
رواية عطر الانتقام والحب الفصل العاشر بقلم سيليا البحيري
في فيلا البدراوي / أوضة مراد وحور
الساعة كانت متأخرة والبيت كله مقلوب ومليان قلق وتوتر، بس جوه أوضة مراد كان في عاصفة جوا قلبه مش بترتاح. قاعد على طرف السرير، حاطط راسه بين إيديه، نفسه طالع نازل بسرعة. حور واقفة عند الشباك، بصّة في الضلمة كإنها مستنية بنتها الوحيدة ترجع منها.
حور (بصوت بيرتعش، بتحاول تمسك نفسها):
مراد… بلاش تعذّب روحك كده. عهد بخير، أنا واثقة. ربنا مش هيسيبنا.
مراد (بيرفع راسه وعيونه محمرة من القلق):
بخير؟! وهي فين دلوقتي يا حور؟! في إيد مين؟!
(يقوم ويتمشّى في الأوضة بعصبية)
إنتي عارفة عهد بالنسبة ليا إيه… بعد السنين الطويلة اللي استنيتها… بعد كل مرة كنت أرجع من المستشفى إيديا فاضية وقلبك مكسور… لحد ما ربنا رحمنا وجابها لينا.
حور (بتقرب منه، تمسك إيده):
عارفة يا مراد… عهد مش بس بنتنا، دي رزق من ربنا. يوم ما اتولدت كنت شايف دموعك وإنت شايلها كإنك مش مصدق إنها بجد… كإنك ماسك الحلم اللي طول عمرك مستنيه.
مراد (بصوت مبحوح، ضاغط على إيدها):
كنت فاكر إني هفضل حاميها العمر كله… وإن دمعة ما تنزلش من عينها. والنهارده… أنا مش عارف حتى هي فين!
حور (بإصرار، وهي بتطبطب على كتفه):
اسمعني يا مراد… عهد قوية زيك، وذكية زي ما كنت بتتمنى. وهي مش لوحدها، معاها صوفيا وعُلا. والأهم… العيلة كلها مش هتهدى غير لما نرجعها.
مراد (بيبص لها بعيون مليانة دموع):
أنا مش خايف على نفسي يا حور… أنا خايف عليها. خايف نفقدها زي ما فقدنا حاجات كتير قبل كده.
حور (بتحضنه جامد ودموعها نازلة في هدوء):
مش هنفقدها يا مراد… المرة دي لأ. عهد هترجع لنا… وهترجع أقوى من الأول. ربنا اللي وهبها لينا بعد ما كنا يائسين، مش هياخدها دلوقتي.
قعدوا سوا، مراد حاطط راسه في كتف مراته كطفل محتاج حضن، وحور قاعدة تهمس له بكلام كله إيمان وأمل، وهي جواها برضه بتحارب خوفها العميق على بنتها.
***********************
في شوارع القاهرة / عربية سليم
الليل مبلع شوارع القاهرة الزحمة، النور بيرقص على وشوش الناس، وصوت موتور عربية سليم بيزمجر مع كل ملف حاد. قاعد جنبه إياد، متشنج، عينه لازقة في الشارع كإنه بيدوّر على طيف عهد في كل زاوية.
إياد (يخبط بإيده على التابلوه بعصبية):
فينك يا عهد… فين؟! مش قادر أستوعب إنها اختفت كده… ولا كإنها اتبخرت من الدنيا!
سليم (مشدود على الدركسيون، بيحاول يهدّي):
اهدى شوية يا إياد… العصبية مش هتفيدنا بحاجة. إحنا بندوّر وبنكلم معارفنا، والضابط طارق ماسك الموضوع. هنلاقيهم.
إياد (بيلف له بعيون مليانة دموع):
تفتكر أقدر أهدى؟ دي عهد يا سليم! عهد خطيبتي… بنت عمي… حياتي كلها! لو جرالها حاجة… (صوته بيتكسر) أنا عمري ما هسامح نفسي.
سليم (ياخد نفس عميق، بيحاول يخفي ارتباكه):
وأنا كمان قلقان… مش بس عليها… (يسكت لحظة ويشيح بوشه) قصدي… صوفيا، وعُلا كمان.
إياد (يبص له باستغراب):
ليه ذكرت علا بالذات؟
سليم (سريع ومتلخبط):
لأ… قصدي التلاتة مع بعض… يعني كلهم في خطر. علا دي دماغها ناشفة وبتزن كتير… بس برضه ما تستاهلش اللي بيحصل.
إياد (رغم قلقه، رافع حواجبه):
مزعجة؟! شكلك مركز معاها أكتر من اللازم.
سليم (بحدّة، وهو مركز على السواقة):
بقولك لأ يا إياد… بلاش تلف وتدور! أنا مش ناقصك فوق اللي أنا فيه.
سكتوا الاتنين شوية، مفيش غير صوت العربية وسط دوشة الشارع.
إياد حط إيده على راسه، وهمس بحرقة:
إياد:
كنت أتمنى أكون جنب عهد دلوقتي… أطمنها… أحميها… مش عارف حتى إذا كانت بتعيط ولا بتحاول تبان قوية.
سليم (بصوت واطي كإنه بيكلم نفسه):
وهي مش لوحدها… علا برضه قوية، أكيد بتحاول تساعدهم… (يهز راسه فجأة) أنا إيه اللي بقوله ده؟!
إياد (يبص له متفاجئ):
إيه يا سليم… شكلك فعلًا مش فاهم مشاعرك ناحية علا.
سليم (بغضب، وهو بيحاول يخفي ارتباكه):
قلتلك دي مزعجة! ولو مشينا ورا دماغها هنضيع كلنا. أنا بس… قلقان عشان عهد وصوفيا.
لكن جواه، قلبه كان بيقول عكس لسانه: إنه خايف على علا أكتر ما بيعترف… وإن ضحكتها اللي كان دايمًا يتريق عليها، بقت بتلف في دماغه وسط الصمت القاتل.
********************
فيلا العائلة / غرفة الضيوف
كانت الغرفة مضاءة بإضاءة خافتة، والستائر نصف مغلقة كأنها تشارك في الحزن. جلست مريم على الأريكة، يديها ترتجفان وهي تمسك بمنديل مبتل بالدموع. عيناها حمراوان من كثرة البكاء. أمامها كان إدوارد يقف متماسكًا قدر ما يستطيع، رغم أن قلبه ينهشه القلق.
مريم (بصوت متهدج):
إدوارد... بنتي الوحيدة... صوفيا في خطر! جيت لمصر عشان تفرح... عشان تشوف أخوالها وعهد... والآن أنا مش عارفة إذا كانت بخير ولا... (تنفجر بالبكاء)
إدوارد (يجلس بجانبها فورًا، يمسك بيدها):
مريم... حبيبتي، إوعِ تتركي الخوف يكسرك. صوفيا قوية... زيك تمامًا. أنا عارف إنها دلوقتي بتحارب عشان ترجع لنا.
مريم (تهزه بعصبية):
بس هي صغيرة! مهما كانت قوية... لسة بنتي، لسة محتاجة حضني... إزاي أعيش لو صار لها شيء؟!
إدوارد (ينظر في عينيها بجدية، صوته دافئ وحازم):
إسمعي يا مريم... إحنا مش هنفكر في "لو". أنا أوعدك، هعمل كل شيء... كل شيء، عشان صوفيا ترجع. صدقيني، حتى لو اضطررت أبحث عنها بنفسي في شوارع القاهرة، مش هقعد ساكت.
مريم (بين دموعها):
أنا السبب... لو ما جبتهاش مصر، ما كانت دخلت في هالمصيبة.
إدوارد (يمسح دموعها بحنان):
إياكِ تلومي نفسك. صوفيا مش بس بنتك... هي بنت العيلة كلها، الكل بيحبها. وإحنا جينا عشان نوصلها لجذورها، لأهلها، مش عشان نفقدها. اللي عمل ده مش هيكسب... أبدًا.
صمتت مريم قليلًا، ثم أسندت رأسها على كتف زوجها، وصوت بكائها يضعف تدريجيًا.
إدوارد يربت على كتفها، يهمس:
إدوارد:
بتتذكري يوم اتجوزنا... وكيف كل إخواتك كانوا معترضين لأني بريطاني؟
(يبتسم رغم القلق) لكنك وقفتي معايا... وما استسلمتيش. القوة اللي كانت فيك وقتها هي نفسها اللي محتاجينها دلوقتي.
مريم (بصوت مبحوح):
إنتَ لسه نفس الرجل اللي اخترته رغم الكل... وما ندمتش يوم.
إدوارد (يبتسم بحنان، يقبّل يدها):
وأنا لسه نفس الرجل اللي هيفضل يحميك إنتي وبنتنا... مهما حصل.
مريم تغمض عينيها للحظة، وكأنها تحاول تستمد القوة من دفء ذراعيه.
وبينما يحتضنها، بدا واضحًا أن خوفها لم يختفِ... لكنه تحوّل مع إدوارد إلى إصرار.
**********************
في جنينة الفيلّا / بالليل
الليلة كانت تقيلة. الإخوة التلاتة قاعدين حوالين ترابيزة خشب في الجنينة، الجو متوتّر والصمت قاطع. اللمبات الصغيرة على الحيطان بتعمل ظلال طويلة على وشوشهم التعبانة.
إيهاب (مخبّي وشه في إيده، صوته مبحوح):
"أنا السبب… أنا الغلطان اللي خليت ثريا تدخل بيتنا… سبت بنت شهيرة الحقودة تبقى جزء من العيلة. شفقة غبية… شفقة عمّت عيني!"
ديلان (بغضب مكبوت، بتضرب الترابيزة بكفها):
"إيهاب! بقى كفاية جلد للنفس! محدش كان يتوقّع إنها تطلع بكل الشر ده. صحيح أنا كنت ضد جوازك بيها من الأول… بس إنت كنت طيّب القلب، صدّقتها. الغلط عليها هي… مش عليك!"
إيهاب (بيقوم ويمشي رايح جاي):
"بس دلوقتي… بنتي، ابني، صوفيا، عهد… الكل في خطر بسببها. كان لازم أشم ريحتها من الأول. شهيرة… أمها كانت سمّ بدمها، وأنا وغبائي ورّثت السم لجوا البيت."
زين (قاعد متماسك، يبص لأخوه بنبرة حازمة):
"إيهاب، بلاش تعذّب نفسك كده! اسمعني… إحنا إخوة. لما حد فينا يغلط، كلنا بندفع الثمن. بس كمان كلنا بنقف جمب بعض. ثريا مش أقوى مننا، مهما تآمرت."
ديلان (وعينيها مليانين دموع وغضب):
"أقسم بالله… لو صار حاجة لعهد أو صوفيا أو علا، مش هسامحها! هدوسها برجلي. طول عمري شايفة الحقد في عينيها… كانت بتضحك لنا من برّه بس جواها نار."
إيهاب (بصوت مكسور):
"ديلان… إنتِ ما شُفتيش اللي أنا شُفت في الليالي اللي فاتت… نظرتها لأولادنا… حتى لابنها إياد كانت بتبصله بنوع من الكره! وانا؟ أنا كنت بقول 'هي أم ابني… مستحيل تعمل كده'…"
زين (ويقوم، يحط إيده على كتف إيهاب):
"إيهاب… ما تسمحيلها تهزّك من جوّة. لازم نركّز على إنقاذ البنات دلوقتي. مراد قلبه اتقطع على عهد، ومريم بتعيّط على صوفيا… إحنا لازم نكون سند."
ديلان (بتقرب وتقعد جمبه، تبص في عينيه):
"إنت مش لوحدك يا إيهاب. إنت أخونا… ومش هنسيبك تواجه الشيطانة دي لوحدك."
إيهاب يقفل عينيه، تنهيدة كبيرة تطلع منه، ودموع تنزل ماقدّرش يمنعها. يرجع يقعد، ويده بترتعش على الترابيزة.
إيهاب (بهمس):
"لو صار لهم حاجة… أنا مش هقدر أعيش."
زين (بحزم):
"هنلاقيلهم. هنرجّع البنات… وبعدها هنفضّ شغلنا مع ثريا."
ديلان (بغضب):
"وثريا… هتدفع تمن غالي. والله هندمها."
*********************
غرفة نوم ثريا وإيهاب / منتصف الليل
الغرفة غارقة في ظلام خافت، المصابيح الجانبية تبعث ضوءًا أصفر باهتًا. ثريا تجلس على طرف السرير بوجه متوتر، تمسك هاتفها وتنظر للشاشة كل بضع ثوانٍ. فجأة يُفتح الباب بعنف، لتقفز ثريا واقفة بخوف.
ثريا (بصوت مرتجف):
إيه ده! ديلان؟ إنتي مجنونة؟ دي أوضة جوزي وأنا، إزاي تقتحميها من غير استئذان؟
ديلان (تدخل بخطوات واثقة، تسخر):
أوضة جوزك؟! إوعى تنسي إن إيهاب هو أخويا قبل ما يكون جوزك... وإداني السلطة أدخل أي مكان في الفيلا من غير إذنك. خصوصًا هنا.
ثريا تحاول التماسك، لكن جسدها يرتجف قليلًا، تنظر بعيدًا محاولة إخفاء خوفها.
ثريا (بصوت متصنع):
أنا مش فاهمة إنتي عايزة إيه! من وإحنا صغيرين وإنتي مش طايقاني، والنهاردة لسة؟!
ديلان (تقترب منها خطوة بخطوة، نبرة صوتها باردة):
لأني من وإحنا عندنا 11 سنة وأنا شايفة حقيقتك. بنت الخدامة الحقودة... اللي فاكرة ممكن تبقى واحدة منّا.
(تبتسم بسخرية)
عارفة إيه الفرق بيني وبين مريم؟ مريم كانت بريئة، تصدقك بسهولة... لكن أنا؟ أنا عمري ما صدقت ابتسامتك المزيفة.
ثريا (تحاول رفع رأسها بغضب، لكنها تتراجع خطوة):
إنتي... إنتي بتتجاوزي! أنا دلوقتي مرات أخوكي...
ديلان (بصوت حاد، تقاطعها):
مرات أخويا أو لأ، تفضلي بنت شهيرة... اللي حاولت توقع جدي عادل في فخها وتدمر عيلتنا. شكلك ورثتِ منها نفس الدم الفاسد.
وجه ثريا يتغير، عينيها تلتمع بالشر، لكنها تحاول الحفاظ على هدوئها.
ثريا (تتنفس بحدة):
إنتي بتهينيني في بيتي! أنا ماليش علاقة باختفاء البنات...
ديلان (تقترب جدًا، تكاد أنفاسها تلمس وجه ثريا):
اسمعيني كويس يا ثريا... لو عندك طرف خيط، كلمة، أي معلومة... وتخبيها، أقسم بالله هخلي حياتك جحيم. مش بس هفضح حقيقتك قدام الكل، لأ... هخليهم يطردوك من هنا زي الكلاب.
ثريا تبتلع ريقها بصعوبة، تحاول التماسك لكنها تفشل، فتشيح بوجهها بعيدًا.
ثريا (بهمس):
أنا... ما بعرفش حاجة.
ديلان (تضحك بسخرية باردة):
كذبك باين في عينيك. لكن اسمعي... أنا مش هسيبك.
(تتراجع للخلف نحو الباب)
لو اكتشفت إنك متورطة، هتتمنّي يوم ولدتِ فيه.
ثم تفتح الباب وتخرج بقوة، تاركة ثريا واقفة وسط الغرفة، وجهها ممتقع من الغضب والخوف معًا.
ثريا (تضغط على أسنانها وتهمس لنفسها بغيظ):
ديلان... يا ديلان... هتشوفي أنا أقدر أوصل لفين.
*******************
في القاهرة / مكتب مؤقت لرجالة آدم جنب المطار
الأوضة مليانة أجهزة كمبيوتر، الشاشات عارضه خرائط وشوارع. رجالة آدم رايحين جايين بسرعة، ماسكين سماعات وبيتكلموا بتوتر.
آدم واقف قدام خريطة كبيرة، ضاغط بإيديه على الترابيزة، عينه بردة بس وشه مشدود بالغضب.
واحد من رجالة آدم (متوتر):
"يا باشا… لقينا مكان البنات. مخزن مهجور في طرف القاهرة… حوالي ٤٠ دقيقة من هنا."
آدم يرفع راسه بالراحة، يبصله بعيون زي السكين.
آدم (بحدة):
"أخيرًا… (يسكت شوية وبعدين ينفجر) إيه اللي أخركوا كده؟! كان ممكن يحصل لهم مصيبة!"
الرجالة يطأطوا راسهم في صمت.
آدم (بيمشي بخطوات بطيئة وصوته زي السيف):
"اسمعوني كويس… كلّموا الشرطة دلوقتي حالًا. خلّوهم يتحركوا على المكان. وأنا هكون هناك قبلهم. ولو صوفيا جرالها خدش واحد… والله لادفنكوا أحياء!"
واحد منهم يومي بسرعة ويجري يتصل.
آدم يطلع موبايله، يقلب بسرعة على رقم… يتردد لحظة وبعدين يتصل.
إياد (بيرد متوتر):
"ألو؟ مين معايا؟"
آدم (ببرود يخبي غضبه):
"إنت إياد البدراوي؟"
إياد (مصدوم):
"إيه؟! آه… أيوة. إنت مين؟"
آدم (بصرامة):
"مهمّكش أنا مين. اللي يهمك إن عهد لسه عايشة. وصوفيا كمان."
إياد يقفز واقف، قلبه هيخرج من صدره.
إياد (بلهفة):
"إيه؟! عهد… إنت بتقول إيه؟ إنت تعرف هما فين؟!"
آدم (بهدوء مميت):
"أيوة. خليك هادي واسمع. هبعتلك اللوكيشن على تليفونك. تيجي فورًا، بس ماتجيش لوحدك. هات سليم معاك."
آدم يطلع موبايل تاني، يتصل بسليم.
سليم (بيرد بقلق):
"ألو؟"
آدم:
"إنت سليم مراد البدراوي؟"
سليم (مستغرب):
"مين حضرتك؟"
آدم (بصرامة):
"مش مهم. اللي يهمك إن عهد وصوفيا… وعلا كمان، عندي مكانهم. هبعتلك الإحداثيات."
سليم (بصدمة):
"إيه؟! إنت جاد؟! فين؟"
آدم:
"مخزن قديم في أطراف القاهرة. اسمع… الشرطة جاية. إنت وإياد لازم تكونوا هناك قبلي."
سليم (مذهول):
"إياد؟!"
آدم (هادئ):
"أيوة. إنتو الاتنين لازم تتعاونوا لو عايزين تنقذوهم."
ويقطع الخط قبل ما سليم يرد.
آدم يلف لرجالته.
آدم (بصوت واطي ومخيف):
"جهّزوا العربيات… هنمشي دلوقتي."
يبص على شاشة فيها صورة قديمة لصوفيا وهي بتضحك مع عهد. عينينه تولّع نار.
آدم (يهمس لنفسه):
"استحملي يا صوفيا… أنا جاي."
وبيدفع الباب بقوة ويخرج قدام رجالة زي قائد حرب… مش شايف غير هدف واحد: إنقاذ صوفيا.
**********************
داخل المخزن المهجور / الليل
الجو خانق، الجدران رطبة، والأرضية مليئة بالغبار. مصباح أصفر خافت يتدلى من السقف، يوزع ضوءًا باهتًا. عهد، صوفيا، وعلا جالسات بجانب بعض، أذرعهن مشدودة بحبال. العيون متعبة لكن فيها إصرار.
عهد (بصوت خافت، تحاول تبتسم رغم خوفها):
عارفين؟… عندي إحساس قوي… إياد جاي.
(تنظر للأعلى وكأنها تسمع نداء داخلي)
قلبي بيقولي إنه مش هيتركني هنا.
صوفيا (تلتفت لها، تبتسم بحزن):
غريبة… وأنا كمان.
(تغمض عينيها لحظة)
بس مش إياد… آدم.
(تضحك بسخرية صغيرة)
مع إنه… لسه شايفاه في لندن. مستحيل يكون هنا.
علا (تتنهد وتستند للحائط):
وإيه يعني؟ أنا كمان جالي وش سليم في بالي.
(تضحك بسخرية)
رغم إني طول الوقت بقول إنه شايف نفسه ومغرور… بس… مش عارفة ليه أول اسم جه في دماغي دلوقتي هو سليم.
لحظة صمت، كل واحدة تفكر في الشخص اللي خطر ببالها.
عهد (بثقة غريبة):
يمكن لأن اللي بنحبهم… قلوبنا بتعرف إنهم مش هيسيبونا.
إياد… هو دايمًا حاسس بيا.
صوفيا (تبتسم بهدوء):
وآدم… مهما كان مغرور ومستفز…
(تتمتم لنفسها وكأنها مش واثقة)
… مش عارفة ليه حسيته مختلف من أول ما شفته.
علا (تضحك باستهزاء، لكنها تخفي ارتباكها):
وأنا بقى… يمكن دماغي تلخبطت من الخوف. سليم؟! أنا أصلاً كنت هضربه من أول يوم اتعرفنا فيه.
(لكن وجهها يخونها ويظهر عليه ارتباك خفيف)
تتلاقى نظراتهن، وتبتسم عهد ابتسامة صغيرة فيها أمل.
عهد (بصوت ضعيف لكن مليان إصرار):
لا تخافوا…
إياد، آدم، سليم…
أكيد دلوقتي بيخططوا يوصلولنا.
صوت خطوات بعيد يُسمع فجأة خلف الباب المعدني الكبير، والفتيات يشدّن أنظارهن نحوه بخوف ممزوج بأمل.
********************
داخل المخزن المهجور / الليل
الجو ساكن إلا من أصوات القطرات المتساقطة من أنبوب مكسور في السقف. عهد تميل برأسها على الجدار، صوفيا تحدّق في الأرض، بينما علا فجأة تنهض قليلاً وتتكلم بنبرة فيها غضب واستهزاء.
علا (بتهكم):
وبعدين مع سليم ده؟!
أنا مش فاهمة إزاي بتتحملوه.
كل مرة أشوفه… يرفع حاجبه كده، ويبصلي من فوق لتحت كأني بنت في حضانة وهو الأستاذ الكبير!
عهد (تحاول تمنع ضحكتها رغم الموقف):
يا بنتي… هو كده أسلوبه. مش قصده يستفزك.
علا (بحدّة، تتحدى):
لا لا… قصده وبالعينين كمان!
بيتصرف كأنه ملاك نازل من السما، وباقي البشر أقل من مقامه.
صدقيني يا عهد، لو في يوم اتزنقت وهو الوحيد اللي قدامي… همشي بالعكس!
صوفيا (تغطي فمها وتضحك بخفة):
إنتي بجد ما بتتغيّريش.
أنا شايفة إن في حاجة فيكي بتتغير كل ما تذكري اسمه.
علا (ترفع حاجبها بتحدي):
إيه؟! لا يا حبيبتي.
أنا آخر واحدة في الدنيا ممكن تعجب بسليم المتغطرس ده.
ده حتى طريقته في الكلام… "علا، إنتي مش فاهمة… علا، خدي الأمور بعقلانية"!
آآه… أنا لو فضلت معاه ساعة كاملة، هموت من القهر.
عهد (تغمز لصوفيا وتهمس):
شكلها مش ملاحظة إنها طول الوقت… بتتكلم عنه بس.
علا (تسمعها، تلوح بيدها بحدة):
لا يا عهد، ما تحاوليش تفسري غلط!
أنا بقول الحقيقة وبس. أنا وهو زي النار والمية، ما نتفقش أبدًا.
صوفيا (بمرح رغم الخوف):
أحيانًا النار والمية… بيعملوا بخار يغطي الدنيا كلها.
يمكن قصتكوا لسه ما ابتدتش.
علا (بحنق وهي ترمش بعينيها):
قصتنا الوحيدة… إني أقطع السكة أول ما يبان في طريقي.
تنفجر عهد وصوفيا بالضحك الخافت رغم الموقف العصيب، والجو في الغرفة يتغير قليلًا. حتى علا، رغم عنادها، تبتسم نصف ابتسامة وهي تحاول تخفي ارتباكها.
**********************
الطابق العلوي من فيلا قاسم / الليل
قاسم يجلس خلف مكتبه، يراجع أوراقًا قديمة ويضحك بسخرية، زجاجة خمر بجانبه، بينما أصوات رجاله في الخارج فجأة تختفي. ينهض مرتبكًا، يقترب من النافذة، فيرى ظلالًا تتحرك بسرعة في الحديقة.
قاسم (بهمس متوتر):
إيه ده؟! مين دخل هنا؟!
قبل أن يتدارك الموقف، يُفتح باب الغرفة بعنف. يدخل آدم بخطوات ثابتة، عيناه باردتان لكن في داخله بركان. في يده مسدس أسود لامع، يوجهه مباشرة لرأس قاسم.
قاسم (مذعورًا، يتراجع خطوتين):
إنت مين؟! إزاي دخلت هنا؟!
آدم (بهدوء مميت):
الأسئلة دي المفروض أنا اللي أسألها.
أنت قاسم الجبالي… صح؟
قاسم (يتحسس جيبه بتوتر، يحاول التماسك):
إنت شكلك مش فاهم إنت واقف قصاد مين.
أنا اللي هنا صاحب الكلمة.
آدم (يتقدم خطوة، يضغط زناد السلاح قليلاً):
لا… من اللحظة دي أنا الكلمة.
إنت مش أكتر من جرذ وسخ.
جرذ خطف بنات أبرياء.
قاسم (يرتجف لكنه يحاول التماسك بابتسامة متصنعة):
ها… باين عليك مش من هنا.
جاي تلعب دور البطل ولا إيه؟
تعرف إنك داخل على موتك؟ رجالي برا.
آدم (بصوت حاد، مقاطِعًا):
رجالك نايمين… أو بالأصح مطروحين زي الكلاب.
أنا جايب رجالي وخلصنا عليهم في دقيقة.
قاسم يتصبب عرقًا، عيناه تتسعان بصدمة. يقترب آدم أكثر، حتى يكاد فوهة السلاح تلامس جبينه.
آدم (ببرود):
فين صوفيا…؟
قاسم (يتلعثم):
ص… صوفيا؟! إنت تعرف مين؟
آدم (نبرته تمزق الصمت):
أكتر مما تتخيل.
ولو حصالها خدش واحد بسببك… أقسم إنك هتشوف جهنم هنا قبل الآخرة.
قاسم يتراجع لآخر الغرفة، يحاول أن يبدو قويًا لكنه ينهار تدريجيًا أمام نظرات آدم الثاقبة.
قاسم (بضحكة عصبية):
واضح إنك بتحبها… هاه؟
البنت دي… مش هتشوفها تاني.
آدم (عيناه تلمعان بالجنون المكبوت):
جملة زي دي… ممكن تخلي دماغك تتفجر دلوقتي حالًا.
يسود الصمت الثقيل للحظة. صوت خطوات في الخارج يزداد وضوحًا – الشرطة لم تصل بعد، لكن رجالهما يقتربون.
آدم لا يشيح ببصره عنه لحظة، يضغط المسدس أكثر على جبهة قاسم.
آدم (بهمس مخيف):
استمتع بالدقايق اللي فاضلك… لأنها الأخيرة ليك كزعيم.