رواية عشقت بودي جارد الفستان الابيض الفصل الثلاثون30 بقلم صفاء حسني

رواية عشقت بودي جارد الفستان الابيض الفصل لثلاثون بقلم صفاء حسني

الطيارة بدأت تهتز بخفة أثناء الإقلاع، ورحمة كانت عيونها مركزة على الكرسي، إيدها ماسكة حزام الأمان بإحكام، وقلبها بيدق بسرعة. حاولت تقرأ قرآنها وتدعي، لكن الخوف كان واضح في كل حركة منها.

طاهر لاحظ توترها، ونظر إلى نور اللي كانت قريبة منها، فقال بهدوء:
ـ نور… ممكن تتبدلي مكانك وتقعدي جنبي؟ رحمة محتاجة حد جنبها.

ابتسمت نور، وفهمت قصد طاهر، قامت بسرعة واتجهت لمكانه الجديد، وقعدت جانب نامق، وطاهر قرب من رحمة وحط إيده على يدها برفق:

رحمة فجأة تذكرت شباب المنطقة اللي حاولوا يؤذوها، وبدأت تهلوس بخوف:
ـ محدش يقرب مني… ابعدوا عني…

طاهر لاحظ توترها، مسح وشها برفق وهمس:
ـ هتفضحي نفسك يا شيخة… اهدي… أنا جنبك.

رحمة حاولت تتراجع لكنها فتحت عيونها وصرخت:
ـ بتعمل إيه!

طاهر ضحك بخفة، رجع ظهره للخلف وقال:
ـ العقد بتاعك ده… بليه… واشربي ميته… مفهوم؟

نور من جانبها ابتسمت، وتبادلوا كلام خفيف مع نامق عن الموضوع العام، بينما رحمة كانت تحاول السيطرة على خوفها. طاهر قرب منها برفق، وقال لنفسه:
ـ من زمان أبوي اختارك لي… ومن يومها وانا مش فاهم السبب… لكن دلوقتي بقيتي زوجتي، ومش هسيبك.

لكن جواها… الكلمة وقعت غير اللي باين.

عند نور ونامق 
اقترب نامق  من نور وهمس:
ـ لسه مصممة تعملي العملية؟

نور ابتسمت بثقة:
ـ أنا أفديك بروحي، حضرتك… جميلك على كبير.

نامق مسك يدها وقال:
ـ مفيش جميل… أنا قمت بواجبي… وانتِ شابة وصغيره… خايف عليك.

مدت نور يدها على شفايفه وهمست:
ـ متخفش… هنخرج منها كويسين… وانت هتكون بخير… بس متنساش تعزمني على فرحك وقتها.

نامق ابتسم وقال:
ـ أفكر وقتها…

نور كشرت بابتسامة خفيفة، وغمز له وهو خرج معهم، والطائرة من الداخل كانت مليانة توتر وقلق، خاصة رحمة اللي كانت رايحة جاية على أعصابها، لكن في نفس الوقت حاسة بالأمان جنب طاهر ونامق.
رحمة كانت قاعدة، عينيها مغمضة، بتحاول تمسك نفسها من الخوف. شفايفها بتتمتم بآيات من القرآن. طاهر كان بيراقبها من غير ما تاخد بالها، قلبه بيدق بسرعة، وهو مش فاهم إزاي مجرد خوفها بيأثر فيه كده.
ولما الطيارة اهتزت شوية، رحمة مسكت إيد أمها بقوة، عينيها قربت تدمع. طاهر في اللحظة دي حس إنها محتاجة حد يقويها، فمال عليها وقال بهدوء:
ـ .
ـ هتفضحي نفسك يا شيخة… اهدي… أنا جنبك.
فتحت عينيها بسرعة وبصت له بنظرة فيها رفض وخوف مع بعض، سحبت نفسها وقالت بحدة وواطي:
ـ مش محتاجة منك حاجة.

أخدت رحمة  نفس عميق، وحاولت تهدأ، لكن كل حركة الطيارة وكل اهتزاز صغير كان بيخلي قلبها يطير من الخوف. طاهر مسح وشها بخفة، وابتسم لها مطمئن:
ـ كل حاجة هتبقى تمام… أنا معاكِ… ما تخافيش.

ببطء، بدأت رحمة تحس بالأمان، وعيونها تقفلت تدريجيًا، وغرقت في النوم على الكرسي، راسها مرتاحة على الكتف اللي قريب منها. طاهر نظر لها بحنان، ومسك يدها الخفيفة، حاسس بكل خوفها وارتباكها، لكنه مطمئن إنها دلوقتي في أمان.

نامق من جانبه، لاحظ هدوء رحمة ونور، وابتسم لنور وقال:
ـ شايف؟ كده الدنيا أهدت.

والطيارة واصلت رحلتها، والجو مليان صمت هادي، غير صوت رحمة الخفيف وهي نايمة جنب طاهر، والابتسامة على وشه لما شافها مرتاحة.

---

في المستشفى:
بينما العمليات بدأت، رحمة كانت قاعدة برا، صوت الأجهزة الطبية والناس اللي رايحين جايين زوّدوا قلقها. قامت تدعي لأمها، وبعدين دموعها نزلت وهي بتبص على نور ونامق قبل ما يدخلوا.
ـ يا رب… رجّعهم بخير.
حست بخطوات وراها، التفتت لقت طاهر واقف، إيده في جيبه ووشه متجهم، لكنه بصّ لها بنظرة كلها قلق.
قالها بهدوء:
ـ هتتعبّي نفسك كده. اقعدي… وخلّي بالك من صحتك.

رحمة بصت له بحدة، لكنها لقت نفسها بتقعد من غير ما ترد.

------

رجوع للحاضر (وهو على سرير العمليات):
صوت الآلات حوالينه بدأ يختفي في ودنه، ووش نور ظهر في خياله… ابتسامتها القديمة وقت التحقيق، وهي بتحاول تتكلم قدامه وهي خايفة.
فجأة اتنهد وهو بين النوم والصحيان وقال بصوت واطي:
ـ نور…

الممرضة بصت له باستغراب، لكنها كتبت كل حاجة في التقرير.

وبدأ يتذكر الا حصل

في مكتب صغير هادي مليان ملفات وورق، جلس محمد وهو ماسك راسه بإيده، ملامحه متعبة وعينيه محمّلة بوجع السنين. قدامه نامق، المحقق اللي اتعود يشوف قضايا كتير، لكن المرة دي حس إن الموضوع مختلف، أقرب للقلب من أي قضية فاتت.

محمد بص له بجدية وقال:
ـ عايزك إنت اللي تحقق في الموضوع ده يا نامق. البنات اللي اتعرضوا للتحرش في الشارع، في بنت يتيمة الأب لازم تبقى معاهم وتشوف بنفسك.

تنهد نامق وحط إيده على صدره كأنه بيطمنه:
ـ حاضر والله، هعمل كل اللي إنت عايزه وهتابع بنفسي، بس إنت ارتاح.

وفعلاً، رفع السماعة واتصل، وعرف كل التفاصيل. بعد شوية قال:
ـ تمام، أنا هروح دلوقتي وأقابل البنات وأحقق معاهم.

محمد بص له بعينين متوسلة وقال:
ـ أرجوك متسبهمش يا نامق.

دخل نامق  للعملية ، وسرح للحظة مع نفسه. شريط الذكريات اتفتح قدامه من غير ما يقصد، ورجع بذاكرته لأول مرة شاف فيها نور في التحقيقات. كان وقتها مش متخيل إن الدنيا صغيرة للدرجة دي، وإن الوشوش اللي بتعدي قدامك في لحظة ممكن تبقى جزء من حياتك بعدين. غمض عيونه، وابتسم ابتسامة باهتة، لكن سرعان ما رجع لصوت الشويش اللي خبّط على الباب.

قام نامق، وخرج عشان يستقبل محمد، اللي جه له في المكتب. كان وجهه باين عليه القلق، لكن نامق قابله بابتسامة كبيرة وهو يفتح دراعاته:
ـ أخي العزيز! مشرفني هنا. تعالى ادخل.

وبص للشويش اللي واقف على جنب وقال بنبرة أوامر محببة:
ـ اعمل قهوة مظبوط لأخي وأبوي الروحي بسرعة.

رفع الشويش إيده باحترام:
ـ تمام يا فندم.

دخل محمد وقعد، لكن باين عليه التوتر، مش قادر يرتاح. تنهد وقال بصوت مبحوح:
ـ في بلاغ اتقدم عن دايرة الشُّربية... بخصوص اعتداء. بالله عليك يا نامق، عايزك تهتم بالموضوع ده.

نامق هز راسه بثقة وهو يسند ضهره على الكرسي:
ـ حاضر يا محمد. عيني الاتنين. أقعد ارتاح وإحكيلي التفاصيل وأنا أسأل وأفهم كل حاجة.

لكن محمد رفع إيده بسرعة، كأنه مش قادر يقعد:
ـ لأ... مش هقعد. الموضوع أكبر من إني أحكيه في هدوء. لازم تتحرك بنفسك.

نامق اتعدل في قعدته، عينيه ثبتت على أخوه، حاسس إن وراه سر مش بسيط:
ـ خير يا محمد... إيه اللي مخوفك كده؟

محمد بص له بنظرة تقيلة، كأنه شايل جبل على ضهره، وقال:
ـ اللي اتعرضوا للاعتداء دول مش أي حد... في بنت يتيمة الأب وسطهم. وأنا مش مرتاح، حاسس إن الموضوع ده ممكن يتطور.

سكت لحظة، وبعدين زاد صوته وهو يزفر بحرقة:
ـ أنا مش طالب منك مجرد تحقيق يا نامق... أنا طالب منك تحميهم.

خرج نامق متجه للقسم، وهناك كان المشهد موجع: رحمة ونور قاعدين على كراسي خشب قديمة، ووالدتهم الكفيفة معاهم. نور كانت مرعوبة، عينيها الزرق غرقانة دموع وهي بتعيط بهستيريا. أما رحمة، رغم إن ملامحها الجميلة كانت باينة إنها موجوعة، حاولت تتماسك وتحضن أمها كأنها السند الوحيد.

اقترب نامق منهم، بص لهم بحزم بس فيه رحمة وقال:
ـ ممكن أفهم إزاي حصل التحرش بيكم؟ فين؟ وامتى؟ كل التفاصيل.

رفعت رحمة راسها بنبرة متحدية:
ـ حضرتك محقق في القضية؟ من الصبح بنحكي نفس اللي حصل ومحدش سمعنا، وكل اللي بيبص علينا بنظرات شك، أو يقنعنا نتنازل عن القضية عشان سمعتنا.

ابتسم نامق بخفة وحاول يهديها:
ـ ممكن تهدي يا رحمة؟ صدقيني أنا غير أي حد اتكلم معاكم.

نفخت رحمة بحرقة وقالت:
ـ احكي إنتي يا نور. محدش مصدقني! مستغربين إزاي كنت في الموقف ده واتصلت بالشرطة؟! بيتريقوا علينا بدل ما يشجعونا. أنا كنت طول عمري بحب الشرطة وبعتبرهم حماية.

قرب نامق وجاب كرسي، قعد قدامهم وقال بنبرة جدية:
ـ وعد مني أخليكي تفضلي فخورة بشرطة بلدك. احكي يا نور.

رفعت نور راسها، ملامحها الطفولية البريئة مغسولة بالدموع، صوتها متقطع وهي بتحاول تتكلم:
ـ كنا راجعين من الدرس... في شارع ضيق. رحمة قالت لي: "بلاش ندخل منه"، بس أنا كنت غبية، عايزة أختصر الطريق. دخلنا، وفجأة دخلوا ورانا شباب وبدأوا يحاصروني. رحمة حاولت تبعدهم بالشنطة، وكانت بتحاول تتصل بالشرطة... التليفون وقع، والشرطة سمعت اللي بيحصل وقدروا يحددوا مكاننا.

نامق مد إيده بلطف وربّت على كتفها:
ـ براحة يا نور... ينفع العيون الزرق دي تغرق دموع؟

ابتسمت نور بخجل وسط دموعها، وبدأت تحس بالأمان لأول مرة من بداية اللي حصل.

في اللحظة دي، جوه عقل نامق، افتكر إن دي البنت اللي طلب منه أخوه يحميها. ومن يومها، بقى متابع تفاصيل القضية كأنها شغله الشخصي.

ومرت الأيام، وفي مرة سأل محمد أخوه:
ـ إيه أخبار القضية؟ ورحـمة عاملة إيه؟

نامق بص له باستغراب:
ـ رحمة مين؟ اللي في القضية نور.

محمد غضب وقال:
ـ إزاي! رحمة راحت فين؟

حاول نامق يهديه:
ـ البنت التانية... أمها خافت عليها، وطلبت منها تسافر عشان تبقى شاهد ملك.

محمد صرخ:
ـ سافرت إمتى؟! مش يسيبوها كده، البنت في خطر. قوم معايا يا نامق ومعانا قوة.

وفعلاً راحوا، لكن شكوك محمد كانت في محلها. شاب تابع للبلطجي عطل الأوتوبيس اللي راكبة فيه رحمة. وبعدها استغلوا إنها لوحدها وحاولوا يطردوها. بس القدر كان مرتب غير كده، لأن محمد ونامق كانوا قريب.

اتصل محمد بـ طاهر، اللي كان عامل خيمة في موقع مشروع فندق جديد مع مهندسين. أول ما رحمة وصلت هناك، وهي مرعوبة والشباب بيجروا وراها، وقعت في حفرة قريبة من المخيم. لحظة رعب حقيقية.

بس قبل ما يوصلوا لها، تم القبض على الشباب متلبسين، وتم إنقاذ رحمة. طلّعوها من الحفرة وهي مرعوبة، محمد بص لطاهر وقال:
ـ خلي بالك منها لحد ما تفوق.

مرت سنين وأيام، لكن جرح محمد ما اندملش. وفي مرة بص لنامق وقال بوجع:
ـ فاكر رحمة بتاعة القضية؟

استغرب نامق:
ـ إيه؟ وقعت في قضية تانية؟

محمد تنهد وقال:
ـ عايزك تتجوزها.

شهق نامق:
ـ نعم! ليه رحمة بالذات؟! ليه بتدور لها على عريس كأنها معيوبة؟ الأول كنت عاوزها لسليم لكن اتجوز، بعدين فكرت في ابنك، ولما ما لقيتش أمل، جيت لي أنا؟!

ضحك محمد بوجع، دمعة لمعت في عينه:
ـ معيوبة؟! لو كنت عارف الحقيقة كنت قولت إيه يا حضرة الظابط؟

نامق استغرب:
ـ قصدك إيه؟

محمد بص له بوجع دفين وقال:
ـ أنا قتلت أبو رحمة بالغلط... أنا السبب إنها وأختها يعيشوا يتامى، ومراته تتبهدل على ماكينة خياطة لحد ما نظرها راح. الذنب ده بيقتلني كل يوم.

شهق نامق وهو مش مستوعب:
ـ إيه؟! إزاي حصل ده؟ احكيلي يا محمد.

محمد غمض عينه وقال بصوت مكسور:
ـ اعتبرني ببلغ عن نفسي ليك يا أخويا... عشان أخلص من العذاب اللي جوايا.

وكل اللي فات كوم، واللي حصل للبنت كوم تاني… حسيت إن قلبي هو اللي بيتقطع. خصوصًا بعد ما بلغت عن اللي هاجموها وطلعوا عليها إشاعات.

انهار نامق:

إزاي قتلت أبوها؟! احكيلي اللي حصل!

محمد بدأ يحكي بالتفاصيل، لحد ما دموعه غلبته.

أنا عايز رحمة وأمها وأختها يكونوا معانا في البيت… ومفيش حل غير إنها تبقى مرات حد منكم، يا إما إنت يا إما طاهر. أنا حاولت أخلي طاهر يشوفها بعد ما أنقذناها وهي وقعت في الحفرة… فاكر؟

تنهد نامق وهو بيهز راسه:

آه… وكنت مستغرب إصرارك نتابعها لحد عمها. طلع إحساسك صح، كانوا بيطردوها. ولما خافت وجريت، وقعت واغمى عليها. وقتها قبضنا على الشباب متلبسين. وطاهر طول اليوم كان جنبها يسعفها… بناءً على طلبك.

محمد ابتسم بدموع:

قلبي فرح وقتها إنه اهتم بيها. بس لما فاقت وشافته… صرخت واغمى عليها تاني. الدكتور وقتها قال إنها كويسة بس نفسيتها تعبانة. وبعدها، لما رجعت بيتها، طلبت من طاهر يتقدم لها… قام ضحك وقال: "مش معنى إني اهتميت بيها أبقى لازم أتجوزها. أنا عملت كده عشان أثبتلك إني دكتور شاطر وتسمحلي أقدم في كلية الطب."

ضحك نامق:

ابنك ده كان بيمثل عليك. أنا فاكر وقتها جريت وراه وأقسمت إنه يدخل تجارة وينسى الطب.

ابتسم محمد بحزن:

فعلاً… بس إيه الحل دلوقتي؟

---

المشهد ينتقل:

فاق نامق على صوت دكتور  البنج  بيسأله:

اسمك إيه؟

بصله نامق:

هو أنا ممكن أموت في العملية دي؟

ابتسم الدكتور:

بتقولوا إيه عندكم في مصر؟ تفائلوا بالخير.

تنهد نامق:

طيب… ممكن أكتب حاجة، تسلمها لطاهر لو ما خرجتش بالسلامة؟

أشار الدكتور للممرضة، جابت ورق وقلم.
كتب نامق:
"أبوك زمان أمني على سر إنه السبب في موت أبو رحمة… ووصاني أعمل المستحيل عشان تكون في العيلة. والحمد لله بقت مراتك. وأنا دلوقتي بوصيك على نور… لو حصللي حاجة، خلي بالك منها."

طبق الورقة وسلمها للدكتور، اللي حطها في جيبه.

بدأوا يجهزوه للعملية…

مرّت الساعات ثقيلة. برة، رحمة كانت قاعدة ودموعها بتنزل بخوف.
اقترب منها طاهر، ضمها لصدره وهو يهمس:

متخافيش… هيكون بخير.

ارتجف قلب رحمة لأول مرة من الإحساس ده، وكأنها لقت الأمان اللي عمرها ما حست بيه قبل كده.

رحمة كانت قاعدة على الكرسي في طرقة المستشفى، إيديها متشابكة وبتخبط رجليها بعصبية من كتر القلق. طاهر كان قاعد جنبها، بيبص لها من غير ما يتكلم الأول، لكن لاحظ إزاي وشها متغير وعينيها باينة فيها دموع.

قرب منها وقال بهدوء:

رحمة… إهدي شوية. كل حاجة هتكون بخير.

بصت له بسرعة وقالت بصوت مرتعش:

إزاي أهدي؟ دي أمي جوه في العملية، وأنا حاسة إن الدنيا واقفة.

مد إيده وغطى إيدها، فاتفاجئت ونظرت له باستغراب.

ما تخافيش… طول ما أنا جنبك، عمرك ما هتكوني لوحدك.

شدت إيدها بخجل، لكنها ما بعدتش بعيد، وقالت بعناد ضعيف:

إنت فاكر إن الكلام ده ممكن يغير حاجة؟!

ابتسم ابتسامة صغيرة فيها حنان:

آه، ممكن. يمكن مش يغير الواقع… بس يغير إحساسك دلوقتي. ويخليكي أهدى شوية.

سكتت لحظة، وبعدين قالت بصوت واطي جدًا:

أنا… مش عايزة أبين ضعيفة.

قرب منها أكتر وقال بنبرة صادقة:

الضعف مش عيب… العيب إنك تخبي مشاعرك عن اللي فعلاً مهتم بيكي.

رحمة بصت له، عينيها مليانة دموع لكنها مبتسمة بخجل:

وإنت مهتم؟

ضحك وهو يهز راسه:

دي أكتر كلمة قليلة ممكن تتقال على اللي أنا حاسه… أنا مش بس مهتم، أنا… قلبي متعلق بيكي أكتر من أي حاجة.

ارتبكت رحمة وحاولت تبص بعيد، لكن ملامحها فضحت إن الكلام دخل جوه قلبها.
ردت بخفوت:

طاهر… لو أمي طلعت بخير، هفكر أصدقك.

قرب منها وقال بابتسامة واثقة:

وهتصدقي… وهتكتشفي إن ربنا بعتني ليكي عشان أبقى سندك في كل وقت زي ده.

سكتوا بعدها، لكن إيديهم اتلمست من غير قصد… وولا واحد فيهم سحب إيده.

قالت بصوت مكسور:

نفسي أمي ترجع تفتح عيونها تاني وتشوفني… مش عاوزة أي حاجة تانية.
وقفت لحظة، وبصوت مرتعش كملت:

كانت دايمًا تقولي نفسها تشوفني بفستان فرحي مع حد يحبني… بس مقدرتش أحقق لها ده. على الأقل تفتح عيونها وتشوفني وتشوف حنين… ونفرح أنا وهي بحنين.

طاهر كان واقف جنبها، عينيه فيها غيرة ووجع من كلامها. فجأة رفع صوته بانفعال:

إنتي ليه دايمًا تحسسيني إنك مجرد وقت… وهتمشي من حياتي؟!


تعليقات



<>