رواية عشقت بودي جارد الفستان الابيض الفصل الثالث والثلاثون33 بقلم صفاء حسني

رواية عشقت بودي جارد الفستان الابيض بقلم صفاء حسني 
رواية عشقت بودي جارد الفستان الابيض الفصل الثالث والثلاثون33 بقلم صفاء حسني
 ممكن يا ابني ترجعني للقاهرة؟ مشتاق لبنتي، نفسي أشوفه وألمس وشها.
هز راسه طاهر: — أنا أجيبهلك لحد عندك، انتي عارفة الدكتور قال لازم تكون تحت الملاحظة غير العملية اللي هتعمليها. أنا هنزل أجيبهلك وأجي.
ابتسمت نوال: — بجد يا ابني ربنا يكرمك يا رب العالمين.

خرج طاهر وخرجت وراها رحمة.

— إنت فعلاً هتجيب حنين؟
هز راسه طاهر: — أكيد، ولدتك نفسها تشوفها.
نظرت له رحمة وسألته: — إنت ليه خايف أمى تنزل القاهرة؟ ليه بتمطّال  في الوقت وتتأخر في رجوعنا؟ وعمك بقي بخير الحمد لله، خلينا نرجع. وفيه دكاترة مخ وأعصاب كتير، ليه مصمم إنها تعمل العملية هنا؟
بلع ريقه طاهر: — أنا ماليش علاقة، وعلى فكرة نزولكم أوفر لي، لكن أنا وعدتكم إن أمك ترجع بخير، ووعد ولدي إن عمّي يكون بخير.

لم تقتنع رحمة بكلامه.

— طيب ما توفر مصاريف— إنك كل شوية تنزل على القاهرة كانك سوبرمان؟ أكيد مشتاق ليها صح 
ضحك طاهر وقال: — أنا فعلاً سوبرمان، عرفت ازاي.
نفخت رحمة وقالت: — سوبرمان إيه؟ إنت بتهزر.
اقترب منها طاهر وهمس: — الهزار حرم كمان، واضح غيران عليا صح؟
أعطته ظهرها وقالت: —
 قال غيرة؟ قال روح مطرح من انت عايز. أنا ملّيش دعوة غير الحمد لله عدّت يمنى، خلّصت، تعرف ترجع ليها.

شعر طاهر بغيظ، سحبها وخرج من المستشفى. هي استغربت:
 — إنت واخدني على فين؟
ابتسم طاهر: — على عش الحب، وطير يا حمام.
شهقت رحمة: — عش حب إيه؟ إنت بتهزر صح؟ روح لي يمنى بتاعتك وريحينا.
نفخ طاهر: — انتي يا بنتي مفيش إلا على لسانك: ارجع لي يمنى؟ أنا بحبك انتي.
هزت راسها رحمة وقالت: — طبعاً الطيور على أشكالها تقع.

حملها طاهر غصب، ودخلها جوه عربية ما جرّهاش، بقيت تصرخ رحمة: — سبّني! انت بتعمل إيه؟
أقعدتها طاهر وربط الحزام وقال: — وما تسمعش ليك صوت، مفهوم؟
ساق العربية لحد ما وصل بيها غرفة في فندق، وركّن العربية.
سألت رحمة: — إيه ده؟
ضحك طاهر: — عش الحب. هتيجي معايا، هنتكلم شوية وبعد كده نرجع.
هزت راسها رحمة: — أمِنشوف آخره معاك؟

فعلاً طلعت على الغرفة هي وهو.
أول ما دخل الغرفة جلس طاهر.

— أولا أنا آسف جدًا إن كنت اتهمتك اتهامات بشعة في الوقت اللي كنت نفسي أثبت ليك إني بحبك فعلاً وأكون سند ليكي في السراء والضراء. آسف إن اجبرتِك تكشفي، وعارف إن ده وجعك جدًا، لكن كنت عايز أثبت ليك إنك بخير، عشان انتِ حب عمري.

صفّقت رحمة يد على يد، ورفعت راسها للسماء: — يارب... كنت عارف من يوم ما شفته عقله مش فى مكانه، لكن مش للدرجة دي.
ضحك طاهر على سؤالها لربنا وطريقتها المضحكة: — تقصدي أنا مجنون؟ أنا اللي غلطان؟
هزت راسه رحمة: — لا، لسمح الله، انت سيد العاقلين. ممكن ترجعني عند ماما؟
رفض طاهر ومسك ايديها وقال: — هو دخول الحمام زي خروجه؟
اندهشت رحمة: — هو انت إنسان طبيعي زي بقي البشر؟ إيه "حب عمري" ده؟
ابتسم طاهر: — انتي أكيد حب عمري.
ضحكت رحمة بسخرية: — انت حبك لي يمنى طير عقلك على الآخر! أو ممكن فاكرني يمنى وعندك عمّ الألوان فوق يا أستاذ طاهر. لنفسك وخلصني ورجعني أنا وأمي مصر، وانت كمان ترجع تشوف شغلك، وكفاية قصة "حب العمر" ده.

ضحك طاهر: — فصلتين، حرام عليكي انتي يا بت، مالكيش في جوه الرومانسية خلاص، بجد مش عارف أعمل إيه علشان أقنعك.
ضمّت إيده فوق بعض: — تقنعني بإيه بالظبط؟ شوف يا ابني، الناس احنا اتفقنا قُرب يخلص...
ضحك طاهر بسخرية: — اتفاق إيه بالظبط؟
صوتت رحمة بصوت مرتفع: — ينهار أسود ومنيل عليا، الواد ضاع يا رحمة، عقله طار!
ضحك طاهر: — انتي نيلته ليا يا بنتي، احنا لسه في أوله.
تنهدت رحمة: — هو أنا كنت بتكلم مع نفسي كل ده ولا انت شارب حاجة؟ رجعني بعد إذنك.
ضحك طاهر: — ولا ده ولا ده.

حملت  رحمة  حقيبتها ، وضعتها  في إيدها، واقتربت من الباب.
— تمام، أقولك سلام بقي، ولم تفوق على اتصل، أوكي؟ 
وجي تخرج، سحبها طاهر.

— هو خروج الحمام زي دخوله؟ مفيش خروج.
نظرت له بتحدّي رحمة: — وإيه اللي يمنعني حضرتك؟

نفخ طاهر: "أنتِ مش على لسانك غير 'حضرتك.. حضرتك'؟ هو في ست تقول لِجوزها 'حبيبي فين؟ روحي، عمرى'؟"

صرخت رحمة: "أنا هشق هدومي وأطلع منها بجد! هو أنت طبيعي؟ أخِد حاجة؟ أكيد، أقسم بالله، مش إنت طاهر اللي أعرفه. أكيد حد حَطّلك حاجة في أم البلد ده. أنا لازم أفوقك — تعال معايا، ممكن؟"

ضحك طاهر: "معاكي على جنّة حبنا يا قلبي."
مسكته رحمة ودخلت بيه الحمّام. ابتسم طاهر: "الحمّام المرحلة الأخيرة يا عمري."

فتحت رحمة الدشّ عليه، وكانت المرحلة الأولى عشان تفوقه. نزلت الميّه على طاهر وكان بيترعش، وصرخ: "أنتِ مجنونة! أقسم بالله، مجنون!"
ضحكت رحمة: "مش أجنّ منك، خليك هنا لحد ما تفوق وتحقّق حلمك، اهوه." ودخلت الحمّام: "مش أنت مش على لسانك غير دخول الحمّام؟ اهوه دخلتك."

سحبها طاهر عليه تحت الدش وغرقت هي كمان، وقال: "لا، لازم تكون معايا جوا قلبي." سحب حجابها من على شعرها وقال: "أنا جوزك، من حقي أشوف شعرك — ده بقي دخول الحمّام الصح."
انتفضت رحمة تحت الميّه وخرجت من تحت الدش وهي بتصرخ فيه: "والله العظيم مجنون! ومحتاج مستشفى العِبّاسية! أو ممكن أنا اتخدعت في شخصيتك، عشان ده غير طاهر اللي قبل ما تكمل..."
قطع طاهر حديثها وقلّدها: "شخصيتك اختلفت عشان محدش يحب حد في فترة بسيطة. مش كنت هتقولي كده؟ فيلم 'حمضانة'!"

سحبت رحمة فوطة وخرجت برا. قالت: "يعني أروح عند ماما إزاي دلوقتي والهدوم اللي اتغرقت؟"
ضحك طاهر: "عندك هدوم جوه الأوضة، البسيها احتياطي. على ما آخد دوش وأطلع ليكي يا روح الروح."
نفخت رحمة، مش مصدّقة طاقة الحب ده، حاسة إنها مزيفة: "مستحيل يكون حقيقي. أكيد في شر."

ضحك طاهر من الحمّام: "بدلي رغي مع نفسك، وادخلي غيري، وها تي هدومي معاكي يا روح الروح."
كانت مفروسة رحمة: "آخ، ده ناوي يجنني."

دخلت الغرفة لتغيّر هدومها؛ نظرت على السرير لتشوف الهدوم، وهناك كانت صدمتها — فَتَحت بوقها. طاهر كان عارف إنها هتكون في الحالة دي؛ خرج وهو لابس البرونيس وبينشّف شعره، ودخل عندها.
قال لها وهي مستغربة: "في إيه ؟ متنحّة كده ليه ؟ ؟ متلبيس؟"

نظرت له رحمة مصدومة: "انت جيبت دول من فين؟"
ضحك طاهر وقال: "مَلكِش مَفَرّ، أو هروب منّي — أنتِ نصيب من زمان."
استغربت رحمة وقالت بجدية: "أنا بتكلم بجد: إزاي وصلت ليك الهدوم ده؟"

اقترب طاهر منها وهي تبعد، ومش فاهمة حاجة. ضحك طاهر: "مش هآكلك، والله! وسع  (كده) رايح عند الدولاب أجيب هدوم ليا. وإلا عجبك شكلي كده."
انْتَبَهَت رحمة واستحيت وخرجت برا الأوضة وهي عقلها مليان تفكير فى  الهُدوم.
 ضحك طاهر: "وبتقولي عليا مجنون، وإنتي أجِنّ مني! هتقعد كده بهدومك المبلول؟"

نفخت رحمة: "آه؟ هعقد هنا! أنت ملكش دعوة."
ضحك طاهر: "أنتِ حرة." ودخل؛ طلع هدوم ليه، وجاب الشنطة وأداها ليها: "خدي اللي يعجبك، متقعديش كده."
انصدمت رحمة لما شافت الشنطة: "الشنطة دي بتاعتي على فكرة! أكيد ولدك لما عرف الموضوع رجع وجاب الشنطة بتاعتي من الاستراحة."كان عقل رحمة يشد
ضحك طاهر:
هو ده الا وصلت ليه. 
هزت راسها رحمة :
يعني، عايز تفهمني إنك عارف القصة كلها، وإني قدَّامِك كتاب مفتوح.

ضحك طاهر: "برافو عليكي، علشان تبطلي تعملي حوارات عليا."

وبعد كده انتبهت رحمة: الهدوم التانيّة دي اللي كانت لابساها اليوم ده. بدت تشعر بارتباك وخوف: "إزاى ولدك جابهم؟"
طمأنها طاهر ومسك إيديها وقال:

ابتسم طاهر: "عشان أنا الشاب اللي أنقذك لما وقعت في الحفرة. وبرضه مش عارف إذا كان وجودي هناك صدفة ولا تدبير من ولدي، لكن في نفس اليوم اللي إنتِ كنت مسافرة فيه، كنت مسافر أنا كمان. ووقفت أوتوبيسك، طلب بابا ننزل، وقال 'الأرض دي هي اللي هنعمل عليها مقاسات.' أنا استغربت إزاي نعمل فندق في مكان مهجور — الميزة بس إنّه قريب من استراحة. ووقتها قال أبوي إنه بيحصل كتير خلال في الطريق: في عربيات تتعطل، الناس محتاجه مكان يقعدوا لحد ما يتصرفوا. المهم، وقتها فعلاً فضلنا نقيس، وإنتِ بالصدفة جيتي وكنتِ بتجري ووقعتِ في حفرة. أنا رفعتك منها وبدأت أعمل لك الإسعافات الأولية، عشان كنت مشترك تابع الهلال الأحمر وعندي خبرة. وكنت نفسي أكون دكتور، ووقتها حبيت أثبت لأبوي إن لو بقيت دكتور أُفيد شغله برضه. إنتِ كنتِ أول حالة اهتميت بيها، وكنت باتابعك ومحدش قرب منك، عشان كده طلبت من الدكتورة تكشف عليك عشان تعرف الحقيقة."

جلست رحمة على الأرض، وهي مش مصدقة اللي بتسمعه، وسألته: "يعني إنت وعمّي محمد انقذتوني من الشباب اللي كان بيطردوني؟ وأنا كنت فاكرة إنّي وقعت فريسة ليهم."

طمأنها طاهر: "محدش قرب منك. تم القبض عليهم فورًا لما وقعت. ومستغرب : إزاي فضلت السنين دي وإنتِ شكية إنك مش بخير، وليه مفكرتيش تروحي تكشفي؟"

استغربت رحمة: "واهي.. أعرفك إيه اللي حصل وقتها؟"

تنهد طاهر وبدأ يوضح لها: "مش بقولك، أنا اللي كنت موجود في المخيّم وأنقذتِك. مش عارف أجيبهالك إزاي، لكن لما ربطت الأحداث ببعضها عرفت إن بابا كان مهتم بيكم من زمان، بس بطريقة غير مباشرة. في يوم سفرك، هو طلب منّي أسافر معاه أنا وعمّتي عشان في موقع مهم لازم نشوفه، وكان معانا شباب مهندسين. أتذكّر وقتها إنّا واقفين في نفس الاستراحة، ومشيت معاه لحد ما اختار مكان وطلب مني نخيِّم هناك. أنا استغربت، ولسه بنخيم والدنيا تمام، لقيتك خرجت من وسط الشجر بتجري. حاولنا نوقفك، لكن أنتِ كنت خايفة واتكَعَبِلت؛ شنطتك وقعت منك، مسكت إيدك، وعيوني جات في عيونك، وبعد كده إغمى عليك 
. اتنهدت رحمة: "لكن أنا لمّ فوقت كانت هدومي مقطَّعة."
تنهد طاهر: "عشان وقتها، زي ما قولتلِك، في المستشفى، كان بابا وعمّي نامق عاملين كمين للمجرم اللي هرب من السجن عشان ينتقم منك. ووقتها لحقوك، وكانوا بيطردوك وسحبوك من هدومك فِتقطعت، وبعد كده إنتِ اتكعَّبلتي في حفرة."

ثم أكمل، بصوت أخف، "المهم اللي عايز أقوله: إحنا متعلقين ببعض من زمان. أنا حبيتك بجد، وعايز نبدأ حياة جديدة مع بعض. ومش هرجع من هنا إلا وإنتِ مراتي، وتوافقي تبقي جزء من حياتي."

رحمة حاولت تبعد إيده عنها وهي غاضبة:

ـ سيبني يا طاهر، انت مش طبيعي!

مسكها من معصمها وهو بيبصلها بعيون كلها حيرة ووجع:

ـ طبيعي ولا مجنون... مش فارقة، أنا اللي فارق معايا إني مش قادر أتخيل حياتي من غيرك.

اتسعت عيون رحمة وهي متفاجئة من كلماته، وحاولت تخفي ارتباكها بالسخرية:

ـ ما تبطل تمثيل بقى، كلامك ده تقوله لـ يمنى مش ليا.

قرب منها أكتر، صوته بقى أهدى لكنه مليان صدق:

ـ يمنى كانت صفحة واتقفلت... أنتي القصة كلها. أنتي اللي ضحكتك بتونسني، أنتي اللي خوفك يوجعني، والنهاردة اكتشفت إني بغير عليكي بجنون... يبقى إيه تفسير ده؟

رحمة حسّت دموعها قربت تنزل، بس بسرعة مسحتها وقالت بعناد:

ـ تفسيره إنك تايه ومش عارف قلبك عايز إيه.

رفع وشها بإيده، عينيه غرقانة في عينيها:

ـ لا... أنا عارف كويس. قلبي لقى نفسه معاكي... مش مع حد تاني.

سكتت رحمة، قلبها بيخبط، وحاولت تبعد تاني بس صوته شدّها مكانها:

ـ طب اديني فرصة أثبتلك... فرصة واحدة بس.

اتنهدت رحمة وحست إنها لأول مرة مش قادرة ترد بقوة، ارتخت إيديها وهو لسه ماسكها، وغمغمت بخفوت:

ـ طاهر... بلاش توجعني زي ما اتوجعت قبل كده.

ابتسم وهو بيقرب جبهته من جبهتها:

ـ أوجعك؟ ده أنا كل همي ألمّ جراحك، مش أفتحها.

تنهد طاهر بعمق، عيونه مشتاقة ومتوترة مع بعض، وكأنه جمع كل شجاعته في نفس واحدة قبل ما يكمل:

— أنا مكنتش عايز أقول الكلام ده كده فجأة، بس لازم تعرفي… من يوم ما شفتك وأنا حاسس إن الدنيا بتتعدل. إنتِ مش مجرد حادثة أو مهمّة، إنتِ اللي رجعت لقلبي راحة ما حسّتش بيها قبل كده.

وقفت رحمة قدامه، صدرها بيرتفع وينزل بسرعة من كتر الخوف والإحساس. لسا الصوت بيهتز وهي ترد:

— طاهر… إنت بتتكلم كأن كل الكلام سهل. أنا عندي رعب… من الناس، من الماضي، من الجرأة إني أثق.

نظرة طاهر كانت لحظة صمت طويلة، بعديها جاب نفس وراح قاعد جمبها على الأرضية الباردة جنبها، مسك إيدها بإيديه كلها دفء وحزم:

— هفضل معاكي خطوة خطوة. مش هضغط عليكي ولا هبعتلك كلام كبير من غير فعل. هخلي أفعالي تشهدلك قبل أي كلمة. لو عايزة وقت، خدي وقتك، بس ما تنسيش أنك لو احتجت حد، هتلاقينى  دايمًا.

لمست يدها يده على نحو خفيف، لقت قلبه بيتكلم من ورا راحته. كانت دموعها بتلمع، مش بس من الحزن لكن من الدفء اللي حسّت بيه لأول مرة:

— كنت خايفة… خايفة حد يقولي كلام تاني، أو احس انك  بتلعب أو إن كله مش حقيقي.

طاهر ابتسم ابتسامة حزينة بس مليانة قِدم وعد:

— مش هرميك في نص الطريق  أنا هنا. وأي حاجة تخافي منها، هواجهها معاكي. حتى لو العالم كله قرر يبص علينا، أنا هستنيك تقربي مني براحتك .

رحمة رجعت تحط راسها على كتفه بطريقة غير مخططة — كانت لحظة استسلام ناعمة أكثر من أي كلام. صدر طاهر ارتاح تحتها، وحس إن اللي طلع منه من قلق بدأ يسيب مكانه لشيء أهدأ. وهمس في ودنها:

— لما تكوني جنبي بحس الدنيا أكتر أمان. لما تبصيلي كده… بحس إن كل اللي فات مش مهم.

ابتلعت رحمة ريقها، وصوتها خرج مسموعًا كأنه همسة صغيرة محبة وخائفة:

— طب وخلاص؟ يعني هتتحمّل كل حاجاتّي؟

أمسك طاهر وجهها برفق، ربت على خدها بإبهامه وكأنه يثبت لها وعده بكلام لا يتحرك:

— هتحمّل. وهبقى جنبك دايمًا. أخد بيدك وأمشي معاكي. لو يوم كنتي خايفة، هكون ظهرك. لو يوم ضحكتِ، هكون أول اللي يضحك معاكِ.

الهواء في الغرفة بقى أنعم، ووقتها رحمة حسّت إن قلبها بينده من جوه يديله فرصة ثانية. ابتسمت مبتسمة صغيرة، وعيونها لامعت:

— يمكن… يمكن أبدأ أثق شويّة.

طاهر قرب وشه من وشها ببطء، نظراته ملحّة وصادقة. لمسه خفيف على جبينها، وعلى طرف الشفايف، قبل ما يقبّلها قبلة قصيرة، حنونة، مليانة إحساس بليونة وحدة وامتلاك خفيف، لا تتجاوز حدود الاحترام — لكنها كانت كافية تبلور وعد بينهم. رحمة لم تتراجع؛ لفت في صدرها إحساس غريب بين الخوف والأمان، وابتلعت دمعة من الرضا.

بعد دقيقة، انفصلوا على مضض. طاهر ضمها من الجنب كأنها كنز ثم قال بصوت منخفض، ثابت:

— بكرة هنبدأ من أول وجديد. انا هظبط كل حاجة — الدكتور، السفر، التحاليل، وأهم حاجة إنك تكوني مرتاحة. ومهما حصل، أنا ليا كلمة: إيدي في إيدك.

رحمة نظرت له، فيه دفق من الود بيكبر في عيونها الصغيرة:

— وأنا… هحاول. هحاول ألاقي جزء في قلبي يثق. مش عارفة أعدّلك وعد دلوقتي، بس هحاول.

ضحك طاهر بخفة، وخانقه الشوق فرفعه ببطء وضمه كأنها أمان حي:

المشوار طويل، بس أنا معاكِ لآخره. وخلي الحكاية تبدأ من هنا، من اللحظة دي.

ركن الدفء بينهما ظل عامل حاجز صغير ضد كل الخوف، وكل كلمة صار فيها وعد — حتى لو الكلمات كانت قليلة، الأفعال كانت بتوعد أكتر. الجوّ حولهم لقى نوع من السكون المريح، كأن الضوضاء برة اختفت وخلاّت لهم مساحة صغيرة ينطقوا فيها بالحب من غير خوف
تعليقات



<>