رواية غرام في العالم السفلي الفصل الرابع4بقلم داليا السيد


رواية غرام في العالم السفلي الفصل الرابع4بقلم داليا السيد

أنا لست صغيرتك
دخل الرجل مكتبه ورجل الحراسة يغلق خلفه الباب ليرى الجسد المعتدل بلا خطأ يقف أمام النافذة العملاقة بذلك القصر الذي يعيش به
تنفس الرجل وهو يجلس خلف مكتبه باحثا عن السيجار الخاص به والرجل الواقف أمام النافذة يقول "أنت سمحت له بأن يفر من فعلته تلك المرة أيضا"
نار الولاعة توهج بشعلة كبيرة أمام السيجار الذي أضاء بوهج مشتعل ورائحة التبغ تملأ المكان والدخان الكثيف يغطي الرؤية من حوله  
أبعد السيجار ونفخ الدخان بحدة من بين شفتيه النحيفة وكأنهما خط مستقيم وسط وجهه المربع وقذف الولاعة الذهبية على المكتب 
"وأنت تناقشني بتصرفي؟"
كانت الحدة واضحة بنبرته بينما لم يلتفت الآخر وهو يجيب "لا يمكنني ذلك أنا فقط أتساءل!"
ظل الدخان يغلف الرجل الذي اضجع بمقعده وكأنه ملك والرعايا تنتظر أوامره "لا تفعل"
الصوت ظل صامتا وكأنه يدفن رغبة عميقة بالصياح أو التعبير عن الهوس الكامن داخله تجاه ما عرفه 
"إلى متى سيستمر التدليل؟ أكثر من خمس وعشرون عاما وأنت.."
لم يكمل وقد قطع الغضب خيوط الاسترسال من صاحب الدخان "شيء لا يعنيك بالمرة، ليس لأني منحتك صفة النائب فهذا يعني أن تناقشني بتصرفاتي" 
صمت هبط على الغرفة مرة أخرى غلفها بجو من التوتر والرجل الواقف لا يلتفت بينما صاحب الدخان يفتح جهازه المحمول والشاشة تضيء أمامه وهو يقول "ابتعد عن الأمر، لا أريد تورطك بأي شكل"
التفت الرجل له وقال بحدة واضحة بصوته "من حقي أخذ فرصتي"
لم ينظر له الكبير وعيونه تتحرك على الأرقام الظاهرة أمامه على الشاشة وهو يقول "لقد حصلت عليها بالفعل، أنت نائبي"
هتف الآخر بغضب "وهو طفلك المدلل"
رفع عيونه الزرقاء اللامعة بغموض هو السمة السائدة بهما وقال بهدوء "تعلم أنه نال كل شيء بجدارة، لم أمد له إصبع مساعدة واحد ولو كان يطيعني لكان بمكان آخر الآن"
أشاح الرجل بيده بغضب وهتف "تعني بمكاني الآن؟ أو ربما مكانك أنت شخصيا، أنا واثق أنه يخطط لهذا الغرض، هو ليس بريء كما تظن"
تراجع الكبير صاحب الأعوام التي تجاوزت أواخر الستينات بمقعده مرة أخرى وواجه الرجل النابض بكل مشاعر التمرد ورغم السنوات الكثيرة التي التصق به خلالها فما زال الغموض يكتنف الكبير ويعصى فهمه على الآخر الذي تجاوز الأربعين
نفخ الكبير دخانه وقال "أنا لا أظن، ولا أتحرك بالتخمين"
تحرك الرجل تجاه المكتب وقال بنفس الغضب أو ربما الحقد الساكن بنبضه وهتف "معه تفعل، تتغاضى عن أخطاءه، تتجاوز عن مرونته، تسمح له بالخروج من عالمنا ومع ذلك تأتمنه على أسرارنا"
نهض الكبير بعد أن أطفأ السيجار وترك بقيته على المطفأة وتحرك ليواجه الرجل الأقل عمرا "سنتوقف هنا لأن ما أفعله ليس محل نقاش من أحد حتى أنت، لتخبرني عن صفقة العالمين"
ظل الاثنان متواجهان والشاب لا يرغب بالتراجع لكن نظرات الكبير كانت تضع حد نهائي مما جعله يبتلع ريقه ويبتعد قاطعا اتصال النظرات  
"كما أمرت، توقفت عن إمداد المصري بالسيارات وهذا يعني عودته من حيث أتى وأيضا لن يقف بطريق فتاك المدلل"
ابتسم الكبير وقال "وطريقك، رجالك تتحرك بالخفاء لكن ليس بعيدا عن عيوني"
تجهم وجه الشاب وتلجم لسانه فابتعد الكبير وقال "أنا لا أعترض على عملك لكن لا تظن أن شيء يخفى عني بعالمنا"
التفت له مرة أخرى لكن الشاب لم ينظر له والكبير يكمل "ابعث مندوب مني ينهي أمر المصري، لا أريد ذكره أمامي وسأترك لك البضاعة، لا أرغب بها"
ظل واقفا جامدا وهو يقول "لن تمنحها له؟"
تحرك الكبير لمكتبه وهو يجلس وقال "أنت سمعت قراري لتذهب"
مرر الشاب نظراته على الرجل الذي حدق بالشاشة ولم يزيد فهو يدرك أن الحديث انتهى لكن بالنسبة له الأمر لم ينتهي
بل بدأ..
**** 
قبل أن ينتهي صاحب السلاح من كلماته كانت يد هارون تقبض على يد الرجل الممسكة بالسلاح وبحركة سريعة كان قد فكك خزينة السلاح التي سقطت على الأرض وهو يجذب صاحب اليد من أمامه ليفقده اتزانه وبذات الوقت ينخفض ليتلاشى القبضة التي كانت موجه له من جسد ثاني كان بالجانب الآخر ثم يسدد له لكمة بجانبه
عصا غليظة تحركت من مكان ثالث لمحها هارون بآخر وقت مما جعله ينحني للخلف وتمر العصا من فوقه
كادت ركلة تصيبه بساقه لكنه رفعها بالوقت المناسب ليركل بها صدر الرجل الأول صاحب السلاح الذي ارتد للخلف فاقدا اتزانه
هجوم الثاني الذي ظهر جسده الفتي أمام هارون جعل الأخير يعتدل قبل أن يتلقى لكمة بوجهه صدها بساعده وهو يقبض على صدر قميص الرجل ويرفع جسده وكأنه لا شيء ويلقي به على الثالث ليسقط الاثنان فوق المائدة الزجاجية لتتهشم تحت جسدهم
باللحظة التالية كان صفوان يهرع للداخل ولكن هارون كان قد أنهى النزال وتحرك للرجل الأول الذي كان يهدده بالسلاح ونزل بركبته على صدره ليلصق جسده بالأرض وهو يحدق به بنظرات تشتعل من الغضب وأنفاسه تنتظم بعد معركة لا تذكر بالنسبة للزعيم الذي نفث كلماته بوجهه
"أنا لا أظن شيء بأي شيء، كنت أعد وليمة لك أما بعد دخولك الرائع هذا فستحظى بترحيب خاص، كنت تحادثني من مكتبي؟"
حاول الرجل والذي لم يكن سوى حسن العطار، تخليص نفسه ولكن هارون زاد من ضغط ركبته والعطار يهدد بشكل غريب لا مجال له وهو الملتصق بالأرض أسفل ركبة الريس 
"كنت أعلم أنك قادم فلم أرغب بإجهادك، أين أخي هارون؟ أعلم أنك وراء اختفائه"
تبعثرت خصلات شعر هارون على وجهه الذي تخضب بالدماء وظهرت عروقه على عنقه وصدر صوته هادئا لكن مخيفا وهو يقول "هل تظن أني سأمنحك الراحة وأجيب سؤالك؟ أخيك أجبن من أن أمنحه اهتمامي وأنت لا تقل عنه بشيء"
ونهض هارون واقفا وصفوان قد قيد الرجلان هو ورجل آخر من رجال هارون الذي دفع خصلاته للخلف وعدل قميصه وهو يجذب زجاجة ماء من المبرد تناولها والعطار ينهض ويجذب جاكته ليعيده لوضعه وهو يقول 
"ماذا فعلت به؟"
ألقى الزجاجة بسلة القمامة وتحرك لمكتبه وجلس خلف مكتبه ورفع ساقيه على المكتب بوجه العطار وأسند رأسه على أصابعه متأملا الرجل الذي وقف أمام مكتبه وهو يجيب بهدوء 
"قتلته"
تنفس العطار بأنفاس ثقيلة ظهرت من علو صدره وانخفاضه وهو يمنح هارون نظرات ثلجية وبها الكثير من الحذر من تصديقه حتى قال "هارون لا تعبث معي"
ظل هارون على وضعه وهو يقول "أنا أدير أماكن للعبث لكني لا أعبث بها"
اندفع العطار تجاه هارون لكن صفوان كان كالحائط السد أمامه جعله يرتد للخلف وهو يهتف "لن أتركك هارون، ثأر أخي لن أتركه"
ظل هارون ثابتا بهدوء حيث هو ليواجه العطار وقال "وأنا سأتقدم ضده ببلاغ، فتاة لدي بالمطعم تعرضت للتحرش منه ومن تحريات رجالي عرفت أنه يقود الفتيات للبغاء واسم هارون الديب لن يتلوث بتلك القذارة"
نفخ العطار وقال "فقط أخبرني بمكان أخي وأنا سأمنح الفتاة تعويض مناسب يسكتها عنه"
هل يمكن منح الثعلب الأمان؟ 
حاوطه الصمت كتاج مرصع بالتفكير فوق رأسه حتى منحه كلماته "ما زلت أخبرك أني قتلته لكن لا جثة له عندي ونصيحة لك، لا تدخل طريقي لأني أدهس بلا تفكير"
صوت مزعج ارتفع من قبضة العطار التي التصقت بسطح مكتب هارون دون أن يرمش هذا الأخير..
العطار ينفخ حممه الفاترة عليه.. هو لم يخشى على الفانيليا القابعة ببيته.. هو أراد حجة ليبقيها نصب عيونه..
العطار بالأخين منحوه أفضل سبب لإنهاء عذابه ببعدها عنه..
"لا تهددني هارون، تعلم جيدا ماذا يمكنني أن أفعل"
ابتسم ابتسامة ذئب يرى فريسته وقد سقطت بالمصيدة ولا تجد مفر للهرب وانفرجت شفتاه بكلماته الرزينة "أعلى ما بخيلك.. اركبه"
زمجر حسن وتلون وجهه من الأحمر للأصفر قبل أن يغلق رجاله باب مكتب هارون خلفهم وقد خرجوا يحملون الخيبة فوق أكتافهم
 التفت له صفوان وقال "لو مد يده لأضعف عدو لنا ستصبح حرب"
اعتدل ونهض دون أن يجيب بل تحرك للحمام الملحق بالمكتب وأبعد قميصه وألقاه بالسلة 
اغتسل وأزال شعر ذقنه وأسقط رأسه تحت الماء البارد تاركا إياه يسيل على شعره ووجهه ليزيل عبق اليوم السابق واليوم مختلطا بجنونها وغضبها الغير محبب
جفف وجهه ومشط شعره وأخرج قميص نظيف وربطة عنق من دولاب جانبي على الجينز القاتم الذي ما زال يرتديه وترك جاكيت بعيدا وهو يخرج 
"أنا لم أعد أفهمك هارون"
جذب هاتفه وعبث به "لأنك تركت نفسك فريسة للخوف"
تحرك صفوان حتى أنهى الفراغ بينهم وقال "تعلم أني لا أخاف شيء، هو الحذر، هناك امرأة ببيتك الآن.."
رفع وجهه له وبريق شيطاني غطى على زرقاء عيونه وهو ينفث دخان نيرانه من فمه "هي نفس المرأة التي ظللت أحميها اثني عشر عاما صفوان، نفس البيت الذي أحميه بكل قاطنيه.. هل تبدل شيء لمجرد أني رشقت سكين بعنق متحرش لعين كان يأخذ أعراض البنات غصبا؟"
الكلمات هجرت صفوان للحظة قبل أن يبتلع اللا شيء بفمه متهتها "آسف يا ريس"
نظراته المائجة هدأت والشيطان المسترخي داخله حاليا ركض مبتعدا وحل السلم وهو يعود لهاتفه ويقول "هل توليت أمر زوجة زهير وأولاده؟"
من الشر والقتل والغضب الحالك كسواد الليل لرجل يستحق لقب الزعيم وصفوان ينجرف معه نحو التحول "نعم"
عدل الجاكيت وهو يتحرك للمكتب ويجذب الهاتف ليرى رسائله "أعد الميزانية لقسم الحسابات بها أخطاء أرغب بتفسيرها وانزع مديرهم من أحضان زوجته، استبدل الأمن فدخول العطار ورجاله مكتبي بسلاح يعني إهمال"
لم تتبدل ملامح صفوان وهو يرد "اعتبره تم"
عاد الهدوء للريس الذي يعلم أن عليه نزع ما كان بعقله حتى يمكنه إجادة التصرف بالقادم
أنهى اتصاله بمالك وخرج صفوان لتنفيذ أوامره ودخل رجلان لإزالة الزجاج المتهشم وإعادة المكان لوضعه   
دخل المدير وبدا أنه وصل حالا وتقدم منه وقال "صباح الخير يا ريس"
فتح حاسوبه المحمول وما زال واقفا بجوار المكتب "موظف الاستقبال لم يكن بمكانه وقت وصولي، هل هذا طبيعي؟"
ارتبك الرجل وتعثر بالإجابة فرفع هارون عيونه له بانتظار الرد ورأى شحوب وجهه وهو يبحث عن كلمات "لا، أقصد أنه.. سأحقق بالأمر"
ترك هارون الجهاز وتحرك ليقف أمام المدير وعيونه تسمره بمكانه ونبرته المخيفة تتحدث "هل هذا يعني أني كاذب أم أنك مدير متقاعس عن إجادة عملك؟"
ارتجف الرجل وتساقط العرق من جبينه وانتهت الدماء من وجهه وهو يتلعثم بالرد "لا، بالطبع أنت لا تكذب يا ريس، سيعاقب الموظف بالحال"
رفع حاجبه وقال "هو ومديره، تم خصم اسبوع من راتبك ويومان من راتبه، أنت المدير"
لم يجيب الرجل وهارون يزداد قربا منه ويهمس بصوت كفحيح الأفاعي "خطأ آخر وسينزل إعلان بوظيفة مدير فندق شاغرة"
هز الرجل رأسه بالحال محاولا إيقاف غضب الريس والذي يعرف الجميع مداه، هو كان رؤوف به ومنحه فرصة وهو بالأساس بمكانة يحلم بها العديد سواه
صرفه هارون وعاد للجهاز ليضع بنود الاجتماع القادم وصفوان يعود له.. 
**** 
لا تعرف كيف نامت رغم أنها كانت غاضبة وترفض النوم لكنها كانت متعبة حقا وكل ما حدث أوهنها 
بيت هارون بسيط من الخارج لكن بالداخل يتمتع برفاهية من صاحبه.. زجاجات الشامبو وزيوت الجسد كانت مميزة، ببيتها لم تنفق أموالها عليها ولم تبذر على نفسها سوى بصابون مميز برائحة الفانيليا ككل عطورها وكريم معروف لنضارة بشرتها
لكن هنا كان الأمر مختلف، دللت نفسها لتخرج من الغضب الذي كان يسكنها وكأنها تستنفد أشيائه لتعاقبه على ما فعله بها ولا تنكر أنها استمتعت ورغم أنها رفضت البقاء ببيته إلا أنها تعاملت وكأن البيت لها وليست ضيفة
جففت نفسها وعادت لملابسها الممزقة بلا تفكير بكيف ستنال سواها، الغرفة هادئة والمكيف يعمل طاردا الحر والفراش يغويها وهي لم تتردد وما أن استلقت به ورأت عيونه أمامها وهو يحلف لها بصمت أنه سيحميها من العالم لو تصدى له فأغلقت عيونها براحة ونسيت جدالهم ومي 
فقط تذكرت أنه قتل لأجلها فرحلت بالنوم...
عندما استيقظت كان الظلام يغطي الغرفة، اعتدلت وكتفها يؤلمها مما جعلها تئن لتذكر ما كان، مدت يدها وأضاءت نور الفراش الجانبي ورأت الساعة، العاشرة مساء
بيته.. هو أصبح بيتك الآن.. هكذا قال
اعتدلت ببطء من كتفها وهي تلف بعيونها بالغرفة الهائلة التي دخلتها بالصباح وقد أطلق عليها متوسطة، سخرت من الكلمة إنها بحجم الشقة التي كانت تقيم بها مع أحلام والفراش لم تجرب مثله من قبل 
انتبهت، أحلام.. ترى أين هي الآن!؟
لم تكن تعرف أن أحلام أقرب ما يكون لها، نائمة بفراش الضيوف ببيت هندية ودموعها جفت على وجنتها
عندما عادت مي بالفجر سمعتها تبكي بحرقة، لم تفكر بالحديث معها فهي شخصية غير لطيفة ولا تحبها فقط هندية هي من تملك حنان يبقيها هنا
قبل أن يكلفها هارون بالإقامة مع ليال كانت تقيم هنا لكن بالبيت الذي اتخذه الرجال من بعد رحليها لذا لم يعد لها مكان سوى مع هندية
تحركت أحلام خارج الغرفة فلم ترى أحد، هندية ببيت الزعيم وبالتأكيد مي بالمشفى، النافذة تطل على الجانب الموازي لبيت الرجال الذين كانوا يتحركون بلا تفكير بالنظر تجاه بيت النساء، كلهم يغضون البصر عن نساء البيت 
عيونها تؤلمها من البكاء، هاتفت سعد الذي قال "ماذا الآن أحلام؟"
انتبهت لنبرته وقالت "لم تخبرني هل أذهب للعمل أم لا سعد؟"
كان يقف بالحراسة عند الفندق الذي يتواجد به الريس وبدا نافد الصبر وهو يقول "لا، أخبرتك أن الريس يريدك بعيدا عن الأضواء تلك الأيام، يومان وتعودي الشركة"
لم تجادله ولم تفكر بذكر صفوان، سيقتلها لو عرف بما في قلبها
تحركت للحمام واغتسلت ثم عادت لجهازها المحمول وتابعت أخبار العمل حيث منحها هارون مكان سكرتيرة بأحد الشركات التابعة له، دبلوم التجارة هو كل ما حصلت عليه
رفعت وجهها بدهشة وهي ترى مي تخرج من غرفتها ووجها شاحب وعيونها متورمة وقد ظنت أنها رحلت للعمل ولكنها بدت فظيعة بمظهرها وترمقها بنظرة غير مريحة  
"أنت هنا من أجلها أيضا أليس كذلك؟"
أمضت هي الأخرى اليوم كله تبكي بعد كلمات أنس وتصرف هارون 
وجود الليال أثلج ضوء النهار.. لم يعد يراها
تركت أصابع أحلام أزرار الجهاز وقالت "من أجل من؟"
جذبت زجاجة ماء من المبرد وتناولت المياه ثم قالت "تلك الفتاة التي أحضرها"
اندهشت أحلام من طريقة مي بالحديث عن ليال وقالت "تقصدين ليال؟ كان لابد أن أختفي حتى لا نثير الشكوك"
تحركت بقميص نومها الطويل وحمالاته العريضة تستقر على أكتافها العارية ووقفت هكذا أمام النافذة بلا حياء.. تحب جمالها الذي تظنه الكمال وتحب نظرات الرجال المعجبة بها
أحلام ترى أن الطبيبة أسمى من أن تنظر لفتاة متوسطة التعليم مثلها..
رغم نشأتهم معا تحت كنف الريس إلا أن الطرق لم تجتمع بهم، غرور مي كان يجعلها لا ترى سوى الكبار، هارون، أنس وحتى صفوان
هي الطبيبة والجميع يعاملها باحترام مبالغ رغم أن أمها تخدم الجميع تقريبا لكن هارون يضعها بمكانة مميزة
خرجت كلمات مي باردة "كل ما يهمه إخفاءها"
تحركت أحلام ووقفت جوارها وقد كانت أقصر منها فرفعت وجهها لها وقالت "حمايتها شغله الشاغل مي.. هو لم يتوقف عن ذلك يوما"
هتفت بغيظ يأكلها.. ينخر داخل عظامها بقسوة جعلتها تحدق بأحلام بحقد واضح وتقول "تلك اللعينة لا تستحق كل ذلك.. ماذا بها كي يفعل معها ذلك؟"
تراجعت أحلام بدهشة من موقف مي وبللت شفتاها وهي تقول "ماذا بك مي؟ تبدين غاضبة منها جدا، هل أغضبتك بشيء؟"
أشاحت بيدها قاذفة جنونها بعيدا دون فائدة وهي تهتف "هي لا تجرؤ على ذلك، لن تبقى هنا لابد أن ترحل"
اقتربت أحلام منها وقالت "ليس قرارك ولا قرار أحد، الريس وحده من يملك مصيرها ولا أظن أنه سيتركها ترحل"
ثار جنونها أكثر واعتصرتها الغيرة بعناد، قرصتها كي تحذرها من الوقوف صامتة أمام ضياع من أحبت فقالت "هي سترفضه.. هي تعلم أنه يراها كابنة له وتدرك أن بحياته امرأة أخرى"
ضاقت عيون أحلام الجميلة وهتفت بلا فهم "ولكن هذا ليس صحيح مي، من أين لها بتلك الأفكار؟"
لن تخبرها أنها زرعت الشك بعقل وقلب ليال، هي ستتعامل على أنها امرأته حتى ولو رفضها، حربها لم تنتهي ولن تنتهي
"بالتأكيد ستدرك وحدها، هو يكبرها بسنوات لا حصر لها، لماذا نفترض أنها ستقبل بالبقاء؟ ربما هو يريدها لكن هي قد لا تريده"
وافقتها أحلام ولكنها قالت ببراءة "كانت تتحدث دائما عن وصيها بإعجاب وأظن أنها لن ترفضه مي"
التفتت لها مي بعيون تقدح بالشر مما جعل أحلام تندم على كلماتها ومي تهتف "أنا سأجعلها تذهب، لن تبقى هل تفهمين؟ لن تبقى"
تراجعت أحلام من نظرات مي الشريرة وشعرت بالخوف تجاه زميلتها التي لم تتوطد صداقتهم رغم إقامتهم معا سنوات كثيرة 
ليال حريصة دائما بحكايتها عن نفسها وهي أيضا لذا ولا واحدة منهما حكت للأخرى عن دواخلها لكن الآن الخوف يأكلها على زميلتها..
****
ظلت ليال مكانها وهي تتذكر كل شيء بداية مما حدث مع فريد ومطاردته لها، السكين الذي طعنته به، رؤية هارون وفريد يسقط أمامه مضرجا بدمائه
هي  ليست بريئة؛ عندما كانت طفلة والدها كان يعلمها مهارات ضئيلة كي تواجه معه السرقة واقتحام البيوت، كانت ستكون لصة ومستقبلها سيضيع لولا هارون
اليوم تدرك أنها مدينة له بالكثير لو لم يتولى أمورها لكانت الآن بمؤسسة للأحداث أو ربما مثله بملجأ وانتهت حياتها للا شيء لكنه تولاها لطريق أبيض ونظيف وها هي على مشارف التخرج لمهندسة الكترونيات لكن وجودها معه الآن هو ما يسيطر على عقلها 
الرجل الذي سكن حبه قلبها بلا إذن منها ولا نقاش.. 
فقط منافسة من امرأة عاشت معه كل حياتها.. 
نفضت الغطاء الخفيف واعتدلت جالسة على طرف الفراش، هاتفها؟ أين هاتفها؟ عيونها بحثت بلا فائدة فهي لا تذكر أي شيء منذ ألقت ما بمعدتها هناك وبعدها فقدت الوعي واستيقظت هنا ببيته
أغمضت عيونها، هي هنا ببيته، حياته، الناس التي عاش معها، هي ترى كل شيء كانت تفكر به طوال سنوات عمرها 
فقط تذكرت مي وعلاقتهم ويدهم المتلامسة، تلميحها عن علاقة بينهم، ثار بركان الغيرة داخلها محرقا متعتها من أن بيته أصبح بيتها
نهضت غاضبة من الأمر وتحركت ولكنها توقفت عندما لمحت النافذة وبالخارج رجال تحمل حقيبتين كبار وصندوقان كبيران من الكارتون يتحركون بهم للداخل فتوقفت تتابعهم وتعرفت على الرجل الواقف يراقبهم وهم يتجولون أمامه وهو نفسه الذي كان جالسا معهم بالأمس وقد نسيت اسمه 
هل يتاجرون بشيء؟ هل هي بضاعة بحقائب وصناديق ويخزونها بالبيت؟
لا يخصها..
تحركت للحمام وغسلت وجهها ولم تعرف ماذا ستفعل بتلك الملابس التي ما زالت ترتديها منذ الأمس وهي غير نظيفة، دقات على الباب جعلتها تخرج بسرعة وتأذن لترى هندية تدخل وتقول "استيقظت إذن؟ كيف حالك الآن؟"
تحركت لهندية وقالت بهدوء "الحمد لله بخير، متى يمكنني الخروج من هنا؟"
تحركت لها هندية وقالت "تعلمين أنه ليس قبل أن يقول هو"
أبعدت وجهها وقالت بغضب طفولي "أرغب بملابسي"
ابتسمت المرأة وقالت "ملابسك كلها بالخارج وأنا أتيت لأخبرك بذلك وأسألك هل ترغبين بأن أرتبهم لك؟"
تراجعت بعيون متسعة وهي لا تصدق ثم تذكرت الحقائب فهتفت "تلك الحقائب..؟"
هزت المرأة رأسها وقالت "نعم، الحقائب والصناديق بالخارج"
هتفت بغضب "كيف يجرؤ؟"
يا ويلك يا ديب، الفانيليا ستلتهمك من الغضب..
**** 
فك ربطة العنق وألقاها بعيدا بعد يوم آخر طويل لا ينتهي من تلك الاجتماعات والمقابلات التي يكرها لكن هذه هي حياته الأخرى 
النصف الأبيض ويكمله النصف الأسود الملطخ بقذارة عالم الجريمة
تحرك طلال له وهو يقف بالمكتب الزجاجي الذي يطل على الملهى الليلي الموجود بالفندق يتابع الرقص بالخارج والشباب الليلة زائدة عن الحد بتصرفاتها 
المكان الذي يجد راحته به.. هو ليس رجل أعمال متزمت وصارم.. ما زال رجل الشارع الذي يحاول تجميل نفسه خلف رجل الأعمال ومع ذلك هو ناجح أيضا 
منحه طلال كوب القهوة وقال "أنت أوقفتهم مرة ولكن سيعودون مرة أخرى"
قال بجمود "أعلم وقريبا سأمنعهم من الدخول نهائيا، لا أريدهم هنا"
توقف طلال بجواره وهو يتناول قهوته، كلاهم امتنع عن أي مشروبات روحية وأصبحت القهوة رفيقهم وربما العصائر من أجل بنيتهم الرياضية وسلامة عقولهم
ابتسم طلال وقال "أغلق المكان إذن، إنه ملهى ليلي هارون"
لف وجهه له وقال "هو كذلك ولكنه ليس غرزة للمخدرات"
ملامحه الجامدة كانت تعني ما يقول.. 
عاد للخارج وشجار بدأ بالمكان فتحرك تاركا كوب القهوة وخرج وصفوان نهض واثنان من الرجال الذين وضعهم صفوان بعد ما جرى بالصباح
تبعه الرجال وهو يتحرك لداخل الملهى وقد التحم شابان معروفان بمعركة عندما اقتحم هو وسط الشباب الملتف يشاهدون ما يدور حتى وصل للشابين فجذب واحدا ودفعه بعيدا حتى كاد يفقد توازنه والآخر يدفع ذراعه بلكمة تجاهه تفادها بأن دفع جذعه للخلف وأمسك ذراع الشاب بقوة ولواه خلف ظهره وهتف بقوة بعد أن عجز الشاب عن الحركة
"تشاجرا بالخارج، لا أريد رؤيتكم هنا مرة أخرى"
حاول الشاب تخليص نفسه من قبضة هارون بينما اصطدم الشاب الثاني بجسد صفوان الذي فصله عن رئيسه ودفع لكمة بوجهه جعلته يصرخ من أنفه الذي تقريبا انكسر والشاب الآخر يهتف بين يدي هارون 
"اتركني، ألا تعلم من أنا؟"
هنا الأجناس تختلط.. بنات، شبان، غني، فقير برداء كاذب..
الجميع هنا يتمايلون ويضيعون بلا هدف..
أجاب هارون دون أن يتركه "لا تخبرني أنا ذلك الحديث إلا بعد أن تعرف من أنا، سأتركك وستخرج من هنا سليم ومعافى ولن تعود مرة أخرى لأني لا أريد مدمنين بملهاي"
هتف الشاب "أنا أكون حيث أريد، أنت لن تخبرني بما أفعل من عدمه أيها الحثالة"
بلحظة كان جسد الشاب يلتف دون أن يفلت معصمه وقبضة هارون تهشم أسنانه لتطير اثنان من ضروسه بالهواء ممتزجة بالدماء وقبل أن يسقط كان ينحني من لكمة بمعدته وأخرى بأنفه جعلته يفقد استقامته وهو يتهاوى للخلف ليسقط على ظهره ورجال هارون ملأت المكان وصنعت حاجزا بينه وبين باقي الحضور عدى صفوان الذي ظل بجواره وهارون يهتف بغضب
"لو رأيتك هنا مرة أخرى لن أرحمك هل تسمعني؟ ألقوهم بالخارج"
وتحرك من بين الجموع الحاضرة عائدا لمكانه وطلال ما زال يقف أمام نافذة المكتب الزجاجية والتفت له عندما دخل وقال "أنت غير طبيعي الليلة"
تحرك للحمام وغسل يده ثم جففها وعاد وهو لا يتحدث 
هو لا يعلم متى يكون طبيعي..
أحيانا يشعر بطبيعته وهو يدخل بنزاع قاتل كما لو كان ما زال ذلك الصبي الذي سكن الشوارع بلا هدف وصرع هذا أو ذاك
فقد الشعور بنعومة الفراش من خشونة وصلابة الأرصفة التي نام عليها
أحيانا أخرى يرى نفسه وهو الزعيم، الرجل الذي وضع عشرات الرجال حياتهم بيده وهم راضيين فقط لسداد ديونهم له
أما عندما يربط ربطة العنق ملتفا بجاكيت يكتف عضلاته وينشي جسده يدرك أنه فقط الحلم الذي كان يبتغيه بالصغر لكنه ليس هو 
حتى ولو كان ناجح به..
صور الديب متعددة لكن هو وحده من يعرف الصورة الحقيقية لنفسه..
عاد لجوار طلال يراقب رجاله من خلال الزجاج وهم يعيدون تنظيم المكان بالقاعة وطلال يلمس كتفه ويواجه وهو يقول "هل أغضبتك الصغيرة لهذا الحد؟"
الصغيرة هو اللقب الذي التصق بها منذ تلك الليلة، كلهم يعرفون أنه أنقذ فتاة صغيرة، حملها وأسرع بها للمشفى وتم إنقاذها بسبب سرعة حضورها فأصبح منقذها، منقذ الصغيرة 
الجميع أيضا يعرف أنها التصقت به ولا شيء يمكن نزعها عنه
لكن ما زال سره يسكنه.. هل ستغفر له؟
التفت بوجه جامد لطلال وقال "عنيدة وترفض حمايتي"
ابتسم طلال وقال "ببيتك هارون!؟ أنت تمزح بالطبع سترفض"
ابتعد من أمامه للثلاجة وجذب زجاجة ماء كعادته وتناولها كلها حتى انتهى وطلال يجلس فقال "وتظن أني سأتركها لحالها بعد ما حدث؟"
ضحك طلال بمرح وقال "تركتها أثني عشر عاما كانت صغيرة جدا ووحيدة والآن عندما كبرت تخاف من تركها؟ أنت تمزح كما قلت"
أشاح بيده وقال "لم أتركها يوم واحدا، أم عمر كانت ترعاها، أحلام، رجالي، ليال لم تكن وحدها بأي يوم"
لكن ليس بعد اليوم جميلتي.. جمالك أثار جنون الرجال وما عشت أحتفظ به لنفسي لن يكون لسواي.. 
"لماذا هارون؟ لماذا لا ترفع يدك عنها؟ كانت ترغب بسرقتك مع والدها المجرم، كانت لصة صغيرة تتعلم منه" 
ابتعد أكثر وهو يستعيد الذكريات.. 
لم يهتم يوما بكونها ابنة مجرم أو أنها شاركت والدها بالسرقة، ابتعادها عن هذا المسار وقبولها بما رسمه لها جعله يندفع بلا حساب بكل ما فعله معها والآن لم يعد يعرف هل يحق له أن يحبسها داخل حياته أم يحررها؟
هل يسأل؟ المجنون، لقد قرر قبل أن يفكر بالسؤال..
حملها مرة أخرى بعد أن فقدت الوعي ولم يتردد وهو يأخذها لبيته، حيث تنتمي
له..
هي لم ولن تكون مجرمة بأي يوم..
أجاب "كانت مجبرة على ذلك طلال، لو كانت ترغب به لعادت له بعد خروجها من المشفى" 
مد طلال ذراعيه على ظهر الأريكة وقال "ربما، ماذا فعلت مع العطار؟"
تحرك وجلس خلف المكتب وقال "كان هنا بالصباح وأخبرته أني قتلت أخيه"
فتح طلال عيون من الدهشة وهتفت "أنت تمزح!؟"
نفى برأسه وكلماته "هل تراني أفعل؟"
ظل طلال صامتا لوهلة، هارون لم يكن زميل ملجأ فقط ولا رفيق البرد والجوع والتشرد، بل كلاهم كان بظهر الآخر بتلك الأيام، هارون كان دائما الأقوى بينهم  
تنهد طلال وقال "أعلنت الحرب عليه؟"
أبعد وجهه وقال "هو من بدأ"
اختصار كلماته لا تفتح أي أبواب لذا نهض طلال وتحرك له حتى وقف أمام مكتبه وقال "أنت ترغب بذلك العالم هارون ولا تريد الخروج منه، يجذبك معه للأسفل وهذا يعني زيادة بالتورط رغم أن كل معاملاتك أصبحت نظيفة والكبير لن يتركك كثيرا"
أبعد وجهه فهذا العالم لم يكن اختياره بالبداية لكن عندما منحته الظروف الاختيار عاد واختاره حتى قرر التحرر منه والكبير ساعده به  
"هؤلاء القوم لا يقبلون بكلمة الخروج طلال، والكبير لا يحاربني رغم سلوكي المختلف عن باقي رجاله لأنه يرى إيراداتي مرتفعة، ما يحصل عليه مني يضعه بمكانه ويمنحني خطوة بالأمام دون الطريق السفلي"
هز طلال رأسه وقال "أعلم ومع ذلك عليك بالحرص، إن طريقتك مغناطيس جاذب لكل الفئات المضادة لك والكل سيرغب بوضع يده على مكانك لأن بكل يوم تزداد قوة وتوسع"
أعاد وجهه لصديقه الذي ظل واقفا أمامه وقال "هل تظن أنها ستقبل حقيقتك!؟ تلك الصغيرة؟ هي مهندسة الكترونيات هارون بنهاية العام القادم ستتخرج وتناطح أفضل الرجال"
لم يكن بحاجة لسؤاله، لقد سأله لنفسه ملايين المرات..
بالأساس هو سبب فراقه عنها ولكن الآن حمايتها تعزل كل شيء وأي شيء ولن يتراجع
**
عندما وصل البيت كانت الثانية صباحا، أيام من العمل المتواصل تجعله يرغب بالراحة ولكن أين الراحة الآن وأبواب تتفتح على مصراعيها لا تجلب إلا القلق خلفها
الفانيليا لا تصلح للديب.. ستحوله لآيس كريم هلامي..
أحلام أوقفته عند السيارة وقد كانت بانتظاره وعيونها تتسرب لصفوان الذي وقف ثابتا كالجبل خلفه وعيونه على زعيمه الذي قال "أهلا أحلام، ماذا هناك"
قالت بقلب يدق بعنف من قرب حبيبها الأعمى عنها "أردت استئذانك برؤية ليال والبقاء معها"
ظل ينظر لها من علوه الشاهق وقال "ليس الآن أحلام هي لم تعرف بأنك كنت معها بأمر مني"
نبرته الحازمة جعلتها تنكمش وتقول "وهل ستعرف الحقيقة؟"
الظلام لم يمكنها من قراءة نظراته ولا حتى بالنور، هي أضعف من مواجهته 
"لم نكن نسيء لها وقت فعلنا أحلام فلا يهم معرفتها من عدمه"
وتحرك مبتعدا وتحرك صفوان معه لكنها أسرعت ووقفت أمامه ليتوقف وأسقط عيونه عليها وهي لهثت من نظراته القاتمة وجاذبيته التي تقتلها  
"أنت غاضب مني؟ لا تخاطبني كعقاب!؟"
لم تفهم أنه يرغب بمنحها الحقيقة لكن بشكل صريح.. لم ينسى ما قالته له.. 
هي أخت ليس أكثر ولا أقل لذا  
"أنا ليس لي أي حق بعقابك أحلام، هذا عمل الريس، فقط أحاول وضعك على الطريق الصواب، أنت أخت صغيرة بالنسبة لي"
لمعت دموع بعيونها من صراحته المؤلمة
ألا تشعر بي أيها العملاق الذي لا قلب له؟
كانت تتجول داخل قتامة نظراته باحثة عن أمل يرتفع بها للسطح حتى لا تغرق باليأس ولكن بلا فائدة..
العملاق لا يرى أي شيء سوى رئيسه ويدين ملوثتين بالدماء 
تألم صدرها من أنفاس لاهثة تحاول مجاراة القلب السابح ببحر اليأس وهمست "أنت لا تهتم برؤية الحقيقة صفوان، لا تدرك أننا لسنا إخوة، أنت لست أخي"
أحنى رأسه عليها وقد تملكه الجمود تجاها فهو لا يرها بل لا يرى أي امرأة ولا رغبة تتحرك داخله تجاههم 
ما مر به بحياته جعله لا يفكر سوى بعمله مع الرجل الذي منحه حياة مستقرة وأنقذه من الضياع..
"أعتبرك كذلك أحلام، أنت لا تجيدين التفكير، لديك حياة أفضل بكثير بعيدا عن هنا، تستحقين رجل يأخذك لعالم أفضل من عالمنا، أنا لا أعرف سوى عملي، منفذ، دماء تلتصق بيدي ولا تمكنني من لمس أي شيء آخر"
سقطت دموعها العنيدة تفرج عن الألم والحزن بلا قوة على حبسهم داخلها وهي تقول بيأس واضح "أنا أقبل عالمك هذا صفوان، لا يهمني كل ما قلت فقط.."
رفع يده العريضة والتي تصلبت من التدريبات الشاقة ونبرة صوته القوية تدفع قلبها بعيدا "وهم، ما تعيشين به وهم، عودي للواقع أحلام لا مجال لنا معا"
الصراحة سمة صفوان وها هو دفع الحقيقة بالصف الأول وتركها وابتعد رافضا أي جدال آخر ولو حتى رأفة بقلبها الصغير المتألم وهي ظلت جامدة مكانها ككل مرة 
**** 
ما أن فتحت هندية له الباب ودخل حتى رأى أنس جالسا وهو يعبث بهاتفه، نظر له وهو يتحرك تجاهه قاذفا الجاكيت الذي على ذراعه لهندية وقال "هل هي بخير؟"
واجه أنس "هي بخير لكن أنت ستحتاج للمطافئ"
تفهم كلماته وهو يتابع هندية تتحرك للمطبخ فقال "أين هي؟"
ابتسم أنس وقال "ألا تستنشق رائحة الطعام؟"
تراجع والدهشة تحاول اختراق ملامحه الجامدة بلا فائدة وقال "بالمطبخ!؟"
ابتسم أنس وقال "ظننت أن احتراق الطعام أفضل من احتراقك بنيران غضبها"
ضحك أنس بينما تحرك هو للمطبخ دون رد حتى رآها وقد استبدلت ملابسها بجينز فاتح قديم ومحكم على جسدها بشكل رائع، قميص ساكن داخل البنطلون بلون أزرق وعليه ورود روز رقيقة احتضن منحنيات جسدها فجعله يبدو فاتنا ومثيرا بكل تفصيله صغيرة منه 
هو رجل ويعرف جيدا المرأة الفاتنة وهي فاتنة
هو يحفظ كل شيء بها فهو لم يراها يوم أو اثنين بل سنوات، مر عليه كل تبدل حل على جسدها الرائع مما جعله يهواه أكثر
عقدت شعرها الأسود كعكة غوغاء فوق رأسها وتهدلت خصلات عابثة حول وجهها وعلى عنقها الطويل، فاتنة كلمة عاجزة عن وصفها وهي تقف أمام الموقد وتضيف التوابل لتنطلق رائحة جعلته يتذكر أنه لم يتناول طعام منذ عشاء الحفل المشؤوم
استند بكتفه على جانب الباب وعقد ذراعيه أمامه ولمعت زرقاء عيونه وهو يتابعها وهي تعمل بصمت بينما أومأ لهندية بأن تذهب فاختفت بالحال وليال لا تشعر بها
ظل بمكانه حتى أطفأت الموقد وأخرجت صينية الباشميل من الفرن وزينته بقطع البقدونس الطازج وخلعت القفازات الحرارية 
جذبت طبق اللحم بالصوص ووضعته بجواره وقطع الخيار المخلل تدور حوله، وأخيرا وضعت طبق الخضار المطبوخ بينهم ووقفت تنظر لما صنعت وهي تفخر بنفسها
"إنها دعوة لا يمكن رفضها خاصة لرجل لم يتناول شيء منذ الحفل"
انتفضت بفزع من صوته وهو يتحرك لدولاب الأطباق دون النظر لها وهي تضع يدها على صدرها من انتفاض قلبها وهو يجذب طبق وشوكة وعاد ليقف بجوارها 
"فقط أخبريني من أين أبدأ فكلها ألذ من بعضها البعض"
تورد وجهها وشعرت أنها تكاد تطير من الفرح لأنه يستلذ من رائحة وشكل الطعام وفتحت فمها لتخبره عن طعامها عندما تذكرت ما كان سبب بدخولها المطبخ فهتفت "أنت لا تجرؤ على محاولة جعلي أتغاضى عن أفعالك"
كان يعبث بالشوكة بالبشاميل وتذوقه فأغمض عيونه من مذاقه الجميل، هندية ممتازة بالطعام لكن ذلك كان له مذاق خاص، مذاق عصري لا يمكن تفويته، مذاق محلى بأنفاس صغيرته
مد الشوكة للحم ولكنها صفعت يده وقالت "ليس قبل أن تخبرني كيف تجرؤ على جعلهم يعبثون بأشيائي؟"
رفع وجهه لها وهي تخاطبه بلهجة لم يجرؤ أحد منذ أصبح الرئيس على أن يخاطبه بها ومع ذلك لا يعترض 
يحب أن يراها تتدلل عليه، تغضب منه، تفرض عليه عقاب وهو..
سيضع الشوكة الفارغة بفمه ويمص ما علق بها ثم يقول بهدوء "أكيد لن تبقي هنا بدون أشيائك، الأمر لن يكون يوم أو إثنين لذا تعليماتي كانت واضحة، كل ما يخصك"
صفعت يده مرة أخرى وهو يتسرب للحم أيضا وهتفت بنفس الغضب "ويعبثون بأشيائي الشخصية؟ أنت تمزح هارون؟"
رفع وجهه لها والتقى بجمال عيونها الغاضبة وبلحظة انهار الغضب داخلها وحل محله خجل رائع وتوردت وجنتيها ولمعت عيونها ببريق مثير عندما أدركت نطقها باسمه هكذا وكأنها تعرفه من سنوات
هي بالفعل تعرفه من سنوات.. ألم يحملها بين ذراعيه وهي بين الحياة والموت منذ اثني عشر عاما؟
وفعل مرة أخرى بالوقت الحاضر
اسمه كان كالموسيقى الحالمة بأذنه.. موسيقى ربتت على قلبه برقة مثلها مما جعله ينبض من داخل صدره لتلك الصغيرة التي تلاعبت به بلا رحمة وما زالت 
لم تتراجع رغم خجلها وهو يرفع عيونه لها ويحدق بها قبل أن يقول "سأغضبك على الدوام حتى أسمع اسمي منك، له مذاق خاص تماما كطعامك الشهي"
أخفضت عيونها وتركته يضع طعام بطبقه وجلس يتناوله فأحضرت له كوب من العصير ووضعته أمامه بقوة غاضبة 
تحركت لكنه أمسك يدها فالتفتت تسقط عيونها على يده ثم رفعتها لعيونه لكنه لم ينظر لها بل ظل ببساطة يأكل 
"هل لي بشرف وجودك معي على العشاء صغيرتي؟"
ارتفع الغضب أكثر بلحظة من تلك الكلمة التي تثير جنونها وجذبت يدها منه وقالت "أنا لست صغيرتك"
لم يعلق وهي تبتعد وقال "هندية من أخبرتك عن طعامي المفضل؟"
توقفت عن غرف الطعام لنفسها ونظرت له فعاد ينظر لها هو الآخر وهي تقول بدهشة "لا، هذا طعامي المفضل، أصنعه كلما أكون غاضبة"
توقف عن مضغ الطعام وعيونهم تشتعل بالنظرات القاتلة حتى قطعتها هي وعادت تضع طعام لنفسها ثم تحركت له ووضعت له المزيد وهو تابعها وهي تنتهي وتجلس أمامه وتتناول الطعام معه وغضبها الطفولي يعجبه
رفع عيونه ليتابعها ولا يصدق أنها هنا، على نفس الطاولة تتناول معه الطعام وكأنها زوجته وتشاركه وجبته بعد أن أعدت له طعامه المفضل والذي هو بالصدفة طعامها المفضل أيضا
هل يمزح معه القدر؟ بلحظة يرفعه ليحلق بالسماء من السعادة وباللحظة التالية يخفي له مصيبة قد تدفنه بقاع المحيط..
لا يهم، لحظة معها هو كل ما تمناه والآن تغدق عليه الأقدار
وهو سينهل منها قدر المستطاع..
انتهوا من الطعام وبلا اتفاق غسلت هي الأطباق وصنع هو الشاي عندما سمع صوت خطوات وظهر جسد أنس عند الباب ممسكا بهاتف هارون وهو يقول "هاتفك لا يتوقف"
أنهى تقليب الشاي بنفس الهدوء والثبات وقال "ادخل وتناول الطعام نحن انتهينا وأرسل لصفوان، هيا ليال أرغب بالحديث معك"
حمل الصينية وأنس يفسح لهما وهو يمنحه الهاتف وهي تتبعه للخارج، أنس لا يتعجب من تصرفات رئيسه فكثرا ما تشاركوا الطهي سويا بغياب هندية 
لم يبقى بالاستقبال بل تحرك تجاه باب آخر لغرفة جانبية فتحها ودخل وعندما تبعته عرفت أنها مكتب كبير ولكن جميل ومريح بكل ما به، وضع الشاي وتحرك لمكتبه وهو يرى مكالماته الفائتة فعبث به ثم تركه على المكتب وعاد لها وهي تأخذ الكوب فقال 
"أعتذر عن موضوع الملابس، لم أفكر بأمر ال..، أقصد، كان يجب إرسال هندية"
لم ترد وابتعدت لنافذة المكتب ولم ترى سوى ظلام ورجاله تنتشر هنا وهناك بالخارج، توقف بجوارها 
اللافندر، عطر رجولي لرجل غامض لا تعرف عنه شيء لكنها تهواه..
سمعته يقول "أنت تظنين أني همجي ولا أجيد التصرف كال.."
التفتت له وقاطعته "لماذا توليت أموري طوال تلك السنوات؟ كنت لصة وأرغب بسرقة البيت"
تجول بعيونه عليها وقد انتظر هذا السؤال منذ أن أتى بها هنا، توقف على شفتيها بعيونه، هو رجل ولديه رغبات ورغبات خاصة لها هي ولا ينكر أنه كان يطفئ رغباته بطرق طبيعية لكن كلما فكر بها وجد هالة بيضاء تلفها وكأنها تحميها منه هو شخصيا 
لن ينال منها شيء إلا بالحلال.. 
ما الذي يفكر به؟ 
كم أرادها وتمناها ثم شعر بالخطيئة بسبب أفكاره عنها فهي أصبحت البراءة والنقاء مثاله عن الفضيلة التي تمنى أن يعيش بها بينما هو بالحقيقة.. 
مثال الرذيلة والتلوث التي ستصيبها بوجوده معها
عاد لعيونها وقال "أجبتك من قبل، أنا الوصي عليك ليال وعلى فكرة أنا لست البريء هنا"
لم تفهم آخر كلماته فقط الغضب يعلو داخلها من كلمة الوصي، يشعرها أنها طفلة صغيرة
حاولت أن تتمسك ببعض الهدوء وألا تجعله يدرك غيظها 
تجرعت رشفة من الشاي أحرقت مجرى البلعوم ليس فقط من سخونة المشروب بل من المرارة التي امتزجت به 
أبعدت وجهها وقالت "لم يمنحك أحد الحق بالوصايا علي"
ظل صامتا ولكنه يتأملها فلفت وجهها له، للديب "لا أحد يلزمني بأي شيء، أنا أردت ذلك"
همست برجاء "لماذا؟"
ما الذي ترغب به بهذا السؤال الممل؟
هل تظن أن الزعيم سيفكر بفتاة مثلها؟ كانت أمامه سنوات طويلة ..
منع نفسه من أن يرفع يده ويلمس تلك البشرة الملساء الجميلة ويجيبها بقبلة حارة تدفع كل ما بداخله لها على السطح ولكنه ابتلع ريقه جاذبا عدم شرعية أفكاره للعدم
"كنت صغيرة ووحيدة ووالدك تم إيداعه السجن وعصابة خطيرة تطارده وربما تطاردك وأنت استجبت لحياة النقاء ولم ترغبي بالعودة لوالدك"
هي بالفعل لم ترغب بوالدها ورفضت حتى السؤال عنه بعد إيداعه السجن بعدة تهم قديمة، أرادت حياة نظيفة ومنقذها منحها إياها
ظلت تتجاوب مع نظراته وهي ترغب بأن تعرفه، تخترق الغلاف السميك الذي يلتف به ويمنعها من رؤيته على حقيقته 
قالت تؤكد كلماته "لا، لم أرغب بالعودة له، كان يجبرني على الإجرام"
هز رأسه وقال "أعلم"
حدقت به ووجهها الشاحب يخبره عن الصراع الهائج داخلها وهي تتساءل "ومن أين تعلم؟"
ابتعد من جوارها لمكتبه وقال "أم عمر ترغي كثيرا"
شهقت وهي تقول "أم عمر!؟"
التفت لها ولمعان عيونه تخبرها أن لديه الكثير مما لا تعلمه وقال "هل ظننت أني تركتك هكذا؟"
ظلت بمكانها بلا حركة وهي تستوعب ما يقول "الشقة؟"
جلس وقال بهدوء "من أملاكي وأم عمر كانت لرعايتك، كنت صغيرة جدا ليال وبحاجة لأم تجيد رعايتك"
تلجم لسانها حتى تستوعب ما يقول وسألت وهي تتحرك لأقرب مقعد وتجلس "وأحلام؟"
أجاب "أخت أحد رجالي، لم يكن من المفترض منحك رفيقة بالسكن غريبة عنك من أجل سلامتك، على فكرة هي هنا بمنزل هندية حتى تنتهي الغوغاء الدائرة حول فريد"
هتفت بلا تصديق "حتى أحلام؟ هنا؟ بجواري ولم تخبرني؟ هل أنا صغيرة هكذا كي لا تمنحني كل شيء"
أنت صغيرة لدرجة أنني لم أعد أرى سواكِ، أتنفس أنفاسك، أرى بعيونك، أختزن كل ذكرياتك أمامي وأخرجها بلحظات وحدتي لتمنحني قوة على مواجهة ابتعادك عني
أبعد وجهه عنها وقال "أنت لديك كل شيء فقط بالأمس كنتِ متعبة وعقلك مشتت لكن الآن الصورة لديك أوضح"
ردت "كانت تمنحك أخباري"
أبعد وجهه لعدم إنكار ذلك "لم أكن بحاجة لها لمعرفة أخبارك، رجالي تتبعك أينما كنتِ وما أعرفه أنكم لم تكونوا أصدقاء ولا أسرار بينكم"
هو على حق، هي رفضت أي صداقة قوية مع أي أحد حتى رفيقة السكن ولكن شحب وجهها من فكرة أنها عاشت تحت رقابته ورقابة رجال غريبة عنها سنوات كثيرة وهي لا تعرف عنه شيء ومع ذلك شعور خفي بسعادة واهية أنه اهتم بكل ما يخصها 
"لماذا لم تحاول رؤيتي؟"
مرة أخرى نفس السؤال، تجهم وجهه ولحظة المواجهة حانت فقال بهدوء "لم أكن أخطط لذلك، أنت لا تعرفين من أنا"
تعبت من تلك الإجابة التي لا تسمع سواها
أرادت شيء يريح قلبها، يمنحها استقرار لا تعلم هل ستناله بيوم أم لا؟
رفعت يداها بالهواء وقالت بتعب واضح "أنا مللت من تلك الإجابة لم لا تخبرني ما لا أعرفه؟"
ضاقت عيونه وهو يواجه نظراتها المليئة بأسئلة كثيرة هو يعرفها وعليه أن يجيب وبصراحة وهي لها حرية الاختيار 
تنفس بقوة حتى قرر التحدث "لن يعجبك رجل تخرج من الملجأ بالعاشرة وأصبح مدين لصاحب نفوذ أسقطه بالعالم السفلي للجريمة"
لم تتبدل ملامحها، حياة الإجرام عاشت بها عشر سنوات، والدتها رفضتها وهربت تاركة إياها مع مجرم معروف يجبرها كطفلة على العمل معه وهي لم تملك أي قدرة على أن تقف بمواجهته
همست بقلب مضطرب من تلاقي دروبهم بلا اتفاق "هو كان عالمي بيوم ما"
ظل يحدق بالفراغ من حوله وهو يسحب أنفاسه لتكمل معه ذكر الماضي "رفضتيه ليال ولم تكملي به، لكن أنا مصيري مختلف، أنا أقف على أعتاب الرمادي"
لا هو مجرم ملتصق بالجريمة ولم يستطع تنظيف ساحته تماما.. هم لن يتركوه
حتى لو، هي لم تختلف عنه كثيرا، ما الفارق إذا كان قد نشأ بملجأ وهي حظيت بأم تبرأت منها؟ 
ما الفارق إذا كان قد خرج للشارع والعالم السفلي بينما هي كانت تسرق وتساعد والدها بنفس العالم غصبا؟
نهض وتحرك للنافذة وهو يرى ذكرياته أمامه ويدرك أن لا مجال للتراجع الآن "حظيت بمكانة مميزة لدى الكبير فإنقاذ حياته ثلاث مرات جعلتني على القمة ولي حق الاختيار وقد اخترت، هنا، الاسكندرية أصبحت لي"
تورد وجهها وقالت "أنت زعيم عصابة؟"
لف وجهه بابتسامة رائعة نادرا ما يقدمها لأحد "لم تعد تليق بصاحب فنادق وشركات ونوادي ليلية وشركات بمجالات حديثة، أعرف كل ما يدور بالعالم القذر لكن أظل مشاهد وهم يظنون أني أشارك لأني لا أستطيع الخروج"
نهضت وتحركت لتقف بجواره وهو ظل يمسك بعيونها وهي تقول "لماذا؟"
ابتسامته ظلت على وجهه وهو يرى وجهها الصغير أمامه على هذا القرب الذي لم يحلم به
عطر الفانيليا تحرك له، تلك الصغيرة تناوشه بعطر يدغدغه وهو ليس بحاجة لأي إغواء
هو يريدها.. تلك العيون الواسعة له.. الشفاه المثيرة ملكه، القوام المغري يخصه.. 
عسلية بطعم الفانيليا تتمخطر بجواره وهو سيلتصق بها ويلتهمها بلا رحمة
عاد يتنفس بقوة قامعا ديناصور الرغبة داخله ليسكنه بجبال الحماية التي ينصبها لها هي 
"لو خرجت أصبح عدو والعدو له طريق واحد"
ارتجف قلبها وهي لا تتخيل ما يقول وتهمس "الموت"
هز رأسه وأبعد وجهه وقال "لن أرغمك على شيء لا ترغبين به ليال، أمثالي لا حق لهم بالدخول بحياة ملاك مثلك"
ابتلعت ريقها وهي تفهم كلماته وقالت "لم أكن ملاك وقت كنت أساعد والدي بالسرقات"
لم ينظر لها وهو يقول "لم يكن باختيارك"
قالت بلا تفكير "ولا أنت اخترت"
لف وجهه لها باعتراف صادق "اخترت ليال"
هزت رأسها رافضة ما يقول وهي ترد "واخترت أن تنظف يدك عندما أتتك الفرصة"
ظل صامتا وهي على حق لكنه ما زال عالق ولا يمكنه التخلص نهائيا 
"ولكن ما زلت عالق بهم، بالعام القادم ستصبحين مهندسة بعالم مختلف تماما ووجودك بعالمي سينتهي، لن ترغبي بربط نفسك بي"
لمعت عيونها بدموع لا ترغب بأن يراها، ألا تعرف أيها الزعيم الأحمق أني ارتبط بك منذ الأذل؟
ألا ترى أنني سرت على الدرب الذي اخترته أنت لي بلا حياد؟ فقط لأني أحببتك وقت كنت طفلة وعندما كبرت كبر حبك بقلبي حتى أصبح جزء مني بل من كياني كله ولم يعد حلم طفلة صغيرة بل يقين
ابتعدت تخفي كل مشاعرها المهترئة داخلها.. 
لن يهتم بمشاعر صغيرته التي عكف على تولي أمورها وكأنها عصفوره الغالي الذي احتفظ به بقفصه والآن يطلقه لعالمه ولكنه لا يدري أن العصفور قد لا يعرف كيف هي الحرية بعيدا عن صاحبه؟
ستموت لو تركها وحدها بهذا العالم.. 
أنت الحصن العالي، القلعة التي أحتمي بين جدرانها العتية ولا يمكنني مواجهة الحياة وحدي
لكنها لم تعرف أنه زرع داخلها قوة جعلتها بالفعل تواجه الحياة وحدها، تختار، تقرر، تسير بلا خوف من ضغوط الشر من حولها
هو صنع منها امرأة تليق به، الزعيم..
استعادت نفسها وقالت "وربما أنت ترغب بإنهاء دورك كوصي؟ أرهقتك طوال تلك السنوات؟"
تنفس بقوة والأنفاس نفحات نارية تحرق صدره وتحرقها أمامه دون أن يشعر وهو يقول بصوت ثقيل "لن يمكنك تخيل ذلك"
التفتت لتلتقي بعيونه القاتمة وملامحه الجميلة ولاحظت ظلال تحت عيونه لا تتماشى مع زرقتهم الجميلة 
أنت وسيم بشكل لم أراه من قبل أيها الزعيم، بك رجولة لم أعرفها بأي شاب ممن قابلت، قوة غريبة تنبض من عضلاتك، جاذبية عيونك، أنا سقط بدائرتك بلا رحمة ولا أعرف كيف سأخرج ليس الآن.. 
ليس أبدا..
قالت بحزن وقد اساءت فهم كلماته "آسفة لما سببته لك، يمكنني الذهاب وإعفائك من الأمر"
تحرك لها حتى وقف أمامها وما زالت ترفع رأسها لتلتقي بنظراته وقد جذبته البراءة بعيونها ولمست قلبه الضعيف معها
أنا مرهق من رغبتي بوجودك معي للأبد دون أن أعرف كيف..
متعب من فكرة ابتعادك عني مرة أخرى..
ذائب من قربك هذا وهو يدفعني للجنون.. ربما بيوم ما سأصبح نزيل مشفى الأمراض العقلية 
نطق بما لا يتفق مع ما يريد "فقط لو كان هذا يسعدك"
سقطت دمعة منها تغاضى عنها وهي تقول "يسعدني!؟ أنا أتحدث عنك، سأخرج من حياتك فورا كي لا أثقل كاهلك أكثر من ذلك"
والتفتت لتذهب لكنه قبض على ذراعها ليوقفها وقد تشتت أفكاره عما فهمت من كلماته فعلقت بعيونه مرة أخرى وهو ينحني بوجهه ليقترب من وجهها لتلتقط عطره المتماثل مع قوته 
ما زالت تتنفس هذا العطر
توابل داكنة، لافندر جدا، حاد لكن ليس صاخب
منحها إحساس بالخطر من رجل هو الأمان لها، تناقض غريب
سمعته ينطق بما يتناقض مع ما فهمته بجدية ماحيا خطأ أفكاره "هل هذا ما تظنيه؟ أنك تثقلين كاهلي وأني أرغب بالتخلص منك؟"
لمعت الدموع مرة أخرى بعيونها وهي تلف بنظراتها على ملامحه الجادة فأكمل "سأظل وصيك لنهاية عمرك ولست بحاجة لموافقتك على ذلك، أنا أتحدث عنك ليال، عن وجود مجرم بحياتك"
سقطت دمعة جديدة سقطت معها نظراته تتبعها على وجنتها وهي تقول بصوت ضعيف خجول "لم أتضرر من ذلك"
عاد لعيونها محاولا فهم ما تقصده ولا يرحل لفكرة أنها تقبله فتساءل "كنت غاضبة عندما أتيت بك هنا!؟"
قالت بصدق "بعيدا عن أنك الوصي، لا يجوز وجودي ببيت رجل لا تربطني به صلة"
ابتلع ريقه وعطرها يرتفع لأنفاسه فيهز قوته أمامها
ماء الورد مع لمحة فانيليا، خليط بين النعومة بالدفء
دفء هو بحاجة له بعد لياليه الباردة التي عاشها وحيدا
تلك الصغيرة تمنحه قوة غريبة فوق قوته كزعيم اعتاد أن يأمر فيطاع ومع ذلك معها سقطت الأوامر مفرومة تحت أقدامها
سقطت دمعة أخرى من عيونها فترك ذراعها ورفع إصبعه لوجنتها ومسح الدمعة التي انكمشت على إصبعه بخجل من لمسة يد الزعيم وتلاشت هاربة منه فزعة من الديب..
"ليس هنا، كل من حولي يعلمون من أنت وماذا تمثلين لي ولا أحد سيتحدث عن امرأة أنا أريدها ببيتي"
ارتجف جسدها من لمسته فأخفضت وجهها لتسقط يده وانقطع الاتصال الحسي بينهما وهو يستعيد نفسه التي سرقتها تلك الفتاة فنفخ ليطرد الكربون الذي تكون داخل صدره عندما كتم أنفاسه بقربها وجذب نفس عميق جديد وهو يدفع أصابعه بخصلاته مريحا إياهم للخلف وابتعد من أمامها وظل كلاهم صامتا لوهلة حتى قالت 
"أنا لا أعرف ماذا ستفعل معي؟"
التفت لها وضاقت عيونه وانعقد حاجباه بتساؤل مختلط بلا فهم لمعاني كلماتها وقال "أفعل ماذا؟"
لم تنظر له وهي تمنحه ظهرها وتقول "أنت قلت إنك لا تريد أن تكون بحياتي وبنفس الوقت أحضرتني هنا وأحضرت كل ما يخصني، فهل تشرح لي مكاني الآن وغدا و..؟"
تجهم وجهه وهو يرى أنها تسأل بالصميم وهو حقا لا يعرف ماذا يخبرها؟ هو لا يريدها خارج هذا البيت وأيضا لا يمكنه إبقاءها من أجلها، الأمر صعب ولا يعرف بأي كلمات يجيب
ابتعد مرة أخرى وتحرك للنافذة وقال "وجودك هنا لحمايتك بسبب ما حدث بالفندق"
لم تعرف إلى متى سيظلون يدورون بنفس الدائرة بلا نهاية فقالت "وبعدها!؟"
لم ينظر لها وقال وكلمات صفوان ترن بأجراس التحذير، أنت لا تمنحها الاختيار
"يمكنك الاختيار"
صمتت وظلت تنظر لجسده الشاهق أمامها وتعصبت من الرد، رغبت بالصراخ بوجهه، بمطالبته بالتمسك بها بلا استسلام لرغبتها
لكنه يتراجع.. هل مل منها؟
عندما لم ترد التفت لها مطالبا برد فرفعت وجهها وقالت "بالطبع سأذهب، من حقك أن تحظى بحياة حرة بعيدا عني، ما أن تنتهي تلك اللعبة أخبرني ووقتها سأكون سعيدة بالرحيل"
وتحركت للباب وخرجت بغضب ولم تغلق حتى الباب خلفها بل سمع صوت باب غرفتها يصفع بقوة فأغمض عيونه وأخذ نفس عميق آخر ثم أخرجه وهو يدرك أنها لن تبقى وسيفقدها مرة أخرى فهو لا يستحقها
                الفصل الخامس من هنا
تعليقات



<>