رواية عشقت فتاة المصنع الفصل الخامس عشر15 بقلم صفاء حسني

رواية عشقت فتاة المصنع الفصل الخامس عشربقلم صفاء حسني

زياد وقف قصاد زينب، نظرته كلها حزم وخوف، صوته فيه جدية ما بتقبلش جدال:
— قبل ما تطلبي تسيبي المهمة ولا لا، لازم تيجي معايا دلوقتي. أوديك مكان آمن عند ناس أعرفهم.

اتجمدت زينب للحظة، قلبها بيخبط، بلعت ريقها وقالت بخوف:
— طيب… لو عصام حاول ييجي أو اتصل بيا؟

تنهد زياد بعتاب واضح، عينه بتلمع غيظ:
— إنتي مركزة مع عصام ليه؟! شغلك مش مع عصام على فكرة. آه ممكن يكون دخل في الخط، بس مهمتك حاجة تانية خالص… مهمتك إنك تكشفي الناس اللي بيشغلوا البنات في الدعارة. شغلك يبدأ مع مدام نهال، اللي طلبت منك تيجي. وكويس إنك قولت لعصام إنك استقلتي من المصنع، كده عندك مبرر تكوني قريبة من نهال وتكسبي ثقتها… ولما تبقي دراعها اليمين، نفهم هي شغالة تابع مين.
عشقت فتاة المصنع الكاتبة صفاء حسنى الفصل 15 
زينب سابت نفس طويل، وعينيها مليانة قلق:
— طيب… موضوع إني ليّا أهل تاني؟ أعمل فيه إيه؟

ضحك زياد بسخرية وهو بيهز راسه:
— يا بنتي أنا ظابط كبير، مش أي كلام يعني. هعرف أجيبلك قرار بالموضوع ده. يلا… وصاحب الفندق ملخوم بالزباين اللي دخلوا.

زينب رفعت حواجبها مستغربة، لمعت عينيها بعلامة استفهام:
— الناس دي… تابعك صح؟

زياد ابتسم ابتسامة فيها لا مبالاة مصطنعة، وضحك بسخرية:
— مش عارف الصراحة… المهم دلوقتي تقفلي أوضتك بالمفتاح، وتطلعي معايا من الباب الخلفي. ولو عصام سأل عنك، هتكوني دخلتي من نفس الباب تاني.

هزت راسها بالموافقة، قلبها بيتدق بسرعة. أخدها زياد وركبوا العربية. بعد وقت قصير، وصلوا قدام كمبوند قديم، وزياد اتصل بمومن.

في نفس الوقت، مومن كان نايم من التعب جنب إيمان. هو حاطط راسه على حجرها، وهي رغم الألم والتعب حسّت بدفا غريب يخليها ماتصحّهوش. التوأم صحوا، وهي عملت حركة ذكية بالحبل المربوط في السريرين؛ أول ما تهز الحبل، السريرين يهتزوا مع بعض، فيسكتوا الأطفال ويناموا.

صحى مومن على صوت تليفونه بيرن، رفع راسه فجأة وعيونه حمرا، اتفاجئ إنه نام على رجلها طول الوقت ده. بص لها بعتاب:
— ليه سبتيني أنام على رجلك كل ده؟ أكيد اتخدّلتي.

ابتسمت إيمان رغم التعب وقالت بمراوغة عشان تهون عليه:
— حلوة فكرة الحبل ده، صح؟ كنت عايزة أدبسك تشيلهم لما يعيطوا… بس أنت طلعت عامل حسابك.

ضحك مومن وهو بيعدل نفسه، عينيه مليانة حنية:
— عيب عليكي، أنا أفهمها وهي طايرة. وبعدين الصراحة مش عايز نفترق… أنا في مكان وإنتي في مكان. البُعد بيعمل جفاء مع الوقت. وكده كده شغلي بيخليني أسهر، فتبقي معاكي أمي أو… الأمهات بتوعك يا بنت المحظوظة.

ضحكت إيمان من قلبها رغم الألم:
— آه والله محظوظة. بس إنت نسيت عندك ٣ أمهات. وفكرة العمارة دي تجنن… نوزع الأولاد في الشقق وأنا أستفرد بيك وقت ما أحب.

ضحك مومن وهو بينظر لها بهيام:
— يبوي على التشويق في عز التعب. أنا عارف هتلعبِ بيا الفترة دي… ولازم أكتم جوّا.

رن تليفونه تاني، المرة دي انتبه:
— يا خبر… نسيت معادي مع زياد. أرد وأروحله، وأرجعلك نكمّل اللعب على المكشوف.

ضحكت إيمان بخفة:
— انسى… إنت هتصوم شهر كامل يا جميل. خلال الشهر ده اللعب هيبقى بالألفاظ وبس.

ضحك مومن بصوت واطي، وهو يحاول يخفف التوتر اللي حاسس بيه:
— ده البنج لسه مأثر فيكي، صح؟ حاسس إني الصبح هشوف الشويش إيمان أُقدّمي.

كشرت إيمان وهي بتضربه بخفة على كتفه:
— شويش إيه يا راجل؟! أغص عليك. بذمتك شايفني راجل؟… يشهد عليك التوأم دول. يعني جبتهم من السوق؟!

ضحك مومن بحرارة وهو يبص لها بحب:
— في الزمن ده… كل حاجة بقت مش غريبة.

رنّ تليفون مومن للمرة التالتة، وزياد على الناحية التانية كان بينفخ بغيظ، صوته مبحوح من العصبية:
= هو إنت نايم ولا ميت؟!

رد مومن وهو بيحاول يخفّي تعبه بابتسامة باهتة:

معلش يا زياد… كنت نايم.

زياد زفر بصوت عالي، صوته مليان ضيق:
= نايم؟! يعني أنا سايب شغلي وجاي أجري وراك، والبيه مستريح!

ضحك مومن بسخرية وهو يعدل جلسته:

ما إنت هتسيب شغلك عندي وتنام، فيها إيه لو ارتاحت شوية؟

عين زياد ضاقت، صوته بقى فيه وعيد واضح:
= ملحوق يا مومن… ماشي. يلا قوم وتعال خد البت اللي معايا، عشان ألحق أنام أنا كمان قبل ما نروح زيارة للزفت اللي في السجن.

سكت مومن لحظة، قلبه اتقبض لما افتكر الشخص اللي هرب منه زمان، الشخص اللي ممكن يكون مجرد ذكر اسمه كفيل يوقّف الدم في عروقه.
بص لمراته نايمة جنبه وابتلع خوفه:

خايف… خايف يقتلوها قبل ما نوصل ليها.

زياد صوته جِدي، لكن عينه فيها لمعة قلق:
= متقلقش، أنا مأمّنها. طلبت لها حراسة مشددة، وسجن انفرادي. حتى الأكل والشرب منعنهم إلا بعد ما يتفتشوا كويس… أنا مش ضامن إيديهم واصلة لحد فين.

قرب من الحيطة، صوته بقى أخفض كأنه بيتكلم مع نفسه:
= متنساش… دول حكموا البلد سنين، وليهم عيون في كل ركن. مهما وقعوا، لسه في شياطين بيلعبوا في الضلمة.

مومن شد على التليفون بإيده، وعقله رجع للوراء، لصورة "أبو إيمان المزيف" اللي عاش سنين باسم "عماد" وما حدش شك فيه. حس إن ظهره بيتقشعر.
ساعتها بس فهم معنى جملة زياد: "مدرب كويس… يعرف يستخبى في النور قبل الضلمة."

... 

زياد بص لموبايله وهو بيكلم مومن بعصبية:
= المهم دلوقتي انزل خد معاك الأمانة عندك.

رد مومن بهدوء وهو بيحاول يخفّي ابتسامته:

حاضر… اديني دقيقة.

مومن لبس هدومه بسرعة، وهو بيربط زراير القميص وإيده بتترعش شوية من الاستعجال.

في نفس الوقت، زينب كانت واقفة قدام زياد، وشها بيحمر من الغضب وظهرها للباب:

قولتلك ألف مرة، هتقولي "بت" هقولك "جريتي"… متفتكرش إن حضرتك ظابط وكبير يبقى برحتك تهزق فيّ.

زياد نفخ بغضب، صوته بدأ يطلع من تحت لتحت:
= أنا على آخري ومطبق باليومين عشان ساعتك ومشبر ومش شايف قدامي… فتلمي كده.

فتح باب العمارة مومن وهو سامع الحوار وضحك:

تعالي يا بنتي، ليرتكب جريمة وهو مشبر كده!

زينب لفت بسرعة وهي بتضحك رغم عصبيتها:

آه والله مش بعيد… مش كفاية مشغلني معاه بالعافية وكمان عامل يعطني أوامر من الصبح. أقسم بالله أنا زهقت وعايزة أروح.

أول ما شافها مومن، حس كأنه يعرفها من زمان، كأنهم بيكملوا بعض.
ضحك وقال لها:

لو قولتي له كده مش هتشوفي نجوم الظهر، أنا عارفه.

زياد بص لهم بعصبية، صوته اتشد أكتر:
= هو أنتم هتغنوا وتردوا على بعض وتتسلوا عليّ؟ طيب إنسوا المشوار، أنا أجلته لبكرة.

مومن تنهد كأنه فاق على نفسه فجأة، عينه فيها قلق:

لأ… لازم النهارده عشان محدش يسبقني ويقتلها.

زينب فجأة اتسمرت في مكانها، قلبها دق بسرعة:

هو فيها قتل؟! هو أنتم عصابة؟

مومن قرب من زياد وبص لزينب وقال بهدوء:

متخافيش… الموضوع ميخصكيش.
(بعدين لزياد)

المهم… انت أجلت ليه المشوار؟

زياد ابتسم ابتسامة فيها سخرية وهو شايف مومن متردد:
= فين الجامدان اللي كنت بتتكلم بيه من شوية؟ في لحظة نخيت.

مومن نظر له بتحدي:

لا يا حبيبي، أنا ممكن أروح من غيرك. انت اللي أخرتنا، وقلت استنى لما أعمل تحريات وأكون جاهز.

زياد ابتسم وطمنه:
= متخافش، هي تحت الرقابة في سجن انفرادي من غير أكل أو شرب، عشان محدش يفكر يسممها.

زينب كانت واقفة مرعوبة من كلامهم، وشها شاحب، وقلبها بيضرب بعنف.
مومن لاحظ ده وبص لها:

إنتِ بخير؟

زينب هزت راسها وهي بتبلع ريقها:

لحد دلوقتي آه… لكن بعد شوية مش عارفة مصيري هيكون إيه.

زياد ضحك بسخرية:
= طلعت بتخافي أهوه! طيب نفشتي ريشك عليّ ليه؟

زينب نظرت له بحدة، صوتها مرتعش:

إياك تقولها… واقسم بالله ما يفرق معايا حتى لو موتّني.

مومن حس بخوف عليها وقال بهدوء:

بعد الشر عليكي.
(وبعدين لزياد)

روح انت دلوقتي وبكرة نتكلم، عشان وانت مشبر بتضيّع كل حاجة.

زياد ضحك وهو ماشي:
= واضح كده… تصبحي على خير يا بت.

وركب العربية وسابهم.

زينب نفخت بغضب وهي بتبص لمومن:

شايف عمايل صاحبك الجريتي ده؟

مومن ضحك وقال:

بصي، أنا هطلعك عند مراتي عشان لو دخلت بيك دلوقتي عند أمي وأبويا يشكوا إني اتجوزت على مراتي.

زينب ضحكت بسخرية:

يعني خايف توقع قلب أهلك… بس المسكينة عادي.

مومن ضحك وهو بيحاول يخفّي توتره:

هي دلوقتي تحت تأثير البنج عشان ولدت قيصري… وشايف ده أنسب وقت أعمل فيها مقلب.

حركت إيده بطريقة عفوية، وفي نفس اللحظة مومن عملها بطريقته وخبط كفه في كفه وهو بيضحك.

زينب استحت وبصت للأرض:

آسفة جدًا أصلًا…

زينب كانت لسه مكسوفة بعد ما خبطت كفها في كف مومن، رفعت عينيها وقالت بخجل:

أصلًا أنا متعود أعمل الحركة دي… عفواً بتطلع مني من غير ما أخد بالي، وأصحابي كانوا بيستغربوا.

ضحك مومن بصوت واطي وهو ماسك نفسه:

مش إنتِ لوحدك… أنا كمان دايمًا بعملها، بس أنا واخدها وراثة من السيد القاضي محمد… علامة مميزة عنده.

زينب استغربت، عينيها وسعت شوية:

مين سيد محمد القاضي ده؟

مومن ضحك بجد المرة دي، وصوته فيه مزاح وهو سايق:

سيد محمد القاضي ده طيب… إوعي يسمعك، يعلّقك.
(وقف لحظة، وبعدين كمل)

أنا هاخدك عند زوجتي عشان لو دخلت بيكي عليه من غير ما يعرف يفتكر إني اتجوزت للمرة التالتة ويقع فيها.

شهقت زينب بصدمة، حطت إيدها على خدها:

انت متجوز اتنين؟!

مومن ضحك بهستيرية، دموعه نزلت من الضحك:

يا بنتي حرام عليكي… أنا أموت من الضحك وأنا مش فاهم الحالة اللي أنا فيها دي… قلبت معايا ضحك.
(حط إيده على صدره وهو بيضحك)

واضح تأثير البنج بتاع مراتي أثر عليا.

زينب ابتسمت بخفة دم وهي لسه مستغربة:

وانت خايف توقع قلب القاضي… وعادي لما تصدم مراتك؟

مومن ضحك وهو بيهز دماغه:

ما هي تحت تأثير البنج والولادة… فالمقلب مينفعش غير دلوقتي، عشان أطلع كل اللي جواها. هي كتومة وبتشيل جواها كتير.
(بص قدامه للحظة، صوته بقى أهدى)

جوازنا وارتباطنا ليه ظروف… وحصلت حاجات كتير قبلها.

زينب بصلّه وهي أول مرة تحس إنه مش بس بيهزر… ورا الضحكة في حكايات تقيلة.

طلع مومن  بسرعة على السلم،إفتكر إن سايب ايمان لوحدها ، عينه فيها لهفة وخوف على إيمان والأطفال. فتح الباب بإيده وهو بيقول بهدوء مضغوط:
– يلا يا زينب تعالى معايا.

دخلوا الشقة، والأنين الهادي لإيمان كان سابقهم. كانت قاعدة على السرير بتحاول تقوم، رجلها بتوجعها ومش قادرة، والأطفال على صرخة واحدة بيعيطوا. دموعها منزلة على خدها وهي بتحاول تمسك نفسها.

مومن أول ما شاف المنظر قلبه وقع، جري عليها وهو بيقول بلهفة:
– مالك يا قلبي؟! بتعيطي ليه؟

زينب لقت نفسها تتحرك من غير ما تفكر، قربت منها وساعدتها، نولتها الطفلة الصغيرة بإيديها المرتعشة وهي بتقول بهدوء:
– بسم الله ما شاء الله… ربنا يحفظهم. أولادك صح؟

هزّ مومن رأسه وهو بيبص على الأطفال بحنان وقلق مع بعض:
– آه… أولادي.

إيمان كانت بتحاول تمسح دموعها بإيدها التانية، صوتها مخنوق:
– مفيش… الأطفال عيطوا، وحاولت أعدل نفسي عشان أجيبهم لكن رجلي وجعتني ومعرفتش أقوم.

رفعت عينيها لزينب لأول مرة، ملامحها فيها استغراب وقلق:
– مين دي؟

مومن كتم الضحكة اللي عايزة تطلع منه، حاول يخلي صوته طبيعي وهو بيقول:
– جبتلك واحدة تساعدك.

إيمان كانت لسه مش مستوعبة، قلبها بيدق بسرعة، نظرت ليه وليها، وبصوت فيه رعشة قالت:
– واحدة تساعدني إزاي؟!
(اتسعت عينيها فجأة وشهقت وهي بتحط إيدها على صدرها)
– إوعي تكون اتجوزت عليّا يا مومن… والله كنت حاسة إنك هتعملها.

مومن اتفاجئ من كلامها، وقف مكانه نص ثانية مش عارف يضحك ولا يرد، أما زينب فبصّت لتحت، حست إنها وقعت في وسط موقف ملغوم، ووشها سخن من الإحراج.

في العربية، كان زياد ماسك الموبايل وصوته كله جدية:
= وصلت ليك العينة؟

جاله صوت الراجل من الطرف التاني:

أيوة، وصلت.

زياد شد نَفَسه وقال بأمر حاسم:
= عايزك تعملي تحليل "دي إن إيه" بين العينة دي وعينات عيلة القاضي محمد، اللي عندك محفوظة… لسه عندك صح؟

الراجل رد بثقة:

طبعًا، محتفظ بيها من وقت ما شكينا إن في تسمم، وإنت ساعتها طلبت مني أخد عينات وأخليها في مكان مضمون لحد ما تجيبلي حاجة تانية.

ضحكة صغيرة ارتسمت على وش زياد وقال بهدوء:
= تمام… عايز النتيجة في أسرع وقت، وتكون بسرية تامة.

قفل الموبايل، قعد ساكت لحظة وهو يبص قدامه بعينين مليانين قلق وأمل، وبصوت واطي قال:
= يارب… يارب تكون هي يا مومن… وتكون أختك اللي بدوّر عليها… يارب أكون اتصرفت صح
تعليقات



<>