رواية غرام في العالم السفلي الفصل العاشر10بقلم داليا السيد

رواية غرام في العالم السفلي الفصل العاشر10بقلم داليا السيد

موعد مع المجهول
هي فتاة ظنت أن مكانها بالظل.. خطواتها بجوار بل داخل الحيطان.. 
ظنت أنها تعشق العملاق وحلمت أن يسقط بغرامها بيوم حتى.. نفضها عنه كحشرة غير مرغوب بها وسقطت فاقدة جناحيها ولا تدري أين ستهوي؟
سقطت بين أنياب العابث بلا حول ولا قوة وهو..
لن يرحمها..
اهتزت يدها الممسكة بالهاتف عندما رأت اسم سعد يضيء على الشاشة
"يمكنك العودة له.. ولخطيبك"
التفتت بفزع لتواجه الملامح الجامدة وارتجفت من شعر رأسها حتى أصابع قدميها
تغرق.. تضيع.. تفقد القدرة حتى على التفكير بمجرد التواجد أمام ذلك الرجل
عابث خطير ليس فقط بالنساء ولكن بالعقول..
توقف الرنين فاقترب منها والعيون تمتلك لغة يصعب فك شفرتها أو ربما هي كانت تلميذة غبية لا تعرف كيف تتهجى حروفها
"سأمنحك غدا مهلة للتفكير، الشقة لك وبدوني وبالغد بمثل هذا الموعد يمكنك أن تمنحيني القرار"
عادت لعقلها فما زالت تدرك أين تقف "لا"
مالت رأسه بحركة تعجب ورفع حاجبه الأيسر مندهشا من ردها
"شجاعة أهنئك عليها، يمكنك الذهاب"
وتحرك مبتعدا وهو يجذب سيجارة ويقذفها بين شفتيه باحثا عن القداحة وهي جامدة مكانها
أين ستذهب؟ لا بيت لها، لا أهل أو أقارب سوى سعد وسعد جلاد ينتظرها حتى يلقيها لرجل لا يمكنها أن تربط مصيرها به
لا يمكنها البقاء هنا، بقاءها يعني موافقة ضمنية على ما يريده وهي..
رنين هاتفه جعله يتحرك لجاكته ويجذبه وهو يجيب بنبرة حادة تدل على أن تلك العسلية تغضبه
"نعم"
"هارون الديب أصيب إصابة بالغة أثناء هجوم قوي وتم خطف زوجته وهو بحالة خطر الآن"
رفع رأسه والتفت لأحلام التي ظلت رابضة بمكانها بلا حركة وكأنها لم تعد على الأرض
"بأي مشفى؟"
"رجاله تمنع الزيارة والشرطة تضع حراسة والأمور غير سوية وتكتم متقن على الخبر"
لم يجادل واكتفى، هو يحترم هارون جدا ورغم أنه منحه كلمة تجاه أحلام لكنه لم يستطع كبح جماح رغبته بها..
حركتها جعلته ينتبه وهي تتحرك لجذب حقيبتها ولا يعلم كيف ما زال يريدها وهي ترفضه وترفض أي شيء منه؟
رسالة على هاتفها جعلتها تفتحها "جلبت لي العار أيتها الفاجرة، سأقتلك وسأقتل ذلك الرجل، لن يمكنك الفرار للأبد ولا هو"
شحب وجهها وهو لاحظ ذلك فتحرك لها جاذبا الهاتف ليرى رسالة سعد وهي لم ترفع وجهها له بل جمدت بمكانها فاقدة القدرة على أي شيء حتى التفكير
رفع وجهه لها وقال "سأعود لنفس الكلمات أحلام، ابقي هنا ولا تذهبي لأي مكان، لن يمكنه معرفة مكانك ما زلت أمنحك مهلة للغد"
الدموع كانت تتساقط رغما عنها وقد تألمت عيونها من كثرة البكاء وإرهاق ضرب كل جسدها..
لمس ذراعها فانتفضت، عادت للحياة، للعذاب من أخ لا يراها سوى عبئ يرغب بالتخلص منه ثم فاجرة تجلب له العار لأنها رفضت رجل لا يعني لها شيء
جذبت حقيبتها ودفعتها على كتفها لتذهب، لن تبقى، حتى لو كان أخيها يلعنها فهي ليست ملعونة ولا فاجرة ولن تهتم به
تحركت لتذهب لكنه ظل بمكانه أمامها فمسحت دموعها بأصابع هشة، مهتزة لتمسح معها ضعفها وتهاونها 
"أنا لابد أن أذهب"
مال تجاها وفكرة تعصف به مرت على ذهنه "هناك رجل آخر؟"
صمتها منحه الإجابة وهذا أمر لم يفكر به.. 
ابتعد من أمامها وغضب غريب سكن دواخله لم يفهم سببه "لذا تصرين على الذهاب، من هو؟"
قلبها أراد التمسك بأي شيء يبعدها عن ذلك العابث حتى ولو كان حبها الضائع، اليائس
"أمر لا يخصك"
عنادها يصيبه بسخط.. 
رحيل العقل جنون، هوس، فهل فقد عقله عندما جذبها من ذراعها بلا تفكير وهرس شفتيها بفمه؟
هل صغر عقلك فزاد غرورك وصور لك أن لا أحد سينالها سواك؟ 
أفق فالغرور قد يؤدي بك إلى الهلاك
قاومته، ركلته، دفعته بقوة حتى قيد يداها بلا صعوبة لكنها لم تتوقف بل عضت شفته بقوة جعلته يفك قيدها ليرى على أصابعه آثار الدماء التي انسابت من شفته السفلى ودفعه الغضب لرغبة بصفعها ولكنها لم تكن أمامه بل رأى باب الشقة مفتوح وهي اختفت
ببساطة اختفت..
****
أيها النوم، إنك تقتل يقظتنا.. الأخ التوأم للموت
نامت دون أن تعرف كيف أو متى فقد فقدت الإدراك بالوقت من الظلام الملتف حول عيونها
حتى بالحلم لم تراه، لم تتواصل الأرواح فقط تصحو لتكرر المشهد
مقيدة على صقيع صلب، حبيسة وحشة قد تكون أبدية لو أفضت بها للموت
صوت الخطوات غير الثابتة تحركت تجاها، يد خشنة قبضت على ذراعيها فتأوهت بلا قدرة على الصراخ تحت الشريط اللاصق 
"تتألمين من قبضتي؟ ماذا ستفعلين عندما تعرفين مصيرك القادم؟ أنت ثروة"
هو صوت واحد من الاثنان السابقين، هل هم حراسها أم عشماوي أتى لتنفيذ الإعدام؟
فجأة وجدت نفسها ملقاة على كتف مثل شيء هش لا وزن له، تمايلت مع خطواته التي تسمع صداها بسهولة 
صوت باب يفتح وصوت يأمره بإنزالها وفعل، ألقاها للأسفل.. 
أسقطها بلا رفق وهي تصرخ صرخة مكتومة أخرى عندما اصطدمت بشيء جامد ولكن ليس الأرض!؟ ربما.. جلد!؟ 
جلد خشن بارد، فراش، فراش لفرد واحد مثل فراش الفحص بالمشفى
يد رفعت جسدها المربوط كله ببعضه على الفراش، رائحة غريبة انتشرت وصوت امرأة جافة ظهر "اتركوها الآن واذهبوا"
الصوت الثاني عرفته أيضا "ألا توجد دعوة للمشاهدة؟ تبدو جميلة"
صوت المرأة القاسي هو ما رد "قلت اذهبوا ألا تفهم؟"
نبرتها كانت حادة كالسيف، مخيفة بلا رحمة والرجل الذي حملها يضحك بملل "اهدئي، هي مجرد واحدة كغيرها"
شعرت بيد تعبث بشعرها وتمر على وجهها فاقشعر جسدها من اللمسة الباردة
"ربما وربما ليست كغيرها هذا لا يخصكم، اذهبوا أرغب بالانتهاء من عملي"
واختفت الأقدام وانتهت بصرير لباب يغلق والمرأة أصبحت سيدة الغرفة
"سنقص تلك الملابس لأننا لن نزيل القيود، لن أجازف"
سمعت صوت مياه تتكون داخل شيء
"العمل كثير الليلة لذا عليك بالتعاون معي لننتهي بسرعة"
تتعاون معها!؟ تكتم أنفاسها وتنتحر، هل هذا هو التعاون المعني!؟
شعرت باليد تمسك صدر قميصها ثم انفتح الباب وصوت يقول "أنت! تعالي، هو يريدك الآن"
رحلت اليد عن قميصها وخطوات تبتعد وصمت يحل من حولها.. 
الجلد أكثر راحة من الأرض الصلبة الباردة لكنها لن تظل هكذا كثيرا 
تلوت بجسدها بصعوبة على الفراش والجلد ييسر حركتها حتى شعرت أنها وصلت لطرف الفراش واصطدمت بطرف مائدة متحركة
القيود أصبحت مؤلمة حول يديها وقدميها من حركتها وسقطت.. تحرك الفراش مرتدا عنها بعنف وشيء حاد ينغرز بجانبها الأيمن من الخلف مع ضوضاء اصطدام المائدة بالفراش 
انتظرت أن يهرع لها أحد ولكن لم يحدث..
واحد، اثنان، ثلاثة، ألم تفجر بجانبها عندما نزعته من الشيء الذي انغرز به وتنفست بقوة من أثر الألم، والدموع هي كل ما أمكنها مواساة نفسها به
اعتادت الألم والتركيز يعود لها فدفعت نفسها للمكان الحاد الذي جرحها حتى لمسته بأصابعها والفكرة تستقر بذهنها
قطع القيود..
**** 
تراجع أنس وهو يضع يداه الاثنان حول ذراعي مي ليوقفها عن الاصطدام به ودموعها تندفع بلا توقف، خطواتها ضائعة 
"مهلا مي، ماذا حدث؟"
يداه كانت جرس الإنذار الذي جعلها تعود من المجهول الذي رحلت به بعد مواجهتها المريعة مع هارون 
سقطت بجوف الجبل فابتلعها..
سقطت بين أنياب الديب.
"اتركني، ابتعد عني، لا أريد أحد، لا أريد أحد"
هيستريا أصابتها، انهيار، فقدان للاتزان.. صدمة
لم يفهم ماذا أصابها حتى تصل لتلك الحالة؟
مي التي لا تسمح لخصلة بأن تفر من مكانها تبدو هكذا، مبعثرة الشعر، متورمة العيون، فاقدة للتركيز لا تعي بالعالم من حولها 
لم يفلتها رغم مقاومتها وقد لفتت الأنظار لها "كفى مي، تعالي"
لفها بذراعه بحزم وقادها بلا وعي منها وهو يهمس لها بكلمات تهدئة حتى جلسا على مقاعد متجاورة باستراحة فارغة وأمسك يدها الباردة والمرتجفة وهي تقريبا لا تراه ولا تشعر به 
"مي هل تسمعيني؟ مي ماذا حدث؟"
لم تفكر بالنظر له ولكنها كانت تسمعه وأيضا تسمع صوت هارون وهو يطردها، صوت عقلها الغاضب مما أصابها، نحيب قلبها 
مهانة، مجروحة وضائعة.. ليست نادمة
"أخبرته أنها مجرمة ابنة مجرم فطردني وأخبرني أنه سيقتلني"
تجهم وجه أنس وهو فهم بالطبع معنى كلماتها وتلوت معدته مما قالته فهو يعلم رأى رئيسه بالأمر
"كيف يتزوجها هي وأنا من أحببته طوال عمري؟"
نظراته كانت ثابتة عليها وهو لا يعلم كيف يوقفها عن تلك الكلمات التي تذبحه بسكين بارد بلا اهتمام بالألم ولا النزيف المميت الذي تسببت به داخله
متى ستتوقف عن الوهم؟
"هي لا تستحقه، إنها أنا من عشت عمري لا أرى سواه"
التفتت له فجأة وكأنها أدركت أخيرا وجوده وبدت بلا معالم من الدموع التي غطت كل وجهها "لماذا هي وهي مجرد مجرمة حقيرة ابنة راقصة ومجرم؟ لماذا؟"
أزاح أحزانه جانبا واحتفظ بمشاعره داخله كما يفعل معها دائما فلا فائدة من أن تعرف بما يكنه لها وقلبها مع رجل آخر
"ولماذا هو وهو زعيم عصابة هارب من ملجأ؟"
شحب وجهها ولم تجد أي رد
"لأنه الحب مي، الحب لا يميز ولا يختار، الحب ضرب قلبه لفتاة سقطت بين ذراعيه ونما الحب حتى رقد داخله بهدوء وبلا ضوضاء وانتظر حتى اختارته"
سكنت الظلمة عيونها واحتضنت دموعها دون رفق فهي تستحق..
هي لا شيء.. حطام امرأة سقطت وتمزقت على أرض الضياع
"كيف؟ كيف أحبته وهي لم تعرفه بأي يوم!؟"
"عرفته، التقت بعيونه بنفس الليلة وكان سهم الحب الذي أصابه هو نفسه أصابها وظل عالقا بينهم"
عبثت الكلمات على شفتيها وزاغت عيونه بالرسومات الباهتة أمامه على الحائط لطفل رسم نفسه وحده يحدق بطفلين متلامسان، فتى وفتاة..
"ولكنها كانت طفلة لا مكان للقلوب بعمرها ولم تحبه كما أحببته"
الطفل حزين، يراقب المتلاصقين.. 
منحها نظرة هادئة تناقض كآبة قلبه الحزين وأدرك أن لا أمل بقلب ليس له
حاله من حالها..
حب ضائع.. ألم فظيع
"لكل فتاة فارس أحلام، تراه على فرسه الأبيض بجناحين، ينقذها من الوحش ويأخذها ويطير"
ألا تنفذ الدموع، ترسم دروب على وجنتين فقدتا الشعور "أنت لا تعرف عن ماذا تتحدث أنس، هذا ليس صحيح"
رسمت شفتاه خطا ساخرا على فمه، أنت غير معقول، تواسيها على حبها وأنت المقتول؟
"ولم لا؟ هو الفارس مي، الحلم الوردي الذي مع الوقت أصبح حقيقة واقعية كبرت داخلها حتى واجهته وتصدر الحب الواجهة ليس فقط منه بل وهي أيضا"
عبست عيونها، انعقد حاجبيها سبحت أنفاسها بصدرها وشهقت بزفير منحها لحظة إدراك رفضتها 
"كلكم تدافعون عنها، ماذا فعلت بكم؟"
منحها نظرة لم تفهمها أو تغاضت عن معناها "أحبت زعيمنا وأسعدته"
**** 
الرائد خرج من غرفة جانبية ورأى طلال يقف بانتظاره، رحب به وقال "من هنا سيد طلال"
تحرك معه وسط الموجودين من الناس وأمناء الشرطة، حتى وصلوا لغرفة العسكري الواقف 
فتح لهم فدخلوها وطلال يتبعه والباب يغلق خلفهم "تلك هي الصور التي التقطها الرادار بتلك الليلة"
دفع له بالصور من درج مكتبه وطلال يتفحصها وهو يقول "نفس السيارة!؟"
هز رأسه وقال "نعم والسيارتين الأخرين ولكن كما ترى ولا واحدة من الصور ظاهرة بوضوح، كلها على حزام الأمان أو يد الرجل على عجلة القيادة"
صدق طلال على كلماته وقال "معك حق ولكن ربما هارون له رأي آخر، لابد أن يراها هناك وجوه وعلامات باهتة ربما يمكنه التعرف عليها"
نظر له الرائد وقال "هو رآهم بالفعل، هل نسيت أنه واجهم بمعركة مميتة"
رفع وجهه له وقال "نعم ولكن الباقين لا، لابد أن يكون هناك فائدة من ذلك" 
هاتف هارون رن بجيب أنس وهو ما زال جالسا بجوار مي، الاسم معروف له، نهض من جوارها وتحرك مبتعدا "أهلا"
صمت لحظة ثم جاء صوت الرجل "أين الريس؟"
رفع أنس رأسه وقال "أصيب بحادث وهو بالمشفى"
رد الرجل "وأنت؟"
أجاب "أنس، هات ما عندك"
تردد الرجل ثم حسم أمره وقال "الريس أرسل لي رقم وطلب مني بيانات عنه"
لف أنس حول نفسه وهتف "وهل لديك البيانات؟"
أجاب الرجل "نعم وهو رقم لشخص يعمل لدى رجل خطير حقا لم يمكنني تجميع أي بيانات عنه"
أمل لاح بالأفق وأنس يشعر أن ذلك الباب سيفضي للنور "فقط أرسل لي ما جمعته"
أغلق وسرعان ما وصلت رسالة على هاتف هارون وأنس يفتح الرسالة ويقرأ الأسماء وظل يحدق بالهاتف قبل أن يردد بأنفاس قلقة "هارون لابد أن يرى ذلك"
**** 
أخيرا انقطع قيد يدها وهي لا تصدق أنها نجحت، جروح بالمعصمين لم توقفها عن إكمال ما بدأته
نزعت اللاصق عن فمها والقيد عن عيونها حتى أنها صعقت من الضوء للوهلة الأولى 
رأت قيد قدمها وتلك الحديدة الحادة والبارزة، التي قطعت قيد يدها ثم رفعت عيونها لتتجول بالغرفة 
 غرفة بمشفى والفراش كذلك، استندت على الفراش وهي ترغب بالنهوض عندما تألمت من جانبها فوضعت يدها عليه وعندما وضعت يدها أمامها رأت الدماء 
اعتدلت وفركت قيد قدمها بالحديدة حتى انقطعت وبسرعة نهضت بلا اهتمام بالألم وهي لا تفهم ما الحكمة من وجودها بغرفة كهذه تشبه المشفى؟
رأت الجردل الذي به الماء وصابون طبي بجواره، المائدة التي عليها أدوات تنظيف غريبة، لم تهتم وهي تتحرك للباب ويدها تقبض على المقبض وتديره ببطء حتى انفتح الباب، لم يكن مغلق بقفل والغريب أنه لم يكن هناك حراسة
رأسها امتد لخارج الغرفة لترى ممر مظلم غير نظيف وكأنه مهجور، غريبة!؟
 كيف مشفى وتكون هكذا مهجور وغير نظيف؟ قديم
روائح نفاذة كانت تشع من حولها تثير الغثيان، تبدو كرائحة الدم العبقة مختلطة بمعقمات أو ربما.. 
جثث متحللة!!
عندما تأكدت من عدم وجود أحد بالخارج تسللت خارجة رغم ألم جانبها النازف وتحركت وقدمها الحافية تلمس برد السيراميك بخفة والممر لا ينتهي وبنهايته لديها موعد مع المجهول..
مكان واسع هو ما انتهت له وكأنه كونتر خاص بالاستقبال لكن أيضا بلا أحد، نهاية الممر كانت قريبة وباب عريض هو ما واجها وما أن مدت يدها لتفتحه حتى انفتح وحده وتراجعت بفزع...
**** 
تحرك طلال داخل المشفى وصفوان يجلس أمام غرفة رئيسه، لن يتركه مرة أخرى أبدا، لن يغفل عنه إلا بموته "هل من جديد؟"
لو كان بيده لمنحه روحه ليعود لهم "لا، ماذا عنك؟"
أخرج طلال الصور ومنحها له "الصور لا تعني شيء، هارون بالفعل واجه بعض الرجال والبعض الآخر غير واضح"
أمسك صفوان الصور ودارت عيونه على ما يراه بتفحص حتى توقف على واحدة "أشعر أني أعرفه لكن لا أذكر بالضبط"
رأوا أنس يتحرك لهم والجدية واضحة عليه فنهض صفوان وهو يعرف تعبيره هذا وأنس يقول "الآن صفوان، الآن سيد طلال"
هز الرجلان رأسهم بلا كلمات والتقت نظراتهم وقد اتخذوا قرارهم بلا تراجع
**** 
ظلت تسير لوقت طويل بلا توقف مخترقة شوارع وأزقة وقد رحلت الرؤية أمامها وبهتت وجوه المارة من حولها حتى ضعفت قدمها التي نست بالأساس أنها مصابة
محطة الرمل كانت مكتظة بالجموع من هنا وهناك رغم الظلام الذي هبط على المدينة الساحلية
الحديقة كانت ممتلئة عن آخرها بعائلات تجلس على مقاعد خشبية يتابعون أولادهم وهم يلعبون هنا أو هناك
شابان جلسا يدخنان على طرف المقعد فجلست على الطرف الآخر فهو الوحيد الفارغ 
عيونها زاغت لما حولها وقد ثقلت جفونها من الدموع.. قدمها تؤلمها، عقلها يلح عليها أن تتوقف وتعيد التركيز من جديد
هي وحيدة بين عالم مزدحم بالغموض.. تظنها سعيدة برائحة البحر وهي تحمل داخلها حزن السنين.. هي منبت الكآبة واليأس 
أغمضت عيونها ورؤياها تسكن على زوج من العيون الرمادية، إحداهم لا تراها سوى ظل مكانه تحت الأقدام والأخرى..
عابثة.. طامعة بما ليس لها بشكل شرعي زائف
عرفي!!
مالت لتلتقط الكرة التي ضربتها والطفل يصل لها مادا يداه لها والعرق يلوث وجهه وأنفاسه متلاحقة
"أريد الكرة"
منحتها له بابتسامة خرجت من شفتين ارتكبتا المعصية منذ وقت رحل بصمت، ابتسامة الطفل جعلتها تتعافى قليلا من الغدر الذي كاد يسحقها 
فر من أمامها منتصرا لأنه حصل على كنزه الصغيرة محتضنا إياها وأمه تبتسم له ..
ماذا لو كان والديها ما زالا بالحياة، كان حضن الأم سيحتويها الآن، يداوي مخاوفها، يمنحها السكنى بوقت هي ضائعة بلا وطن
اختفى الحشد المحيط وانتهت ضوضاء السيارات، لم يعد يرافقها غير همس السماء تراود القمر عن نفسه ليصحبها بليلتهم الحالمة واشتعلت النجوم بضياء الغيرة، لن نرحل والسماء تفوز..
إلى أين!؟ لا مكان..
حتى العملاق لن يمكنها رؤيته، سماع صوته، منح ذاتها الأمان بجواره فقد انتهت كل علاقتها بعالمهم وهي فقدت دربها وحادت عن الطريق..
والآن لديها موعد مع المجهول..
عمق نظرات أمين الشرطة لها جعلها تضم يدها على حقيبتها وتخطو للطريق وهي تبحث عن مكان بعقلها يمكنها أن تبيت فيه
**** 
انتظروا الليل حتى خيم على المشفى وقلت الحركة وبذكاء استدرج سعد الطبيب المقيم خارج العناية، طلب استدعاء غير صحيح للممرضة فخرجت 
صفوان وطلال تسربوا للداخل وهارون مستلقي بلا حركة 
لمسة من طلال جعلته يفتح عيونه ورآهم وصفوان يمنحه إشارة برأسه ويدس بيده شيء
"تناولهم الآن سيساعدون كثيرا على تخفيف الألم ولكن سيبقونك بوعيك وتركيزك وبالسيارة سأمنحك حقنة"
آن الأوان.. سيهد العالم ويعيث به الفساد.. سيطلق عنان الشيطان 
دفع جسده المهترئ عن الفراش، فاعترف أنه ممزق والألم غير قابل للنقاش، ضلوعه المكسورة تنخر كالمنشار بصدره، جراحه تئن بلا توقف، أنفاسه تلاحقت لتمنحه الاكسجين الكافي للتحكم بجسده المنهار لكن الألم ليس بجديد عليه
ارتفع أيها الادرينالين، سأحرق روما لو لم أصل لها..
رأسه مال وكأنه ثقل يجذبه للأسفل من الدوار لكن يد صفوان أوقفته دفعته برفق لتكمل له دائرة الدماء بعروقه 
"برفق يا صديقي، امنح شرايينك وقت، الدوار سيهزمك"
شراييني بحاجة للدماء والفانيليا هي الدماء "لا شيء سيهزمني بعد اليوم صفوان"
تخلص طلال من الأسلاك المتصلة بجسد هارون كي لا تخرج إنذار يفضحهم، منحه الملابس وساعده الرجلان على ارتدائها وهو يصارع جراحه والألم لا يرحمه 
كل طعنة وجرح تمنحه تذكار وعار على عجزه بحمايتها وتدق برأسه الأجراس؛ أنت خسرت يا زعيم
طنين صم أذنيه، ساقان ثقيلان كشوال من الرمال، اكتفى من الثوب الوردي الذي ارتداه حين هزمه الجبناء فأبعد يد طلال الذي حاول أن يسانده حتى الدوار لن يوقفه
دفع صفوان صور متعددة بين يديه ونظراته تواجه اختفاء الأزرق من بؤبؤ مقلتيه لتتحول لأحمر الشيطان وحده يملكه 
"هل تعرف أحد؟"
تحريك ذراعه كان كتحريك جبل ناري لا يرحم ومع ذلك جذبهم بيده وتفحصهم حتى عرفت نظراته صاحب الصورة وما فيها "حارة اليهود، محسن سيخ ألا تذكره؟"
ضرب صفوان جبهته بكفه وهو يستعيد ذاكرته المشوشة "نعم! كيف نسيته"
بالسيارة مد له أنس بهاتفه، لقد عاد الريس وعادت معه كل دوائر الشر التي عرفوها والآن تفتح الأبواب وعليهم اختيار الباب 
"انظر للرسالة، إنها بيانات صاحب الهاتف الذي منح الأمر بتدمير ملهى المعمورة"
جذب صفوان الجالس لجواره الهاتف ومنحه لهارون وهو بصعوبة حرك ذراعه غير المصاب ولكن جرح جانبه يلتهم لحمه وينهشه بلا رحمه أسكته بحزم، لا مجال للتمرد على الديب الآن
سيقود القطيع ويفترس العدو ويعيد أنثاه
فتح الرسالة وتجمدت يده وهو يردد "الدكتور!؟"
****
انفتح الباب بلا مقدمات وصعق قلبها من المفاجأة وعجزت عن الحركة وجسد عملاق يقف أمامها وهو الآخر ثبت بمكانه لرؤيتها
بشرر تطاير من العيون الذابلة التي يتوهج ضوئها وظنت أنه سيندفع لها ليحرقها، تراجعت للخلف دون أن يعود عقلها للعمل وكلاهم يحدق بالآخر
التفتت لتفر عائدة من حيث أتت ليس نفس المكان، الغرفة الباردة ضاعت من الخريطة، باب ظهر أمامها وبلا تردد وبمحاولة إيجاد الخلاص فتحته 
شهقت بقوة وحاولت الارتداد لكن أذرع عملاقة التفت حول جسدها مانعة إياها من الحركة واستخدمت صوتها كمحاولة للنجاة
انحل ذراع من حولها لتحكم اليد وضعها على فمها فأوقف صوتها وهي ما زالت تحاول التملص منه لكنه يفوقها حجما وقوة
كتم فمها وأنفها بكفه الضخم حتى أنها لم تجد هواء تتنفس منه وتشابكت السيقان وهو يحاول جذبها للخلف وهي تركله بقدميها بلا فائدة في التحرر منه أو إفلات فمها أو أنفها للبحث عن هواء بلا جدوى  
الغبي أحكم راحته على وجهها وصد عنها الهواء وصرخت الرئتان بطلب الهواء بلا فائدة حتى غامت الدنيا أمامها وظلام يكاد يرتفع لها 
**** 
انفتح باب السيارة واندفع جسد بجواره تجنب هو الاصطدام به فلديه ما يكفي من الألم رغم المسكنات 
اعتدل الرجل المكدوم وتراجع عندما رأى هارون والفزع تملكه وهو يهتف "والله كنت مجبر يا ريس، لم أكن أوافق على المشاركة"
أغلق عيونه على الغضب، الذئب الهائج داخله "ولكنك فعلت، أين هي؟"
لحظة إدراك أنه لو لم يتحدث فما هو مصيره؟ أو لم يكن يعلم 
"لم تكن بسيارتي أقسم أنني كنت أقود سيارة الحراسة وتوقفنا عند مدخل العالمين وانفصلنا"
القميص كاد يتمزق على جسد الجبان والريس يجره معه بقبضتيه اللتان لم يستسلما لآلامه واضعين الرجل بمواجهته 
"لا يمكن أن تنفصل الحراسة عن البضاعة، هل تمزح معي سيخ؟"
سقوط في الهاوية، بين أنياب الذئب، ارتجاف الجسد مع الرجال يعني الجبن لكن أمام الديب أمر الرعب من المصير
"لا، لا يا ريس، لا أمزح، أقسم أننا انفصلنا هناك وتحركت سيارة أخرى كانت تنتظر بدلا منا ونحن عدنا كما كان الاتفاق"
نظرات هارون لسيخ كانت كالسم يهري الأمعاء وصوته سوط يجلد بلا رحمة وهو يقول "من الذي كلفك بالأمر؟"
صمت واجه هارون فلم يتردد وهو يفلت قميصه ليقبض بأصابعه القوية على عنق الرجل "من الجيد أن أنهي حياتك الآن ربما أروي بك نيراني على من تجرأ علي وعلى من يخصني"
وشدد من قبضته على عنق الرجل حتى كاد يخنقه وهو يحاول تخليص نفسه بلا فائدة وانتفخ وجه الرجل واتسعت عيونه وهو يفقد أنفاسه وارتفعت مقلتيه للأعلى وكأنه يضيع من الحياة
خفف هارون من قبضتيه وسيخ يسعل بقوة جاذبا أي هواء لصدره الصارخ لأي أنفاس "أقسم أني لم أكذب بكلمة"
**** 
جلست على طرف الفراش الفردي وهي تتأمل الغرفة التي حصلت عليها بفندق قديم بالمنشية..
ليس لديها حل لما وصلت له، رفعت هاتفها أمامها ثم قررت.. فتحته
سيل من الرسائل من سعد، رقم غريب و.. لا شيء منه
تركها أخيرا.. لكن بعد أن زرع الشوك بحياتها.. لم يعد بإمكانها العودة ولا تعرف لأين تتقدم والآن وحيدة وهو السبب..
رنين الهاتف جعلها تقفز بمكانها.. 
سعد!!
ضربات قلبها أصبحت أسرع من الريح وأنفاسها تحاول اللحاق بها..
لم ترد ولن ترد..
ليال!! لماذا لم تفكر بها؟ هي بالتأكيد ستساعدها..
بسرعة عبثت بالهاتف بعد أن توقف سعد عن مهاتفتها.. الهاتف الذي تحاول الاتصال به مغلق أو غير متاح الآن، من فضلك..
أغلقت وأعادت الاتصال لتسمع نفس الرسالة..
عادت لصمت الجدران، صراخ الحيرة، مناداة الخوف..
تراجعت بالفراش باسطة جسدها المنهك وعقلها احتاج لإعادة تشغيل فأغلقت عيونها ورحلت للنوم ولم ترى العملاق بل.. 
جامد الملامح..
لم يحاول اللحاق بها تلك المرة بل أغلق باب الشقة وعاد ليلتقط منديل ورقي مسح به شفته ولعن نفسه بغضب، هل تحولت لسفيه؟
دقات على الباب جعلته يلتفت محدقا بالباب.. هل عادت؟
بدون تفكير عاد وفتح و.. تجمد أمام الباب عندما رآها وسطع ضوء الذكريات فجأة أمامه تغشى رؤيته بلا تصديق
"كيف حالك رشدي؟"
وجهها النحيف والطويل.. نظراتها الغير صادقة تلمع بالأسود الباهت على بشرة شاحبة لم يعرف لونها من المساحيق، شعرها الأسود القصير ارتاح حول وجهها بنفس الطريقة التي لم تتغير بتقدم عمرها 
"رشدي.."
"ماذا تفعلين هنا؟"
الكلمات خرجت ببرود غريب لم يكن يتوقعه، كان عليه أن يكون نهر فائض يغرقها بجنون ولكنه ببساطة لم يفعل..
تقدمت خطوة للداخل لكنه صد عليها الطريق، لا يرغب بوجودها وهذا بالتأكيد أمر تعرفه، وجهها ارتفع لمواجهته، الأسود بعيونها التقى برماديته اللامعة 
"كان لابد أن أفعل، والدك.."
ظل بمكانه، لا يرغب بسماع أي كلمة، المحتوى غير جيد لذا إلقائه بالقمامة أفضل من تسمم دمائه به
انتهت القصة وأغلق الكتاب.
"لدي موعد الآن، للأسف لا يمكنني البقاء"
زوجة الأب الطامعة بالرجلان ظلت جامدة بمكانها، هل تلمع عيونها بدموع؟ تلك الخائنة مفسدة العلاقات، محطمة العائلات تعرف الدموع؟
"أحتاج مساعدتك رشدي، والدك بالمشفى وحالته ليست جيدة، يحتاج جراحة"
ظلت عيونه نصف المغلقة تنظر لها. لا شيء داخله تأثر من كلماتها.. هل تأثر هو يوم ألقاه بالشارع؟
لم يسامحه لأنه بصق بوجهه سيئاته.. حرامي
صدق أنه يعشق زوجته، ولم يمكنه إثبات العكس
"لا أعلم عمن تتحدثين"
ارتد للداخل قاذفا سيجارة بين شفتيه نافخا دخانها مبعثرا بالهواء والجاكيت التف حول جسده والتفت ليراها خلفه.. هل تلتصق بالوجه كالوطواط لا يخرج إلا بالدم..
"لقد انتقم لك القدر"
التقط السيجارة بأصابعه وأحنى رأسه عليها والدخان يداعب وجنتها "القدر لا ينتقم ناني هانم، البشر فقط يفعلون"
كانت دموع بالفعل ولم تخونه نظراته فتعجب ورفع حاجبه بدهشة "مرهفة المشاعر، لم أقصد الإهانة لكنك أخطأت العنوان، عليك بإخلاء المكان لأني ذاهب"
اندفعت الدموع هابطة ولا يعلم هل عليه التأثر بامرأة اتخذت الغش والخداع طريق؟
"نسمة ماتت رشدي"
وانتقم القدر.. 
اعتصر السيجارة بين أصابعه بلا وعي حتى تساقط التبع متناثرا على الأرض.. اسود الرمادي حتى أصبح ظلام حالك بلا ضي.. ثقلت الأنفاس وتباطأت حتى كادت تتلاشي
"أختك أصيبت بالسرطان منذ عامين ورحلت ومن بعدها وهو يعاني من أزمات قلبية حتى سقط منذ عدة أيام والأطباء يرغبون بإجراء جراحة"
هل تمطر السماء مصائب؟
بعيونها رأى الصغيرة ذات الأعوام الخمسة وهي تجري من حوله وتضحك له، أحبها فلا ذنب لها أن أمها عابثة، مثله تماما لكن ليس معها
الطفلة أحبته، انتظرت منه الحلويات كلما عاد البيت، هو بمثابة والدها الثاني، خمسة عشر عاما فارق بينهم جعله الأب وهو منحها قلبه..
طرده من البيت بل من المدينة كلها قطع الصلة، عشر سنوات كانت كافية لقتل كل حلو كان بينهم ولكنه أبدا لم ينساها
قلبه يؤلمه.. صدره يحترق.. 
"تلك الحلوى جميلة رشدي، أرغب بالمزيد"
انتزعت ضحكته وهو يرفعها ويضعها بين ذراعيه وما زالت تقبض على كيس الحلويات وتلتهم واحدة بشراهة أضحكته وفمها لا يغلق من تكوم الحلويات داخله
"انتظري هذا كثير، أسنانك ستتضرر"
ظلت تفحص الكيس بعيونها التي تشبه عيونه والحماس يملأها "طالما أغسل أسناني كل مساء فلن تأتي السوسة، المعجون سيقتلها"
عاود الضحك على كلماتها وهو يتحرك بها للأرجوحة ويضعها على مقعدها "نعم لكن كان عليك انتظار الغداء أولا"
ابتلعت ما بفمها ووضعت واحدة أخرى "أنت لست ماما، أنت الطيب ولن تفتن أليس كذلك"
كيف تنتزع منه الضحكات؟ يحبها حقا ويعشق براءتها..
"ولماذا لا أفعل؟"
"لأنك تحبني كما أحبك" رفعت وجهها الجميل له "أنا أحبك جدا رشدي أنت الوحيد الذي يمنحني كل تلك الحلويات"
مسح دمعته الهاربة بلا رقابة، طمس ضعفه وحبس الألم داخله، له وحده
"هو بحاجة لك"
استعاد الجمود الذي تعلمه على مدار السنوات "هو لا يحتاج أحد، سيقتل نفسه قبل أن يفعل، وجودك يكفيه"
ظلها رحل أمامه والآن فقط لاحظ الأسود الذي لفها.. الانكسار بدى بعيونها، لم يلين قلبه لها لن تخدعه تلك الدموع، لن يعود ابن بار..
"لم أعد معه"
انعقد حاجبيه باستفهام، الكلمات غامضة أم هو لا يفهم أم ماذا؟
"هو رغب بالانفصال بعد وفاة أختك واتخذ شقته القديمة سكن له وأنا كنت محطمة بعد موت بسمة وهو ما صنع فجوة بيننا وحطمني ولم أهتم بإصلاح علاقتنا حتى عرفت بانهياراته فعدت له ولكنه لا يتقبل أحد"
"ولن يتبدل الأمر معي، أرغب بالذهاب حقا مدام ناني"
ووقف عند الباب منتظرا خطواتها البطيئة وعند الباب وقفت تنظر له لكنه لم يبادلها النظرات فتحركت وانتظر حتى دخلت المصعد ونزلت 
**** 
لم تستسلم للظلام الذي كان يندفع لها ونقص الهواء يكاد يقضي عليها
بصعوبة فتحت فمها وأسنانها تصل لأصابعه وتجز عليها بكل قوتها حتى صرخ من الألم وشتم بألفاظ نابية محاولا التخلص من أسنانها التي لم تتركه إلا بالدم
ارتخت قبضته فدفعت كوعها للخلف ليصطدم بمعدته فتألم مفلتا ذراعه من حولها لتهرول هي للباب الذي دخل منه وانطلقت لترى مكان واسع بدا أنه كان صالة استقبال
ارتسم الأمل أمامها باحثة عن مخرج.. 
فتحت باب ودخلت لتجد نفسها بغرفة باردة وأسرة متعددة شاغلة بأجساد مغطاة بغطاءات بيضاء  
تحركت بينهم وعيونها تزوغ والأسئلة لا تتوقف..
هواء الغرفة بدا خانقا.. ثقيلا برائحة المطهرات المختلطة بظل العفن والبرودة
خطواتها المترددة تردد صداها على الأرضية المعدنية، كل خطوة كانت أقسى من التي قبلها
توقفت عيناها عند الأسرة الممتدة في صفوف متوازية، بيضاء الأغطية، صامتة بشكل يبعث القشعريرة. الأقمشة المسدلة على الأجساد رسمت ملامح غريبة
هنا كتف بارز، هناك يد متيبسة كادت تنزلق من تحت القماش
ارتجف صدرها، لم تستطع أن تبتلع ريقها وهي تشعر وكأن كل جسد تحت تلك الأغطية قد ينهض فجأة. لم يكن هناك سوى صوت نبضها المضطرب وصوت أنفاسها التي صارت متقطعة، كأنها تشهق الحياة من قلب الموت
مع كل حركة خفيفة للأقمشة بفعل تيار هواء بارد تسلل من شباك نصف مفتوح، كان الخوف يغرس أنيابه في قلبها أكثر.. كأن الغرفة لم تكن مجرد مكان للموتى
بل فخا للحي الوحيد بينهم..
تقدمت بخطوات بطيئة نحو أحد الأسرة، كأن الأرض ترفض أن تحملها. يدها المرتجفة امتدت ببطء، أصابعها بالكاد لامست نسيج الغطاء الأبيض البارد
كانت تشعر بحرارة دمها تهبط فجأة ومع ذلك شيء خفي دفعها للاستمرار، ربما الفضول، وربما رعب أكبر من أن تظل تجهل ما تحت الغطاء..
قبضت على الحافة.. سحبتها ببطء
انزاح القماش ببطء شديد، صوت احتكاكه بالجلد الجامد، أشبه بوشوشة الموت، ومع كل سنتيميتر ينكشف، زاد ارتعاش يديها
فجأة.. وجدت نفسها تحدق في وجه شاحب، ساكن، عيناه مغمضتان لكن ملامحه ما زالت تحتفظ بقسوة لحظة الرحيل.. تلك الجروح المضمدة بكل مكان منحتها فكرة عما أصاب صاحبها
تجارة أعضاء!!
صرخة مكتومة حبست في صدرها، عينيها اتسعتا وجسدها تجمد. شعرت لوهلة أن الجثة ستفتح عينيها في أي لحظة وأنها ليست وحدها في هذا الصمت المميت
أعادت الغطاء لوقف الرعب الذي حام حولها وعندها سمعت صوت الرجل يتبعها، انفتح الباب والغضب يلمع بعيونه 
لم يجدها.. تحرك خطوات للداخل ولكنه لم يراها، انحنى ليبحث عن أقدامها ولكن لا شيء، وخطواته البطيئة تتعارض مع جسده هو يمر بين السرائر وبدأ برفع الأغطية لرؤية الوجه
واحد وراء واحد حتى وصل لآخر وهم برفع الغطاء عن صاحبه عندما انفتح الباب وصوت يقول "تعالى، سمعنا صوت بالأسفل"
ترك الغطاء وتحرك مسرعا للباب ولم يكن يدري أنه لو رفع ذلك الغطاء لرآها تحته 
تنفست بقوة بعد أن كانت تحبس أنفاسها وانتظرت حتى انتهى صوت الأقدام وسكن الصمت حولها فرفعت الغطاء ووجدت المكان فارغ بالفعل
ببطء نهضت من جوار الجثة الصغيرة التي كانت بجوارها والفزع يسيطر عليها
هل كانت تحتضن جثة؟
تحركت للباب وفتحته وما أن خطت للخارج حتى قبضت يد قوية على شعرها وصوت الرجل يقول "كان معك حق يا رجل، الفأر اطمئن فخرج"
لم ترى الرجل الثاني والذي يقبض عليها من الخلف ويقودها بغضب وهي تحاول نزع يده من شعرها بلا فائدة "هل ظننت أنك ستفرين مني؟"
ودفعها بقوة أكثر أمامه وهي تصرخ من الألم "اتركني، اتركني"
"لا أحد يفلت من قبضتي أبدا"
لم تفقد الأمل بخروجها من هنا، ما زالت تسمع هارون وهو يخبرها أنه سيحميها لنهاية العمر "الديب سيخرجني ولن يرحمكم كلكم"
ضحك بطريقة مخيفة وساخرة ملتهما تهديدها كحبة بنبون ذابت تحت أسنانه المقززة "من يأتي هنا ينساه من بالخارج لأن لا أحد يعرف بهذا المكان، حتى الديب"
وبلحظة كان يدفعها داخل نفس الغرفة تحتضنها بترحاب وكأنها مسقط رأسها
أسقطها على الفراش وهو يعيد تقيدها مرة أخرى ولكن تلك المرة كانت قيود حديدية يداها أعلى رأسها وقدماها بأطراف الفراش 
"أنتظر لأرى كيف ستفكين تلك القيود هذه المرة"
وعادت للظلام بغطاء العين والتساؤل؛ هل حقا هارون سيعيدها له؟ 
كان ينهار أمامها وقد تكاثرت عليه الغيلان ولم ترحمه حتى أسقطته 
**** 
انتهى سيخ من قول ما لديه وظلت ملامح هارون جامدة، سمع الرجل يقول "آسف يا ريس ولكنك تعلم مدى احتياجي للمال"
لم يكن ينظر له وهو يقول "من أجل الهيروين؟ نعم بالتأكيد"
التفت له ونظراته القاتمة تدل على ما بداخله من غضب واشمئزاز والعقاب ارتسم على وجه الديب
لا رحمة اليوم ولا غفران.. 
"صفوان"
انفتح الباب الذي بجوار سيخ، بهوس الخوف وابتسامة الانتقام الواسعة لمن ساهم بضياعها صرخ، لوح بيديه بوجه العملاق.. المنفذ 
"لا، صفوان لا يا ريس، أرجوك لقد أخبرتك كل شيء"
صفوان بجوار الباب يشحذ أصابعه، يلمع عدته سيمارس هوايته الآن فقط ينتظر أوامر رئيسه  
"لذلك انتهت مهمتك"
ولمعت عيونه لصفوان ببريق آمر، لا مكان للرأفة، انسلخ السيخ من مكانه لخارج السيارة والليل هو من ينصت لصراخه ممتزجا بصرير السيارات المسرعة تسارع الريح بلا رقابة
هزة من رأس الديب لصفوان جعل المنفذ يرفع يده عن السيخ المرتعب ولم يصدق نفسه وقد تحرر من صفوان معتقدا أنه فر منه
تلقته تلك السيارة الطائرة بسرعة الصاروخ، طار معها جسده كالطائرة الورقية بالهواء وانقطع الحبل الوهمي ليسقط على الحاجز الصخري لمنتصف الطريق السريع فتتهشم جمجمته ويتهاوى صاحبها على الأسفلت وسط بركة تليق به من الدماء
عاد الرجال للسيارة وكأن من انهرس على الطريق لم يكن بينهم من لحظة
الملهى الليلي الشهير كان يلعن بخته بتلك الليلة وجدرانه صرخت طالبة النجدة من هارون الديب ورجاله الذين دمروا كل شيء لإيجاد باقي الرجال التي ساهمت فيما أصابه
تساقط الرجال تحت أقدامه تطلب العفو والسماح وهو لم يعد يعرف ماذا يعني العفو؟
امرأته غائبة، ضاعت أمام عيونه، نهش الغضب قلبه أكثر وصفعه على ضعفه وعاقبه، وجهك للحائط وارفع يديك لأعلى..
الآن هو يكفر عن سيئاته بحرق كل الأخضر واليابس
لم يرحم أي رجل له علاقة بالرجال التي خطفت زوجته واختفوا جميعا وكأن الأرض ابتلعتهم وانغلقت عليهم 
ومن ملهى لوكر لنيران تشتعل بكل مكان وتحول الليل لنهار ولا أحد أمكنه إيقاف الديب إلا رنين الهاتف واسم لم يرغب برؤيته الآن يضيء أمامه ومع ذلك لم يفوت الأمر
"اتصال غريب سمير"
ألقى صفوان رجل تحت أقدامه تلون وجهه بألوان الطيف وتكوم مفروما على الأرض وركع هارون بتعب لم يمنحه فرصة للرقص على جسده
الرجل كان يتمتم بكلمات غير مفهومة "أنا لا أعرف شيء، لا أعرف شيء"
صوت الرجل الذي على الهاتف بدا كمن لديه جائزة ولكن يرغب بمقابل والديب يفهم لغة الوحوش من حوله 
"لدي ما يهمك ولديك ما أريد"
نهض مستقيما ولا يرحم جراحه وأشار برأسه لصفوان بإنهاء الفوضى وتحرك خارجا والرجال تكمل إنهاء ما بدأوه من تدمير كل معالم للمكان
تركيزه عاد للهاتف، ليس الآن وقت المقايضة ولكن ربما يلتقط بيده المفتاح "تحدث"
"أنت تعرف أن عادل بيومي يرفض منح السلاح إلا لأشخاص معروفة وأنا بحاجة له"
هذا يعني أن لديه ما يستحق وهذا هو الثمن، لو كانت زوجته المقابل فلن يتراجع لكن ليس بأن يكون فأر
"لديك خط ثابت فما الجديد؟"
تأني الوحش قبل أن يلقي الطعم وكأنه يظن أن الديب ليس لديه عقل فقط يسعى للالتهام 
"مشاكل هارون، الشرطة تفتح عيونها عليه وعلي أن أبتعد وأنا أحتاج سلاح، ضعني مع عادل بخط مفتوح ولك ما تسعى له، هو يثق بك"
تجارة السلاح ليست بعيدة عنه تمرغ بها عندما تلون بالأسود لذا كل تلك العناقيد مرتبطة بفرع واحد وهو معهم لكن بنهايته
"ليس الآن سمير"
دخل السيارة والنيران تشتعل بالمكان بجواره وهو لا يهتم ورجاله تدخل السيارات تاركة الدمار خلفها بلا اهتمام وكأنهم كانوا بنزهة..
"أعرف طريق زوجتك هارون ف.."
قاطعه الديب بنباح لا يهاب أحد "يمكنني الوصول لزوجتي دون أي عروض سمير"
وأغلق الهاتف، ليس بحاجة لأحد لديه ما يكفي من المعلومات ولن يظهر النهار إلا وستكون بأحضانه..
عاد الرنين واسم سمير يدل على اليأس وهارون يعرف جيدا كيف يجيد استخدام صناره
**** 
مرة أخرى عادت لذلك الفراش الجلدي ولكن تلك المرة كانت مقيدة به بإحكام، صوت المرأة عاد وهي تقول "جيد هذا أسهل"
همست الأدوات بأصوات مزعجة، المائدة أصدرت صرير قوي ظل على القدم أو بحاجة للتشحيم، قبضة باردة لمست صدر قميصها ثم ملمس بارد شق القميص 
لا فائدة من المقاومة وقيود تحكم قبضتها عليها، فزع تمكن منها، صوت القماش يخبرها عن مصيرها القادم
"أنت صغيرة وستكون أعضائك ثمينة حقا، سنحصل على مال كثير"
بلحظة عاد ذهنها لتلك الجثث التي كانت على الأسرة، ستكون مثلهم..
ستكون أعضاءها لمن يدفع أكثر.. لقد انتهت، هلكت.. 
استسلمت لمصيرها وهدأت أنفاسها واختارت أن تفكر بالرجل الذي أحبته وتمنت لو تكمل حياتها معه فاستكان قلبها بذكراه
عاشت تتمنى أن تعرفه ويوم عرفته فرقتهم الأقدار، ضاع منها
سرقه الغدر وحرمتها منه النفوس الشريرة 
ربما نلتقي حبيبي بالعالم الآخر..

تعليقات



<>