رواية عطر الانتقام والحب الفصل الحادي عشر11بقلم سيليا البحيري

رواية عطر الانتقام والحب بقلم سيليا البحيري
رواية عطر الانتقام والحب الفصل الحادي عشر11بقلم سيليا البحيري
آدم يرفع المسدس ويلزقه على دماغ قاسم على طول.

آدم (بصوت بارد، حاد زي السكين):
"البنات فين؟ … ماتخلينيش أكرر السؤال."

قاسم (بيضحك بسخرية تقيلة، ويهز كتافه كأنه مبسوط):
"هه… البنات؟ أي بنات يا عم؟ فاكر إن هترتعش لمجرد إنك حطيت حتة حديد على دماغي؟"

آدم يضغط على المسدس أكتر، عروقه بتبان، وعنيه مولّعة غضب:
"ما تلعبش معايا… عهد، صوفيا، وعُلا… فين؟ قول الحقيقة، ولا أقسم إني هخليك تتمنى الموت قبل ما تلاقيه."

قاسم (يايلوي راسو على جنب ويبتسم بخبث):
"أها… باين عليك مهتم بصوفيا قوي… البنت الغريبة دي. ليه؟ فاكر نفسك فارسها؟ … اسمع يا ولد، حتى لو كسرتلي صوابعي أو فجّرت دماغي، مش هتسمع مني كلمة."

آدم يقرب أكتر، صوته واطي لكنه مليان حقد:
"ما تجربش صبري… أنا مش زي الباقيين اللي شوفتهم. ما تفتكرش إن ابتسامتك الرخيصة هتغطّي خوفك. إنت دلوقتي بتترعش، أسمع قلبك بيصرخ."

قاسم (يضرب على الترابيزة فجأة عشان يخبي ارتباكه، وبعدين يضحك):
"بتترعش؟ أنا؟ … إنت اللي بتلهث زي ذئب جوعان، عشان بنت صغيرة في خطر. بتحبها، مش كده؟ نفسك فيها جامد."

آدم عينه بتلمع بغضب جامح، يرفع المسدس ويلزقه في جبين قاسم على طول:
"أيوة… أنا عايزها. وأقسم بروح أمي… لو خدشت شعرة واحدة من راس صوفيا، هدفنك هنا عايش في المكان اللي فاكره قصر."

قاسم (بيحاول يخفي ارتباكه بابتسامة ملتوية):
"إنت بتخوف العيال بس يا آدم… أنا مش عيل. البنات في مكان آمن… آمن بالنسبة لي، مش بالنسبة لك. ومش هتشوفهم إلا لما أنا أقول."

آدم يدوّش عليه بمؤخرة المسدس على وشه، قاسم يقع على الأرض ودمه يطلع من حاجبه، وآدم بينحني ناحيته ويكلمه بين سَنَميمه:
"إنت مش فاهم… أنا مش باع. مش بسبل أعدّاي يتنفسوا بعد ما يمسّوا اللي ليّ. معايا ساعة… ساعة واحدة… قبل ما أرجع وأحوّل حياتك لجحيم ما ليهوش آخر."

قاسم يمسح الدم من وشه، يضحك بصوت ضعيف رغم الوجع:
"هه… يعني هي بتخصك؟ صوفيا الصغيرة بتخصك؟ حلو، دي اللي أحتاجه. دلوقتي عرفت أني أضغط فين وأكسرّك."

آدم عينيه مولّعة بجنون، يصرخ بغضب محبوس:
"جرب… جرب تمسها بظفر… وهتشوف اللي عمرك ما شفته."

آدم يوجّه السلاح على وش قاسم على طول، صوابعه مشدودة على الزناد، وقاسم رغم ارتباكه بيضحك عشان يغطي خوفه. الأوضة بقت مشحونة توتر لدرجة إن أي ثانية ممكن تطلع طلقة وتخلّص كل حاجة.
**********************

فجأة الدنيا بتولع، الباب يتفتح بعنف ويدخل إياد وسليم، وشهم مولّع وقلقان.

إياد (وعينه مولعة):
"قاسم!! … انت الوِحش اللي خطف عهد؟!!"

قاسم (بيقوم متماسك رغم الدم في حاجبه، بيضحك بسخرية):
"أها… أولاد العيلة وصلوا أخيراً… يا مفاجأة. عهد… صوفيا… والبنت التالتة… كلهم عندي من زمان. وإنتو بتجروا زَي عيال تايهين بتدوّروا في الضلمة."

سليم (بيشد إيده وبيتقدم):
"أنت… وقح أكتر مما توقعت!"

إياد مااستناش ثانية، ينقض على قاسم، يلكمه ضربة على وشه، وبعدين يركله في الضهر، وقاسم يوقع أرض متوجع.

إياد (صاح):
"فيـن عهد؟!! قوللي دلوقتي، ولا هكسرلك ضلوعك حتّة حتّة!"

قاسم يبصق دم، وبصورة استفزازية يبتسم:
"هه… عهد الصغيرة… الحلوة… بتصرخ باسمك يا إياد… بس إنت بعيد عنها يا مسكين."

إياد ينفجر ويبدأ ينهال عليه ضرب:
"أنا والله لو ما قلتش دلوقتي… هقتلك بإيدي!!"

سليم يتدخل بسرعة، يمسك إياد من كتفه ويحاول يبعده:
"إياد!! تمالك نفسك! لو قتلته دلوقتي مش هنعرف فين البنات!"

إياد (نفسه مقطوع، عروقه بارزة):
"سيبني يا سليم!! الراجل ده عارف مكان عهد… بيهزر بيا!"

قاسم يضحك بضعف وهو يمسح دم من بقه:
"فاكر نفسك راجل يا إياد؟ لأ… إنت مدلّل زي ابن عمك سليم. أنتو مش فاهمين حاجة. البنات عندي ورق لعب… وأنا اللي بلعب بيهم."

آدم (اللي كان ساكت قبل كده، يشاور بمسدسه تاني ببرود):
"اتكلم، وإلا هخليك  تتمني الموت و متشوفوش."

قاسم يبص لآدم باستخفاف:
"وأنت… الغريب الصغير… داخِل في شغلة مش بتاعتك. ما عندكش عيلة ولا دم يربطك بيهم. بتغامر ليه؟ هي صوفيا بس؟"

إياد يزمجر وبيجري يضربه تاني، لكن سليم يمسكه بقوة:
"اخرس!! 

قاسم يتنفس بصعوبة، وبعدين يضحك ويطلق قنبلة:
"عايزين تعرفوا مين ساعدني؟ مين فتحلي البيبان؟ مين مدتلي إيديها طول شهور؟"
(وبيبص في عين إياد بابتسامة تلج)
"هي… أمك يا إياد. ثريا."

الأوضة تقف جامد، والسُكوت يعم. وش إياد بيبقى شاحب، وعونيه بتتسع من الصدمة.

إياد (بصوت مبحوح كأن الارض راحت من تحته):
"… أمي؟ … لا… مستحيل…"

قاسم يقهقه رغم الوجع:
"بلى… أمك الحبيبة. كانت عينيا في بيتكم… همستلي بأسراركم… مهّدتلي الطريق. من غيرها… ماكنتش هلمّ شعرة من عهد أو صوفيا."

إياد ينهار على ركبته، ماسك راسه بإيديه، صوته مخنوق بين الوجع والغضب:
"أبويا كان صح… دايمًا كان بيقولي أمي ورا ده… ماصدقتوش… يا رب!"

سليم يمسك كتف إياد ويحاول يهدّيه:
"إياد… اسمعني… دلوقتي مش وقت الانهيار. عهد محتاجة إننا نقاتل عشانها."

إياد يقوم زي نار، يندفع ناحية قاسم، رافع كفّه يجهّز يضربه:
"هقتلك!! أقسم بالله هغّلطك لقطع علشان تجرأت تقول اسم عهد!!"

آدم يطلع فجأة ويقف قدام إياد، صوته بارد زي التلج:
"لأ… ماتقتلهوش دلوقتي. موته بسرعة مكافأة ليه. لازم يعترف فين البنات الأول."

قاسم يبتسم بتوتر وهو بينزف:
"هاها…
***********************
بعد دقائق من المواجهة العنيفة.
قاسم مربوط في كرسي نص الأوضة، بقه بينزف لكنه لسه مبتسم بسخرية تقيلة. رجالة آدم واقفين حواليه، سلاحهم مصوّب ناحيته.

إياد (بيصرخ، بيهز راسه بجنون):
"مش هستنى أكتر! عهد هنا… حاسس بيها!"

(بيندفع فجأة ناحية الممرات، يفتح الأبواب بعنف، أوضة ورا أوضة، الفرش بيتناثر وهو بيدوّر زي المجنون).

سليم (بيجري وراه، يفتح باب أوضة تانية، بيصرخ):
"علاا!! إنتي فين؟!!"
(يضرب الحيطة بقبضته، صوته مليان يأس)
"… برضه مش هنا!"

آدم (بيمشي بخطوات سريعة، عينه بتلمع ببرود قاتل، بس من جواه مولّع خوف على صوفيا):
"فتشوا كل حتة… ولا أوضة، ولا دولاب، ولا درج يتساب."

إياد (من بعيد، صوته مجنون):
"عهـــد!! لو سامعاني… ردييي!!!"

(صدى صوته بيملأ الممرات… بس مفيش رد. قاسم من فوق يضحك وهو مربوط).

قاسم (من بعيد):
"دوروا… دوروا… عمركم ما هتلاقوهم… البنات راحوا زي الدخان!"

آدم يقف فجأة، عينه تركّز… يلمح باب حديد صغير مستخبي ورا سجادة كبيرة آخر الممر.

آدم (بصوت واطي حاد):
"… لحظة."

(يقرب بخطوات سريعة وهادية، يزيح السجادة برجله، الباب الحديد يبان. يمسك المقبض… مقفول جامد. يبتسم ببرود).

آدم (بصوت خافت زي السكينة):
"لقيتكوا."

(ينادي بصوت عالي):
"إياد! سليم! هنااا!"

إياد يجري بسرعة، عينه مولّعة، وسليم وراه.

إياد (مجنون):
"افتحه!! بسرعة!!"

سليم (بيفحص الباب):
"مقفول… شكله باب قبو!"

إياد (يدفع سليم ويصرخ):
"عهد تحت!! متأكد!!"

آدم (يرفع مسدسه، يضرب طلقة على القفل، الشرر يتطاير، بس الباب ما اتفتحش):
"ابعدوا."

(باندفاع، إياد وسليم وآدم يركلوا الباب مع بعض. تلات ركلات جامدة، صوت ارتطام الحديد بالجدران بيرن في الأوضة. الباب يترنّح، الصدأ بيتكسر).

سليم (بيصرخ وهو بيركل):
"علا!! استحملي… احنا جايين!"

إياد (بيهدر بغضب وهو بيركل بكل قوته):
"عهـــد!! مش هسيبك لوحدك!!"

آدم (ببرود، بس عينه متوترة):
"صوفيا… استعدي…"

الضربة الأخيرة تتسمع… الباب الحديد يتكسر بعنف ويتفتح لورا، صريره يدوّي في المكان.
ظلام دامس يطلع من جوّه… زي قبو أسود بيبتلعهم.
**********************

جوا القبو – بعد ما الباب اتكسر

الضلمة بتتبدد شوية بشوية مع ضوء الكشافات اللي في إيدين رجالة آدم. التراب مالي المكان ولسه صوت الحديد المكسور بيرن.

عهد (عينيها مليانة دموع، بتصرخ من قلبها):
إياااد!!

(بتجري بكل قوتها، رجلها مش لامس الأرض تقريبًا، بتترمي في حضنه بقوة. إياد يضمها جامد، يرفعها شوية من الأرض، يدفن وشه في شعرها.)

إياد (صوته متقطع، مبحوح من العياط):
كنت حاسس… كنت عارف إنك هنا… مش هسيبك تاني يا عهد… بوعدك!

عهد (بتبكي وهي مغرقاه في حضنها):
كنت مرعوبه… بس قلبي كان بيقولي إنك هتيجي…

(صوفيا واقفة مصدومة أول ما عينها وقعت على آدم. واقف ببروده المعهود، بس عينيه مليانة مشاعر مكبوتة. فجأة، من غير ما تفكر، بتجري عليه. هو بيفتح دراعاته تلقائي وبيحضنها جامد، وشه قريب من شعرها.)

صوفيا (بتعيط):
آدم…؟ إنت هنا؟! أنا كنت فاكرة إنك في لندن…

آدم (صوته واطي ومتحشرج رغم إنه بيحاول يتماسك):
لو البحر كان بينّا… كنت عبرته. مستحيل أسيبك.

(صوفيا بتتجمد لحظة، كلامه لمس حاجة جواها، بس بتهز راسها كأنها مش عايزة تصدق الإحساس اللي جالها.)

صوفيا (بتضحك بدموعها، نص ابتسامة):
إنت… مغرور حتى هنا… بس… شكرًا إنك جيت.

(آدم بيبتسم ابتسامة صغيرة نادرة جدًا، محدش شايفها غيرها.)

(علا واقفة شامخة زي العادة، بس عينيها حمرا من العياط. ماجرتش، واقفة بعناد. سليم اندفع عليها بخوف باين قوي، ماسك دراعها وبيبص عليها من فوق لتحت.)

سليم (بلهفة، عينيه متلخبطة في ملامحها):
إنتي كويسة؟ حد أذاكي؟ اتكلمي!

علا (رافعة حاجبها بتحدي، بس ابتسمت ابتسامة خفيفة):
أنا مش لعبتك يا ابن عمي… أنا بخير. كنت عارفة أتصرف.

سليم (مكشر، قرب أكتر وصوته واطي بس صادق):
ما تقوليش كده… لو حصلك حاجة…

(بيسكت فجأة، مش قادر يكمل الجملة، ويشيح بوشه بعيد زي اللي هرب من اعتراف كان هيطلّع قلبه.)

علا (بنص سخرية ونص ارتباك):
هاه… أول مرة أشوفك مرعوب كده عليا… ماكنتش دايمًا بتشوفني مزعجة؟

سليم (بياخد نفس عميق، يبصلها):
ولسه… بس إنتي مزعجتي أنا.

(علا بتتلبك لحظة وبعدين تضحك وهي بتمسح دموعها.)

(المشهد بيوسع… البنات التلاتة في حضن التلات شباب، الجو مليان دموع فرحة ودفا. في الخلفية رجالة آدم بيزعقوا إنهم لازم يخلوا المكان قبل ما تيجي تعزيزات قاسم أو رجالة تانية.)

آدم (بحزم، ماسك إيد صوفيا بقوة):
الوقت خلص… لازم نخرجهم حالًا.

إياد (بيبص لعهد بحنان، بيمسح دموعها):
الخوف مش هيلمسك تاني.

سليم (بصرامة ناعمة وهو بيبص لعلا):
خليكي جمبي… أنا هخرجك من هنا مهما حصل.

(البنات بيهزوا راسهم موافقة، ورغم التعب والخوف، ابتسامة صغيرة بتترسم على وشوشهم… الإحساس بالأمان رجع أخيرًا.)

(المشهد بيقفل على لحظة استعدادهم يخرجوا من القبو، كل بنت إيدها متشابكة مع اللي بتحبه.)
*********************

بعد ما طلعوا كلهم من القبو

الإضاءة ضعيفة، رجالة آدم واقفين متأهبين، سلاحهم موجه ناحية قاسم اللي قاعد على كرسي كبير، متكتف إيدين ورجلين. وشه مورم شوية من ضرب إياد اللي فات، بس لسه بيضحك باستخفاف كأن ولا حاجة حصلت.

(عهد بتتقدم بخطوات ثابتة، جسمها بيرتعش من التعب والخوف، بس عينيها مولعة غضب. الكل بيتابعها ساكت.)

قاسم (ساخر، رافع راسه شوية):
أهي الأميرة الصغيرة… جاية تشكريني على رعايتي ليكي؟

(عهد بتقف قدامه على طول، إيدها بترتعش، بس بتلم شجاعتها. فجأة ترفع إيدها وتلطشه بالقلم بكل قوتها. صوت الصفعة بيرن في القاعة.)

عهد (بغضب ووجع اتحول لقوة):
دي… تمن كل لحظة خوف زرعتها جوا قلبي!

(قاسم يضحك ضحكة وقحة، الدم نازل من بقه، كأنه مستمتع إنه يغيظها.)

قاسم:
قلم من إيدك… أشرف من سنين عمري كلها.

(عهد ما بترجعش لورا، بتبصله بجرأة لأول مرة، وبترمي بصقة في وشه.)

عهد (بصوت بيرتعش بس قوي):
قرف! هتتعفن ورا القضبان… وهتتذل زي ما حاولت تذلنا. البوليس جاي… ومش هيرحموك.

(إياد وراها، عايز يهجم عليه تاني، بس آدم بيرفع إيده ويمنعه، مفضل يسمع عهد.)

قاسم (مميل راسه لورا، مبتسم بسمة باردة):
البوليس؟ السجن؟ فاكرة الحيطان هتوقفني؟ أنا قاسم… محدش يدفني حي.

(عهد بتقرب أكتر، عينيها مولعة غضب، صوتها واطي بس حاد زي السيف.)

عهد:
هتفضل هناك… لحد ما العفن ياكلك. ومش هتشوف النور تاني.

(لحظة صمت تقيلة. الكل بيبص لعهد بإعجاب، حتى صوفيا وعلا بيبتسموا بفخر. قاسم يضحك تاني، بس المرة دي ضحكة عصبية كأنه لأول مرة حاسس إنه محاصر.)

(عهد بتتنفس بعمق، على وشك تكمل كلامها، بس بتسكت فجأة لما افتكرت إن ثريا متورطة، وإياد واقف وراها. تسكت وتشيح بوشها بعيد. لحظة صمت بتسود.)

إياد (حاطط إيده على كتفها، بيهمس):
كفاية يا عهد… إنتي قولتي اللي يكفي.

(قاسم بيلقط اللحظة، بيضحك باستهزاء، عينيه بتثبت في عين إياد كأنه بيشاور على خيانة أمه من غير ما ينطق. إياد بيعض على سنانه جامد، بس ساكت. آدم بيبص لقاسم ببرود قاسي، كأن حكم إعدامه اتقال خلاص.)

آدم (بهدوء مخيف):
خلص وقتك يا قاسم. دقيقة كمان… وهتسمع صفارات البوليس.

صوت عربيات الشرطة بيتقرب من بعيد، أضواها الحمرا والزرقا بتلمع من الشباك. قاسم بيبتسم ابتسامة خفيفة، بس عينيه اتوترت لحظة. عهد بترجع لورا، ماسكة إيد إياد، ولأول مرة حاسة إنها رجعت قوتها اللي اتسلبت منها
********************

صالة فيلا البدراوي – بالليل

القوضة ساكنة والجو تقيل. وشوش الكل شاحبة من طول السهر والخوف.
مراد قاعد على الكنبة، راسه بين إيديه، عينيه حمرا من البكا والقلق. جنبه حور ماسكة إيده اللي بترتعش، بتحاول تمسك دموعها بس مش قادرة.

زين واقف عند الشباك، ماشي رايح جاي بعصبية.
ريم قاعدة ساكتة، عينيها ملزقة في جوزها، بتحاول تهديه، بس قلقها على ابنها سليم باين عليها.

إيهاب قاعد على كرسي، ماسك عصايته بإيده بقوة، الغضب والذنب آكلينه.

إيهاب (بصوت مبحوح):
والنبي لو ما كنتش ضعفت يوم قدام الست دي… ما كناش وصلنا للِّي احنا فيه.

(ديلان اللي قاعدة في آخر القوضة، تخبط بإيدها على دراع الكرسي بعصبية.)

ديلان (بعصبية):
ما تلومش نفسك لوحدك يا إيهاب! أنا متأكدة زي ما إنت متأكد… ثريا ورا كل اللي حصل. بس من غير دليل… هيقولوا بنهبد!

(مريم قاعدة جنب جوزها إدوارد، عينيها غرقانة دموع، مش شايفة غير صورة صوفيا قدامها.)

مريم (بتوجع):
بنتي الصغيرة… طب لو ما شفناهاش تاني؟!

إدوارد (ماسك إيدها وبيحاول يهديها):
هترجع يا مريم… هترجع، متفقديش الأمل.

(مازن ولين، أبو وأم علا، شكلهم أشباح. لين بتعيط في هدوء، ومازن حاطط إيده على كتفها بيحاول يبقى قوي، بس من جوه متكسر.)

الظابط طارق واقف جنب الباب، بيحاول يبان ثابت وسط كل الحزن، عارف إن الوقت بيجري عليهم.

طارق (بجدية):
صدقوني، إحنا شغالين ليل نهار. هنلاقيهم… أنا واثق.

زين (بانفجار):
واثق؟! بنت أخويا وبنت أختي… بناتكو كلهم ضايعين! مش عايزين كلام… عايزين نتيجة!

ديلان (بتقاطعه بحدة):
كفاية يا زين! مش إنت بس اللي موجوع… الكل هنا قلبه بيتقطع.

(يسود الصمت تاني… الكل بيبص لبعض بعيون مليانة دموع.)

فجأة… موبايل طارق بيرن.
الكل يلف ناحيته بسرعة كأن النفس اتقطع. طارق يرفع إيده يطلب هدوء ويرد بسرعة.

طارق (بلهفة):
أيوة… أنا طارق… اتكلم.

(الكل بيقرب أكتر، حتى مراد يرفع راسه لأول مرة من ساعات.)

طارق (بيسمع، عينيه بتتفتح بدهشة، وبصوت عالي):
إنت بتقول إيه؟!… لقوهم؟!

(حور تحط إيدها على بوقها تكتم شهقة، مريم تقوم واقفة فجأة ودموعها سايحة، زين يقرب أكتر كأنه هيخطف التليفون.)

طارق (مكمل):
بأمان؟!… يا حمد لله… يا حمد لله! أيوة… أيوة، جايين حالاً.

(يقفل الموبايل بإيد بترتعش، يبص للكل، ولأول مرة من أيام يبتسم.)

طارق (بحماس):
لقوا البنات! دلوقتي بأمان… في الطريق للمخفر.

(الكل بينهار من الفرحة. مراد يقوم بسرعة، يحضن حور اللي بتعيط بحرقة وهي بتقول: "عهد… بنتي…".
مريم تقع على الأرض من قوة الصدمة، وإدوارد يسندها ويحضنها وهو بيضحك وبيعيط في نفس الوقت.)

إدوارد:
سمعتي يا مريم؟! صوفيا بخير!

(مازن يمسح دموعه لأول مرة من غير ما يخجل، يبص للين.)

مازن:
علا بخير… بنتنا بخير!

(زين يتنفس بعمق، يرفع إيديه للسماء.)

زين (بدموع الفرح):
الحمد لله… الحمد لله اللي ما خذلناش.

(إيهاب يغطي وشه بإيديه، يهمس بصوت مخنوق.)

إيهاب:
ابني… أخيراً هيشوف ضحكتها تاني.

طارق (بحزم):
يلا بينا… لازم نوصل المخفر قبل ما يوصلوا.

الكل يقوم بسرعة، خليط بين الفرح والدموع واللخبطة. لحظة قلبت الحزن لي نور أمل. المشهد يقفل على وشوش منورة بدموع الفرح وهما بيجروا يجهزوا يمشوا
**********************
أوضة ثريا / منتصف الليل

البيت كله بقى نصه نور ونصه ظلمة من ورا أضواء سيارات الشرطة في الشارع. ثريا قايمة عند الشباك، ووشها أبيض، عينها مولعة نار. سمّعت كل كلمة: إن الفتيات لِقوا وإنهم راجعين للمخفر — وكأن الدنيا انهارت جوا صدرها.

ثريا (تمسح على وشها بصوت واطي، بعد ما ابتسمت ابتسامة مريضة): – تِبقى كده؟! تِبقى الدنيا تضحك ليهم كده؟!

تميل على التليفون، تضغطه بأصابعها لحد ما بتقسو عليها الجلد. تتصل على قاسم بسرعة، الدنيا كلها قلبت عندها نار.

ثريا (تتكلم في السماعة بعصبية متقطعة): – قاسم! بتسمعني؟ فينّك يا حرامي؟!

الصوت من الناحية التانية.. مفيش. تليفون مقفول. تقفل الخط بعنف، تخبط التليفون على الترابيزة. البهدلة دي مش بتتقبل عندها. كأن الدنيا خانتها.

ثريا (تزمجر لنفسها): – هو يجرؤ يقطع عليّا؟! هو يجرؤ يسيبني لوحدي؟!

بتمشي في الأوضة بخطوات سريعة، تفتح الدولاب، تطلع شنطتها، تفحصها كأنها بتفكر — مش أي خطة، دي حرب شخصية.

تقعد على الكنبة، تشبك إيديها، ووشها كله غضب:

ثريا (بصوت واطي لكن جليّ القسوة): – قاسم أنا اللي جبته… أنا اللي ودته للبيت ده، أنا اللي فتحتلك كل باب… وإنه يجرؤ يخونني؟! يخونني قد ايه؟!
(تضحك ضحكة قاسية)
مش هسكت. لا خيانة، لا هزيمة. مين يستخف بـثريا الريس؟

تقوم فجأة، تمشي للحمام، تفتح الدرج بتاع الأدراج الصغيرة، تطلع منه سكينة مطبخ كبيرة — قطعة بسيطة لكن بالنسبة لها هي ختم القضية.

ثريا (تمسك السكينة وتبص في المراية، عينها بتلمع كأنها بيضة شرّ): – يا قاسم… يا وحش. لو انت فكرت تهرب منّي… هوريك آخر محطة في حياتك.

تطلع من الأوضة وهي شايلة السكين في شنطة صغيرة، بتمشي في الممر بخطوات ثابتة، في صوت كعبها على الأرض صريح، كل خطوة بتداوي جرح جوّاها.

تقرب من باب الفيلا، تتطلع ناحية الشارع، تشوف ضوء الأزرق والأحمر بعيد، بس مش مخوّفة. العكس، كأنها بتستمد حرارة.

ثريا (همس لنفسها وهي خارجة): – الشرطة هتاخدهم، بس أنا هخد حقي برده. مين يقول ليّ إني هفضل مكسورة؟ مين يقول لأني أقل من أي حد؟

توقف عند باب الجراج، تسحب تليفون تاني، تكتب رسالة قصيرة لكنها سامة:

> "لو فكرت تضحك علىّ تاني، هتندم. تعال دلوقتي أو أنا هجيلك."

ترسلها لرقم قاسم وتضغط "إرسال" وهي عارفة إن مفيش رد. قلبها بيتسارع، بس فيها هدوء قاتل.

ثم تمشي بخطى أسرع، تطلع العربية، تسوق بإيد ثابتة تجاه فيلا قاسم. الطريق مظلم، والمطر خفيف كأنه يصفي الجو قبل العاصفة
تعليقات



<>