
رواية عزبة الدموع الفصل التاسع عشر19 بقلم داليا السيد
حيرة
"صباح الخير سيادة الرائد"
نظر مأمور المركز إليه وقال "آدم بيه أهلا، أهلا تفضل كنت سأرسل لك"
نظر إليه وقال وهو يجلس "خير إن شاء الله"
قال الرائد "فرامل السيارة بفعل فاعل كما أخبرتك ولأننا لم نعثر على الفاعل سأضطر لتقييدها ضد مجهول، منى التي تعمل لديكم لم تستطع رؤيته جيدا كما تعلم"
هز آدم رأسه وقال "أعلم ولكن أتمنى أن تؤجل إغلاق القضية فهناك شيء جديد أتيت لإخبارك به"
بعد أن حكى للرائد ما حدث من أميرة قال "أعتقد أن الأمور لو ربطناها ستؤدي بنا إلى الطريق الصواب"
أشعل آدم سيجارته وقال "هذا ما ظننته أنا أيضا لذا أتيت إليك"
قام الضابط وجلس أمام آدم وقال "لن نصل لشيء بسهولة وهذا الدواء عليك أن تحصل عليه وإلا تصرفت كما أرادت"
هز رأسه وقال "سأفعل كل ما في الموضوع أنها ابنة عمتي وأنا أكاد لا أصدق، كان من الممكن أن أتصرف وحدي وبرجالي ولكن طالما وصلت للقتل فلابد من أن تسير الأمور بالقانون"
نظر إليه الرائد وقال "خير ما فعلت فالموضوع صعب ومدام أميرة هناك من يساعدها ولكي نصل إليه لابد أن نكسب ثقتها كي يمكننا أن نحكم الدائرة بدون خسائر"
نظر إليه آدم وقال "وماذا؟ أنا لا أفهمك"
قال الرائد "كنت أعلم أن مدام أميرة كانت خطيبتك قبل زواجها، قصة حب على ما أعتقد صحيح أن كلا منكما اختلفت حياته ولكن"
حدق فيه آدم وقال "سيادة الرائد هل تتحدث بوضوح؟"
اقترب الرائد منه ونظر بعيونه وقال "عليك أن تعود إليها وتكسب ثقتها لسببين؛ الأول ربما لو أدركت أنك ستكون لها فلن تفكر في قتل العمة والثاني ربما بقربك هذا نعرف من الذي يساعدها ونوقع الاثنان"
تراجع آدم وهو يفكر بما يطلبه منه ماذا عن رنين؟ إنها لن تتحمل فكرة تواجد أميرة بحياته مرة أخرى و، "آدم بيه! أين ذهبت؟"
عاد له وقال "أنت تنسى أني كاتب كتابي ولا أظن أن الأمر سيروق لخطيبتي خاصة وأنها تقيم معنا أي أن تصرفاتنا واضحة أمام الجميع الوضع يحيرني"
ابتسم الرائد وقال "غيرة النساء لها حلول كثيرة آدم بيه، يمكنك ألا تبدي مشاعرك لمدام أميرة أمامها ولكن أيضا لا يجب أن تعلم خطيبتك عن الأمر كي لا تفسد كل شيء"
صمت آدم وشرد في مجنونته ترى ماذا ستفعل؟ هل ترحل وتتركه؟ وكيف هي الحياه بدونها؟ أم تبقي ويرى العذاب بعيونها فكيف للقلب أن يعيش بعذابها
عاد العزبة وإلى عمله بالأرض وقبله مثقل بالهموم والحيرة، قابله هيثم "آدم ماكينات الري تحتاج صيانه هل أتصل بالشركة"
التفت إليه وقال "نعم كان موعدهم وأنا لم أتصل فلتفعل، على فكرة بيتك الجديد انتهى يمكنك الانتقال إليه والتفكير جديا في خطوبة تلك الفتاة"
نظر إليه هيثم وقال "أي بيت!؟ أنا ليس لي بيت جديد"
ابتسم آدم وقال "هو هديتي لأفضل صديق على تعبك معي وتحملك لشخص مثلي أرجو ألا ترفض"
حدق هيثم فيه وقال "آدم أنا، أنت صديقي وأنا لم أنتظر أي مقابل لوجودي بجانبك نحن منذ كنا بالجامعة سويا، أنت من وقف بجانبي يوم فقدت أهلي وكل من لي، منحتني كل ما أنا فيه الآن حياة وعمل ومركز، أنت"
قاطعه آدم "ما كل هذا؟ إنه مجرد بيت! هيثم كف عن هذا الكلام أنت أخي، هيا سعيد يعرف مكان البيت اذهب أنا لن أذهب مبكرا أنت اجازة ولو أردت أي شيء، أي شيء، لا تخبرني"
ضحك الرجلان واحتضنه هيثم وشكره وانطلق وآدم يتبعه بنظرات حب صادقة ثم عاد لعمله وأفكاره عما هو مقبل عليه
عندما عاد كانت أميرة بانتظاره بمكتبه ابتسمت وقالت "تأخرت"
تقدم لمكتبه وجلس أمامها وهو يشعل سيجارته ويعد نفسه للتمثيلية القادمة ولم يكن يعلم أن رنين سمعت الجزء الأخير من حديثهم والذي هو أهم جزء وبالطبع كان الألم أقوى من أن تعلنه لأحد فأسرعت إلى غرفتها أغلقت الباب وأسرعت إلى فراشها، دفنت رأسها في وسادتها وبكت كثيرا لدرجة أنها لم تعد تعلم متى توقفت إلا بالصباح وهي لا تعلم ماذا ستفعل؟ بقائها هنا كان بالاتفاق مع العمة على إتمام المزرعة ولكن السبب الحقيقي هو قلبها فهل ستبقى بذلك العذاب الذي سيكون هو مصيرها القادم؟
هو لم يعدها بشيء ولم يصرح بأي مشاعر مجرد قبلات، لمسات، نظرات ولكنها ليست دليل على الحب بل ربما رغبة، قد تكون هي ظنت ذلك ولكنه لم يصرح بأي شيء فلا لوم عليه بل تلوم نفسها نعم هي التي سلمت قلبها للحب والآن تدفع الثمن، ترى ماذا يمكنها أن تفعل؟ ترحل وتترك حلمها وتخلف وعدها مع العمة؟ أم تبقى وتذوق من العذاب ألوان؟ ليتها تعرف أي الطرق تسلك؟
شعرت بصداع شديد يدق رأسها ثم سمعت دقات على الباب فقالت "ادخل"
رأت منى تدخل وتقول "صباح الخير يا هانم الست الكبيرة تسال عنكِ"
هزت رأسها وقالت "أين هي؟"
أجابت منى "بالحديقة"
قالت "حسنا أخبريها أني قادمة، سأغير ملابسي وأنزل"
ردت الفتاة "حاضر يا هانم"
إخذت حمام دافئ وقد بدء الشتاء يشتد في شهر ديسمبر وغيرت ملابسها وتكورت عيونها من الدموع فوضعت بعض الميك اب ونزلت
"صباح الخير يا عمتي"
نظرات المرأة كانت قوية فقالت "البكاء يضر بالنظر ألم أخبرك بذلك؟"
نظرت إليها وقد اعتادت على أن تلك المرأة تفهم حتى نظرة عيونها قالت "أنا قررت أن أرحل لن أبقى فقط تأتي سيارتي وسأرحل"
تركت المرأة الكتاب ونظرت إليها وقالت بجدية "اسمعي أنا لا أحب دلع البنات هذا"
قالت بحزن وألم "ليس دلع يا عمتي، من فضلك أنا لن أبقى"
حدقت فيها المرأة وقالت "والحب؟"
اندهشت! هل كانت واضحة هكذا للجميع إلا نفسها؟ هل هو أيضا كشفها مثل الجميع؟ نظرت للمرأة وقالت "حب؟ أنا، أنا لا أفهم"
قالت المرأة "الحب الذي رأيته بعيونك لابني؟ الحب الذي جعلني أفعل كل ما فعلت لأخرج أميرة من حياته وأضعك أنتِ فيها لم أكن أعني بخطوبتكم وزواجكم تمثيل وإنما أردت أن أجعلكم تشاهدون الحقيقة، حقيقة أنكم أنسب زوجين لبعض، نظرات الحب بعيونك كانت واضحة، ضعف آدم أمامك كان أيضا واضحا والآن هل انتهى الحب من قلبك يا فتاة؟ هل أصلا ينتهي الحب؟ هل ظننتِ أني زوجته لكِ فقط من أجل أميرة؟ بالطبع لا وإنما لأنني كنت أعلم أنكِ تحبيه وأنتِ الوحيدة التي تستحقي قلبه وهو أيضا بحاجة لقلبك وحبك الأمر لم يكن تمثيلية بالنسبة لي ولا أظن أنه كذلك بالنسبة لكم"
حدقت رنين فيها وهي تحاول أن تستوعب تصريحات المرأة ثم عادت الدموع لعيونها وقالت "ولكن هي ما زالت بحياته"
ردت العمة بقوة "كذب، أنا أدرى منكِ بكل من حولي، اسمعي يا رنين أنا لن أقبل بهذه التصرفات أنتِ لن ترحلي لأي مكان لأن هذا هو بيتك وبيت زوجك ومهما حدث لن تتركيه، آدم زوجك شئتِ أم أبيتِ شاء هو الآخر أم أبى وطوال ما أنا على قيد الحياة لن يتغير هذا الوضع هل تفهمين؟ والآن هيا لا أريد تلك الدموع التي تتناقض مع شخصيتك أنتِ أقوى من ذلك اكملي معي للنهاية"
ولكنها لم تذهب وحكت لها ما حدث بالمكتب، عندما انتهت نظرت إليها العمة وقالت "كذب، آدم لا يفكر بها وأنا متأكدة من ذلك وأعتقد أنه يفعل ذلك لغرض ما لكن أن يعود لها فهو ما لن أصدقه، أنتِ لا تعرفين آدم عندما تركه والده وعاد إلى زوجته الأولى شعر آدم بالحزن أيام رغم أنه كان صغير لا يدرك الأمور جيدا ولكن ما أن حاول والده أن يستميله إليه مرة أخرى حتى أبدى آدم أول معالم لشخصيته من العناد وعدم المغفرة ورفض محاولات أخي، آدم لا ينسى القسوة يا فتاة رفض أن يعود لوالده لأنه تخلى عنه وكذلك لن يعود لأميرة لأنها أيضا تخلت عنه آدم إذا أخذ قرار في شيء لا يرجع فيه أبدا هل فهمتِ؟ والآن عليكِ أن تحافظي على زوجك وحبيبك وألا تتخلي عنه مهما حدث حتى وإن كانت مشاعره غير واضحه إلا أن ذلك عملك أنتِ وقدرتك على أن يكون لكِ"
نظرت إليها فلم تتغير ملامح المرأة ولم تعرف ماذا تفعل؟ هي حقا تحبه وهو زوجها ومن حقها أن تفعل أي شيء ليكون لها ولكن ماذا لو كان لا يريدها؟ لماذا لا تستطيع أن تعرف مشاعره؟ عندما يكون معها قريبا منها يلمس وجهها بيده أو يقبل شفتيها بحنان تظن أنه يحبها ويريدها وما أن تراه مع أميرة أو وقت غضبه وعدم ثقته بها تظن أن بينها وبينه بلاد وبلاد، ترى ماذا يوجد داخل قلب هذا الرجل لها؟ هذا ما لن تعرفه ولكن ما تعرفه أنها فعلا لم تعد تريد أن ترحل حتى ولو قالت ذلك لأنها لم تعد تريد أن تبتعد عن العزبة وأهلها والمزرعة والعمة وقبل أي شيء لن تتحمل فراقه هو
لم تراه لعدة أيام ولم تعرف أنه كان يهرب من مواجهتها وفي نفس الوقت يستميل أميرة إليه حصل على الدواء الذي أعطاه الرجل لها وظن أن أميرة اقتنعت بأنه عاد لها وأنها مسالة وقت حتى ينتهي المشروع وترحل رنين من حياته وتنال هي الطلاق ويكون لها وبدء آدم ورجاله بمراقبتها وحتى الرائد عزت وضعها تحت المراقبة ولكن الغريب أنها لم تخطئ ولم يصلوا لأي شيء
شغلت رنين نفسها بالمزرعة لدرجة أنها كانت تعود بعد العشاء حتى لا تواجهه وإذا أرادت شيء للعمل كانت تتصل به وكان يرد باختصار ملبيا طلباتها وزادت أحزانها فوجوده أصبح الحياة بالنسبة لها
"لا أعتقد أنكِ ستأتين غدا"
نظرت لهيثم فقالت "أهلا يا باش مهندس، أولا ما الذي أحضرك عندنا؟ ثانيا لماذا غدا بالذات؟"
ابتسم وقال "أولا جئت لأوصل لكِ الطلبات التي طلبتيها من آدم، ثانيا غدا المولد النبوي لن يعمل الرجال بيوم كهذا"
هزت رأسها وقالت "نعم معك حق لقد نسيت ولو أن عمتي أخبرتني بالصباح وطلبت مني أن أدعو الرجال عندنا غدا، من الجميل أنك ذكرتني، هل تخبرهم نيابة عني"
ابتسم وقال "بالطبع ولكن هل أنتِ بخير؟ لا تبدين كذلك؟"
ابتسمت وقالت "لا أبدا، إنه إرهاق العمل ونحن في مرحلة هامة من المشروع وهذه الأيام أهمها كما تعلم"
نظر حوله وقال "بصراحة لم أتخيل أن يكون الأمر بهذه الجودة والكفاءة، أحسنتِ"
قالت وهي تتحرك معه "أشكرك أنت أيضا أنجزت الكثير بالأرض"
هز رأسه وقال "يبدو أنكِ مثل زوجك لا رحمة عندكم بالعمل، متى الفرح؟"
قالت بعفوية "أي فرح؟"
تراجع بدهشة وقال "فرحكم"
أدركت نفسها واحمر وجهها وقالت "آه، لم نحدد بعد، ربما بعد الافتتاح وإصلاحات الفيلا واستصلاح الأرض كما ترى جميع الأبواب مفتوحة لم يغلق أيا منها"
هز رأسه وقال "على العموم أنتِ مكسب لعزبتنا وأرضنا"
شكرته بخجل وقالت "أشكرك حقا"
رأت عيون هيثم تتجه لخلفها فالتفتت لتراه خلفها، منذ متى لم تراه؟ مر وقت طويل حقا، نظر لهيثم وقال "هل وصلت الأدوات؟"
رد هيثم "نعم، الرجال حملوها بالمخزن هل تريد شيء آخر؟"
هز رأسه وقال "لا شكرا يا هيثم"
استأذن هيثم بالذهاب بينما لم تعرف هي كيف ستتعامل معه؟ كيف ستخفي غضبها مما سمعته؟ لم ولن تنسى مصدر ألمها، نظر إليها وقد شعر أنها تغيرت معه وأنها تبتعد وتتجنب رؤيته، ترى هل عاد آسر وخطفها من حياته؟ أم ما سبب تغيرها؟ لقد انتظرها كثيرا أن تأتي وتلقي عليه غضبها كما اعتاد ولكنها كانت تبتعد لذا أتى ليرى سبب ذلك التغيير
قال بهدوء "تأخرتِ"
هزت رأسها وعينيها تهرب من مواجهته وقالت "لقد تأخر العمال وكنت أنتظر الطلبية التي أحضرها هيثم"
تحرك وقال "إذن هيا لنذهب تبدين مرهقة"
لا تعلم لماذا لم ترفض الذهاب معه لم تستطع، حزنها أضعفها أكثر، تحركت بجانبه فقال "أرى أنكِ تضغطين العمل؟"
قالت دون أن تنظر إليه، خشيت لو نظرت إليه كشفتها عيونها ثم إنها لم تنسى أنه يخدعها ولكنها تذكرت العمة وكلماتها فعاودتها الحيرة..
قالت بصدق "لا أبدا ولكن بعض الأعمال لا يمكن أن تنفصل أي لابد من إكمالها أنت تعلم يا باش مهندس"
نظر إليها وهو يساعدها على ركوب العربة وقال "مهندس زراعي وليس انشاء"
هزت رأسها وقالت "ربما تفضل أن تأتي أثناء النهار لترى ما وصلنا إليه"
نظر إليها وهو يشد اللجام ليتحرك وقال "لست بحاجة لأن أفعل، العزبة كلها تتحدث عن المزرعة التي أقامتها الباش مهندسة رنين"
حدقت به وقالت "سخرية هذه أم ماذا؟"
رد نظرتها وقال "تعلمين أنها ليست كذلك ولكن أنا فقط من أعلم سر استعجالك لإنهاء المشروع"
أبعدت عيونها وهي تحدق في الظلام المحيط، نظر إليها وقال "لا تردين!؟"
قالت دون أن تنظر إليه "المشروع يأخذ وقته اللازم لأنه لا يمكن الإهمال في أي شيء، الغلطة بأموال وأنا لا أحب أن أجعلك تخسر أموالك"
كانت تلمح لكلامه ولكنه رد "وأموالك أنتِ أيضا"
قالت ببرود "تعلم أني لست بحاجة لشيء"
قال وقد نجحت في إغضابه "أنا الفقير المعدم إذن؟ رنين ماذا هناك؟"
عادت لعيونه ولم ترد فعاد وقال بضيق واضح من طريقتها "عيونك تقول كلام كثير ولا أفهمه قلم لا تتحدثين مرة دون أن ترهقيني معك؟"
نظرت إليه وهي تحاول أن تقاوم الدموع ولم تجرؤ على مواجهته بما سمعت لذا قاومت ضعفها وقالت "لا أفعل، أنا فقط مرهقة ربما بحاجة للنوم"
قال بغضب مكتوم "سالم اتصل بي اليوم"
ظلت تنظر له فأكمل "يسأل عنكِ، أنتِ لا تجيبي اتصالاته"
أبعدت عيونها ولم ترد فقال "ماذا حدث؟"
لن تخبره بشيء لذا قالت "لا شيء، أعيد بعض حساباتي فقط"
أوقف العربة ونظر إليها وقال "والآن لا أفهمك، أليس سالم هذا محاميكي وصديق والدك وربما حمى المستقبل الذي تتمنيه؟"
ظلت تحدق بوجهه والغضب ينساب إليها ولكنها حاولت ألا تغضب، كادت تنزل من السيارة كالمرة السابقة فهي ليست في حال يسمح لها بالجدال في هذا الموضوع، لكنه أمسك معصمها وقال
"إلى أين؟"
قالت بغضب واضح "ستعيد كلامك هذا واتهاماتك التي لا معنى لها وأنا لا أريد أن أسمع لذا سأعود إلى البيت سيرا هكذا أفضل فهي الطريقة الوحيدة لادإنهاء خلافتنا"
نفخ في الهواء فلن يجعلها تكرر ما حدث مسبقا، نظر إليها وقال "ماذا يعني آسر لكِ؟"
تأخر سؤاله جدا بالنسبة لها، كان عليه أن يفعل قبل أن يشك بها، ترقرقت الدموع بعيونها وقالت "هل هناك فارق؟"
تأملها وترك يدها، أشعل سيجارة وقال "ألا ترين أن هناك فارق؟"
أبعدت عيونها وقالت "تأخرت في سؤالك فلم يعد هناك فارق"
عاوده الغضب وقال "لم لا تتحدثين بوضوح؟ ما الذي تخفيه؟ هل تخفين حبه؟ هيا أخبريني ولن أغضب و.."
هذه المرة نزلت بالفعل من العربة ودموعها تنزل معها وكأنها تشاركها الألم أو الغضب، لن تقبل أن يتهمها مرة أخرى بعلاقتها بآسر ربما بُعدها عنه الآن أفضل حل ويبدو أن كل خلافتهم تكون هنا على تلك الأرض الطيبة منبع الحياة ...
زاد الغضب وتملكها فكان عليها أن تبتعد وهي تتساءل من منهما الذي يشك بالآخر؟ المفروض أن يراجع هو تصرفاته أولا مع أميره ثم يتحدث عنها ولكنها اختارت الصمت والدموع
نزل خلفها وتبعها إلى أن أمسكها من ذراعها ليوقفها وقال "والآن ماذا تحاولين أن تثبتِ"
قالت بغضب وهي تحاول أن تخلص نفسها منه "لا أحاول أن أثبت أي شيء، فقط اتركني لا أريد أن أتحدث معك، لا أريد، فقط اتركني"
ابتعدت مرة أخرى ولكنه عاد وجذبها بقوة وقال "انتظري هنا وتحدثي معي"
نظرت إليه بكل الدموع وقالت "والآن ماذا تريد أنت مني؟ اذهب إلى أميرة ابنة عمتك واستمتع معها ولا تخشى على مشروعك أضمن لك أنني لن أدعك تخسر أموالك"
ضاقت عيونه بين الظلام المحيط من أين لها بهذا الحديث؟ لقد تعهدت أميرة ألا تخبرها أي شيء؟ عاد وقال "رنين احذري من كلامك، أولا نحن شركاء بالمشروع، ثانيا لا تضعي أميرة بالموضوع"
زاد غضبها من دفاعه عنها فنفضت ذراعها منه وقالت "لا أضع حبيبة القلب بالموضوع طبعا، حسنا لن أفعل واشبع بها ودعني، أنا لا أريد أن أذهب معك لأي مكان هل تفهم؟ لا أريد أن أراك أصلا، رؤيتك تؤلمني وكلامك يجرحني وأنا تعبت هل اكتفيت مني؟ لأنك إذا لم تكن اكتفيت يمكنني أن أرحل وأترك كل شيء لم يعد الأمر يعنيني لأني تعبت، تعبت ولم أعد أريد أن أتحمل أكثر من ذلك، التمثيلية لم يعد لها معنى وتحولت إلى دراما سخيفة لا داعي لها لنفترق يا آدم أنا لا أمثل بحياتك ألا المزرعة وأنت، أنت"
توقفت فلم تجد كلمات تعبر بها فأغمضت عيونها ولكنه عاد وأمسكها بقوة من ذراعيها مرة أخرى وقال وهو ينظر بعيونها "أنا ماذا؟ انطقي وأكملي، لم يعد ينفع الصمت الآن ماذا أمثل لكِ؟"
فتحت عيونها والدموع تتساقط بدون حساب والألم والضعف يسكنان مقلتيها، ماذا يمكنها أن تخبره؟
وتساقطت قطرات المطرعليهما فجأة وكلا منهما يحدق في الآخر دون أن يشعرا بالمطر أو ربما يشعران ولكن يتجاهلان أو ربما ألم كلا منهما أقوى من الإحساس بأي شيء آخر
استعادت نفسها، عليها أن تؤلمه كما يؤلمها طالما هي لا تعني له أي شيء فهو أيضا كذلك لذا أجابت دون تفكير "لا شيء، أنت لا تمثل لي أي شيء وإنما المزرعة هي كل شيء ولو أردت أن تكملها وحدك فالتفعل لن أعارضك والآن هل تتركني لحياتي؟ أريد أن أرتاح"
كم أوجعته كلماتها، لا شيء هو لا يمثل لها أي شيء، كل الأحلام التي بناها، كل المشاعر التي عاشها لها ومعها، كل الأمنيات في قربها ضاعت بلحظة، هطلت من قلبه مع قطرات المطر المنهمرة، ضاقت أنفاسه واختنقت الكلمات في حلقه فخفف قبضته على ذراعيها ولكنه لم يتركها ورغم كلامها إلا أنه قال بهدوء يتناقض مع النار التي تشتعل داخل صدره
"لا، لن أكملها وحدي، إنها حلمك أنتِ ولن يحققه سواكِ وأعتقد أن بعد اليوم لا يمكن لأي منا أن يؤلم الآخر، يمكنني أن أبتعد لو شئتِ كي ترتاحي ولن يتدخل أحدنا بحياة الآخر لنكمل الت... التمثيلية الدرامية إلى النهاية"
تركها وهو يتحرك ويكمل "دعينا نعود فقد تأخر الوقت"
ثم تحرك إلى العربة بألم أخفاه داخل صدره، كرامته انجرحت وبشدة فابتعد تاركا إياها دون أي قدرة على النظر إليها
تابعته والدموع تختلط بمياه المطر، ركبت العربة بصمت وألم وحزن وقاد هو الآخر بنفس الصمت لم ينظر أيا منهما إلى الآخر؛ كلا منهما يتألم كيف سلم قلبه للآخر دون وعي ليدرك كلا منهما إن الآر لا يسلمه قلبه؟ هكذا ظن الاثنان أن قلوبهم لم تكن على وفاق وأن كلا منهما له طريق مختلف ولن يلتقيا بنهايته
ما أن وصلا حتى انطلقت إلى غرفتها والدموع تلاحقها والألم يملؤ صدرها بينما ضرب هو الحصان بقوة فصهل وهو يرفع قدميه الأمامية اعتراضا على سيده ولكنه أطاعه واستدار عائدا إلى الخارج بسيده الذي كان يسير به على غير هدى، سار كثيرا وسط الأمطار وتوقف عند أول مكان تحدث معها به عند البركة وتذكر جيمي وكل ما كان بينهما، توقفت الأمطار وشعر بأن كل جسده مبتل ورغم البرد إلا أن حرارة جسده كانت مرتفعة مما كان يشعر به من ألم وتذكر كلماتها "لا شيء، أنت لا تمثل لي أي شيء" زاد تكرار كلماتها بأذنه "لا شيء، لا شيء، لا شيء"
وضع يديه على أذنه وأغلق عيونه وصرخ بقوة "كفى"
ضاعت كلمته وسط صوت الرعد القوي وانتهت آهاته المكتومة داخل صدره فأغلق عيونه ووضع يده على صدره وشعر بألم وكأن نار أمسكت به وتكاد تحرق صدره وألم بذراعه الأيسر، اهتز جسده وترنح وهو يشعر بالألم يزداد بصدره واختنقت أنفاسه وبدلا من البرد شعر بنفسه يزداد سخونة وعاد إلى الترنح وألم صدره وذراعه يزداد إلى أن ضاعت الدنيا من حوله وسقط على الأرض بلا حراك