رواية غرام في العالم السفلي الفصل الخامس5بقلم داليا السيد


رواية غرام في العالم السفلي الفصل الخامس5بقلم داليا السيد

لأنها تحبك 
ما أن استعاد نفسه وتحرك من مكانه حتى دخل صفوان وهو يقول "ألا تجيد شيء معها سوى إغضابها؟"
التفت للنافذة مرة أخرى وصفوان يتحرك للأريكة ليجلس وهارون يجيب بهدوء غريب وكأنه لا يتحطم من الداخل 
"إلى ماذا انتهى التحقيق؟"
تأمله صفوان وقد توقع عدم رغبته بالحديث عنها وعيونه انغلقت على ما بداخله واعتاد على احترام رغبته فقال "لم يصلوا لشيء من العاملين بالفندق، الجميع أجمع على عدم رؤية فريد، ووجود سيارته بمكان منعزل بلا وجود لصاحبها أثار الشكوك"
هز رأسه وقال "والعطار؟"
أجاب صفوان "العطار بعد الترحيب الذي ناله منك بالصباح جعله لا يعرف ماذا يفعل؟ يصدق أنك قتلت أخيه أم اختفى بظروف غامضة؟"
قال بنفس الهدوء رغم الإجهاد الواضح على ملامحه وقال "سنقف متفرجين حتى يتم دعوتنا للحفل"
وافقه صفوان "كما تشاء، أنت الريس"
وصمت قليلا ثم أكمل "أنت تدفعها لكرهك؟"
عاد لمقعده خلف المكتب وهو يقول "أنا أضعها أمام الواقع صفوان، الكل يعلم من أنا وعليها هي الأخرى أن تعرف، أمنحها الاختيار"
صمت صفوان وكلماته تقف على لسان زعيمه الذي لا يعجبه حاله فمنحه نظرات رمادية تعني قلق يدركه هارون تماما فقال "لا تصمت"
أبعد وجهه وقال "لن تعجبك كلماتي هارون"
نفخ وأسند رأسه المتعب على أصابعه وقال "فقط ألقيها بوجهي كعادتك"
صفوان أكثر شخص يعلم كل شيء عن قصته بل ويعرف أكثر من الجميع، قال "هي ليست ملاك أيضا هارون، أم راقصة بشارع الهرم ومتعارف كيف تعيش حياتها، والدها بالسجن لتهم تغطيه كله وهي نفسها كانت.."
قاطعه بعصبية "كانت صفوان، وليست مسؤولة عن أهلها وتصرفاتهم، لنقف هنا لأني أتحدث عنها وعما أصبحت عليه"
الغضب لمس صفوان هو الآخر واعتراضه نبع من أجل زعيمه "وأنت سبب كل ما أصبحت هي عليه، هل نسيت أن لولاك لكانت دخلت الأحداث ومنها لملجأ والله وحده أعلم لأين كانت ستنتهي؟ أنت من منحها ما وصلت له هارون وعليها أن تعترف بذلك"
مسح وجهه بيداه الاثنان وهو يوقف هجوم الأفكار المختلطة على عقله بلا ترتيب وهو يكره ذلك، لن يفلت منه الزمام أبدا فنهض والراحة هو كل ما يرغب به ليستعيد كامل سيطرته وتركيزه
تحرك وقال "أنا لا يهمني ما تقوله كله فما فعلته قد فعلته وقتها للسبب الذي نعرفه نحن الاثنان"
نهض صفوان وواجه رئيسه والتقت نظراتهم وكأن صفوان يعيده للحقيقة التي يفر منها "والسبب انتهى بمجرد شفائها وعودتها للحياة هارون، أنت أردت أن تكمل لسبب آخر داخلك وأيضا أنا وأنت نعرفه جيدا فلا داعي لأن تعذب نفسك أكثر من ذلك"
حدق به وهو يخترق دواخله ويضع إصبعه على الحقيقة التي لا يعرفها سواه والآن صفوان يدركها
"أنا لا أفعل، لقد أخبرتها أن بمجرد انتهاء أزمة فريد يمكنها الاختيار"
لم يعترض صفوان على ما قاله رئيسه وصديقه ولكنه قال "ولكنك منحتها الأمر وكأنك لا تريدها، أنا أعرفك جيدا، توقف عن تعذيب نفسك فأنت لا تستحق ذلك"
لم يكن يرغب بالجدال، صفوان يحبه جدا ودائما يضع دينه له نصب عينيه ومهما قال سيظل منحاز له لذا ربت على ذراعه وقال "أنا محظوظ لأن لي صديق مثلك صفوان، طابت ليلتك"
وتركه وذهب وصفوان ينفخ بقوة غاضبا من صديقه الذي يعذب نفسه بيده وبلا رحمة
**** 
عادت أحلام لعملها بالشركة حيث لا يعلم أحد علاقتها بليال، هي مجرد سكرتيرة بمكتب يضم أربعة سواها وتقريبا لا أحد يهتم بأمرها رغم أنها تجيد ما تفعله جيدا، المرتب الكبير يجعلها تحصل على ملابس مناسبة ولكنها تحب الاحتشام وهو سمة قد لا تعجب الكثيرين بالوقت الحالي
لم تهتم بأي شاب مر بها لأن قلبها تعلق بصفوان.. هل هذا هو الطبيعي لأي فتاة تنشأ بين رجال أن تسقط بغرام واحد منهم؟ 
لكن.. صفوان ليس أي واحد
المنفذ.. العملاق
الكل يهابه، الدماء تلوث يداه.. القسوة سمته الأولى والأخيرة ومع ذلك تحبه
هاجر، واحدة ممن تعمل معها قالت "أحلام، ستتولين توصيل الملفات الهامة لمكتب رشدي بيك بدلا من هناء فهي نالت اجازة زواج بدأت اليوم"
رفعت عيونها الضيقة لهاجر وقالت بفزع "ولماذا أنا؟"
مع رجل سمعته ليست جيدة مع الفتيات جعلتها تبتعد على قدر استطاعتها عنه لذا الفزع كان الرد 
نهضت هاجر ووضعت ملفات أمامها ورمقتها بنظرة غير محببة كعادتها وقالت "لأنه طلبك بالاسم يا حلوة، لا تدعي البراءة بعد اليوم فما من مصدق ستحظين به"
وابتعدت وفتحت هي فمها بلا تصديق أن رشدي زيتون يطلبها، لماذا؟ متى عرفها؟ ظلت مختفية بذلك المكتب طوال السنوات الماضية فما الجديد؟
صوت هاجر الأقدم بالطبع أفزعها جعلها تفز وتجذب الأوراق وتتحرك بتعثر لمكتب رشدي، المدير المباشر للشركة 
زينب، سكرتيرته الخاصة كانت مثال الجمال والأناقة، تعمل بآلية واحتراف يحسدها عليها الجميع ولكن لا يحسدونها على علاقتها برشدي..
منحتها نظرة من أسفلها لأعلاها وقالت بتعالي واضح "أنت إذن أحلام؟ من أي خرابة أتى بك؟"
انسحبت الدماء من وجهها وركضت من شرايينها وتهاوت شجاعتها الواهية أمام الإهانة ولم ترد فعادت زينب تقول "ادخلي، بالتأكيد سيندم"
تحركت للداخل ورأته كما كانت تراه بالذهاب والإياب، بأواخر الثلاثينات، أنيق، معتد بنفسه لدرجة الغرور، أعزب ومضرب عن الزواج
جامد الملامح..
أغلقت الباب بصوت مرتفع فانتبه ورفع رأسه لها واخترقها ضي الرمادي من بؤبؤ عينيه ليذكرها بالعملاق 
تحركت الرمادية على كل كيانها الصغير أمامه حتى تراجع بالمقعد والتوى فمه بابتسامة متلاعبة وهو يقول 
"كيف لم أراك من قبل؟"
ظلت جامدة بمكانها، تقبض على الأوراق وكأنها ملاذها الأخير، لم تثبت عيونها عليه بل جالت بالمكتب الواسع والفخم ولكن ليس كمكتب الريس، رأته مرة وانبهرت به
نادها "أحلام أليس كذلك؟"
هزت رأسها ولم يدرك أن جسدها كله كان يهتز معها 
نهض وبدا بقوام رائع، شعره القاتم قصير جدا وممشط باهتمام، توقف أمامها فرفعت وجهها له وهو يواجها "هل تجيدين شيء غير تدوين البيانات على السيستم؟"
نفت برأسها وبللت فمها لتجيب "لا سيدي، فقط الحسابات"
خصلاتها كانت تتحرك مع كل هزة لرأسها مما كان يعجبه فتلذذ بالأمر وقال "تجيدين تصفيف شعرك، هل أنت من يفعل؟"
هل أتى بها هنا ليتحدث عن تصفيف الشعر؟ مجنون..
"ماذا!؟ أقصد نعم"
حدق بها بشكل غريب ونظراته ثابتة على عيونها العسلية والتي منذ رآها وهو رغب بتذوق طعم العسلية "تعالي وأخبريني بما لديك ومن الغد سيكون لك مكتب بجوار زينب وتتولين ما سأكلفك به"
لم ترد بل التصقت الأرض بها توقفها عن هذا المصير المجهول، ماذا لو عرف صفوان أنها ستنال ترقية؟ هل سينتبه لها؟
عندما لم تتحرك أو ترد رفع وجهه النابض بالحيوية لها وقال "ماذا بك؟"
انعقد لسانها وفقدت الكلمات، فرغت منها التعبيرات من الخوف، الحيرة.. المفاجأة
ظلت نظراته حادة، موجهه إليها وهي تحتضن الملفات ببراءة غريبة.. 
لماذا عيونه جريئة هكذا؟ تبث داخلها شعور.. 
ماذا!؟ هي لا تعرف ما هو شعورها؟
تقدم منها خطوة جعلتها ترتد واحدة للخلف فابتسم من الهلع المرتسم بعيونها
بالطبع أليس هو العابث الأزلي؟ 
"أنت خائفة أحلام.. أحب رائحة الخوف تمنحني شعور بالرضا خاصة لو من فتاة جميلة وصغيرة مثلك"
رفع يده ليلمس خصلة متمردة متأرجحة على جبينها لكنها تراجعت مرة أخرى فالتوت شفته بابتسامة لم تكتمل وعيونه تتماوج بين الأسود والرمادي القاتم..
جميلة.. مختلفة عن عيون صفوان الرمادية أو المغطاة بلون الغيم بشتاء قارص وسط ريح صاخبة تحمل جرأة الهد والدمار
ظل واجما بعد أن رحلت ابتسامته المائجة وهو يرى الفزع مرتسما على ملامحها أكثر فاستعاد مزاجه الجاد وحبس شيطانه العابث 
"ألا ترغبين بالعمل معي؟"
كانت رأسها تهتز وحدها بالنفي تمنحه لغة الجسد النافر وهو ما منحه شعور غريب لم يفهمه..
الشاب العابث.. ابن علي زيتون رجل اكتسح كل شيء بجبروت لم يضاهيه أحد سوى الكبير الذي لا يتجاوزه أحد
وأخيرا قالت "لماذا أنا؟"
صوت بريء مثل عيونها.. تلك العيون التي رأى بهما لون حبات القهوة قبل نضجها، أثناء مروره بمكتب السكرتارية ومن وقتها وهو أرادها لتنضم لطابور حريمه.. 
نوع جديد، مختلف.. ملابس غريبة.. ليس بها أي إغواء لرجل كان يتعثر بالنساء اللاتي يرغبن بنظرة منه 
جمدت ملامحه بلا أي تعبير حتى قال "لأنك مختلفة وأنا أحب التغيير"
تحرك مبتعدا غير راغبا بالنظر لها وتبدلت نبرته للجدية وهو يجلس خلف مكتبه ويقول "عودي لوعيك وامنحيني تلك الملفات، لا وقت لهذا الهراء"
تبدله للجدية جعلتها تستعيد نفسها هي الأخرى وتحركت له ووضعت الملفات أمامه فلم ينظر لها وهو يقول "ما زال قراري قائما، سيكون مكانك بجوار زينب"
الآن يتغير القدر معها.. يضعها على السطح .. بفوهة المدفع وعندما ينطلق البارود سيسقطها حيث لا تدري..
***** 
الهاتف جعله يفتح عيونه بعد نوم غير مريح ليعتدل بالفراش ويجذبه ليرى الاسم الذي جعله يستعيد وعيه بالكامل ويجيب "اتصال غريب يا باشا"
الصوت الثقيل جائه عبر الهاتف "لماذا؟ ظننت أنك توقعته"
أبعد شعره المبعثر من أثر النوم وقال "ربما ولكنه تأخر عما توقعت"
صمت أتاه جعله يفكر بسرعة لكن الرجل لم يمنحه الوقت لذلك "لم أظن أن توقع نفسك بأمور تجرك لما لسنا بحاجة له"
ضاقت عيونه وهو يستوعب كلماته ويستنتج ما يلمح له فهو يعلم أن هناك من يعرف كل أخباره ويرسلها للباشا، الكبير، وهو لم يهتم لأن ليس لديه ما يخفيه أو يخافه
قال "هل كان علي تركه؟"
لمحة ساخرة أجابته "كرجل يحمي امرأة منذ كانت طفلة فلا، لم تكن ستفعل لكن كزعيم مثلك كان عليه التفكير قبل التورط"
نهض من الفراش وتحرك بالغرفة بلا هدى "تعلم أني لم أترك شيء خلفي"
"أعلم فقط لا تتركها تجرك لم لا تحمد عقباه، هل أخبرك أحدهم أن والدها سيخرج قريبا، إفراج لحسن السير"
رفع وجهه وهو يستوعب ما قاله الرجل، خروج والدها يعني الكثير لذا قال "لا أظن أن رجل مثل شريف السمنودي حسن السير يا باشا، من وراء خروجه؟"
صمت عاد له من جديد وهو ما يثير جنونه فهتف "يا باشا ذلك الرجل كان من أخطر المجرمين التابعين للمنظمات الكبرى، ابنته لم تعرفه جيدا ولو ظهر بحياتها الآن سيدمرها، لا يمكن أن يخرج"
أتاه الصوت "لا يمكنه العبور إليها وأنت تسد طريقه هارون، أم تخشى أن يكسب اليانصيب ويستحوذ عليها"
صمت وضغط بقوة على الهاتف ولم يمنحه الرجل فرصة لتفجير غضبه بل أكمل "لا أحد يحصل على شيء تحت حماية الديب وهو لن يرغب بتدمير ابنته، سبق وأبعدها عن ساحته"
أغمض عيونه وهو يفرك جبينه بأصابعه ليجيد التفكير قبل أن يقول "المطلوب!؟"
جاء الرد "تصرف بحكمة مع العطار ولا تلوث يدك بدمائه والسمنودي سيصبح على أرض المعركة قريبا فاستعد أيضا، هل ترغب بيد مساعدة؟"
فتح عيونه، هو لم يرغب بمساعدة أحد بأي يوم ولن يفعل أبدا لذا قال بثبات وغرور الذئب "تعلم الرد"
صمت عاد لوهلة ثم نطق الكبير "كما تعلم أنك الوحيد الذي يخرج من الزمام ومع ذلك ما زلت تتمتع بالحياة"
نفخ وقال بثقة مختلفة عن الغرور "لأنك تعلم أني أجيد ما أفعله"
ضحكة رزينة أتته ثم صوت "صحيح، فقط لا تجعل الملائكة تنسيك أن هناك شياطين حولك"
وانغلق الخط فظل واقفا مكانه يستوعب كلمات الرجل وهو دائما ما كان يمنحه تحذيرات كما يفعل الآن فهل هناك شيء يعرفه ولم يخبره به؟ هل حياتها بخطر؟ 
ولم يفكر بعدو له ينزوي بالخفاء حتى يحين الوقت لينقض عليه..
هي.. فقط هي من تملكت كل أفكاره.. 
والدها سيخرج ولابد أن تعرف، ربما ترغب برؤيته والعودة له ووقتها لن يمكنه منعها، هو بالأساس لا يعرف..
ضوضاء بالخارج قطعت أفكاره فتحرك وجذب تي شيرت، ارتداه وخرج يتبع الصوت حتى وصل للمطبخ 
هناك رأى مي تقف أمام ليال وأنس يتابع وهندية واقفة بلا حول ولا قوة ومي تهتف بليال "من تظنين نفسك كي تتحدثين مع ماما بتلك الطريقة؟ أنت هنا ضيفة، نكرة، لا شيء، أنت لا حق لك بأي شيء هنا هل تسمعين؟"
مي بدأت الحرب وجنون الغيرة هو من يحمل الراية ..
تراجعت ليال من هجوم مي الغير طبيعي وهي بالأساس لم تفعل ما يستدعي هذا الغضب، فقط..
صوته أوقف أفكارها وهو يقول "مي؟ صوتك لا يرتفع ببيتي"
تجهم وجه مي وابتلعت كل ما رغبت بإلقائه بوجه منافستها بينما التفتت هندية له والفزع بعيونها لرؤية الغضب النابض بعروق عنقه وقبضته المضمومة بشدة جواره
ليال لم تنظر حتى له وهو يكمل لهم ليغلق الدائرة ومي تقول بنفس الغضب "إذن أوقفها عن إهانة أمي"
لم يبعد نظراته عن مي وهو يقول بحدة واضحة توقف جنونها "لا تخبريني ماذا أفعل"
تدخلت هندية برجاء "اهدأ يا ريس، لم يحدث شيء"
التفت لها وطالب بتفسير "إذن لماذا صوتها يعلو هنا وعلى ليال؟"
هتفت مي "لهذا أنت غاضب، من أجلها"
هتف بقوة "كفى، هل نسيت مع من تتحدثين؟"
شحب وجهها وهي تتراجع وكلماته تعيدها لجحرها المناسب لفأرة نشأت تحت صدقاته فقالت بارتباك "هارون أنا.."
هتف بقوة "عند تصرفاتك هذه فأنا الريس مي ولو كنت قد تعاملت معك بطريقة مختلفة فهذا من أجل والدتك ولكن لا يمنحك الحق بالتطاول على من يخصني أو بالتجاوز معي ورفع صوتك ببيتي"
زاد شحوب وجهها ورمشت عيونها بدموع وليال جامدة مكانها بلا كلمة واحدة فمي تجاوزت معها بلا سبب..
باك
استيقظت مبكرة فهي لم تنال نوم هادئ بسبب ما كان بينهم، الأفكار تنازعتها من أنه لا يرغب بوجودها بحياته وعليها البحث عن حياة جديدة بعيدا عنه وسرعان ما أخذها عقلها للتساؤلات عن ماذا ستفعل الآن وقلبها يهواه؟
هل سترحل؟ بل هل سيتركها ترحل؟
كيف تعلقت به وقد كان تعلقها بشبح وبمجرد تحول الشبح لرجل حقيقي أصبحت عالقة معه؟ هو الحب من أول نظرة بصرف النظر عما إذا كان هو منقذها أم لا أو أنها كانت صغيرة أم كبيرة 
اغتسلت وخرجت للمطبخ والتقت بهندية التي ابتسمت لها وقالت "مبكرة اليوم؟"
تحركت لصنع الشاي وقالت "نعم فقد حظيت بليلة غير مريحة، هل أصنع لك شاي معي؟"
وضعت لها الأطباق وقالت "لا، هناك جبن وزبد وكعك من صنعي"
ابتسمت لها وقالت "شكرا، هل لك الكثير هنا؟"
سكبت الشاي واللبن وجلست تتناول الكعك وهندية تعد باقي الكعك "نعم، سنوات لا أعرف عددها، هارون أحضرني عندما أقام هذا البيت ولم يكن هكذا بالبداية، زوجي عمل معه أيضا، كان يعمل بالأمن بأحد الفنادق التي اشتراها ببداية طريقه وهو تولى أمورنا بعد موته"
دخل أنس وبدا هادئا هذا الصباح "صباح الخير، باش مهندسة"
ابتسمت له وقالت "أظن أن لا ألقاب بين العائلة الواحدة"
رفع عيونه لها لحظة ثم قال "الريس قد يكون له رأي آخر"
دخلت مي بلا مقدمات وقالت "ماما أنا أرغب بالذهاب و.."
توقفت وهي ترى أنس جالسا وليال أيضا فقالت توجه كلماتها لليال بوضوح "لقد نسيت وجودك هنا، ألم تذهبي؟"
طريقتها بالحديث معها لم تعجبها ومع ذلك قالت "لا، لم أذهب"
تناولت الشاي ومي لم تنسى تصرف هارون معها بسبب تلك الحقيرة وغيرتها لم تهمه وقتها والآن وقت مناسب كي تعيد لها بعض الألم 
 تحركت عيونها لأنس وقالت "وأنت أصبحت التابع الأمين لها؟"
رفعت ليال وجهها باستنكار لكلمات مي وأنس يتناول الكعك بهدوء وهو تجنب مواجهتها منذ تلك الليلة وهندية كانت تسكب له الشاي فتوقفت ناظرة لابنتها بينما لم ينظر لها أنس وهو يقول 
"أنا لست تابع لأحد مي، هذا عملي، أنا أعمل لدى الريس، كلنا نعمل لديه أليس كذلك؟"
هتفت بغضب "بل لديها، هي الآن من تمنحنا الأوامر، تلك الحقيرة تنال اهتمام الجميع الآن"
رفعت ليال عيونها تجاه مي وكل الإهانة تستدرجها لحرب لا ترغب بها
نهضت راغبة بإنهاء المهزلة التي تحدث ويبدو أنها سببها ..
"شكرا هندية على الكعك سأحب تناوله كل يوم"
وكادت تذهب لكن ليس بتلك السهولة.. 
هتفت مي بطريقة تحمل كره واضح وربما خطتها بالإيقاع بمنافستها "أمي لا تعمل عندك هل تسمعيني؟"
التفتت لها وأنس يحاول احتواء الأمر وهو يقول "مي توقفي"
لكن مي نظرت له وقالت "لا شأن لك أنس"
هندية تدخلت بدورها "يا ابنتي الفتاة لم تقل شيء"
مي لم تكن تسمع أحد بل كانت ترغب بتنفيذ ما وضعته برأسها
التخلص من ليال فأطلقت كلماتها التي وصل هارون عندها
الآن.. 
سقطت دموع مي من حدة هارون ووضعها بمكانها أمام تلك الفتاة فانحسر سيف الغيرة بغمده والانسحاب وقت الهزيمة ذكاء..
نطقت بصوت ضعيف "أنا، أنا آسفة يا ريس ولكن هي تجاوزت مع والدتي"
نظرات هارون المتسائلة تحركت لأنس التي تلقاها بقلب متألم وأخفض وجهه "لم يحدث شيء يا ريس"
التمعت عيونه له بغضب وقال "كان لابد ألا يحدث شيء بوجودك أنس"
تجهم وجه أنس أكثر وهو يعلم صحة ما قال لكن ضعفه المقيت أمام مي يهزمه 
التفت هارون نحو هندية وقال "أي تجاوز الذي وقع لك هندية؟"
ارتبكت المرأة وهي تنظر لابنتها الباكية والتي أخفضت وجهها فعادت له وقالت "لم يحدث أي تجاوز يا ريس، ليال طلبت الكعك كل صباح ومي ظنت أنها تأمرني"
التفت بعيونه الغاضبة لها أخيرا ووجه سؤاله، التحقيق يشمل الكل وهي منهم "هذا ما حدث؟"
واجهته بلا رغبة بذلك، بل أرادت الابتعاد، لم تحب غضبه ولا قسوته، لم تحب أي شيء مما يحدث لكن مي من أرادت ذلك
فلتنال نتيجة أفعالها إذن..
ناداها بنبرة قاسية "ليال!؟"
ارتجفت من صوته العميق وأجابت بهدوء غريب لم تفهم كيف لازمها ولم يفر منها "هو سوء تفاهم ولا يستحق كل هذا الغضب يا ريس"
ظلت عيونه ثابتة عليها وهو يكمل "وماذا كانت تعني بكلماتها؟"
رفعت رأسها بقوة وقالت "لتسألها هي"
هتفت مي بجنون "أنت تعاملين أمي كخادمة، من تظنين نفسك؟"
التفتت لها بنفس الهدوء وقالت "ضيفة، أنا مجرد ضيفة كما قلت فلا داعي لكل هذا الغضب الذي لا سبب له أو له سبب لا أعرفه!؟"
اشتعل وجه مي بلون أحمر قاتم دليل على فقدان السيطرة من صغيرة تجادلها بحكمة غريبة وهي ثائرة كنهر فاض على الجانبين بلا سيطرة 
"واي سبب يمكن أن يكون؟ تمنحين نفسك أهمية أكثر مما تستحقين"
اقتنصت الرد قبل أن يفعل هو "حقا!؟ سأتراجع إذن وأترك لك الساحة"
وتحركت خارجة بينما رفعت مي وجهها تتبع ظل ليال الذي تبعها وهي غاضبة أكثر وتشعر أن ليال هزمتها بذكاء وهي لن تقبل بذلك لكن هارون يردعها بتصرفاته مع صغيرته
لم يوقفها بل التفت لمي التي فتحت فمها لتجبر ليال على العودة وقال بقوة "كفى"
التفتت هندية له والفزع تملكها على ابنتها وقالت "هارون من فضلك سامحها هي لم تقصد شيء"
هتفت مي بغضب ووالدتها تتخلى أيضا عنها، ألا يشعر أحد بها؟ 
"ماما هي.."
هتفت هندية بها بغضب "اسكتي ولا كلمة أخرى"
هو الرجل الذي منحهم المأوى والطعام والملبس.. هو طوق النجاة لهم من موج الدنيا الغادر وبه ما زالوا على السطح ولو تخلى عنهم غرقوا بلا أدنى فرصة بالنجاة لذا عليها أن توقف ابنتها لأن هارون لن يقبل المساس بامرأته
كانت عيونه الغاضبة تأكل مي وتلمع بغضب واضح للجميع ونبرة التحذير غلفت كلماته "لن أسمح لك بالتطاول عليها مرة أخرى مي، أنا أمنح فرصة واحدة هل تسمعيني؟"
لم تتراجع وهي تقول بجرأة فاجأت الجميع إلا هو "لماذا هي؟"
ما يخصه ليس من شأن أحد لذا قال "أمر لا يخصك، كل ما عليك احترام ما يخصني وهي تخصني"
والتفت ليذهب ولكنها فقدت عقلها من الغيرة وهتفت "عشيقتك"
لم يفكر وهو يلتفت ويصفعها بقوة جعلتها تترنح والألم يتصاعد بقوة لوجنتها وينخز بشرتها الرقيقة وجسدها لم يتحمل قوته بل كاد يتهاوى لولا هندية التي تلقتها بين ذراعيها وهي تشهق بفزع 
الديب يكشر عن أنيابه.. يفرك التراب بساقه وهو يقف متحفزا أمام فريسته
يحذر.. يمنح الفريسة فرصة للفرار
فرصة واحدة وبعدها.. موت محقق
ومي استنفذت فرصتها بوقتها، جذبت فتيل الاشتعال فانفجر بوجهها
صفعها.. رمقها بنيران كادت تحرقها بمكانها.. هل تجرؤ على سب امرأته أمامه؟ 
"والآن لا أريد رؤيتك داخل بيتي ولا بأي مكان حولي والخطأ القادم برحيلك نهائيا من هنا مع توقيع صفوان" 
وتحرك خارجا ومي تنهار بالبكاء بين ذراعي هندية وأنس يتبعه بنظراته وتركه ليلحق بصغيرته وهو يضم قبضتيه بجواره لتلك الصفعة التي تألم قلبه لها ولكن مي تستحق فالخوض بالأعراض ليس من المسموح به خاصة عندما يمس الريس وامرأته
نفخ بقوة وقال محاولا كظم غضبه "من الواضح أنك فقدت عقلك مي"
شهقت مي بين أحضان أمها وهي تقول "لأني أخبره الحقيقة التي تخافون رميها بوجهه"
هتف أنس "كفى، الحقيقة أنها امرأته منذ الأذل ولا شيء سيبدل ذلك، أنت تعبثين مع هارون الديب وانقضاض الديب لا نجاة منه"
ابتعدت عن والدتها وأصابع هارون تترك بصمة واضحة على وجنتها وقد ازداد احمرار وجهها بشدة والدموع استقرت بعيونها وعلى وجنتها المتألمة  
"لن يمكنه إبعادي، هو لي"
هتفت هندية "كفى مي، هارون لم يكن لأي امرأة بأي يوم، لا أنت ولا سواك ولن يكون، هو لا يرى إلا هي ولن يرى سواها"
ابتعدت وما زالت تنتحب وهي لا تريد تصديق ما تسمع بل رفعت يداها على أذنيها ورددت "لا، تلك المجرمة لم ولن تكون له هل تسمعون؟ لن تكون، أنا وأنا فقط من أحبته وهو سيحبني"
تراجع أنس من تصريحها المفاجئ والتفتت له هندية ووجهه يتجهم ولكنه تماسك "هذا هو الحلم الذي ترغبين بأن تعيشي به مي، هنيئا لك بالجحيم"
وتركها وتحرك خارجا من باب المطبخ غير قادر على استيعاب جنونها ولا كتم الغيرة داخله أكثر من ذلك
سقطت هي على المقعد ودفنت وجهها بين كفيها ببكاء وبالفعل هي تتهاوى بالجحيم دون فائدة من محاولات النجاة الضائعة
لفتها هندية بذراعيها وهي تقول بألم "متى ستستوعبين كلماتنا يا ابنتي؟ لابد أن تصدقي أنه لا يحبك"
لم ترفع وجهها وهي تقول "لكني أحبه يا أمي، أحبه ولا أرى سواه، منذ سنوات وهو حلم حياتي فكيف أتنازل عما عشت أيامي كلها أنتظره؟ كيف؟"
ربتت عليها الأم وقالت "عندما تذكرين نفسك أنك كنت أمامه طوال تلك السنوات ولم يفكر يوما بك ستدركين كيف توقفين قلبك، هو لم يحبك مي ولم يخدعك، كان يعاملك كأخت"
هتفت بجنون "لكني لست أخته، لست أخته، أنا أحبه، ربما لو أخبرته بحبي يحبني"
تألمت الأم لابنتها أكثر لأنها لا تملك لها شيء فقط قالت "القلوب لا تدار على هوانا يا ابنتي، لا تتبدل بكلمة حتى ولو كانت كلمة الحب"
هي تعلم صحة ما تقوله أمها ومع ذلك لا ترغب إلا بما بقلبها
قلب هارون..
هي منحته قلبها بسهولة والصعوبة الحقيقة هي باستردادها له
وبدا وكأنه المستحيل..



دقات على باب غرفتها جعلتها تجفل، كانت شاردة بما حدث، عادت الدقات فنهضت وتحركت لتفتح فرأته أمامها وهو يرفع وجهه لها "هل نتحدث؟"
هزت رأسها فلن يتركها، هي تعلم أن كل أمورهم ما زالت عالقة وغطى عليها تلك المرأة
تحرك لمكتبه وهي تبعته بصمت وهو يقف أمام النافذة فقالت "أردت التحدث معي؟"
التفت لها وما زال غاضبا مما حدث وعليها نصيب مما وقع لذا قال "لماذا سمحت لها بالتجاوز معك؟"
تحركت لتقف أمامه وقالت بجرأة غريبة وتحدي واضح بعيونها "لأنها تحبك"
تراجع من كلماتها وقد تفاجأ بها، هو يتعامل مع مي على أساس أنها ابنة هندية، ربما اعتبرها كأخت وطبيبة لرجاله، لكن ليس أكثر من ذلك
الحب لم يرد على ذهن أو لسان أحد هنا، بعالمه لم يكن هناك أي مجال للحب
من تعبيرات وجهه أدركت مفاجأته، أكملت "لا تخبرني أنك لا تعرف ذلك!"
ضاقت عيونه عليها وردد بلا تفكير أو تردد "أعرف ماذا ليال؟ مي لا تتعدى كونها ابنة هندية، نشأت وكبرت هنا لتصبح طبيبة للجميع لا أكثر ولا أقل"
ابتعدت من أمامه وقالت "إذن أنت لا تجيد فهم المرأة جيدا"
طوت ذراعيها أمامها وبدت صغيرة جدا لكن هنا كبرت كثيرا، بيومين تبدلت حياتها بشكل لا تفهمه
أخفض وجهه دافنا نظراته بأرضية مكتبه وكأنه يبحث بشريط حياته ويستعيد مواقف كثيرة له مع مي ويبدو أن تلك الصغيرة قرأت ما بين السطور ورأت ما لم يراه
رفع وجهه لظهرها النحيف الذي يواجه وقال "وأنت فهمت من مرتين؟"
قالت بهدوء "أنا امرأة مثلها، فقط انظر لنظرتها لك وستدرك ذلك من أول مرة" والتفتت له والغيظ ينهشها وأكملت "وربما أنت تبادلها المشاعر دون أن تشعر"
للحظة تجهم وجهه من كلماتها، المشاعر كلمة لم تقف بطريقه يوما، لم يعرفها وقت كان يصارع بالشارع للبقاء لم يفكر بها وهو يقتل ليدافع عن نفسه أو من يهمه أمره
المشاعر وهم وهو لا يعرف سوى الواقع.. هو حتى يدفن مشاعره تجاها حتى لا تدمره بابتعادها
للحظة كاد يندفع بالرد لكن شيء ما أوقفه وبدل كل أفكاره الناقصة
ملامحها الغاضبة..
كرجل، كزعيم، الآن تم وضعه على درب النساء وصراعهم، كان عليه أن يتأنى، يجيد التصرف والتفكير 
استعاد هدوئه وتمادى معها وهو يتحرك ليقف أمامها ليجذب ما يسكن داخل الصغيرة التي قلبت موازين حياته بيومين "وماذا يعني هذا؟"
زاد غضبها أكثر بل الغيرة من مجرد الفكرة التي تسلقت لعقلها وهرست قلبها، مرة أخرى لم تتخيل امرأة أخرى بحياته
مجنونة!؟ ربما، صغيرة بلا عقل!؟ قد تكون حقا 
لكنها متأكدة من أنها تحبه ولا تقبل امرأة سواها بحياته لكن ليس لها الحق بفرض ذلك على أرض الواقع.. 
ليس من حقها أن تحقد على مي ولا أن توقفه لو كان يرغب بها
ظلت تحرك نظراتها على وجهه حتى أخفضت رموشها على تعبيرات الألم داخلها وقالت "أنت تفهم ما أعني، هي طبيبة وتعيش معك منذ سنوات، لا حدود بينكم في التعامل"
ابتسم وقال "معك حق، ألا تجدين أنها تناسبني؟ ربما أفكر جديا بالأمر"
جزت على أسنانها من الغيظ وهي ترفع رموشها عن عيونها الغاضبة مما جعل قلبه يدق بعنف لم يعتاد عليه 
ابتسم عندما نفضت ذراعيها بحركة طفولية أمامه وتمتع بالسواد المحلى بالغضب أمامه وهي تهتف به 
"افعل ما شئت فقط أعدني بيتي، لا أرغب بالبقاء هنا، أنا أكرهك وأكره كل ذلك"
لم تمر كلمة الكره على مسامعه فهو يدرك أنها غاضبة..
التفتت لتخفي لمعان دموعها بعيونها وتذهب من أمامه لكنه أوقفها بيداه التي أمسكت ذراعيها وواجه دموعها التي ملأت عيونها ورفض صوتها الخروج بطلب الذهاب لأن ببساطة قلبها لا يرغب بالرحيل بل بالبقاء هنا 
معه..
لم يتركها وقال بهدوء "توقفي عن النطق بكلمات ليست حقيقية ليال فهي تؤلم أكثر"
أغمضت عيونها وهو على حق وقد اخترق داخلها وعرف، عرف من دموعها، ضعفها، كلماتها أنها لا تكرهه وترغب بالبقاء بجواره للأبد
ذكاء الذئب..
لم توقف دموعها وقالت "اعتدت الألم وأعرف كيف أتعامل معه جيدا لكن هي قد لا تجيد وتريدك معها"
اقترب منها ولم يهتم بكلماتها وقال بنبرة مختلفة أصبحت تعرفها وهو يخرجها معها هي بلحظة تلمع عيونه لها ببريق مختلف "كان خطأ، وجودك وحدك كان خطأ ولن يتكرر، لن أتركك صغيرتي بعد اليوم لتتألمي وحدك بل لن أسمح للألم بأن يمسك، سأمزقه قبل أن يقترب منك"
هو يزيدها غضبا الآن بكلماته هذه فهتفت "توقف عن ذلك، أنا لست صغيرتك ولم أعد صغيرة، يمكنني التعامل وحدي ألا تدرك كم عمري؟"
ابتسم دون اهتمام بإيقاف غضبها وقال "اثنان وعشرون عاما وشهر وعشرة أيام"
ضربها ما قال وهي تستوعبه وفغر فمها من المفاجأة وهو أكمل "أنا أحفظ كل شيء يخصك، أنت كلك تخصيني ليال، ألا تدركين ذلك"
آه من قلبي، لم يؤلمني هكذا؟ أين رئتي؟ لماذا توقفا عن عملهما وأنفاسي باتت تائهة لا تعلم أين تذهب لتمنحني الاكسجين؟
لسانها كان أسرع منها بالاستيعاب فدفع الكلمة من بين شفتيها "حقا؟"
مرة أخرى تسقط عيونه على فمها الرقيق والذي ينبض بالحيوية ثم عاد لعيونها وقال "هل لديك شك؟"
هزت رأسها دون أن تعي أي حركة فعلت؟
هل إيجاب؟ تصديق على ما قال؟ أم رفض!؟ 
هي فقط تحاول أن تفهمه وتفهم ماذا تعني كلمة تخصه، وهو ما قالته "أنا لا أعرف ماذا أعني لك!؟"
ترك ذراعها ليلمس وجنتها وهو يقول "الكثير، أنت تعنين لي الكثير"
وابتعد من أمامها فجأة فأغلقت عيونها والدموع تسيل ببطء على وجنتيها وهو يوقف كل شيء بتلك الكلمات، يمنحها الأمل بلحظة ويجذبه منها باللحظة التالية
التفتت لتسأل عندما قطعها هو "والدك سيخرج من السجن بعد أيام قليلة"
ضربة توقظها من الحلم..
ارتج جسدها من المفاجأة، مس كهربي سرى بجسدها وصعقها وتركها تحترق وانقبض قلبها بقوة من هول ما قال، والدها يعني الماضي، الظلام، الخوف، الجوع والألم
والدها يعني أن هارون قد يختفي مرة أخرى وتعود للظلام بعد النوم
هتف قلبها بقوة، لااا.. 
لن يكون..
التفت لها ورأى الخوف بعيونها الشاردة فتألم لمظهرها فعاد لها وقال "أنا ما زلت موجود ليال"
رفعت عيونها الفزعة له وقد أيقظها من الكابوس ومنحها رد أنه لن يتركها لكن هي بحاجة لإجابات أخرى "كيف سيخرج؟ لديه أحكام بسنوات كثيرة؟"
هز رأسه مصدقا على كلماتها "أعلم ولكن يبدو أن هناك من عرف كيف يجد له ثغرة وأجاد استغلالها"
لم تعرف ماذا تقول أو تفعل وهي تخفض وجهها والأفكار تتدافع داخلها وكأنها دخلت بمتاهة بعد أن كانت على مشارفها
نست مي ونست حيرتها بما تعنيه له وعلقت بذكرى ظنتها ماتت ولن تعود للحياة
تحشرج صوتها "سيلاحقني هارون، لن يتركني، دائما ما كان يقول إنني كنزه الصغير، لا أحد يترك كنز"
عاد لها وأمسكها من ذراعيها ونظراته تلفها باحتواء وتملك وهو يقول محاولا بث الطمأنينة داخلها "طالما أنا هنا فلن يمكنه مس شعرة واحدة منك"
دموعها لم تمنعها من رؤية الجدية بعيونه ومع ذلك قالت "أنت لست ملزم بذلك، بابا رجل خطر هارون وأنا لن أسمح بتعريضك للخطر بسببي"
ابتسم وقال "لست بحاجة للإذن صغيرتي، حمايتك واجب علي"
أغمضت عيونها وهمست تربط ما كان مفتوحا بينهم بما يدور الآن "أنت أردتني خارج حياتك"
هل فعل ذلك؟ صفوان أخبره أنه فعل وهي ترى ذلك لكن هو لا يرغب سوى بتقييدها به لنهاية العمر لكن هناك ما عليهم تجاوزه أولا
دفع بكل ما لديه بوجهها "من أجلك، أنت مهندسة وأنا.."
فتحت عيونها واستوعبت كلماته ولم تمنحه فرصة ليكمل وهي تدفع هي الأخرى بما لديها بوجهه عسى أن توقفه عن افكاره  
"أنا ابنة مجرم، أنت من يخبرني الآن أنه سيخرج من السجن وليس من الجامعة بدرجة دكتوراه"
أغمضت عيونها وتنفست بقدر ما استطاعت ثم فتحت عيونها وأكملت بلا تردد "أنا أشبهك"
تركها وابتعد وهو يرفض أن تكون مثله، هو حارب كثيرا كي لا تصبح مثله وأول من حارب كان نفسه، لم يقبل بأن تنال مصيره ولن تهد هي كل شيء
لكن هي لم تتركه وهي تكمل "الآن أنا أختار الخروج من حياتك هارون"
لم ينظر لها وقد توقع ذلك لكنه لم يتوقع ما فسرت به قرارها وهي تستمر بالحديث "بابا لن يترك أحد يقف بطريقه لي لذا علي الابتعاد عنك"
التفت لها ونظرته تدل على رفض ما قالته، ليس الديب من يخاف من أرنب يختفي بالجحور قبل أن يسرق طعامه بلا شجاعة، هي حقا لا تعرفه.. 
"أنت تهينني ليال، لا شيء ولا أحد يمكن أن يخيفني متى ستعرفينني؟"
طارت يداها بالهواء وهي تهتف برجاء معبر عما داخلها "أجب أنت، أخبرني متي ستجعلني أعرفك كما تعرفني؟"
ظل ساكنا بلا حركة قبل أن يقول "ليال أنا شخص .."
قاطعته بلا تراجع "كفاك حديث لا معنى له عن الإجرام والعالم السفلي لأني كنت جزء به وملطخة بعاره وعار أب سجين سيخرج ليكمل ما بدأه"
أبعد وجهه عنها وهو لن يمنحها كلمات واهية تربت على جرحها بينما أكملت هي بألم خفي بقلبها ورجاء بنبرة صوتها "لماذا لا تدعني أعرفك وحدي؟ لماذا ترغب بمنحي صورة قد تختلف عما سأراه؟"
ملامحه لم تتبدل وهو لا يفهم تصرفاتها ولم يواجها بل قال "لم تمنحيني الوقت لأفعل أي شيء، أنت من تتحدث عن الرحيل ولا شيء سواه"
هو على حق، جف حلقها وعبثت الكلمات بذهنها باحثة عن مخرج وهي تقول "كان لدي أسبابي"
لف وجهه لها وقال "جيد هذا يعني موافقتك الآن على البقاء معي لتعرفين الديب بطريقتك؟"
ارتبكت وأخفضت وجهها وقالت "بابا قد يرفض"
بلحظة كان قد أكل المسافة الفاصلة بينهم وإصبعه يرفع وجهها لمواجهته وهي تتفاجأ وتلتقي بأجمل عيون رأتها من قبل، لم هي جميلة هكذا؟ 
قاتلة.. تسحق أي مقاومة داخلها.. 
لم تمانع وجهه القريب منها ولا اللافندر الذي تسرب لأنفاسها بل استمتعت لصوته الذي يتسلل أسفل جلدها ويستقر بلا نية للخروج "هو لا ينال أدنى اهتمام مني، هو أنت كل من يهمني، ابقي معي ليال"
رجاء مغلف بنبرة آمرة، سطوة الديب تهزمها .. هي أرادت ذلك 
ابقي معي ليال..
هل يمكنها رفض هذا الرجاء حتى ولو كان بشكل أمر وقد تمنته وأرادته؟
ظلت عيونها تغوص داخل البحر الأزرق بعيونه العميقة ولمسته تذيبها وهي تتعثر بكلمات لا معنى لها "أنا.. أنا.. أنت"
ارتفعت راحته وملأت وجنتها والدفء تحرك لكل عروقها وجاء دور الفانيليا لتتسرب له لتختلط باللافندر خاصته وهو يجذب وجهها له أكثر مقاطعا إياها بهمس لا يسمعه سواها "فقط وافقي"
الفانيليا التهمتك أيها الديب، أوقفت حاسة الشم لديك واستحوذت عليها كلها
إبهامه كان يصنع دوائر رقيقة على وجنتها تخدر كل جسدها وعيونه التي ارتاحت نظراتها على عيونها أسرت نظراتها القاتمة والتائهة فأصبحت له وحدة 
والفوز للفانيليا التي تذهب العقل وعقله لم يعد يسكن جمجمته بل سقط لصدره ورقد بجوار قلبه منتظرا واحدة من اثنين..
إما الموت بذهابها أو الحياة ببقائها
وهي حسمت الأمر عندما منحته كلمة خجولة لم تعجب الديب "حسنا"
المسافة انغلقت بينهم ويده تخترق خصلاتها وتستمتع بملمسها الناعم وهو يتحدث أمام أبواب شفتيها "حسنا ماذا؟"
اللعنة عليك رجل ألا ترأف بقلبي الضعيف، خجلي الملتصق بي؟
أنفاسه القوية تأمرها أن تجيب وتخبرها أن لا مفر منه فاستسلمت "سأبقى"
أحنى رأسه أكثر واقترب منها حد الجنون وانتهت المسافات وسحقت ذرات الهواء بينهم فأغمضت عيونها بلا وعي وشعرت بملمس شفتيه الرجولية على شفاها الناعمة ويده الأخرى تتسرب حول خصرها لتقربها منه فارتجف جسدها للمسته لجسد بكر لم يمس من قبل 
رحلت الأصوات إلا من الأنفاس المرتفعة بل صاحبها موسيقى القلوب النافدة خارج صدورهم لكن.. 
دقات على الباب أفزعتها.. 
دقات غير دقات قلبها جعلتها تنتفض بقوة وتحرر وجهها من راحته وجسدها من ذراعه
شتم بصوت منخفض وهو يبتعد مستجمعا نفسه بسرعة وكأن لا شيء حدث وكأنه لم يكن يحترق بنيران الرغبة من قليل والقبلة التي لم تكتمل كانت جزء مما يمكنه الحصول عليه ولكن ضاع
أذن ليرى هندية تفتح وتتقدم قليلا وعيونها تنتقل بينهم وهي تقول "هل لديك وقت لي؟"
دفع خصلاته للخلف بأصابعه الثابتة وهي تماسكت وقالت راغبة الذهاب لتمنحه مساحة "أنا بغرفتي"
أوقفها بحزم "انتظري، تحدثي هندية"
لم تتقدم المرأة وبالطبع تفهمت أهمية فتاته بالنسبة له وهي تقول "مي ترغب بالتحدث معك"
لم يفكر وهو يرد بهدوء قاتل حازم "لا"
نظرت هي له وقالت "هارون!؟"
التفت لها ونظراته تأمرها بالصمت ومع ذلك قالت "لم لا؟"
قال بقوة وتحذير واضح "ولا كلمة" ثم عاد لهندية وأكمل "تعلمين قراراتي هندية"
صوت مي ظهر فجأة من حيث لا يدري أحد "أنا هنا لأعتذر لها ولك"
كانت قد هدأت من بكائها وثورتها مما فعله بها ولم تستمع لكلمات أمها وأقنعتها أن تطالبه بأن يسامحها، لن تتركه لتلك الفتاة، لابد أن تبقى حوله والأم أضعف من أن ترفض رجاء ابنتها الوحيدة والمتألمة ولا تفهم نواياها الخفية
ظلت نظراته قاتمة ولا أحد يفهم مغزاها وهو يقول "الاعتذار أمر مفروغ منه مي لكن لن يبدل شيء"
تجهم وجهها وهي تشعر بقلبها متهدم من قسوة الرجل الذي تحبه وهو لا يمنحها أي رحمة فبدلت نبرتها للرجاء وقالت "هارون أنا.."
قاطعها بنفس النبرة الحازمة ولم تعود عيونه للونها الصافي وهو يقاطعها "الريس.. أنت لا تلتزمين بقراراتي"
تجهم وجهها وتراجعت ليال بصمت أما هندية فقالت "ستلتزم يا ريس، من فضلك لا تقسو عليها هي لم تقصد ما كان"
ظل ينظر لمي التي بادلته النظرة لكن برجاء لم ينتهي حتى قال "أنا لم أفعل من أجلك هندية لكن قراري لن يتبدل"
والتفت لينهي الحديث والمرأتان تخرجان بصمت واضح بينما ظلت هي صامتة حتى التفت لها فوجدها شاردة فتحرك ليقف أمامها وقال "هل أنت بخير؟"
لم تنظر له، رأسها يعج بالكثير من الأفكار المتشابكة ولم تعد تعرف كيف تفككها عن بعضها البعض
ناداها بقلق فقالت دون النظر له "ألا تجد أن ما يحدث يثير القيل والقال عني؟"
لم يرمش له جفن وهو يقول "وهل تظنين أن هناك من يجرؤ على التحدث عنك؟"
رفعت وجهها الجميل، الفانيليا ترتفع معها وتذكره بلحظتهم معا، كان عليه غلق ذلك الباب بقفل لا مفتاح له ليستمتع بمذاق الفانيليا 
قالت بضيق واضح "هارون أنت تعلم .."
قاطعها بكلمات أغلقت كل الأبواب بوجهها "لنتزوج إذن ووقتها سنخرس كل الألسنة"
**** 
حدق صفوان بمي وهي تفر من أمامه للمطبخ والدموع تغرق وجنتيها وهندية تتبعها، لم يتحدث فتحرك للأريكة وجلس وأنس دخل من باب البيت فتحرك له وقال "هل انتهيت؟"
حدق به صفوان وهو يجلس أمامه وقال "نعم، السيارات وصلت وتم تسليمها للمدير، ماذا بها؟ مي"
أبعد أنس وجهه بضيق وقال "الغيرة تأكلها، افتعلت مشاجرة مع ليال ومنها مباشرة للريس الذي منحها صفعة لن تنساها بحياتها"
نفخ صفوان وهو لا يعجبه تصرف مي من الأساس "وهل الريس أدرك أن ما فعلته من الغيرة؟ هو الوحيد تقريبا الذي لا يعرف بحبها له"
تجهم وجه أنس فابتسم صفوان وألقى بما بجعبته "وأنت الوحيد الذي تعيش بانتظار تبدل مشاعرها"
أبعد وجهه وذلك الألم يرتد له، كثيرا ما حاول نسيانها وإخراجها من حياته، امرأة حارة وليلة ساخنة كانت تنعش وقته لكن ما أن يعود حتى تتملك أفكاره وتجعله مهووس بها رغم إدراكه أنها لا تراه..
أبعد وجهه عن صفوان وقال بضيق "لا تبدأ صفوان"
ضحك الرجل ونظر للغرف المغلقة وقال "والآن ماذا؟"
ارتاح أنس لتبديل الحوار بعيدا عنه فهو يدرك الواقع جيدا ولا يغرق نفسه بالأوهام "لديهم معركتهم الخاصة ورغم صغر عمرها إلا أنه يتراجع أمامها"
ظل صفوان مبتسما وقال "ليس عمرها السبب كلنا نعلم سبب تصرفاته تجاها"
هز أنس رأسه موافقا وقال "نعم، ولكن عليه أن يضع حد لذلك"
أبعد صفوان وجهه وقال "لا أحد يراجع الريس أنس، هارون لن يتجاوز معها أبدا، هي الثوب الأبيض الذي يضعه بدولاب زجاجي ويحميه بقلبه"
نفخ أنس ولم يعارض لكنه لا يرغب بتكرار ما كان من مي مع أحد آخر "أعلم ولكن وجودها يمنح أمثال مي فرصة للأقاويل"
ضاقت عيون صفوان والغضب ارتسم على ملامحه، لا يجرؤ أحد على المساس بالريس، سيفقده لسانه ويتناوله بالإفطار 
"سنقطع لسان من يفعل أنس أم لديك مانع؟"
تجهم وجه أنس ثم أفلت كلماته "لا، سنفعل"
لم يكمل صفوان وهاتف أنس يرن فأخرجه وأجاب وظل يسمع حتى قال "تمام فقط لا تفعل شيء قبل رد الريس، لا هو من سيمنحك وقت البداية"
أغلق وصفوان يقول "العطار ما زال يجادل كثيرا حول موت فريد"
هز أنس رأسه موافقا وكلاهم يعلم أن أمر العطار لم ينتهي "هو أخيه وهارون لم يفكر وقت زرع السكين بعنقه"
تراجع صفوان وموقف الريس هو الصواب بالطبع "أنت تمزح؟ فريد كاد يغتصبها ثم يجرها لطريق العطار"
نفخ أنس وقال "كيف مر فريد من تحت أنظارنا؟"
مالت رأس صفوان وقال "معك حق، خطأ كلفنا الكثير"
نظر أنس لغرفة مكتب هارون وقال "ألم يخبرك ماذا سيفعل معها إذن؟"
هز رأسه وقال "من الأفضل له أن يتزوجها وإلا سيفقد عقله بسببها"
**** 
تحركت مي إلى غرفة الأطباء بالمشفى الاستثماري الكبير الذي تعمل به، هي من اختارته وهارون بالطبع من منحها إياه.
الغضب كان يأكلها بعد ما فعله معها، ما زالت صفعته تؤلمها والغيرة تنهشها والهزيمة تهز كبرياءها
نظر لها إسلام، الطبيب المقيم بالمكان، من دمنهور، يرحل فقط بنهاية الاسبوع ويعود بصباح السبت، كان زميلها بنفس الدفعة وهنا أيضا بالمشفى
حاول كثيرا التودد لها بل وصارحها بمشاعره ولكن بدوامة غرامها بهارون لم تكن ترى أحد سواه والرفض كان ردها على الجميع
أبعدت جاكيت البدلة لمكانه وجذبت الرداء الأبيض وارتدته وهو راقبها والصمت رفيقها فقال "هل هذا يعني، ممنوع الإزعاج؟"
أبعدت شعرها برباط قوي للخلف وتحركت لمكتبها وقالت "هذا يعني أن لدي مرور الآن"
نهض وقد كان طويل، نحيف بلا وصف آخر، لا مجال للجاذبية لو قارنته بهارون فهو الملك حينها
توقف أمامها ونظراته التي تصدر من عيون كانت بنية قاتمة حتى أنها كانت تظنها سوداء بوقت ما وقال "تبدين متعبة، هل هناك شيء؟"
قالت دون أو تواجه "إسلام لا أرغب بخوض جدال حول تعبي وإجهادي الآن، فقط ابتعد من طريقي لأذهب"
مال تجاها فهو أطول منها بالفعل وهو يعلم أنها تتجنب مواجهته وهو لم ييأس من محاولاته معها "أنت تبدعين بطرق إبعادي مي فلم لا تخترعين واحدة الآن؟"
ارتفع الغضب داخلها ونفد الصبر الذي لم يسكنها بأي يوم وأعمى عيونها عن رجل يحبها حقا ولكنها لا تستحقه
"طالما تعرف ذلك فلماذا تقترب؟"
تجهم وجهه ورحلت منه الدماء وهو يسمع قسوتها اللا منتهية "ألا تتراجعين أبدا عن تعنتك هذا؟ هناك طرق كثيرة تؤدي للسعادة وأنت تحيدين عنها بلا سبب"
كان عليها مواجهته أخيرا لتوقف النقاش وهي ترد بلا تفكير بكلماته وكأنه لم ينطق بها "بل بسبب يا دكتور وهو أن كلها طرق لا تناسبني ولا ترضيني فهل تتركني الآن؟"
ظل الصمت يقف بينهم كأنه يمهد طريق للنظرات تعبر فوقه حتى قطعه "هل ما زال يرفض قلبك المهووس به؟"
كان دورها ليشحب وجهها وتنغلق نظراتها على ضعفها وينسحب قلبها مهزوما فقط يستيقظ عقلها ليدافع عن الوهم الذي تعيش فيه 
"لا شان لك بقلبي، الأمر لا يخصك من الأساس، لماذا تصر على فرض نفسك علي وأنت تعلم النتيجة؟"
لم يبتعد عنها وأنفاسه تلتقي بوجنتها بنفحة حارة جعلتها ترتجف وهو يجيب "هذا القلب يهمني لذا لا يمكنني تركه لك وأنت تدفعيه للسقوط"
أشاحت يدها بغضب وهي تفر بعيونها بعيدا وقالت بلا تفكير "هو قلبي وأنا حرة بما يخصه وإلى هنا وتوقف إسلام فأنا لا أقبل تدخلك فيما لا يعنيك"
وتحركت وكتفها يضرب كتفه ليتراجع وهي تمر للخارج وتبعد دمعة واهنة تنزف من حدقتها المتعبة وكلمات إسلام تضعها على مهد الحقيقة 
أنت تدفعيه للسقوط..
قلبها يسقط بل سقط وتحطم وتكسر لمليون ألف قطعة تكاد لا ترى..
لماذا هارون؟؟
هي تلك الحقيرة.. المجرمة
ما أن دخلت غرفة الكشف حتى تجمدت مكانها على من كان يجلس أمامها ورائحة عطر قوية تنتشر بالغرفة ونظرات حادة مخيفة تضربها ولم تعرف لمن تنتمي..
**** 
تراجعت ليال من الصدمة وكلماته تخترق جدران عقلها وقلبها وتفقدها الاتزان 
عيونهم جامدة لا تفترق وهو لا يعرف ما الذي قاله؟ 
هو لم يخطط لذلك من الأساس لكنه فعل، لا يمكنه البقاء أمامها وبهذا القرب ويظل محتفظا بالعقل الذي احتفظ به كل تلك السنوات 
من الجنون أن يعشق رجل فتاة صغيرة ويظل قلبه عالقا بها سنوات كثيرة حتى أصبحت امرأة وعندما تصبح أمامه يعجز عن امتلاكها
لقد انخلع عنه رداء العفة بمجرد أن خطت باب بيته..
الآن بعد أن أصبحت امرأة قادرة على اتخاذ قرارتها وحدها يمكنه إخراج ما بداخله حتى ولو كان مجرم وهي مهندسة فلا شيء يمنع مشاعره بعد الآن، الأمر بيدها 
كونها عشقت الشبح الذي أنقذها جعلها تحلم كل ليلة برؤيته، كانت تعلم بوجوده حولها لكنها لم تظن أنها ستراه بأي يوم، حكايتها تشبه الفيلم، بابا علي علي، الآن هي البطلة وبابا علي أمامها 
من قليل كان يطالبها بأن تخرج من حياته لأنه مجرم والآن يدفعها له مرة أخرى ولنهاية العمر 
بالزواج...
الذئب يتزوج أنثى واحدة طوال العمر ويخلص لها للأبد فهل سيفعل معها المثل؟
ضاعت.. تاهت.. تمزقت بين حيرتها وسعادتها والحقيقة..
شحب وجهها وهي لا تعرف الإجابة وبدت عيونها حائرة، متسعة من المفاجأة، لكن هذا هو الحل 
هو الزعيم ولن يرتكب حماقة تقلل من مكانته لذا الزواج هو الحل 
لن يتركها بعيدا عنه مرة أخرى لكن لن يجبرها أيضا
أحنى رأسه تجاها وغاصت أنفاسه داخل صدره وهو يقول "لا أرغب بالرد الآن، أنا أريدك ليال، أعلم كل الفروقات كما تعلمينها لذا خذي الوقت الكافي لكن وأنت تعرفين أن الذئب قرر أن يجعلك امرأته صريحة أمام العالم والذئب لا يرتد بأي قرار"
اختنق صوتها من أنفاسها وشعرت بألم بصدرها وهي لا تعرف ماذا يدور حولها ولا حتى داخلها!؟ 
هو حقا يمنحها ما ترغب به
الأمل.. 
الحياة.. 
الضوء الذي لمع من بعيد وأضاء حياتها وما زال يفعل
الذئب قرر أن يجعلك امرأته صريحة أمام العالم
هل هو حلم!؟
بللت فمها وشفتيها بلسانها وجهها موجها له وما زالت عيناه قاتمة تلمع بالفراغ الذي تسبح به ولا تجد بهما أي شيء
"لا يمكننا الزواج، أنا.. أنت الزعيم وأنا.."
أحنى رأسه ليقرب كلماته من وجهها "أنا الزعيم، الزعيم الذي أشرف على نشأتك حتى صرت تلك المرأة التي تجادلني وتثور غاضبة بوجهي، هل وجدت تسامح مني مع أحد سواك؟"
هو على حق..
ابتعد من أمامها ليذهب مانحا إياها القدرة على التفكير بعيدا عن سطوته..
هو فكر بلحظة وقرر بجنون ولن يتراجع بقراره لكن ماذا لو رفضت؟
أوقفته بسرعة قبل أن يتبخر من حولها "أين هاتفي؟" 
توقف دون أن يلف وجهه لها وقال "صفوان تخلص منه، سيصلك واحد آخر برقم جديد"
قالت "هل لي بمواصفات خاصة؟ أقصد"
ارتد لها حتى وقف بمواجهتها وعيونها ترتفع لتواجه زرقاء مقلتيه وقال "انت تأمرين صغيرتي وأنا أنفذ"
وكأن كلاهم نسى ما عرضه عليها منذ لحظات
هي أنثى الذئب.. فانيليا اللافندر..
تورد وجهها فرقص قلبه لرؤية هذا الجمال له وحده
كيف أمكنه إيقاف نفسه عنها حتى الآن؟
ألا تدرك أيها الديب أن قربك هذا يحولني لهلام؟ 
كيف بيومين أصبحت تملك قلبي العاشق الذائب بك أيها الرجل؟
لمس وجنتها المتوردة وقال "اخبري أنس بما ترغبين به وهو سيتصرف"
وتركها وتحرك خارجا قبل أن يفقد المتبقي من عقله معها ويقتل شفتيها المثيرة بشفتيه ويأخذها بمكانها  
انهارت القوة المتبقية داخلها وهي تتنفس بعمق وتغمض عيونها والجنون يعتليها من فكرة الزواج منه..
ما أن خرج حتى رأى رجاله جالسة فنهضوا لرؤيته وهو لم يتوقف باتجاه غرفته وهو يقول "أنس ليالي ترغب بهاتف ستمنحك مواصفاته وأخبر صفوت أني أرغب برؤيته بالمكتب بعد ساعة، صفوان هل وصلت السيارات"
لم يرد أنس بينما أجاب صفوان "نعم يا ريس"
سمعه وهو يتحرك للحمام وأغلق وهو يبعد ملابسه ويقف تحت الماء البارد ومن الواضح أن حماماته الباردة ستزداد بالمستقبل بوجود تلك الصغيرة التي أدخلها بصميم حياته أخيرا وبلا ندم إذا لم يسرع بأمر الزواج
**** 
خرجت أحلام من البيت متعثرة بالحذاء المرتفع الذي ابتاعته بالأمس لحضور ذلك الاجتماع الذي أخبرتها به زينب بالشركة المتحدة مع رشدي والذي كانت نظراته لها لا تنتهي وتصرفاته فاضحة لكنها كانت قوية أمامه
توقفت أمام الباب الخارجي بانتظار السيارة التي طلبتها.. البدلة الأنيقة والحذاء العالي لن يتناسبان مع المواصلات العامة لكنها بدلا من ذلك رأت سيارة الدفع الرباعي تتحرك تجاه البيت وتوقفت أمامها لترى العملاق داخلها
ارتجفت.. الأيام السابقة أوقفها العمل عن التفكير به.. رشدي يستحوذ على كل وقتها
"أين أنت ذاهبة بهذا الشكل؟"
انحنت لتراه من داخل السيارة الفارغة إلا منه والتقت برمادية عيونه وقالت بنبرة مهتزة "العمل"
ظل يحدق بها ثم قال "سعد يعلم؟"
هزت رأسها وقالت "وما شأنه بي؟ هو ليس هنا بالأساس"
زم شفتيه وقال "ادخلي، سأوصلك"
هي ليست المرة الأولى لكن منذ أغلق الأبواب بوجهها بقسوة وهي حاولت تجنب رؤيته والسقوط بطريقه لذا قالت "لا شكرا، طلبت سيارة"
وبالفعل سيارة سوداء توقفت خلفه وهي لم تمنحه فرصة للرد وهي تتحرك وتدخل السيارة والسائق يرحل بها وهي تضع يدها على صدرها لتتحكم بقلبها الخارج عن السيطرة وصفوان يتابع السيارة وهي تتحرك أمامه ثم قاد ودخل البيت لينهي ما جاء لأجله..
نظرت لها زينب بنظرة متفحصة وقالت "هذا تبديل يدل على أن الأعزب قد سيطر على الحلم"
تورد وجهها وزينب لا تتوقف عن صفعها بالكلمات المهينة وهي صامتة لا تدفع عن نفسها أي شيء
جلست خلف مكتبها وفتحت جهازها وزينب لا تتركها، تحركت ووقفت أمام مكتبها بابتسامة صفراء بصوت كسول "عندما يمل سيعيدك من حيث أتيت"
رفعت عيونها الجميلة لها وقالت "وهل مل منك؟"
رحلت الابتسامة الماكرة من على شفتيها وقبل أن ترد لها كلماتها جاء صوته عبر الجهاز..
"أحلام أحضري الأوراق وتعالي"
انتبهت وأجابت "حاضر يا فندم"
ونهضت تلملم الأوراق ولم تنظر لزينب التي تلون وجهها بألوان باهتة ولم تنطق
دقت الباب ودخلت وهو كان يقف ويده بجيب بنطلونه ويده الأخرى تضع الهاتف بجوار أذنه ويتحدث
انتظرته بلا كلمات وهو لا يمنحها وجهه حتى انتهى والتفت ليراها..
اختلفت.. تبدلت.. تلك الفتاة جميلة حقا.. بريئة ومثيرة ومع ذلك هناك شيء غريب يوقفه عنها ولا يفهمه
تورد وجهها من نظراته وقالت "الملفات يا فندم"
تحرك ليقف أمامها وهو ما زال يتفحص العيون العسلية هل هي بمذاق العسلية أيضا؟
"هكذا سيكون الأمر ممتعا حقا"
ورفع يده لكنها فزعت وتراجعت وهو علقت يده بالهواء قائلا "لا أصدق أن هناك فتاة تتصرف هكذا حتى الآن؟ هيا لنذهب"
وتحرك خارجا وهي تتبعه محاولة اللحاق به وخطواته تنهب الأرض
أمام الشركة أدركت أنها ليست وحدها بل هناك رجلان من الشؤون القانونية ومدير الحسابات بانتظاره..
تحرك لسيارته الحديثة والتي هي مكانين فقط بينما ظلت هي بمكانها لا تدري أين تذهب حتى رأت سيارة كبيرة تقف أمامهم وبدأوا بالدخول فتبعتهم بصمت
اللقاء كان بمطعم خاص داخل مبنى جديد على أطراف المدينة، الاتفاق والتعاقد أخذ مجهود من الجميع ومنها بالأخص، رشدي كان عابث أذلي مع النساء لكن بالعمل كان طاحونة تطحن منافسيها بحزم وتمتص منهم أفضل الصفقات ربما هذا هو سبب شراكة هارون له
الفتى انفصل عن والده ونجح بإدارة الشركة بمجهوده وهي تدرك الآن أنه جدير بمكانته.. هو ليس فقط بارع بالإدارة بل وماهر جدا بالإلكترونيات..
مثل ليال.. مهندس إلكترونيات بل حاليا يجهز نفسه للحصول على دكتوراه..
عندما انتهوا كانت قد استهلكت طاقتها بالتركيز كي لا يفوتها شيء وضربها صداع جعلها تغلق عيونها لحظة ظنت أن لا أحد يدركها لكنه فعل 
"لا أراك منتبهة"
فتحت عيونها على الفور وقالت "بلى ولكني ظننت أن الأمر انتهى برحيلهم"
رأته ينظر لها بلا رد حتى جذب سيجارة من علبته وأشعلها نافثا دخانها أمامه متألما الخيط الأبيض منه
"انتهى بالفعل لكن الغداء لم ينتهي"
حدقت به وقالت "غداء؟"
هز رأسه والدخان ينتشر هنا وهناك وهو يقول "لماذا لا تعملين بمجموعة هارون وأنت أخت أحد رجاله؟"
سؤاله ظل عالقا بذهنه منذ عرفها والآن ينتظر ردها.. ربما هذا ما يوقفه عنها.. 
هارون..
لم تفر من نظراته بل ظلت تواجهه وهي ترد "لم يكن لي مكان هناك وقت طلبت العمل وهو أخبرني أن العمل عندك سيكون جيد"
أبعد وجهه ونفث الدخان بعيدا بلا اهتمام وهو يقول "لأني شريكه؟"
نفت برأسها وقالت "لأنه عمل مناسب لإمكانياتي"
عاد لها ولم يجد سوى الصدق بكلماتها والذكاء بهارون "لم تكملي دراستك؟"
أخفضت وجهها وهي تجمع شتات نفسها للرد على ما توقعته من أسئلة "لا، سعد أخبرني أن الدبلوم هو الأفضل، الريس ليس ملزم بنفقات تعليمي رغم أنه لم يمانع بأي يوم لكن سعد رفض ولم يمكنه تقديم الكثير"
تفهم معنى كلماتها وظل يتابعها بصمت حتى قال "تقيمين ببيت أخيك؟"
نفت برأسها كالعادة، لغتها عندما يعجز لسانها
"الريس يمنح رجاله مكان ببيته وكلنا نقيم حوله، عائلة واحدة"
هو يعلم ذلك بالفعل عن هارون..
وصل الغداء فأوقف الكلمات عن الاستمرار لكن عيون رشدي ظلت تتابعها وهي تدفن نظراتها بالطبق الخاص بها وهو لا يعلم سر اهتمامه بها
**** 
اختارت الصحة مي للسفر لعدة مدن نائية لرؤية حالات مرضية ظنا أن بها وباء جديد، لم يمكنها الرفض ربما تهدأ وتنفذ رغبة هارون بالابتعاد عن محيط رؤيته حتى يهدأ غضبه ويصفح عنها
أنس كان غاضبا لابتعادها رغم أنه اعتاد ذلك منها، قلبه يؤلمه لأنها لا تهتم به والحب من طرف واحد هلاك..
طريق موبوء بالأشواك.. الطب والإجرام لا يجتمعان.. طرفان مختلفان يسقطان القاعدة من أن الأطراف المختلفة تتجاذب والمتشابهة تتنافر
أنا العالم السفلي.. لن يمكنني الاعتلاء للقمة.. الطبيبة تنظر من الأعلى وهو بالدرك الأسفل من الحياة..
ليته يستسلم ويتراجع وينسف مشاعره فلا يبقي منها شيء ولا يذر..
ليال لم تتلقى أي كلمات من هارون خلال الأيام التالية، بدا منشغلا.. وهي كانت تتعلم كيف تعيش ببيته، تتقبل كل ما حولها 
ترى بعيون كل من حولها نظرة غريبة ومعاملة أغرب..
رؤوس تنخفض لمرورها.. كلماتها تتحول لأوامر نافذة.. كانت تدرك أن كل من حولها ينتظرون إشارة منها كي ينفذون بلا جدال
هندية فقط من لم يتبدل معها.. تقبلت وجودها بابتسامة بشوشة وليال كانت تحب البقاء معها بالمطبخ وصنع الطعام للجميع
أحلام تجنبت رؤيتها وأدركت أن عملها انتهى بانفصالهم.. فلم تجادل
لم تتلقى منه أي كلمات منذ تلك الليلة وكأنه كما قال يمنحها وقت كي تقرر ولكن ماذا لو رفضت؟
لقد أخبرها أن الذئب قرر فهل سيتراجع لو رفضت؟
ستظل تفكر حتى ولو كان قلبها قد اتخذ قرار بالموافقة..
**** 
التف الرجال حول السيارات المرتفعة والسلاح الكبير يملأ أيديهم وصفوان يقول "يظنون أن هذا فخ يا ريس"
لمعت عيونه وقال "لنمنحهم نحن الفخ صفوان"
ضغط صفوان على دواسة الوقود بنفس الوقت الذي قفز فيه هارون خارج السيارة متدحرجا على الأرض الترابية بالجبل وصفوان يدور بالسيارة ليرتفع الغبار من تحت عجلات السيارة العملاقة مع انطلاق الرصاصات من الرشاشات التي بيد الرجال التي تناثر التراب على وجوههم وأصاب عيونهم وطلقاتهم تنتشر هنا وهناك بلا رؤية 
رصاصات أخرى كانت تصيب الهدف بمهارة ولكنها كانت من سلاح هارون الذي ظل على الأرض وهو يصوب على الرجال التي سقطت من رصاصه
سرعان ما انضم رجال آخرون لهم وصوبوا على إطار سيارة هارون لتوقفها وصفوان يتركها وينضم للحفل بسلاحه تاركا السيارة تدور حول نفسها حتى ارتطمت بحجر كبير فانقلبت مرة واثنان والرجال تفسح لها بلا اهتمام إلا لسيل الرصاص من سلاح صفوان وهارون 
لكن.. الكثرة تغلب الشجاعة
صوت العطار خرق الليل الصامت "لن تفر مني هارون.. أخبرتك أني.."
رصاصة اخترقت ذراعه جعلته يهتف "اللعنة"
اتخذ هارون ساترا خلف صخرة أخرى بارزة وهتف وهو يعيد حشو سلاحه "ألم تتعلم حتى الآن كيف تخاطب الديب يا عطار؟"
أطلق الأخير رصاصاته بغضب وهو يحتمي بسيارته ويصرخ "أين فريد هارون؟"
الرصاصات لم تتوقف وصفوان يحاول الاندماج وهارون يهتف "لم لا تصدق أني غرزت السكين بعنقه؟ أنا لا أحب رائحة المتحرشين أمثاله"
وأطلق رصاصة تجاهه وأكمل "ولا إخوتهم"
واحتد الأمر حتى تفتت الصخر حوله من سيل الرصاصات فتدحرج مبتعدا لكن العطار رآه فأسرع له بسلاحه لكن هارون ركل السلاح بقدمه ودار مرة أخرى حول نفسه ليركل الرجل بوجهه 
ولم يسقط العطار بل اشتبك الاثنان بمعركة قوية ولم يهتما عندما انضم رجال هارون للمعركة حتى رأى العطار يصيب صفوان برصاصة فهجم عليه لينزعه من مكانه ويلقيه على ظهره بغضب ويسقط عليه ليلكمه بقوة مرات لا حصر لها لكن العطار لم يكن خصم سهل وهو يغز سكين بكتف هارون الذي ارتد للخلف من الألم والعطار ينهض لينقض عليه مرة أخرى
تدخل صفوان لحماية رئيسه واشتبك مع العطار الذي استطاع الفرار من صفوان ثم انتهز اشتباك صفوان مع رجل آخر وأسرع تجاهه ليغز السكين به
****  
كانت بالمطبخ مع هندية تعد الغداء عندما سمعت السيارات بالخارج فنهضت وهي لم تراه منذ الأمس وهتفت بلهفة واضحة بصوتها "هذا هارون"
تحركت بلا تفكير لرؤيته وما أن خرجت للصالة الكبيرة حتى رأت الرجال تملأ المكان فتوقفت وهي تنقبض من المشهد ولم ينتبه لها الرجال بل دخول مي جعلها تدرك أن هناك شيء خطأ 
مي عادت بالأمس وكما أمر هارون لم تجرؤ على دخول البيت ولكن ها هي هنا وهذا يعني أن شيء خطير وقع
انفتحت الدائرة لتراه أمامها جالسا ودماء تلطخ قميصه ومي تهرع لتضع حقيبتها وهو يرتد للخلف مغلقا عيونه 
جمدت قدماها بالأرض لرؤية الدماء، وقتها انخلع قلبها، تحطم، سقط ضائعا فريسة الفزع والخوف
رغبت بأن تهرع له وتسقط تحت قدميه وتحتضن يداه، تضم وجهه بين راحتها، تجذبه لأحضانها وتربت عليه حتى تطمئن أنه يتنفس وبخير 
لكنها لم تفعل فقط ظلت جامدة لا تستطيع الحركة
رحلت أنفاسها وتركتها جثة.. 
عندما نزعت مي القميص كان صدره كله ملوث بالدماء، جرح عميق بكتفه الأيسر كان واضح بالطبع، أنس وقف أمامها ليمنع عنها الرؤيا وهو يقول "هو بخير"
استوعبت ما يحدث ورفعت وجهها له ولم ترد وهو يتحرك ليفسح لها مرة أخرى لترى هارون ومي تنكب عليه وظلت مكانها بلا ضعف وكأنها استمدت منه تلك القوة 
حسدت مي لأنها تستطيع إنقاذه لكن هي عاجزة عن فعل أي شيء
هي حتى لم تزرف دمعة.. ضعف.. قوة.. صدمة؟
أصابع مي عملت بمهارة لتضمد الجرح وتخيطه ثم تتحرك 
يا الله..
ما هذا!؟
جرح آخر بجانبه لم تكن تراه .. هل يتحمل كل هذا الألم؟ 
سيعيش! نعم هو لن يتركها الآن.. الوصي تعهد بحمايتها لآخر العمر والعمر لن ينتهي الآن هارون.. أنا لم أشبع منك بعد
لا تتركني.. لا تجرؤ على تركي
مي تعمل بمهارة وهو لا يفتح عيونه ولا يبدي أي رد لما يحدث بجسده وهي ظلت مكانها لا تتحرك ولا تنطق بكلمة والرجال كلها واقفة كالجبال لا تهتز أمام رئيسهم المصاب
احترام.. وقار.. قلق.. ثقة بأن زعيمهم بخير ولن يهتز .. وهو لا يهتز
أنس همس بجوارها "تلقى تلك الطعنة بدلا من صفوان الذي كان مصاب بالفعل وتم نقله لغرفته ومي ستتولاه بعد الريس"
لم ترد أيضا وقلبها ينبض بقوة وهي تشعر بغثيان من الدماء التي تنبض من جرحه ومي لا زالت تعمل بمهارة 
هل تستمد القوة منه لذا لم تسقط متهاوية حتى الآن؟
انثى الذئب قوية كزوجها
أخيرا انتهت مي وخلعت القفازات الطبية الملوثة بالدماء وقالت "أنت بحاجة لمسكنات قوية، تناول هذه الآن، جرح جانبك ليس غائر هو فقط كتفك، سعد من فضلك أحضر له هذا"
منحته علبة فخطفها الرجل وأسرع خارجا وهو لم يفتح عيونه أو يرد، الألم كان يتحكم به بشكل صعب، هي ليست مرته الأولى وهو اعتاد الألم فقط اللحظات الأولى تكون صعبة
التفتت مي ورفعت وجهها لتلتقي بعيون ليال المظلمة بلا أي تعبيرات داخلها وظلت العيون متواجهة للحظة ثم عادت له وقالت "أنت بحاجة للراحة لقد انتهيت"
فتح عيونه ورائحة الفانيليا تعلمه أنها هنا، عندما التقى بعيونها رأى الفزع بهما بالطبع فكل ذلك جديد عليها وهو لن يخبرها أنه كان يخوض حرب مع العطار ورجاله بسبب فريد وبسببها
سقطت دموعها بلا وعي منها مسحتها بعناد وتحولت مي لها وهي تدرك تواصل نظراتهم فتولاها الغيظ وهي تقول "هارون دع الرجال تساعدك"
انتبه لها ورفض نبرتها فقال "لا شأن لك بي لقد انتهت مهمتك اذهبي لصفوان، أنس زد الحراسة على البيت، مرتضى افعل ما أخبرتك به"
هتف مرتضى "تم يا ريس منذ وصلنا"
ردت مي "هارون توقف، جراحك خطيرة ونزفت كثيرا و.."
قاطعها بحزم "ألم تسمعي ما قلت، لا أرغب برؤيتك هنا"
شحب وجهها وهي تحدق به ثم لملمت أدواتها وهي تقاوم الدموع التي هاجمتها والإحراج يتملكها أمام الرجال 
أكمل هو "أنس خذ الرجال واذهبوا للراحة، أنا بخير"
تحرك أنس له وقال "دعني آخذك لغرفتك"
هز رأسه بالنفي وقال "ليس الآن، عودوا لصفوان تعلم أن حالته ليست جيدة"
تحركت مي خارجة بعد أن رمقت ليال بنظرة حقد وأنس لم يجادل بل أومأ للرجال فتحركوا للخارج وهو خلفهم واختفى الجميع 
ظلت هي فقط أمامه وهو أدرك ذلك وأبعد عيونه عنها وهو يقول "أحتاج لسيجارة"
تحركت أخيرا تجاهه ولم تهتم بدموعها حتى وقفت أمامه وقالت بشكل طفولي لم تدركه "أنت لا تدخن"
ظل يتجول داخل مقلتيها المرعوبة حتى أغلق عيونه وأسند رأسه على ظهر الأريكة وقال "كنت أفعل حتى وقت قريب"
لم تستطع مقاومة نفسها وهي تتحرك وتفعل جزء مما تمنت، ركعت على الأرض أمامه ورفعت يدها وأمسكت يده الساكنة على الأريكة، فتح عيونه وأسقط نظراته عليها وهي لا تنظر له بل ليده الملطخة بالدماء واحتوتها بين يداها ولم تتحدث 
قبض على يدها وأدرك الخوف الذي تخفيه وراء إبداء قوة زائفة فقال بتعب واضح "أنا بخير صغيرتي"
زادت دموعها وهو أدرك مخاوفها، هي لا تملك سواه الآن وأن تراه هكذا فهذا هو الدمار الأكيد والشعور بالرعب 
حياتها الآن أصبحت ركام وهي تقف بين الحطام بلا حول ولا قوة والضياع يجتاحها، هي لا تخشى إلا من شيء واحد وهو أن حياته بخطر
لم تنظر له وقالت "أنت لن تتركني أليس كذلك؟"
ذلك السؤال يعني كنز له لأنها تعني من خلفه الكثير 
ترك يدها ورفع يده لوجنتها فأغمضت عيونها للمسته وهو يقول "طالما أتنفس صغيرتي"
فتحت عيونها وحرارة يده تنتقل لجسدها ودموعها تغرق راحته وهي تقول "هل تأتي إذن لترتاح؟"
لا يمكن مقامتك أيتها الصغيرة الذائبة بالفانيليا.. الذئب لم يعد يتذوق شيء دون نكهة الفانيليا خاصته
هز رأسه فنهضت وهي تمسك يده برفق وهو ينهض والألم يزداد ولكنه لم يمنحها أي إشارة على ألمه وهي لم تترك يده بل ورفعتها على كتفها وهو بالفعل شعر بدوار يصيبه من فقدان دماء كثيرة وتعب المعركة وإصاباته فلم يعترض وهو يستند عليها وهي تتحرك به لغرفته 
من الخلف كان أنس قد عاد للداخل وتوقف يتبعهم بنظراته وقد شعر بالراحة لأنه استجاب لها، بأوقات أخرى كان يظل عنيدا حتى يسقط فاقدا للوعي
لم تدخل غرفته من قبل ورائحة عطره ملأت المكان، جميلة، كبيرة جدا وأنيقة وفراشها كبير بشكل لم تراه من قبل، مغطى بغطاءات باللون الرمادي كما هو لون الجدران 
قالت برجاء "سنحتاج لأن نزيل تلك الدماء"
لو بوقت آخر لظللت مريضا للأبد صغيرتي كي يظل قربك مني
تلتصقين بي كما هو مصيرنا..
جلس على طرف الفراش وصوت أنس يتبعهم "هناك حمام وراء هذا الباب ليال، أنا سأساعده بالاغتسال وبخلع ملابسه وأنت أحضري له ملابس نظيفة، الخزانة هناك"
ما الذي تفعله هنا!؟ بغرفته
جنون.. رائحة اللافندر تملأ كل ذرة هواء حولها حتى ملأت رئتيها.. ملابسه الرجولية تمنحها إحساس الخجل وهي تمرر يدها عليها لتختار واحدة نظيفة..
أفيقي ليال أنت لست زوجته.. اهربي.. اخرجي.. ستشتعلين بنيران حبه ولن ينقذك سوى حضنه الفتي وأنت لن تناليه أبدا
أنس كان يرى تبدل ملامحها وتفهم خجلها الذي يصارع مخاوفها عليه ورغبتها بالبقاء معه 
الريس يتحمل الرصاص، الخناجر وطعناتها لكن أن تلمسه تلك الفانيليا فسيتحول الديب لقالب من الكيك الطري ويذوب بين أصابعها، لن يمكنه ..
نهض واقفا رغم الألم الذي يصدر من جراحه وهو يبعثر كلماته "سأدخل الحمام، أنا بخير"
أشاح أنس بيداه وأدرك أن الريس هو الآخر يتفهم فتاته فتحرك له وساعده  
تابعته وهو يتحرك وأنس معه للداخل جاذبا منها الملابس وعادت للفراش تجهزه والباب يدق وسعد يقول "الدواء يا باش مهندسة"
التفتت له وتحركت لتأخذه فأشاح بوجهه للحمام وسأل "كيف هو؟"
لم تنظر لسعد والذي عرفت أنه أخو أحلام وأجابته "مع أنس يبدل ملابسه، أتمنى أن يصبح بخير"
هز رأسه وقال "اعتدنا أن يكون بخير ولن نرتاح إلا عندما يعود بيننا"
وتحرك مبتعدا وهي تحاول كبح دموعها من خوفها عليه..
هل هذه حياته؟ رصاص ودماء وحياة على كف الرحمان؟
تحرك خارجا وأنس يتبعه وقد استبدل ملابسه الملوثة بالدماء واغتسل ولكن ظل نصفه الأعلى عاريا وعضلات صدره تواجها بطريقة جعلتها تتجمد أمامه
لم ترى رجلا نصف عاري من قبل وليس حتى بمثل هذا الجسد المخيف والمثير للإعجاب بنفس الوقت
عضلات متناسقة بكل مكان.. الصدر، البطن، حتى التقاء الكتفين العريضين بالعنق
كل شيء مرسوم بدقة وجمال.. هل يلعب كمال أجسام!؟ 
عندما عبثت نظراتها على جسده أكثر رأت ندبات واضحة عليه، آثارها واضحة تدل على الكثرة، كم مرة كاد يموت؟
صوت أنس أعادها للواقع وهي تراه يتحرك للفراش وأنس يتركه يجلس كي يمدد جسده ببطء وهو يقول "سأذهب لأرى صفوان، حاولي إجباره على النوم ليال فهو بحاجة له"
هزت رأسها وهي ترفع له أقدامه وتجذب الغطاء وهو يضع جسده برفق على الفراش والألم يتحرك مع كل حركة وعندما عدلت له الوسادات خلف رأسه وكتفه سمعت أنفاسه الثقيلة مما دل على الألم الذي يعانيه بصمت 
فتح عيونه عندما تسربت الفانيليا له فالتقى بعيونها وهي تجيب أنس "سينام، لن أسمح له بشيء آخر أنس"
ابتسم أنس وقال "هذا ما يستحقه، سأرى صفوان يا ريس"
لم يرد وعيونه عالقة بها وهي تسكب له ماء وتمنحه الأقراص ورفعت عيونها له مع الكوب وهي تقول "أنت بحاجة لهم"
ظل ينظر لوجهها مستمتعا بقربها، عنايتها به، التصاق الروح بالروح يدفعه للجنون
روحي تفارقني عند فراقك ليلاي وعندما عدت عادت برائحتك الشهية 
مدت يدها فأخذ الأقراص وهو يلمس يدها ويشعر كلاهم بالمس الذي يضربهم من لمسة ويعلن عن شيء جديد بينهم، كلا منهم يدركه داخل صدره.. شيء يعرفونه لكن لا يمكن التصريح به.. ما بينهم شيء محرم.. لا يتواجد هنا بهذا العالم.. ما بينهم..
غرام.. غرام في العالم السفلي..
تناول الأقراص فالتفتت لتذهب لكنه ضغط على يدها فعادت لعيونه التي تنتظر نظرتها التي امتلأت بالقلق والخوف والتمس منها البقاء لا تركه وحيدا ضائعا  
"إلى أين؟"
نظرت ليده التي تقبض على يدها ثم عادت ورفعت نظراتها لعيونه وهي تقاوم العشق الساكن له بقلبها من أن يهب خارجها ليلفه، يحتضنه.. يربت على خصلاته ويمنحه الطمأنينة أنه لن يتركه
ارتفع صدرها عاليا من احتياجها للهواء فلمسة الريس تذيبها.. ترفع حرارتها على المائة فتحرق بشرتها الرقيقة ولكن وهي راضية
خرجت كلماتها صادقة، خائفة وغاضبة.. حائرة راغبة بأن تفهم حياة ذلك الرجل الذي لم يمنحها أي شيء عن نفسه وتركها تتلقى حقيقته خطوة بخطوة 
"ليس لأي مكان، لن أذهب لأي مكان هارون كي لا تنهض وتذهب لقتل أحدهم وكأنك لست مصاب"
أدرك أنها تستقبل حقيقته بشجاعة عرف أنها تملكها، تعلمتها من ماضيها مع شريف، وحدتها ومواجهة الحياة وحدها
هل ستتقبل به هكذا!؟ قاتل؟ 
حياته ليست ملكه.. بلحظة قد تزهق روحه فهل تتقبل ربط مصيرها برجل مثله؟
هذا هو السبب ليال.. أنا لم أضعك بطريقي كي لا تعرفين حقيقتي..
لم يترك يدها وهو يقول "أنا لا أقتل إلا دفاع عن النفس ليال.. هذه حياتي"
اقتربت دون نزع يدها منه، أعلم.. أعلم أن تلك هي حياتك.. عرفت منذ قتلت فريد بلا تردد، ليس كل شخص يمكنه القتل لكنك فعلت
من أجلي..
هزة خفيفة من رأسها منحته إدراك بما يقول ولكنها قالت "أنا أتحدث عن أنك بحاجة للراحة ولن أذهب إلا عندما تستعيد نفسك"
تفاجأت عندما رفع يدها لفمه ووضع قبلة على أصابعها.. 
جذبت يدها التي تركت الحرارة وامتلكت البرودة وعيونها تتسع مما فعل وتمنحه نظرة استنكار لكن عيونه هو ابتسمت بمرح من خجلها الذي يمتعه 
"لأول مرة لا أرفض الراحة، ستبقيك بجواري صغيرتي"
قلبها المنتفض بصدرها كان يلملم شتات نفسه من لمسة شفاه رجله على يدها والآن من كلماته.. هل تمنحني القليل لأنجو أيها الرجل؟
من أخبرك أني سأتركك؟ أنا منك والآن أعود إليك..
"سأفعل هارون، سأظل بجوارك طالما ستنال الراحة وتنام"
مد يده أمامها وما زال ممسكا بنظراتها التي لمحت يده وبعد تردد منحته يدها فقبض عليها وهو يدرك الثلج الذي لفهم وهي أدركت أن دفء يده أذاب ثلجها 
"الراحة ليست بالنوم فانيليا، الراحة هي وجودك معي فأنت إدمان"
ابتسمت لأنه انتبه لعطرها المفضل وتورد وجهها لكلماته وقالت عابثة بمرح "الإدمان خطر على الصحة يا ريس ومن الممنوعات"
تنفس بعمق وهو يلف بعيونه على وجهها النابض بحيوية الشباب.. كل تلك السنوات تقف بيننا ليال هل يمكنك تجاوزها؟ 
"إلا إدمانك أنت ليال، هو أجمل شيء لي بحياتي ولكني أوافق على أنه من الممنوعات"
احتوت يداه يديها والدفء ينتقل لها ويتسرب لكل جسدها وكلماته واضحة، هي من الممنوعات ومع ذلك هي هنا.. معه.. لا أحد سواها يرعاه فأين الممنوع؟ 
"أنت لا تخضع لأي ممنوع يا ريس"
رفع يداها التي بين يده لفمه مرة أخرى وقبلهم ولم يسمح لها بجذب يدها تلك المرة وهي لم تفعل
ببساطة استمتعت بقبلة رجل تعشقه على ظهر يدها.. أعجبها لمسة شفاهه على بشرتها.. أنفاسه الدائفة تدغدغ جلدها الناعم.، ببساطة كانت سعيدة
"إلا أنت، أنت كل الممنوع بحياة الريس، ولأول مرة الريس يتمنى خرق الممنوع ولكنه لا يرغب بالنتائج.. "
وثقلت عيونه بلا مقدمات وشعر بالنعاس يغلبه فلم يقاوم حتى فلتت يده من يدها 
ظلت تنظر لملامحه التي ارتخت ورحلت تجاعيده ليبدو أصغر من سنواته التي تعرفها فرفعت يدها وتجرأت ومررتها على وجنته الخشنة، ذقنه غير الحليق 
جبهته العريضة والتي ارتاحت الخطوط عليها بنومه، كم أنت وسيم يا ريس ولكن لا تقدر جاذبيتك حق قدرها ولكن مي تدرك وأنا أيضا 
مررت يدها على جبهته وهي تبعد خصلاته الناعمة والتي تتعرف على ملمسها لأول مرة ولونها البني الفاتح يثير الإعجاب حقا 
همست بقلب عاشق "وأنا أتمنى أن تخرق الممنوع هارون ربما تدرك كم أحبك ولا أرغب سوى أن أكون معك ولك مهما كانت النتائج" 
**** 
دقات خفيفة على الباب جعلتها تفتح عيونها وتدرك أنها نامت، اعتدلت على المقعد وجسدها تألم ورقبتها التوت 
ظلت بجواره طوال الوقت ولم تعرف كم مر عليهم هكذا..
دقات الباب عادت فالتفتت وهي تذكر أنها تركته مفتوح كي توقف أي أفكار ملوثة عن ذهن الجميع خاصة مي 
كانت هندية تقف أمامها وهي تحمل صينية الطعام فنهضت ومن النافذة أدركت أن الوقت متأخر جدا 
تحركت لهندية التي قالت بهمس "أنت لم تتناولين شيء طوال اليوم"
خرجت معها خارج الغرفة كي لا يوقظه صوتهم وقالت "سأفعل عندما يستيقظ هندية"
دخول مي البيت فجأة جعلها تنتبه والأخيرة تتساءل "هل هارون استيقظ؟"
لا تعجبها طريقتها بالحديث معها وهي تبدو كأنها السيدة وليال الخادمة وما زالت تذكر قرار هارون واوامره وطريقته بالتعامل معها
لكنها أيضا تذكر أنها من داوته وإنها ابنة هندية فلم تمنحها كلمات لاذعة  
التفتت وجذبت الباب لتغلقه عليه وهي تقول "ليس بعد"
وقفت مي أمامها وغضب دفين يسكن نظراتها وحقيبتها بيدها لن تترك تلك الفرصة لتعيد الأوضاع لما كانت
ما زالت الطبيبة هنا والجميع يحتاج لها وأولوهم هارون وستجعل تلك الحقيرة تتراجع وتعرف مكانتها جيدا لن تظل تشاهدها وهي تحتل مكانها بجواره
"أحتاج لرؤيته"
كانت أنا من تجلس بجوارك من قبل، كانت أنا من يحتاج لها دائما لكن الآن هي تسرق منيهز كل شيء
الريس لم يحتاج أحد من قبل.. وهم تعيش به
ألقت الكلمات بإصرار واضح وغير قابل للرفض وأرادت أن تتخطى ليال لتدخل لكن تلك الأخيرة ظلت واقفة بمواجهتها، هل ترغبين بحرب؟ إذن أنا لها
لم تتحرك من أمام الباب وعنت نظراتها ما قالته "ليس الآن، عندما يستيقظ"
الغضب تحول لنبرة الصوت وهي تحاول تخطي ليال 
"أنا الطبيبة هنا ولابد أن أفحصه"
عقدت ذراعيها أمامها لتوضح قرارها بالرفض ولم ترفع نبرة صوتها وهي تقول "وأنا أخبرك أنه ليس بحاجة لك الآن، هو بحاجة للنوم"
فتحت مي فمها لتعترض وتفرض سيطرتها لكن هندية تدخلت "ليال على حق مي، أنس قال أنه لم ينم لثلاثة أيام"
التفتت لوالدتها بغضب وهتفت "ماما!؟"
المرأة كانت جادة وهي تقول "افعلي ما قلته مي الأمر لا يسمح لجدال، هي حياته ما نتجادل عليها وكلنا نرغب براحته"
تراجعت مي وهندية تقول "عندما يستيقظ سأعيد تسخين الطعام ليال"
لم ترد ليال وابتعدت هندية ومي ما زالت ترمق ليال بنظرات نارية وأدركت أنها لا تستطيع التراجع الآن، لابد أن تردع خصمتها بلا رحمة  
هتفت بغضب وحقد "هل تظنين أنه سيكون لك؟"
تجهم وجه ليال من السؤال الوقح وفتحت فمها لترد لكن مي لم تمنحها فرصة للرد وهي تكمل "هل تعرفين مكانتك هنا؟ عشيقته، أنت عشيقته، الكل يعرف ذلك، الزعيم لن يفكر بطفلة رخيصة مثلك لتكون زوجة له"
ابتلعت تلك الغصة التي تكونت من كلمة عشيقة وهي تدرك أن مي ترغب بأن تؤلمها بأقوى سلاح لديها وتلك الكلمة تؤلم أي امرأة تحب رجلها وتتمناه زوجا ورفيقا للأبد وليس مجرد عاشقة بالخفاء أو بالجانب الأسود بحياته 
يفر من وضعها بجواره بالعلن.. لكن لا..
لن تسمح لها بأن تؤلمها، هارون طالبها بألا تهتم وهي ستحارب مي فرفعت رأسها وقالت "وأنت متحدث رسمي باسمه؟ تظنين أنك تعرفينه جيدا؟ لما فعل بك ما فعله بالمرة السابقة"
شحب وجه مي فليال لم تواجها من قبل وهي لم تعرف قدرات عدوها وها هي تهاجم ولا تكتفي بالدفاع
هكذا الحرب متعادلة.. 
"نعم أعرفه جيدا، نشأنا معا يوما بيوم، أحفظه كما أحفظ اسمي ونعم أتحدث باسمه لأني أعرف المناسب له وأنت لست مناسبة له فمن الأفضل لك الابتعاد عنه"
ابتسمت بسخرية لمعت بعيونها وهي تهاجم "الابتعاد عنه وهو من أتى بي هنا؟ تحبين الضحك على نفسك والتمتع بالأحلام، هارون لا يفكر بك لو أرادك لكنت له لكنه لم يراك بالأساس وأنا من أسكن بعيونه"
الغيظ والغيرة كانت واضحة بعيونها والحقد غلف كلماتها "حتى لو سيدرك أنك لا تناسبينه لأنك لن تسببي له إلا الموت، هل عرفت سبب ما حدث له بالأمس؟ إنه أنت، العطار أخو فريد عرف الحقيقة ويرغب بالثأر وكل ذلك بسببك.."
صوت هارون الغاضب جعلهم يفزعون وهو يهتف "كفى"
شحب وجه مي وتحركت عيونها فوق أكتاف ليال فيما خلفها والتقت بعيونه الحمراء والتي لمعت ببريق الغضب 
ليال التفتت بفزع من صوته لتراه واقفا خلفها مبعثر الشعر وما زال عاري الصدر والضمادات هي ما التصقت بكتفه وجانبه وأيضا رأت عيونه التي اكتست الأحمر 
نظراته النارية تكاد تحرق مي بمكانها وهتف "لن تبقي بأي مكان بيننا بعد اليوم"
تراجعت مي من المفاجأة وتلعثمت وهي تدرك أنها بطريقها لخسارة كل شيء 
تتهاوى من على قمة الجبل متعثرة بكل حجارته القاسية والتي تصيبها بألم بكل جسدها وبالنهاية هي بطريقها للقاع وستنتهي ممددة على الأرض بلا حياة
تلعثمت وقد فقدت دفاعاتها أمامه ورددت بلا تركيز "أنا، لا، أنا فقط.."
هتف بنفس الغضب "هل سمعت ما قلت؟ لا أريد رؤيتك أمامي، اخرجي"
سقطت دموعها والكلمة خرجت حادة وقوية وهندية تهرع للداخل على صوته المرتفع ومي تسرع خارجة وتصطدم بأمها ولم تهتم بها وهي تترنح من ابنتها ووقفت حائرة وهو قال "لا أريد رؤيتها بالبيت كله وأنت لك الحرية بالبقاء أو الذهاب معها"
والتفت للداخل وهي ظلت جامدة لا تعرف ما يدور وكل شيء ينهار من حولها، حياته كانت بخطر بسببها، مي طردت بسببها وهندية ستكون التالية وكله بسببها فهل ستبقى؟ 
عليها بالذهاب..

                 الفصل السادس من هنا
تعليقات



<>