رواية غرام في العالم السفلي الفصل السادس6بقلم داليا السيد


رواية غرام في العالم السفلي الفصل السادس6بقلم داليا السيد

قبلتك مهلكة
تبعته للداخل ولم تجده وهي ما زالت تفكر بما وصلت له وسمعت المياه بالحمام
الأفكار تقتلها والشعور بالذنب يؤلمها.. لن تكون سببا بموته بدلا من سعادته
ليس بعد أن منحها الحياة فهل يستحق منها الشقاء؟
عدلت الفراش ورتبت الوسائد بذهن غير صافي حتى رأته يخرج وهو يجفف وجهه وشعره بالمنشفة 
لم يحاول الالتقاء بنظراتها التي تنتظره وهي لن تظل تحمل عبأ الذنب "لن تتركها تذهب"
كان إقرار وليس سؤال.. 
أبعد المنشفة ولم يواجها وهو يرد "من صفاتي السيئة أني لا أرتد بقراراتي ليال فتوقفي"
تحرك للخزانة وجذب قميص أسود وانتبهت لبنطلونه الأسود الذي ارتداه بالحمام، استوعبت ما يفعله وأنه يرغب بالخروج
هل هو بشر طبيعي؟
تحركت له بخطى غاضبة وهو يرتدي القميص ببطء من ألم كتفه وذراعه وهي تحاول منع الغضب من الفرار منها 
"ماذا تظن نفسك فاعلا؟"
لم تدرك أنها كانت تقبض على يده التي تغلق الأزرار لتوقفه فأسقط نظراته عليها وقال "لابد أن أرى صفوان ليال وأتابع ما وقع مني بالأيام السابقة"
لم تترك يده وهي تقول "بالصباح هارون، هل تدرك حالتك؟"
ضغط على يدها لتستعيد نفسها وقال وهو يقرب وجهه منها "حالتي لم تمنعني يوما عن عملي لأنه لا يقبل التوقف، هناك أرواح مسؤولة مني"
هتفت "وروحك"
ابتسم وقال وهو يعني كل كلمة يقولها "أنت تراعيها جيدا، يكفيني هذا القلق بعيونك ووجودك بجواري طوال النهار"
ورفع يدها لفمه وطبع نفس القبلة الدافئة عليها قبل أن يحررها ليغلق قميصه ولكنها قالت فجأة "أنا لابد أن أذهب"
توقف عن تكملة القميص وهي لا تواجه وهو يستوعب ما قالت وردد "ماذا!؟"
ابتعدت هاربة من مواجهته بل مواجهة نفسها التي لا ترغب بالرحيل ولكن عقلها يأمرها..
"أنت تفهم هارون، أنا لا مجال لبقائي هنا، تعلم ما يقال عني كما أنني لن أعرضكم جميعا للخطر أكثر من ذلك"
لم تذهب بعيدا لأنه جذبها من ذراعها ليعيدها أمامه والغضب واضح على ملامحه 
هل ظنت أنه سيعود وحيدا بعد أن ملأت عالمه بوجودها؟ 
"والآن أنا غاضب حقا، هذا الحديث لا أريد سماعه مرة أخرى لأن لا فائدة منه، الأمر لا يتعلق بك وحدك هو أنا من قتل فريد لأنه يستحق القتل ولو استيقظ سأقتله مرة أخرى ليس فقط لم فعله بك وإنما لكل البنات اللاتي سقطوا بسببه"
ظلت تواجه عيونه المشتعلة بضي الحنق وهو الزعيم.. لا يخطئ
"هارون، وجودي لم يسبب سوى مشاكل بينكم، دعني أعود كما كنت حتى تسترد حياتك وحياة رجالك"
للحظة فتح فمه ليعترض ولكنه تراجع وتركها وأكمل ملابسه بصمت وهي لا تفهم صمته 
هل سيتركها!؟ هل مل منها ولم يعد يريدها؟
اللعنة لماذا تصمت الآن؟ 
"أنت لا ترد"
تحرك لهاتفه ونظر به ثم قال "لقد فهمت"
ظلت بمكانها وهي تردد "فهمت!؟ ما الذي فهمته؟"
وضع ساعته بمعصمه والتقى بعيونها وقال "فهمت أن هنا ليس المكان المناسب لك، سأدبر لك مكان أفضل من شقتك القديمة ومؤمن جيدا"
وتحرك مدركا أنها لم تعد ترغب بعالمه.. عندما الفانيليا تلتقي بالدماء فلابد أن تتراجع، تتلاشى، تختفي من الحياة
لكنها لم تستوعب ما قاله، لم تقبله وتحركت لتقف أمامه فأسقط عيونه عليها وهي تحدق به بنظرة حادة فاصلة بين ما بداخلها وما وصل له
هي ليست صغيرة كي تقف عاجزة أمام تصرفاته، لابد أن توقفه حتى ولو كان الزعيم وهي الصغيرة
رفعت إصبعها ودسته بصدره وهي تخرج كلماتها بمواجهته "أنت لم تفهم شيء إذن، هي حياتك ما أتحدث عنه، حياة رجالك وأصدقائك، أنا سبب ضياعكم"
احترق الأزرق بعيونه وهو يمسك ذراعيها بقبضتيه وينطق بقوة "ألم تستوعبي أي شيء من وجودك معي بالأيام السابقة؟ ألم تفهمي أن حياتي لن تعني شيء لو أصابك أي مكروه؟"
هتفت بدموع "وماذا ستعني حياتي لو بقيت أنا وأنت لست بها!؟"
تراجع من كلماتها ولم يفهم المعنى داخلها ودموعها تخفي نظراتها الخائفة 
"أنت من أدرت حياتي كلها طوال تلك السنوات فماذا لو لم تعد موجود؟ لن أعرف كيف أعود وحدي، ليس بعد أن وجدت من ظل بجواري كل تلك السنوات ولم يتخلى عني مثل والدتي أو يخذلني مثل والدي، أنا لا أريد ذلك منك ولن أتحمله"
استوعب كلماتها جملة واحدة وأدرك الألم الذي يمر بها
حصيلة حياتها تنحصر بأم تخلت عنها وأب اختار الإجرام وأيضا تخلى عنها
وهي الآن تخاف من أن يتخلى هو الآخر عنها 
هي تبكي بألم يؤلمه.. كل دمعة منها شذى محترق يحرقه
هو يحترق من أجلها وهو من نصب نفسه لراحتها وهو سبب احتراقها..
جذبها إليه بلا تفكير واحتضنها بقوة رغما عن ألم جراحه ولكن وجودها بين أحضانه ينسيه أي ألم بل هو الشفاء وهي لم تمانع وهو يربت على شعرها هامسا بحنان هي تحتاج له وهو يعلم بذلك 
"لن أخذلك أو أتركك أبدا ليال، أنت لا تعرفين ماذا تعنين لي؟"
لا، هي لا تعرف وتتمنى لو تعرف، لكن الآن هي فقط لا ترغب بفقدانه 
أبعدها وأحاط وجهها الباكي براحتيه وقال "توقفي عن وضع حياتك مقابل حياتي لأن حياتك هي من ستفوز بالنسبة لي، فقط فكري جيدا أن هذا هو عالمي لم أخفيه عنك ولن أفعل ولك حرية الاختيار بمجرد أن تنتهي حربنا مع العطار بالبقاء أو الرحيل"
سألته بنفس الألم والدموع ممتزجين بالحيرة والخوف "وأنت!؟ هل ستتركني أذهب لو اخترت الرحيل؟"
لم يترك وجهها وهو لا يرغب بإبعاد عيونه عنها ويجيب بألم لم تشعر به "أخبرتك أني أرغب بسعادتك، هي كل ما تهمني"
قالت بلا تفكير "إذن لا تتركني أذهب حتى ولو طلبت منك ذلك"
ابتسم وأغمض عيونه يحتضن كلماتها١ داخل جنباته وكأنها تمنحه الحياة فتنفس بقوة
لم أعرف ماذا تعني السعادة فقد عشت بدروب مظلمة حتى أنني نسيت كيف يكون الضوء حتى طل شعاع نورك بحياتي فمنحني لحظة شروق
فتح عيونه وهو يجذب وجهها وبلا تفكير وضع شفتيه على شفتيها بقبلة أرادها 
منذ أدرك مشاعره تجاها وهو لا يعرف كيف أحبها وتحول من وصي لعاشق؟
لم تدفعه أو ترفضه بل تاقت لتلك القبلة.. هل حقا لم يتركها واختلطت اللافندر طاحنا الفانيليا؟
هي تجربتها الأولى في قبلة، قبلة بدأت ناعمة ثم تعمقت بلا توقف منه واستجابت هي له تبثه كل ما حملته له طوال سنواتها التي عاشتها تحلم به وتتمناه
عض شفتها السفلى ليترك أثر الزعيم عليها..
تأوهت لتمنحه تقدير امتياز على قبلته التي كادت تغلبه فتوقف واستنشق أنفاسها السريعة فأسند جبينه على جبينها ليمنحها الهواء وهمس وعيونها مغمضة وأنفاسها لا تتوقف من سرعتها 
"لم أظن أن قبلتك ستكون مهلكة"
فتحت عيونها لتلتقي بعيونه فعاد وهمس "والآن الزواج هو الحل الوحيد لي معك ليال"
وترك قبلة أخرى رقيقة على شفتيها ثم تحرك للخارج تاركا إياها وقلبها يعصف بقوة كإعصار يدمر كل عنادها ومخاوفها 
الزواج من هارون هو كل ما أرادت وتمنت ولو طلب رأيها الآن لأخبرته أنها لا تستطيع الانتظار أكثر لتكون زوجته
**** 
ما أن خرجوا من ذلك المطعم وهو يتناقش مع رجلي الشؤون القانونية وهي تحاول مجاراتهم بخطواتهم الرجولية الواسعة تجاه السيارات
لم تنتبه للحفرة التي سقط الحذاء بها والتوى كاحلها فتألمت وتوقف الرجال وتلقاها حمزة يوقفها عن السقوط عندما أمسك ذراعها وهي تتمسك بالحاسوب اللوحي الذي تقيد عليه كل بنود الاتفاقات والمواعيد..
تألمت من كاحلها وحمزة يساعدها على الوقوف وانضم غسان لهم محاولا الاطمئنان عليها وهو ينحني لرؤية كاحلها لكن يد حاسمة أمسكت بيده وصوت رشدي يوقفه
"سأراها أنا"
تراجع غسان من نبرة رشدي وارتجفت هي الأخرى وقبل أن ينحني هتفت "لا، لا داعي لذلك أنا بخير"
رمقها بنظرة أخرستها وهو يلمس نهاية ساقها فارتجف جسدها من لمسته ورأى كاحلها دون أن ينزع الحذاء وقال "هناك ورم ظاهر، لن أنزع الحذاء حتى نذهب للمشفى"
اعتدل وهي تردد باستنكار "لا، لا، أنا بخير، لا داعي.."
اعتدل بأناقته المميزة.. ابن زيتون الرجل المليونير والذي تمرد ابنه الكبير عليه ورفض أن يعمل تحت يده ليضع يده بيد هارون..
ترى أين الحلقة الناقصة؟؟
قبض على ذراعها بقوة ونظراته تفرقت على الرجال "سأتولى أمرها، يمكنكم العودة للشركة وإنهاء ما طلبته"
كانت ترفع وجهها الصغير له باحثة عن كلمات توقفه عما يريد لكن ملامحه الجامدة كانت توقفها.. تسرق منها كل السرد
ضاعت الكلمات وضاعت هي معها دون أن تدري
تمنت لو تألمت بصوت مسموع عندما وضعت قدمها بالأرض ولكنها خجلت من أن تفعل واضطرت أن تستند عليه وهو لم يمانع..
دخلت بالمقعد المجاور له وهو يدفع قدمها معها وهي تموت من شعور الخوف والخجل المترافقين والمتفقين عليها بالوقت الحالي
دخل بجوارها وأدرار السيارة وانبهرت بها حقا.. سيارات الريس العملاقة لا يعتليها سواه هو ورجاله.. وعندما كان صفوان يقلها لمكان كانت مشاعرها المضطربة من قربه توقفها عن رؤية ما حولها
هنا اختلف كل شيء.. السيارة صغيرة لكن حديثة جدا، شاشة التحكم الأمامية تضيء وصوت موسيقى هادئة تخرج منها.. عجلة القيادة صغيرة وقاتمة كعيون قائدها الذي انتبه لنظراتها 
"هل أعجبتك؟ السيارة؟ أم أنا من حاز اهتمامك"
تورد وجهها من الخجل وجف حلقها من أنه ظن أنها كانت تتأمله ومع ذلك حاولت أن تبدو شجاعة وتغاضت عن الجزء الأخير
"السيارة غريبة، هل تتغاضى عن المشفى؟ أنا بخير"
لم يهتم بأنها تفر منه ولم ينظر لها وهو ينتبه للطريق ولا يفهم ما الذي يفعله.. كان يخطط للإيقاع بها وما زال فما الذي يقصده بدور النبيل هذا؟
"عندما نصل ستبدلين رأيك"
لم تفهم كلماته وهو يقف بالسيارة أمام مشفى استثماري شاهق رفعت عيونه له من النافذة وهتفت "هل هذا مشفى.."
لم يرد وهو ينزل وهي مشغولة برؤية المشفى العملاق عندما سد جسده رؤيتها ويفتح بابها
وضعت قدماها على الارض واتكأت على السليمة لكن ما أن مالت على المصابة حتى تألمت بصوت مسموع وأدركت الآن معنى كلماته
لم يمنحها فرصة وهو يحملها بسهولة وهي تفاجأت "ماذا تفعل؟ يا فندم اتركني"
لم يهتم بما قالته وهو يتحرك للداخل وبلحظة انبثق طبيب وممرضتين والاهتمام تبعثر حولها وهي لا تفهم ماذا يدور حولها؟
أشعة على الكاحل.. طبيب يفحصها.. أنكل طبي تم وضعه لها وتوصية بالراحة عدة أيام.. أقراص مسكنة وأخرى مضادة للالتهابات
دوامة سحقتها بلا هوادة.. الكل يلف حولها وهو يعقد ذراعيه أمام صدره منتظرا طبيب يشرح له.. ممرضة تطلب منه شيء حتى فرغ الجميع منها 
"من أنت؟"
هو سؤال خرج منها بلا وعي بعد كل ما كان يلف حولها 
اقترب منها بلا معنى بعيونه.. فراغ.. عمق غريب لاح برمادية عيونه.. ما زالت تقارنهم بعيونه، حبيبها العملاق لكن مع بعض الاختلاف..
منحها يده البرونزية طبقا للون بشرته وقال "رشدي زيتون.. هيا لنذهب"
ظلت نظراتها ثابتة على وجهه الذي لم يكن يواجها حتى منحته يدها لتجلس على المقعد المتحرك 
دخول الممرضة نفسها ونظراتها الحالمة للوسيم الأعزب.. رجل النساء جعلها تنتبه لما يدور والفتاة تتمخطر أمامه
"لقد منحتهم بيانات الآنسة يا فندم.. تم ابلاغ سيد زيتون من قبل المدير"
تقصد من بكلماتها هذه؟
هز رأسه ومنحها نظرة تحمل معاني مختلفة.. هي تعرف كيف تتعثر الفتيات بطريقه وهو يعرف جيدا كيف يوقعهم وهي لم تنجو من تحرشه الغير صريح
دفعتها الفتاة للخارج وبالممر رات رجلا بالستينات يسرع لهم حتى توقف أمامهم وهو يقول "رشدي باشا، لماذا لم أنال شرف رؤيتك بمكتبي؟"
ندم لأنه أتى هنا.. فقد عقله ونسى كل ما كان فقط عندما تألمت تلك الحمقاء أمامه
مستشفيات لا حصر لها تنتشر بالمدينة فلماذا أتى هنا؟
"دكتور عدلي، سعيد برؤيتك، لقد انتهينا"
نظر لها الرجل باستفهام كما كانت هي وعاد لرشدي "الآنسة.."
لم تتبدل ملامحه كعادته.. جامد جمود الصخر.. حتى بعلاقاته مع النساء لا تتبدل ملامحه ومع ذلك ينال إعجابهم
"الآنسة سكرتيرتي الخاصة، أصيبت أثناء اجتماع خارجي وهي الآن بخير، نحتاج للذهاب"
شعر الرجل بالحرج من نبرة رشدي الحاسمة وهو يرمق الممرضة بنظرة آمرة للتحرك
صمت لفهم طوال الطريق وما ان خرج بطريق بيت هارون حتى انتبهت وهتفت "توقف أرجوك، أنت لن تذهب بي للبيت"
لم يتوقف وهو يركز بالطريق وهو لا يفهم سر مخاوفها "ما الذي يمنع؟"
هل يسأل؟ سيقتلها سعد وربما صفوان أما هارون فلا تعلم ماذا سيتبقى منها ليناله!؟
"لا يمكن أن تفعل، ماذا سأخبر سعد؟ أنت صاحب العمل"
ظل يقود بسرعة مفرطة جعلتها تتمسك بذراع المقعد وهو لا يهتم "وإصابتك كانت بسبب صاحب العمل، كنت تؤدين عملك معي"
هل يصدق ما يقول؟
ظلت تحدق بجانب وجهه ولا تعي ما يحدث لها ولا تعرف ماذا ستخبر الجميع..
****
ما أن دخل هارون بيت الرجال حتى نهض الجميع لرؤيته وهو يتحرك بينهم لغرفة صفوان الذي ما أن رآه حتى كاد ينهض من الفراش لكنه أشار له ليبقى حيث كان 
"ابق حيث أنت، كيف حالك؟"
تبعه أنس وصفوان يرتد بالفراش "أنا بخير يا ريس بفضلك"
ابتسم وهو يقف بجوار فراشه وهو يستعيد تلك المعركة والتي كانا بها ككل معاركهم، معا، وشجاعة صفوان تجعله فخور به 
"سعيد أنك بخير صفوان هل تحتاج لشيء؟"
ابتسم صفوان بتعب ممتنا للاهتمام الريس، مدربه وقائده ومثله الأعلى 
"أكثر من كل هذا؟ يكفي وجودك رغم إصابتك"
هز رأسه وقال "أنا بخير صفوان، لا تنهض إلا عندما يسمح لك الطبيب"
وتحرك خارجا وأنس يتبعه للخارج وكل أسئلة العالم تلف داخل عقله  
"أي طبيب هارون؟"
لم يتوقف وهو يتحرك للسيارة مدركا الاسئلة التي تتداول من حوله خاصة بعد ما حدث من مي
"طبيب يعمل بالمشفى الميري تعرفت عليه بالعام الماضي وهو مدين لي بالكثير سنتعامل معه من اليوم"
توقفا أمام السيارة الكبيرة وأنس يحدق بهارون محاولا فهم ما يدور برأسه لكن كالعادة الفشل نتيجة حتمية 
"ومي!؟"
التفت له هارون ليجيبه "انتهت منا، لن تبقى هنا"
أنس لا يفهم، كانت تداويه منذ ساعات والآن ماذا؟
"أنا لا أفهم هارون، أنت منعتها من التواجد حولك لا طردها"
هو لا يحب أن يستجوبه أحد لكن أنس ليس أي أحد، أنقذه من قبل وهو المثل، هو يثق به كصفوان تماما لذا علاقتهم مختلفة.. لهم مساحة واسعة بحياته
"واليوم دفعتني لطردها.. هي لا تستطيع تقبل ليال هنا"
والتفت ليدخل سيارته لكن أنس كان يدرك تماما بيت القصيد، يفهم سبب تصرفات مي وعلى هارون أن يدركها ويتجاوز عنها 
"تقصد تغار منها، هي امرأة هارون وتحبك"
علقت يده بمقبض الباب لحظة وهو يتذكر كلمات ليال "لأنها تحبك" 
الكل رأى مشاعرها إلا هو..
هو لم يهتم بأي امرأة غير ليال، كانت كل شيء، الطفلة، الشابة والآن المرأة التي قرر أن تكون رفيقته للأبد
لف وجهه لأنس وسأله "وهل هذا ذنب أعاقب أنا عليه وأنتم معي؟ لقد قذفت سر من أسرارنا بوجه ليال اليوم، أخبرتها عن حربنا مع العطار هل هذا أمر سهل؟"
أشاح أنس بيده وقال "أنت غاضب من أجل ليال إذن؟"
تفاجأ من رد أنس للحظة وأنس استوعب ما قال فالتفت ولكن هارون قاطعه بنبرة حازمة "لن أجيبك على ذلك وسأعتبر أني لم أسمعه حتى تستوعب ما قلته وتستوعب أن الأمر أكبر بكثير من ليال"
ودخل السيارة ولم ينتظر حراسة بل انطلق وحده وأنس يمرر يده بشعره مغمض عيونه وهو يهتف "يا الله! أنت تفقديني عقلي وصديقي مي"
تحرك لبيتها ودق الباب ومر وقت قبل أن تفتح له ورأى وجهها المحتقن من البكاء، هارون مسحها من حياته
طردها وألقى بها بسلة المهملات دون لحظة ندم.. نسى كل ما كان يربطهم.. لياليهم كعائلة واحدة.. 
مداواة جراحه هو ورجاله.. ليالي السمر احتفالا بنجاح صفقة هامة
لقد نسى.. لا.. هي من بنت قصور واهية بخيالها وها هي تتحطم من أول هبت ريح
لم تواجه أنس الثائر "هل جننت مي؟"
أشاحت بيداها وأخفت وجهها عن مرمى نظره، الألم لها وحدها 
"بل صديقك فقد عقله أمام فتاة حقيرة، هو لم يعد يرى سواها وسيخسر كل شيء بسببها"
لهذا الحد تكره ليال؟ هو يحبها أيضا ويغار من حبها لهارون لكنه أبدا لم يكرهه
ليس ذنب هارون أن مي تحبه ولا ذنب ليال أن هارون لا يحب مي
القلوب لا تسير حسب هوى أصحابها بل تتمرد وتتبع جنونها وتلقي بأصحابها بالتهلكة
تقدم منها وأسقط بريق عيونه عليها مدركا الخطأ الذي ارتكبته وما زالت تتمادى به 
"ولن يخسر وأنت تفشين أسراره هكذا على الملأ؟"
زاغت عيونها وهي تفهم كلماته ونطقت بكلمات مبعثرة "أنا، أنا لم أفعل، أنا فقط أردتها أن تعرف"
مال تجاها وهو يدرك سبب تصرف هارون، الغيرة إذا خرجت عن السيطرة تصبح أداة تدمير فتاكة ولن تميز بطريقها بين الصالح والطالح
"تقصدين جعلها تشعر بأنها سبب ما هو به وربما دفعها للخروج من حياته بعقدة الذنب"
شحب وجهها ولم ترد فتحرك ليقف أمامها وقال "كفي عن جنونك هذا لأن ليال ليست طفلة كما تظنين ولا هارون سهل التلاعب به"
ظلت تتجول بعيونها داخل عيونه لا تتراجع ولا تعترف بأنها أشعلت فتيل الجنون وهي من ستتلقى الانفجار وتدفع ثمن نتائجه 
"أنت مخطئ، تلك الفتاة تتلاعب به بسهولة وستدمره"
صمته لم يعني موافقته على كلماتها وهي ابتعدت من أمامه وقالت "ألا يمكنك مساعدتي أنس؟"
لم يتبعها وهو لا يرى إلا مأساة حب من طرف واحد وكلاهم يعيشها 
قلبه يؤلمه وحبها لهارون سكين حاد ينحر عنقه فيقتله
لماذا لم تشعرين بي ولو مرة واحدة؟ كنت أراك كل يوم أمامي تزدادين إشراقا وجمالا ويزداد معه إعجابي وحبي لك ولكن..
بعيونك حب لرجل هو الحياة لي.. قلبي لا شيء أمامه لذا دهست حبي وتركتك له ربما يمنحك قلبه لكن ها هو يعلنها للجميع
ليال هي امرأتي والباقي لا يهمني
والآن ماذا مي؟ أي مساعدة تطلبين  
"بماذا؟"
قالت برجاء "تجعله يسامحني و.."
التفت لها غير مصدق أنها ما زالت تأمل بأن يبقيها؟ كل ما تقوله وتفعله لا عقل به فقط جنون يثير الغضب
"أنت لا فائدة منك، بأي لغة يمكنني قولها لك لتفهمي؟ هو لم ولن يفكر بك بأي يوم لأنه لا يرى سوى ليال، هو يحبها مي، يحبها"
وانتهى الحوار، الكلمات انتهت..
تركها..
يدرك أنها لا تسمع وهو لا يرغب بمزيد من الألم 
ظلت بمكانها..
هو يحبها.. يحبها.. تلك الليال المظلمة والتي غطى ليلها الحالك عليها ولم تترك لها أي شعاع نور ولو صغير يجعله يراها منه
الدموع هي كل ما تملكه الآن بجوار غباءها الذي جعلها تخسر جولاتها والآن عليها أن تنفذ أوامره لأن أوامر الريس لا رجعة بها وإلا العقاب مصيرها
صفوان سينفذ بلا نقاش..
عليها أن تفارق من أحبت فهل سيتحمل قلبها فراقه؟
*****
توقف أمام الفيلا التي حصل على موقعها على هاتفه، الحراسة أوقفته فنزل للتفتيش وقال بثبات الزعيم 
"أخبره أن هارون يرغب برؤيته"
انتهى التفتيش فعاد للسيارة ولحظات والبوابة انفتحت فقاد للداخل وفتح له رجل الباب فنزل وتحرك للداخل ورجل آخر يقابله باحترام 
"من هنا سيد هارون"
باب آخر فتحه رجل أمن فتحرك للداخل والتفت رجل بالخمسينات تقريبا لمواجهته  
"اندهشت من طلبك رؤيتي هارون؟"
رحب الرجل به وأشار له ليجلس وهارون يقول "ما لدي يهمك رشيد"
جلس الرجل خلف مكتبه وأشعل سيجار ضخم نفخ دخانه ثم قال "هل ستخبرني به أولا أم طلبك قبله؟"
ارتخى بمقعده وضاقت عيونه وهو هنا لإخراج الفأر من جحره بعد أن فر هاربا أمامه وربما يحظى برأسه على طبق من فضة دون مجهود 
"هل لديك صفقة بالطريق من اليونان بعد يومان؟"
اعتدل رشيد من بين دخانه وهارون عرف أنه جذب انتباهه فأبعد وجهه ورشيد صامت وهلة يستوعب ما رماه هارون بوجهه وهو أمر سري لا يعرفه إلا اثنان، هو و..
العطار!؟ 
"هات ما عندك هارون ولك ما تريد"
**** 
تحركت لبيت الرجال وما أن وصلت حتى سمعت ضوضاء بالداخل، دقت الباب فانفتح وتراجع سعد لرؤيتها ثم هتف "آنسة ليال، تفضلي"
ابتسمت له وقالت "شكرا سعد، كيف حال أحلام؟"
أخفض نظراته كعادتهم معها "بخير"
تجنبت أحلام رؤيتها منذ وصلت هنا وظنت أن هارون منعها عنها لكن أحلام كانت بعالم آخر ولم تشأ إخبار أحد به..
كلاهم اعتاد الاحتفاظ بكل شيء لأنفسهم
تحركت للداخل فانتبه الجميع ووقف الرجال لرؤيتها مخفضين أنظارهم وهو شعور غريب يجعلها لا تعرف هل تسعد به أم تخجل منت؟ 
"مساء الخير، أردت رؤية صفوان"
سعد هو من أشار لها "صفوان، الآنسة ليال أتت لرؤيتك"
تحركت لغرفة صفوان الذي انتبه لها وهي تتقدم نحوه، كاد ينهض لولا أنها أسرعت له لتوقفه مدركة حالته 
"لا، لا، كما أنت من فضلك"
ارتخى بألم واضح على ملامحه وقال بصعوبة "لم يكن عليك الحضور هنا وسط الرجال"
ابتسمت وهي تتفهم سبب اعتراضه من أجل رئيسه لكن هارون ليس هنا ولن يمنعها من أن تطمئن على رجاله 
"كلكم إخوة لي، كيف حالك الآن؟"
"بخير بفضل الريس، تلقى الطعنة بدلا مني، لا أعلم كيف سأسدد ديوني الكثيرة له؟"
تلك هي حياتهم، هذا ما طالبها بأن تعرفه وتستوعبه وتقرر ما إن تقبله أم لا
هذا هو سبب تأجيله للظهور بحياتها..
هذا هو أيضا سبب عدم فرض الزواج عليها، هو قرر لكنه لم يفرض.. هناك فارق وهي تدركه جيدا
"أنا أكيدة أنه لا ينتظر أي مقابل"
هز رأسه بالموافقة، لا واحد منهم كان ينتظر مقابل من الآخر، هو دربهم وعلمهم معنى الانتماء، الإخلاص..
هم رجاله، هم له وهو لهم
"نعم أعلم"
أخفضت وجهها مدركة قوة نبرته بالإجابة وبكل يوم تدرك مدى عمق علاقتهم جميعا ببعضهم.. هارون أراد عائلة 
عائلة لم ينالها بأي يوم لذا يحاول أن يحصل عليها بين رجاله وهي اليوم ستحطم كل ذلك..
"أنا السبب بكل ما أصابكم"
أبعد وجهه، هي لم تقتل فريد لتتحمل ذنب لا يخصها.. هي ضحية فريد وربما ضحية خطأ الزعيم نفسه
"لا تخبريه بذلك وإلا سيزداد غضب أكثر فلا يمكنك تخيل ما يفعله بأي شخص يحاول أن يمسك ولو من بعيد بأي ضرر"
تورد وجهها وهي تستوعب كلماته ورفعت عيونها الواسعة لصفوان ورأت جديته بل وهي نفسها تدرك ذلك
لقد قتل فريد.. هل هناك بعد القتل شيء؟
"كنتم تعرفوني"
ابتسم صفوان وكل ما يخصها يسقط ببوتقة خاصة داخله لا يخرجها ألا مع الريس 
"أنا لحقت به وقت حملك للمشفى"
اتسعت عيونها فضحك ثم تألم فقلقت عليه حتى هدأ ولانت ملامحه فتسرب الهدوء لها 
"من وقتها ونصب نفسه وصيا عليك ولا أحد أمكنه مراجعته بقراره وأي شيء خاص بك كان هو صاحب القرار بلا جدال، سلامتك بالمقدمة وكل أحلامك هي هوايته بتحقيقها"
لم ترد، تاهت بالذكريات.. كان قريب وهي ظنته بعيد، كان معها، حولها، المصباح السحري لكل طلباتها وهي ببساطة اختارت أن تعمل بالمطبخ
"أنت لا تعترضي على وجوده بحياتك ليال أليس كذلك؟"
رفعت وجهها له واندهشت من السؤال، أي اعتراض؟ هل منحت أحد شعور بعدم رغبتها بهارون؟ هل هو يشعر بذلك؟
ستموت لو كان يظن أنها لا ترغب به أضعاف ما يريدها..
هو كل ما أرادت وتمنت.. 
"ماذا!؟ لا، بالطبع لا"
هز رأسه بتفهم وقال "هذا جيد لأني لا أتخيل حياته بدون وجودك"
حدقت به وفتحت فمها لتسأله عن كلماته تلك ليمنحها ذلك الشعور الرائع بأن ما بينهم حقيقي وليس حلم لكن دخول أنس فجأة أوقفها فزمت شفتاها وأنس يوجه كلمات قلقة تجاها
"بحثت عنك ليال"
التفتت له لتواجه القلق المرتسم بعيونه ولا تعلم هل رأت غضب أيضا؟ 
"أردت رؤية صفوان أنس، هل حدث شيء؟"
حدق بها لحظة مترددا، هي كانت جزء مما كان وعليها منحه أي شيء يريح قلبه 
"هل عرفت أنه طرد مي؟"
رفعت وجهها وقد ارتدت لما حدث ولا تفهم سبب سؤال أنس وغضبه الذي غلف سؤاله 
"نعم"
ظل يواجها وصفوان يردد "طرد مي!؟ لماذا!؟"
كان أنس يواجه ليال ونظراتهم تتحدث بما كان ولم يهتم أنس بسؤال صفوان بل ظل مهيمنا على تركيز ليال
"تعلمين أنها متهورة لكنها لم تقصد الضرر بأحد، لا يمكنه تركها تذهب ليال"
هتف صفوان معترضا على تجاهله "هل يجيبني أحد؟ ماذا فعلت مي؟"
التفت أنس له منتبها لنبرة الغضب بصوته فقال "مي أخبرت ليال بسبب ما حدث بالأمس وأن ليال سبب كل ما كان"
تجهم صفوان بينما عاد هو لها وواجه نظراتها وهي تحاول إدراك اهتمام أنس بمي لهذه الدرجة
هل مجرد اهتمام عادي بطبيبة هي بالأساس نشأت معهم وبمثابة أخت؟
أم هناك سبب آخر؟
القلوب حائرة.. 
"لن تدعيه يفعل ليال"
هل هذا أمر أم رجاء؟
"رفض أن يسمعني أنس، مي ترفضني وأظن أن الأمر واضح وهي تأخذ بطريقها لي كل شيء"
هتف صفوان "هي أخطأت أنس لم يكن عليها إفشاء أسرارنا حتى ولو كان لليال، هذا يعني سحب الثقة منها"
غضب أنس والغيرة تلتف حول قلبه.. تعصره وتستنزف دمائه حتى آخر قطرة..
هل يمكن أن ترحل؟ يفترقا بعد سنوات من تواجدهم معا حتى ولو افترقا أيام كانوا يعلمون أن بالنهاية سيجتمعون هنا؟
"ماذا تقول؟ أنت تتحدث مثله صفوان، مي نشأت معنا وتخاف علينا جميعا"
لم يتراجع صفوان وهو يقذف كلماته بلا زخرفة "لكن الحب أعمى أنس"
التفت له الاثنان.. 
ليال شحب وجهها من صراحته بإلقاء حب مي لهارون بوجهها وأنس ارتفعت الحرارة لجسده ووجه غضبا من دفع القيقة المؤلمة بوجهه 
تجهم وجه صفوان وأدرك الخطأ الذي سقط به فتراجع بارتباك وقال "أنا أقصد، ليال مي بالفعل أخت لنا و.."
لم يجد كلمات بعد ما قاله وهي نهضت لتنهي ما يحدث قبل أن تتفتح جراح لا داعي لها 
"أعلم، هو أنا سبب كل ذلك صفوان لكن.."
قاطعها "لا ليال هذا هو عالمنا، كلنا واحد بكل شيء لا أحد يحمل وزر شيء وحده والريس يريدك أنت ويثق بك وكلنا نثق برأيه"
تورد وجهها والتفتت لأنس وهي ترى أحزانه العميقة والآن هي تكاد ترى أن بداخله مشاعر تجاه مي ولكن للأسف المرأة لا ترى سوى هارون فأشفقت عليه فكم هو مؤلم الحب من طرف واحد  
"آسفة أنس، لم أقصد أن أكون سبب بأذية أحد، سأحاول مع هارون مرة أخرى"
لكنه أبعد وجهه وقال "لا أعلم ليال ولكن هارون لا يرتد بأي قرار يتخذه"
هزت رأسها وقالت "المحاولة لن تكلفني شيء، ماذا عن هندية؟"
أبعد وجهه ولم يعد لديه رغبة بإكمال ما بدأه ولكن عليه إن يفعل
"لا ترغب بالذهاب، تصر على عدم ترك هارون كعادتها ومي تعلم أن والدتها لا توافق على تصرفاتها"
لم ترد وتحركت قائلة "سعيدة أنك بخير صفوان"
"شكرا ليال"
تحركت خارجة وأنس يتبعها ولم يصمت بل قال "تعلمين أنها لم تقصد ما قالت، عنك"
لم تنظر له بل بالسماء الصافية والنجوم المتفجر ضوؤها هنا وهناك مما منحها سلام نفسي 
لقد أحبت البيت وكل ما به.. العائلة.. هي أيضا لم تنالها بأي يوم
بئر الحرمان ممتلئ بضحاياه حتى فوهته
"تقصد عشيقته؟"
سارا تجاه الفيلا، نظرات أنس لها كانت تفحصها، يرغب برؤية أثر الكلمات عليها ولكنه لم يرى سوى براءة غريبة..
"كلنا نعلم ماذا تعنين له ليال، كنا ننتظر اليوم الذي سيأتي بك هنا، ولا واحد يمكنه أن يشير حتى لك"
هي عرفت ذلك من معاملة الرجال لها عرفت أنهم اعتبروها امرأة الريس لا أحد يفكر بالتجاوز معها حتى بالنظرات
دخلوا البيت.. 
"لكن هذا خطا أنس وأنت تعلم ذلك" 
تحرك للركن الذي به المشروبات وجذب زجاجة عصير وهي رفضت وجلست وهو يقول "لا، مكانك هنا ليال، بجواره"
لم ترد.. مكانها بجواره.. هذا ما تريده فهل هو سيمنحها ذلك؟
تحرك وجلس أمامها واستبدل الحوار بطريقة جعلتها ترتاح 
"أنت تعرفين أن ما قاله صفوان صحيح؟"
تأملته ورأسها يختار الصواب من زحمة ما يدور بذهنها الآن 
"عن مي!؟ نعم من أول يوم عرفت مشاعرها وأخبرته ولكنه لم يهتم وأخبرني أنه يعتبرها أخت"
تناول العصير وظل يحدق بالبقية المتأرجحة داخل الكوب والتي تشعره بأن حياته مثله، متأرجحة بين حب من طرف واحد وبين ألم يريد إيقافه 
"هذه حقيقة لكنها لا ترى سواه رغم أنها تعرف بوجودك منذ سنوات"
تجرأت وسألته "وأنت!؟"
لف وجهه لها فأكملت "لم تلمح لها بمشاعرك؟"
امتعض وجهه وتناول باقي العصير كله قبل أن يترك الزجاجة بعيدا "هل تظنين أنها سترى سواه؟"
كانت تعلم أنها لن تفعل فحبها لهارون جنون والجنون لا شفاء منه 
"هل حاولت؟"
نهض وتحرك بلا هدى وقال "خشيت أن يكون هارون يفكر بها فأتخطاه ولكن منذ عرفت بأمرك تأكدت أنه لا يراها لكن هي لا ترى سواه"
نهضت هي الأخرى وتبعته لتقف بطريقه فحدق بها مدركا صدق نواياها 
"لأنك لا تظهر أمامها، عليك أن تجعلها تراك، تلك الأيام هي بحاجة لك وبوجودك ستدرك أنها بحاجة لمشاعرك أنت الصادقة ستعرف الفارق بين الحقيقة والأوهام التي تعيش بها"
"لا ليال، أنا كنت بالفعل معها من قبل بكل المواقف ولم أتركها لكن بكل مرة تدفعني بعيدا بكلماتها عن حبها لهارون"
ابتسمت وقالت "قلبك يحتاج أن تحارب لأجله"
ظل صامتا فعادت وقالت "المرأة تحب الاهتمام والكلمة الجميلة، تحب أن تكون محور حياة الرجل الذي تحبه، أن تكون هي القوة وقت ضعفه، السعادة وقت حزنه، والعكس، ووقتها لن تتردد وهي تمنحه كل مشاعرها"
كان التردد بعيونه واضحا وهو يقول "ولو رفضت كل ذلك ما تفعل دائما؟" 
قالت بصدق "وقتها هي لن تستحق قلبك وحبك أنس وعليك بالتراجع كي لا تتألم أكثر"
هز رأسه وتفهم كلماتها وقد لاح أمل بالأفق جعله يفكر جديا باتباع أفكارها ربما تنجح
قاطعهم هاتف أنس الذي رأى اسم سعد فأجاب رافعا رأسه "أحلام!؟ ماذا بها؟ اهدأ أنا قادم"
أوقفته "ماذا بها أحلام؟"
"سيارة أتت بها وكاحلها مصاب"
خرج فتبعته بقلق.. 
الحراسة على البوابة منعت سيارة رشدي من الدخول رغم رؤية أحلام.. إبلاغ سعد كل الحل وهو الآن ثائر بوجه رشدي 
"ماذا تعني أنها كانت معك؟ أين كنتم وماذا أصابها؟"
أمسك رشدي بقبضة سعد التي تحكم على صدر بدلته وهو يحاول إيقاف غضبه 
"لم يصيبها شيء، التوى كاحلها من حذاءها العالي والطبيب قال إنها بحاجة للراحة"
هزه سعد هاتفا "وكيف لا تخبرني؟ ومن أنت بالأساس؟"
صراخ أحلام قطع صوت غضبه "هو مديري سعد وهو من أخذني للمشفى فهل تتوقف؟"
لم ينظر لها وهو يستعيد ذاكرته عندما وصل أنس وهتف "باش مهندس رشدي!؟ سعد اتركه الا تعرف من هو؟"
بالطبع صدى الاسم اوقف جنونه وجعله يتركه ورشدي كان يمكنه تخليص نفسه لكنه لم يختار القوة وليال تساعد أحلام على الخروج من السيارة ورشدي يخاطب أنس
"لا تجعلها تأتي للعمل حتى تشفى"
تفهم أنس ما قاله رشدي وسعد يرمقه بنظرات قاتمة، الكل يعرف الاسم.. هارون التقطه من الضياع كعادته من الجميع ومنحه يد المساعدة بالشراكة بتلك الشركة منذ خمس سنوات ورغم عبثه مع النساء إلا أنه عبقري بالأعمال وحقق نجاح مدوي وطار بالشركة لمكان آخر.. 
لم يمنحها رشدي اي نظرات وهو يعود لسيارته وينطلق بها بقوة معلنة عن غضبه الذي لم يصرح به.. 
بيت هارون مكان لم يتم دعوته له من قبل رغم كل ما قدمه له هارون وهو لم يفكر بالانضمام لعائلته..
لا رغبة له بأي عائلة أخرى فقد اكتفى
ساعدت ليال أحلام على تبديل ملابسها والاستلقاء بالفراش عندما اقتحم سعد غرفتها بلا إذن  
"والآن هل لي بتفسير؟"
تجهم وجهها وهي لا تنظر له "كنا باجتماع مع رئيس شركة النيل الدولية برقة رجال الشؤون القانونية وعند خروجنا التوت قدمي وهو أخذني للمشفى"
تحرك لها وانحنى عليها وهي بالفراش فانكمشت من الخوف، كثيرا ما كان يثور بوجهها وهارون من كان يوقفه عنها.. لم تشعر أنه أحبها بأي يوم
كانت عبأ على أكتافه لطالما رغب بالتخلص منها..
"لماذا لم ترفضي؟ هل حقا كانت المشفى ام شقته؟ ألا تعرفين ما يقال عنه"
بلحظة كانت ليال تقف بينه وبين الفتاة الخائفة وهي لا يعجبها ما يفعله 
"الاشعة عليها اسم المشفى سعد هاتفهم وتأكد من أنها كانت هناك لكن قبل ذلك عليك ان تثق بأختك فأحلام لم تكن فتاة عابثة بأي يوم"
رفع وجهه لها وانس يلحق بهم "لا تتدخلي يا باش مهندسة فهي أختي وأنا أعلم صالحها جيدا"
جذبه أنس من كتفه بقوة وملامح أنس تعبر عن عدم الرضا 
"لا تتجاوز سعد واهدأ، لو فعل بها شيء ما جرؤ على إحضارها بنفسه هنا وهو بالأساس لن يمسها لا تنسى أنها بحماية هارون وهو يعرف جيدا من هو هارون ولمن يتجاوز مع ما يخصه"
لم ينطق سعد وكلمات أنس أوقفت الزوبعة الهائجة بصدره وأدرك صحة ما قاله أنس فالتفت لها ودموعها تكسو وجنتيها 
"ستبقين بالبيت حتى أقرر مصيرك"
وتحرك خارجا دون أن يزيد وهي أخفضت وجهها وأنس يتبع سعد بينما جلست ليال بجوارها واحتضنتها 
"هل تهدئي! لم يحدث شيء"
بكت بقوة لأن أخيها لا يثق بها.. لا يحنو عليها..
" هو لم يحبني بأي يوم"
تفاجأت ليال من تصريح أحلام.. لأول مرة منذ أكثر من خمس سنوات تتحدث عن أخيها وعلاقتهم
"أنا لم أفعل شيء خطأ ليال، كل ما قلته هو الحقيقة"
ضمتها ليال لها أكثر والالم يعتصرها من أجل الفتاة التي لم ترى منها اي شيء سيء
"أصدقك حبيبتي، أصدقك"
 **** 
نهضت من الفراش عندما تهيأ لها أنها سمعت صوت سيارة بالخارج، من النافذة رأت سيارته بالفعل تقف مكانها وقد انتظرته كثيرا بعد أن نامت أحلام وتركتها وعادت ثم سقطت بالنوم 
أسرعت للباب لرؤيته ثم توقفت وهي تذكر ملابسها، عادت وأسرعت باستبدالها بجينز وقميص أبيض قصير ربطته من الأمام وهرعت للخارج عندما رأته يقف مع أنس الذي كان يمنحه ملخص لما دار بالأمس 
توقف حديثهم لرؤيتها والتقت بملامحه المتعبة لها وتبدلت ملامحه لرؤيتها ثم عاد لأنس وقال 
"لا تتحرك قبل الصباح"
هز أنس رأسه والتفت خارجا بينما عاد هو وتحرك تجاها وعيونها تلاحقه من القلق عليه وقلبه يعلن عن سعادته بعودة حبيبه له بدقات عالية تزف حضوره
هل تنتظره؟ ذلك القلق بعيونها الجميلة من أجله؟
توقف أمامها وقد افتقدها ولم يكف عن التفكير بها وبآخر لقاء لهم معا.. تكاد تفقده تركيزه ورغبته باي شيء يبعده عنها
"لم تنامي؟"
أجابت وهي عالقة بوجهه "بلى نمت، كيف حال جراحك؟"
ابتسم ويده ترتفع لإبعاد خصلاتها المتناثرة بلا اهتمام على وجهها وتذكرت أنها لم تفعل به شيء عندما نهضت بسرعة فتورد وجهها وأدركت أنها ستبدو حمقاء بعيونه 
وكأنه أدركما يدور بعقلها "تبدين فاتنة، أحبه بتلك الطريقة"
تورد وجهها فزادها جمالا بعيونه التي لمعت ببريق الإعجاب، هو سجين هذا الجمال.. ثمل من وقت قبلتها ويرغب بالمزيد 
"من الجميل رؤيتك بانتظاري ليال وبهذا الخجل الذي لا أعرف كيف أقاومه"
قلبها كان ينبض بالحياة التي لم يعشها من قبل ويرغب بالخروج والتحليق بسماء هذا الرجل الذي جعلها تعيش أسعد لحظات حياتها
وكأنها تسمع كوكب الشرق تدندن "يا أغلى من أيامي، يا أحلى من أحلامي، خدني لحنانك خدني، عن الوجود وابعدني، بعيد، بعيد، أنا وأنت بعيد، بعيد وحدينا، على الحب تصحى أيامنا على الشوق تنام لياليا"
أغمضت عيونها لتحتفظ بالكلمات داخل قلبها حتى فتحتهم وعادت له ولعيونه التي تنتظرها 
"كنت قلقة عليك، أنت ما زلت متعب وبحاجة للراحة، هل تناولت أي طعام؟ هل تناولت دوائك؟ هل رأى أي طبيب جراحك؟"
ابتسم من لهفتها "هل تتمهلي صغيرتي، الطعام أولا خاصة لو كان من يدك"
هزت رأسها بابتسامة رائعة من أجله فقط وأسرعت من أمامه للمطبخ وهو يتبعها بنظراته ولا يصدق أنها هنا تنتظره كما كان يحلم بيوم ما، هل تتحقق الأحلام جملة واحدة؟
رفع هاتفه وعبث به حتى اتاه صوت رشدي "هارون"
تحرك لغرفته لينزع القميص محاولا تجنب جراحه "كنت ببيتي ولم يتم الترحيب بك جيدا"
كلس رشدي خلل مكتبه فهو يمضي وقته كله بالشركة.. هي عمله وبيته وكل شيء
"لم أتجاوز معها هارون أعلم أنها تخص رجل من رجالك"
ظل واقفا أمام النافذة وملامحه لا تنم عن شيء "أصدقك، يمكنني منحها عمل بمكان آخر"
عبث رشدي بعيونه بأصابعه وهو يفكر والصداع يضربه حتى قال "هذا يعني عكس ما قلت هارون"
أبعد هارون خصلاته وبال "أنا أجنبك الإحراج"
"لست بحاجة لتفعل، هو عمل هارون والفتاة أصيبت أثناء العمل ولم يكن من اللائق تركها"
"وصاحب العمل شخصيا يصحبها مشفى تابع لوالده ثم يعيدها البيت؟"
صمت لف رشدي جعل هارون يرتد لباب الحمام مكملا "سأفترض أن الأمر كما قلت وسأتجاوز رشدي تعلم أني أمنح فرصة واحدة"
واغلق دون انتظار رد..
عندما دخلت غرفته بالطعام كان قد اغتسل واستبدل ملابسه بأخرى مريحة ووقف يتحدث بالهاتف 
وضعت الطعام ووقفت تنتظره وهو انتبه لوجودها فأنهى حديثه وعاد لها  
"من سيرى جراحك؟"
جلس أمام الطعام وهو بالفعل يشعر بجوع خاصة وهو يعرف مذاق طعامها جيدا 
"زياد على وصول، هو طبيب جيد، اجلسي لن أتناول شيء وحدي"
لم تجادل وهي كانت تنتظره بالفعل، كان عليها أن تتحدث لديها الكثير لتخبره به 
"هارون هل نتحدث عن مي؟ لا يمكنك تركها بعيدا عن هندية؟"
لم ينظر لها وهو يعلم أنها ستدخل معه بذلك الجدال وهو لا يرغب به.. قراراته ليست محل نقاش 
"أخبرتك أني لا أرتد بقراراتي ليال وتلك المرة بالذات لا يمكن أن أفعل" ورفع عيونه لها وأكمل "هي لن تتوقف ليال، ربما حتى الآن الخسائر بسيطة لكن مع الوقت سنصبح نحن من نغذي الوحش حتى يكبر ويلتهمنا"
تفهمت كلماته وقالت "وهندية؟"
عاد للطعام وهو لا يرغب بالتحرك لتلك المنطقة فهندية تمثل له الكثير ولكن عند حياة كل من حوله فهو لن يتوانى عن فعل أي شيء لحمايتهم 
"منحتها حرية الاختيار ولن يكون الأمر صعب ليال كما تتخيلين"
كانت تعرف أنه على حق هو أيضا يحمي ما بينهم لأن مي ترغب بتدمير علاقتهم وهو أصبح يفهم ذلك ولم يتجاهله
"هل تعرف ان أنس يكن لها مشاعر؟"
لم يتوقف عن الطعام وقد شك بذلك من دفاع أنس عنها ..
عندما لم يجيب قالت "هارون هل تدرك أنه سيفارقها بسبب قرارك"
"ليس بسبب قرار ليال بل بسبب تصرفاتها"
هو على حق وعليها التراجع لكن أنس يتألم "يمكنك منحها فرصة أخرى لأجله"
"هو لم يطلبها لأنه يعلم أني أمنح فرصة واحد وعند خيانة الثقة أنا أقتل الخائن ليال"
انتفض قلبها من فكرة قتل مي لكنها تدرك خطأ مي.. نبرته جعلتها تدرك رغبته بغلق الأمر فاستجابت
حولت الحديث "أحلام!،"
لم يتوقف عن الطعام وهو يجيبها "أصدق رشدي، اعلم ما يقال عنه وهو حقيقة لكن عند ما يخص الديب أعرف انه سيتوقف"
لم ترد فرفع عيونه لها ورأى القلق بملامحها 
"لم تكن علاقتكم وطيدة لهذا القلق الذي أراه بعيونك عليها"
عاد للطعام وهي تدرك صحة كلماته ولكن بوجودها هنا كل شيء اختلف
"صحيح لكن للحظة شعرت أني مسؤولة عنها"
هز رأسه وقال "مكانتك تفرض عليك ذلك"
ظلت صامتة وهي تدرك معنى ما يقول وهربت منه
"ماذا حدث مع العطار؟"
رفع عيونه لها مرة أخرى.. هي تفر من علاقتهم وخائفة من العطار
عاد للطعام.. 
"هرب بالطبع واختبأ بجحر يناسبه، المعركة كانت قوية بيننا حتى فر كالفأر الجبان أثناء انشغالي مع أحد رجاله وحاول صفوان إيقافه لكنه كان خبيث وحصل على سلاح ولم يمهله وهو يصيبه إصابته الحالية وكاد يقتله بأخرى لولا تدخلي ونال مني طعنة لا تقل خطورة عن خاصتي"
عاد لوجهها الذي فقد الدماء وأدرك مخاوفها التي تخفيها بشجاعة
"تعلمين أن لا شيء يمكن أن يصيبك هنا"
هزت رأسها وهي تدرك ذلك جيدا وتناولت الطعام ولم تفرغ جعبتها من الأسئلة بعد
"بابا!؟"
لم تنظر له وهو تفهم ما تشعر به منتظرا أن تفرغ كل ما لديها بحجره وهي تفعل 
"سيخرج خلال الأيام القادمة، ألا ترغبين برؤيته أو رؤية والدتك؟"
علقت قطعة الدجاج بيدها وظلت ساكنة لحظة قبل أن تقول ببرود قاطع "لا"
وتناولت الطعام فوجدت يده تمسك يدها فلم تنظر له أيضا، تلك المنطقة تكره أن تخطو لها، ولا تحب الشفقة ولا أن يربت أحد عليها
سحبت يدها منه ونهضت وهي تقول "سأعد الشاي"
قبل أن تذهب كان يقف أمامها ليسد طريقها وهي لم ترفع وجهها له وهو دفع راحته لوجنتها مدركا أنها لا ترغب بالتطرق لمكان لا تفضل الرحيل له
كل شخص لديه منطقة مظلمة لا يرغب بدخولها ولا أن يمسها سواه 
"أنا آسف، لم أقصد إيلامك ظننت أنك.."
رفعت يدها على يده وهي تنظر له بلا دموع، تلك المنطقة لا تستحق دموعها، تؤلمها ولكن بلا تأوه، تخنقها لكن بلا حاجة لهواء ملوث بذكريات سامة تذهب راحتها  
"أخبرتك أننا متشابهين هارون، كل ما يخصني ليس نقي كما تقول"
رفع يده الأخرى لوجنتها الثانية وضم وجهها بين راحتيه وألصق عيونه بعيونها مانعا إياها من الإفلات منه 
"أنا تحدثت عنك أنت ملاكي الصغير، هل تعرفين ماذا تكونين؟ أنت النقطة البيضاء بحياتي ليال وأعلم أن مروري بجوارها سألوثها، كلما ظننت أن القرب منك سهل أجدني أتراجع وأرغب بالابتعاد عنك ومنحك فرصتك بالحياة ثم أرتد واعود غير راغب بالابتعاد"
لم تترك يده ولم تبعدها عن وجهها وهي تقول "ولا انا أرغب بهذا الابتعاد هارون، لست بهذا النقاء الذي تقنع نفسك به، كلانا ماضيه مشوه لكن حاضرنا نظيف وهو ما يهمني، أنا لا أرغب بذكرهم فذكراهم تعني الألم"
وهو ما رآه واضحا على ملامحه، الألم.. 
هو لا يسمح للألم بأن يمسها بوجوده.. هي النسيم الذي لا يمكن المساس به. الفانيليا التي تعطر كل ما تمسه وتمنحه مذاق خاص من النعومة والرقة
رفض أن تتألم ولو تألمت فمكانها بين أحضانه وهوما فعله..
صدره تلقى رطوبة دموعها بسعادة، ذراعيه أرادت منحها الأمان.. 
تركت دموع واهنة تسيل على وجنتيها فهي من فتح هذا الباب وعليها إغلاقه مع الرجل الذي يملك كل المفاتيح 
ابتعادها عن دفء صدره كان كنزع الروح من الجسد ولكن عليها أن تتوقف عن جنونها معه وإلا لصارت زوجته دون مأذون
حقا!؟ 
"تحدثت عن الشاي؟"
ابتسمت وهي تهز رأسها فوضع قبلة على جبينها وحررها وهي تحركت للمطبخ، هندية أخبرتها أنها ستبقى عند مي الليلة وهي من صنعت الطعام للجميع وأرسلته للرجال ولصفوان 
عندما عادت كان أنس يتحرك مع شاب بعمر مي فتوقفت وعرفت أنه الطبيب وأنس يتحرك معه ولم تنتظر وهي تتبعهم للداخل، رأت هارون يرحب به والطبيب يطلب منه الاستلقاء
عندما انتهى زياد كانت قد شاركته بالأمر 
"نعم بالضبط يمكنك فعل المثل الأمر سهل"
تعليمات زياد كانت هادئة وواثق وليس بها عصبية مي أو تحكم وكأنها الآمر الناهي
التفت لهارون الذي اعتدل جالسا وزياد يكمل "سأضيف مضاد لدوائك يا ريس والمدام يمكنها متابعتك بالمواعيد"
التقت نظرته بها وتورد وجهها ولم يصحح هو المعلومة ولا هي وهارون استمتع بالأمر وعيونه مازحتها بمتعة وكأنه يخبرها أنها تخصه بتوقيع الجميع 
"ماذا عن صفوان زياد؟"
أغلق زياد حقيبته وقال "هو بخير، بالغد يمكنه النهوض من الفراش"
وتحرك خارجا وأنس يتبعه وهي رتبت الوسائد مكانها وهو تحرك ليسكب شاي لنفسه تناوله وهي تزيل الضمادات القديمة بالقمامة ثم عادت لتراه واقفا عند النافذة والليل بالخارج مضاء بالنجوم، جسده الرائع فتنها ووقفته تدل على الثقة والقوة
هي تعشق هذا الريس.. هل يمكن أن يكون لها رجلا مثله
"الن تنام؟"
التفت لها وتحرك لوضع الكوب ووقف ليواجها وهو يقول "وأترك لحظة تمر وأنت بعيدة عني؟"
تورد وجهها وهو يقترب مرة أخرى آكلا المسافة بينهم حتى لفه رحيقها المحبب 
"أنا، سأذهب.."
ورحلت الكلمات.. هل يمنح أحد قمي كلمات تصف لحظة الغرام..
غرام بعالم ليس به غير البارود.. خناجر.، سكاكين و.. دماء
غرام في العالم السفلي
أخبرته أنها ستذهب لكن قدماها كانت ملتصقة بالأرض.. أنفاسها عالقة بانتظار أنفاسه لتمنحها وقود الحياة..
يده تخترق وجنتها.. تحرق بشرتها بلا ألم بل بمتعة محرمة.. النظرة سقطت على الشفاه الرقيقة.. أرادتها.. جاعت لمذاقها..
أيتها الليل الذي هو سكني وراحتي أنا أذوب بين عينيك.. اظمأ لرشفة من شفتيك.. أحتاج للمسة من راحتيك.. 
أيتها الليال التي عشت بظلالها سنوات أحلم بضمة واحدة هل لي بها الآن؟
أنفاسه وصلت لأنفاسها وامتزجت بها وهمس ناعم يدغدغ أذنيها من شفتيه القريبة منهما "أريدك بجنون"
قبلة بجوار أذنها ارتج لها كل جسدها ولولا ذراعه التي التفت حول خصرها دون ان تعرف متى لسقطت 
يداها تخبطت باحثة عما ينقذها من السقوط فالتصقت بذراعيه الصلبة وما زال يضع قبلات رقيقة على وجنتيها وهي مغمضة العيون ضائعة الأنفاس حتى أن صدرها صرخ من حاجته للهواء 
عندما وقفت شفتاه على شفتيها أعلن عن قراره 
"غدا سيكون عقد قراننا، لم يمكنني جرح عفتك التي عشت عمري أحميها فهل ستمنحينها لي؟"
قراره جعلها تفتح عيونها دون أن تبعد وجهها، هل يمكنها ان ترفض وهي من أرادته أكثر مما أرادها؟
"هذا تردد!؟"
همست بنفس الرغبة "هذا حلم؟"
ابتسم وداعب انفها بأنفه بمرح "هذا هو الواقع الجميل الوحيد بحياتي"
وأنهى ما بدأه عندما الصق فمه بفمها جاعلا الحلم حقيقة والخيال واقع والغرام ممكنا بعالمه
عندما سطع الحب بينهم منحهم قلب واحد يفرق الغرام بالتساوي بينهم.. يلتهم الماضي المؤلم ويبثهم حاضر بل ومستقبل مغرد بكل موسيقى العشق والغرام
دقات على الباب جعلتها تنتفض وتبتعد لكن ليس لبعيد فمكانها هنا بحضنه بين ذراعيه ولن يفلتها أبدا
وجود أنس لم يبدل شيء وكأنه يعلنها صريحة وليس فقط ضمنية
هي امرأتي.. امرأة الزعيم وعلى الكل معرفة ذلك ومنحها احترامها الذي هو من احترامه شخصيا
أنس أدرك لحظتهم الخاصة فأبعد نظراته عنهما وقال "رشيد يهاتفك وأنت لا تجيب"
أخفت عيونها وحرارة ارتفعت داخلها والخجل رداء شفاف يلف صاحبه بلون وردي ناعم مثير 

"سأهاتفه، أريد الشيخ حسن المأذون هنا غدا بعد العشاء سأعقد قراني على ليال وسأترك لك إعداد حفل الزفاف"
رفع أنس وجهه له وتجولت نظراته عليهم ولم يكن يندهش فهذا نهاية طبيعية لما بينهم وهو سعيد لتلك النهاية
"مبارك يا ريس، ألف مبروك زوجة أخي"
التفتت لأنس بابتسامة مشرقة غطت على خجلها وهي ترى صدق مشاعر أنس والتي شعرت بها بكلماته، زوجة أخي 
"شكرا أنس أتمنى لك المثل"
هز رأسه ولم تمنحها ملامحه أي شيء عما يخفيه قلبه "سأزف الخبر للرجال"
لفها أمامه ولم يهتم بذهاب أنسمن عدمه، حياتهم كانت تحوي الكثير من التجاوزات بلا خجل لكن معها هي كل شيء اختلف
هي النصف النقي بحياته.. الفضيلة.. ما أراده .. تنقية نفسه من الرذائل التي علق بها طوال سنواته وما زال يحاول 
"بالصباح سيكون أفضل الفساتين أمامك لتنتقي ما يعجبك"
نظراتها سكنت على أعتاب عيونه تحمل العشق والغرام.. امرأة يوم عشقت تضخم قلبها حتى فاض بالغرام وأمرها أن تخض لمن احتل كيانها وسكن بين عروقها 
هل حقا ستتزوجه؟ تكون زوجته؟ 
"لم لا تتركني أذهب لأختار بنفسي؟ هناك محلات كثيرة هارون وأنا أريد الاختيار؟"
ظل ينظر لها ثم قال "أعلم لكن لا يمكنني المجازفة بخروجك وهناك كلب ضال بالخارج يرغب باقتناص أي نقطة ضعف لي حتى يدمرني بها"
لن تسمح للخوف باقتناص لحظات السعادة منها.. أعاد شعرها للخلف وهي تضعف من لمسته  
"والزفاف هارون هل سيكون هنا أيضا بين رجالك؟"
رسم دوائر على وجهها بإبهامه وقال "لا ملاكي سيكون بالمكان الذي تنتقيه ووقتها سأكون قد انتهيت منه، فقط عقد القران هنا لأني لن أنتظر أكثر من ذلك وأنا أسرق قبلات وأنت ترتجفين بين ذراعي"
أخفضت وجهها وقالت "ولن يحدث شيء قبل ليلة الزفاف هارون"
ظل صامتا فرفعت وجهها له فالتقت بعيونه التي انغلقت وهو يقول "هل تثقين بي؟"
هزت رأسها بلا تفكير وأجابت "هل تسأل وأنا ببيتك وبين ذراعيك وحياتي ملك لك"
"إذن لا داعي لهذا الخوف الذي أراه بعيونك، تعلمين أني قادر على أخذك الآن وهنا ولكني أريدك أن تكوني سعيدة وابتسامتك هي كل ما يعلو وجهك، أنا هنا من أجل سعادتك صغيرتي"
هتفت بصدق "أنت سعادتي هارون، وجودك بحياتي هي السعادة، رغبتك بالزواج مني هي كل ما أريده"
وبدون اتفاق ضمها له وهي رفعت ذراعيها ولفت بهما عنقه ودفن رأسه بين خصلات شعرها وأغمض عيونه وكل أحلامه تتحقق بلحظة، حب عمره بين ذراعيه وغدا ستكون زوجته ولن يوقفه عنها شيء
همس "أعدك أن أمنحك ما تريدين صغيرتي ولن أنال منك إلا ما ستمنحينه لي برضائك"
**** 
لم تراه بالصباح فقد رحل مبكرا تاركا لها رسالة على هاتفها "صباح الورد على أجمل ملاك، سيأتيك المختصين بالملابس وآخرين للتجميل، أريدك أميرة ملاكي الصغير، سأشتاق إليك وإلى قبلتك"
ردت "تمنيت رؤيتك قبل الذهاب يا ريس، سأكون جميلة من أجلك، سأشتاق لك فلا تتأخر وحافظ على نفسك من أجلي فلا معنى لحياتي بدون وجودك"
استقبل هاتفه رسالتها وهو يقف بين الرجال وأمام رشيد الذي التقى به بالطريق الصحراوي ولم يخرج هاتفه وهو يسمع رشيد 
"كنت على حق هارون ولولا تحذيرك لسقطت البضاعة بيده"
ظل ساكنا أمام رشيد فأبعد وجهه للصحراء وأنس وصفوان يقفان خلفه وباقي الرجال عند السيارات
رشيد أكمل "وأنا عند وعدي"
رفع رشيد يده فتحرك رجلان من رجاله لحقيبة إحدى السيارات وأخرجوا منها شوال كبير حملوه وعادوا به وأسقطوه تحت أقدام هارون فأشار رشيد له وقال "ثمن خدمتك وهدية زواجك"
أومأ برأسه فانحنى رجل وفتح الشوال ودفعه لتخرج منه جثة مذبوحة وعندما كشف الوجه كان للعطار، لم تتبدل ملامح هارون ورشيد يقول "لن يعثر أحد على جثته، لم أرغب بتلويث يدك بدمه، هو لا يستحق"
هز رأسه وقال "لم تخلف وعدك معي بأي يوم رشيد بيه بل وزدت هذا دين"
تشابكت أيديهم ورشيد يقول "بل هدية زواجك، أنت تكبر بسرعة هارون فكن على حذر لأن ذلك يخلق لك أعداء"
هز رأسه وقال "تعلم أني لا أفر من الساحة لو اضطررت، أمثاله يسقطون بطريقي بلا قصد"
صدق رشيد على كلماته "أعلم أنك تتخذ طريقك الخاص وهذا يعجبني وأنا بظهرك لأن التعامل معك شرف لي"
"ولي"
وانتهى اللقاء بلا كلمات أخرى 
قاد صفوان السيارة ونظر له أنس من الأمام محاولا البحث عن شيء بعيونه بلا فائدة 
"أنت تثق به؟"
لم ينظر له وهو يفك أزرار قميصه، الثقة عملة نادرة ببنك حياته، يضعها بخزينة صلبة ولا يخرجها إلا لمن يستحقها 
"أنا لا أثق بأحد أنس، ما بيننا كان صفقة وانتهت ولو شعر بيوم أني أمثل خطر عليه فلن يرحمني"
صفوان لم يعجبه كلمات الريس عن نفسه لذا اعترض "أنت تقلل من نفسك هارون، أمثال رشيد يعرفون مكانتك جيدا وسيفكرون ألف مرة قبل أن يكسبوا عداوتك وهو بنفسه أخبرك أنك تكبر وهذا تلميح إلى مكانتك وأنه يعرف ذلك جيدا"
صدق أنس "صفوان على حق"
لم يرد وهاتفه يعود للرنين فأخرجه ليرى الاسم الذي انتظره فأبعد وجهه للنافذة وأجاب "تذكرني كثيرا مؤخرا؟"
جاء الصوت "لابد من منحك ما تستحقه، أجدت التصرف"
كان يعرف ما يقصده لكنه يرغب بسماعه "وماذا؟"
قال "مبروك عقد القران، شريف سيخرج بعد اسبوع، لديه خط خفي يدفعه فقط احترس على نفسك"
وقبل أن يجيب أكمل "وعلى الصغيرة"
الغضب يأخذه منه وهو دائما يمنحه ما يجعله يعرف أنه يصل لكل كبيرة وصغيرة تخصه، بأول أيامه كان يشك بكل من حوله حتى توقف عن ذلك واكتفى بأنس وصفوان ليكونا محل ثقته ومع ذلك يعرف كل شيء
رنين رسالة جعله يرفع الهاتف ليرى أنها منها وقد أتت منذ قليل ففتحها وقرا كلماتها فأغمض عيونه وراحة تحل مكان القلق 
أصبح هناك من يهتم بحياته ويطالبه بأن يحافظ عليها.. هل يستحق امرأة مثلها؟
وكأن العالم يحاول منعه من الزواج فقد اشتعلت النيران بمخزن من مخازنه وترك اجتماعه ونزل ليرى الأمر ومتابعة التحقيق خاصة والحريق كان بمنتصف النهار
الضابط نظر له وقال "هل تشك بأحد؟"
لم ينظر له وهو يتابع رجال الحماية المدنية تطفئ ما تبقى من الحريق وقال "لا"
عاد وسأله "هل تظن أنها ليست قضاء وقدر؟"
لف نظره للضابط وقال "أنا لا أحب الظنون يا حضرة الضابط، أنا أنتظر تقرير رجالكم لأعرف الرد على سؤالك"
تراجع الضابط من رد هارون ولكنه قال "أنت تخبرني أن رجالك لن تصل للفاعل قبلنا؟"
أبعد وجهه مرة أخرى وقال "هل هناك ما يمنع ذلك؟"
اقترب منه الضابط وقال "حتى لو، لا شيء سيمنعك، الكل يعرفك جيدا"
رمقه بنظرة جانبية، نعم هو لن يمرر الأمر لا أحد يتجرأ على أملاك هارون الديب ويمر هكذا
ما أن عاد للسيارة حتى قال "ابحث بطريق زهير المصري"
حدق صفوان به بالمرآة ولكنه أبعد وجهه وأنس يقول "معك حق نحن نسينا أمره بوجود العطار"
لم يرد وهاتفه يرن فأخرجه وتفاجأ باسمها فضاقت عيونه وأجاب "لديك وقت لي؟"
كانت تنظر لنفسها بالمرآة وتقول "وكيف لا وأنا نفسي سأكون لك"
ثقلت أنفاسه من كلماتها وقال "هل هذا صحيح ملاكي؟ هل أنت لي حقا؟"
ضحكت وهي تلف بالغرفة وحدها بعد أن طلبت من الجميع تركها وحدها وقالت من قلبها "هل لديك شك هارون؟ بعد وقت قصير سأكون زوجتك، لك، ولكن بالمقابل أنت ستكون لي يا ريس، لي وحدي"
أسند رأسه على ظهر المقعد الخلفي وقال بصوت لها وحدها "أنا لك منذ سنوات كثيرة صغيرتي"
ارتفع قلبها بالدق والسعادة تعزف سيمفونية رائعة للحب والغرام وهي ترقص عليها بسعادة  
"ليتك أخبرتني هارون لكنا استمتعنا معنا"
قال بهدوء "الآن وقتنا صغيرتي، هل انتهيت؟"
التفتت للمرآة وقالت "نعم، أين أنت؟"
قال "بالطريق للبيت"
قالت "بانتظارك"
*** 
وقف الرجل ذا القوام الفاره أمام سور اليخت الخاص به ونسيم البحر يلفه ويده تستند على السور وهو يسمع 
"تم حرق المخزن بلا أي أدلة"
ابتسم بغرور وارتفعت سطوة غريبة داخله وهو يعرف ماذا يفعل جيدا وقال "جهز حفل خاص له وللعروس خاصته، لابد من أن يليق بالريس"
"كما تأمر يا فندم"
ورحل الرجل وردد الأول "لن تهنأ يوما بعد اليوم هارون.. لن أمنحك الفرصة لتكبر أكثر من ذلك، أنا من سيكون الكبير هنا وهناك وبكل مكان وأنت سيكون الذل والألم والحسرة مصيرك ووقتها سأرقص على نغمات بكائك"
وانطلقت ضحكته الشيطانية تملأ الصمت المحيط به وسط البحر والمياه التي ترتطم بمقدمة اليخت بقوة...

                  الفصل السابع من هنا
تعليقات



<>