رواية جلسة مشاعر الفصل الثاني2بقلم شهد محمد


رواية جلسة مشاعر الفصل الثاني2بقلم شهد محمد

دخل وهو بيبص حوالين القاعة بنظرة تايهة، وبخطوة مش واثقة .

كنت فاكرة إني نسيت ملامحه بس أول ما عيني وقعت عليه كل حاجة جوايا وقفت.

نفس النظرة اللي كان بيبصها لما يحاول يهدّي الدنيا ما بينا.

بس النهاردة؟

قلبه باين عليه تقيل
.. وتقيل أوي.

ولما عينه جات في عيني الوقت وقف.

كريم كان اقرب صاحب ليه .

اسمه لوحده كان زمان بيخليني أضحك ، كنت بشوف ظلّه الخفيف حنيّته اللي دايمًا في الهدوء، و ...
أكتر حد كان بيلمنا لما نتكسر.
النهاردة؟
هو داخل لوحده.
ومش جاي يصلّح ما بين اتنين،
جاي يحاول يرمم نفسه.

رجّعت عيني بسرعة على الورق اللي قدامي، وقلبي بيرقص مش من الفرحة لكن من الخضة.

قعد.
ولقيت نفسي بلّا وعي بقول:

ـ قبل ما نبدأ الجلسة، حابه أرحّب بكل حد موجود معانا وكل قصة حب ماكمّلتش، وكل قلب لسه بيلم نفسه.

نور قال وهو بيبص للناس:

ـ الجلسة النهاردة هنتكلم فيها عن حاجه معينه وهي "هل الفراغ العاطفي ممكن يخلينا نقبل بأي شخص واي وضع؟"

بصيت لكل وش حواليا
الناس كلها ساكتة بس عنيهم بتتكلم.

مدت بنت شعرها كيرلي ومربوط بـ توكة عالية إيديها وقالت:

ـ أنا مع إن الفراغ العاطفي ممكن يخلّي الواحد يصدق أي كلمة حلوة حتى لو جاية من شخص مش مناسب خالص.

نور ابتسم وقال:

ـ بتحسي إن ده احتياج؟ ولا ضعف؟

ردت وهي بتتنهد:

ـ احتياج غالبًا .. بس لما الواحد بيرجع لنفسه بيكتشف إنه كان بيحاول يملأ فراغ مش يبني علاقة.

شاب كان قاعد جنبها قال:

ـ وأنا شايف إننا ساعات بنقبل بقليل اوي بنقنع نفسنا إن ده كفاية علشان مش قادرين نرجع للوحدة.

بصيت ليهم وقولت بهدوء:

ـ طب هل الفراغ ده سببه الناس؟
 ولا إحنا اللي بنهرب من نفسنا؟

كريم اتحرك في مكانه
ومد إيده عشان يتكلم.

أنا حتى ماكنتش متأكدة إنه هيتكلم.

بس صوته لما طلع
رجّعني سنين ورا.

ـ أنا أول مرة أتكلم في حاجة زي دي .. بس بصراحة، أنا كنت في علاقة حبيتها جدًا
بس لما خلصت ماقدرتش أرجع أعيش من غيرها فضلت ألفّ حوالين نفسي وكل مرة أدخل في حوار جديد ألاقي نفسي بدوّر على شبهها.
ومفيش حد شبهها.

سكت لحظة وكمل:

ـ بعد كده اكتشفت إن أنا ماكنتش عايز شريك
كنت عايز ألمّ الحتة اللي اتكسرت جوايا.

قلبي كان بيخبط ومش من  اللي قاله من لكن قد إيه كلامه كان حقيقي.

نور بص ليه وقال:

ـ يعني دلوقتي حاسس إنك جاهز تحب تاني؟

كريم اتنهد وقال:

ـ جاهز أتعافى الأول.
أحب تاني دي مرحلة بعد ما أحب نفسي بجد.

حد من ورا قال:

ـ طيب يا دكتور .. لو أنا عارف إني فاضي من جوا أبدأ منين؟

رديت أنا المرة دي:

ـ من الاعتراف إنك محتاج تحب نفسك مش تتشغل عن نفسك
من المواجهة إنك مش ناقص حد بس ناقصك إنت مش لازم نملأ الفراغ بحد تاني
أوقات الهدوء مؤلم بس فيه شفاء.

نور كمل:

ـ إحنا مش بنقول ابعدوا عن الحب .. بس خليكوا جاهزينله  مايبقاش محاولة للهروب
الحب لازم يبقى إضافة
مش علاج مؤقت.

الجلسة بدأت تاخد منحنى مختلف
الناس فتحت
العيون دمّعت
والكلام بقى طالع من القلب.

حد طلب منديل
حد ساب ورقة فيها سؤال
وكل ده بيحصل وأنا قلبي مشغول بحاجة واحدة ..

ليه جيت يا كريم دلوقتي؟

قربت من الورقة اللي اتكتبت فيها سؤال واتكلمت:

ـ واحدة من المشاركات كاتبة
أنا عارفة إني بدور على حد ينسيني اللي قبله بس مش قادرة أستحمل الوحدة أعمل إيه؟

نور بص ناحيتي زي ما بيطلب مني أرد ، بس سبقته بكلمة:

ـ لو بتحاولي تنسي حد بحد
يبقى إنتي بتستخدمي شخص كـ مسكن .. مش شريك
وساعتها النتيجة دايمًا بتكون خيبة ليكي وليه ، المواجهة مش سهلة.. بس هي الباب الأول للتعافي.

البنت اللي شعرها كيرلي رفعت إيدها وقالت:

ـ طب وإحنا بنعالج الوحدة إزاي؟
يعني أنا مش بعرف أعيش لوحدي .. كل ما أقرب أفضى بملّي يومي بأي حد او أي حاجة.

نور قال بهدوء:

ـ مش كل مليان مريح
أوقات الفراغ العاطفي مش بيتعالج بحد ، بيتعالج إنك تعرفي إنتي مين من غير ما تبقي في علاقة .

شاب تاني كان ساكت طول الجلسة اتكلم لأول مرة:

ـ أنا كنت في علاقة اتسحلت فيها مكنتش بحبها أصلًا بس وجودها كان أريح من غيابها
وبعد ما خلصنا استغربت إن روحي كانت أخف معاها!

ضحك خفيف خرج من بعض الحضور بس ضحك فيه مرارة.
كلنا فهمنا هو بيقول إيه.

نور علّق وقال:

ـ وده يخلينا نراجع علاقتنا القديمة مش على أساس الحب
لكن على أساس
أنا كنت مرتاح أنا كنت حقيقي؟
ولا كنت بلبس وش عشان أبان كويس؟

سكت لحظة وأنا كملت:

ـ كل واحد فينا محتاج لحظة يسأل نفسه فيها هو أنا بستحق أحب وأتحب بجد ولا كل اللي بعمله إني بلحق أول حد يعدّي؟

الكلام رَنّ 
زي نغمة حزينة بس فيها صدق.

الجلسة فضلت مكملة حوالي ساعة كمان.

كنا بنتكلم ونسمع وكان فيه دموع نازلة في هدوء
 وضحكات صغيرة طالعة كأنها بتكسر حاجز الخوف.

وفي آخر الجلسة قولت:

ـ الجلسة دي ماكانتش إجابات بس ، كانت بداية لأسئلة ممكن تساعدنا نفهم نفسنا اللي عايز يكتب حاجة لنفسه ويسيبها هنا
اللي عايز يخرج يقول كلمة من قلبه قبل ما يمشي .. الباب مفتوح.

وسكتنا شوية
لكن كريم قام
بخطوة بطيئة ومسك ورقة كتب فيها كلمتين.
ومشى واداهمولي من غير ما يتكلم.

قريتهم بعيني:

"أنا كنت فاكر إني فقدتها
بس اكتشفت إني فقدت نفسي معاها."

ساعتها حسيت إني عايزة أقوله حاجة .. بس مابحبش الكلام قدام الكل.

قومت وأنا بجمع أوراقي والناس بتسلم وتمشي
ولقيته واقف مستنيني.

ـ مستنيكي عايز أتكلم معاكي لو عندك وقت.

ـ طبعًا.. تعالى نقعد هناك.

رُكنة صغيرة على جنب بعيدة عن دوشة الكافيه.

قعدنا
أنا قصادي الآيس كوفي اللي برد خلاص وهو قصاده ذكريات تقيلة مش عارف يبدأ بيها.

ـ أنا مكنتش متخيل إنك هنا يا  ليلة.

ـ ولا أنا كنت متخيلة هشوفك تاني.

ضحك ضحكة حزينة وقال:

ـ هو عمره ما حكالك إني كنت بحب سلمى؟ كنا بنحب بعض من الجامعة وأنا كنت فاكر إن النهاية هتبقى جواز بس الظاهر الحب لوحده مش كفاية.

ـ انفصلتوا؟

ـ آه من كام شهر
فضلت ألف حوالين نفسي لحد ما لقيت بوست جلسة مشاعر
وحسيت إنه جايلي.

ـ أنا آسفة يا كريم كنت فاكراك بعيد عن كل ده.

ـ وأنا كنت بعيد فعلاً .. بس كلنا بنرجع لما نتكسر.

بصلي وسألني فجأة:

ـ وإنتي؟
عاملة إيه؟
حاسس إنك اتغيرتي اوي.

ـ كلنا بنتغير يا كريم
بس في ناس ساعدتنا نتغير
سواء بالوجع أو بالوعي

سكت شوية وقال:

ـ على فكرة 
هو كان بيحبك ..  بس بطريقته.

ـ وأنا كنت بحتاج طريقة تانية
بس خلاص ..
أنا حاليًا بحاول أحب نفسي.

ابتسم وقال:

ـ وياريتني كنت قدرت أعمل كده من بدري.

ـ مش متأخر 
إنت جيت الجلسة النهاردة وده أول خطوة.

فضلنا ساكتين لحظة
وبعدها قام.

ـ لو محتاجة مساعدة في أي حاجة .. أنا موجود.

ـ وأنا كمان يا كريم.

سلم عليّا وسابلي ابتسامة خفيفة، زي السلام الأخير من زمن قديم كنا فاكرينه مات ومشي .

وبعد ما الناس مشيت وكريم سلّم ومشي رجعت ألم بقيت حاجتي بهدوء.

قلبت في الورق شلت الكوباية وقبل ما أتحرك كنت لسه بفكر في كلام كريم.

بس صوت الباب وهو بيتفتح فكرني إني مش لوحدي.

نور كان واقف على الباب شايل اللابتوب بتاعه وبيعدل شنطته على كتفه.

ـ لسه ما مشيتيش؟

ـ كنت بلملم بس شوية حاجات إنت خلصت؟

ـ آه قولت أمشي قبل الزحمة تزيد.

خرج وأنا خرجت بعده بدقايق.

كنت واقفة قدام الكافيه الشارع شبه فاضي والنسمة اللي ماشية خفيفة كأنها بتطبطب.

وقفت مستنية تاكسي
هو كان واقف بيفتح عربيته.
بصلي وابتسم:

ـ مستنية تاكسي؟
لو مفيش مانع أوصلك .. مش هينفع أقف اتفرج عليكي وانتي واقفة لوحدك كده.

ضحكت:

ـ هو مفيش مانع بس الطريق من الزمالك للمعادي طويل.

ـ يبقى هنتكلم كتير وده كويس.

ابتسمت وركبت جنبه
وشغل مزيكا خفيفة كانت خارجة من العربية برقة ، مزيكا جاز قديم بيفكرني بأيام كنت بحب فيها التفاصيل الصغيرة.

بصلي وسأل:

ـ بتحبي الجاز؟

ـ أوي .. بحس إنه بيترجم الإحساس من غير ما يتكلم.

ـ نفس إحساسي.
أنا بحس إن المزيكا دي شبهنا
مش تقليدية ، مش صاخبة ، بس بتحكي حكاية.

ضحكت وقولت:

ـ يا سلام .. ده أنت شاعر.

ـ لا والله بس واضح إننا بنفكر شبه بعض.

سكت لحظة وبعدين بصلي وقال:

ـ على فكرة كنت عايز أشكرك على اللي قولتيه في الجلسة
ردودك كانت صادقة وحقيقية ومؤثرة.

ـ متشكرة .. أنا بس حاولت أكون حقيقية على قد ما أقدر.

ـ وده اللي بيخلي الناس ترتاح ليكي ، أوقات كتير بنتكلم كمعالجين بنبرة موضوعية زيادة بس إنتي .. كنتي إنسانة قبل ما تكوني معالجة.

سكت شوية وأنا حاطة إيدي على الشباك بسيب الهوا يعدّي من بين صوابعي
وبعدين هو كمل:

ـ تحبي ناخد حاجة نشربها في الطريق؟أنا عازمك على قهوة بس مش اللي من العيادة 
قهوة ليها طعم تاني.

ضحكت:

ـ لو آيس كوفي موافقة.

ـ اتفقنا.

وقف عند كافيه صغير على الطريق نزل جاب كوبين ورجع
وأنا باخد الكوباية من إيده سألته:

ـ بتحب الآيس كوفي؟

ـ لما يكون الطريق فيه صُحبة لطيفة .. بحبه جدًا.

ضحكنا وساب المزيكا تكمل تغني.

مفيش حاجة اتقالت تاني 
بس الصمت كان مريح مش متوتر.

صمت بيقول إن فيه بداية حتى لو بسيطة بتحصل بهدوء.

وصلني تحت البيت
وقبل ما أنزل قال:

ـ جلسة النهاردة كانت بداية قوية .. ووجودك فيها فرق كتير.

ـ وجودك كمان كان مهم.
وشكرًا على التوصيلة .. والقهوة.

ـ أتمنى نكمّل شغل مع بعض بنفس الروح دي.

ـ وأنا كمان.

نزلت وقفلت الباب و طلعت بيتي وأنا حاسة إني خفيفة ..

كأن التقل اللي كان على صدري من أيام بيفك واحدة واحدة.

أول ما دخلت قفلت الباب ورايا وسندت ضهري عليه لحظة.

بحب اللحظة دي .. لحظة رجوعي للمساحة اللي بشبهها اللي فيها ريحة برفاني والبطانية اللي بحبها والكوبايات اللي بعلامة أحمر شفايفي.

فكيت شعري وربطته كحكة كسلانة وطلعت بيچامتي القطن اللي فيها شكل نجوم
ودخلت آخد شاور سخن.

المية نزلت على كتافي كأنها بتغسل دوشة اليوم ..

كل لحظة فيها كانت بتطمنني إني راجعة لنفسي.

بعد الشاور لبست ونشّفت شعري بفوطة ملفوفة على شكل عمامة فوق راسي.

دخلت المطبخ

فتحت التلاجة طلعت بيضتين وبصيت على طماطم نايمة في درج الخضار.

ـ نعمل أومليت؟ يلا بينا.

قطعت طماطم وفلفل، وضربت البيض ورشت ملح وفلفل وسُنة كمون صغيرة .

شغلت مزيكا خفيفة على الموبايل
صوت "فيروز" كان بيملا المطبخ:

"سألوني الناس عنك يا حبيبي "

حطيت الأكل في طبق
فتحت التلفزيون على فيلم قديم لـ سعاد حسني ورشدي اباظة.

وقعدت على الأرض جنب السفرة الصغيرة باكل بإيدي وبدندِن مع الأغنية اللي ماشية في الخلفية.

كل حاجة كانت بسيطة
بس في البساطة دي .. كنت حاسة إن قلبي بيتنفس.

بعد الأكل قومت غسلت الأطباق
رشيت سبراي فانيليا في البيت
ولبست شراب تقيل علشان رجلي بردت.

فتحت اللابتوب
وقعدت أبص على الكومنتات اللي جت على بوست جلسة مشاعر .

الناس بتسأل، بتحجز، وبتشكر.

لقيت كومنت من واحدة بتقول:

"أنا ممتنة ليكم .. حسيت إني مش غريبة ودي أول مرة أحس كده من سنين."

دمعت عيني
وبعتلها رسالة:

 "إنتي مش لوحدك .. وإحنا هنا علشان نسمع ونفهم مستنياكي الأسبوع الجاي بكل حب."

قفلت اللابتوب
سندت راسي على الكنبة
ومسكت نوتتي اللي بكتب فيها أفكاري آخر كل يوم.

كتبت:

"النهاردة، حدّ جديد دخل الدايرة .. 
بس الغريب إن قلبي ما خفش
بالعكس حسيت إنه بيسيب الباب موارب."

قفلت النوتة
وقبل ما أطفي النور
بصيت في المراية وسألتها:

ـ تفتكري فيه حاجات حلوة جاية؟

المراية ما ردتش ..
بس عينيّا كانت أهدى من امبارح.

قفلت النور وسبت الأباجورة منوّرة ، ونمت.

وفي اليوم التاني .

صحيت على صوت المنبّه
 مدّيت إيدي وقفلتُه
قمت كسلانة، غسلت وشي لبست اويتفيت مريح عملت شعري كحكة فوضوية ولبست حلق دهبي بسيط ومناكير احمر عشان كنت حابه شكل إيدي انهارده.

وخدت شنطتي وروحت العيادة 
اول ما وصلت جريت على المطبخ عشان أجهز قهوتي

عملت القهوة اللي بقيت عادة
 على مزاجي .. وممكن تكون على مزاج حد تاني كمان.

فتحت اللابتوب رتبت الورق على المكتب والدنيا كانت ماشية عادي جدًا ..

 لحد ما السكرتيرة خبطت على الباب.

ـ دكتورة ليلة؟

ـ أيوه.

ـ فيه واحدة ست واقفة برا بتسأل على دكتور نور.

رفعت حاجبيّ:

ـ قالت اسمها؟

ـ لأ، بس شكلها تقيل كده وهدومها شيك جدًا وباين عليها مش غريبة عليه يعني.

ـ طيب قالت عايزاه في إيه؟

ـ لأ بس لما سألتها تقولي اسمها ضحكت وقالتلي قوليله مراته برا وعايزاه دقيقة.

سكت ...
وسكت قلبي معايا

والمشهد خلص على عينيّ اللي ما اتحركتش من الباب،
ولا قلبي اللي رجع دق بجملة واحدة "مراته برا."

                   الفصل الثالث من هنا
تعليقات



<>