بالطبع تأخرت على موعد العشاء وكانت سعيدة لأنها اكتشفت أنها تحبه، إذن كانت غيرة كما قال؟ ولم لا؟ هو زوجها، ما المانع من أن يتحول الاتفاق إلى حقيقة وواقع؟ الآن أدركت سر سعادتها بقربه ولمساته التي لم تستطع أن تمنعها أو نظراته التي تأسرها إنها حقا تحبه وتتمناه 

كادت تتجه لغرفتها لولا أن سمعت ضحكة أميرة من مكتبه، اهتزت من داخلها وحاولت ألا تتجه للمكتب ولكن قادتها قدماها غصبا عنها حيث كان الباب مغلق 

سمعت صوت أميرة تقول "تمثيل!؟ كل ذلك كان تمثيل أنا لا أصدق يا آدم"

سمعته يقول "ولم لا؟ كنت أريد أن أنتقم منكِ لأنكِ تركتيني أنا لم أنسى" 

حدقت في الباب المغلق وعجزت يدها عن أن تفتح الباب، سمعتها تضحك وتقول "وزوجتك المصون" 

قال "عمتي أرادت ذلك، الفتاة لا أهل لها وهي تعلقت بها وهي أيضا غاضبة عليكِ بسببي" 

سمعت أميرة ترد "وماذا ستفعل معها؟ هي مغرورة وعنيدة ومتكبرة وأنا لا أطيق رؤيتها" 

تراجعت والدموع تملاء عيونها وسمعته يقول "علينا أن نتحمل وجودها حتىتنتهىي المزرعة المشروع كبير وأنا استفدت من وجودها كما استفادت هي ولا يمكنني أن أتركها ترحل قبل استكمال المشروع لن نخسر أموالنا الآن كوني ذكية يا عزيزتي" 

ضحكت أميرة وقالت "آدم، آه أنا أسعد إنسانة بالدنيا يا حبيبي" 

اهتز جسدها كله مما سمعت وانهارت السعادة التي كانت تعيشها من لحظات وحدقت بالباب وهي لا تقوى على قول أو فعل أي شيء وكأنها كانت على قمة جبل عالي ثم دفعها أحدهم لتسقط إلى الهاوية

                   الفصل التاسع عشر من هنا

لقراءة باقي الفصول من هنا

تعليقات



<>