رواية عشقت بودي جارد الفستان الابيض الفصل الحادي والثلاثون31 بقلم صفاء حسني

رواية عشقت بودي جارد الفستان الابيض بقلم صفاء حسني
رواية عشقت بودي جارد الفستان الابيض الفصل الحادي والثلاثون31 بقلم صفاء حسني

رحمة حطّت راسها على كتف طاهر، حسّت بأمان افتقدته طول حياتها، ونزلت دموعها من غير ما تقدر توقفها.
طاهر فضّل ساكت، لكنه كان سعيد جدًا… سعيد إنها أخيرًا استسلمت لحضنه.

قعدوا على الوضع ده وقت طويل، لحد ما خرجت أمها من العملية، ونقلوها لغرفة الإنعاش.
وقفت رحمة قدام باب الغرفة، عينيها معلقة بأمها وهي نايمة وسط الأجهزة، دموعها بتنزل في صمت.

بصوت مكسور همست:
ـ نفسي أمي تفتح عينيها تاني وتشوفني… مش عايزة أي حاجة غير كده.
سكتت لحظة، وبعدين كملت والدموع خانقة صوتها:
ـ كانت دايمًا تقولي نفسها تشوفني بفستان فرحي… مع حد يحبني. بس مقدرتش أحقق لها ده. على الأقل تفتح عينيها وتشوفني وتشوف حنين… نفرح أنا وهي بحنين.

طاهر استغرب كلامها، وصوته علا بانفعال:
ـ إنتي ليه دايمًا تحسسيني إنك مجرد وقت وهتمشي من حياتي؟!

مسحت دموعها رحمة وقالت بحزن:
ـ عشان ده الحقيقة.

تنفس طاهر بحدة وقال:
ـ الحقيقة؟ طيب تعالي معايا… عشان تعرفي الحقيقة اللي غايبة عنك… واللي مخليكِ عايشة في كذبة بتكسرك.

مسك إيدها بقوة وسحبها ناحية الاستعلامات. وقفت متفاجئة، قلبها بيدق بسرعة.
طلب طاهر من الموظفة:
ـ أنا عايز دكتور نِساء فورًا.

اتسمرت رحمة في مكانها:
ـ دكتور نساء؟! إنت بتعمل إيه يا طاهر؟
بصلها طاهر بعزم:
ـ هتفهمي دلوقتي.

---

في الصعيد

كانت حنين قاعدة متوترة، قلبها مشغول بأمها اللي في المستشفى. جه وقت الغدا، وكان حازم قاعد معاهم. رن تليفونه.

حازم: أيوه يا ابني، مالك بتتصل ليه؟
المتصل: إنت ما سمعتش الأخبار؟ الحكومة قدمت امتحانات الثانوية عشان رمضان… العملي هيبدأ من الخميس.
حازم اتصدم: بتقول إيه؟! طب ليه كده؟ ما كنا نمتحن في رمضان عادي!
المتصل ضحك: اسأل الحكومة… أنا مالي.

سألته أمه بقلق: خير يا ابني؟ الامتحانات اتحددت؟
حازم هز راسه: آه يا أمي… يوم الخميس، لكل مراحل الثانوي.
الأم: يعني حنين كمان عندها امتحان؟
حازم: أيوه يا طنط، هي في تاني زيي.

ردت حنين بعند:
ـ أنا مش هحضر الامتحانات… أنا هسافر مع ماما.

اعترضت الأم:
ـ وأنا مش هسافر غير بعد ما تخلصي امتحاناتك! مش فاهمة إيه الاستعجال؟

دخل طاهر في الكلام بهدوء حازم:
ـ يا أمي ما ينفعش… إحنا حجزنا، وميعاد العملية اتحدد يوم الخميس. الدكتور لازم يعملها إشاعة قبل العملية، وميعاد عمي نامق كمان اتحدد.

فريدة حاولت تهدي الأم:
ـ ماتخافيش، بنتك في عيوني. هتقعد عندي وتنام في حضني، وأنا اللي هتابع معاها كل خطوة. وبعدين إنتي عارفة تانية ثانوي مرتبطة بتالتة، ولازم تجيب مجموع.

الأم تنهدت:
ـ والله يا هانم أنا مش عايزة أتعبكم معايا… يسافر طاهر مع عمه وأنا أستنى وقت تاني.

رحمة مسكت إيد أمها:
ـ يا أمي، الدكتور جاي مخصوص عشانك، وبعد العملية هيسافر ولاية تانية، وممكن ما نلحقوش تاني. وبعدين حنين مش صغيرة، وهي قدها، وهنفضل معاها على الواتس نطمن عليها ونطمنك.

فريدة دخلت تفرح حنين:
ـ مامتك عملت العملية وخرجت على العناية.
فرحت حنين: بجد يا طنط؟! يعني ماما هترجع تشوفني تاني؟! أنا مش مصدقة نفسي.

---

فلاش باك

كانت فريدة قاعدة جنب محمد، وهو صاحي من كابوس مفزوع وعرقان.
قامت مفزوعة:
ـ نفس الحلم يا محمد؟
محمد وهو بيحاول ياخد نفسه:
ـ ضميري معذبني… كل ما أنام أشوفه بيخنقني.

فريدة مسكت إيده وقالت بجرأة:
ـ اتجوزها يا محمد… هات هي وبناتها يعيشوا معانا.

محمد اتصدم:
ـ إنتي بتقولي إيه؟!
جلست فريدة بثقة:
ـ مدام بييجي لك في حلمك يبقى بيوصيك على أسرته. ومراته مانعة أي مساعدة… يبقى الحل إنك تتجوزها.

محمد رفض بعصبية:
ـ لأ… مش هينفع. ست رفضت مساعدة من أي حد، هتقبل تتجوزني؟!

تنهدت فريدة:
ـ طيب خليني أقنعها أنا، ممكن توافق.

رفض محمد وصرخ فيها:
ـ فريدة! أنا مش هحل مشكلة بكارثة. انتي مستعدة أتجوز عليكي؟

نزلت دموع فريدة:
ـ يا ده أنا بحبك يا محمد، وصعب عليا أشوفك مكسور كده.

ضمها محمد بين ذراعه وقال:
ـ أنا هكون عيني عليهم، وبناته يكونوا فعلاً بناتي، لكن من غير ما أتجوز عليكي. وبإذن الله البنت الكبيرة هتكون مرات ابني، ووقتها هو اللي يجيبهم البيت.

مسحت دموعها فريدة:
ـ إن شاء الله يا بك...

وفعلاً جات دكتورة النساء، اتكلمت معاه بلغتهم. كانت رحمة بتفهم كلمة "آه" وعشرة "لا". هزت راسها الدكتورة، وفعلاً أخدت رحمة وعملت لها أشعة عشان تطمنّي. وفعلاً طلعت رحمة كويسة.

خلصت رحمة الأشعة وهي في قمة غضبها:
ـ انت فاكر إني كنت بكذب عليك؟! وعشان كده حبيت تتأكد؟

قطعت حديثهم الدكتورة والمترجمة:
ـ بتتكلم معاك يا مسيو طاهر. طلبت إن يتم عمل عملية ولاصق جلد شفاف عشان تعود لفتاة، لكن لما عملنا العملية، كانت بالفعل سليمة وما فيش أي قطع أو تفريغ.

انصدمت رحمة:
ـ انت كنت عايز تعمل... غشاء بكارة؟!

بلع ريقه طاهر وقال:
ـ مش ده اللي كسرك؟ وخايفة تكوني معايا؟

انصدمت رحمة:
ـ تروح تضحك على نفسك وتطلب طلب زي ده!

مسكها من كتفها وقال بحرقة:
ـ أنا ممكن أعمل أي حاجة وماشوفش كسرتك ودموعك، فاهمة يا رحمة؟ قبل ما تكوني زوجتي، انتي الأمانة اللي بابا كان دايماً يوصيني عليك. من غير ما أعرفك، كان كل ما أختلف مع يمنى يضحك ويقولي: "بلاها يمنى، خد رحمة". أقوله: يا حاج، انت بتصطاد في الميه العكرة؟ يضحك ويقول: "البت يمنى مش دماغك، انت بتحبها حب التعود عشان مشوفتش غيرها. لكن لو شفت رحمة مرة واحدة هتقع في حبها على طول، وهتعرف يعني إيه الحب الحقيقي".

كنت وقتها بستغرب كلامه، لكن دلوقتي صدقته، لما حسيت بكسرتك وخوفك إن حد يكون اتعرضلك وانتي مش في وعيك. أنا بس حبيت أطمنك، رغم إني واثق إنك كويسة، لكن انتي رفضة تصدقي.

كانت رحمة في حالة ذهول:
ـ بس ما يديكش الحق تعمل كده!

تنهد طاهر:
ـ كنت عايز أثبتلك إني معاكي مهما حصل.

نظرت له بحزن وغضب:
ـ انت ملكش حق! محدش طلب منك تثبتلي حاجة. أنا أصلاً سخرت نفسي لأمي ولأختي، خصوصاً إني حاسة بالذنب في ضعف نظر أمي بسبب دموعها علي. ولما انت عرضت عليا الجواز، أنا كنت رافضة وبايعة كل حاجة، لكن أمي ضغطت عليا أوافق عليك.

ابتسم طاهر:
ـ يعني لو ماكنتش ضغطت عليكي ماكنتيش هتوافقي؟

هزت راسها رحمة:
ـ طبعاً. أنا اتجوزتك عشان عملية ماما. مش هنكر إني بشكرك إنك خليتني أثق في نفسي وأرفع راسي، لكن...

مد إيده على بوقها وقال بحزم:
ـ مفيش "لكن"... مفهوم؟

تركته رحمة وهي بتقول:
ـ مش اتأكدت إني بخير؟ ممكن أروح عند ماما؟ ولا لسه عايز تعمل كشف كامل شامل؟

وتركته ومشيت.

نفخ طاهر وهو مخنوق:
ـ يعني أعمل إيه عشان أرضيها؟!

ابتسمت فتاة مصرية كانت واقفة في المستشفى ومتابعة الموقف:
ـ والله العظيم عندها حق. في واحد ياخد بنته عند دكتور يكشف عليها ويتأكد إنها كويسة ولا لا؟ انت كسرتها، ما رجعتش كرامتها.

نظر لها طاهر بقلة حيلة:
ـ والله أنتم يا جنس حواء، محدش فاهم ليكم حاجة.

ابتسمت الفتاة وقالت:
ـ بالعكس، احنا أسهل ما يمكن. انتو بس اللي بتحبوا الصعب. أعرفك بنفسي: الدكتورة ملك، أخصائي نفسي. ممكن أساعدك. تيجي معايا؟ أنا عندي الحل.

هز راسه طاهر بالموافقة وراح معاها.

لفت رحمة نفسها عشان تشوف طاهر جي وراها، شافته ماشي مع واحدة تانية. نفخت:
ـ هو راح فين وسابني؟ ومين اللي بيتكلم معاها ده؟

كانت رايحة تروح عنده، لكن وقفتها ممرضة:
ـ حضرتك مع الحالة نور ونامق.

هزت راسها رحمة:
ـ أوكي، هما بخير؟

قالت الممرضة:
ـ هما في العمليات، لكن في متعلقات ليهم موجودة لازم حد يستلمها.

هزت راسها رحمة بالموافقة:
ـ تمام، جاية معاكي.

وعيونها لسه على طاهر اللي بيختفي.

دخل طاهر مع الدكتورة، قعدت على مكتبها وسألته:
ـ تشرب إيه؟

هز راسه طاهر:
ـ لا، شكراً جداً. انتي كنتِ قولتِ عندك الحل، هو إيه؟

ابتسمت الدكتورة ملك:
ـ أي بنت مشكلتها إنها محتاجة تتأكد إنك بتحبها. عاوزة تصدق إنك سند ليها، حد لو فقدت عذريتها مش تروح تكشف عليها وتطلب من دكتورة إنها تعمل لها عملية.

تنهد طاهر:
ـ طيب أعمل إيه؟ هي مش مصدقة إني حبيتها، عشان جوازنا كان مجرد اتفاق. لكن مع الأيام حسيت إني سعيد إنها زوجتي. راحت حكتلي إنها اتعرضت لاعتداء، وأنا متأكد إنها كويسة.

ابتسمت ملك:
ـ متأكد إزاي بقى؟

ابتسم طاهر:
ـ ده سر بقى. المهم... إزاي أخليها تشوفني بنظرة حبيب؟

تنهدت ملك:
ـ وانت ملقيتش حل غير إنك تعمل لها كشف عذرية؟! انت كده بتخسرها.

تنهد طاهر:
ـ طيب فين الحل عند رحمة؟

...

كانت رحمة أخدت حاجات نامق ونور، وبدأت تطبق هدومهم وتحطها في الشنط. وقعت منها ورقة من هدوم نامق. في اللحظة دي كان طاهر خلص كلامه مع الدكتورة، وجه عند رحمة وشافها. انتبه للورقة، أخدها بسرعة وحطها في جيبه.

اقترب منها وقال:
ـ بتعملي إيه يا عمري؟

اتفزعت رحمة ولَفَّت:
ـ انت بتعمل إيه هنا؟!

ابتسم طاهر:
ـ هو ممنوع أكون أنا ومراتي في مكان واحد؟

نفخت رحمة:
ـ رجعنا لنفس الاسطوانة... ما كنتُ قطعت الأمل.

هز راسه طاهر:
ـ تق تق... أنا وراكِ يا جميل لحد ما تليني.

تركته رحمة وهي سعيدة من جواها، واتجهت نحو الباب:
ـ أنا رايحة أطمن على ماما.

وفعلاً اتجهت عند غرفة الإنعاش. وبعد شوية خرج الدكتور من عند نامق، وبعدها خرجت نور، وبعد منها نامق.

اتجهت رحمة نحو صديقتها، وطاهر نحو عمه. ونقلتهم العربيات لغرفة الإنعاش.

استمر طاهر ورحمة في الانتظار والدعاء. كانت رحمة معها مصلى وفرشته في ركن بجوار العناية، وظلت طول الليل تصلي وتدعي إنهم يكونوا بخير. وكان طاهر ينظر لها وهو سعيد إن أبوه اختارها ليه.

حط إيده في جيبه، فطلعت الورقة اللي أخدها. انصدم لما قرأ اللي فيها:

> "ابن أخي العزيز محمد، لو لاقيت الرسالة دي يبقى أنا مش معاك. السر اللي أبوك وفريدة مخبينه عنك، هو إن محمد كان السبب في موت أبو رحمة. وعشان كده كان دايماً بيبحث عن طريقة يخليهم جزء من العائلة..."

كان بيكمل طاهر الرسالة وهو ينظر إلى رحمة.

> "عرفت بعد كده إن والدتك عملت اللي في دماغها، وراحت طلبت إيد أم رحمة لولدك. كانت مستعدة تضحي بكل حاجة، لكن تشوف أبوك نايم مرتاح. وفعلاً راحت وقابلتها وطلبت منها تتجوز أبوك..."

قطع قراءة طاهر الرسالة حديث الدكتور:
ـ هنفك الشاشة كمان ساعة.

سألته رحمة بلهفة:
ـ يعني العملية نجحت؟ وأمي هتشوف؟

كان الكوريدور هادي إلا من صوت الأجهزة اللي طالعة من العناية، والأنوار النيون بترمش كأنها بتشاركهم قلقهم.
رحمة قاعدة على سجادة صغيرة في الركن، رافعة إيديها للسماء، دموعها نازلة وهي تدعي لأمها.
طاهر قاعد بعيد، عينه مش سايبة ملامحها، قلبه بيقول: "الحمد لله إن أبويا اختارها ليا."

مد إيده في جيبه يحرك أعصابه، لقى الورقة اللي وقعت من هدوم نامق. فتحها بهدوء، لكنه أول ما قرأ الكلمات، وشه اتبدل كليًا.

"ابن أخي العزيز محمد... لو لاقيت الرسالة دي يبقى أنا مش معاك. السر اللي أبوك وفريدة مخبّينه عنك إن محمد كان السبب في موت أبو رحمة..."

جمد مكانه، صوابع إيده بتترعش، عينه بتجري على السطور وهو مش قادر يتنفس. قلبه اتقبض، ودماغه بترجع لورا: كل كلام أبوه، كل حرصه على العيلة، كل محاولاته يضمهم.

"وعشان كده كان دايمًا يدور على طريقة يخليهم جزء من عيلة... عرفت بعد كده إن والدتك عملت اللي في دماغها وراحت طلبت إيد أم رحمة لولدك... كانت مستعدة تضحي بكل حاجة بس تشوف أبوك نايم مرتاح."

طاهر قفل الورقة بسرعة، دموعه نزلت غصب عنه، بص لرحمة وهي ساجدة ودموعها مغرقاها.
حس إنه بيشوف ملاك بيدعي وهو شايل جواه سر ممكن يكسرها للأبد.

حط إيده على وشه، صوته الداخلي بيتخانق:
ـ "أقول لها؟ دي لو عرفت مش هتبص في وشي تاني."
ـ "بس دي الحقيقة... حقها تعرف."

شد نفس عميق وهو حاسس إنه بيغرق، لحد ما قطع شروده صوت الدكتور اللي خرج من العناية:
ـ "هنفك الشاشة كمان ساعة."

قامت رحمة بسرعة، عينيها كلها لهفة:
ـ "يعني العملية نجحت؟ وأمي هتشوف؟"

الدكتور هز راسه بابتسامة مطمئنة، ورح قلبها يرقص فرح.
لكن طاهر كان لسه واقف، ماسك الورقة في جيبه، وعقله مشغول بحاجة تانية خالص...
إزاي هيواجه الحقيقة؟ وإمتى

تعليقات



<>